الإشراف
على مذاهب العلماء 94 - كتاب العتق
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا
أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ} الآية.
(ح 1545) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "قيل له: أي الرقاب
أفضل، قال: أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهله".
ودل خبر كعب بن مرة البهزي على أن عتق الذُّكران من الرقيق أفضل للرجل من
عتق الإناث.
(ح 1546) قال كعب: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما رجل
مسلم أعتق رجلاً مسلماً كان فَكاكه من النار، يجزي بكل عظم من عظامه عظماً
من عظامه، وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار [2/
305/ألف] يجزي بكل عظمين (1) من عظامها عظما من عظامه، وأيما (2) امرأة
مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجزي بكل عظم من عظامها
عظماً من عظامها.
__________
(1) وفي الدار "بكل عظم".
(2) "وأيما امرأة مسلمة ... إلى قوله ... من عظامها" ساقط من الدار.
(8/81)
1 - باب الحكم في المعتق شركاً له في عبد
قال أبو بكر:
(ح 1547) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عد قال: "من أعتق شركاً
له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوم عليه قيمته فأعطى شركاءَه
حصصهم [في العبد] (1) وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق.
م 5217 - واختلفوا في العبد يكون بين رجلين يعتق أحدهما نصيبه منه.
فقالت طائفة: إن كان موسراً حين أعتقه عَتَق العبد كله وصار حرا، وغرِم
لشريكه قيمة نصيبه في ماله والولاء كله له. هذا قول ابن أبي ليلى، وابن
شبرمة، وسفيان الثوري.
وقال الثوري: إذا أعتق أحدهما وكان موسراً يومئذ، ثم أفلس، فهو دَين عليه
يتبع به. وبه قال أحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان في العبد يكون بين الرجلين يعتقه أحدهما، ثم يعتقه الآخر بعد:
أن الميراث والولاء بينهما نصفان، ولا ضمان عليه.
هذا قول الزهري، وعمرو بن دينار، وبه قال مالك.
وفيه قول ثالث وهو: أن أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه وهو موسر فشريكه
بالخيار: إن شاء أعتق كما أعتق، وكان الولاء بينهما نصفين. وإن شاء استسعى
العبد في نصف قيمته، فإذا أدى عتق
وكان الولاء بينهما نصفين. وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/82)
ورجع شريكه بما ضمن على العبد فاستسعاه
فيه، إذا أداه كلَّه (1) عتق، وكان الولاء كله للمعتق. هذا قول النعمان.
وكان الشافعي- إذ هو بالعراق- يقول بقول مالك في هذه المسألة، ثم قال بمصر:
فيها قولان:
أحدهما: كما قال مالك.
والقول الثاني: كما قال الثوري، ومال إلى قول الثوري، وقال: هو الذي يصح
فيه القياس.
قال أبو بكر: وكان قول الثوري أصح لأنهم لما قالوا: إنّ المعتق بعد دفع
القيمة لا يحتاج إلى تجديد قول ثان فإن العتق إنما وقع على الحصة التي
للشريك بالقول الأول، والقيم إنما تكون للأشياء المتلفة.
ولما منعوا الذي لم يعتق من بيع حصته بعد عتق شريكه، ولم يمنعوه قبل أن
يعتق شريكه من البيع: بان (2) أن ذلك [2/ 305/ب] يدل على الفرق بين
الحالتين، وأنهم إنما منعوه من بيع ما قد وقع عليه
العتق.
وفي المسألة قول رابع قاله عثمان البتي: إذا أعتق أحدهما نصيبه فالباقي
منهما على حقه (3)، وليس على المعتق شيء سوى عتق ما عتق منه، إلا أن تكون
جارية نفيسة يغالى فيها. فإذا كان كذلك فهو
بمنزلة الجناية من المعتق، للضرر الذي أدخله على شريكه.
وقد روي عن محمد بن سيرين أنه قال في العبد يعتَق منه الشقص: كان يقضي فيه
ثلاث قضايا.
__________
(1) "كله" ساقط من الدار.
(2) "بان" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "على حصته".
(8/83)
منهم من يعتقه من مال الذي أعتقه.
ومنهم من يستسعيه.
ومنهم من يعتقه من بيت المال. وبارك الله في ذلك الأمير.
2 - باب العبد بين الرجلين يعتق أحدهما (1) وهو معسر
قال أبو بكر:
م 5218 - اختلف أهل العلم العبد يكون بين الرجلين، يعتق أحدهما نصيبه وهو
معسر.
فقالت طائفة: لا يعتق منه إلا ما أعتق، وليس على المعتق سعاية، لأنه لم
يُجَن ولم يتعدّ، ولم يضمن ضمانا يحب أن يؤخذ به.
ولا يجوز أخذ أحد بجنايه غيره (ح 1548) وفي قال النبي- صلى الله عليه وسلم
- للرجل الذي دخل مع ابنه عليه: " لا تجني عليه ولا يجني عليك".
إلا ما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر العاقلة في قتل الخطأ، فإن
ذلك مخصوص.
وليس مع من أوجب السعاية على العبد حجةٌ هذا قول مالك، والشافعي، وأحمد بن
حنبل، وأبي عبيد.
وحجتهم مع ما ذكرنا.
__________
(1) وفي الدار "باب الحكم في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه وهو
معسر"
(8/84)
(ح 1549) حديث ابن عمر رض الله عنهما عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن كان
موسراً ضمن، وإن كان معسراً عتق منه ما عتق".
وقالت طائفة: إن كان المعتق موسراً ضمن حصة شريكه ماله، وإن كان معسراً سعى
العبد في حصة شريكه حتى يؤدي (1) قيمته، هذا قول سفيان الثوري، وابن أبي
ليلى، وابن شبرمة، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه.
م 5219 - واختلفوا في رجوع العبد بما سعى منه على العتق إذا أيسر: فكان ابن
أبي ليلى، وابن شبرمة يوجبان للعبد الرجوع بما سعى فيه على المعتق لأنه
إنما أدى عنه ما لزمه ضمانه بالجناية التي جناها.
ولم يذكر سفيان الثوري، ويعقوب، ومحمد رجوعَ العبد على العتق بما سعى فيه.
وقد احتج بعض أهل الكوفة في إيجابهم [2/ 306/ألف] الاستسعاء.
(ح 1550) بحديث لا يصح.
قد ذكرنا علته في كتبنا.
__________
(1) وفي الدار "حتى يوفي".
(8/85)
وذكر هَمّام أن ذكر الاستسعاء من فُتيا
قتادة، وفَرْق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -،
وبين قول قتادة، قال بعد ذلك: فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعيَ.
وبقى في المسألة قولان شاذان، لا أعلم أحداً قال بواحد منهما.
أحداهما: إن الشريك إذا أعتق وهو معسر فالعتق باطل، لأنه لا يكون إنسانٌ
بعضُه حر وبعضه عبدٌ.
والقول الثاني: إن العتق إن كان موسراً أخذت منه قيمة (1) حصة شريكه، وإن
كان معسراً كانت دينا عليه يؤديها إذا أيسر.
هذا قول قاله بعض أهل البصرة.
فهذان القولان مع قول النعمان الذي ذكرناه عنه أقاويلُ شاذة لا نعلم أحدا
من أهل العلم قال بشيء منها.
م 5220 - وإذا كان العبد بين ثلاثة أنفس، فاعتق أحدهم نصيبه، ثم اعتق
الثاني، ثم أراد الثالث مطالبة الذي يجب حقه عليه من المعتِقَيْن: ففي قول
أهل المدينة: يطالب الأول. قال مالك: إنما
تكون القيمة على الأول، فأما من أعتق بعده فلا يلزمه القيمة لأنه زاده
خيراً.
__________
(1) "قيمة" ساقط من الدار.
(8/86)
وفي قول الثوري: إذا كان العتق الأول
موسراً فقد عتق العبد كله، وعليه قيمة حصص أصحابه، ولا يقع عليه عتق
الثاني.
والفرق بين القولين: أن مالكاً يوقع عتق الثاني، والثوري لا يجعل لعتق
الثاني- إذا كان الأول موسراً- معنى.
م 5221 - واختلفوا في المعتق يكون موسراً يوم أعتق، ثم أعسر بعد ذلك.
ففي قول مالك: ليس على العتق شىء، وباقي العبد رقيق على حاله لمالكه.
وفي قول الثوري: يكون العبد حراً، وتكون قيمة حصته الذي لم يعتق ديناً على
المعتق يتبع به، لان ذلك لزمه وقت العتق.
