الإشراف
على مذاهب العلماء ـ[الإشراف على مذاهب العلماء]ـ
المؤلف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفى: 319هـ)
المحقق: صغير أحمد الأنصاري أبو حماد
الناشر: مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة
الطبعة: الأولى، 1425هـ - 2004 م
عدد الأجزاء: 10 (8 ومجلدان للفهارس)
تنبيهان:
1 - حذفنا من الكتاب ما أضافه المحقق اختصارا من الأوسط أو جمعا من كتب
أخرى كالمغني والمجموع، فاقتصر هذا الكتاب الإلكتروني على ما ورد في
مخطوطات الإشراف لابن المنذر
2 - في المجلد السادس وجدنا صفحات ساقطة من جميع النسخ الورقية التي وقفنا
عليها لهذه الطبعة، فأكملنا السقط من طبعة قطر تحقيق محمد نجيب سراج الدين،
ونبهنا على ذلك في موضعه (انظر مثلا: كتاب المضاربة)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(/)
الإشراف
على مذاهب العلماء
لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري 318هـ
المجلد الأول
حققه وقدم له وخرج أحاديثه
د. أبو حامد صغير أحمد الأنصاري
(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/2)
الإشراف
على مذاهب العلماء
(1/3)
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1425هـ - 2004 م
الناشر
مكتبة مكة الثقافية
هاتف: 2361835 - 7 - 00971
فاكس: 2362836 - 7 - 00971
ص. ب. 2326
رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الإشراف
بين يدي الكتاب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} الآية (1).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} الآية (2).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا} الآية (3).
__________
(1) سورة آل عمران: 102.
(2) سورة النساء: الآية الأولى.
(3) سورة الأحزاب: 70 - 71.
(1/5)
أما بعد ...
فإن الاشتغال بعلوم الدين من أهم الفضائل والأعمال التي يقوم بها الإنسان
في حياته الدنيا، ومن ثم يطمع فيها منال رضا الله سبحانه وتعالى في الآخرة،
ولذا تواترت النصوص والأخبار في الحث على طلبها وتعلمها وتعليمها، لا سيما
علمي الفقه والحديث، وكتابنا هذا "الإشراف على مذاهب العلماء" لأبي بكر
محمد ابن إبراهم بن المنذر المتوفى 318 هـ يجمع بين هذين العلمين إذ صاحبه
مفسر، محدث، فقيه، وكان يلقب بشيخ الحرم، وفقيه مكة في عصره، ولست بحاجة
إلى تعريف القراء بأهمية هذا الكتاب، فجميع كتب الفقه، وخاصة كتب الخلاف
تعتبر من المصادر القيمة لدى الباحثين في تطور الحياة الاجتماعة في مختلف
العصور الإسلامة وإننا لنجد في هذا الكتاب من الفوائد، والمواد، والبيان ما
لا نجده في أي مصدر آخر يعني بهذا الموضوع.
ولا شك أن هذا الكتاب مختصر اختصره المؤلف من كتابه "الأوسط في السنن
والإجماع والاختلاف"، ومع هذا فإنه أكمل كتاب في موضوعه، وهو يجمع أصول
الشريعة من الآيات القرآنية، والآحاديث الصحيحة، ويجمع إجماع العلماء
واختلافهم من عصر الصحابة إلى أتباع التابعين ومن بعدهم إلى عصره، ويرجح ما
يتبين له راجحا بالدليل دون تقيد بآراء الرجال ولا بأقوالهم.
وهذا ما دفعني لإكمال تحقيق هذا الكتاب الذي بدأت به في سنوات عديدة، وقد
تأخر تحقيقه ونشره بسبب عدم الحصول على النسخة الخطية من أول الكتاب.
(1/6)
وإن هذا الكتاب يحتوي على جميع الأبواب
الفقهية من أولها إلى آخرها، التي تساعد في معرفة الكتب والأبواب الناقصة
في "كتاب الأوسط" الأصل لكتاب "الإشراف".
وأن تحقيق هذا الكتاب وفهرسته الفنية، لا سيما فهرسة تفصيلية أبجدية
للمسائل الفقهية الخلافية، على طريقة المعاجم اللغوية، التي هي بمثابة
مقدمة تعينني على إعداد "المعجم الفقهي" الذي يدل على كل مسأله فقهية، ويدل
على أقوال الفقهاء فيها، ويدل على مصدر المسألة ومصدر آقوال الفقهاء من
الكتب المختارة من أمهات الكتب، وقد بدأت في إعداده، أرجو من الله تعالى
العون والتوفيق لإكماله، وهو على كل شيء قدير.
قد سبق أن طبع كتاب "الإشراف على مذاهب العلماء" (المجلد الرابع) بتحقيى
الذي يبدأ بكتاب النكاح، إلى أول كتاب البيوع، وبتحقيق الدكتور نجيب سراج
الذي يبدأ بكتاب الشفعة إلى آخر كتاب الغصب في مجلدين، في رسالته
الدكتوراه، ثم ضمت هذه المجلدات الثلاثة وظهرت في طبعه جديدة بدعوى تحقيق
جديد خادع، مع بقاء الترتيب، ثم ظهرت طبعة جديدة أخرى بتحقيق محقق جاهل
فاضل مع تغيير الترتيب, وسأتناول الحديث عن هاتين الطبعتين في مبحث خاص في
المقدمة.
وهذا الصنيع المؤلم لهذين المحققين الذي يوسم وسمة سوداء على جبين المحققين
دفعني أن أنهض لكتاب الإشراف، وأكمل ما سقط من النسخة المخطوطة بعد
الاختصار مني من "الأوسط" إن وجد، وبالاستعانة بكتب أخرى مثل المجموع
للنووي، والمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم.
وإنني أحمد الله على ما يسره من إتمام هذا العمل، وأتوجه بالشكر لكل من
ساهم به، لا سيما اولادي بنين وبنات، الذين ساهموا بمقابلة النصوص،
(1/7)
والفهرسة، والطباعة على الحاسوب، فبارك
الله في جهودهم، ورزقهم علماً نافعاً ووفقهم لما يحب ويرضى، والحمد لله
أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، حرر ذلك في
أول محرم 1419 هـ، الموافق 27/ 4/ 1998 م.
د. أبو حماد صغير أحمد الأنصاري
أستاذ مساعد
بمعهد العلوم الإسلامية والعربية- رأس الخيمة- سابقاً
أستاذ مساعد
بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا- العين- حالياً
يوم الاثنين 28/ رمضان المبارك/ 1423 هـ
2/ ديسمبر/2002 م
(1/8)
1 - ابن المنذر
النيسابوري
1 - مولده ونشأته:
هو أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري، الحافظ،
العلامة، الفقيه، المجمع على إمامته وجلالته، ووفور علمه، ولد بنيسابور
عاصمة خراسان في ذلك الزمان، قال الذهبى ولد في حدود موت أحمد بن حنبل (1)،
وقال الزركشى: ولد سنة اثنين وأربعين ومائتين من الهجرة (2)، ونشأ وتعلم،
وسمع طائفة من شيوخ التفسير، والحديث، والفقه، حتى برع فيها، وبدت نجابته،
وذاع صيته، وعلت منزلته، حتى جلس مجلس المحدثين، وبدأ التحديث من موطنه
الأصلى، قال تلميذه أبو بكر الخلال الحنبلي: حدثنا الأكابر بخراسان منهم
محمد بن المنذر (3).
2 - رحلاته العلمية:
برز الإِمام ابن المنذر في أنواع كثيرة من العلوم الشرعية، وقد استحق مسند
التدريس في نيسابور في أثناء إقامته بها، ولم يستقر به المقام هناك، حتى
نزل مكة شوقاً في طلب العلم وحرصاً على استيعابه، وسكنها، فكان يعرف بفقيه
مكة، وشيخ الحرم، وقد طاف في البلاد للعلم والمعرفة، فسافر إلى بغداد وسمع
من المشايخ، يقول ابن المنذر: حدثنا كثير بن شهاب ببغداد حدثنا
__________
(1) سير أعلام النبلاء 14/ 490.
(2) الأعلام 5/ 294، وحيث كانت وفاة الإمام أحمد سنة 241 هـ، فكان هذا
التحديد تقريباً مقتبساً من قول الإِمام الذهبى السابق.
