الإشراف على مذاهب العلماء

85 - كتاب النذور
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، قال الله عز
وجل ذكره: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا}.
(ح 1402) "وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عمر أن يفِي بنذرٍ كان عليه في الجاهلية".
(ح 1403) "وأمر سعد بن عبادة أن يقضي نذراً كان على أمه".
(ح 1404) وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله، فليُطِعْهُ، ومن نذرَ أن يعصيْ في الله، فلا يعْصِه".
(ح 1405) وقال: "لا يأتي ابن آدم النذرُ بشيءٍ لم أكُن قدّرتُهُ له، إنما استخرجُ به من البخيل".

(7/179)


م 4578 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من قال: إن شفى الله مريضاً، أو شفاني من علتي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك، فعليّ من الصوم كذا، أو من الصلاة كذا، أو من الصدقة كذا، فكان ما قال: أن عليه الوفاء بنذره.
م 4579 - واختلفوا فيمن نذر نذر معصية.
فروينا عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وابن مسعود أنهم قالوا: لا نذر في معصية، وكفارتُه كفارةُ اليمين.
وحكي ذلك عن الثوري والنعمان (1).
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور: لا كفارة فيه.
قال أبو بكر: وبه أقول.
(ح 1406) للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا نذر في معصية".
م 4580 - واختلفوا فيمن نذر مشياً إلى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، أو إلى مسجد بيت المقدس.
فقال مالك: إذا جعل عليه مشياً من المدينة إلى بيت المقدس، مضى [2/ 235/ألف] إلى ذلك وركب، وبه قال أبو عبيد.
وقال الأوزاعي: يمش ويتصدق لركوبه بصدقة.
وقال سعيد بن المسيب: من نذر أن يعتكف في مسجد [[إيلياء]]، فاعتكف في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجزأ عنه.
__________
(1) "والنعمان" ساقط من الدار.

(7/180)


ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -،فاعتكف في المسجد الحرام: أجزأ عنه.
وكان الشافعي يحب إذا نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة ومسجد بيت المقدس، أن يمشي، قال: ولا يبين لي أن يجب ذلك، لأن البر بإتيان بيت الله فرض، والبر بإتيان هذين نافلة.
قال أبو بكر: من نذر أن يمشي إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمسجد الحرام، وجب عليه الوفاء به، لأن ذلك طاعة لله.
ومن نذر أن يمشي إلى مسجد بيت المقدس، كان بالخيار، إن شاء مشى إليه، وإن شاء مشى إلى مسجد الحرام:
(ح 1407) لحديث جابر: "أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني نذرتُ إن فتحَ اللهُ عليك مكةَ أن أصلي في مسجدِ بيتِ المقدسِ، قال: صلّ ههنا، ثلاثاً".
واختلفوا فيما يجب على من نذر نذراً، من غير تسمية.
فروينا عن ابن عباس أنه قال، عليه أغلظ اليمين، وأغلظ الكفارة عتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً.
وروي ذلك عن مجاهد.
وفيه قول ثان: وهو أن عليه كفارة يمين، روي هذا القول عن جابر بن عبد الله، وابن مسعود، والنخعي، والشعبى، وعطاء،

(7/181)


والحسن البصري، والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وطاووس.
وقال مالك، والثوري، وأبو ثور، وابن الحسن: كفارة يمين.
وقال الشافعي: لا نذر عليه، ولا كفارة.
قال أبو بكر: وروينا عن ابن عباس أنه قال في النذر: عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، أو طعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وكان الزهري يقول قولاً خامساً، قال: إن كان في طاعة الله فعليه وفاؤه، وإن كان معصية الله فليتقرب إلى الله تعالى بما شاء.
وفيه قول سادس: وهو إن كان نوى شيئاً، فهو ما نوى.
وإن كان سمى، فهو ما سمى.
وإن لم يكن نوى ولا سمى: فإن شاء صام يوماً، وإن شاء أطعم مسكيناً، وإن شاء صلى ركعتين.
واختلفوا في الرجل ينذر أن ينحر ابنه.
فكان ابن عباس يقول: يذبح كبشاً، وله قال عطاء، ومسروق [2/ 235/ب] وكذلك قال أحمد، وإسحاق: إذا نذر ألا ينحر نفسه.
وقال ابن المسيب، وأبو عبيد: يكفر عن يمينه في الذي نذر أن ينحر نفسه.

