الإشراف
على مذاهب العلماء 72 - كتاب المساقاة
قال أبو بكر:
(ح 1322) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وسط "عامل أهل خيبر على
شطر ما تخرجُ من ثمرٍ أو زرع".
م 3931 - واختلفوا في الرجل يدفع نخله مساقاة على النصف، أو الثلث، أو
الربع.
فأجاز ذلك فريق، وممن أجاز ذلك سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، ومالك،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقال مالك: "والمساقاة في كل أصل من كرم، وزيتون، أو تين، أو رمان، أو
فرسك، أو ما أشبه ذلك من الأصول، جائزة".
وبه قال أبو ثور.
وأنكر النعمان المعاملة على شيء من الفرس ببعض ما يخرج منها، وهذا خلاف ما
سنه (1) رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وخلاف فعل أبي بكر،
__________
(1) وفي الدار "خلاف سنة"، وكذا في العمانية / 409.
(6/273)
وعمر رضي الله عنهما؛ لأن النبي- صلى الله
عليه وسلم - "عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع".
وأقرهم أبو بكر رضي الله عنه بعد [2/ 170/ب] رسول الله- صلى الله عليه وسلم
-، وأقرهم عمر رضي الله عنه صدراً من إماراته.
ولا معنى لقول خالف فيه قائله النبي- صلى الله عليه وسلم -، والحليفتين
بعده، الصديق والفاروق.
ثم هو بعد ذلك قول شاذ.
وأهل الحرمين على ما ذكرناه، قديماً وحديثاً، إلى زماننا هذا.
1 - باب المساقاة في غير النخل والكروم
قال أبو بكر:
م 3932 - كان مالك يقول: والمساقاة في كل نخل، وكرم، وتين، وزيتون، أو
فرسك، أو ما أشبه ذلك من الأصول، جائزة.
وبه قال أبو ثور.
وقال مالك: لا بأس بمساقاة القثاء، والبطيخ، ما لم يبد صلاحه، ويحل بيعه،
إذا عجز عنه صاحبه وفيه قول ثان: وهو أن المساقاة لا تجوز إلا في النخل
والكرم، هذا قول الشافعي (2).
(6/274)
2 - باب المساقاة في
البعل من النخل وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 3933 - واختلفوا في المساقاة في البعل من النخل.
فكان مالك يجيز المساقاة منه.
وقال الليث بن سعد: لا أرى ذلك.
م 3934 - واختلفوا في المساقاة في شجر لم يطعم.
ففي قول مالك: لا تجوز، وبه قال يعقوب، ومحمد، غير أنهما قالا: فإن عمل
عليه فأطعم كان ذلك لرب الأرض، وللعامل أجر مثله.
وقال أبو ثور: هي معاملة جائزة إذا كانت على سنين معلومة.
قال أبو بكر:
م 3935 - وإن دفع إليه نخلاً أو شجراً معاملة على النصف، ولم يذكر وقتاً
معلوماً.
فهذا عند أبي ثور على سنة واحدة.
وأجاز بعض أهل الكوفة ذلك استحساناً.
وقال بعض أهل الحديث: ذلك جائز، واحتج:
(ح 1323) بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل خيبر: "نُقركم على ذلك ما
شئنا".
(6/275)
3 - باب المساقاة في
ثمرة قد حل بيعها
قال أبو بكر:
م 3936 - واختلفوا في المساقاة في نخل فيه طلع أو بسر قد اخضر أو احمرّ،
وقد انتهى وعظم، لم يطعم بعد ولم يرطب، وهو محتاج إلى السقى، والتعاهد حتى
يرطب.
فأجاز أبو ثور المعاملة فيه إذا احتاج إلى القيام عليه، وأبطل المعاملة فيه
إذا لم يحتج إلى القيام عليه.
وقال يعقوب، ومحمد: لا تجوز المعاملة فيه، وإن كان يزداد [2/ 171/ألف]
فالمعاملة فيه جائزة.
فكان عامله وقد انتهى، في قول يعقوب، ومحمد: للعامل أجر مثله، والثمر لصاحب
النخل.
وقال مالك: لا تجوز المعاملة في ثمر قد بدا صلاحه وحل بيعه.
وأجاز مالك المساقاة في الزرع، إذا خرج واستقل وعجز صاحبه عن سقيه.
وقال الليث بن سعد: ما أحب ذلك، ولكن صاحبه يستأجر له من يسقيه.
[وبقول مالك أقول] (1).
4 - باب الشروط التي يشترطها رب النخل، والعامل
قال أبو بكر:
__________
(1) ما بين المعكوفين ساقط من الدار.
(6/276)
م - قال مالك بن أنس: "لا بأس أن يشترط
صاحب الأرض على المساقي سد الحيطان (1)، وخثم العين، وسرْو الشرَب، وإبار
النخل، وقطع الجريد، وجذاذ الثمر، ولا ينبغي أن يشترط عليه بئراً يحفرها،
أو عيناً يرفع في رأسها، أو غراساً يغرسه فيها يأتي به من عنده، أو ضفيرة،
يبنيها (2)، تعظم نفقته فيها".