(3) ط. الحنابلة 1/ 38.
(1/9)
محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعني ابن
أبي قيس عن عاصم قال: أغمى على أنس بن مالك فلم يقض صلاتة (1).
ورحل إلى مصر وسمع هناك من الربيع وغيره من العلماء، يقول ابن المنذر:
حدثنا بكار بن قتيبة بمصر حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن العجلان عن
القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: "إنما أنا لكم مثل الوالد للولد، ون يأمرنا بثلانة أحجار" (2).
قال الذهبي: لم يذكره الحاكم في تاريخه، نسيه، ولا هو في تاريخ بغداد، ولا
تاريخ دمشق، فإنه ما دخلها (3).
3 - شيوخه:
إن ابن المنذر عاصر الثقافة الإسلامية في أيمن وأزهى عصورها، حين رسخت
أصولها، وامتدت فروعها، وظهر فيها كثر من المحققين والبارعين والنبلاء من
العلماء، كل فن من فنون العلم، وفي كل فرع من فروع المعرفة.
فأخذ ابن المنذر العلم، والفقه، والحديث من مثل هؤلاء العلماء الكثيرين
المنتمين إلى مختلف الأقطار، وإن كثرة شيوخة، واختلاف أقاليمهم، وتنوع
مذاهبهم وثقافهم، أفادته معرفة فقه المذاهب المخَتلفة، والتبحر فيه بكل
دقة، وإحكام.
__________
(1) الأوسط 391: 4 رقم الأثر 2333.
(2) الأوسط 1/ 344 رقم الحديث 295.
(3) سير أعلام النبلاء.
(1/10)
ومن أشهر شيوخه في الفقه والحديت:
أ- محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ إمام الحفاظ، صاحب الصحيح.
2 - الحسن بن محمد الزعفراني البغدادي 259 هـ أحد رواة مذهب الشافعي
القديم.
3 - محمد بن عبد الله المصري المالكي 268 هـ من أصحاب الإمام الشافعي.
4 - الربيع بن سليمان المرادي 270 هـ صاحب الإمام الشافعي وراوية كتبه.
5 - محمد بن عبد الوهاب العبدي 272 هـ النيسابوري، الفقيه الأديب.
6 - محمد بن إسماعيل الصائغ 276 هـ أبوجعفر، محدث مكة في زمانه.
7 - محمد بن إدريس الرازي 277 هـ أبو حاتم، الحافظ، إمام النقاد.
8 - محمد بن عيسى بن سوره الترمذي 279 هـ الإِمام الحافظ، صاحب الجامع.
9 - إسحاق بن إبراهيم الديري 285 هـ صاحب عبد الرزاق، وراوية كتبه.
10 - علي بن عبد العزيز البغوي 286 هـ الحافظ الأديب المجاور بمكة المكرمة.
(1/11)
4 - تلاميذه:
لا شك أن فرصة الإقامة بمكة المكرمة تغني عن أسفار كثيرة، طويلة أو قصيرة،
حيث أنها كانت أول منبع نور الهداية ثم صارت مرد جمع المسلمين من أطراف
العالم، لوجود بيت الله فيها، ولأداء فريضة الحج والعمرة كل سنة، وتذكر لنا
كتب التاريخ، وكتب التراجم أن علماء المسلمين قد كانوا يكثرون الحج والعمرة
لكسب الأجر والثواب، ولتلقي العلم من العلماء الواردين إليها، والمشايخ
الساكنين بها.
وإن سكنى ابن المنذر بلد الله الحرام كما هيأت له السماع من شيوخ كثيرين من
أقطار العالم، فقد هيأت له طلاب العلم الذين سمعوا منه الحديث والفقه عند
قدومهم مكة المكرمة، ثم هم نشروا علمه في أرجاء بلاد المسلمين.
ومن أشهرهم:
أ- أبو مروان عبد الملك بن العاصي بن محمد السعدي 330 هـ: من علماء
الأندلس، رحل إلى مكة وسمع من ابن المنذر كثيراً (1).
2 - أبو عمر أحمد بن عبادة الرعيني332 هـ نشأ في قرطبة، ورحل إلى مكة، وسمع
ابن المنذر وتفقه عليه (2).
3 - محمد بن أحمد بن إبراهيم البلخي، روى عن ابن المنذر كتابي الإشراف
والإقناع بمكة في الحرم سنة 315 هـ (3).
4 - أبو حاتم محمد بن حبان البستي 254 هـ، سمع من ابن المنذر بمكة (4).
__________
(1) تاريخ علماء الأندلس1/ 273 (820).
(2) تاريخ علماء الأندلس 1/ 34 (105).
(3) الإقناع 2/ ألف.
(4) معجم البلدان 1/ 416.
(1/12)
4 - سعيد بن عثمان بن عبد الملك الأندلسي
رحل إلى المشرق فسمع من ابن المنذر بمكة كتاب الإقناع، وأجاز له (1).
5 - محمد بن إبراهيم بن علي المقري 381 هـ سمع من ابن المنذر بمكة كتاب
اختلاف العلماء (2).
6 - محمد بن عبد الله بن يحيى الليثي 339 هـ، رحل سنة 312 هـ فسمع من ابن
المنذر بمكة (3).
7 - عبد البر بن عبد العزيز بن مخارق، رحل إلى المشرق ولقي ابن النذر، وحدث
عنه كتاب الإقناع (4).
8 - محمد بن إبراهيم بن أحمد أبوطاهر الأصبهاني، ابن عم نعيم الأصبهاني
(5).
9 - محمد بن يحيى بن عمار الدمياطي (6).
وممن سمع كتاب الإشراف من ابن المنذر ورواه عنه:
1 - أحمد بن إسحاق الغافقي أبو عمر 372 هـ (7).
2 - أحمد بن عبادة بن علكدة أبو عمر الرعيني 332 هـ، من أهل قرطبة (8).
3 - إساعيل بن الفضل أبو الفتح السراج.
__________
(1) تاريخ علماء الأندلس 1/ 170 (506).
(2) اختلاف العلماء الورقة الأولى /ألف.
(3) تاريخ علماء الأندلس 2/ 58 (1253)، والديباج المذهب 2/ 224.
(4) تاريخ علماء الأندلس1/ 294 (870).
(5) لسان الميزان 5/ 28.
(6) تذكرة الحفاظ 3/ 782، سير أعلام النبلاء 14/ 490، ط. السبكي 3/ 102،
العقد الثمين 1/ 407.
(7) تاريخ علماء الأندلس 1/ 51 رقم 170.
(8) تاريخ علماء الأندلس 1/ 34 رقم 105.
(1/13)
4 - الحسن بن علي بن شعبان المصري.
5 - عبد الله بن أبي زيد النفزى القيرواني أبو محمد الفقيه المالكي 386 هـ.
6 - محمد بن يحيى بن عمار الدمياطي أبو بكر 384 هـ (1).
7 - منذر بن سعيد أبو الحكم البلوطي 355 هـ، من أهل قرطبة (2).
8 - محمد بن عبد الله بن يحيى أبو عبد الله الليثي 339 هـ، من أهل قرطبة
(3).
9 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن بانيك البلخي أبو عبد الله (4).
10 - محمد بن إبراهيم بن المقري 381 هـ (5).
5 - مذهبه:
كان محدثاً ثقة، فقيهاً عالماً، مطلعاً مجتهداً، إلا أنه كان كثير الميل
إلى مذهب الشافعية، وهو معدود في أصحابه، كذا قال تقي الدين الفاسي (6)،
وقال السبكى: المحمدون الأربعة: محمد بن نصر، ومحمد بن جرير، وابن خزيمة،
وابن المنذر من أصحابنا، وقد بلغوا درجة الاجتهاد المطلق، ولم يخرجهم ذلك
عن كونهم من أصحاب الشافعي، والمتخرجين على أصوله، المتمذهبين بمذهبه، لو
فاق اجتهادهم اجتهاده (7) وعده الشيرازي من أصحاب الشافعي، وذكره كثيرا في
المهذب، وفي طبقات الفقهاء وقال: صنف
__________
(1) لسان الميزان 5/ 28.
(2) تاريخ علماء الأندلس 2/ 144 رقم 1454، قضاة الأندلس/74.
(3) تاريخ علماء الأندلس 2/ 58 رقم 1253، الديباج المذهب 2/ 224.