م 5222 - واختلفوا في الجارية بين الرجلين، تكون حاملاً، فيعتق أحدهما
نصيبه، ثم يغفل عن ذلك حتى تأتي الجارية بولد.
ففي قول مالك: تقوم بولدها حتى (1) تعتق.
وفي قياس قول الثوري: يكون على المعتق نصف قيمتها حاملاً وقت أوقع عليها
(2) العتق في أن تلد.
م 5223 - وقال مالك- في الرجل يعتق شركاً له في عبد، فلما أراد أن يقوم
عليه قال: إنه سارق آبق- قال: أرى أن يقوم بريئاً بلا عيب إلا أن يأتي
المعتق ببينة.
وبه قال الشافعي غير أنه قال: يستحلف، فإن حلف قوم بريئاً [2/ 306/ب] من
الإباق، والسرقة، وإن نكل رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقاً
سارقاً، وإن نكل قومناه صحيحاً.
م 5224 - وإذا أعتق الرجل شركاً له في عبد، عند الموت خاصة.
__________
(1) وفي الدار "حين".
(2) "عليها" ساقط من الدار.
(8/87)
ففي قول الأوزاعي: لا يضمن لصاحبه شيئاً،
قال: لأن الميت لا يضار (1).
وفي قول الشافعي: تقوم عليه حصة شريكه في ثلث ماله إن خرج من الثلث.
3 - باب الرجل يعتق بعض عبده أو عبيده
قال أبو بكر:
م 5225 - أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أعتق عبداً له في صحته وهو موسر
أن عتقه ماض عليه.
م 5226 - واختلفوا في الرجل يعتق عبده وهو صحيح.
فقالت طائفة: يعتق العبد كله، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وابن عمر،
رضي الله عنهما.
وبه قال الحسن البصري، والحكم بن عتيبة، والأوزاعي، والثوري (2)، والشافعي،
ويعقوب. وروي ذلك عن الشعبى.
وفيه قول ثان: وهو أن منه ما أعتق ويسعى في الباقي.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه وليس بثابت عنه.
وبه قال الحسن البصري خلاف القول الأول عنه.
__________
(1) وفي الدار "لا يعطي".
(2) "والثوري" ساقط من الدار.
(8/88)
وقال حماد بن أبي سليمان، والنعمان كما
روينا عن علي.
وفيه قول ثالث قاله مالك، سئل مالك عن رجل أعتق نصف عبد له وهو صحيح، فلم
يعتق عليه بقيته وعقل عنه حتى مات، أترى نصفه الذي لم يعتق حراً أو رقيقاً؟
قال: أراه رقيقاً.
وقال طاووس- في رجل أعتق نصف عبد له- قال: يعتق في عتقه، ويرق في رقه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما
ألزمه قيمة حصة شريكه الذي لم يملك، قبل العتق إذا كان موسراً، وأوقع العتق
على جميع العبد.
ووجب إذا كان العبد له بكماله، فأعتق شقصاً منه بأن يعتق جميعه عليه من حيث
دلت السنة على وجوب عتق ما لا يملك من العبد عليه، لأنه أعتق ما يملكه منه.
م 5227 - واختلفوا في الرجل يعتق عبداً له في مرضه الذي مات فيه. ولا مال
له غيره.
فقال مسروق: أجيزه برمته، شىء جعله لله لا أرده.
وقالت طائفة: يعتق ثلثه، ويسعى في ثلثيه، هذا قول شريح، وسعيد ابن المسيب،
والحسن البصري، والشعبي، وقتادة، والنخعي، وفيه قول ثالث وهو: أن يعتق
ثلثه. روينا هذا القول عن ابن مسعود [2/ 307/ألف] وليس يثبت ذلك عنه.
(8/89)
قال أبو بكر: وبه نقول. وهو مذهب الشافعي.
وذلك لأن المريض ممنوعٌ مما زاد على ثلث ماله. ولا نعلم مع من أوجب
الاستسعاء حجةً.
4 - باب الرجل يعتق من عبده يده أو رجله أو ما
شبه ذلك
قال أبو بكر:
م 5228 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: إصبعك حر.
فكان قتادة يقول: عتق العبد كله. وبه قال أحمد، وإسحاق.
وروي عن الشعبي أنه قال: إذا أعتق عضواً منه عتق كله.
وقال الليث بن سعد: إذا قال: رحمُكِ حر. فهي حرة.
وهذا قياس قول الشافعي، لأنه قال، ولو قال لامرأته: بدنك (1)، أو رأسك، أو
فرجك، أو رجلك، أو سمَّى عضواً من جسدها، أو طرفاً ما كان منها طالقاً، فهي
طالق.
وفيه قول ثان وهو: أن الرجل إذا قال لعبده: يدك حر، أو رجلك حر، أو اصبع من
أصابعك، أو سن من أسنانك، أو عضو من أعضائك، وما أشبه هذا حر، فإن هذا
كلَّه لا يقع به العتق.
ولو وقع العتق عليه بهذا لكان إذا قال له: دمك أو ما أشبه ذلك مما في جسده
من المِرّة أو البلغم، وأشباه ذلك عتق، فهذا كله باطل لا يُعتق.
هذا قول أصحاب الرأي.
__________
(1) وفي الدار "يدك".
(8/90)
قالوا: وإذا قال لأمته: فرجك حر، أو قال
لعبده رأسك حر، أو بدنك حر، وجسدك حر، أو نفسك حرة، فإن هذا كله يقع به
العتق عليه. ولا يُديّنُ في القضاء.
م 5229 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: ظفرك حر.
فكان قتادة يقول: يعتق، وبه قال الليث بن سعد.
وفي قول أصحاب الرأي: لا يعتق، وبه قال أحمد، وإسحاق.
قال أحمد: لأن الظُفْرَ يسقط ويذهب.
5 - باب إذا ملك الرجل ولده أو والده
قال أبو بكر:
م 5230 - أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا ملك والده، أو ولد أنه يعتق عليه
ساعة يملكهم.
م 5231 - وأجمعوا على أن من ملك من كل من ذكرناه جزءاً: أن الجزء الذي
يملكه يعتق عليه.
م 5232 - واختلفوا فيمن ملك شخصاً ممن يعتق عليه إذا ملكه بشراء، أو هبة،
فقال مالك والشافعي، ويعقوب: يعتق عليه ما يملكه بشراء أو هبة، ويُقَّوم
الباقي فيعتق عليه، إلا الميراث فإنه لا يعتق عليه إلا ما ورث، لا يقوم
عليه الباقي [2/ 307/ب] لأن الذي
(8/91)
ورث غيرُ مختار للميراث، والذي اشترى، أو
قبل الهبة بفعله ملك الشيء.
وفيه قول ثان وهو: أن يعتق عليه ما اشترى أو وُهب له، ولا يعتق عليه
الباقي، ولا ضمان عليه في ذلك، ولعل من حجته أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
إنما ضمَّن المعتق حِصص أصحابه، لأنه أحدث العتق، والذي اشترى لم يحدث
عتقاً، إنما عتق عليه، وليس من أعتق كمن لم يعتق.
م 5233 - وقال مالك: يعتق عليه أبواه، وأجدادُه لأبيه وأمه، وجداته لأبيه
وأمه، وولده، وولد ولده. وهذا قول الشافعي.
قال أبو بكر: وهذا قول كل مَن نحفظ عنه من أهل العلم إلا رجلاً كان في
زماننا فإنه بلغني عنه أنه قال:
لا يعتق عليه الوالد والولد إلا أن يعتقه المالك الذي اشتراه.
(ح 1551) وبلغني أنه احتج بحديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى
الله عليه وسلم -: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريَهُ
فيعتقَه".
وقد تكلم في سهيل يحيى القطان فقال: محمد بن عمرو أعلا منه، وقال يحيى بن
مَعين: سهيل بن أبي صالح صويلح وفيه لين.
(8/92)
6 - باب اختلاف أهل
العلم فيمن يعتق على المرء إذا ملكهم غير الوالد والولد من سائر القرابات
قال أبو بكر:
م 5234 - اختلف أهل العلم في الرجل يملك ذَوي أرحامه.
فقالت طائفة: يعتِق عليه كلُ ذي رحم مَحْرم منه، كان عمر بن الخطاب رضي
الله عنه يقول: إذا ملك ذا رحم فهو حر، وبه قال جابر بن زيد.
وقد روينا عن ابن مسعود أن رجلاً قال له: إن عمي أنكحني وليدته، وإنها
وَلَدت لي (1)، وأنه يريد أن يسترقهم قال: ليس ذلك له.
وقال الحسن البصري: من ملك ذا رحم محرم فهو حر، وبه قال الزهري.
