الإشراف على مذاهب العلماء

95 - كتاب الأطعمة
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ ...} الآية.
قال أبو بكر: لم يكن الله جل ذكره حرم يوم تلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية على الناس غير ما في هذه الآية.
وهذه الآية مكية، لأن ابن عباس ذكر أن سورة الأنعام أنزلت بمكة.
ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك سورة المائدة، فقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا [2/ 317/الف] أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ ...} الآية.
وسورة المائدة مدنيةٌ.

(8/135)


م 5307 - قالت عائشة رضي الله عنها - في سورة المائدة- إنها من آخر سورةٍ نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرّموه.
ومما حرم الله تعالى في سورة المائدة بعد الآية التي بدأنا بذكرها.
الخمر، لم يختلفوا فيه.
قال أبو بكر: وقد روينا عن ابن عباس، وعائشة أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}.
تلا ابن عباس هذه الآية فقال: ما خلا هذا فهو حلال.
وكان لا يرى بلحوم الحُمُر الأهلية بأساً، ويتلو (1) هذه الآية.
وسئلت عائشة عن الفأرة فقالت: ما هي بحرام، وقرأت هذه الآية {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...} الآية.
قال الله جل ثناؤه: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.
__________
(1) "ويتلوا هذه الآية" ساقط من الدار.

(8/136)


وقال لنبيه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - المفسر لكتاب الله جل ذكره، والمبين على الله معنى ما أراد.
فَمِمّا حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كلّ ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير.
وحرم لحوم الحمر الأهلية، ولحوم البغال.
ونهى عن المصبورة، والمجثمة، ولحوم الجلالة، وأكل كثير من الهوام.
وأنا ذاكر ذلك بعد إن شاء الله تعالى.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يحرم بالوحي الذي يتلوه على الناس، ويحرم بالوحي الذي لم يذكر في القرآن.
فعلى الخلق طاعتُه، وأن يحرموا ما حرم، وأن يحلوا ما أحلَّ، ويطيعوه في الأمرين جميعاً.

(8/137)


قال الله جل ثناؤه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} الآية.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ...} الآية.

1 - باب تحريم النبي- صلى الله عليه وسلم - كل ذي ناب من السباع
قال أبو بكر:
(ح 1568) "حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أكل كل ذي ناب من السباع".
قال أبو بكر:
م 5308 - وبهذا قال عوام علماء الأمصار منهم: مالك بن أنس، والشافعي، وأبو ثور، والنعمان، وأصحابه، وأصحاب الحديث.
إلا ما اختلف فيه من أمر [2/ 317/ب] الضبع، والثعلب، فإني (1) سأذكر الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى.

2 - باب الضبع واختلاف أهل العلم فيه
قال أبو بكر:
(ح 1569) روينا عن جابر بن عبد الله أنه قيل له: أتؤكل الضبع؟
__________
(1) وفي الدار "وأنا".

(8/138)


قال: نعم، قيل: أصيدٌ هي؟، قال نعم، قيل: أسمعت ذلك عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟، قال: نعم.
م 5309 - وحكم عمر -رضي الله عنه -: في الضبع يقتله المحرم كبشاً، وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يرى الضبع صيداً.
وقد روينا الرخصة فيه عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هريرة، وعكرمة، وعروة بن الزبير.
وكان عطاء بن أبي رباح، والشافعي يريان فيه الجزاء على المحرم.
ورخص في أكله أحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفيه قول ثان وهو: كراهية أكل الضبع. روينا ذلك عن

(8/139)


سعيد بن المسيب، وبه قال الثوري، والليث بن سعد، والنعمان، وأصحابه.
وقال مالك في الضبع، والثعلب: لا خير في أكلهما.
نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن أكل كل ذي ناب من السباع وقال الله جل ذكره: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}.
قال أبو بكر: فالضبع يجب أن يستثنى من جملة نهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عن أكل كل ذي ناب من السباع، ويحكم في سائر السباع بما في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه.

3 - باب الثعلب، والهر
قال أبو بكر:
(ح 1570) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع.
م 5310 - فالقول بهذا الخبر يجب، والثعلب داخل في جمل السباع غير خارج منها إلا بحجة.
والأخبار عند أصحابنا على العموم، لا يستثنى منها شيء إلا بخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، أو بإجماع.

(8/140)


وقد روينا عن أبي هريرة أنه قال: الثعلب حرام، وبذلك قال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي.
وقال الزهري، ومالك: الثعلب سبع.
وقال عمرو بن دينار: ما علمنا أن الثعلب يفدى (1).
وقال ابن أبي نجيح: ما كنا نعده إلا سبعاً.
وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يكره أكل الثعلب، ولا يرى على قاتله في الحرم جزاء.
وكره النعمان [2/ 318/ألف] وأصحابه أكل الضبع والثعلب.
ورخصت طائفة في أكل الثعلب، فرخص في أكله طاووس، وقتادة، والشافعي، وأبو ثور.
واختلف في أمره عن عطاء.
قال أبو بكر: والهر داخل في نَهْي النبي عن كل ذي ناب من السباع.
(ح 1571) وقد روينا عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى عن أكل الهر، وأكل ثمنه".
__________
(1) وفي الدار "بهذا".

(8/141)


م 5311 - فالهر حرام أكله، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع.
وقد روينا عن طاووس ومجاهد أنهما كرها ثمن السنور، وبيعه، وأكل لحمه، وأن ينتفع بجلده.
وقال مالك: لا يؤكل الهر الإنسي، والوحشي، وبه قال أبو ثور.
وظاهر خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - مستغنى به.
وقال الليث بن سعد: لا بأس بأكل الهر.

4 - باب نهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحُمُر الأهلية ولحوم البغال
قال أبو بكر:
(ح 1572) نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن البغال والحمير".
(ح 1573) "ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الأهلية"

(8/142)


(ح 1574) وقال جابر بن عبد الله: "حَرّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ -يعني يوم خيبر- لحوم الحمر الإنسية، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مِخْلب من الطير، وحرم المجثَّمة، والخُلْسة، والنهبة".
قال أبو بكر:
م 5312 - فلا يجوز أكل الحمير والبغال لثبوت الخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك.
وهو قول عوام أهل العلم.
كره النخعي أكل لحم البغل.
وقال قتادة: ما هو إلا بني الحمار.
وقال مالك: "أحسن ما سمعت في أكل الدواب الخيل، والبغال، والحمير أنها لا تؤكل، لقول الله عز وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وقال في الأنعام: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ".