(4) ابن عطية/102، الإقناع 2/ ألف.
(5) التحبير في المعجم الكبير 1/ 103.
(6) العقد الثمين 1/ 407.
(7) ط. الشافعية الكبرى 2/ 102 - 103.
(1/14)
في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف أحد مثلها،
واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف (1).
وقال النووي: ولا يلتزم التقيد في الاختيار بمذهب أحد بعينه، ولا يتعصب
بأحد، ولا على أحد، على عادة أهل الخلاف، بل يدور مع ظهور الدليل ودلالة
السنة الصحيحة، ويقول بها مع من كانت، ومع هذا فهو عند أصحابنا معدود من
أصحاب الشافعي، مذكور في جميع كتبهم في الطبقات (2).
وذكر الذهبى قول النووي وقال: قلت: ما يتقيد بمذهب واحد إلا من هو قاصر في
التمكن من العلم كأكثر علماء زماننا، أو من هو متعصب (3).
والحق كما قال الذهبي، فإنه كان يأخذ بالقول الذي يؤيده الدليل، ولا يتعصب
لقول أحد، ولا على أحد، وكان إذا خالف قول أحد من الفقهاء الدليل رده، وبين
مخالفته للدليل، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولذا قال الذهبى: كان غاية في
معرفة الاختلاف والدليل، وكان مجتهدا لا يقلد أحداً (4).
6 - مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
لقد بلغ ابن المنذر ذروة العلم في الفقه والحديث، فإن يعرف بفقيه مكة وشيخ
الحرم، ومؤلفاته التي أتقنها وأجاد فيها تشهد بذلك.
والمؤلف رحمه الله قد غلب عليه الجانب الفقهي، والتخصص في فن الخلاف حتى
صار إمام هذا الفن بحق، ونهج في هذا الفن منهجاً لم أره في كلب معاصريه،
فقد توسع ذكر أقوال أهل العلم، وفي الاستدلال لها بالكتاب والسنة وأقوال
__________
(1) ط. الفقهاء /89.
(2) تهذيب الأسماء واللغات 1ق 2/ 197.
(3) سير أعلام النبلاء 14/ 491.
(4) تذكرة الحفاظ 3/ 782.
(1/15)
الصحابة والتابعين، حتى صارت كتبه الفقهية
والحديثية مصدراً للفقهاء والمحدثين على حد سواء.
قال النووي: الإمام المشهور، أحد أئمة الإسلام المجمع على إمامته وجلالته،
ووفر علمه، وجمعه بين التمكن في علمى الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة
النافعة في الإجماع، والخلاف، وبيان مذاهب العلماء، منها الأوسط، والإشراف،
وكتاب الإجماع وغيرها، واعتماد علماء الطوائف كلها في نقل المذاهب ومعرفتها
على كتبه، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه أحد، وهو في نهاية من
التمكن في معرفة صحيح الحديث وضعيفه (1)، وقال في المجموع بعد أن نقل
عبارات من قوله: هذا كلام ابن النذر، الذي لا شك في إتقانه وتحقيقه، وكثرة
اطلاعه على السنة، ومعرفته بالدلائل الصحيحة، وعدم تعصبه (2).
وقال ابن القطان: كان ابن المنذر فقيها، محدثا ثقة (3) وقال الداؤدي: أحد
الأعلام، وممن يقتدي بنقله في الحلال والحرام، كان إماماً مجتهداً، حافظً
ورعاً (4) وقال ابن شهبة: ابن النذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة، أحد
الأئمة الأعلام، وممن يقتدي بنقله في الحلال والحرام، صنف كتباً معتبرة عند
أئمة الإسلام (5).
وقال ابن الهمام: والذين يعتمد على نقلهم وتحريرهم مثل ابن المنذر، كذلك
ذكروا، فحكى ابن المنذر عنهما (أبو يوسف، ومحمد) أنه يحد في ذات
__________
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1ق 2/ 196.
(2) المجموع 1/ 57.
(3) مختصرطبقات علماء الحديث 131/ 2.
(4) ط. المفسرين 2/ 55.
(5) ط. الشافعية 1/ 60.
(1/16)
المحرم، ولا يحد في غير ذلك، قال: مثل أن
يتزوج المجوسية، أو خامسة، أو معتدة (1).
ونقل النووي كلام ابن المنذر في نقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين كدم
الغصد، والحجامة، والقىء، والرعاف، وقال: وقال أبو بكر ابن المنذر: لا وضوء
في شيء من ذلك، لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة، ثم قال النووي:
هذا كلام ابن المنذر الذي لا شك في إتقانه، وتحقيقه، وكثرة اطلاعه على
السنة، ومعرفته بالدلائل الصحيحة، وعدم تعصبه. والله أعلم (2).
7 - مؤلفاته:
ألف ابن المنذر كتبا كثرة مهمة نافعة في شتى العلوم، فمنها ما بقي تداوله
العلماء، وتذكره الكتب، ومنها ما ذهب به كر الدهر ومر الزمان، فلم يترك لنا
حتى اسمه، وكانت كتب ابن المنذر مصدرا وثيقا للمفسرين، والمحدثين،
والفقهاء، والأصوليين وغيرهم ممن جاء بعده، فاعتمدوا على روايته للأحاديث،
وفي تصحيحها وتضعيفها، وعلى نقله لأقوال الصحابة وأهل العلم من بعدهم في
المسائل الفقهية الخلافية، فلا تكاد تجد كتابا من كتب التفسير، أو شروح
الحديث، أو كتب الفقه التي تهتم بإجماع العلماء وخلافهم، إلا وفيه نقل من
بعض مؤلفاته، وأذكر مثالاً واحداً، فإن الحافظ ابن حجر قد ذكر اسم ابن
المنذر في فتح الباري أكثر من 590 مرة في نقله عنه.
__________
(1) فتح القدير 5/ 260.
(2) المجموع 2/ 75.
(1/17)
أما مؤلفات ابن المنذر التي وصلت إلينا، أو
تذكره الكتب فهي كالآتي:
(1) تفسير القرآن الكريم (1).
(2) المبسوط (2).
(3) كتاب السنن والإجماع والاختلاف (3).
(4) الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (4).
(5) مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف (5).
(6) اختلاف العلماء (6).
(7) الإشراف على مذاهب العلماء (7).
(8) كتاب الإجماع (8).
__________
(1) يوجد جزء منه في مكتبة "جوتا" بألمانيا برقم 521، تاريخ الأدب العرب 3/
300.
(2) ذكره ابن خلكان وغيره، وفيات الأعيان 4/ 207، سير أعلام النبلاء 14/
490.
(3) ذكره السبكي في ط. الشافعية الكبرى 3/ 102، 105، ونقله عنه غيره، وقد
صرح به المؤلف في الأوسط 1/ 219، 360.
(4) كتاب حافل في المسائل الفقهية، وهو مختصر من كتاب المبسوط، طبع منه خمس
مجلدات فقط بتحقيقها، وسيصدر قريبا بإذن الله تعالى الأجزاء الأخرى.
(5) صرح به المؤلف في كتابه الإشراف 2/ 403 رقم المسألة 1781.
(6) ذكره العلماء، وقد وجدت منه قطعتين، الأولى: من أول الكتاب إلى أثناء
باب الجمعة، والثانية: من أول الكتاب إلى منتصف كتاب الحيض، وهو المختصر
الأول لكتاب الأوسط، حيث لا يوجد بينهما إلا فارقان، الأول: حذف الآثار
المسندة في اختلاف العلماء، والثاني: حذف شرح الكلمات الغريبة فيه أيضا،
راجع مقدمة الأوسط 1/ 24، 40 - 44.
(7) وهو كتابنا هذا الذي نحن في صدد تقديمه، وهو المختصر الثاني لكتاب
الأوسط.
(8) طبع الكتاب بتحقيقنا عام 1982م، وأعيد طبعه الآن بعد زيادات في التحقيق
والتنقيح.
(1/18)
(9) الإقناع (1).
(10) إثبات القياس (2).
(11) أدب العباد.
(12) تشريف الغني على الفقر.
(13) جامع الأذكار.
(14) الإقتصاد في الإجماع والخلاف.
(15) كتاب السياسة.
(16) جزء ابن المنذر عن ابن النجار وابن دينار.
