الإشراف على مذاهب العلماء

76 - كتاب اللقيط (1)
قال أبو بكر:
م 4111 - أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر، وروينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وبه قال عمر بن عبد العزيز، والشعبى، والنخعي، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري،
والشافعي، وإسحاق، ومن تبعهم من أهل العلم.
م 4112 - وأجمعوا كذلك على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين، في أي مكان وجد ميتاً، أن غسله ودفنه يجب في مقابر المسلمين.
م 4113 - ومنعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين.
م 4114 - وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للذي التقطه: "هو حرّ وولاؤُه لك"، وبه قال شريح.
وقال مالك بن أنس: ولاؤه للمسلمين.
وقال الشافعي: لا ولاء له، وإنما يرثه المسلمون بأنهم خُوِلوا كل مال لا مالك له.
__________
(1) وفي الدار كتاب اللقطة مقدم على هذا الكتاب، وكذا في العمانية / 551.

(6/358)


1 - باب النفقة على اللقيط
قال أبو بكر:
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة ولد إن كان له.
م 4115 - وكان شريح، والشعبي، وكثير من أهل العلم يقولون: إن أنفق عليه بغير أمر حاكم، وهو متطوع، لا يرجع به عليه، وهذا قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان (1)،
وابن الحسن.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وإنما تجب نفقته من بيت مال المسلمين، من مال الفيء.
وقد روينا عن شريح، والنخعي أنهما قالا: يرجع (2) بالنفقة عليه إذا أشهد.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: يحلف ما أنفق عليه احتساباً، فإن حلف استسعي.
وقد روينا عن علي رضي الله عنه قولاً رابعاً: وهو أن اللقيط إن كان موسراً رد عليه، وإن لم يكن كذلك كان ما أنفق عليه صدقة.
__________
(1) "والنعمان" ساقط من الدار، وثابت في العمانية/ 574.
(2) وفي الدار "لا يرجع"، وفي العمانية / 547 كما في الأصل.

(6/359)


وفيه قول خامس: قاله أحد بن حنبل قال: نفقته إذا أنفق تؤدى من بيت المال.
وفيه قول سادس: قاله إسحاق بن راهويه قال: إن كان حين أنفق عليه نوى أخذه، عوض من بيت المال، وإن تورع فلا شيء عليه.
قال أبو بكر: وهذا كله إذا أنفق بغير أمر الحاكم.
م 4116 - فإن رفع أمره إلى الحاكم، فأمره بالنفقة عليه.
ففي قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي: يلزم ذلك اللقيط [2/ 190/ب] إذا بلغ، إذا كانت النفقة قصدا بالمعروف.
قال أبو بكر:
م 4117 - وإذا كان اللقيط في مكان ليس فيه إمام، وجب على الملتقط وعلى سائر المسلمين ألا يضيعوه، ويحيوه، ولا يرجعون عليه بما أنفقوا.
م 4118 - فإذا أمره الإمام بالنفقة، فانفق، واختلف هر واللقيط في ذلك، فقال اللقيط: أنفقت علي خمسين ديناراً، وقال الملتقط: أنفقت عليك مائة دينار.
ففي قول الشافعي: القول قول اللقيط في ذلك مع يمينه.
م 4119 - وقال أصحاب الرأي: إذا أمره القاضي أن ينفق عليه، على أن يكون دينار عليه، فهو جائز وهو دين عليه.
م 4120 - فإذا أدرك اللقيط، وكان عدلا، جازت شهادته، في قول مالك، والشافعي، والكوفي، وغيرهم.