وقال عطاء، والشعبي: من ملك ذا رحم محرم فهو حر، العمة والخالة وبنت الأخ،
وبنت الأخت، وكذلك قال الحكم، وحماد.
وقالت طائفة: يعتق عليه الوالد، والولد والإخوة. هذا قول يحيى الأنصاري،
ومالك، وقال مالك: ولا يَعْتِق مَنْ سواهم.
__________
(1) في الأصلين "ولدت له" والتصحيح من "عب".
(8/93)
وقال أصحاب الرأي: إذا ملك الرجل أخاه
لأبيه أو أمه، أو لأبيه وأمه، أو ولدَه، وولد ولده، أو أباه، أو أمه، أو
جده، أو جدته من قبل الرجال والنساء، أو عماً [2/ 358/ألف] أو خالاً، أو
عمة (1)، أو خالة، أو ابن أخت، أو بنت أخت، فهو حر يعتق حين يقع في ملكه،
صغيراً كان أو كبيراً، الذي يعتق أو الذي يعتق عليه.
وكل من لا يحل نكاحه له من ذوي الرحم المحرم فهو محرم يعتق عليه إذا ملكه،
وعم جده مثل عمه في هذا.
ولو ملك الرجل ابن عمه، أو ابن خاله، لم يعتق عليه واحد منهما لأنه ليس
بذوي رحم محرم.
وقال أحمد بن حنبل: إذا ملك ذا رحم محرم أرجو أن يكون عتق كلُّه (2) عليه.
وقال إسحاق بن راهويه: كل من ملك ذا رحم محرم (3) فهو حر وإن لم يعتقه،
فأما ذو الرحم فلا يعتقون إلا أن يعتقهم. قلت: وما المحرم؟ قال: من حرم
عليك نكاحه.
وقالت طائفة: لا يعتق إلا الوالد والولد، أو ولد الولد، أو الأجداد أو
الجدات من قبل الآباء والأمهات. هذا قول مالك، والشافعي، والمزني.
وقد يلزم من قلد أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - إذا لم يخالفهم غيرهم
قول
__________
(1) "أو عمة" ساقط من الدار.
(2) "كله" ساقط من الدار.
(3) "محرم" ساقط من الدار.
(8/94)
عمر بن الخطاب، وابن مسعود رضي الله عنهما
فيما لا كتاب فيه، ولا سنة، ولا اتفاق، فهذا يلزم من مذهبه ما ذكرت.
وقد يجوز أن يحتج محتج بقول الشافعي ومن قال بمثل قوله أن يقول: اعتقوا من
أجمعوا على أن العتق يقع عليه، ووقفنا عن أن نوجب عتق من اختلفوا في وقوع
العتق عليه، لأن أملاك الناس لا تزال عما ملكوا إلا بسنة أو إجماع.
وليس مع من أوجب العتق على ذوي الأرحام سنة تثبت.
وقد تكلم الناس في الحديثين اللذين روينا في هذا الباب.
(ح 1552) حديث ابن عمر لم يروه عن الثوري غير ضمرة.
(ح 1553) وحديث الحسن عن سمرة.
وقد تكلم فيه، وليس منهما ثابت.
م 5235 - واختلفوا في وجوب العتق على ذوي المحارم من الرضاعة.
ففي قول الزهري، وقتادة، ومالك، والثوري، والليث ابن سعد، والشافعي، وأصحاب
الرأي، لا يجب عتقهم.
(8/95)
وقد اختلف فيه عن الحسن، وابن سيرين.
فروينا عنهما أنهما قالا: يعتق الأخ من الرضاعة على أخيه.
وروينا عنهما أنهما قالا: لا يعتق.
وقد اختلف عن الثوري فيه:
فذكر عبد الرزاق عن الثوري أنه قال في الأم من الرضاعة: "هو في القضاء جائز
ويكره له. والأخ من الرضاعة يستخدمه أخوه ويستغله".
وذكر الأشجعي عنه أنه قال: يستخدمه ويبيعه إن شاء، هو مملوك يعني من ملك ذا
محرم من قبل الرضاعة.
وقال شريك: لا يسترق الرجل الأخ والأخ من الرضاعة.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لأني إذا لم أجد حجة أوجب بها عتق ذوي
الأرحام من القرابات، [2/ 308/ب] فإنا من وجودها في باب الرضاع آيس.
7 - باب مال العبد المعتق
قال أبو بكر:
م 5236 - اختلف أهل العلم في مال العبد إذا أعتق.
(8/96)
فقالت طائفة: المال للسيد، روينا هذا القول
عن ابن مسعود.
وبه قال قتادة، والحكم، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب
الرأي.
وقد علق أحمد بن حنبل مرة القول على خبر ابن عمر، الذي رواه عبيد الله بن
أبي جعفر عن بكير عن نافع عن ابن عمر.
وقالت طائفة: إذا أعتق العبد تبعه ماله، روينا هذا القول عن عمر، وعائشة،
وبه قال الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبى، والنخعي،
ومالك، وأهل المدينة.
قال أبو بكر: وبه أقول.
(ح 1554) لحديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق
عبداً فماله له إلا أن يشترط السيد ماله فيكون له".
8 - باب الاستثناء في العتق
قال أبو بكر:
م 5237 - أجمع أهل العلم على أن من قال لعبده: أنت حر وقد أعتقتك،
(8/97)
وأنت عتيق، أو أنت معتق ينوي به عتقه: أن
مملوكه ذلك يعتق ولا سبيل له إليه.
م 5238 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: أنت حر إن شاء الله.
فقالت طائفة: لا يعتق العبد، وليس في العتاق استثناءٌ، هذا قول الحسن
البصري، والأوزاعي، ومالك. وقالت طائفة: لا يقع العتق، والاستثناء جائز،
هذا قول عطاء ابن أبي رباح، وطاووس، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي.
ووقف أحمد عن الجواب فيه.
9 - باب عتق الرجل أمته ويستثني ما في بطنها
قال أبو بكر:
م 5239 - أجمع كما من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أعتق ما في
بطن أمته، فولدت ولداً حياً مكانها: أن الولد حر دون الأم.
وممن حفظنا ذلك عنه: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب
الرأي. ولا نحفظ عن غيرهم خلاف قولهم.
قال أبو بكر: ولم يجعلوه في هذا الوجه كعضو من أعضائها، بل جعلوهما نفسين
متفرقين.
(8/98)
م 5245 - واختلفوا في الرجل يعتق أمته
ويستثني ما في بطنها.
فقالت طائفة: له ثنياه. كذلك قال ابن عمر [2/ 309/ألف] ولا نعلم أحداً من
أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خالفه.
وبه قال عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن سيرين، والشعبى، والنخعي، والحكم،
وحماد بن أبي سليمان، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: هما حران، كذلك قال الزهري، والثوري، والشافعي.
وفيه قول ثالث وهو: أن الاستثناء يجوز في البيع ولا يجوز في العتق وهذا قول
الحسن البصري.
وقال النخعي: الاستثناء فيهما جائز هما سواء فيما قد بانَ خَلْقُه.
قال أبو بكر: الاستثناء في البيع والعتق جائز، ولا يقع البيع إلا على البيع
دون المستثنى.
وإذا قال قائل: إن الحمل إذا أُعتق ثم بيعت الأم دون الولد أن البيع جائز،
لأن المبيع معلوم، ولا يضر المتبايعَيْن أن يجهلا ما لم يقع عليه البيع.
فالجواب في الأم تباع دون الولد هذا الجواب بعينه، لأن البيع معلومٌ ولا
يضرهما أن يجهلا ما لم يقع عليه البيع.
(8/99)
وهم يقولون: لا يجوز خلاف الرجل من أصحاب
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذ لم يخالفه غيره.
وهذا قول ابن عمر. وقد ذكر إسحاق ذلك عن أبي هريرة والنظر دالٌ عليه.
10 - باب اشتراط الخدمة على المعتق
قال أبو بكر:
م 5241 - روينا عن سَفينة أنه قال: "كنت مملوكاً لأم سلمةَ رضي الله عنها،
فأعتقتنى واشترطت علي أن أخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما عشت".
وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه أعتق كل من صلى من رقيقه"،
وأعتق رقيقاً من رقيق بيت المال كانوا يحفرون للناس القبور، وشرط عليهم
أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنين، وأنه يصحبكم بمثل ما كنت أصحبكم به".
وِقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "أنه أعتق عبيداً له واشترط
عليهم أن يعملوا في أرضه ست سنين.