(17) كتاب المناسك.
(18) رحلة الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة.
(19) زيادات على مختصر المزني إسماعيل بن يحيى (3)
(20) كتاب أحكام تارك الصلاة (4).
(21) كتاب مختصر الصلاة (5).
(22) مختصر كتاب الجهاد (6).
__________
(1) وهو المختصر الثالث لكتاب الأوسط، حيث حذف فيه المؤلف الآثار المسندة،
وذكر بعض الأحاديث مسندا، وذكر أحكاما مجردة عن الأدلة، وعن أقوال الفقهاء
كثير منها، وقد طبع الكتاب بتحقيق فضيلة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز
الجبرين في رسالته الدكتوراه، وتحقيقنا أيضاً.
(2) ذكره ابن نديم في الفهرست / 215.
(3) راجع مقدمة الأوسط 1/ 37 - 39.
(4) ذكره المؤلف في كتاب الإقناع، راجع تحت رقم الحديث 710.
(5) ذكره المؤلف في محاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة 390.
(6) ذكره المؤلف في محاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة 1980.
(1/19)
(23) كتاب الأشربة (1).
(24) جزء ابن المنذر (2).
(25) جزء في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (3)
(26) كتاب المسائل الفقهية (4).
(27) كتاب العمرى والرقبى (5).
8 - وفاته:
ذهب الإمام الشيرازي إلى أن ابن المنذر توفي بمكة سنة 359 هـ أو 310 هـ
(6)، وتبعه على ذلك ابن خلكان (7)، والشافعي (8)، قال الذهبي: وما ذكر
الشيخ أبو إسحاق من وفاته فهو على التوهم، وإلا فقد سمع منه ابن عمار في
سنة ست عشرة وثلاثمائة، وقال: وأرخ ابن القطان الفاسي وفاته في سنة ثماني
عشرة (9).
__________
(1) ذكره المؤلف في كتاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة 2613، وكتاب
الإشراف "باب ذكر الخمر يغتصب ويستهك" من كتاب الغصب، المجلد الأخير.
(2) ذكره الحافظ في فهرس مروياته / 29.
(3) ذكره النووي في شرح مسلم 8/ 170.
(4) الفهرست لابن نديم/215.
(5) ذكره المؤلف في كتاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة 1907.
(6) ط 10الفقهاء/89.
(7) وفيات الأعيان 4/ 207.
(8) مرآة الجنان 2/ 261.
(9) سير أعلام النبلاء 14/ 492.
(1/20)
وذكر عريب بن سعد القرطبي أنه توفي في يوم
الأحد انسلاخ شعبان سنة 318 هـ (1)، والراجح من هذه الأقوال قول عريب بن
سعد، لقرب عهده من عهد المؤلف، ومن طبقة تلاميذ المؤلف، وأن تحديده لوقت
وفاته دقيق جداً، فقد حدده باليوم والشهر، مما يدل على تيقنه من ذلك.
__________
(1) صلة تاريخ الطبري 11/ 134 مع تاريخ الطبري.
(1/21)
2 - كتاب الإشراف على مذاهب العلماء
ومكانته العلميه عند العلماء
1 - نسبة الكتاب الى المؤلف
لا شك أن كتاب الإشراف على مذاهب العلماء هو لابن المنذر المتوفى 318 هـ،
ويدل عليه الأمور التالية:
أولاً: لقد رحل كر من أهل العلم من مختلف الأقطار الإسلامية إلى مكة
المكرمة، ليسمعوا كتاب الإشراف وغيره من مصنفه، وينالوا الإجازة فيه، وقد
ذكرت من قبل تحت فقرة "تلاميذ ابن المنذر" من سمع كتاب الإشراف من ابن
النذر ورواه عنه.
ثانياً: ذكر المؤرخون والمترجمون أن من بين مؤلفات ابن المنذر: "الإشراف
على مذاهب العلماء"، قال العبادي: ومنهم أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري صاحب: "الإشراف على مذاهب العلماء" وراوي آثار الصحابة - رضي
الله عنهم - (1).
وقال ابن خلكان: ومن كتبه المشهورة في اختلاف العلماء: "كتاب الإشراف" وهو
كتاب كبير يدل على كثرة وقوفه على مذاهب الأئمة، وهو أحسن الكتب وأنفعها
وأمتعها (2).
وقال الذهبى: وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه،
وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء" (3).
__________
(1) ط. الفقهاء الشافعية ص: 67.
(2) وفيات الأعيان 4/ 207.
(3) تذكرة الحفاظ 3/ 782، وسير أعلام النبلاء 14/ 490.
(1/22)
وقال النووي: وله المصنفات المهمة النافعة
في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء، منها الأوسط، والإشراف، وكتاب
الإجماع وغيرها (1).
وتبعهم في ذلك الصفدي (2)، واليافعي (3)، والسكي (4)، والأسنوي (5)،
والبهنسي (6)، وابن الملقن (7)، والفاسي (8)، وابن شهبة (9)، وابن عبد
الهادي (10)، والسيوطي (11)، والداؤدي (12)، وابن هداية الله (13).
ثالثاً: لقد عرف العلماء قيمة كتاب الإشراف وقدره، فاعتمدوا مصدراً لنقل
مذاهب العلماء، ونقلوا عنه نصوصاً في كثير من المواضع، يقول النووي في
مقدمة شرح المهذب: "وأكثر ما أنقله من مذاهب العلماء من كتاب الإشراف،
والإجماع لابن المنذر، وهو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن المنذر
النيسابوري الشافعي، القدوة في هذا الفن (14).
__________
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1ق 2/ 196.
(2) الوافي بالوفيات 1/ 336.
(3) مرآة الجنان 2/ 262.
(4) طبقات الشافعية الكبرى 3/ 102.
(5) طبقات الشافعية 2/ 197، رقم الترجمة 1014.
(6) الكافي في معرفة علماء المذهب 8 /ب.
(7) العقد المذهب في علماء المذهب 8 /ب.
(8) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 1/ 407.
(9) طبقات ابن شهبة 1/ 60.
(10) مختصر طبقات المحدثين 131/ ب.
(11) طبقات الحفاظ ص 328، وطبقات المفسرين ص 91.
(12) طبقات المفسرين 2/ 51.
(13) طبقات الشافعية ص 59.
(14) المجموع 1/ 19.
(1/23)
وقال الحافظ ابن حجر: وقد اعتمد على ابن
المنذر جماعة من الأئمة فيما صنفه من الخلافيات، وكتابه الإشراف في
الاختلاف من أحسن المصنفات في فنه (1).
وقد أكثر الحافظ ابن حجر النقل من كتب ابن المنذر، ومن كتابه الإشراف أيضاً
حيث قال: "ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال: إن الشافعي انفرد بذلك، لأنه قد
نقل في "الإشراف" عن عطاء، وابن سرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم"
(2).
وقال: ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك، فقال في "الإشراف": صوم يوم
الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صح
عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته" (3).
وقال: وأما الجذع من الضأن فقال الترمذي: إن العمل عليه عند أهل العلم من
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، لكن حكى غيره عن ابن عمرو،
والزهري أن الجذع لا يجزئ مطلقاً سواء من الضأن أم من غيره، وممن حكاه عن
ابن عمر ابن المنذر في "الإشراف" (4).
رابعاً: طبع بعض التصانيف للمؤلف مثل الأوسط، والإجماع، والإقناع، فكل من
يطلع على هذه الكتب، ثم يطلع على كتاب الإشراف، يقطع نسبته إلى المؤلف بدون
أدنى شك أو تردد، لأن الأسلوب البيانى، وترتيب الكتب والأبواب، وذكر النصوص
والأدلة، وأوجه الاستدلال مطابقة في هذه الكتب في كثير من المواضع، لا سيما
الأوسط الذي هو أصل الإشراف.
__________
(1) لسان الميزان 5/ 27.
(2) فتح الباري 2/ 284.
(3) فتح الباري 4/ 123.
(4) فتح الباري 10/ 15.
(1/24)
2 - أصل كتاب
الإشراف:
يعد الإشراف لابن المنذر أوسع كتب في مذاهب العلماء شهرة، وأرها ذكراً،
وأكثرها فائدة، وهو مختصر عن كتاب الأوسط للمؤلف نفسه، فقد أوجز هنا ما
فصله هناك من ذكر أسانيد الأحاديث النبوية، وأسانيد آثار الصحابة، واختصر
جانباً كبيرا من أدلة المذاهب وحججهم، ومناقشتها.
