الإشراف
على مذاهب العلماء 73 - كتاب الاجارات
قال أبو بكر:
قال الله جل ذكره: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ
خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي
ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ...} الآية.
وقال جل وعز: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الآية.
(ح 1324) وروينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[2/ 173/ألف] أنه قال:
"سألت جبريل عليه السلام: أي الأجلين قضى موسى - صلى الله عليه وسلم -؟
قال: أتمهما وأكملهما".
(ح 1325) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر رضي الله عنه
" استأجرا رجلاً من بني الديل هادياً خريتا"، والخرِّيت: الماهر بالهداية.
(ح 1326) وجاء الحديث عن النبي أنه قال: "أعطوا الأجير أجره
(6/285)
قبل أن يجف عرقُه".
(ح 1327) وجاءت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه
أباح الإجارة، وأجازها.
قال أبو بكر: فالاجارة ثابتة بكتاب الله عز وجل، وبالأخبار الثابتة عن رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -.
م 3952 - واتفق على إجازتها كل من نحفظ عنه قوله من علماء الأمة.
م 3953 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إجازة أن يكتري الرجل من
الرجل داراً معلومة قد عرفها، وقتاً معلوماً، بأجر معلوم (4).
1 - باب إجارة الدواب
قال أبو بكر:
م 3954 - اختلف أهل العلم في الرجل يكتري الدابة بأجر معلوم إلى موضع مسمى،
فيتعدى فيجاوز ذلك المكان، ثم يرجع إلى المكان المأذون له في المسير إليه.
فقالت طائفة: إذا جاز ذلك المكان ضمن، وليس عليه في التعدي كراء، هذا قول
سفيان الثوري.
(6/286)
وقال النعمان: الأجرة له فيما سمى، ولا
أجرة فيما لم يسم لأنه خالف، فهو ضامن، وبه قال يعقوب.
وقالت طائفة: هو ضامن، وعليه الكراء، كذلك قال الحكم، وابن شبرمة.
وعليه عند الشافعي: الكراء الذي سمى، وكراء المثل فيما جاوز ذلك المكان،
ولو عطبت: لزمه قيمتها.
وقال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور: عليه الكراء، والضمان.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وفيه قول ثالث، وهو: أن له الأجر فيما سمى وفيما خالف إن سلم، وإن لم يسلم
ذلك: ضمنه، ولا يجعل عليه أجراً في الخلاف إذا ضمنه، هذا قول ابن أبي ليلى.
م 3955 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من اكترى دابة ليحمل
عليها عشرة أقفزة قمح، فحمل عليها [2/ 173/ب] ما اشترط، فتلفت: أن لا شيء
عليه، وهكذا إن حمل عليها عشرة أقفزة شعير.
واختلفوا فيمن اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح، فحمل عليها أحد عشر
قفيزاً.
فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: هو ضامن لقيمة الدابة، وعليه الكراء.
وقال ابن أبي ليلى: عليه قيمتها، ولا أجر عليه.
(6/287)
وفيه قول ثالث، وهو: أن عليه الكراء، وعليه
جزء من أحد عشر جزءاً من قيمة الدابة بقدر ما زاد عن الحمل، هذا قول
النعمان، ويعقوب، ومحمد.
وقال ابن القاسم: لا ضمان عليه في قول مالك، وإذا كان القفيز الزائد لا
يفدح (1) الدابة، ويعلم أن مثله لا تعطب منه الدابة، ولرب الدابة أجر
القفيز الزائد.
م 3957 - واختلفوا في الدابة يكتريها الرجل ليركبها بِسَرْج، فركبها بإكاف.
فإن كان ذلك أثقل أو أضر عليه، كان ضامناً للدابة وعليه الأجرة، وإن كان
أخف مما عليه، فليس عليه شيء غير الكراء الأول. هذا قول أبي ثور.
وقال النعمان: إذا تكاراها ليركبها بسرج، فيجعل عليها إكافاً فهو ضامن بقدر
ما زاد، وقال: إن كان مسرجاً بسرج حمار، فأسرجه بسرج برذون لا تسرح بمثله
الحمر، فهو مثل الإكاف، وبه قال يعقوب، ومحمد.
وقال النعمان، ويعقوب: إن استأجر حماراً بإكاف، فأسرجه، فلا ضمان عليه؛ لأن
السرج أخف.
م 3958 - وإذا اكترى حماراً من المكاريين، ليبلغ عليه إلى موضع، ذاهباً
وراجعاً، فقال أبو ثور: عليه أن ينزل في المكاريين في الموضع الذي اكتراه،
وكذلك الحمال.
__________
(1) في حاشية المخطوطة: فدحه الأمر: أثقله، وكذا في المختار.
(6/288)
م 3959 - واختلفوا في الرجل تكون عنده
الدابة وديعة، فيركبها بغير إذن صاحبها، ثم يردها إلى مكانها.
فقال أبو ثور: إذا ردها إلى مكانها: سقط عنه الضمان.
وقال النعمان: لا ضمان عليه، ثم قال بعد: هو ضامن، ولا يبرئه من الضمان إلا
دفعها إلى صاحبها.
وبه قال يعقوب، ومحمد، وهو قول الشافعي.
م 3960 - وإذا أكرى دابته وعبده، ثم أراد بيعه، فليس له بيعه، فإن باع،
فالمكتري أحق به، حتى ينقضي وقت الكراء.
هذا قول أبي ثور، وهو مذهب مالك [2/ 174/ألف] بن أنس.
وقال النعمان: ليس هذا بعذر.
م 3961 - وإذا اكترى دابة بعينها، فوجدها جموحاً، أو عضوضاً، أو نفوراً، أو
بها عيب، أو غير ذلك مما يفسد ركوبها: فالمكتري بالخيار، إن شاء أخذها، وإن
شاء ردها، ونقض الإجارة.
هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
2 - باب إباحة ضرب الدواب
قال أبو بكر:
(ح 1328) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ضرب الجمل الذي كان عليه
جابر بن عبد الله".
(6/289)
م 3962 - واختلفوا في المكتري يضرب الدابة،
فتموت.
فقالت طائفة: إذا ضربها ضرباً يضرب صاحبها مثله، إذا لم يتعد فلا شيء عليه،
كذلك قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال الثوري: هو ضامن، إلا أن يكون أمره أن يضرب، وبه قال النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: يستحسن ألا يضمنه إلا إذا لم يتعد في الضرب كما يضرب
الناس.
وقال مالك إذا ضرب ما لا يضرب مثله أو حيث لايضرب: ضمن.
3 - باب مسائل
م 3963 - واختلفوا فيمن اكترى دابة إلى مكان، على أنه إن سار في يومين فله
عشرة دراهم، وإن سار به أكثر من ذلك فله درهما.
فكان أبو ثور يقول: هذا كراء فاسد، فإن سار عليه فله كراء المثل.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال غيره. إن سار في يومين، فله عشرة دراهم، وإن أبطأ فله أجر مثله، لا
ينقصه عن درهمين، ولا يتجاوز به عشرة دراهم، وفي قياس قول أبي حنيفة (1).
