الإشراف
على مذاهب العلماء 75 - كتاب العارية
قال أبو بكر:
قال الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ} الآية.
م 4091 - واختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى: {الْمَاعُونَ}.
فكان ابن مسعود يقول: العواري، الدلو، والقدر، والميزان.
وقال ابن عباس: العارية.
وقال عكرمة: إذا جمع ثلاثتها فله الويل، إذا سها عن الصلاة، وراءى، ومنع
[2/ 188/ألف] الماعون، فله الويل.
وقالت فرقة: إنها الزكاة، روي هذا القول عن علي، وابن عمر رضي الله عنهم،
والحسن البصري، وزيد بن أسلم.
قال أبو بكر: واحتمل أن يكون أريد بقوله (1) الماعون: العارية واحتمل أن
يكون أراد الزكاة.
__________
(1) "أريد بقوله" ساقط من الدار، وثابت في العمانية / 543.
(6/349)
فدلت الأخبار عن النبي- صلى الله عليه وسلم
- أن الفرض في مال السلم: الزكاة.
وأجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في مال المسلم، واختلفوا في العواري فالذي
أجمع عليه يجب لإجماعهم، والمختلف فيه من العواري غير واجب.
(ح 1340) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أديت
زكاة مالك فقد قضيت ماعليك".
1 - باب تضمين العارية
قال أبو بكر:
م 4092 - أجمع أهل العلم على أن المستعر لا يملك بالعارية الشيء المستعار.
م 4093 - وأجمعوا كذلك على أن له أن يستعمل الشيء المستعار، فيما أذن له أن
يستعمله فيه.
م 4094 - وأجمعوا على أن المستعير إذا تلف الشيء المستعار أن عليه ضمانه.
م 4095 - واختلفوا في وجوب الضمان عليه إن تلفت العارية من غير جنايته.
فقالت طائفة: لا يضمن، روينا عن علي رضي الله عنه، وابن مسعود أنهما قالا:
ليس على مؤتمن ضمان، وممن كان لا يرى
(6/350)
العارية مضمونة، الحسن البصري، والنخعي،
وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الثوري، وإسحاق، والنعمان وأصحابه (1).
وقالت طائفة: العارية مضمونة، روينا هذا القول عن ابن عباس، وأبي هريرة،
وبه قال عطاء، والشافعي، وأحمد.
وفيه قول ثالث: وهو أن العارية إذا كانت مما يظهر تلفها، مثل الرقيق،
والحيوان، والدور، وما أشبه ذلك، فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى- وما كان من
ثياب، أو حلي، أو عروض: فهو ضامن إلا
أن يصيبه أمر من الله عَزَّ وَجَلَّ يعذر به وتقوم عليه بينة، فلا يضمن،
هذا قول مالك.
وفيه قول رابع: وهو أن المعير إن شرط الضمان في العارية، فهي مضمونة، وإن
لم يشترط فليس بشيء، هذا قول قتادة.
قال أبو بكر: احتج الشافعي، وأحمد:
(ح 1341) بأخبار صفوان في تضمين العارية.
وقد اختلف الرواة [2/ 188/ب] في أسانيد هذا الحديث ومتونها.
__________
(1) "والنعمان وأصحابه" ساقط من الدار، وثابت في العمانية /544.
(6/351)
(ح 1342) وفي بعض الأخبار: أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال لصفوان: "إن شئت غرمناها لك".
وفي هذا دليل على أنها ليست بمضمونة.
ولا أعلم من رأى تضمينها حجة توجب ذلك.
2 - باب الأرض تستعار على أن يبني فيها
المستعير ثم يبدو لرب الأرض في إخراجه
قال أبو بكر:
م 4096 - واختلفوا في الأرض، يستعرها الرجل على أن يبني فيها المستعير (1)،
أو يغرس، ولم يوقت في ذلك وقتاً، أو وقت وقتاً، ثم إن رب الأرض أراد إخراجه
من أرضه.