وقد صرح بهذا ابن قاضي شهبة الدمشقي، قال: صنف كتباً معتبرة عند أئمة
الإسلام، منها الإشراف في معرفة الخلاف، والأوسط، وهو أصل الإشراف (1)،
وتبعه في ذلك الداؤدي في طبقاته (2).
كما صرح المؤلف نفسه في عدة مواضع من كتاب الإشراف، يقول ابن المنذر في
"باب ذكر الوجه الثاني الذي يجب على الناس الوقوف عن القتال فيه وطلب
السلامة منه" قال علي بن أبي طالب: أوصاني خليلي وابن عمي قال: إنها ستكون
فتن وفرقة، فإذ كان كذلك فاكسر سيفك واتخذ سيفاً من خشب، وقد فعلت، يقول
ابن المنذر: وقد ذكرنا هذه الأخبار وسائر الأخبار عن محمد بن مسلمة وأبي
بكر، وأبي هريرة بأسانيدها في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب (3).
ويقول في باب ما يتخذ من الخمر وذكر تحريم ما أسكر من الأشربة كلها في كتاب
الأشربة: وقد جاء أهل الكوفة بأخبار معلولة، قد ذكرناها مع عللها في كتاب
الأوسط (4).
__________
(1) ط. الشافعية لابن قاصي شهبة 1/ 60.
(2) ط. المفسرين للداؤدي 2/ 56.
(3) الإشراف 212/ ب القاهرة و 336/ ب الثالث.
(4) الإشراف 206/ ألف القاهرة، 330/ ب الثالث.
(1/25)
ويقول ابن المنذر في "باب ذكر الحال التي
يجب على المرء القتال فيه في أيام الفتن، والحال التي يجب على المرء الوقوف
عن فيه، وكف يده ولسانه، فعلي الناس الوقوف عند ذلك الوقوف عن القتال مع
أحد من الطائفتين للأخبار التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في
ذلك، وقد ذكرت في ذلك بأسانيدها في مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف
(1).
فهذه النصوص في كتاب الإشراف قد يستخلص منها الأمور الآتية:
1 - الإشراف مختصر من الكتاب الكبير للمؤلف.
2 - الإشراف ليس هو "مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف".
3 - مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف، ليس هو "الأوسط في السنن
والإجماع والاخلاف.
4 - مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف أكبر من الإشراف.
5 - الإشراف مختصر من الأوسط.
هذا وهناك كتب وأبواب توجد في كتاب "الأوسط"، وهذه الكتب والأبواب نفسها
موجودة في "الإشراف" وعند المقارنة من الكتابين في باب واحد يتضح الفرق
بينهما، واختصار الثاني من الأول، ولا تبقى شيبة من الشك بل يكون وضوح
الدليل كالشمس في رابعة النهار.
3 - منهج المؤلف في هذا الكتاب:
إن ابن المنذر في تصانيفه منفرد، فإنه يكثر من الرواية، والسماع، والتدوين
في الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة وفقههم، وأقوال التابعين ومن بعدهم،
وسلك في هذا الكتاب مثل هذا المسلك، جمع فيه بين طريقة المحدثين
__________
(1) الإشراف 212/ ألف القاهرة، و 336/ ألف الثالث.
(1/26)
في شروح الحديث، وبين طريقة الفقهاء في كتب
الفقه، فهو يبتدئ كل باب بحديث مسند إن كان، وقد يذكر قبله بعض الآيات
القرآنية إن صح الاستدلال به، ثم يذكر الأحكام الفقهية المستخرجة من هذه
الأدلة، ومن غيرها مما يدخل تحت هذا الباب، وقد يستدل لبعض هذه الأحكام
بأدلة حديثية غير مسندة غالباً، وبأدلة أخرى، ولعل من أعظم مميزاته وأجمل
عاداته في تصانيفه كلها، أنه إذا كان في المسألة حديث صحيح أو أثر صحيح
قال: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ثبت عن عمر، وعلي كذا وكذا،
أو صح عنهم كذا كذا.
وإذا كان فيها حديث ضعيف أو أثر غير صحيح قال: روينا عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -، وعن عمر وعلي كذا وكذا، وهذا الأدب الرفع الذي سلكه هو طريق
حذاق المحدثين، وقد أهمله أكثر الفقهاء (1).
قال النووي: وله عادات جميلة في كتابه الإشراف، أنه إن كان في المسألة حديث
صحيح قال: ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم-كذا، أو صح عنه كذا، وإن كان
فيها حديث ضعيف قال: روينا أنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا،
وهذا الأدب الذي سلكه هو طريق حذاق المحدثين، وقد أهمله أكثر الفقهاء
وغيرهم من أصحاب باقي العلوم، ثم له من التحقيق ما لا يدان فيه، وهو
اعتماده ما دلت عليه السنة الصحيحة عموماً أو خصوصاً بلا معارض، فذكر مذاهب
العلماء، ثم يقول في أحد المذاهب: وبهذا أقول، ولايقول ذلك إلا فيما كانت
صفته كما ذكرته، وقد يذكر دليله في بعض المواضع، ولا يلزم التقيد في
الاختيار بمذهب أحد بعينه، ولا يتعصب لأحد، ولا على أحد على عادة أهل
الخلاف، بل يدور مع ظهور الدليل ودلالة السنة الصحيحة، ويقول بها مع من
كانت (2).
__________
(1) كذا ذكر النووي تهذيب الأسماء واللغات 1 ق 2/ 197
(2) تهذيب الأسماء واللغات. 1 ق 2/ 197.
(1/27)
والإشراف يحمل النقاط التالية متميزاً عن
المبسوط والأوسط، واختلاف العلماء، والإقناع:
1 - لا يذكر ابن المندر في الإشراف الأحاديث المرفوعة المسندة بتاتاً، بل
يقتصر على متن الحديث: ويقول: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: "كذا وكذا"، أو روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كذا
وكذا".
2 - لا يذكر الآثار المرفوعة أو المقطوعة المسندة أبداً بل يقول: روينا عن
أبي بكر أو عمر أو علي أنه قال كذا وكذا، أو ثبت عنه قال كذا وكذا.
3 - يسرد أسماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء بقولٍ واحدٍ في
المسأله، وربما يحذف بعضهم وقد ذكرهم في المبسوط أو في الأوسط، أو في
اختلاف العلماء.
4 - لا يذكر نصاً لأحد من الفقهاء إلا نادراً وبالتالي لا يذكر أدلتهم.
5 - لا يناقش أدلتهم إلا قليلاً.
6 - لا يذكر الروايات بل يكتفي بذكر رواية واحدة في المذهب الواحد، وربما
يذكر رواية ثانية.
7 - يذكر رأيه الخاص بدون تعليل وأحياناً معللاً.
4 - تسمية كتاب الإشراف
لم يرد نص من ابن المنذر على تسمية كتاب الإشراف، كما ورد نص منه على تسمية
بعض مؤلفاته مثل مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف، وكتاب الأوسط، ومن
هنا يذكره العلماء والمترجمون بألفاظ مختلفة في الشطر الثاني من اسم
الكتاب، وهو مذاهب العلماء، أو مذاهب أهل العلم، أو في اختلاف الفقهاء، أو
في معرفة الخلاف ونحوها، مع الإجماع على الشطر الأول منه وهو الإشراف.