وفي قياس قول يعقوب، ومحمد: هو على الشرط.
__________
(1) " قياس قول أبي حنيفة" ساقط من الدار
(6/290)
م 3964 - وإذا اكترى دابة إلى العشي، إذا
زالت الشمس فذلك وقت العشي، في قول أبي ثور، والنعمان، ويعقوب (1)، ومحمد.
م 3965 - وإذا اكترى دابة يوماً بدرهم، فله أن يركبها عند طلوع الشمس،
ويردها عند غروبها، في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3966 - وإذا اكترى دابة ليلة: ركبها عند غروب الشمس، ويردها عند طلوع
الفجر (2)، في قول أبي ثور، والنعمان، وصاجه.
4 - باب اكتراء الدواب للمحامل والزوامل
قال أبو بكر:
م 3967 - واختلفوا في اكتراء الدواب للمحامل والزوامل.
فقالت طائفة: لا يجوز ذلك حتى يرى الراكبين وظرف المحمل، والوطأ، والظل [2/
174/ب] إن شرطه، لأن ذلك يختلف، والحُمولة بوزن، أو عين تُرى.
فإن اكترى محملاً، وقال معه معاليق، أو ما يصلحه، فالقياس أنه فاسد، هذا
قول الشافعي، وأبي ثور.
__________
(1) "ويعقوب" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "عند الفجر".
(6/291)
وقال أصحاب الرأي: إذا قال في المحمل فيه
رجلان وما يصلحهما من الوطاء، والدثر، وقد رأى الرجلين ولم ير الوطاء،
والدثر، فكان القياس أن الكراء فاسد، وقال النعمان: نستحسن فنجيزه.
وقالوا جميعاً النعمان وصاحباه: يسمى وزن المعاليق، ووزن الهدايا، أحب
إلينا.
قال أبو بكر: لا يجوز ذلك حتى يكون معلوماً، إما بنظر، وإما بوزن معلوم.
م 3968 - وقال مالك: إذا اكترى دابة، ومكن منها، ولم يركبها وعطلها:
فالكراء له لازم، وبه قال الشافعي، وأبو ثور.
5 - باب أجر الكيال والوزان (1)
قال أبو بكر:
م 3969 - اختلف أهل العلم في أجر الكيال والوزان.
فأجاز ذلك فريق، وممن أجاز ذلك: مالك بن أنس، والثوري، وأبو ثور.
وأجاز (2) أصحاب الرأي استئجار القاضي القاسم شهراً بأجر مسمى، ليقسم بين
الناس.
وكل ما كان معلوماً فهو جائز على مذهب الشافعي.
قال أبو بكر: وبه أقول.
__________
(1) "والوزان" ساقط من الدار.
(2) "وأجاز" ساقط من الدار.
(6/292)
م 3970 - وقال مالك بن أنس، والثوري: أجر
الكيال على البائع، وبه قال الشافعي.
وذكر أحمد: القاسم، والحاسب، والمعلم، والقاضي، قال: كان ابن عيينة يكره
هذا كله.
وقال إسحاق: هذا أهون من التعليم.
وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: رأى عليّ رجلاً يحسب بين أهل السوق
حساباً، فنهاه أن يأخذ عليه أجراً.
قال أبو بكر: كل ما كان من ذلك معلوماً: فالأجر فيه جائز:
(ح 1329) لأن في حديث سويد بن قيس قال: "أتانا رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - فاشترى
منا سراويل، وثم رجل وزان يزن بأجره".
6 - باب أجور المعلمين
قال أبو بكر:
(ح 1330) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: زوج رجلاً امرأة بما معه
(6/293)
من القرآن".
م 3971 - واختلف أهل العلم في أجور المعلمين، وكسبهم، فرخص فيه قوم، وكره
آخرون.
فممن رخص فيه، عطاء بن أبي رباح، وأبو قلابة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وقالت طائفة: لا بأس به ما لم يشترط، وكرهت الشرط، فممن كره الشرط: الحسن
البصري، وابن سيرين، والشعبي.
وكرهت طائفة تعليم القرآن [2/ 175/ألف] بالأجرة، وفيه ذلك: الزهري، وإسحاق،
والنعمان، وقال النعمان: لا يحل ولا يصلح، وقال عبد الله بن شقيق: هذه
الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما أجاز
أن يأخذ الرجل على تعليم القرآن عوضاً في باب النكاح، ويقوم ذلك مقام
المهر: جاز أن يأخذ المعلم على تعليم القرآن الأجر، والنعمان يجيز أن
يستأجر الرجل الرجل على أن يكتب له نوْحاً، أو شعراً، أو غناء معلوماً،
بأجر معلوم، فيجيز الإجارة على ما هو معصية، ويبطلها فيما هو طاعة لله،
ومما قد دلت السنة على إجازته.
(6/294)
7 - باب الأجير
يستأجر بطعام بطنه، والدابة تستأجر بعلفها
قال أبو بكر:
م 3972 - واختلفوا في الأجر يستأجر بطعامه:
فأجاز ذلك مالك بن أنس، وأحمد، وإسحاق، واحتج مالك بأن الرجل إذا تزوج
المرأة: عليه نفقتها. واحتج أحمد بالإطعام في كفارة اليمين، والظهار.
وقد روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أكريت نفسي من ابنة غزوان
على طعام بطني، وعُقبة رجلي".
وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال: "كنت أدلو الدلو بتمرة وأشترطُ أنها
جلدة".
وأبطل النعمان استئجار الرجل العبد بأجر مسمى بطعامه، وكذلك قال في الدابة
تستأجر بعلفها، وبه قال يعقوب، ومحمد.
ثم ناقض النعمان فأجاز ذلك في الظئر تستأجر بطعامها وكسوتها، وقال يعقوب،
ومحمد: لا يجوز.
(6/295)
وقال أبو ثور: لا يجوز ذلك، فإن عمل فله
أجر مثله يحسب عليه ما أنفق، وهذا على مذهب الشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
8 - باب اجارة الظئر
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} الآية.
م 3973 - فاستئجار الظئر جائز، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ أذن فيه، ولا اختلاف
في ذلك بين أهل العلم أعلمه (1).
قال أبو بكر: فللمرء أن يستأجر المرأة لترضع صبياً، وقتاً معلوماً، بأجر
معلوم، إذا كانا عالمين بما عقدا عليه الإجارة، وطعامها وكسوتها ونفقتها
عليها، ليس على المستأجر منه شيء.
فإن اشترطت عليه [2/ 175/ب] كسوة ونفقة، فكان ذلك معلوماً موصوفاً، كما
يوصف في أبواب السلم: فذلك جائز ولا أحفظ عن أحد فيما ذكرت خلافاً.