(8/143)


قال أبو بكر: وقول الشافعي في البغال والحمير كقول مالك.
وبه قال النعمان وأصحابه وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو إباحة أكل لحوم الحُمُر. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.
وبه قال عكرمة، وأبو وائل.
قال أبو بكر: وحدثنى علي عن أبي عبيد أنه قال: "وأما المجثمة: فإنها المصبورة أيضاً، ولكنها لا تكون إلا في الطير والأرانب وأشباهه [2/ 318/ب] مما يجثم بالأرض لأن الطير يجثم (1) بالأرض، فإن حبسها إنسان قيل: قد جُثِّمت، أي فُعل ذلك بها.

5 - باب النهي عن أكل ما قطع من ذوات الأرواح قبل أن تُذكّى من الدواب التي حل أكلُها مذكاةً
قال أبو بكر:
م 5313 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن ما قطع من الأنعام وهي أحياء: ميتة، ويحرم أكل ذلك.
__________
(1) في حاشية المخطوطة يقال: جثم بالأرض، أي لزم مكانه. جثم يجثم جثوماً، والمجثمة المحبوسة، والجثامة: البليد.

(8/144)


(ح 1575) وجاء الحديث عن النبي: "أنه قدم المدينة والناس يَجُبُّون أسنمة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت.
وقد سئل مالك بن أنس عن قطع أَليْة الكبش من أصل الذنب، فإنه يكثر لحمه إذا قطع ذلك منه، فقال مالك: لا أرى بذلك بأساً، ولكن لا يؤكل ذلك الذنب.
قال أبو بكر:
م 5314 - ولا يجوز عندي قطع شيء من أعضاء البهيمة وهي حبيبة، لأن في ذلك تعذيباً لها. وقد نُهِي عن تعذيب البهيمة والطير. ونُهِيَ عن المصبورة.
(ح 1576) وفي حديث عبد الله بن عمرو أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: أن يذبحها فيأكلها، ولا قطع رأسها فيرميَ به".

(8/145)


م 5315 - وقد اختلف في اخصاء الدواب.
فروينا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أنه نهى عنه.
وكان ابن عمر يكره الخِصاء، ويقول: هو مما نهى (1) الله عنه، بقوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
وكره ذلك عبد الملك بن مروان.
وقال الأوزاعي: كانوا يكرهون اخصاء كل شيء له نسل.
وكره ذلك أحمد وإسحاق.
وفيه قول ثان: رخص فيه الحسن البصري، وطاووس.
وخصى عروة بن الزبير بغلاً له.
وأمر عمر بن عبد العزيز بخصاء الخيل.
ورخص مالك في خصاء ذكور الغنم.
قال أبو بكر: والقول الأول أولى القولين عندي. لأن ذلك ثابت عن ابن عمر. وفيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - حديثان:

(8/146)


(ح 1577) أحدهما: حديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم -" نهى عن خصاء الإبل، والبقر، والغنم، والخيل" [2/ 319/ألف].
(ح 1578) والآخر: حديث ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - "نهى عن صبر الروح، وخصاء البهائم".
م 5316 - واختلفوا في معنى قوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
فقالت طائفة: هو الخصاء، روينا هذا القول عن أنس بن مالك، وابن عباس، رضي الله عنهم.
وقالت طائفة: إن معنى قوله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}: هو دين الله، هكذا قال عكرمة، وسعيد بن جُبَيْر، والنخعي، وقتادة.

6 - باب تحريم (1) لحوم الجّلالة، واختلاف أهل العلم في أكل لحومها
قال أبو بكر:
__________
(1) "تحريم" ساقط من الدار.

(8/147)


م 5317 - واختلفوا في أكل لحوم الجلالة والركوب عليها.
فروينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يكرهان الركوب عليها.
وقال الشافعي: والجلالة مَنْهيٌ عن لحومها، حتى تعلف علفاً غيره ما تصير به إلا أن يوجد عرقها وجررها منقلباً عما كانت تكون عليه.
وقال النعمان، وأصحابه: تكره لحوم الجلالّة، وأَنْ يُعمل عليها، ولا يؤكل لحمُها حتى تُحبس أياماً وتعزل عما كانت عليه (1)، فإذا فعل ذلك بها فلا بأس بأكلها.
وكره أحمد وإسحاق أكل (2) الجلالة، والركوب عليها، وكرها ألبانها.
وقال النخعي: كانوا يكرهون ما أكل الجِيَفَ من الطير والوحش.
وفيه قول ثان: كان الحسن البصري لا يرى بلحوم الجلالة وألبانها بأساً، ولا بشيء من أمرها.
ورخص الليث بن سعد أكل لحوم الغنم الجلالة، وشرب ألبانها.
وقال: لأنها (3) تصير إلى أهلها وتعلف العلف.
__________
(1) "عما كانت عليه" ساقط من الدار.
(2) "أكل" ساقط من الدار.
(3) "لأنها" ساقط من الدار.

(8/148)


وقال الليث: إنما كره لحوم الجلالة التي ليس لها طعام إلا الرجيع وما أشبهَهُ.

7 - باب المقدار الذي تُحبس فيه الجلالة لتطيب لحومها (1) فيجوز أكل لحمها وشرب لبنها والحمل عليها والركوب
قال أبو بكر:
(ح 1579) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الإبل الجلالة أن تُؤكل لحومها، ولا تشرب ألبانها ولا يحمل عليها الأدم ولا يركبها الناس، حتى تحبس أربعين ليلة".
قال أبو بكر:
م 5318 - وكان المغيرة بن مسلم يقول: إذا عُلفت الجلالة أربعين يوماً قد حل لحمها.
قال أبو بكر: أما البعير الجلال فقد ذكرنا ما جاء في.
م 5319 - وأما الدجاجة: فالمحفوظ عن ابن عمر أنه كان يحبسها ثلاثة أيام.
وقال أبو ثور بقول ابن عمر، ولم يذكر ذلك عن ابن عمر.
قال: وإن كانت ناقةً، [2/ 319/ب] أو بقرة، أو شاة: تحبس بقدر ما يعلم أن الخُبثَ قد زايلها. وليس هذا واجباً، ولكن اختيار، وأكره ركوبها.
__________
(1) "لحومها" ساقط من الدار.