فقالت طائفة: إذا أخرجه ضمن له قيمة بنيانه وغرسه، وقت له وقت دفعها عليه،
أو لم يوقت، هذا قول الشافعي.
قال: فإن كان قال له: فإن انقفضت العشر سنين كان عليك أن تنقض بناءك، كان
ذلك عليه، لأنه لم يغره وإنما غر نفسه.
وقال ابن أبي ليلى: الذي أعاره ضامن لقيمة البناء، والبناء للمعير.
وقالت طائفة: له إخراجه: وينقض هذا بناءه، ويقلع غرسه، ولا يضمن المعير
شيئاً إذا لم يكن وقت له وقتاً، فإن وقت له وقتاً فأخرجه
__________
(1) "المستعير" ساقط من الدار، وثابت في العمانية / 545.
(6/352)
قبل الوقت: أدى قيمة ذلك هذا قول أصحاب
الرأي وإن شاء صاحب البناء والغراس أخذ بناءه وغرسه.
2 - باب عارية الدواب
قال أبو بكر:
م 4097 - وإذا استعار الرجل من الرجل دابة، وردّها فلم يلق صاحبها، فربطها
في معلف صاحبها.
فكان الشافعي يقول: يضمن.
وقال ابن الحسن: القياس أن يضمن، وأستحسن أن لا أضمنه.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول.
م 4098 - وإذا استعار رجل من رجل دابة ليركبها إلى مكة، فتعدى بها إلى
الطائف، فعطبت بالطائف أو بعدما ردها إلى مكة، فهو ضامن لها، وعليه الكراء
من حيث تعدى مع الضمان، هذا قول الشافعي.
[[ووافق]] أصحاب الرأي [[الشافعي]] في الضمان، وخالفوه في الكراء (2)،
فقالوا: ليس عليه كراء من حيث تعدى.
م 4099 - وإذا استعار دابة على أن يحمل عليها عشرة أمداد قمح، فحمل عليها
أحد [2/ 189/ألف] عشر مُداً، فهلكت، ففيها أقاويل:
أحدهما: أنه ضامن لجزء من أحد عشر جزءاً من قيمة الدابة.
__________
(2) "في الكراء" ساقط من الدار.
(6/353)
هذا قول أصحاب الرأى، ثم قالوا: إذا أمر
رجل أن يضرب عبده عشرة أسواط، فضربه أحد عشر سوطاً، فمات: أن عليه ما نقصه
ذلك السوط الآخر ونصف قيمته مضروباً (1).
وفي قول ابن أبي ليلى، والشافعي: عليه قيمتها، وقال الشافعي: وعليه الكراء.
وقال مالك فيما حمل على الدابة من الزيادة: إن كان رطلين أو ثلاثة أو ما
أشبه ذلك مما لا تعطب الدابة مثله، كان له كراء تلك الزيادة، إن أحب، وليس
عليه ضمان، وإن كان في مثل ما زاد عليه ما يُعطب في مثله، كان صاحب البعير
مخيراً: فإن أحب فله قيمة بعيره يوم تعدى عليه، وإن أحب فله كراء ما زاد
على بعيره مع الكراء الأول، ولا شي له من القيمة.
4 - باب مسائل من كتاب العارية
قال أبو بكر:
م 4100 - وإذا أعار الرجل الرجل الشيء، إلى أجل معلوم، فقبضه، ثم أراد
المعير أن يرجع فيأخذ ما أعاره قبل مضي الوقت.
ففي قول مالك: ليس ذلك له، والعارية إلى الوقت الذي أعطيها، هذا قول مالك.
(6/354)
وفي قول الشافعي: يرجع متى أحب.
م 4101 - واختلفوا في الرجل يعير الرجل الدابة، فاختلفا: فقال: أعرتنيها
إلى بلد كذا، وقال المعير: أعرتك إلى بلد كذا.