م 3974 - واختلف أصحاب الرأي: إن اشترطت كسوتها ثلاثة أثواب زطية وعند
الفطام دراهم مسماة، وقطيفة،
__________
(1) "أعلمه" ساقط من الدار.
(6/296)
ومسحاً، وفراشاً: فاستحسن النعمان، وأجاز
ذلك في الظئر، ولم يجزه في غيرها.
وقال يعقوب، ومحمد: لها أجر مثلها، فيما أرضعت.
م 3975 - وفي قول النعمان: إن اشترطت طعاماً عليهم، فجائز.
ولا يجوز ذلك في قول يعقوب، ومحمد، إلا أن يكون موصوفاً كما ذكرناه.
ولا يجوز في قول الشافعي، إلا أن يكون معلوماً.
م 3976 - وفي قول أبي ثور، وأهل الكوفة: إذا أجرت نفسها بغير إذن الزوج فله
فسخ ذلك، إذا علم به زوجها.
م 3977 - وإذا مات الصبى، وقد مضت سنة وكان الرضاع إلى سنتين، أخذت نصف ما
شرط لها، في قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: إلا أن له أن يؤاجرها إلى انقضاء المدة، أو يدع ذلك.
م 3978 - وقال أبو ثور. ليس على المرضعة تمريخ الصبى ولا تدهينه، ولا غسل
ثيابه، إلا أن يشترط ذلك عليها، لأنه غير الرضاع.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
وقال أصحاب الرأي: ذلك كله عليها.
م 3979 - ورخص أبو ثور في بيع ألبان الآدميات وشرائه، وزناً، وكيلاً،
للعلاج، والشرب، والسعوط.
قال أبو بكر: وكذلك نقول، لأنه طاهر.
(6/297)
وقال أصحاب الرأي: لا يجوز بيع ذلك بوجه،
وقالوا: لا بأس أن يستعط به، ويشرب الدواء.
قال أبو بكر:
م 3980 - وليس لأهل الصبي مع زوج الظئر من وطئها، لأن ذلك مما أبيح له.
م 3981 - واختلفوا في المرأة تؤاجر نفسها من قوم لترضع صبياً، ثم تؤاجر
نفسها من قوم آخرين- بغير علم الأولين-.
ففي قول أبي ثور: الأجرة الثانية فاسدة، وليس لها أن تبيع من لبنها شيئاً.
وبه نقول.
وقال أصحاب الرأي: تأثم، ولها الأجر كاملاً، على هؤلاء وعلى هؤلاء، ولا
تتصدق منه بشيء.
وقال أبو ثور: ما أخذث من الآخرين: للأولين.
م 3982 - واختلفوا فيمن استأجر ظئراً، على أن ترضع صبياً [2/ 176/ألف] في
بيتها فدفعته إلى خادم لها، فأرضعته حتى فطمته.
فقال أبو ثور: لا شيء لها، ولا للخادم.
وقال أصحاب الرأي: لها أجرها (1).
م 3983 - واختلفوا فيمن أراد زوجته، على أن ترضع ولدها منه، فأبت.
فقال أبو ثور: تجبر على ذلك.
وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يستكرهها على رضاعه، فإن استأجرها بأجر معلوم،
وقبلت: فلا أجر لها.
__________
(1) وفي الدار "لها أجر مثل".
(6/298)
3984 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم:
على أن للرجل أن يستأجر أمه، أو أخته، أو ابنته، أو خالته: لرضاع ولده.
م 3985 - واختلفوا في الرجل يستأجر المرأة للرضاع، فتأبى أن ترضع.
فقال أبو ثور: تجبر على ذلك، عُرفت به أو لم تعرف به.
وقال أصحاب الرأي: إن كانت تُعرف به أجبرت، وإن لم تعرف به لم تجبر.
م 3986 - وإذا استأجرها لترضع صبياً في منزلها، فكانت توجره لبن الغنم
وتطعمه، ولم ترضعه.
لم يكن لها أجره لأنها لم ترضعه، وهكذا قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
وفي قول أبي ثور، وأصحاب الرأي: إذا قالت: أرضعته، وأنكر الأب فالقول قولها
مع يمينها.
م 3987 - وإذا استأجر الرجل ظئراً للقيط وجده: فهو جائز ولا يرجع على
اللقيط بشيء إذا بلغ، وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي.
م 3988 - واختلفوا في اليتيم الذي لا أب له ولا أم.
ففي قول الشافعي: لا يلزم الرضاع إلا والدا أو جداً، وروي هذا القول عن
الشعبي.
وروينا عن ابن عباس أنه قال- في قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ
ذَلِكَ} الآية، قال: لا يضار.
(6/299)
وقالت طائفة: على أوليائه، على كل ذي رحم
محرم أن يستأجروا له ظئراً، على قدر مواريثهم، وإن كان لا ولي له فمن بيت
المال.
هذا قول أصحاب الرأي.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه جبر عصبة ينفقون على صبي،
الرجال دون النساء".
وممن قال: إن الرضاع على الوارث إذا مات أبواه: الحسن البصري، وعبيد الله
بن عتبة، والنخعي، وقتادة، والثوري.
9 - باب الدار يستأجرها الرجل، ثم يكريها بأكثر
مما اكتراها به [2/ 176/ب]
قال أبو بكر:
م 3989 - واختلفوا في الدار يكتريها الرجل، ثم يكريها بأكثر مما اكتراها
به.
فرخص فيه قوم، روى ذلك عن عطاء، والحسن البصري، والزهري، وبه قال الشافعي،
وأبو ثور.
وكره ذلك قوم، وممن روينا عنه أنه كره ذلك: ابن المسيب، وابن سيرين،
والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي، والأوزاعي.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان المكتري أصلح فيها شيئاً، فلا بأس أن يؤاجرها
بأكثر مما استأجرها به، روي هذا القول عن الشعبي، وبه
(6/300)
قال الثوري، والنعمان، وقال النعمان: إن
أصلح في البيت شيئاً بتطيين أو تجصيص فلا بأسٌ بالفضل، وإن لم يصلح فيه
شيئاً: فلا خير في الفضل ويتصدق به.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
م 3990 - واختلفوا في الكراء: متى يستحق المكري.
ففي قول الشافعي: يملك رب الدار الكراء بالعقد، وله قبض ذلك كله من
المستأجر وبه قال أبو ثور.
وقال النعمان: إذا اكترى إلى مكة دابة، فكلما سار مسيرا له من الأجر شيء
معروف: فله أن يأخذ ذلك من المستأجر، إن شاء.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول، وقد كان الشافعي أجاب بغير ذلك، في موضع
آخر، والذي ذكرناه عنه أصح.
وزعم الكوفي: أن للمكري أن يصارف المكتري، فيأخذ مكان الدراهم دنانير، وفي
هذا: إيجاب بأن الكراء يجب بالعقد، إذ لو لم يكن ذلك واجباً: ما كان له أن
يصارفه على ما لم يستحقه.