(8/100)
وقال أحمد، وإسحاق بحديث سَفينة، وروينا
ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وهو مذهب الثوري، وقال أصحاب الرأي: إذا قال
الرجل لعبده: اخدم ولدي سنة، ثم أنت حر، فخدمهم فهو حر.
م 5242 - واختلفوا في الرجل يقول لأمته: أنت حرة على أن تؤديَ إلى كل شهر
خمسة دراهم.
فروينا عن شريح أنه أبطل الشرط وأجاز العتق.
م 5243 - وقال سفيان الثوري: إذا قال الرجل لعبده: اخدمني عشر سنين وأنت
حر، فمات السيدُ قبله. قال: هو عبد، [2/ 309/ب]، وبه قال أصحاب الرأي، وهو
يشبه مذهب الشافعي، لأن الصفة لم تأت.
قال أبو بكر: وبه أقول.
م 5244 - واختلفوا في شراء المعتقد بهذا الشرط خدمته من الذي له الخدمة.
فذكر الزهري قصة عمر بن الخطاب حين أعتق رقيقاً من رقيق الإمارة، قال:
فابتاع الخيار خدمته من عثمان الثلاث سنين، بغلامه أبي فروة.
وبه قال الزهري.
وقال أحمد بن حنبل، يشتري خدمته من صاحبه الذي اشترط له، ويكون ولاؤُه للذي
أعتقه أولاً.
(8/101)
11 - باب مسائل
قال أبو بكر:
م 5245 - واختلفوا في الرجل يقول لأمته: أول ولد تلدينه حرٌ، فولدت ولدين.
فقال الحسن البصري، والشعبي، وقتادة: هما حران.
وقال مالك، والثوري، وأبو هاشم. يعتِق (1) الأول منهما.
قال أبو بكر: وبه نقول -وهو يشبه مذاهب الشافعي، والكوفي.
فإن ولدت ولدين وبه يُدرَ الأول منهما: ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدهما: إنهما يُسْتَسعيان. هذا قول سفيان الثوري.
والقول الثاني قول أحمد، وإسحاق: أن يقرع بينهما، فمن أصابته منهما
القُرعةُ عتق.
والقول الثالث: أن يُوقف أمرهما حتى يتبين الأول منهما. هذا يشبه مذهب
الشافعي.
قال أبو بكر: وبه أقول. على أن الشافعي قد كان يقول مرة فيما يشبه هذا
بالقرعة.
قال أبو بكر:
م 5246 - فإن ولدت ولداً ميتاً.
__________
(1) "يعتق" ساقط من الدار.
(8/102)
ففي قول الثوري: ليس بشيء حتى تلد بطناً
آخر، فإن ولدت غلاماً فهو حر.
م 5247 - واختلفوا في الرجل يقول: أول مملوك أملكه فهو حر، فملك اثنين
جميعاً.
فكان النخعي يقول: يُعتق أيَّهما شاء.
وقال النعمان: لا يعتق واحد منهما، لأنه ليس لهما أول.
ولا يعتق في قول الشافعي منهما شيء، ولو ملك عبداً، ثم عبداً لم يعتق، لأنه
أيَرَ العتق قبل الملك.
م 5248 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لأمته:
كل ولد تلدينه فهو حر، فولدت أولاداً: أنهم أحرار.
وممن حفظت هذا عنه. مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري،
والشافعي، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم.
قال أبو بكر:
م 5249 - فإن باع الأمة، ثم ولدت بعد زوال مِلكه عنها أولاداً، فالأولاد
مماليك لأنهم وُلدوا بعد خروجها من مِلكه.
(8/103)
12 - باب الرجل
يعاتب غلامه [2/ 310/ألف] يقول: ما أنت إلا حر
قال أبو بكر:
م 5250 - واختلفوا في الرجل يقول لغلامه: ما أنت إلا حرٌ.
فقال الحسن البصري، والشعبى: لا شيء عليه، وبه قال مالك، والأوزاعي، وقال
النخعي: هو حر.
وقال حماد بن أبي سليمان- في رجل مر على عشّار ومعه رقيق (1) فقال له
العشار: ما هذا قال: هم أحرار- قال: أخشى أن يدخل عليه شيء.
وقال الحكم: لا يدخل عليه شيءٌ.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، هو قول أكثر أهل العلم.
(ح 1555) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "الأعمال بالنية".
وهذا لم يرد عتقاً، كأنه قال: إنك تشبه الأحرار في أفعالهم وتتخلق
بأخلاقهم.
13 - باب تقديم العتق قبل الملك
قال أبو بكر:
م 5251 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول: كل مملوك أملكه فهو حر.
__________
(1) وفي الدر "مر على رقيق ومعه عشار".
(8/104)
فقالت طائفة: لا عِتق إلا من بعد الملك.
ثبت هذا القول عن ابن عباس.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وعروة بن
الزبير، وجابر بن زيد، وسوار القاضي، والشافعي، وأبو ثور.
وفيه قول ثانٍ قاله مالك، قال: إن كان اختص جنساً من الأجناس، أو شيئاً
بعينه فإنه يعتق عليه مبتاع من أولئك، وإذا قال: كل عبد أملكه فهو حر فلا
شيءَ عليه.
وفيه قول ثالت وهو: أن يعتق عليه كل مملوك يملكه بشراء، أو هبة، أو ميراث،
أو غير ذلك. والموقَّت وغير الموقت فيه سواء.
هذا قول أصحاب الرأي.
وكان أحمد، وإسحاق يَجْبُنان عنه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لأن الخبر والنظر يدلان عليه، فأما الخبر:
(ح 1556) فحديت عبد الله بن عمرو.
(8/105)
(ح 1557) وابن عباس عن النبي- صلى الله
عليه وسلم - أنه قال: "لا عتق فيما لا تملك، ولا بيعَ
فيما لا تملك".
فلما لم أعلمهم يختلفون أن بيع ما لا يملك لا يجوز، كان كذلك المقرون إليه
عتق ما لا يملك مثله.
ولما أجمع أهل العلم على ثبوت ملك المشتري على العبد الذي قال: إن اشتريته
فهو حر، واختلفوا في زوال ملك المشتري عن العبد المشترى بكلام يقدم منه قبل
الشراء: لم يجز إزالة ملكه عما ملكه، إلا بإجماع مثله، أو سنة عن رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -.
وقد ثبت ذلك عن ابن عباس، ولا أعلم أحداً بخالفه من أصحاب رسول الله- صلى
الله عليه وسلم -.
ومن خالفنا من أهل المدينة، وأهل الكوفة يرون [2/ 310/ب] تقليد الواحد من
أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا لم يخالف غيره منهم.
14 - باب قول الرجل لعبده: إن بعتك فأنت حر
قال أبو بكر:
م 5252 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: إن بعتك فأنت حر.
(8/106)
فقالت طائفة: يعتِق من مال البائع، كذلك
قال الحسن البصري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وابن
شبرمة، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
وفيه قول ثان وهو: أن العتق لا يقع عليه إذا باعه، لأن البيع يتم بالقول،
إذا زال ملكُه لم يجزْ أن يقع العتق على المشتري، هذا قول الثوري،
والنعمان، وأصحابه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لأن البيع يلزم من باع المشتري بيعاً
صحيحاً، فلما باع لزمته الحرية لأنهما بالخيار ما لم يتفرقا، وإذا وقعت
الحرية انفسخ البيع.
وكان أصح على مذهب مالك أن يكون قوله موافقاً لقول الكوفي، لأنه لا يجعل
للمتابعين الخيار ما لم يتفرقا.
15 - باب العبد يدس المال إلى من يشتريه من
مولاه
قال أبو بكر:
م 5253 - واختلفوا في العبد يدفع المال إلى من يشتريه من مولاه فيعتقه.
فقالت طائفة: إذا اشتراه فأعتقه بطل العتق، والعبد لمولاه، هذا قول الحسن
البصري.
وقال الشعبى: لا يجوز ذلك، ويعاقب مَنْ فعلَه.
(8/107)
وفيه قول ثان وهو: أن البيع جائز، والعتقَ
ماضٍ، ويرد المشتري على سيد العبد مثل الثمن الذي ابتاعه به، هذا قول
إبراهيم النخعى، والثوري.
وقال أحمد بن حنبل: شراؤه جائز، وعتقه جائز، ويرجع السيد على المشتري
بالثمن الذي اشتراه به له، ويكون الوَلاءُ للمشتري. وبه قال إسحاق بن
راهويه.
وفي قول الشافعي: إن كان المشتري العبد بعين المال الذي دفعهُ العبدُ إليه،
فالشراء فاسدٌ، والعتق باطل، لأن الذي قُبِض من العبد إنما هو مال السيد.