(8/149)


قال أبو بكر: وفرق أصحاب الرأي بين الجلالة فقالوا: يكره أن يعمل عليها، ولا (1) يحمل عليها حتى تحبس أياماً وتعتزل، فإذا فعل ذلك بها. فلا بأس بأكلها.
وقالوا: لا بأس بأكل الدجاج، لأن الأثر جاء في الإبل، والدجاجة تخلط.
وسئل مالك عن الدجاجة: هل تحبس فتعلف قبل أن تذبح؟ فقال: لا، وهذا الطير الذي يطير فيأكل الجيف. فلا بأس بأكل الدجاج المسرح.

8 - باب القرد، والفيل، وألبان الأتُنُ، والحيات، والعقارب، والترياق، وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 5320 - اختلف أهل العلم في أكل لحم القرد.
فقال مجاهد: ليس من بهيمة الأنعام، وكره مرة لحم القرد، والنسانيس الأهلية.
وروينا عن عكرمة أنه قال: لا يصلح أكل لحم (2) القرد، وقد روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم؟ فقال: يحكم فيه ذوا عدل.
__________
(1) "لا" ساقط من الدار.
(2) "لحم" ساقط من الدار.

(8/150)


قال أبو بكر: فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه، لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير صيد.
م 5321 - واختلف الشعبى، والشافعي في أكل لحم الفيل.
فلم ير الشعبي به بأساً.
وفي قول الشافعي: لا يجوز أكل لحمه، لأنه قال: "لا يجوز الانتفاع بعظم الفيل، ولا بعظم شيء لا يؤكل لحمه".
م 5322 - واختلفوا في شرب ألبان الأُتُن للعلاج.
فروينا عن زاهر بن الأسود أنه كره ذلك.
وكره ذلك الحسن البصري، وابن سيرين، وأحمد بن حنبل، ومجاهد.
وقال سعيد بن جبير: نُهي عن لحومها وألبانها.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور: لا يجوز شربُ ألبان الأتن.
وكره أصحاب الرأي ذلك.
وقال إسحاق كما قال أحمد، إلا من ضرورة، ينزل بالمسلم داءٌ يوصف له أن ذلك دواؤه، فحينئذ يجوز له للضرورة، ويغسل فمه للصلاة.
ورخص في ألبان الأتن عطاء، وطاووس، والزهري.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.

(8/151)


(ح 1580) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لحوم الحمر الأهلية".
وحكم ألبانها حكمُ لحومها.
م 5323 - واختلفوا في استعمال التَرّياق.
فكره شربه الحسن البصري، وابن سيرين، وأحمد.
وكما قال أحمد قال إسحاق [2/ 325/ألف] إلا أن تُذكَّى الحياتُ. ورخص فيه الشعبى.
وقال مالك: ما زال الناس يشربونه، فقيل لمالك: للحية ذكاة لعمل الترياق؟ قال: نعم، لم ابتغي ذلك فيما إذا أصاب المذبح.
وقد روينا عن ابن عمر أنه أمر بترياق فسقي.
م 5324 - واختلفوا في شرب أبوال الأنعام.
فرخصت فيه طائفة: قال عطاء بن أبي رباح: ما أكلت لحمه فلا بأس ببوله.
وبه قال النخعي، وقتادة، ومالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، والنعمان، وأصحابه.
ومن حجة من أباح شرب أبوال ما أكل لحمه:

(8/152)


(ح 1581) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أذن لقوم في شرب أبوال الإبل وألبانها".
وفيه قول ثان وهو: أن الأبوال كلها نجسة، هذا قول الشافعي.
وبالقول الأول أقول، لحجج شتى: أعلاها إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للذين اجتووا المدينة أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها.
ولو كان ذلك حراماً ما أذن لهم في شربها.
وفي حديث عبد الله بن مسعود: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
(ح 1582) وفي حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرماً مَن سأل عن شيء لم يحرَّم فحرِّم من أجل مسألته".
(ح 1583) وفي حديث أبي ثعلبة الخُشَني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حدَّ حدوداً
فلا تعتدوها، وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان، فاقبلوها ولا تبحثوا عنها".

(8/153)


قال أبو بكر: فدلت هذه الأخبار على أن كل مسكوت عه معفوٌ لهم عن ذلك.
وإنما تحرم الأشياء إما بكتاب، أو بسنة، أو بإجماع.
وأما أن يأخذ أحد تحريم شيء من الأشياء عن غير رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فغير جائز.
بل قد ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "أمر بشرب أبوال الإبل" ولا نعلم أحداً قال قبل الشافعي إن أبوال الأنعام وأبعارها نجسة.

9 - باب الفأر، والغراب، وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 5325 - اختلف أهل العلم في أكل الفأرة.
فروينا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما هي بحرام، وقرأت هذه [2/ 320/ب] الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية، وقال مالك: أكره الفأرة، والحية، والعقرب، من غير أن أراه حراماً بيناً (1)، ومن أكل حية فلا يأكلها حتى يذبحها.
ولا يجوز في قول الشافعي "أكل الفأرة، ولا شيئاً مما أبيح للمحرم أن يقتله، مثل العقارب، والحيات، والحِدَأَ، والغربان.
__________
(1) "بينا" ساقط من الدار.

(8/154)


ولا يجوز أن يؤكل الرَّخَمُ، ولا العقبان (1)، ولا الصقور، ولا الصوائد من الطير كله مثل الشواهين والبزاة، والبواشق، ولا (2) تؤكل الخنافسُ، ولا الجِعلان، ولا العَظاء (3)، ولا اللحكاء، ولا العنكبوت، ولا الزنابير، ولا كل ما كانت العرب لا تأكله".
م 5326 - واختلفوا في أكل لحوم الغربان.
فكرهت طائفة ذلك وممن كره: عروة بن الزبير قال: لا خير فيه.
وقال طاووس: يكره من الطير ما يأكل الجيف.
__________
(1) وفي الدار "ولا الثعبان"
(2) "ولا تؤكل ... إلى قوله: لا تأكله واختلفوا" ساقط من الدار.
(3) على حاشية المخطوطة: العظاية ويقال العظاءة: دابة على خلقة سام ابرص، وللحكاء ذكرها

(8/155)