10 - باب موت المكري، والمكتري
قال أبو بكر:
م 3991 - واختلفوا في الإجارة الصحيحة، في العبد، أو الدار، يموت المكري أو
المكتري.
فقالت طائفة: الإجارة بحالها، لا تنفسخ بموتها ولا بموت أحدهما بل يقوم
الوارث منهما مقام الميت، هذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابي
ثور.
(6/301)
وقال طائفة: تنتقض [2/ 177/ألف] الإجارة
بموت أيهما مات.
هذا قول الثوري، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر؟ بالقول الأول أقول، إذ غير جائز أن تنتقض إجارة صحيحة بقول لا
حجة مع قائله.
11 - باب خير الأجير من عمله قبل انقضاء الوقت
قال أبو بكر:
م 3992 - واختلفوا في الرجل، يستأجر الدار، أو العبد، ثم يريد أحدهما نقض
الإجارة، من عذر، أو غير عذر.
ففي قول مالك، وأبي ثور، وهو على مذهب الشافعي: ليس لواحد منهما نقضه، من
عذر أو غير عذر، والكراء إلى مدته، وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وفي قول النعمان: له أن يفسخ الإجارة، إذا أراد أن ينتقل من بلد إلى بلد،
وهو عذر، وإذا أفلس فهو عذر، وإذا أراد، وقد اشترى منزلاً -أن يتحول إليه،
فليس ذلك بعذر، وإن اكترى إلى مكة، ثم بدا للمستأجر أن يترك الحج: فهو عذر،
وإن مرض، أو لزمه غيريم له، أو خاف أمراً، فهو عذر، هذا
كله: قول النعمان.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
(6/302)
12 - باب اجارة
الدار والدابة
قال أبو بكر:
م 3993 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن اجارة المنازل،
والدواب: جائز إذا بين الوقت، والأجر، وكانا عالمين بالذي عقدا عله
الأجارة، وبينا من يسكن الدار، ويركب الدابة، وما
يحمل عليها.
م 3994 - واختلفوا فيمن استأجر دارا معلومة، بأجر معلوم، ولم يُبين من يسكن
الدار، وما يجعل فيها.
فكان أبو ثور يقول: لا يجوز، حتى يقول: أسكنها أنا وعيالي، وليس له أن يجعل
فيها ما يَضُر بها.
وقال النعمان: ذلك جائز، يسكنها، ويسكنها من شاء، ويضع فيها ما بدا له، من
الثياب، والدواب، والمتاع، ما خلا الرجى أن تنصب فيها، أو القصّار، أو
الحدّاد، إلا برضى من صاحب الدار، أو يشترط ذلك في الاجارة، هذا قول: أبي
يوسف (1)، ومحمد، وكذلك [2/ 177/ب] كل عمل يوهن البناء، أو يفسده.
13 - باب اكتراء الدار مشاهرة
قال أبو بكر:
م 3995 - واختلفوا في الرجل، يكتري الدار مشاهرة، كل شهر بكذا،
__________
(1) "أبي يوسف" ساقط من الدار.
(6/303)
فسكن شهراً، أو بعض شهر، ثم يريد الساكن
الخروج، أو يريد رب الدار إخراج الساكن.
فقال مالك: للمكري أن يخرجه إن شاء، ويقبض منه ما سكن من الشهر الآخر،
وسواء تكاراها مشاهرة، أو تكاراها أشهراً مسماة.
وكره الثوري هذا الكراء، حتى يسمى شهراً معلوماً، أو أشهراً معلومة.
م 3996 - وكان أبو ثور يقول: لرب الدار أن يخرج الساكن عند انقضاء الشهر،
وللساكن كذلك أن يخرج عند انقضاء الشهر، وإن دخل من الشهر الثاني يوم أو
يومان: فليس له أن يخرج، حتى
ينقضى الشهر.
وبه قال النعمان، ويعقوب، ومحمد، غير أن هؤلاء قالوا: ليس له أن يخرج، ولا
لرب الدار أن يخرجه إذا مضى من الشهر يوم، إلا من عذر.
14 - باب المكتري يُغصب ما اكتراه
قال أبو بكر:
م 3997 - وإذا اكترى الرجل الدار، فغصبها غاصب.
فقالت طائفة: ليس للمؤاجر على المستأجر أجر فيما غصب عليه الغاصب هذا قول:
أصحاب الرأي، وبه قال الشافعي.
وقال الشافعي: على الغاصب: كراء مثله.
وقال أبو ثور: يرجع المستأجر على الغاصب بكراء مثله، وليس على رب الدار
شيء.
(6/304)
15 - باب الكراء
بالطعام وغيره مما يكال ويوزن
قال أبو بكر:
م 3998 - واختلفوا في الكراء بغير الذهب والفضة.
فقالت طائفة: لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم، كما يوصف في أبواب السلم،
هذا قول أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهو قياس قول الشافعي.
وقال الثوري: هو مكروه.
وقال أبو بكر: القول الأول صحيح.
16 - باب مسائل من كتاب الاجارات [2/ 178/ألف]
قال أبو بكر:
م 3999 - واختلفوا في الذمي يكتري من المسلم دارا، فيريد أن يبيع فيها
خمراً.
فكان أبو ثور، وأصحاب الرأي: يرون أن له منعه.
وقال أصحاب الرأي: إن كان هذا في دار بالسواد والجبل: كان له أن يعمل فيها
ما يشاء.
قال أبو بكر: لا فرق بين شيء من ذلك، أحكام الله تعالى في جميع البلاد
سواء.
م 4000 - واختلفوا في الدار يكتريها الرجل، فيسقط منها حائط.
ففي قول الشافعي: للساكن أن يتحول منها، وعليه أجر ماسكن.
(6/305)
وفي قول مالك، والكوفي: إن كان ذلك يضر
بالساكن: فله أن يخرج، غير أن الكوفي قال: إلى أن يبنيه رب الدار.
4001 - واختلفوا الرجل يستأجر الدار سنة، فلما استكمل سكناها استحقت الدار.
فقال أبو ثور: على الذي سكن كراء مثل الدار، فإن كان كراء المثل أقل من
الاجارة: لم يكن عليه أكثر من ذلك، ولم يكن للمؤاجر عليه شيء، وذلك أنه ليس
بمالك؛ وإن كان (1) أكثر مما استأجرها
به رجع بالفضل على المؤاجر (2) الذي أجره (3)، لأنه غره.
وقال النعمان كان: الأجر للمؤاجر على المستأجر، ولا يكون لرب الدار لأن
المؤاجر كان ضامناً غاصبا، والأجر له لضمانه.
وقال يعقوب: عليه أن يتصدق به، ولا يجبر عليه، فإن تهدمت من السكنى ضمن
الساكن، ويرجع به علي المؤاجر، وهو قول محمد.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
م 4002 - واختلفوا في الرجل يكتري الدار بسكنى دار أخرى.
فكان أبو ثور يقول: ذلك جائز.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال النعمان: الكراء فاسد، وإن استأجره بخدمة عبد كان جائزا.