وإن اشتراه بغير عين المال، جائز، والعتق ماض، ويدفع إلى السيد ما قبض من
العبد، ويزن للسيد الثمنَ من ماله، أعني من مال المشتري.
قال أبو بكر: وبه أقول.
16 - باب عتق من عليه دين
قال أبو بكر:
م 5254 - واختلفوا في عتق من عليه دين [2/ 311/ألف] يحيط بماله.
فقالت طائفة: عتقه باطل، كذلك قال مالك بن أنس والليث بن سعد.
(8/108)
وقال الثوري: رد ابن أبي ليلى عبداً أعتقه
سيده عند الموت، وعليه دين.
وقال أحمد: أحسن ابن أبي ليلى.
وفي كتاب ابن الحسن عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - بإسناد لا يَثْبُت،
أنه قال في رجل أعتق عبداً له عند الموت وعليه دين، قال: يسعى العبد في
قيمته.
وبه قال قتادة، وإسحاق.
وفي قول الشافعي: إذا كان العتق والسيد صحيح ولم يكن القاضي أوقف ماله،
فالعتق ماض. وإذا كان في المرض، فكما قال ابن أبي ليلى، إذا كان الدين يحيط
بماله.
17 - باب أحكام العبدِ المعتَقِ بعضُه
قال أبو بكر:
م 5255 - واختلفوا في العبد المعتق نصفُهُ، مَنْ يرثه إذا مات وترك مولاه
الذي أعتقه والمولى الذي له النِصْف.
فقالت طائفة: ميراثه للذي له النصف. هذا قول الزهري، ومالك بن أنس.
وقال مالك في خدمة هذا العبد يصطلحان على الأيام، وتكون حدوده، وطلاقُه،
وأموره أمورَ عبدٍ ما دام فيه رقٌ.
وقال أبو بكر: ومِنْ حجة من قال هذا القول: أن الله عز وجل قد حكم على
الأحرار بأحكام، وحكم على العبيد بأحكام، ولم نجد
(8/109)
لله تعالى حكماً ثالثاً، فلم يجُز أن نوجب
على هذا المعتَق نصفُه إلا أحدَ هذين الحُكمين، فأوجبنا عليه الأقل، لأن
ذلك لازم بالإجماع، وأسقطنا عنه ما زاد على ذلك للاختلاف.
وقدْ كانت أحكام العبيد لازمةً له قبل أن يحدث في بعضه الحريةُ.
ولا يجوز أن تُترك تلك الأحكام عنه حتى يُجْمعوا، أو تدلَّ سنة على ذلك.
وقالت طائفة: ما ترك هذا المعتَقُ بينهما شطران. هذا قول عطاء بن أبي رباح،
وعمرو بن دينار، وطاووس، وإياس بن معاوية، وأحمد بن حنبل.
وقد روينا عن الشعبى أنه سئل عن عبد اعتِق نصفه، ثم فَجَر؟ قال: يضرب خمسةً
وسبعين سوطً.
وكان إسحاق يقول في العبد يعتق نصفه نصف حر ونصف مُسْتَرق، فيموت، إن
الميراث لا يكون إلا الذي أعتقه.
ولعل مَنْ حجة من قال هذا القول أن يقول: قد كان الذي لم يَعْتِقْ يقبض
خراج يومه، ويقبض المعتق نصف حصة يومه، فوجب لما مات [2/ 311/ب] أن يكون
الذي اكتسبه في اليوم الذي كان له لمولاه، لأنه كسبه في يومه، وقد قبض الذي
ملك النصف حصته.
وقد كان الشافعي يقول: المعتقُ بعضه يورَث ولا يرث، وادعى الإجماع على أنه
لا يرث.
وحكى العراقيون عنه أنه قال: لا يرث ولا يورث.
(8/110)
18 - باب الشريكين
في العبد يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق حصته من العبد
قال أبو بكر:
م 5256 - واختلفوا في العبد يكون بين الرجلين، فيشهد أحدهما على صاحبه أنه
أعتق العبد، وصاحبه منكر لذلك.
فكان حماد بن أبي سليمان يقول: إن كان المشهود عليه موسراً سعى له العبد،
وإن كان معسراً سعى لهما جميعاً، وبه قال الثوري.
وقال ابن شبرمة. يعتق العبد، وليس عليه سعاية.
وزعم النعمان "أن الشهود عليه إن كان معسراً سعى العبد، وكان الولاء
بينهما، وإن كان الشهود عليه موسراً، فولاؤه نصفه موقوف فإن اعترف أنه أعتق
استحق الولاء، وإلا كان ولاؤه لبيت المال".
وقياس قول الشافعي. أن الشهود عليه منهما إن كان موسراً فردت شهادته، فإنه
يعتق منه حصة الشاهد في الحكم، بأن الشريك لما أعتق أعتق عليه حصته، وإن له
عليه قيمة حصته.
ولا تعتق حصة المشهود عليه، ويستحلف (1) الشاهد شريكَه
__________
(1) "ويستحلف الشاهد شريكه على ما يدعى" ساقط من الدار.
(8/111)
على ما يدّعي عليه من القيمة، وولاء حصة
الشاهد موقوفٌ على إقرار الشهود عليه.
وإن كان المشهود عليه معسراً، فرُدت شهادتُه فكل واحد منهما على ملك حصته
من العبد.
19 - باب مسائل
م 5257 - وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده، فرُدت شهادتهما، ثم اشتراه
أحد أو اشترياه جميعاً.
عتق على من اشتراه منهما، في قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وقياس قول
الكوفي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 5258 - واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل أنه أعتق أحد عبديه، ولا
يدريان أيهما هو.
فكان سفيان الثوري يقول: يستسعيان في النصف من قيمتهما.
وفي قول أصحاب الرأي [2/ 312/ألف] شهادتهما باطلة، من قبل أنهما لم يتثبتا
الشهادة.
م 5259 - قال زفر- في رجل شهد عليه شهود أنه طلق إحدى امرأتيه، ونسوها وله
نسوة، شهدوا عليه بذلك، وهو يجحد- قال زُفَر: يجبره القاضي على أن يوقع
الطلاق على أيتهما شاء.
(8/112)
قال المزني: القياس ما قال زفر مِن قِبَل
إجماعهم على أنه إذا شهد عليه أنه أقر أنه طلق إحدى امرأتيه: إن الطلاق
عليه، وعليه أن يخبر أيتَّهما هي.
وقال سفيان الثوري في عبد شهد رجلان أن سيده أعتقه وقد مات سيده، فسئلا:
أفي صحته أعتق أو في مرضه؟ قالا: لا ندري، قال: هو من الثلث.
20 - باب عِتْقِ الصبي، والمجنون، والمولى عليه، والسفيه، والسكران
قال أبو بكر:
(ح 1558) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفع القلم عن
ثلاثة: عن الصبى حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون، والمعتوه
حتى يُفيق".
م 5260 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عتق الصبي لا يجوز وممن
حفظنا ذلك عنه: الحسن البصري، والشعبى، والزهري، ومالك، والأوزاعى،
والشافعي، وأصحاب الرأي.
ولا يجوز عتق المجنون (1) استدلالاً بالسنة، ولا أعلم فيه اختلافاً بين أهل
العلم.
__________
(1) في الأصل "لا يجوز عتق العبد المجنون" وهذا خطأ ظاهر، والتصحيح من
الدار.
(8/113)
م 5261 - واختلفوا في عتق السكران.
فقال الزهري، والشعبى، ومالك، والشافعي: عتقه جائز.
م 5262 - وقال عثمان بن عفان، وطاووس، وعطاء بن أبي رباح، والقاسم ابن
محمد، وعمر بن عبد العزيز، وحميد بن عبد الرحمن، وربيعة بن أبي عبد الرحمن،
ويحيى الأنصاري، وعبيد الله بن الحسن،
وإسحاق بن راهويه.
لا يجوز طلاق السكران.
فقياس قول هؤلاء: أن عتقه لا يجوز.
م 5263 - واختلفوا في عتق المولى عليه.
فكان مالك، والشافعي يقولان: لا يجوز عتقه.
م 5264 - وقال مالك- في السفيهِ يعتق أمّ ولده- قال: يعجبني أن يُجاز عتقه.
قال أبو بكر: عتق الصبى، والمجنون، والسكران، والمولى عليه لا يجوز.
21 - باب إذا قال الرجل: كل مملوك لي حر وله
عبيد وإماء (وأمهات [2/ 312/ب] أولاد) ومكاتبون وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 5265 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول: كل مملوك لي حر، وله عبيد، وإماء،
وأمهات أولاد، ومُدبَّرون، ومكاتبون.