وقال النخعي: أكره من الطير كل شيء يأكل الميتة.
وقال النخعي: يقتل المحرم الفأرة، والغراب (1)، والعقعق.
وقال الشافعي: "مع أن ثم دلالةً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بقتل الغراب، والحدَأة، والعقرب، والفأره، والكلب العقور: دل هذا على تحريم أَكل ما أمر بقتله في الإحرام".
وقال أبو ثور: لا يحل أكل كل ذي مخلب من الطير صغيراً كان أو كبيراً، ولا يؤكل الغراب، ولا الحدأة.
وقال أصحاب الرأي: لا يجوز أكل كل ذي مخلب من الطير.
وأباحت طائفة أكل لحوم الغربان.
وكان النخعي لا يرى بأكل الغربان الصغار بأساً.
وقال قتادة، وأبو هاشم، لا نرى بأكل شيء من الغربان بأساً.
وقيل لمالك في أكل الغراب، والحدأة، فقال: لم أدرك أحداً ينهى عن أكلها. وقال: لا بأس بأكلها. ولا أعلم في الطير كله بأساً. ولا ينهى عنه.
وفي أكل لحم الغراب قول ثالث: كره الحكم، وحماد أكل
__________
(1) وفي الدار "والعقرب"، محل الغراب.

(8/156)


لحوم الغربان السود، ولم يريا بالزاغ بأساً.
وقال محمد بن الحسن: لا يحل أكل لحم ما كان له مخلب، وكذلك البازي، والصقر لا يُؤكل.
ويكره أكل الغراب الأبقع، والغراب الأحمر يعني الزاغ لا بأس بأكله.
وكرَّه بعض أهل الحديث أكل الغراب الأبقع، وأباح أكل سائر الغربان.
(ح 1584) وروينا فيه حديثاً عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خمس فواسق" فذكر في الخمس: "الغراب الأبقع".
قال أبو بكر: لما حرم الله تعالى الصيد في [2/ 321/ألف] الإحرام، وكان المحرم عليهم منه ما جاز أكله مذكى قبل الإحرام: دل على أن ما أبيح للمحرم قتله، ليس من الصيد الذي في المحرم عن قتله.
(ح 1585) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال "خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن: الغراب، والفأرة، والحدأة، والكلب العقور، والعقرب.

(8/157)


قال أبو بكر: فكل ما أبيح للمحرم أن يقتله، حرامٌ أكلُهُ إستدلالاً بما ذكرت.

10 - جماع أبواب ما أباح كتابُ الله أكله وما لم يأت بتحريمه حجة
قال أبو بكر: أباح الله جل ثناؤه أكل لحوم الأنعام فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} الآية.
وقال جل ذكره: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.
وقال: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.
فأباح الله جل ذكره أكل (1) لحوم الأنعام في كتابه.
ودلت أخبارُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إباحة لحوم الأنعام.
م 5327 - وأجمع أهل العلم على القول به.
__________
(1) "أكل" ساقط من الدار.

(8/158)


فلحوم الأنعام مباحة بالكتاب، والسنة، والإتفاق.
(ح 1586) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرماً مَن سأل عن شيء لم يكن محرماً، فحرم من أجل مسألته".

11 - باب أكل لحوم الخيل والحمار الوحشي (1)
قال أبو بكر:
الخيل داخل فيما أباح الله (2) مما لم ينزل بتحريمه كتاب، ولا جاءت بتحريمه سنة، ولا أجمع على تحريمه أهل العلم.
(ح 1587) بل قد جاءت أخبار ثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، تدل على إباحة أكل
لحوم الخيل.
(ح 1588) وفي حديث جابر بن عبد الله أن النبي- صلى الله عليه وسلم - "أطعمهم لحوم الخيل،
وأمرهم بها، ونهاهم عن لحوم الحمر".
__________
(1) وفي الدار "لحوم الخيل والبغال وحمير الوحش".
(2) وفي الدار "في ما أبيح".

(8/159)


(ح 1589) وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ونحن بالمدينة".
قال أبو بكر:
م 5328 - وقد اختلف أهل العلم في أكل لحوم الخيل.
فروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يكرهه. وتناول هذه الآية. {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وحرَّم (1) الحكم بن عتيبة لحومَ الخيل. وكرهه مجاهد.
وقال مالك: لا تؤكلُ، واحتج بالآية التي احتج بها ابن عباس [2/ 321/ب].
وقال ابن الحسن في لحوم الخيل: تركُه أحب إلي.
وقال أبو عبيد: لا تؤكل.
وأباحت فرقة أكل لحوم الخيل. واحتجوا بأن ما لم يَحرَّمْ حلالٌ على ما ذكرناه.
واحتجوا (2) مع ذلك بالأخبار التي رويت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أطعمهم لحوم الخيل، وأمرهم بها.
وقال جابر: "أكلنا زمن خيبر الخيل، وحُمُر الوحش".
وقد روي عن ابن الزبير أنه قسم لحم فرس.
__________
(1) وفي الدار "وكره".
(2) وفي الدار "وأجمعوا".

(8/160)


ورخص في لحوم الخيل: شريح، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والأسود بن يزيد، وحماد بن أبي سليمان، وسعيد بن جبير، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وكان ابن عمر يكره سُؤْر الحمار والكلب، ولا يرى بسؤر الفرس بأساً، ليعلم أن مذهبه أن أكل لحمه مباحٌ عنده.
ورخص فيه الثوري، وابن المبارك.
قال أبو بكر: وخبر أبي قتادة يدل على إباحة أكل الحمار الوحشي.
(ح 1590) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ناوله أبو قتادة العضد أكلها وهو محرم حتى تعرقها.

12 - باب لحم الظبي، والضب
قال أبو بكر:
م 5329 - لحم الظباء حلال، لا أعلم أحداً منع منه، لأنه من جملة الصيد الذي منع المحرم منه، فدل على إباحة أكله للحلال.
(ح 1591) وقد ثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الضب؟ فقال: "لست بآكله،
ولا محرمه".