(1/28)
وإليكم هذا التفصيل:
اسم الكتاب - المترجم - المصدر
1 - الإشراف على مذاهب العلماء -العبادي 458هـ - ط. الفقهاء الشافعية /67
2 - الإشراف على مذاهب أهل العلم في الإجماع والإختلاف - ابن عطية الأندلسي
541هـ -فهرس ابن عطية /102
3 - الإشراف في اختلاف الفقهاء - ياقوت الحموي 626هـ - معجم البلدان 1/ 416
................................ - ابن الأثير 630هـ - اللباب في تهذيب
الأنساب3/ 263
4 - الإشراف في اختلاف العلماء - الذهبي 748 هـ - تذكرة الحفاظ 3/ 782
.................................. - .................... - سير أعلام
النبلاء
................................ - السبكي771 هـ - ط. الشافعية الكبرى 3/
102
............................... - ابن ناصر الدين 842 هـ - التبيان لبديع
البيان 92/ب
............................... - ........................... - العقد
الثمين 6/ 406
............................... - الفاسي 882 هـ - ط. المفسرين /78
............................... - السيوطي 911 هـ - تاريخ التراث
............................... - فؤاد سزكين - العربي 2/ 185
(1/29)
5 - الإشراف في معرفة الخلاف - ابن كثير
774 هـ - ط. الفقهاء الشافعيين 1/ 216
............................... - قاضي ابن شهبة 851 هـ - ط. الشافعية 1/
60
............................... - الداؤدي 945 هـ -ط. المفسرين 2/ 56
6 - الإشراف في الاختلاف - ابن حجر 852 هـ - لسان الميزان 5/ 27
.......................... - سبط ابن حجر 899 هـ - رونق الألفاظ بمعجم
الحفاظ 2/ 30/ب
.......................... - الثعالبي الفاسي 1291 هـ - الفكر السامي 2/
86
7 - الإشراف على مذاهب الأشراف - حاجي خليفة 1067 هـ - كشف الظنون 1/ 103
.................................... - إسماعيل باشا البغدادي - هدية
العارفين 2/ 31
8 - الإشراف في مسائل الخلاف - شاه عبد العزيز الدهلوي 1239هـ - بستان
المحدثين /129
9 - الإشراف على مذاهب أهل العلم - بروكلمان 1950 م - تاريخ الأدب العربي
3/ 301
...................................... - الزركلي - الأعلام 5/ 294
...................................... - الكحالة - معجم المؤلفين 8/ 220
هذه هي الأسماء المختلفة للكتاب، ومن هنا لا يجزم أحد على اسم الكتاب، أما
ورود الاسم "الإشراف على مذاهب أهل السنة" على النسخة الخطية الموجودة
الآن، وهي نسخة دار الكتب المصرية، المسجلة برقم 20 فقه شافعي، فهو جدير
بالأخذ والقبول لأنه من نسخ عام 734 هـ، لو لم تسبقه النسخة الخطية التي
يعبر فيها العبادي المتوفى 458 هـ، ويقول في تسميته: صاحب "الإشراف على
مذاهب العلماء"، وهذا يكفي في ترجيحه على الأسماء الأخرى، والاعتماد عليه
باعتبار تقدمه وقرب عهده من عهد المؤلف.
(1/30)
5 - حقيقة الطبعات
المختلفة لكتاب الإشراف:
1 - طبع كتاب "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر الجزء الرابع (كتاب
النكاح- كتاب الإستبراء) بتحقيقنا عام 1402 هـ الموافق 1982م، كما طبع
الإجماع لابن المنذر في هذا العام نفسه، وذلك بعد الحصول على شهادة
الماجستير في رسالة دراسة وتحقيق الأوسط لابن المنذر، قسم الحدود، بتاريخ
14/ 1/ 1400 هـ، فكانت تلك أول دراسة وافية عن حياة المؤلف ومؤلفاته، وكان
ذلك أول تحقيق واقعي لمؤلف من مؤلفات ابن المنذر ولم يسبقني أحد بهذين
العملين، وإنما بدأت التحقيق بكتاب النكاح، لأنه هو الموجود، وجعلته يحمل
رقم المجلد الرابع، لأن النسخة الخطية لمكتبة أحمد الثالث تشكل نصف الكتاب
الآخر تقريباً، وهو بعد التحقيق والطبع يظهر في ثلاث مجلدات، والنصف الأول
المفقود من الكتاب عند الوجود يظهر بعد التحقيق والطبع في ثلاث مجلدات
أيضاً، ولذلك جعلت رقم الكتاب، ورقم المسألة الفقهية، ورقم الحديث رقماً
تقريبياً، قد يزيد وقد ينقص، وقد أشرف إلى ذلك في الحاشية في صفحة 25، ثم
توقفت عن التحقيق، بعد إنجاز جزء كبير من المجلد الخامس، لعل الله ييسر
الأمر، وأحصل على المخطوطة من أول الكتاب، فيطبع الكتاب كاملاً مرة واحدة.
2 - ثم طبع كتاب الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر في مجلدين [كتاب
الشفعة، كتاب الغصب] بتحقيق الدكتور محمد نجيب سراج الدين، عام 1406 هـ
الموافق 1986 م، وذلك للحصول على شهادة الدكتوراه، وإنما بدأ المحقق
التحقيق كتاب الشفعة لوجود نسختين مختلفتين للجزء المحقق يقول: ولم أشأ أن
أحقق ما انفردت به النسخة التركية من بحوث زيادة على النسخة المصرية، مثل
[كتب النكاح، والطلاق، والبيوع]؛ لأن العمل في تحقيق المخطوطات لا يكون
تاماً، ولا يؤدي ثمرته إلا بوجود أصلين مخطوطين
(1/31)
في أقل الأحوال، فنقص حرف أو زيادته قد يغر
معنى الكلام، بل وقد يعكس المراد.
فاقتصرت على النسخة المصرية، أي المجلد الثالث من كتاب الإشراف، وأكون بهذا
قد حققت الثلث الأخير من كتاب الإشراف (1).
إذاً حقق الدكتور محمد نجيب الثلث الأخير من كتاب الإشراف بدءاً من كتاب
الشفعة، من نسخة دار الكتب المصرية، وترك ما وجد في نسخة أحمد الثالث من
كتب مثل كتاب النكاح والطلاق، والبيوع لانفرادها، وذلك يشكل 143 ورقة من
المخطوطة.
أما المحقق أبو حماد فقد بدأ التحقيق بكتاب النكاح، وحقق كتاب الطلاق إلى
نهاية كتاب الاستبراء، وبه تم الجزء الرابع، وقال في آخره: ويتلوه الجزء
الخامس وأوله كتاب البيوع.
إذاً كتاب البيوع لم يحقق ولم يطبع من النصف الأخير المخطوط وهو نسخة أحمد
الثالث، وأول كتاب البيوع إلى كتاب الشفعة يشكل 36 ورقة من المخطوط.
3 - ثم طبع كتاب الإشراف في ثلاث مجلدات [كتاب النكاح - كتاب الشفعة - كتاب
الغصب، بتحقيق عبد الله عمر جارودي، المدير العام لمركز الخدمات والأبحاث
الثقافية، والناشر المكتبة التجارية لمصطفى أحمد الباز بمكة المكرمة، وذلك
للحصول على شهادة السرقة والتدليس في التحقيق والله أعلم.
والمذكور المدعي بالتحقيق لم يفعل إلا:
أ- ضم كتاب النكاح الذي حققه أبو حماد مع كاب الشفعة الذي حققه الدكتور
محمد نجيب، وطبعه في ثلاث مجلدات.
__________
(1) الإشراف على مذاهب أهل العلم، تحقيق محمد نجيب 1/ 20.
(1/32)
2 - جعل هذه المجلدات تحمل رقم المجلد
الأول، والثاني، والثالث، موهماً أن الكتاب كامل وأن الكتب والأبواب
متتالية، والواقع أنه سقط منها كتاب البيوع.
3 - غفل تماماً عما جاء في آخر كتاب النكاح- المجلد الرابع: "ويتلوه الجزء
الخامس وأوله كتاب البيوع".
4 - لم يحقق الكتاب من المخطوطة، لأنه لو حقق من المخطوطة لحقق وطبع كتاب
البيوع، وهو يشكل 36 ورقة من المخطوطة.
5 - نسب إلى نفسه الحواشى والتعليقات وهي في الحقيقة منقولة من التحقيق
السابق.
وهذا الصنيع منه ليس بجديد، بل سبق له وادعى في تحقيقه كتاب
الإجماع لابن المنذر، ويقول: "إنه وجد أخطاء في نسخة الرياض (أي تحقيق أبي
حماد صغر أحمد) لم يفطن إليها المحقق، وأنه أضاف تعليقات كثيرة كان لا بد
من إضافتها".
حينما نرى أنه لم يصحح أي خطأ في تعليقاته من أول الكتاب إلى آخره، وأنه لم
يقارن المطبوع بالنسخة الخطية، وأنه نقل تعليقات المطبوع حرفياً في
التحقيق، وأن السقط والأخطاء بقيت عنده كما وقعت في المطبوع مثل.