(8/114)
فقالت طائفة: هم أحرار جميعاً إلا
المكاتبين فإنهم لا يعتقون، وإن نواهم عتقوا، هذا قول الشافعي، وأصحاب
الرأي، والثوري، وإسحاق.
وقال أحمد بن حنبل: إذا قال: كل مملوك لي حر، وله مكاتب ومدبر، قال: ما أرى
ألا يجرى عليهما. قال أبو بكر: قول أحمد هذا صحيح، وبه قال المزني، وحفظي
عن أبي ثور أنه قال كذلك.
والقياس على الأغلب من المعاني، إذا كان المكاتب أحكامه أحكام العبيد في
شهادته وجراحته، والجراحة عليه، والمواريث، ولا سهم له في المغانم، وفي
النكاح، والطلاق، ولا ينكِحُ إثنتين،
وطلاقه ثنتان، وعدة الأمة حيضتان، ولا يجبر على نفقة من يجبر الحر على
النفقة عليه، ويمنع من إتلاف الأموال، والعتق، والهبات، والعطايا.
وإن أعتقه سيده عتق عليه كما يعتق عليه سائرُ عبيده. ولا يرث، ولا ترثه
ورثتُه الأحرارُ.
وأعلى من ذلك كله أن مَنْ نحفظ عنه من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم
- منهم عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم
قالوا: المكاتب مملوك ما بقي عليه درهم.
وبه قال جماعة من التابعين يكثُر عددهم.
وهو قول مالك، والثوري، والشافعي.
وإذا قال أصحابنا: إن القياس على الأكثر من المعاني، وأكثر أحكام المكاتب
أحكام العبيد، وجب أن يعتق إذا قال: عبيدي
(8/115)
أحرارٌ، كما يعتق إذا قال له ولعبد له آخر:
أنت حران.
ما بين ذلك فرق.
ولا يعتلَّن معتل بل ممنوع من بيعه، لأنه ممنوع من بيع العبد الآبق ولو قال
له أعتقه: في جملة رقيقه،
عتقه إذا أعتقه في جملة رقيقه، والله أعلم.
22 - باب اختلاف أهل العلم في استرقاق أولاد
الإماء من العرب
قال أبو بكر:
م 5266 - اختلف أهل العلم في أولاد العرب من الإماء.
فقالت طائفة: يقوم على أبيه ولا يسترق [2/ 313/ألف] كذلك قال سفيان الثوري،
وإسحاق، وأبو ثور.
واحتجوا بأخبار رويت عن عمر رضي الله عنه أنه قال لابن عباس: اعقل عني
ثلاثاً: الإمارة شورى، وفي فداء العرب مكان كل عبد عبد، وفي ابن الأمة
عبدان.
وفي حديث غاضرة عن عمر رضي الله عنه في نساء ساعين
(8/116)
في الجاهلية -يعني بغين- فأمر أن تقوّم
أولادهن على آبائهم، ولا يسترقوا.
وقالت طائفة: إذا علم أف أمةٌ فنكحها على ذلك فأولاده (1) رقيق.
هذا قول مالك، وأصحاب الرأي، وطائفة من أهل الحديث.
واحتجوا بأخبار ثاتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، منها:
(ح 1559) أنه - صلى الله عليه وسلم - "سبى سبي هوازن، وأنهم لما كلموه،
وسألوه (2)، ترك حقه وحق من أطاعه، وكلّم مَنْ لم تَطِبْ نفسه بترك حقه،
وضمن لكل رأس منهم شيئاً ذكره".
__________
(1) وفي الدار "فأولادها".
(2) "وسألوه" ساقط من الدار.
(8/117)
(ح 1560) وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حين سمعهم يقولون: أعتق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رقيقَ حُنين، ومعه
غلام من رقيق حنين، قال: اذهب فأنت حر.
ولم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ليعتق أحراراً، وهؤلاء قوم من
العرب قد جرى عليهم الرق بالسباء.
ومما يدل على صحة هذا القول:
(ح 1561) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في سبية كانت عند عائشة رضي
الله عنها من
بني تميم: أعتقيها (1) فإنها من ولد إسماعيل".
(ح 1562) "وأمرها أيضاً أن تعتق من بني العنبر في محرَّر كان عليها".
قال أبو بكر: وهي أخبار ثابتة.
وإنما وقف الشافعي عن القول بما جاء في سبي هوازن أنه قال: زعم بعضهم أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أطلق سبي هوازن قال " لو كان الرق تاماً
على أحد من العرب لتم على هؤلاء"، وهذا غير ثابت.
__________
(1) "اعتقيها .. إلى قوله: وهي أخبار" ساقط من الدار.
(8/118)
وهو لا يرى المرسَلَ الذي يرسله الحسنُ،
وابن سيرين، ومَنْ كان مثلُهما حجةً، فكيف يكون شيءٌ أرسله الشافعي حجة على
الأخبار الثابتة المذكورة (1) في كتاب العتق وغيره والنظر مع الأخبار
الثابتة المذكورة دال على ما قلناه، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم -
لما سَوَّى بين العرب والعجم في الإماء فقال:
(ح 1563) "المؤمنون تتكافأ دماؤهم".
وأجمع أهل العلم على القول به.
فوجب إذا اختُلِف فيما دون الدماء أن يكون حكمه حكم الدماء الذي ثبت عن
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأجمع أهل العلم على [2/ 313/ب] القول
به.
23 - باب عتق الرجل عن الرجل عبداً بأمره
قال أبو بكر:
(ح 1564) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "الوَلاء لمن أعتق".
م 5267 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أعتق عن
الرجل عبداً بغير أمره، أن الولاء للمعتق.
م 5268 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: أُعتِقَ عني عبدَك فلاناً، فأعتقة
عتقه عنه بأمره.
__________
(1) "المذكورة" ساقط من الدار.
(8/119)
فقالت طائفة: يكون الولاء للآمر، وعليه
الثَمنُ. هذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الزهري- في رجل قال لرجل: أعتق عني غلامك هذا وعليَّ ثمنه- قال: هو
جائز، والولاء للسيد، وعلى الحَميل ما تحمَّل.
24 - باب عتق الرجل أحد مماليكه ومات قبل أن يُبيِّن
قال أبو بكر:
م 5269 - واختلفوا في الرجل يعتق أحد عبيده، ولم يدر أيهم هو؟
وله ثلاثة أعبد.
فكان الشعبى (1) يقول: يعتق من كل واحد منهم الثلث، ويُستسعى في الثلثين،
وبمعناه قال الأوزاعي.
وقال أصحاب الرأي إذا قال الشهود: أَشْهدنا فلان (2) أنه قد أعتق بعض
عبيده، ونسيناه، فشهادتهم باطلة، فإن قالوا: أعتق أحدهم ولم يسمِّ، فهذا
والأول سواءٌ في القياس، ولكنا نستحسن فيعتق من كل عبد ثلثه، ويسعى في
ثلثيه إذا كانوا ثلاثة.
وإن كانوا أربعة عتق من كل واحد منهم رُبُعَه، ويُستسعى في الباقي إذا كانت
قيمتهم سواءً.
وإن كانت قيمتهم نحتلفةً أخذنا أقلَّهم قيمة وأكثرَهم قيمة، فجُمعت
قيمتاهما جميعاً، ثم أخذنا نصف ذلك فقسّمناه على قيمتهم.
__________
(1) وفي الدار "فكان الشافعي"
(2) "فلان" ساقط من الدار.
(8/120)
وفيه قول ثان في الرجل يعتق غلاما له، وله
رقيق، فلا يعلم أيّ غلام أعتق؟، نسي ذلك: أن الرقيق يسهم عليهم، ثم يعتق
أحدهم.
هذا قول الليث بن سعد قال: فإن ذكر بعد ذلك الغلام الذي أعتقه (1) أعتق
عليه أيضاً.
وقال أبو ثور: إذا قال الشهود: إنه أعتق أحدهم، ولم يسمِّهِ أقرع بينهم.
وقال مالك: إن كان له ستة أعبد فأعتق أحدهم، ثم مات قبل أن يُبَيِّن: يُقرع
بينهم حتى يعتق منهم بقدر سدس قيمتهم.
وإن كانوا أربعة فربعهم، فإن خرج السهم في أحدهم، وكانت قيمته أقل من الربع
أعيد السهم فيهم حتى يستكمل الربع.
وهذا قول ثالث [2/ 314/ألف].
وفيه قول رابع وهو: أن يعتقوا جميعاً. هذا قول ابن وهب.