قال أبو بكر:
__________
(1) "أقل من الإجارة ... إلى قوله: وإن كان "ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "على رب الدار".
(3) "الذي أجره" ساقط من الدار.
(6/306)
م 4003 - ولو فرّغ الساكن الدار، وفيها
تراب، وقُمام، وسرقين، وزبل: فعلى الساكن نقل ذلك، في قول أبي ثور، وأصحاب
الرأي، وهو قياس قول الشافعي.
وبه نقول.
قال أبو بكر:
م 4004 - فأما تنقية البلاليع، والكنف.
فإن أصحاب الرأي قالوا: هو مثل الأول إنه على الساكن، ولكنا ندفع القياس
ولا نجعله عليه.
وفي قول أبي ثور: ذلك على [2/ 178/ب] رب الدار.
قال أبو بكر: لا فرق بين القمام، وبين ما في الكنف، وهو على الساكن.
قال أبو بكر:
م 4005 - إذا اكترى منزلا، فقبضه، وعطله، فعليه كراؤه، وهذا قول الشافعي،
وأبي ثور، وبه قال يعقوب، ومحمد.
م 4006 - وإن كان الساكن أنفق على المنزل في عماره نفقة، بغير أمر رب
الدار: فهو متطوع في قول الشافعي، وأبي ثور، وأبي حنيفة (1)، ويعقوب،
ومحمد.
م 4007 - وإن أمره أن ينفق، ثم اختلفا فيما أنفق، فالقول قول رب الدار مع
يمينه، في قولهم جميعاً.
وبه نقول.
__________
(1) "وأبي حنيفة" ساقط من الدار.
(6/307)
م 4008 - فإن قال الساكن لرب الدار:
أعرتنيها، وقال رب الدار: بل اكتريتها: فالقول قول رب الدار، وعلى الساكن
كراء المثل في قول أبي ثور، وأصح قولي الشافعي.
وفي قول أصحاب الرأي: القول قول المستأجر في العارية مع يمينه، والبينة
بينة المؤاجر.
م 4009 - واختلفوا في الرجل يكتري المنزل على أن يسكنه شهراً واحداً، فتزوج
امرأة.
فكان أبو ثور يقول: ليس له أن يسكنها معه، ولصاحب المنزل متعة من ذلك.
وقال النعمان، ويعقوب، ومحمد: له أن ينزله هو ومن كان معه، حتى ينقضي
الوقت.
قال أبو بكر:
م 4010 - وإذا اكترى رجل داراً على أن يرُمّها الساكن: فالكراء فاسد، في
قول الشافعي، وأبي ثور، والنعمان، ويعقوب، ومحمد، وعليه كراء المثل في
قولهم جميعاً، وبه نقول، وقال مالك: لا خير في ذلك.
وإن كان في الدار المكتراة حائط واه، فأشهد على الساكن فيه وتقدم إليه،
وصاحب الدار غائب، فسقط الحائط، فقتل أو أفسد مال إنسان.
ففي قول أبي ثور ذلك على الساكن، لأنه يقوم مقام صاحب الدار، ولا شيء على
الساكن، ولا على رب الدار، في قول الشافعي، والنعمان، ويعقوب، ومحمد.
(6/308)
م 4011 - واختلفوا في الرجل يكتري الدار
على أن يسكنها، فجعلها خان أنبار للطعام.
فقال أبو ثور: لرب الدار أن يمنعه من ذلك؛ لأنه يشين الدار.
وقالت طائفة: ليس له أن يخرجه حتى يستكمل السنة؛ لأن هذا من السكنى، في قول
النعمان، وصاحبيه.
م 4012 - وإذا [2/ 179/ألف] اكترى داراً على أن لا يسكنها (1)، ولا ينزلها،
ولا ينزل فيها أحداً كانت الإجارة فاسدة، فإن سكنها: كان عليه كراء المثل،
في قول أبي ثور، وبه قال النعمان وصاحباه، غير أنه قال: إن سكنها فعليه أجر
مثلها، لا ينتقص مما سمى شيئاً.
م 4013 - واختلفوا في الدار يكتريها الرجل ولم يرها، وقد وصفت له.
فقالت طائفة: إذا كانت كما وصفت له: لزمه الكراء، وإن لم تكن كما وصفت له:
فالكراء باطل، هذا قول أبي ثور.
وفي قول أصحاب الرأي: هو بالخيار إذا رآها.
م 4014 - وإن أحدث الساكن تنوراً في الدار، كما يحدث الناس، فاحترق من
الدار شيء، فلا شيء على الساكن، في قول أبي ثور، وأبي حنيفة، ويعقوب،
ومحمد.
__________
(1) وفي الدار "على أن يسكنها".
(6/309)
17 - باب أجرة
المشاع
قال أبو بكر:
م 4015 - واختلفوا في الرجل يستأجر من الرجل نصف دار مشاع، أو نصف عبد، أو
نصف دابة.
ففي قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد: الإجارة في ذلك كله
جائزة.
ولا يجوز ذلك في قول النعمان.
قال أبو بكر: وبقول مالك أقول، لأن ذلك لما كان معلوما في البيع لزم من
خالفنا أن يكون كذلك في الكراء.
18 - باب مسائل الصناع
قال أبو بكر:
م 4016 - واختلفوا في الرجل يدفع الثوب إلى الخائط ينسجه بالثلث أو بالربع.
فكره ذلك الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والثوري.
ولا يجوز ذلك في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، والنعمان، ويعقوب، ومحمد.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وروينا عن عطاء: أنه رخص فيه، وبه قال الزهري، وأيوب، ويعلي بن حكيم،
وقتادة، وأحمد، وإسحاق.
(6/310)
واحتج أحمد:
(ح 1331) بحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم -"اعطى خيبر على الشطرِ".
وحكى أحمد عن ابن سيرين: أنه كان لا يرى بأساً بالثلث ودرهم.
م 4017 - واختلفوا في رجل أسلم إلى طحان قفيزا من حنطة، ليطحنه له بدرهم
ويربع دقيق منها.
فقال ابو ثور: ذلك جائز.
وقال النعمان: هو فاسد.
م 4018 - واختلفوا [2/ 179/ب] في الرجل يستصنع عند الرجل الشيء، مثل
الإبريق، والطست، والخف، وما أشبه ذلك، فوصف ذلك صفة معروفة، وضرب له أجلاً
معلوماً.
فقالت طائفة: هو جائز، ولا خيار له إذا أتى به على الصفة، هذا قول أبي ثور.
وقال النعمان: هو جائز، وللمستصنع الخيار، إذا رآة مفروغاً منه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور أصح.
واختلفوا في الرجل يدفع على الرجل الثوب ليصبغه، فصبغه، قال رب الثوب:
أمرتك أن تصبغه أحمر، وقال الصباغ: أمرتني أن أصبغه بزعفران.