1 - أن الإجماع الخامس وهو: وأجمعوا على أن الضحك في غير الصلاة لا ينقض
طهارة ولا يوجب وضوءاً، سقط من المطبوع، فسقط عنده أيضاً ص 18.
2 - في ترجمة ربيعة الرأي جاء: "توفي سنة ست وثلاثين" وسقطت كلمة "مائة"،
فسقط عنده أيضاً ص 18.
3 - جاء في المطبوع وأجمعوا على أن للمكلوب (والصحيح المطلوب)، فأثبته هو
أيضاً في المتن والحاشية ص 29.
(1/33)
4 - هذا ما أحببت التنويه فقط لعمل مثل هذا
المحقق، والله من وراء القصد.
5 - ثم طبع كتاب الإشراف في ثلاث مجلدات يضاً (كتاب الشفعة- كتاب الغصب-
كتاب النكاح) بمراجعة وإعداد: محمد سعيد مبيض، والناشر مكتبة الغزالي أدلب
سوريا، ومكتبة دار الفتح -الدوحة- قطر، وذلك للحصول على "شهادة السرقة
والتدليس والجهالة في التحقيق بمرتبة الشرف الأولى والآخرة"، والله أعلم.
فعل هذا المراجع هنا ما فعل زميله السابق، إلا أن فعله أدهى وأمر، ولا
يغتفر، جعل المجلدين اللذين حققهما الدكتور محمد نجيب كما هما، وراح يبحث
عن المجلد الثالث في المكتبات، ولما لم يحصل عليه، حول المجلد الرابع الذي
شاهده في المكتبات إلى المجلد الثالث بجهالته وبدون حياء، مع أن الحياء من
الإيمان، بدليل أن المحقق هو الذي أخطأ في جعله مجلداً رابعاً، وبدليل: وزد
أيها القارئ بكاءاً على عقله، أن صورة المخطوطة مكتوب عليها السفر الثالث
من كتاب الإشراف على مذاهب أهل العلم، مع أن هذه المخطوطة تبدأ بكتاب
الشفعة، والتي حققها الدكتور محمد نجيب، ولا يوجد فيها كتاب النكاح، ويقول
هذا المراجع بكل وقاحة: "وبانتهاء هذا المجلد الثالث يتم الكتاب".
أعمي بصره، أم خان نظره، أم وضع قرنيه كفه على قول المحقق في آخر المجلد
الرابع: "ثم كتاب الاستبراء، وبه تم الجزء الرابع، ويتلوه الجزء الخامس
وأوله كتاب البيوع"، وعلى قول الناسخ في آخر المجلد الثاني المطبوع: "ثم
كتاب الغصب، وبتمامه كمل كتاب الإشراف لابن المنذر".
إن هذا الُمراجع لا يعرف معنى المراجعة، ولا معنى التحقيق، ولا معنى
المخطوطة، ولا معنى النسخة، ولا معنى المكتبة، ولا معنى بداية الكتاب أو
نهايته، ولا سعى في قراءة وفهم مقدمة الجزء الرابع، أو مقدمة الجزء الأول،
وإن فعل وفهم، لم يفعل ما فعل.
(1/34)
المخطوطة لها نسختان، الأولى: مصورة من
مكتبة أحمد الثالث- تركيا، وتبدأ بكتاب النكاح وتنتهي بكتاب الغصب، وهي
أكمل، والثانية: وهي مصورة من دار الكتب المصرية، وتبدأ بكتاب الشفعة،
وتنتهي بكتاب الغصب، والمخطوطة كلها الآن في ثوب المطبوع ما عدا "كتاب
البيوع"، والصورة المحفوظة لبداية النسختين مثبتة في المطبوع، وهو أيضاً
ثبتها في تحقيقه، فأي عقل من البشر يسوغ له أن يغير بداية الكتاب إلى
نهايته، فيجعل كتاب النكاح آخر الكتاب، والله هذا عجب العجاب.
(1/35)
3 - النسخ الخطية من
الكتاب
النسخ الموجودة من هذا الكتاب هي كالتالي:
1 - نسخة مكتبة كلية الإلهيات بجامعة- أنقرة بتركيا برقى 1020، أوله ناقص
يبدأ بكتاب مواقيت الصلاة، وينتنهي بانتهاء كتاب الوصايا، تحتوي على 267
ورقة وكل ورقة تشمل 23 سطراً، وهي نسخة قيمة مقروءة ومصححة، ذكرت التصويبات
على الهوامش، وهذه النسخة ونسخة أحمد الثالث التي تبدأ بكتاب النكاح
كلتاهما على نسق واحد، فالظاهر أن الكتاب كان كاملاً في المجلدين نسخهما
رجل واحد وقد حصل السقط والتلف في المجلد الأول مع مرور الدهر.
2 - نسخة مكتبة ابن يوسف المراكشي برقم 514، يبدأ بكتاب الجهاد، وينتهي
بباب ذكر الشركة، والتولية، والإقامة من الطعام، هن كتاب البيوع.
وقد اطلعت على هذه النسخة الأصلية عام 1980م، خطها جيد مقروء، ولكن الأرضة
أصابتها، وأكلتها من كل جهة، وفي عام 1981م أوفدت الجامعة الإسلامية إلى
المغرب وفداً لتصوير المخطوطات من مكتبتها، وقد وصل الوفد إلى مكتبة ابن
يوسف أيضاً، وصور منها، ولم يصور هذا الكتاب لكثرة الأرضة والدودة في داخل
الكتاب، وهذه النسخة ذات قيمة حيث يوجد على هوامشها بعض التصحيحات، وأنا
أحاول منذ سنوات الحصول على صورة منها ولم أتمكن حتى الآن.
3 - نسخة أحمد الثالث: تبدأ بكتاب النكاح وتنتهي بباب الرجلين يؤكل كل واحد
منهما رجلاً بعينه ببيع عبد له، من كتاب الوكالة، وقد سقطت عدة أبواب من
كتاب الوكالة، وهي موجودة في النسخة الآتية ذكرها.
(1/36)
ثم ثبت تملك فقير رحمة ربه محمد بن عبد
الله بن إبراهيم العدني الترمذي الشافعي، في آخر ورقة 49/ب، ثم يبدأ كتاب
الغصب بعد البسملة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، بخط
مختلف محما قبله.
وهي مسجلة في مكتبة أحمد إلى الثالث برقم (1100) تحتوي على (366) ورقة، وكل
ورقة تشمل 23 سطراً، وهي مصورة موجودة عندي ومكتبة الجامعة الإسلامية، وهذه
هي التي يذكرها فؤاد سزكين برقم (1110) (1).
وهي نسخة قيمة مقروءة ومصححة، ذكرت التصويبات على الهوامش.
وحسب تجزئة الناسخ تشمل هذه النسخة على المجلد الثاني من الكتاب.
4 - نسخة دار الكتب المصرية: تبدأ بكتاب الشفعة، وتنتهي بآخر كتاب الغصب
بنسق وخط واحد.
وهي نسخة ثانية لنسخة أحمد الثالث من كتاب الشفعة إلى آخر الكتاب.
وهي مسجلة بدار الكتب المصرية برقم (20) في الفقه الشافعي، تحتوي على (230)
ورقة، تشمل كل ورقة 23 سطراً (2).
وهي نسخة ثانية لنسخة برواية أو محمد عبد الله بن أو زيد النفزي عن ابن
المنذر سمعها منه بمكة، كما هو مثبت مع عنوان الكتاب والمؤلف في صفحة غلاف
المخطوطة، وكتبت هذه النسخة سنة 734 هـ، وكان الفراغ منها يوم الجمعة
السابع والعشرين من شهر المحرم، على يد الفقير إلى الله علي بن عمر ابن عبد
الله بن مسعود بن عكاش اليماني نسباً في مذهباً حامداً
__________
(1) تاريخ التراث العربي 2/ 185، وراجع الفهرس التركي 2/ 632 برقم 4286،
وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 329.
(2) فهرس دار الكتب المصرية 1/ 497 وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 287.
(1/37)
وشاكراً ومصلياً وحسب تجزئة الناسخ تشتمل
هذه النسخة على المجلد الثالث من الكتاب.