(8/161)


(ح 1592) وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُحَرِّم الضب، ولكن قِذره، أو عافه".
(ح 1593) "وأكل الضب على مائدة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولو كان حراماً ما أُكِل
على مائدته".
م 5330 - ورخص في أكله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وروينا عن أبي سعيد الخدري أنه قال. "كنا معشر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن يُهْدى إلى أحدنا ضبٌ مشوي أحبُّ إليه من دجاجة".
ورخص فيه مالك بن أنس، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور.
وفه قول ثان: روينا عن أبي هريرة أنه قال: لست بآمر به، ولا ناه عنه.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه نهى عن الضب والضبع، وثمن الكلب، وكسب الحجام، ومهر البغي.
وقال أحمد في الضب: قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "لا آكله ولا أحرمه".

(8/162)


وكره [2/ 322/ألف] أصحاب الرأي أكلَ الضب.
قال أبو بكر: [وأكل الضب] (1) لا بأس به، لأن خبراً لم يأت بتحريمه، وإنما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه عافه، وأكِلَ بحضرته فلم ينه عنه.
(ح 1594) وخبر سعد بن أبي وقاص عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرِّم من أجل مسألته".
يدل على إباحة أكل الضب.

13 - باب الأرنب، واليربوع، والوبر، والقنفذ
قال أبو بكر:
(ح 1595) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتي بأرنب فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:
م 5331 - وكان سعد بن أبي وقاص يأكله.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.

(8/163)


ورخص فيه أبو سعيد الخدري، وبلال، وابن المسيب.
ورخص فيه الليث بن سعد، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وابن الحسن.
قال أبو بكر: وبه نقول؛ لأن الأشياء على الإباحة، ما لم يقع تحريم بخبر، وحديث أبي ذر يدل على إباحة أكله.
وقد روي عن عمرو بن العاص أنه حرمه.
والقول الذي بدأنا بذكره أولى.
م 5332 - واختلفوا في أكل اليربوع.
فروينا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أنه حكم فيه بجفرة.
ورخص في أكله عروة بن الزبير، وعطاء الخراساني، والشافعي، وأبو ثور.
وكره ذلك ابن سيرين، والحكم، وحماد، وأصحاب الرأي.

(8/164)


قال أبو بكر: اليربوع مباح أكله. لأني لا أعلم حجة تمنع منه، وقد جعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - على المحرم إذا قتله جفرة.
م 5333 - ورخص في أكل الوبر: طاووس، وعطاء، ومجاهد.
وقال عمرو بن دينار: ما أرى بأكله بأسا ما لم أقذَرْهُ.
قال أبو بكر: والجواب في الوبر كالجواب في اليربوع.
م 5334 - واختلفوا في القُنْفذ.
فروي عن أبي هريرة أنه قال: هو حرام.
وكره مالك، وأصحاب الرأي ذلك.
وقد روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رخص فيه. وبه قال الليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور.

14 - باب الجراد
قال أبو بكر:
(ح 1596) روينا عن ابن أبي أوفى أنه قال:" غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سبع "غزوات نأكل الجراد".

(8/165)


م 5335 - وروينا عن أنس بن مالك أنه قال: "كان أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - يتهادين الجراد".
ورخص في [2/ 322/ب] أكل الجراد عمر بن الخطاب وابن عمر، وزيد بن ثابت، وصهيب، وسلمان، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري -رضي الله عنهم-.
وروينا عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - أنه قال: الجراد، والحيتان ذكيان.
قال أبو بكر: أكل الجراد مباح على ظاهر خبر ابن أبي أوفى، وجماعة مِمَّنْ ذكرنا ذلك عنه من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
م 5336 - ولم يختلف أهل العلم في إباحة أكله إذا أخذ حياً فقطف رأسه.
م 5337 - واختلف في الجراد يوجد ميتاً أو يؤخذ حياً فيغفل عنه حتى يموت.
فروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما أخذ من الجراد حياً فلا بأس به، وكره ما مات منه قبل أن يؤخذ.
وقال مالك في الجراد: إذا أخذ حياً، ثم قطع رأسه، أو شوي شياً، أو قلي قلياً، فلا بأس بأكله، وما أخذ حياً فغفل عنه حتى يموت فلا يؤكل، وإنما هو بمنزلة ما وجد ميتاً قبل أن يصطاد، لأنه من صيد البر، وإن ذكاته قتله.

(8/166)


وكان الليث بن سعد يكره أكل الجراد الميت، وما أخذ حياً، ثم مات فلا بأس بأكله، لأن أخذه ذكاته.
قال أبو بكر: والليث بن سعد موافق لمالك فما وجد ميتاً من الجراد أنه لا يؤكل، وقد خالفه لهما أخذ منه حياً، ثم غفل عنه حتى يموت، فرخص الليث بن سعد، وكرهه مالك.
قال أبو بكر: وعوام أهل العلم- غير مالك، والليث- كالمجمعين على إباحة أكل الجراد أخذ (1) ميتاً، أو أخذ حياً فغفل عنه حتى يموت، أكل الجراد عندهم مباح على الوجوه كلها. هذا مذهب
الشافعي، وأصحابه، والنعمان، وأصحاب الحديث.
م 5338 - ولم يختلفوا في إباحة أكل ما اصطاده المسلم، واليهودي، والنصراني منه، على سبيل ما قد ذكرته عنهم.
م 5339 - واختلفوا فيما اصطاده المجوسي منه.
فروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال: يؤكل صيد المجوسي في البحر، ولا يؤكل في البر.
وكره ذلك عطاء.
وقال مالك فيما صاد المجوسي من الجراد، فمات في يده فإنه لا يؤكل.
وكان الشافعي، والنعمان ومن تبعهما، وأبو ثور لا يرون بصيد المجوسى للجراد بأساً.
قال أبو بكر: أكل الجراد مباح على الوجوه كلها.
__________
(1) "أخذ" ساقط من الدار.

(8/167)


15 - باب صيد البحر والخبر الدال على أن المراد من [2/ 232/ألف] قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة} بعض الميتة دون بعض
قال أبو بكر:
قال الله جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}.
(ح 1597) وفي حديث أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء بماء البحر؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".
(ح 1598) وقال جابر بن عبد الله: "ألقى لنا البحر ونحن بالساحل دابة تسمى العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وائتدمنا منه، وادهنا بودكه حتى ثابت أجسامنا، فأتينا النبي- صلى الله عليه وسلم - لما قدمنا عليه المدينة، فأخبرناه، فقال: هل معكم منه شيء؟ فأرسلنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الله- منه، فأكله".
قال أبو بكر: وفي أكل النبي- صلى الله عليه وسلم - منه دلالة على أن أكل من أكل منه على غير معنى الضرورة التي أبيح لصاحبها الميتة.