وقال الشافعي: "كل ما كان يستزاد في الثمر من إصلاح الماء، وتصريف الجريد،
وإبار النخل، وقطع الحشيش الذي يضر بالنخل وينشف عنه الماء، جاز شرطه على
المساقي.
وأما سد الحظار، فلا يصلح شرطه على [[المساقي]] ".
وقال يعقوب، ومحمد: إن اشترط عليه أن يقوم عليه، ويكسحه ويلقحه ويسقيه،
فذلك جائز.
__________
(1) وفي الدار "شد الحظار".
(2) في الأصليين. بينهما، والتصويب من الموطأ.
(6/277)
وإن اشترط عليه صرام الثمر أو لقاط الرطب،
أو جذاذ الثمر، أو لقاط ما يلقط مثل الباذنجان، وثمر الشجر، فذلك باطل،
والمعاملة على هذه الشروط فاسدة، فكان عمل كان له كراء مثله، وما أخرج
النخل من شيء فهو لصاحبه.
وقال أبو ثور في قيام العامل عليه وكسحه، وسقيه، وتلقيحه، كما قال يعقوب،
ومحمد.
فإن اشترط رب الأرض على العامل في ذلك صرام النخل، أو لقاط الرطب، أو جذاذ
الثمرة، أو لقاط مثل الباذنجان، وثمر الشجر ففيه قولان:
أحدهما: أنه جائز.
والآخر: أن هذا ليس مما يكون في المعاملة، وذلك أن الثمرة إذا أدركت فقد
انقضت المعاملة، وصارت بينهما على ما اشترطا عليه.
5 - باب اشتراط الرقيق يشترطه كل واحد منهما
على صاحبه [2/ 171/ب]
قال أبو بكر:
م 3938 - قال مالك: في الرقيق يشترطهم المساقي على صاحب الأصل، أنه لا بأس
به.
وكذلك قال الشافعي.
قال أبو بكر:
(6/278)
م 3939 - ولا يجوز أن يستعمل الرقيق الذي
يشترطهم عليه في غير ذلك الحائط، في قول مالك، والشافعي.
م 3940 - وقال مالك في نفقة الرقيق: هو على المساقي، لا ينبغي أن يشترط
نفقتهم على رب المال.
وكان الشافعي يقول (1): "ونفقة الرقيق على ما اشترطا عليه، وليس نفقة
الرقيق بأكثر من أجرتهم، فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير أجرة، جاز (2) أن
يعملوا له بغير نفقة".
م 3941 - وقال مالك: "وليس للمساقي أن يعمل بعمال العين في غيرها، ولا
يشترط ذلك على الذي ساقاه.
ولا يجوز للمساقي أن يشترط على رب المال رقيقاً يعمل بهم في الحائط (3)
ليسوا فيه حين ساقاه إياه".
6 - باب مسائل
م 3942 - وكان مالك يقول: في الجريد والليف والسعف: بمنزلة الثمر
__________
(1) " في نفقة الرقيق ... إلى قوله: الشافعي يقول " ساقط من الدار.
(2) " أن يعملوا للمساقى ... إلى قوله أجره جاز "ساقط من الدار.
(3) في الأصليين في الحوائط، والتصويب من الموطأ.
(6/279)
م 3943 - واختلفوا في الرجل، يدفع إليه
الرجل النخل مساقاة، فيعامل العامل غيره في النخل.
فقال مالك: إن جاء برجل أمين فذلك له، ولا يجوز ذلك في القراض.
وفيه قول ثان: وهو أنه لا يجوز أن يدفع ذلك إلى غيره معاملة إذا لم يقل له:
اعمل فيها برأيك، فإن عمل فما خرج فلصاحب النخل وللعامل الأخير على العامل
الأول كراء مثله، وليس للعامل الأول
شيء، وذلك أنه لم يعمل شيئاً مما يستوجب به أجراً.
هذا قول أبي ثور.
وقال يعقوب، ومحمد كما قال أبو ثور.
م 3944 - واختلفوا في الرجل يساقي رجلاً على نخل له (1)، في مواضع متفرقة
منها على النصف، ومنها على الثلث، ومنها على الربع.
فقال مالك: إن عقدا ذلك في صفقة واحدة، فليس ذلك بحسن، وإن كان ذلك في
صفقات متفرقة، فلا بأس.
وفي قول الشافعي: ذلك جائز.
م 3945 - وإذا ساقى رجل رجلاً على نخل له على النصف، وجب إخراج الزكاة من
جملة الثمر، ثم يقتسمان ما فضل على ما اتفقا عليه.
وهذا [2/ 172/ألف] على مذهب مالك، والشافعي.
وبه قال الليث بن سعد إذا ساقى المسلم النصراني، أعلمه أن الزكاة مؤداة في
الحائط، ثم يقاسمه بعد الزكاة ما بقي.