وقد نسخ في آخر النسخة لكل من الأخيرين كتاب "الغصب" بكامله، والصحيح أنه
من كتاب الأوسط، لأن المؤلف ذكر في كتاب الغصب أحاديث وآثاراً مسندة،
وكتابط الإشراف خال عن الأحاديث والآثار المسندة بتاتاً.
(1/38)
صورة الغلاف من المخطوطة، كلية الإلهيات
(1/39)
الورقة الثانية من أول المخطوطة، كلية
الإلهيات
(1/40)
الورقة الأخيرة من آخر المخطوطة، كلية
الإلهيات
(1/41)
صورة الغلاف من نسخة أحمد الثالث
(1/42)
الورقة الأولى من نسخة أحمد الثالث
(1/43)
الورقة الأخيرة من نسخة أحمد الثالث
(1/44)
الورقة الأولى من نسخة أحمد الثالث وفيها
أول كتاب الغصب
(1/45)
الورقة الأخيرة من نسخة أحمد الثالث
وفيهاآخر كتاب الغصب
(1/46)
صورة الغلاف من نسخة دار الكتب المصرية
(1/47)
الورقة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية
(1/48)
الورقة الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية
(1/49)
4 - عملنا في الكتاب
1 - منهج التحقيق:
لقد مضى على هذا الكتاب أكثر من عشرة قرون من غير أن يخدم وينشر، مع ما وجد
من كثرة ما نقل منه، التي تدل على أهمية الكتاب في موضوعه لدى علماء السلف
وفقهائهم، وقد حاولت محاولة عبادة على أن أحصل على نسخة كاملة من هذا
الكتاب، ولكن دون جدوى، ولما رأيت في الآونة الأخيرة تلاعب بعض المحققين
المتهالكين لأعمال الآخرين، توجب علي أن أقوم بخدمة هذا الكتاب خدمة صحيحة،
وأن أخرج نص الكتاب على أقرب صورة وضعه عليها المؤلف، فكان عملي على النحو
التالي:
1 - اعتمدت التحقيق على النسخ الموجودة، ماعدا نسخة مكتبة ابن يوسف
المراكشي فإنني لم أحصل عليها.
2 - أول الكتاب من أصل المخطوط من نسخة كلية الإلهيات ساقط، فكان لا بد من
إكماله من كتاب "الأوسط" الذي هو أصل "الإشراف".
3 - أكملت السقط من كتاب المغنى لابن قدامة، والمجموع للنووي، والمحلى لابن
حزم إذا ما وجدت السقط في كتاب الأوسط مثل كتاب الزكاة والصيام والمناسك.
4 - اختصرت كتاب الغصب الموجود في آخر نسخة التركية والقاهرة، لأنه من كتاب
الأوسط.
5 - أشرت إلى بداية السقط، واستكماله من الأوسط، أو الكتب الأخرى، وذلك في
الحاشية.
6 - أثبت النصوص الحديثية والفقهية كما هي، وذلك بالرجوع إلى مظان وجودها.
(1/50)
7 - أثبت اختلاف الكلمات بين الكتاب وبين
النصوص الحديثية والفقهية.
8 - أضفت إلي الأصل ما حصل فيه من سقط، وصححت ما فيه من تصحيف، وذلك
بالرجوع إلى التصويبات التي وجدت في الهامش، وإلى كتب المؤلف ْمثل الأوسط،
الإقناع، والإجماع.
9 - بينت مواضع الآيات من السور في القرآن الكريم.
10 - خرجت الأحاديث النبوية، مع مراعاة النقاط التالية:
أ) حاولت أن يكون التخريج موافقاً كاملاً مع المتن.
ب) إذا كان الحديت عند البخاري ومسلم، أو عد أحدهما فأكتفي بذكرهما في
التخريج، أو ذكر أحدهما، وإذا كان الحديث عند غيرهما، فأرجع إلي السنن
والمسانيد
ج) حاولت أن أذكر عقب تخريج الحديث غير المخرج عند الشيخين، قولاً لأحد
المحدثين يدل على صحة الحديث أوضعفه.
د) "أخرجه" خاص بتخريج الأحاديث النبوية، و "رواه" أو "روى له" خاص بتخريج
أقوال الصحابة والتابعين.
11 - خرجت أوال الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء.
12 - خرجت أقوال الأئمة من خلال كتبهم التي ألفت لبيان مذاهبهم.
13 - شرحت الكلمات الغريبة.
14 - عرفت البلدان، والقبائل، والأماكن.
15 - عرفت الأعلام الذين هم رواة الفقهاء، أو القراء، أو نقاد الحديث.
16 - علقت على بعض المسائل الفقهية المهمة، التي رأيت أن قول المؤلف فيها
مرجوحاً، وذلك بذكر القول الراجح ودليله.
17 - وضعت أرقاماً تسلسلية للكتب وأرقاماً أخرى للأبواب تحت كل كتاب.
(1/51)
18 - وضعت أرقاماً تسلسلية للمسائل المجمع
عليها، والمسائل المختلف فيها من أول الكتاب إلى آخره.
19 - وضعت أرقاماً تسلسلية للأحاديث من أول الكتاب إلى آخره.
20 - وضعت أرقام صفحات المخطوطة، للإشارة إلى بدء اللوحة الأولى أو الثانية
من الصفحات.
21 - ختمت التحقيق بوضع الفهارس الفنية، وهي:
1 - فهرس الموضوعات.
2 - فهرس الآيات القرآنية.
3 - فهرس الأحاديث النبوية.
4 - فهرس الأحاديث الضعيفة.
5 - فهرس الأعلام غير الفقهاء.
6 - فهرس الفقهاء.
7 - فهرس الأماكن والقبائل والبلدان.
8 - فهرس الكلمات الغريبة.
9 - فهرس الكتب الواردة في الإشراف.
10 - فهرس المسائل الفقهية على ترتيب المعاجم اللغوية.
11 - فهرس المصادر والمراجع.
(1/52)
2 - الرموز
والمصطلحات التي استعملت في الدراسة والتحقيق:
لقد استعملت خلال ترجمة ابن المنذر، ودراسة الكتاب، وفي تحقيق الكتاب رموزا
ومصطلحات للاختصار والتسهيل، وهي ليست بجديدة إلى البعض، وقد يتبادر الذهن
إلى الأصول في أول نظرة، لأن معظمها قد تستعمل في كثير من الكتب المحققة،
وهي كالتالي:
1 - حرف "ح" قبل الرقم إشارة إلى الحديث النبوي.
2 - حرف "م" قبل الرقم إشارة إلى المسألة الفقهية، سواء كانت مجمعا عليها
أو مختلفا فيها.
3 - "الأصل" إشارة إلى النسخة الخطية من كتاب الإشراف.
4 - "ألف" إشارة إلى اللوحة الأولى من الورقة من المخطوطة المصورة.
5 - "ب" إشارة إلى اللوحة الثانية من الورقة من المخطوطة المصورة.
6 - وكذلك اخصرت أسماء الكتب ومؤلفيها عند ذكرها في الدراسة والتحقيق، وهي
كالتالي:
بق: البيهقي في السنن الكبرى.
ت: الترمذي في جامعه.
جه: ابن ماجه في سننه.
حم: أحمد بن حنبل في مسنده.
خ: البخاري في الصحيح.
د: أبو داود في السنن.
شب: ابن أبي شيبة في المصنف.
ط: طبقات.
طف: ابن جرير الطبري في تفسره.
عب: عبد الرزاق في المصنف.
(1/53)
قط: الدارقطني في السنن.
م: مسلم بن الحجاج في الصحيح.
مط: مالك بن أنس في الوطأ.
مي: الدارمي في السنن.
ن: النسائي في السنن.
هذا! وقد بذلت قصارى جهدي لإخراج هذا الكتاب القيم على أكمل وجه وأتم، فإن
كنت قد وصلت في هذا إلى ما أردت، فهو من فضل الله سبحانه وتعالى، وأرجو
مزيد التوفيق، وإن كان غير هذا فهو من جهد مقل، وأرجو من الله القدير
السداد والنوفق فهو نعم المولى ونعم النصر.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه:
أبو حماد صغير أحمد الأنصاري
رأس الخيمة- الإمارات
يوم الجمعة7/ 4/1419 هـ - 31/ 7/1998م
(1/54)
|