وفيه قول خامس وهو: أن يوقف أمرهم حتى يتبين. لأن العتق قد وقع على واحد
منهم بعينه. وغير جائز أن يتحول العتق عمن وقع (2) عليه إلى غيره بقرعة ولا
بغيرها.
وإنما سن النبي - صلى الله عليه وسلم - القرعة في عبيد أعتقهم الرجل كلهم،
وهذه المسألة إنما هي في رجل أعتق أحد عبيده. ولا يشبه هذا من أعتق جميعهم.
هذا قول يحتمله النظر، والله أعلم.
__________
(1) "أعتقه" ساقط من الدار.
(2) "وقع" ساقط من الدار.
(8/121)
25 - باب الرجل يقول لعبده: أنت حر إن كلمت
فلانا فباعه بيعا صحيحاً، ثم كلم فلانا
قال أبو بكر:
م 5275 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: أنت حر إن فعلت كذا ثم باع العبد
بيعا صحيحا، ثم فعل ذلك الفعل.
فقالت طائفة: لا يعتق العبد لأنه حنث وهو خارج من ملكه، هذا قول الشافعي،
والنعمان.
وفيه قول ثان وهو: أن البيع ينتقض، ويصير العبد حرا. هذا قول النخعي، وابن
أبي ليلى.
م 5271 - وكذلك لو حلف بطلاق امرأته لا يكلم فلاناً، ثم طلقها طلاقا لا
يملك (1) رجعتها، ثم كلم فلانا.
حنث في قول ابن أبي ليلى، لأنه حلف بذلك وهي في ملكه.
ولم يحنث في قول الشافعي، والنعمان.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
26 - باب العتق إلى الأجل المسمى
قال أبو بكر:
م 5272 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: أنت حر إلى سنة، أو يقول ذلك
لجاريته.
__________
(1) وفي الدار "يملك رجعتها".
(8/122)
فقال مالك: إن مات السيد قبل السنة كان
العبد حرا عند رأس السنة من رأس المال.
وقال مالك إن كانت جارية: لم يطأها، لأنه لا يملكها ملكاً تاماً، ولا
يبيعها، ولا يهبها، ولا يلحقها دين.
وفيه قول ثان وهو: أن له أن يطأها، هذا قول الأوزاعي، والشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وله أن يبيعها ويهبها قبل الوقت. وإذا زال ملكه عنها ببيع أو هبة قبل
الوقت، ثم جاء الوقت لم يحنث وهي في ملك غيره.
27 - باب قول الرجل لعبده أو لأمته: إن لم أضربْكِ فأنت حره، فباعها
قال أبو بكر:
م 5273 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: إن أضربك فأنت [2/ 314/ب] حر.
فأراد أن يبيعه، وألا يضربه.
فقالت طائفة: لا يجوز بيعه، ولا هبته حتى يضربه، فإن باعه فُسخ البيع، فإن
مات السيد أعتق في ثلث ماله، وإن مات العبد فهو عبد لأنه لم يعتق، هذا قول
مالك.
وقال الليث بن سعد: إذا قال لعبده: إن لم أضربك فأنت حر، ثم باعه، أعتق
عليه عند بيعه إياه.
(8/123)
وفيه قول ثالث وهو: أن العتق لا يقع عليه
إذا لم يجعل لذلك وقتا، هذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور.
قال أبو بكر: وبه أقول، وله أن، يبيعه ويهبه متى أحب.
فإن مات السيد قبل أن يضربه عتق في قول مالك، والشافعي في ثلث ماله.
28 - باب أحكام المريض
قال أبو بكر:
م 5274 - أجمع أهل العلم على أن ما يحدثه المريض الخوف عليه، في مرضه الذي
يموت فيه، من هبة لأجنى، [أو صدقة] (1)، أو عتق: إن ذلك في ثلث ماله. وأن
ما جاوز ثلثه من ذلك مردود غير
جائز انفاذُهُ.
(ح 1565) ودل خبر عمران بن حصين- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في
قصة الرجل الذي أعتق ستة أعبد له عند موته، فأعتق اثنين وأرق أربعة - على
مثل ما أجمع عليه أهل العلم.
م 5275 - وقال بظاهر خبر عمران بن حصين، عمر بن عبد العزيز، وأبان بن
عثمان، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وفيمن أعتق رقيقه عند موته ولا مال له غيرهم قول ثان، وهو أن يعتق من كل
واحد منهم الثلث، ويستسعى في الثلثين.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/124)
هذا قول شريح، وسعيد بن المسيب، والحسن
البصري، والشعبي، وقتادة، والنخعي، وبه قال النعمان.
وقال مسروق في رجل أعتق عبداً له في مرضه، وليس له مال غيره، قال: أجيزه
برُمَّته، شيء جعله الله لا أرده.
قال أبو بكر: إن كان مسروق إنما قال في مريض أعتق عبده في مرضه، ثم صح، فهو
صحيح من القول.
وإن لم يكن أراد هذا فهو شاذٌ لا معنى له. وخبر عمران بن حصين مع إجماع
عامة العلماء يدل على خلافه.
29 - باب اختلافهم في كيفية القرعة
قال أبو بكر:
م 5276 - كان الشافعي يقول: "وأَحبُّ القرعة إلى أن يقطع رقاعا صغاراً
مستوية، فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماؤهم، ثم تجعل في
بنادق طين مستوية لا تفاوت بينها، ثم
تستجف [2/ 315/ألف] قليلاً، ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر ذلك، ويغطي عليها
ثوبه، ثم يقال له: أدخل يدك فأخرج بندقة.
إذا أخرجها وفضت وقرأ اسم صاحبها، ثم دفع إليه الجزء الذي أقرع عليه السهم
ثم يقال له: أقرع على السهم الذي يليه. هذا هكذا ما بقي من السُّهمان شيءٌ،
حتى تنفد".
(8/125)
وكان أحمد بن حنبل يقول: قال سعيد بن جبير:
بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب، فأخرج خاتم هذا أو خاتم هذا. ثم قال:
يخرجون الخواتيم، ثم يدفع إلى رجل فيخرج منها واحد.
30 - باب عتق الراهق العبد المرهون
قال أبو بكر:
م 5277 - أجمع أهل العلم على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن وهبته، والصدقة
به وإخراجه من يدي مرتهنه حتى يبرأ من حق المرتهن.
م 5278 - واختلفوا في الراهن يعتق العبد (1) المرهون بغير إذن المرتهن.
فقالت طائفة: عتقه باطل لا يجوز، روي هذا القول عن عثمان البتي، وبه قال
أبو ثور.
وقالت طائفة: إن كان الراهن موسراً فالعتق جائز، وتؤخذ منه قيمته وتكون
رهناً مكانه. هذا قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي.
وقال مالك: إن [كان موسراً] (2) دفع إلى الرجل حقه، وجازت عتاقته، وإن كان
معسراً فلا عتق له.
وقال شريك، والحسن بن صالح: عتقه جائز.
وقال شريك: يسعى العبد للمرتهن.
__________
(1) "العبد" ساقط من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/126)
وقال الحسن بن صالح: ليس عليه سعاية.
وأصح القول قول عثمان البتي، وأبي ثور، وذلك لأنهم لما أجمعوا على إبطال
بيع الرهن بغير إذن المرتهن. وكان ذلك إخراجاً له من يدي المرتهن، كان كذلك
كل ما كان إخراجا من يدي المرتهن مثله.
والله أعلم.
م 5279 - فإن كان الراهن معسراً والمسألة بحالها.
ففي قول أصحاب الرأي: إذا كان قيمة العبد خمس مائة درهم (1)، والدين ألف
درهم: يسعى العبد العتق في خمس قيمته، ويرجع العبدُ على الراهن بذلك، ويرجع
المرتهن على الراهن بفضل حقه.
وفي قول مالك، والشافعي: يبطل العتق، ويكون العبد رهناً بحاله وقال أحمد بن
حنبل: إذا كان معدما فقد جاز العتق.
31 - باب العبد الذي مثل به سيده
قال أبو بكر:
م 5280 - أكثر أهل العلم لا يوجبون عِتقَ من مُثِّل به من العبيد.
وكان مالك، والليث بن سعد يقولان: يعتق عليه.
م 5281 - وقال مالك: وولاؤه له.
م 5282 - وقال مالك: يعاقبه [2/ 315/ب] السلطان.
__________
(1) "درهم" ساقط من الدار.
(8/127)
م 5283 - والمُثْلَة في مذهب مالك أن يصيب
(1) العبد بالنار، أو يقطع منه الإصبع، وما أشبه ذلك.