(6/360)


2 - باب دعوى اللقيط
قال أبو بكر:
م 4121 - وإذا ادعى الذي التقط اللقيط، وهو حر- أنه ابنه: قبل قوله، ولحق به نسبه (1)، في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال قائل: لا يقبل قوله:
(ح 1343) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي".
وقل من يقول هذا.
م 4122 - واختلفوا في اللقيط، يوجد في مصر من أمصار المسلمين، فادعاه ذمي: فقال الشافعي: نجعله مسلماً، لأنا لا نعلمه كما قال، وبه قال المزني (2).
وقد قال الشافعي غير ذلك.
وقال أبو ثور: لا يقبل قول الذمي أنه ابنه، لأنه يحكمون له بحكم الإسلام، وغير جائز أن يكون ابنه ويكون مسلما.
وقال ابن الحسن: أجعله ابنه، وأجعله مسلما.
م 4123 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن امرأة: لو ادعت اللقيط، أنه ابنها: أن قولها لا يقبل.
هذا قول الثوري، والشافعي، ويحيى بن آدم، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
__________
(1) "نسبة" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "وبه قال الثوري".

(6/361)


م 4124 - ولو وجدته امراة، فقالت: هو ابني من زوجي هذا، وصدقها الزوج: كان ابنهما، في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4125 - واختلفوا فيه إذا ادعاه رجلان، وأقام كل واحد منهما البينة على أنه ابنه.
ففي قول الشافعي: تراه القافة، فبأيهما ألحقوه لحق، وإذا قالت: هو ابنهما: انتسب إذا بلغ إلى أيهما شاء.
وقال أصحاب الرأي: [2/ 191/ألف] يكون ابنهما.
م 4126 - وإذا ادعاه مسلم وذمي: كان ابن المسلم في قول أبي ثور.
م 4127 - وإذا ادعاه الذي وجده أنه عبده: لم يقبل قوله، في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، لأن اللقيط حر.
م 4128 - وإذا ادعى اللقيط رجلان، فأقام واحدهما البينة أنه ابنه، وأقام الآخر بينة أنها ابنته، فإذا هو خنثى.
ففي قول أبي ثور: إن بال من الذكر فهو رجل يحكم به للذي قال هو ابني، وإن بال من قبل الفرج فهو جارية يحكم به لصاحب الجارية، وإن كان مشكلا: أرى القافة.

(6/362)


3 - باب اللقيط يدعيه مسلم ونصراني
قال أبو بكر:
م 4129 - وإذا التقط اللقيط رجلان، فتنازعا فيه.
فكان الشافعي يقول: يقرع بينهما، فأيهما خرج سهمه، سلم إليه.
وفيه قول ثان: وهو أنهما جميعاً يقومان بأمره.
قال أبو بكر:
م 4130 - فإن كان أحدهما مقيماً، والآخر ظاعنا: كان المقيم أولى به، في قول الشافعي.
والقروي أولى به من البدوي، والحر أولى به من العبد، والمسلم أولى به من النصراني، في قول الشافعي.
وقال ابن الحسن: المسلم أولاهما به.
م 4131 - وإذا وجد اللقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك، فهو ذمي، على ظاهر ما حكموا به: إذا وجد في مصر من أمصار المسلمين: أنه مسلم، وهذا على قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.

4 - باب اللقيط يقتل، أويُقتل، أويُقذف
قال أبو بكر:

(6/363)


م 4132 - وإذا قتل اللقيط عمداً، فأمره إلى الإمام (1): إن شاء أخذ العقل، وإن شاء قتل، هذا قول الشافعي.
وبه نقول.
(ح 1344) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - "السلطانُ وليّ من لا وليّ له".
وقال النعمان، ومحمد: إن شاء السلطان قتله، وإن شاء صالحه على الدية.
وقال يعقوب: الدية عليه في ماله، ولا أقتله.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
قال أبو بكر:
م 4133 - وإذا قُتل اللقيط خطأ، فديته: دية حر، على عاقلة القاتل، فتؤخذ، وتوضع في بيت المال، في قول الشافعي، والكوفي.
م 4134 - وإذا قذفه قاذف.
فإن الشافعي قال: لا أحد له حتى أسأله، فإن قال: أنا حر حددت [2/ 191/ب] قاذفه، وإن قذف حُد.
قال أبو بكر: وللشافعي- فيها- قول آخر: أنه لا يحد له حتى تثبت البينة أنه حر قاله (2) المزني عنه.
__________
(1) "إلى الأمام" ساقط من الدار.
(2) كذا في الأصل "قاله"، وكلمة "قالة" أضافها مصححها على حاشية المخطوطة، وعلى هذه الزيادة تعليق في الحاشية أيضاً، ونصه: أظنه ليس قاله في الأصل ولا وجدته في أصل آخر، وكان قريء على المصنف، قلت: لعل هذا التعليق هو من قاريء للنسخة كان قد أطلع على =