(8/168)


م 5340 - وأجمع أهل العلم على أن صيد البحر حلا للحلال، ولِلْمُحْرِم اصطياده، وأكله، وبيعه، وشراؤه.
م 5341 - واختلفوا في قوله تعالى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} وقد بينت اختلاف أهل العلم في ذلك وغيره في آخر كتاب الصيد.

16 - باب غسل آنية المشركين
قال أبو بكر:
(ح 1599) روينا عن جابر بن عبد الله أنه قال: "كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم - فلا ينهانا أن نأكل في آنية المشركين ونشرب في أسقيتهم".
(ح 1600) وفي حديث أبي ثعلبة الخشني أنه قال: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنا بأرض
أهل كتاب، أفنطبخ في قدورهم ونشرب في آنيتهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء، ثم اطبخوا فيها، ثم كلوا".
م 5342 - وقد اختلف فيما يفعل بآنيتهم.

(8/169)


فسئل مالك وقيل له: أفرأيت إن علمت أنهم يأكلون الخترير، فاستعرت منهم قدراً قد نصبوا فيها مراراً وتداخلها الودك، هل يجزئ الغسل من ذلك شيئاً؟
قال: لتغلى على النار بالماء (1) حتى يخرج ودكها أحب إلي في الاحتياط.
قال أحمد بن حنبل، وإسحاق: يؤكل في أوعية المشركين إذا غسلت.
قال أبو بكر: والآنية على مذهب الشافعي على الطهارة [2/ 323/ب] حتى يوقن بنجس قد مسّ الإناء. إذا علم ذلك لم يجز الطبخ فيه، ولا استعماله حتى يغسل بالماء فيطهر.
وهذا قياس قول أبو ثور، ويشبه هذا مذهب أصحاب الرأي.

17 - باب إباحة أكل الميتة عند الضرورة
قال أبو بكر:
قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...} الآية، فاحتمل (2) أن يكون الله عَزَّ وَجَلَّ حرم عليهم الميتة، وما ذكر معها في سورة الأنعام في جميع الأحوال، وعلى جميع الناس.
__________
(1) "بالماء" ساقط من الدار.
(2) "فأحتمل أن يكون ... إلى قوله: وعلى جميع الناس" ساقط من الدار.

(8/170)


واحتمل أن يكون حُرِّمَتْ في غير حال الاضطرار.
فدل قول الله تبارك وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}.
على إباحة أكل الميتة في حال الاضطرار. وعلى أنها إنما حرمت عليهم في غير حال الاضطرار.
م 5343 - ودل إجماع أهل العلم على مثل ذلك.
م 5344 - واختلفوا في قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فقالت طائفة: غير باغ في الميتة، ولا عاد في الأكل، روينا هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الحسن البصري: يأكل منها بقدر ما يقيمه، وبه قال النخعي، وبمعناه قال قتادة.
وفي حديث الحسن: ويجزئ من الاضطرار غبوق أو صبوح.
قال أبو عبيد: "الصبوح: الغداء، والغبوق: العشاء يقول:
فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة".
وقالت طائفة: في قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} قالت: غير باغ على المسلمين، ولا معتد عليهم، هذا قول مجاهد.
وقال سعيد بن جبير: إذا خرج في سبيل الله، واضطر إلى الميتة، أكل، وإذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له.

(8/171)


وقال الكلبي: غير باغ في الدنيا يقول اللص يقطع الطريق، ولا عاد على الناس.
م 5345 - واختلفوا في المحرم يضطر فيجد الصيد، والميتة.
فقالت طائفة: يأكل الميتة، هذا قول الحسن البصري، وبه قال مالك بن أنس.
وبه قال الشافعي، وقد اختلف فيه عنه.
وهو قول النعمان، وأصحابه.
وفيه قول ثان وهو: أن يأكل الصيد ويكفِّر، هذا قول الشعبي (1).
م 5346 - واختلفوا فيمن وجد الميته، وأموال الناس، واضطر:
فقال سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم: يأكل الميتة.
وقال عبد الله بن دينار: أكل مال المسلم أحب إلى.
م 5347 - واختلفوا في قدر ما يأكل الرجل من الميتة [2/ 324/ألف].
فقال مالك: "يأكل ما يأكل منها حتى يشبع، ويتزود منها، فإذا وجد عنها غنى طرحها".
وقال النعمان، وأصحابه: يأكل منها ما يمسك نفسه.
قال أبو بكر: وهذا أصح. لأن الميتة إذا أبيحت له في حال الاضطرار، فإذا أكل منها ما يزيل تلك الحال عنه، رجع الأمر إلى التحريم.
وقال الحسن البصري: يأكل منها بقدر ما يقيمه.
__________
(1) وفي الدار "الشافعي" مكان الشعبى.

(8/172)


18 - باب اختلافهم في التداوي بالخمر، والاستعاطة (1) به، وشربه عند الضرورة
م 5348 - واختلفوا في التداوي بالخمر، وشربه عند الضرورة.
فكرهت طائفة ذلك. وسقى غلام لابن عمر بعيراً له خمراً فتوعّده.
وقال عبد الله بن مسعود "لم يجعل الله شفاءكم فما حرم عليكم".
وقيل لابن عمر: إن النساء يمتشطن بالخمر، فقال ابن عمر: ألقى الله في رؤوسهن الحاصَّة.
وروينا عن حذيفة أنه ذكر له نساء يمتشطن بالخمر، فقال: تطيبن بالخمر لاطيبهن الله.
وكره عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعبد الكريم، وعكرمة، والثوري الإمتشاط بالخمر.
__________
(1) وفي الدار "والامتشاط".