فقال مالك: إن كان شيئاً يشبه ما قال المستعير فعليه اليمين.
وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأي: القول قول المعير مع يمينه.
واختلفوا في الرجل يستعير من الرجل الثوب، فيعره غيره.
فقالت طائفة: إذا استعاره ليلبسه هو، فأعطاه غيره، فلبسه، فهو ضامن، وإن لم
يسم من يلبسه، فلا ضمان عليه، هذا قول أصحاب الرأي.
وقال بعض أهل النظر: إنه ضامن، لأن المتعارف من أخلاق الناس ألا يعير غيره.
وقال مالك: إذا استعار دابة، فأعارها، فإن لم يفعل بها إلا ما كان يفعل بها
الذي أعيرها: فلا شيء عليه.
م 4102 - واختلفوا في الرجل يستعير من الرجل الدنانير.
فكان مالك يقول: هو ضامن، ولم يجعله من وجه العارية.
و [2/ 189/ب] أصحاب الرأي: هو والقرض سواء.
وقال آخر: لا يجوز، والدراهم والدنانير لا تكون عارية، وليس له أن يشتري
بها شيئاً.
م 4103 - كان الثوري يقول: إذا استعار شيئاً فعلى الذي أعاره أن يأخذه من
عنده.
(6/355)
وقال أحمد وإسحاق: عليه أن يرده من حيث
أخذه.
م 4104 - وكان الشافعي لا يرى للعبد أن يعير شيئاً بما بيده من المال.
وقال أصحاب الرأي: لا بأس أن يعير إذا كان يشتري ويبيع.
م 4105 - وإذا استعار رجل من رجل ثوباً فلبسه، ثم جحده إياه، وأقام رب
الثوب البينة على ذلك، وقد هلك الثوب.
فهو ضامن للقيمة (1) في قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
فأما تضمين الشافعي إياه فلأنه كان يرى العارية مضمونة، وأوجب أصحاب الرأي
ذلك لجحوده.
م 4106 - وإذا استعار رجل شيئاً ليقاتل به، فضرب به فانكسر، فلا ضمان عليه،
وكذلك قال أصحاب الرأي.
م 4107 - وإذا قال: أعرتني دابتك فركبتها إلى مكان كذا وكذا بإذنك، وقال رب
الدابة: بل أكريتكها إلى ذلك المكان.
فالقول قول الراكب مع يمينه، في أحد قولي الشافعي، وبه قال أصحاب الرأي،
والأوزاعي.
وأصح من ذلك- على مذهب الشافعي- أن عليه كراء المثل بعد اليمين.
م 4108 - وإذا أقام رجل بينة على أرض ونخل، أنها له، وقد أصاب الذي هي في
يديه من غلة النخل والأرض.
فإن النعمان، ويعقوب، ومحمد كانوا يقولون: الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ
من الثمر، وبه قال الشافعي.
__________
(1) "للقيمة" ساقط من الدار.
(6/356)
وقال ابن أبي ليلى: لا ضمان عليه.
م 4109 - وإذا أخذ رجل أرض رجل (1) سنة، اجارة، فأقام فيها سنتين.
فكان النعمان: يقول: يعطى أجر السنة الأولى، وهو ضامن لما نقصت الأرض السنة
الثانية، ويتصدق بالفضل، وبه قال يعقوب، ومحمد.
وقال ابن أبي ليلى، والشافعي: عليه أجر المثل في السنة الثانية.
م 4110 - وإذا وجد الرجل كنزاً قديماً، في أرض رجل، أو داره.
فكان الشافعي، والنعمان يقولان: هو لرب الدار، ويخمس، وبه قال محمد.
وقال ابن أبي ليلى، ويعقوب، وأبو ثور: هو للذي وجده [2/ 190/ألف] ويخمّس.
__________
(1) "أرض رجل" ساقط من الدار.
(6/357)
|