(6/364)


وقال أصحاب الرأي: يحد قاذفه في نفسه، ولا يحد قاذفه في أمه.
قال أبو بكر: إذا كانوا يقولون: إن اللقيط حر، لزمهم أن يحكموا له بأحم الأحرار.
ولو قال لرجل حر (1): يا منبوذ، فإنه يضرب الحد.

5 - باب ميراث اللقيط
قال أبو بكر:
م 4135 - وإذا مات اللقيط قبل أن يبلغ، فميراثه في بيت مال المسلمين، في قول مالك، والثوري، والشافعي، والكوفي.
قال أبو بكر: هذا كله (2) إذا مات قبل أن يبلغ، وينكح.
فإن نكح امرأة، وتوفي عنها، فلها الربع، والباقي للمسلمين.
فإن خلف ولدا وزوجة: قسم ميراثه بينهم، على فراض الله عز وجل.
فإن كانت الورثة لا يحرزون (3) جمع المال: كان الباقي عن مواريثهم للمسلمين.
__________
= نسخ أخرى للكتاب ومنها نسخة قد قرئت على المصنف، ويقول: إن كلمة "قاله" لا توجد في جميع تلك النسخ، وفي العمانية / 579" لعله روى ذلك عن المزني".
(1) "حر" ساقط من الأصل، وكذا من العمانية / 580.
(2) "كله" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "يحوزون" وكذا العمانية/ 580.

(6/365)


6 - باب المال يوجد مع المنبوذ
قال أبو بكر:
م 4136 - كان الشافعي يقول: إذا وجد مع المنبوذ مال، فهو له، وبه قال أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم.
م 4137 - وقال الشافعي: ما وجد قريباً منه، من مال وغيره: فهي ضالة ولقطة.
م 4138 - ويأمر الحاكم الذي وجدَ المنبوذ، أن ينفق عليه، إذا كان ثقة، ويشهد بما وجد عليه، وإن كان غير ثقة، نزعه الحاكم منه.
وما أنفق عليه بغير أمر الحاكم ضمن.
قال أبو بكر: وفي الإنفاق عليه- مما وجد معه بغير إذن الحاكم- قول ثان: وهو أن لا شيء عليه، لأنه قام بما يجب عليه وعلى الحاكم وعلى جميع المسلمين.

7 - باب إقرار اللقيط أنه عبد لفلان (1)
قال أبو بكر:
م 4139 - كان الشافعي يقول: وإذا بلغ اللقيط، فاشترى، وباع، ونكح امرأة، ثم أقر أنه عبد لرجل: ألزمته ما لزمه قبل إقراره.
وإلزامه الرق قولان:
__________
(1) "فلان " ساقط من الدار، وثابت في العمانية/ 582.

(6/366)


أحدهما: أن إقراره يلزمه في نفسه، وفي الفضل من ماله عن غرمائه ولا يصدق في حق غيره.
ومن قال: أصدقه في الكل، قال: لأنه مجهول الأصل.
وقال أصحاب الرأي: إن أقر اللقيط بعد ما يدرك [2/ 192/ألف] أنه عبد لفلان، وادعى ذلك فلان: ألزمته إقراره.
وقال ابن القاسم صاحب مالك (1): لا أقبل قوله أنه عبد.
قال أبو بكر: والذي قال ابن القاسم يحتمل النظر، لأنهم حكموا له بحكم الأحرار، لم يجز أن يتحول عبداً إلا بحجة.
__________
(1) "صاحب مالك" ساقط من الدار.

(6/367)