(8/173)


وقال إبراهيم النخعى: كانوا يكرهون أن يسقوا البهيمة دماً أو خمرا.
وكان الليث بن سعد يرى معاقبة من يسقى الصبي الصغير خمراً.
وكره الثوري أن يتداوي بالخمر، أو تسقى الدواب ذلك، أو يمتشط بها النساء.
وقال مالك في الخمر إذا اضطر إليها: لا يشربها.
وقيل لأحمد بن حنبل: المضطر يشرب الخمر إذا عطش (1) قال: يقال إنه لا يروى.
وبه قال إسحاق إلا يكون في طمع أنه يرويه إلى موضع في الماء.
وفيه قول ثان: كان مسروق يقول: "من اضطر إلى الميتة، والدم، ولحم الخنزير، فلم يأكل ولم يشرب حتى يموت: دخل النار".
وقد حكي عن الشافعي أنه قال: لا بأس أن يتداوى عند خوف التلف بكل محرم، وبه قال أبو ثور.
(ح 1601) وقد روينا أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر؟ فنهاه عنها،
فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إنها داء وليست بدواء".
وكان الأوزاعي يقول في الرجل يأكل الميتة، والدم، والخنزير من غير ضرورة قال: أرى أن يضرب ثمانين.
__________
(1) "إذا عطش" ساقط من الدار.

(8/174)


قال أبو بكر: وعلى مذهب غير الأوزاعي يعزره الإمام تعزيراً على حال الأكل، دون الحد.

19 - باب ما أبيح للمرء من مال أخيه
قال أبو بكر:
(ح 1602) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه. أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته فينتثل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعمتهم. فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه".
قال أبو بكر: وقد حرم الله الأموال في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.
(ح 1603) وحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الأموال في خُطبته بعرفةَ ومِنى. فقال: "ألا

(8/175)


إن (1) دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمه يومكم هذا، في بلدكم هذا، [(2) في شهركم هذا] ".
م 5349 - وأجمع أهل العلم على تحريم أموال المسلمين ودمائهم، إلا حيث أباحه الله تعالى ورسوله.
وكل ما أباح الله من دم مسلم من جهة القصاص، أو بالكفر بعد الإيمان، أو بالزنى بعد الاحصان، أو بالديات حيث أوجبها الله: فتلك مخصوصة مستخرجة من جمل الأموال التي حرمها الله في كتابه، وعلى لسان نبيه.
وقد حرم النبي- صلى الله عليه وسلم - أن تحتلب ماشية قوم إلا بإذنهم، إلا أن يمر جائع أو عطشان مضطر بماشية، أو مال، فيباح له ذلك على:
(ح 1604) خبر أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: "يأكل، ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل".
قال أبو بكر: وكل مختلف فيه بعد ذلك فمردود إلى تحريم الله الأموال، وتحريم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؟.
__________
(1) "إلا أن" ساقط من الدار.
(2) ما بين العكوفين من الدار.

(8/176)


20 - باب الاستشفاء بأكل الشُونيز والتبرك به، وأكل الكمأة، والحلوى والعسل، والأترج وغير ذلك
قال أبو بكر:
(ح 1605) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال للشونيز: "عليكم بهذه الحبة السوداء،
فإن فيها شفاء من كل شيء إلاَ السام".
(ح 1606) وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "الكمأة من المَنِّ، وماؤها شفاءٌ للعين".
(ح 1607) "وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء، والعسل".
(ح 1608) وقال - صلى الله عليه وسلم - في الأُتْرُجِّ: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، [2/ 325/ألف] طعمها طيب، وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر،

(8/177)


ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها".

21 - باب آداب الأطعمة، وما فيها من وجوه السنن
قال أبو بكر:
(ح 1609) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة الطعام".
قال أبو بكر:
م 5350 - ومعنى ذلك: غسل اليدين إذا أراد أن يأكل، وبعد فراغه من الأكل، وليس ذلك بواجب،
(ح 1610) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أكل لما خرج من البراز قبل أن يغسل يديه.

(8/178)


م 5351 - ويستحب إذا أراد أن يأكل أن يقول: بسم الله.
(ح 1611) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال لعمرَ بنِ أبي سَلَمة: "قل بسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".
م 5352 - فإن نسي أن يذكر اسم الله في أول طعامه فليقل في آخره: "بسم الله أوله وآخره".
م 5353 - ويستحب أن يأكل المرء بيمينه.
(ح 1612) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يأكل الرجل بشماله، وقال: "فإن الشيطان
يأكل بالشمال".
م 5354 - ويستحب ترك الاتكاء عند الأكل.
(ح 1613) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما أنا فلا آكل متكئاً".
م 5355 - ويستحب خلع النعال إذا وضع الطعام.

(8/179)


(ح 1614) لأن في حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وضع الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم".
م 5356 - ويكره أن يقون الرجل بين تمرتين جميعاً (1) إذا أكل مع غيره.
(ح 1615) لحديث ابن عمر "أن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقرن الرجل بين تمرتين جميعاً، حتى يستأذن صاحبه".
م 5353 - ويكره الأكل من وسط الصحفة.
(ح 1616) لأن في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن البركة تكون في وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه".
(ح 1617) ولقول النبي- صلى الله عليه وسلم - لعمر بن أبي سلمة: "كل مما يليك".
م 5358 - إلا أن يكون الطعام ألواناً مختلفة.
__________
(1) "جميعاً" ساقط من الدار.

(8/180)


(ح 1618) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعِكْراش لما أُتُوْا بطبق من تمرٍ، [2/ 325/ب] أو رطب: "كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد".
م 5359 - ويستحب أن يأكل المرء بالأصابع الثلاث إذا أكل الثريد، وشبهه.
(ح 1619) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - "كان يأكل بثلاث أصابع".
م 5360 - ويستحب أن يَسْلِت الصحفة ويلعقها إذا أكل.
(ح 1620) لحديث جابر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "ولا ترفعِ الصحْفَة حتى تلعقها أو تلعقها، فإن آخر الطعام فيه البركة".
م 5361 - ويستحب أن يلْعَقَ الرجل أصابعه التي يأكل بها.
(ح 1621) لأن النبي في قال: "إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها، أو يلعقها".
م 5362 - وفيه إباحة مسح اليد بالمنديل، إذا فعل ذلك.
م 5363 - يستحب الاجتماع على الطعام.
(ح 1622) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي

(8/181)


الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية.
(ح 1623) ولحديث وحشي أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قالوا: "يا رسول
الله إنا نأكل ولا نشبع. قال: فلعلكم تأكلون وأنتم مفترقون.
قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارك لكم".
م 5364 - ويستحب أكل اللقمة الساقطة،
(ح 1624) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط عنها
ما بها من الأذى، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان".
م 5365 - ويستحب الأكل على السفر.
(ح 1625) لحديث أنس أنه قال: "ما أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفي على خوان قط، ولا مائدة، ولا في سُكُرُّجة، ولا خبز له مرقق".