__________
(1) وفي الدار "رجلاً نخلاً له".
(6/280)
م 3946 - واختلفوا في الرجل يدفع إلى الرجل
أرضه، على أن يغرس فيها شجراً، على أن يكون الشجر بينهما نصفين، وعلى أن
الأرض والشجر بينهما.
فكان مالك، وأبو ثور يقولان: لا يجوز، ويشبه ذلك مذهب الشافعي.
وكان أبو ثور يقول: فكان أخذها على هذا وعمل، فما أخرجت الأرض من ثمرة،
فلماحب الغيرس، ويقطع غيرسه، ويكون له على رب الأرض ما بين غرسه قائماً
ومقطوعاً، وذلك أنه غيرّه، ويكون لصاحب الأرض على صاحب الغرس كراء مل أرضه،
وما نقص أرضه، وذلك أنه غرّه.
وقال يعقوب، ومحمد في إفساد المعاملة كما قالوا، وقالا: فكان أخذها على
هذا، فعمل فيها، فما أخرجت الأرض من شيء، فلصاحب الأرض، ولصاحب الغرس قيمة
غرسه، وأجر مثله؛ لأن حين اشترط شيئاً من الأرض يغرسه ن ما غرس لصاحب الأرض
(1).
7 - باب عقد المساقاة بين الرجلين سنين معلومة
(2) ثم يريد أحدهما الرجوع عن ذلك
قال أبو بكر:
م 3947 - وإذا دفع الرجل نخله إلى رجل سنين معلومة، على النصف
(6/281)
أو الثلث، ثم أراد أحدهما الرجوع قبل
انقضاء المدة فليس ذلك له، أيهما أراد إبطال ذلك.
وهذا قول مالك بن أنس، قال: إلا أن يمرض فيضعف، أو يفلس فيقال له: ساق إن
شئت عد لا رضا وإلا (1) كان صاحب المال أولى به من غيره.
وبه قال يعقوب، ومحمد إلا أن يكون عذر، ومن العذر أن يكون العامل رجل سوء
يخاف على فساد النخل، وقطع السعف، فلصاحب الأرض إخراجه.
والعذر للعامل أن يمرض مرضاً لا يستطيع أن يعمل، أو يضعف عنه.
وقال أبو ثور: ليس لواحد منهما أن يرجع، حتى تنقضى المدة.
قال أبو بكر: هذا أصح، ولا أعلم عذراً يجب به فسخ العاملة، إلا أن تقوم [2/
172/ب] بينة أن العامل خائن، فيقال له: أقم مكمك (2) عاملاً يقوم بما يجب
عليك أن تقوم به، فإذا جاءت الغلة، أخذ كل واحد من رب المال والعامل حصته،
وكانت أجرة القائم في مال العامل.
__________
(1) وفي الدار "وإن كان".
(2) وفي الدار "مكانك".
(6/282)
8 - باب موت العامل
أو رب النخل (1)
قال أبو بكر:
م 3948 - وإذا دفع رجل إلى رجل نخلاً معاملة، فما أحدهما فإن مات صاحب
النخل، قام ورثته مقامه، وإن مات العامل فكذلك تقوم ورثته مقامه إن شاؤوا.
م 3949 - وكان أبو ثور يقول: إن مات صاحب الأرض والعامل جميعاً، فإن أحب
ورثة العامل أن يقوموا فيه، كان ذلك لهم، وإن كرهوه، كان على ورثة صاحب
الأرض أن يقاسموهم، أو يرضوهم في حقوقهم.
م 3950 - وإذا دفع الرجل إلى الرجل نخلاً معاملة على النصف، وعلى أن لرب
الأرض دنانير معلومة، أو دراهم، أو وسقا من الثمر، يختص بها، أو شرط العامل
ذلك لنفسه، والعاملة على هذا فاسدة لا تجوز.
وهذا على مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3951 - وإذا ساقى الرجل على نخل، ولم يذكر البياض، فليس للعامل أن يزرع
في بياض الأرض، إلا بإذن صاحبه، فإن زرع في ذلك بغير إذن صاحبه، فهو متعدي،
وعليه كراء الله، والزرع له فإن أدرك ذلك وقد زرع، أمر بقلعه وهذا قول
يعقوب.
وقال مالك: "ما ازدرع الداخل في البياض فهو له، وإن اشترط صاحب النخل أن
يكون ذلك بينهما، فهو جائز إذا كان تبعاً للنخل.
__________
(1) وفي الدار "رب المال".
(6/283)
وقال مالك: فإن اشترط صاحب الأرض أن يزرع
في البياض، فذلك لا يصلح؛ لأن الرجل الداخل يسقي لرب الأرض، فذلك زيادة
ازدادها عليه".
[وبه أقول] (1).
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
ملاحظة: في الدار يأتي بعد هذا الكتاب كتاب الإستبراء وكذا في العمانية/
423، وقد سبق كتاب الاستبراء في نسخة الأصل الثالث.
(6/284)
|