(6/311)
ففي قول الشافعي: القول قول رب الثوب مع
يمينه، وبه قال أبو ثور، والنعمان، ويعقوب، ومحمد.
وقال مالك: القول قول الصباغ: إلا أن يأتي بأمر لا يستعملون مثله.
م 4019 - وقد روينا عن الحسن أنه قال: إذا اختلف الخياط ورب الثوب، فقال:
أمرتك بقرطق، وقال الخياط: بل أمرتني بقميص، فالقول قول الخياط، وبه قال
ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق.
وفي قياس قول الشافعي: القول قول رب الثوب مع يمينه، ويضمن الخياط ما بين
قيمة الثوب صحيحاً، وقيمته قد قطع.
م 4020 - واختلفوا في الرجل يدفع إلى الخياط ثوباً، ويقول له: إن كان يقطع
قميصاً فاقطعه، فقال هو: يقطع، ثم قطعه، فلم يكفه.
فكان أبو ثور يقول: لا شيء عليه.
وقال أصحاب الرأي: هو ضامن لقيمة الثوب. قالوا: ولو قال للخياط: انظر إلى
هذا الثوب، يكفيني قميصاً؟.
فقال: نعم. فقال: اقطعه. فقطعه، فإذا هو لا يكفي.
قالوا: لا يضمن.
قال أبو بكر: إن كان غيره في الأولى، فقد غره في هذه.
(6/312)
19 - باب القصار
يغلط، فيدفعه إلى غير صاحبه
قال أبو بكر:
م 4021 - واختلفوا في القصار يدفع الثوب إلى غير صاحبه، مخطئاً أو عامداً،
فيقطعه المدفوع إليه، وهو يحسب أنه ثوبه، ثم يجيء صاحب الثوب.
فقالت طائفة: يأخذ صاحب الثوب ثوبه، ويأخذ ما نقصه القطع من القصار، لأنه
الجاني عليه، ويرجع الآخر على القصار بثوبه وأجر الخياط الذي خاط الثوب [2/
180/ألف] المستحق من يده، لأنه غره.
هذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا جاء صاحب الثوب، فهو بالخيار: إن شاء ضمن القصار
قيمة الثوب، ويرجع القصار بتلك القيمة على القاطع، ويرجع القاطع بثوبه على
القصار. وإن شاء رب الثوب ضمن القاطع قيمة الثوب، ويسلم له الثوب، ويرجع
القاطع على القصار بثوبه.
20 - باب تضمين الصناع
قال أبو بكر:
م 4522 - اختلف أهل العلم في تضمين الصناع.
(6/313)
فقالت طائفة: هم ضامنون، إلا أن يجيء شيء
غالب. هذا قول مالك بن أنس، ويعقوب. غير أن مالكاً قال: إن استعملتهم في
بيتك، فضاع، فلا ضمان عليهم، إلا أن يتعدوا.
وقد روينا عن علي رضي الله عنه أنه " ضمن الأجير" وفي إسناده مقال.
وممن قال بالقول الذي بدأت بذكره- أنهم ضامون-: شريح، وعبد الله بن عتبة".
والحسن البصري.
وضمن الشعبي: الراعي.
وقال النعمان في السفينة: إن غيرقت من مدِّه، أو معالجته، أو عنفه فهو
ضامن.
وفيه قول ثان: وهو أن يضمن الصانع، إلا من حَرَقٍ، أو سرق أو غرق، هكذا قال
الحسن، وقتادة.
وقال أحمد: كل شيء تفسده يده: يضمنه، وما كان من حرق أو غرق فأجيرٌ عنده،
وبه قال إسحاق.
(6/314)
وفرقت فرقة ثالثة بين الأجير المشترك، وبين
غيره فقالت: كل أجر مشترك: ضامن لما جنت يده من الإجارة، مما خالف فيه،
ومما لم يخالف، وأما ما هلك، فلا ضمان عليه، في قول النعمان.
وقال النعمان، ويعقوب، ومحمد: المشترك عندنا: القصار، والخياط، والصائغ،
والإسكاف، وكل من يتقبل الأعمال من غير واحد.
وأجير الرجل وحده يكون: الرجل يستأجر الرجل ليخدمه شهراً، أو ليخرج معه إلى
مكة، وما أشبه ذلك مما لا يقدر الأجير أن يؤجر فيه نفسه من غيره.
وقالت طائفة: لا ضمان على الصناع. روي هذا القول عن ابن سيرين، وطاووس.
وقال ابن شبرمة في السفينة- تنكسر، وفيها متاع-: لا ضمان على صاحبها.
وقال أبو ثور: لا ضمان على [2/ 180/ب] الأجر.
والصحيح من قول الشافعي: أن لا ضمان على الأجير، إلا ما تجنيه يده (1).
قال أبو بكر: ليس مع من ضمن الأجير حجة، ولا ضمان على الأجراء إلا فيما
تجنيه أيديهم.
م 4023 - واختلفوا في وجوب الأجرة إذا تلف قبل أن يسلم إلى رب الشيء شيئه،
وقد عمل الأجير العمل.
__________
(1) "يده" ساقط من الدار.
(6/315)
ففى قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
والنعمان: لا يلزمه أجرة، حتى يسلم الذي فيه العمل.
وفرق أحمد بين البناء والخياط، فقال: إذا قال: اعمل لي ألف لبنة في كذا
وكذا، فعمل، ثم سقط، فعليه الكراء، وإذا استعمله يوماً، فعمل فسقط عند
الليل ما عمل، فله الكراء.
وإذا قال له: ارفع في حائطاً، كذا وكذا دراعاً، فإن سقط، فعليه التمام. وبه
قال إسحاق.
وقال مالك في الحفار، يستأجر على حفر القبر، فانهدم قبل فراغه، فلا شيء له.
وقال أبو ثور: إذا هلكت السلعة عند الصانع، بعدما عمل، فله الأجرة ولا شيء
عليه. وهكذا كل صانع، وأجير.
21 - باب إجارة الراعي
قال أبو بكر:
م 4024 - وإذا استأجر الرجل الراعي، يرعى له غنماً شهوراً معلومة، بأجر
معلوم: كان ذلك جائزاً.
وليس على الراعي ضمان ما تلف من الغنم، فإن ضرب شاة، فتلفت من ضربه، فهو
ضامن.
(6/316)
وإن تلف بعض الغنم لم ينقص من الأجر شيء،
ولرب الغنم أن يبدل مكان التالف منها.
وهذا على مذهب أبي ثور، والكوفي.
22 - باب إجارة الثياب
قال أبو بكر:
م 4025 - وإذا استأجر الرجل الثوب- قد عرفه- ليلبسه يوماً إلى الليل، بأجرة
معلومة، فهو جائز، وكذلك كل ثوب يلبس، وكل بساط يبسط، أو وسادة يتكأ عليها.
ولا أعلم في هذا اختلافاً.
م 4026 - واختلفوا في الرجل، يستأجر الثوب ليلبسه، فألبسه غيره.