32 - باب الكلام الذي يوجب العتق والذي لا
يوجبه
قال أبو بكر:
م 5284 - أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا قال لعبده: أنت حر، أو قد
أعتقتك، أو: أنت عتيق، أو: أنت معتق، يريد به لله عز وجل، أنه حر.
م 5285 - وإذا قال السيد لعبده: لا سبيل لي عليك، أو: لا ملك لي عليك.
أو: لا ملك عليك (2).
فإن قال: لم أعتقه، أو قال: لم أرد عتقاً، فإنه يحلف، ولا يلزمه العتق، وإن
أقر بالعتق لزمه العتق.
م 5286 - وإذا قال الرجل لعبده: يا بني، أو لأمته: يا بنية، فهو سواء، ولا
يعتق واحد منهما، لأن هذا دعاءٌ وكلام لطيف، وهذا موجود في كلام الناس.
(ح 1566) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - "أنه قال لأنس يا بني".
__________
(1) وفي الدار "يصاوب".
(2) "أولا ملك عليك" ساقط من الدار.
(8/128)
م 5287 - وإذا قال الرجل لغلام مجهول
النسب: هذا بني، ومثله يولد لمثله: ثبت نسبُه منه، وهو حرٌ.
م 5288 - وإذا قال الرجل وهو ابن عشرين سنة لعبد له ابن خمسين سنة: هذا
ابني، وصدقه العبد، أو كذبه، لم يلحق نسبه به، ولم يلزمه عتقه، وهذا كذب
منه.
م 5289 - وكذلك لو قال العبد له- وللعبد عشرون سنة، وللذي بيده العبد
ثلاثون سنة -: هذا ابني، كان كذلك.
وزعم النعمان أن العتق يقع عليهما.
وخالفه يعقوب، ومحمد فقالا: لا يعتقان، ولا يثبت نسبهما.
قال أبو بكر: وقول النعمان هذا شاذٌ لا نعلم أحداً سبقه إليه ولا تابعه
عليه، لأنه محال من الكلام وكذب. ولو جاز ما قال لجاز لرجل بيده طفل صغير
أن يقول: هذا أبتي، وهذا غير جائز ولا مقبول من قائله.
م 5290 - وإذا قال الرجل لعبده: لا سلطان لي عليك، وقال: لم أرد عتقك،
وإنما أردت أنك غير مطيع لي، فالقول قوله، ولا يلزمه العتق.
م 5291 - وقال سفيان الثوري: إذا قال الرجل لغلامه: هو حر النفس.
قال له (2) نيته في ذلك.
قال أبو بكر: هو كما قال فإن أراد العبد استحلافه، استحلفه ولا يلزمه
العتق.
__________
(2) "له" ساقط من الدار.
(8/129)
33 - مسائل من كتاب
العتق
م 5292 - وإذا قال الرجل لمملوكه: يا سالم، فأجابه نافع، فقال: أنت حر،
وقال: عنيت سالما.
فإنهما يعتقان- في قول أصحاب الرأي، وابن القاسم صاحب [2/ 316/ألف] مالك-
في الحكم: فأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يعتق إلا الذي أراده.
قال أبو بكر: وهذا حسن، لأن السيد قد أثبت (1) الحرية لنافع بمخاطبته إياه
في الظاهر، وأخبر بأنه أراد إيقاع الحرية على سالم، فيعتق سالم لأنه أخبر
أنه أراده.
م 5293 - وإذا قال الرجل لمملوك رجل: أنت حر من مالي، ثم اشتراه: فهو
مملوكه، ولا شيء عليه. هذا على مذهب [مالك] (2)، والشافعي، وعامة أصحابنا.
م 5294 - وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق- في الرجل يقول لعبد رجل. أنت حر في
مالك، فبلغ ذلك السيد، فقال: قد رضيت، وأبى الآخر- قالوا جميعاً: ليس بشيء.
م 5295 - وإذا أجر الرجل عبده إجارة صحيحة من رجل سنة، ثم أعتق الولى العبد
قبل انقضاء الإجارة: لم تنتقض الإجارة في قول مالك، والشافعي، غير أن
الشافعي قال: ويرجع العبد على السيد بإجارة مثله، من يوم أعتقه إلى انقضاء
المدة.
م 5296 - واختلفوا في الرجل يعتق عبد ولده الصغير.
__________
(1) وفي الدار "لأن المخاطبة قد ثبتت الحرية لنافع لمخاطبته".
(2) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/130)
فكان مالك يقول: إن كان له مال جاز عتقه،
وضمن القيمة لولده.
قال أبو بكر: ولا يجوز عتقه في قول الشافعي، لأنه اعتق ما لا يملك.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول. لأن الله جل ذِكْره ورَّثه من مال ابنه
السُدُس- بعد موته- مع ولده، ففي ذلك بيان أن لا حق له في ماله.
م 5297 - وإذا قال الرجل لعبده: بعتك نفسك بألف درهم، فإن صدَّقَهُ العبد:
فهو حر وعليه ألف درهم. في قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
وفي قول مالك: يعتق ويتبعه السيد بالألف درهم.
قال أبو بكر:
م 5298 - وإذا قال الرجل لعبده: أعتقتك أمس على ألف درهم وقبلته، وقال
العبد: أعتقتني على غير شيء.
حُلِّف العبد، وأعتق باقراره أنه حر. في قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
م 5299 - وإذا قال الرجل لعبده: إذا أديت إلى ألف درهم فأنت حر.
فمتى أدى إليه ألف درهم، فهو حر، في قول أصحاب الرأي، وهو يشبه مذهب
الشافعي.
م 5300 - وقال الثوري: "إذا قال الرجل لعبده: إذا أديت إلى ألف درهم فأنت
حر، ثم بدا له ألا يقبل منه شيئاً، كان ذلك للسيد".
(8/131)
وفي قول أصحاب الرأي: يجبر على أخذ المال،
ويعتق العبد.
وهذا يشبه مذهب الشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 5301 - وإذا قال الرجل (1) لعبده: أنت حر وعليك ألف درهم، فهو حر ولا شيء
عليه، وهذا يشبه مذهب الشافعي، والكوفي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال الأوزاعي: هو حرٌ وعليه ما قال إذا كان كلاماً (2) متصلاً.
وقد حكى ابن القاسم عن مالك نحو قول الأوزاعي.
قال أبو بكر:
م 5302 - وإذا أعتق عن أبيه (3) عبداً، وهو حي، يريد بر أبيه، فهو حر، وفي
الولاء اختلاف.
أحدهما: أن الولاء لأبيه، هذا قول مالك، ثم قال: ولو كان وهبه لأبيه فيكون
هو الذي يعتقه، كان أصوب.
والقول الثاني: أن الولاء للابن، وهو أصح القولين، لأن النبي - صلى الله
عليه وسلم - جعل الولاء للمعتق. وهو يشبه مذهب الشافعي.
م 5303 - واختلفوا في الرجل يشتري العبد بثوب، ثم يعتق العبد، ويستحق
الثوب: فكان مالك يقول: يرجع بقيمة العبد.
وفي قول الشافعي يبطل العتق والبيع جميعاً.
__________
(1) "الرجل" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "إذا كان كاملاً".
(3) "عن أبيه" ساقط من الدار.
(8/132)
قال أبو بكر: وبه نقول؛ لأنه أعتق ما لا
يملك.
م 5304 - وقال مالك: إذا قال لعبده: أنت حر اليوم فهو حر أبداً.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 5305 - وإذا قال الرجل لعبده: هو (1) لله، فهو حر، في قول الشعبي،
والمسيب بن رافع، وحماد بن أبي سليمان.
م 5306 - واختلفوا في امرأة حلفت بعتق جارية ليس لها غيرها، فحنثت، ولها
زوج، فرد ذلك عليها زوجها.
فقال مالك: له أن يرد عليها، وليس لها عتق.
وقال مَرَّةً: يجوز لها العتق بينها وبين الثلث.
وفيه قول ثان وهو: أنّ بيعها، وشراءها، وعتقها جائز.
ولا فرق بينها وبين الرجل في أن لها أن تتصرف في أموالها كما يتصرف
المالكون، إلا أن تكون محجوراً عليها- يدل على ما قلناه الكتاب والسنة:
فأما الكتاب فقوله جل ذكره: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}، فإذا كان لها أن تهب صداقها لزوجها
جاز لها أن تهب ذلك لغيره.
وأما السنة فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج في أضحى أو فطر
للنساء:
__________
(1) "هو" ساقط من الدار.
(8/133)
(ح 1567) فقال: "تصدقن".
أمراً عاماً لم يستثن ذات زوج ولا غيرها.
(8/134)
|