(7/182)


وفيه قول ثالث: وهو أن ينحر مائة من الإبل، روي ذلك عن ابن عباس.
وفيه قول رابع: وهو أن لا شيء عليه، هذا قول مسروق، والشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
(ح 1408) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يعصيَ الله فلا يعصِهِ".
ولم يجعل عليه كفارة.

1 - باب النذور في البدن والهدْي
قال أبو بكر:
م 4583 - روينا عن ابن عمر أنه قال: من جعل على نفسه بدنة فمحلها بمكة، ومن جعل عليه جزوراً: بقرة فمحلها حيث سمى أو نوى.
وروي ذلك عن الحسن البصري، وعطاء، والشعبي.
وقال ابن الحنيفة عبد الله بن محمد: إذا نذر أن ينحر بدنة، فإن البدن (1) من الإبل والبقر، ومنحرها مكة، إلا أن يسمى مكاناً، أو ينويه فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم.
وبه (2) قال سالم بن عبد الله.
__________
(1) وفي الدار "فإن النذر".
(2) "وبه قال سالم ... إلى قوله: فعشر من الإبل" ساقط من الدار.

(7/183)


وبه قال ابن المسيب، غير أنه قال: فإن لم يجد بقرة، فعشر من الغنم.
وقال الشافعي: إذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة، فإن سمى موضعاً من الأرض ينحرها فيه، أجزأته.
وقال أبو عبيد: لا محل للبدن دون الحرم.
م 4584 - واختلفوا فيمن نذر صوم يوم، فوافق ذلك اليوم يوم عيد.
فقال النخعي، والحسن، والأوزاعي، وأبو عبيد: يفطر ويقضيه.
وقال مالك، والشافعي: لا قضاء عليه.
وقال الحكم وحماد: يكفر بيمينه ويصوم يوماً مكانه.
وقال جابر بن زيد: يطعم مسكيناً.
وقال قتادة: يصوم يوماً منه.
وقال أبو ثور: يفطر ويقضي يوماً مكانه.
م 4585 - واختلفوا فيمن نذر صوم سنة، بغير عينها.
فقال الشافعي: يفطر يوم الفطر ويوم النحر، وأيام مني، ويقضيها.
وإن نذر صوم سنة بعينها، صامها كلها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان، ويفطر (1) يوم الفطر ويوم النحر، وأيام التشريق، ولا قضاء عليه.
وقال مالك: إذا لم ينو شيئاً صام اثني عشر شهراً سوى رمضان، ويصوم مكان يوم الفطر ويوم النحر، ويصوم أيام التشريق في نذره لصيامه السنة.
__________
(1) "ويفطر" ساقط من الدار.

(7/184)


وقال أبو ثور: إذا قال: لله عليّ صيام سنة، بعينها، فأفطر يوم
الفطر ويوم النحر، وأيام التشريق، قضاهن، وقد أوفى بنذره.
م 4586 - واختلفوا في الرجل يقول: عليّ صيام شهر، لا ينوي مقطعاً
ولا متتابعاً.
فقال مالك: أحب إلا أن يصوم ثلانين يوماً متتابعات.
وقال أبو ثور: يصوم شهراً متتابعاً [2/ 236/ألف] بالأهلية، أو بالأيام.
وقال الشافعي: أحب إلى أن يتابعها، فإن فرقها أجزأه.
وقال الحسن: يفرق ذلك إن شاء.

2 - باب مسائل (1)
م 4587 - وكان مالك يقول: إذا جعل عليه صوم شهر بعينه، فمرض فيه، فلا قضاء عليه، وبه قال عبد الملك.
وقال أحمد: يكفر لتأخيره، ويصوم شهراً.
م 4588 - واختلفوا فيمن جعل على نفسه صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم فلان بعد الفجر، ولم يأكل، أو قد أكل.
فقال الشافعي: عليه القضاء، وقال: يحتمل ألا يكون عليه قضاؤه.
وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: لا قضاء عليه.
قال أبو بكر: وبه نقول.
__________
(1) "باب مسائل" ساقط من الدار.

(7/185)


م 4589 - واختلفوا فيه، إن قدم ليلاً.
فقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا شيء عليه، إلا الشافعي قال: وأحب إلي لو صامه.
وقال ابن القاسم صاحب مالك: عليه صوم صبيحة تلك الليلة.
قال أبو بكر: لاشيء عليه.

(7/186)