فقال أبو ثور: لا ضمان عليه.
وقال أصحاب الرأي: إن ألبسه غيره، وكان هو الذي أعطاه فهو ضامن للثوب؟ إن
أصابه شيء، وليس عليه أجرة في ذلك اليوم، لأنه صار ضامناً لما خالف [2/
181/ألف].
23 - باب إجارة الحلي
قال أبو بكر:
م 4027 - كان الثوري يقول: لا بأس باستئجار الحلي، والسيف، والسرج، وبه قال
إسحاق، وأبو ثور، وهو قول النعمان، وصاحبه.
(6/317)
وقال مالك: لا يعجبني إجارة الحلي والثياب،
وما أراه حراماً، والحلال واسع، وهذه مشتبهات.
وسئل أحمد عن استئجار الحلى، فقال: ما أدري ما هو، وأما السيف والسرج،
واللجام: فلا بأس به.
قال أبو بكر: ذلك كله جائز، إذا كان معلوماً.
24 - باب كتاب المصاحب بالأجر
قال أبو بكر:
م 4028 - كره علقمة، وابن سيرين كتاب المصاحف بالأجر.
وقال ابن سيرين: لا بأس أن يستأجر الرجل شهراً، ثم يستكتبه مصحفاً، وبه قال
مالك، وأبو ثور، والنعمان (1).
قال أبو بكر: كل ذلك جائز.
وقال أبو ثور: لا بأس أن يكتري المصحف وقتاً معلوماً، ليقرأ فيه، وذكر ابن
القاسم: أن ذلك قياس قول مالك.
وبه نقول.
25 - باب إجارة رحى الماء
قال أبو بكر:
م 4029 - للرجل أن يكتري من الرجل البيت الذي فيه رحى الماء، والرحى
__________
(1) "والنعمان" ساقط من الدار.
(6/318)
بآلتها، بأجر معلوم، ومدة معلومة.
ولا أحفظ عن أحد فيه خلافاً
م 4030 - واختلفوا فيه إن انقطع الماء بعد أن يسلم ذلك، فكان الشافعي يقول:
عليه من الأجر قدر ما انتفع به، رواه أبو ثور عنه.
وقال أبو ثور: إن الإجارة لا تنتقض، والمصيبة من المستأجر.
م 4031 - وإن اختلف الرحى والمستأجر في انقطاع، فقال المستأجر: انقطع عشرة
أيام. وقال رب الرحى: انقطع خمسة أيام.
ففي قول أبي ثور، وابن القاسم- صاحب مالك-: القول قول رب الرحى.
وقال أصحاب الرأي: القول قول المستأجر مع يمينه.
26 - باب أجر السمسار
قال أبو بكر:
م 4032 - واختلفوا في أجر السمسار.
فرخصت فيه طائفة، وممن روي عنه أنه رخص فيه: ابن سيرين، وعطاء، والنخعي.
وقال أحمد: لا بأس أن يعطيه من الألف شيئاً معلوماً، وكره أن يشتري له من
السوق، إنما أعطاه ليشتري له من الحائك، ليكون أرخص [2/ 181/ب] له؛ إلا أن
يبين.
وكره حماد بن أبي سليمان، وسفيان الثوري كراء السمسار.
(6/319)
وقال أبو ثور: لا يجوز أن يجعل له في الألف
شيئاً معلوماً، ولا في كل ثوب شيئاً معلوماً، فإن فعل: فله أجر مثله، وإنما
يستأجره شهراً يشتري له ويبيع.
وقال النعمان: لا يجوز أن يشتري له بألف درهم ثياباً (1) زطياً بأجر عشرة
دراهم، وكذلك لو قال له: اشتر لي مائة ثوب زطي، فإن اشترى وباع: فله أجر
مثله، لا يجاوز به من الأجر ما سمى له في
قول النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: إن شاء أمره أن يشتري له ثم يعوضه بعد الفارغ من البيع
والشراء، مئل ما يأخذ مثلُهُ من الأجرة.
قال أبو بكر: قول أبي ثور حسن.
27 - باب دفع الرجل إلى الرجل الثوب ليبيعه
بكذا فما زاد فله
قال أبو بكر:
م 4033 - واختلفوا في الرجل، يدفع إلى الرجل الثوب، أو غيره، ليبيعه بكذا،
فما زاد بعد فله.
فاجاز ذلك قوم، روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال ابن سيرين، وأحمد، وإسحاق،
وقال أحمد: هذا مثل المضاربة.
(6/320)
وكره ذلك النخعي، وحماد، والكوفي (1)،
وسفيان الثوري.
قال أبو بكر: هذه أجرة مجهولة، فإن باع، فله أجر مثله.
28 - باب الاختلاف في الإجارة
قال أبو بكر:
م 4034 - واختلفوا في الأجير والمستأجر، يختلفان في الأجر.
فكان الشافعي يقول: إن كان لم يعمل تحالفا، وترادّا الاجارة، وإن عمل
تحالفا، وله أجر مثله.
وقال النعمان: القول قول المستأجر في القضاء إذا اختلف هو ورب الثوب (2).
وقال ابن أبي ليلى: القول قول الأجير، فيما بينه وبين أجر مثله.
م 4035 - وإن لم يكن علم العمل ترادا بعد أن يتحالفا، في قول النعمان،
والثوري، وابن أبي ليلى.
وقال يعقوب- بعد-:إذا كان شيئاً متقارباً: قبلت قول المستأجر واحلفته، وإذا
تفاوت: جعلت للعامل أجر مثله، إذا حلف.
وقال أبو ثور: القول قول المستأجر، مع يمينه، فإن أقاما البينة فالبينة،
بينة الذي يدعي الفضل.
__________
(1) في الدار "حماد الكوفي".
(2) وفي الدار "رب المال".
(6/321)
م 4036 - والخيار في الكراء جائز، كما يجوز
في البيوع، في قول مالك، وأبي ثور [2/ 182/ألف] والنعمان، ويعقوب، ومحمد.
29 - باب كرى الفساطيط والخيام
قال أبو بكر:
م 4037 - وللرجل أن يستأجر الفساطيط، والخيام، والكنائس، والعماريات،
والمحامل، بعد أن يكون المكترى من ذلك عيناً قائمة قدر أياها جميعاً، مدة
معلومة بأجر معلومة.
وهذا قول كل من أحفظ عنه من أهل العلم.
م 4038 - فإن استأجر فسطاطا، ليخرج به إلى مكة، ولم يقل متى أخرج، فالكراء
فاسد، فإن لم يخرج به، فلا شيء عليه، وإن خرج به، فله أجر مثله.
وهذا قول أبي ثور، وقياس قول الشافعي.
(6/322)
وقال أصحاب الرأي كذلك، وقالوا: ليس بقياس،
ولكنا نستحسن فنجيزه، ويخرج كما يخرج الناس.
قال أبو بكر: لا يجوز ذلك، إلا أن يكون معلوماً.