(8/182)


"قيل لقتادة- الراوي لهذا الحديث-: فعلى أي شي كانوا يأكلون؟ قال: على السُّفَر".
م 5366 - ويستحب أكل الطعام إذا اشتهاه المرء، وترك عيبه.
(ح 1626) لحديث أبي هريرة أنه قال: "ما عاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط، إذا
اشتهى شيئاً أكله، وإذا كره شيئاً تركه".
م 5367 - ويستحب إدخار التمر.
(ح 1627) لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "بيت لا تمر
فيه جياعٌ أهله".
م 5368 - ويستحب إذا أكل التمر أن يضع النوى على ظهر اصبعيه الوسطى والسبابة فيرمي بها.
(ح 1628) لأن في حديث [2/ 326/ألف] عبد الله بن بسر (1) أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
م 5369 - ومما هو لذيذ المطعم، جَمْعُ الأكل بين الشيء الحارّ والبارد في الأكل ليعتدلا: أكل القِثّاء بالرُطَب.
__________
(1) وفي الدار "عبد الله بن بشر".

(8/183)


(ح 1629) قال عبد الله بن جعفر: "رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأكل القثاء بالرطب".
(ح 1630) وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "يجمع بين الرطب والبِطِّيخ".
(ح 1631) وقد روينا عن النبي أنه قال: "كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان يغضب ويقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق".
م 5370 - ويستحب أكل الدُّبّاء تبركاً:
(ح 1632) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يحبه.
قال أبو بكر: ويدل:
(ح 1633) خبر المقداد بن معدي كرب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه، حَسْبُ الرجل أُكُلاتٌ ما أقمن صُلْبه، فإن

(8/184)


كان لا محالة فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنفسه".
م 5371 - على أن قلة الطعام، وترك الشِبَع أفضل، وإن كان الشبع مباحاً.
م 5372 - ويستحب أن يتبرَّك المرء بأكل الزيت.
(ح 1634) لأنا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "كلوا الزيت وادَّهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة".
وقد تكلم في إسناده.
(ح 1635) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - رسإِ أنه قال: "نعم الإدام الخل".
م 5373 - فالخل والزيت مما يأتدم به عوامٌّ الناس بالحجاز.

(8/185)


22 - باب الدعوات، وإطعام الطعام، وفضائله وآدابه
قال أبو بكر:
(ح 1636) روينا عن عبد الله بن سَلام أنه قال: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - المدينة استشرفه الناس (1)، وقالوا: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، قال: فخرجت فيمن خرج، فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعته يقول: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
قال أبو بكر:
م 5374 - ويستحب إذا طبخ المرء أن يُكْثر المَرَقة، ويطعم بعض الجيران منه، (ح 1637) لأن في خبر أبي ذر أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بذلك.
__________
(1) وفي الدار "استبشر به الناس".

(8/186)


(ح 1638) وقد سمّى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرقَ أحدَ اللحْمَيْن في حديث عبد الله (1) المزني.
م 5375 - ويستحب أن [2/ 326/ب] يجيب المرء الدعوة،
(ح 1639) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أهديت إلى ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى
كُراع لأجبت".
م 5376 - ويستحب أن يكون من دعاء الضيف لصاحب الدعوة ما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لبُسْر السُلَمي لما طعم عنده، وفرغ:
(ح 1640) قال: اللهم ارحمهم، واغفر لهم، وبارك لهم فيما رزقتهم".
م 5377 - ويستحب أن يطعم المرء مملوكه مما يأكل، ويكسوه مما يلبس.
(ح 1641) لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن
لاءمكم منهم فأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ومن لم، فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله".
قال أبو بكر: وهذا استحبابٌ وأمرُ ندبٍ.
__________
(1) وفي الدار "أبي عبد الله".

(8/187)


(ح 1642) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَضع خادم أحدكم طعامَه ليُقْعدْهُ معه،
أو فليناولْه لقمة أو لقمتين، فإنه وَلِي حرَّه، ودخانَهُ".
قال أبو بكر: ويدل:
(ح 1643) خبُر أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "للمملوك طعامُه وكسوته بالمعروف، ولا يكلّف من العمل ما لا يطيق".
على أن ما ذكرناه من قوله: "أطعموهم مما تأكلون" وقوله: "فليقعدْه، معه، أو ليناوله لقمة أو لقمتين "إنما هو استحباب، لأن الولى إن كان ممن يأكل الفراريج، والفراخ (1)، وخير السمك (2)، والأطعمة الرقيقة، وكانت كسوته الشَطَوي (3)، والرقاق من البغدادي، والنيسابوري: لم يكن عليه في مذهب أحد من أهل العلم أن يطعم رقيقه من ذلك، ولا يكسوهم منه، لأن الأطعمة، والكسوة التي ذكرناها لم تكن طعام أحد من أصحاب
__________
(1) "والفراخ" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "خبز السميد".
(3) في حاشية المخطوطة: "الشطوي، بالشين المعجمة، والطاء المهملة: ضرب من ثياب الكتان، يعمل بأرض ما يقال لها، شطا، ويقال للثياب: شطوية واحدها: شطوي".

(8/188)


رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين خاطبهم بما خاطبهم به. إنما كان الغالب من قوتهم بالمدينة التمر والشعر.
فمن زاد المملوك على ما فرض عليه من قوته وكسوته بالمعروف، كان متفضلا متطوعا به.
ومن اقتصر على ما هو معروف من كسوة الناس ونفقاتهم لعبيدهم بالمعروف (1)، كان مؤدياً ما فرض الله عليه. والله أعلم.
م 5378 - ويستحب أن يقول المرء إذا رُفعت مائدته: "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مُودَّع ولا مستغنى عنه ربنا".
(ح 1644) لأنا روينا عن أبي أمامة الباهلي [2/ 327/ألف] أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفعت المائدة قال ذلك.
(ح 1645) وفي حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل أو شرب قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه، وجعل له مخرجاً".
__________
(1) "بالمعروف" ساقط من الدار.

(8/189)


(ح 1646) وفي حديث سنان بن سنة (1) أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الطاعم الشاكر له مثلُ أجرِ الصائم الصابر".
ثم كتاب الأطعمة
__________
(1) وفي الدار "سنان بن شيبة".

(8/190)