30 - باب إجارة الرقيق للخدمة
قال أبو بكر:
م 4039 - وإذا استأجر الرجل عبداً للخدمة، كل شهر بأجر معلومٍ فالإجارة
جائزة، في قول الشافعي، والنعمان، وأبي ثور.
فان أراد رب العبد أن يتعجل الأجرة، ودافعه المستأجر، ففي قول الشافعي،
وأبي ثور، الأجرة حالة.
قال أبو بكر: وبه أقول.
وفي قول النعمان- آخر قوليه-: يأخذ أجر يوم بيوم، وكذلك قال يعقوب، ومحمد.
م 4040 - وكان أبو ثور يقول: يخدمه من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، وبالليل
ما يكون من خدمة أوساط الناس.
وفي قول النعمان: يستخدمه من السحر إلى بعد العشاء الآخرة، وإلى أن ينام
الناس.
(6/323)
م 4041 - وفي قول أبي ثور: ليس له أن يمنعه
من صلاة فرض، ولا تطوع مثل ركعتي الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتين بعدها،
وركعتين بعد المغرب والوتر بعد العشاء الآخرة.
وحكى عن الثوري، وابن المبارك، أنهما قالا: لا بأس أن يصلي الأجير ركعات
السنة.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
مسائل من هذا الباب
قال أبو بكر:
م 4042 - كان سفيان الثوري يقول: كل صانع دفعت إليه عملا، ليس لك أن تأخذه
حتى تعطيه أجره، وبه قال [2/ 182/ب] أبو ثور.
واختلف قول أصحاب الرأي في هذا الباب، فقالوا في القصار، والصائغ، والخياط،
والصباغ (1)، والحائك، والخباز، والجزار، كما قال أبو ثور.
وقالوا في الحمال، والملاح، والذي يحمل على ظهره، أو على دوابه، لصاحب
المتاع أن يأخذه قبل أن يعطيه الأجرة.
م 4043 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن اكتراء الحمام جائز
إذا حدده، وذكر جميع آلته، شهوراً مسماة، وهذا قول مالك وأبي ثور، وأصحاب
الرأي، وهو على مذهب الشافعي.
__________
(1) "الصباغ " ساقط من الدار.
(6/324)
م 4044 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل
العلم، على إبطال إجارة النائحة، والمغنية.
كره ذلك الشعبي، والنخعي، ومالك.
وبه نقول.
م 4045 - وقال أبو ثور، والنعمان، ويعقوب، ومحمد: لا تجوز الإجارة على شيء
من الغناء، والنوح.
م 4046 - واختلفوا في الرجل، يجب له القصاص، فاستأجر له رجلاً فضرب له عنق
من وجب عليه القصاص.
فقالت طائفة: ذلك جائز، هذا مذهب الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا أجر له.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 4047 - واختلفوا في الوصي يكري نفسه في عمل اليتيم الذي في حجره، أو يفعل
ذلك الأب.
فقال النعمان: لا يجوز ذلك للوصي، وأجاز ذلك للأب، وهو يشبه مذهب الشافعي.
وأجاز أبو ثور ذلك للأب والوصي.
م 4048 - واختلفوا في الرجل يستأجر الرجل ليحمل له خمراً.
فكان مالك، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد يقولون: لا يجوز ذلك.
وهو يشبه مذهب الشافعي.
وقال النعمان: ذلك جائز وله الأجر.
(6/325)
قال أبو بكر: أخذ الأجرة في هذا: من أكل
المال بالباطل، وقد:
(ح 1332) "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حامل الخمر والمحمولة
إليه".
م 4049 - واختلفوا في الرجل، يدفع الثوب إلى الخياط، فيقول له: إن خطته
اليوم، ذلك درهم، وإن خطته غدا. ذلك نصف درهم.
فقالت طائفة: لا يجوز ذلك، فإن عمل فله أجر مثله، هذا قول الثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي [2/ 183/ألف] ثور.
وقال النعمان: إن خاطه اليوم، له درهم، وإن لم يفرغ منه اليوم، فله أجر
مثله، لا ينقصه من نصف درهم، ولا يزاد على درهم.
وقال الحارث العكلي، ويعقوب، ومحمد، له شرطه.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 4050 - وقال الثوري: إذا اكترى غلاماً، فقال: فرَّ مني، فالقول قوله، إذا
لم يكن بينة أنه عمل عنده.
وإذا قال: مرض عندي فلم يعمل، فإن الكراء عليه، إلا أن يأتي ببينة أنه مرض،
وبه قال أحدهما وإسحاق، فيهما.
وقال النعمان: إذا قبض العبد، في أول الشهر، فقال المستأجر: أبق، أو مرض،
وهو مريض، فالقول قوله، وإن وجد صحيحاً، لم يقبل قوله.
(6/326)
31 - باب النهي عن
عسب الفحل
قال أبو بكر:
(ح 1333) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: نهى عسب الفحل" (1).
م 4051 - واختلف أهل العلم في الرجل يستأجر الفحل لينزيه مدة معلومة بأجر
معلوم، فرخص فيه قوم وكرهه آخرون.
فممن رخص فيه: الحسن، وابن سيرين، وأجاز ذلك مالك.
وقد روينا عن أبي سعيد الخدري، والبراء بن عازب: أنهما كرها بذلك، وقال أبو
ثور، أصحاب الرأي: يجوز ذلك، وهو يشبه مذهب الشافعي.
وقال عطاء: لا يأخذ عليه أجراً، ولا بأس أن تعطيه إذا لم تجد من يَطرُقك.
قال أبو بكر: لا يجوز ذلك، لدلالة السنة عليه، ولأنه من جهة النظر: مجهول
لا يوقف له على حد.
32 - باب كسب الحجام
قال أبو بكر:
(6/327)
(ح 1334) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - قال: "كسب الحجام خبيث".
(ح 1335) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه: "أعطى الحجام أجرة". قال:
"ولو علمه خبيثاً: لم يعطه".
(ح 1336) وقد روينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إعْلِفْه
ناضِحَكَ، أو أطعِمْه رقيقك".
م 4052 - واختلف أهل العلم في كسب الحجام.
فروينا عن عثمان بن عفان، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنهما كرهاه.
وكره ذلك الحسن البصري، والنخعي.
وقال أحمد: نحن نعطيه كما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ورخص فيه ابن عباس وقال: أنا آكله، وبه قال عكرمة، والقاسم، وأبو جعفر،
وربيعة [2/ 183/ب]، ويحيى الأنصاري، ومالك.
(6/328)
وقال عطاء: لا بأس بكسب الحجام
بالجَلَمَيْن.
واحتج من أباح ذلك بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أعطى الحجام أجره، ولو
كان حراماً: لم يعطه.
ودل حديث محيصة على إباحة كسبه، إذ غير جائز أن يأمر بأن يطعم رقيقه مما
يحرم عليه أكله، وإنما كره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك تنزيها، لا أن
ذلك لا يحل.
(6/329)
|