الإشراف
على مذاهب العلماء 97 - كتاب قتال أهل
البغي
قال أبو بكر: قال الله جل ثناؤه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
يقال: إن الآية نزلت في أمر كان بين قوم على عهد رسول الله-صلى الله عليه
وسلم-.
(ح 1689) وروينا عن أنس بن مالك: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له:
لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه وركب (1) حماراً، وانطلق المسلمون،
وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي- صلى الله عليه وسلم -قال: إليك عني فو الله
لقد آذاني ريح حمارك، فقال [2/ 332/ألف] رجل من
__________
(1) وفي الدار "فانطلق راكباً حماراً".
(8/217)
الأنصار: والله، لحمار رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، فغضب لكل واحد
منهما أصحابه. فكان بينهم ضربٌ بالجريد وبالأيدي والنعال. فبلغنا أنها نزلت
فيهم {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا}.
قال أبو بكر:
م 5393 - وإذا اعتزلت جماعة من الرعية إمام المسلمين ومنعوه حقاً من
الحقوق، ولم يعتلوا فيه بعلة يجب على الإمام (1) النظر فيه، ودعاهم الإمام
إلى الخروج مما يجب عليهم، فلم يقبلوا قوله، وامتنعوا من أداء ذلك إلى
الإمام، فحق على إمام المسلمين حربهم وجهادهم، ليستخرج منهم الحق الذي وجب
عليهم، وحق على الرعية قتالهم مع إمامهم إذا استعان الإمام بهم.
كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتال من منع الزكاة، انه قال:
لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. وتأول:
(ح 1690) قول النبي- صلى الله عليه وسلم - "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا
لا إله الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه،
وحسابهم على الله".
فرأي أن الزكاة من الحق الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) وفي الدار "الإسلام".
(8/218)
ويقال: إن أبا بكر قاتل الذين منعوا
الصدقة، قاتل قوماً كفروا بعد إسلامهم.
ولم يختلف الناس أن قتال الكفار يجب.
وقال الشافعي: "وأهل الردة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ضربان: ضرب
منهم كفروا بعد إسلامهم، مثل طُلَيحَة، والعنسي، ومسيلمة وأصحابهم.
ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات.
ولا نعلم أحدا في الوقت الذي رأى عمر مثل ما رأى أبو بكر الصديق رضي الله
عنهم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - امتنع من قتالهم.
ولا أرى رأيا خلاف الذي رآه الصديق.
فهذا مع دلائل سنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كالإجماع من المهاجرين
(8/219)
والأنصار على أن الصديق قام في ذلك بحق وجب
عليه القيام به.
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد بلغه عن القوم الذين قاتلوا كلاما،
قبل أن يقتلوا عبد الله بن خباب، فلم يقاتلْهم، فلما قتلوا عبد الله بن
خباب قال لهم: أقيدوني من ابن خباب، قالوا: كلنا
قتله. فحينئذٍ استحل قتالَهم [2/ 332/ب] فقتلهم.
(ح 1691) وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - (1) أمر بقتلهم قال: سمعته يمول: "سيخرج أقوام في آخر الزمان
أحداث الأسنان، سفهاءُ الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز
إيمانُهم حناجِرَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة،
فأينما لقيتَهم فاقتلْهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة.
__________
(1) وفي الدار "وقد ذكر عن علي أنه أمر بقتلهم".
(8/220)
م 5394 - واختلفوا في قتل المُدْبر منهم،
والأسير، أو الجريح.
فكان الشافعي يقول: لا يقتل منهم مُدْبرٌ أبداً، ولا أسير، ولا جريح بحال.
قال أبو بكر: ومن حجة من قال هذا القول قول علي رضي الله عنه يوم الجمل: لا
يُذفّف على جريح، ولا يهتك ستر، ولا يفتح باب، ومن أغلق باباً، أو بابه،
فهو آمن، ولا يتبع مدبر.
وروي نحو (1) ذلك عن عمار بن ياسر.
وقال أصحاب الرأي في الخوارج: إذا هزموا ولهم فئة يلجؤون إليها فينبغي لأهل
الجماعة أن يقتلوا مدبرهم، وأن يُجيزوا على جريحهم، وأن يقتلوا من أسر
منهم.
فإن انهزم الخوارج ولم يكن لهم فئة يلجؤون إليها لم يقتل مدبرهم، ولم
يجيزوا على جريحهم، ولم يقتلوا أسيرهم، ولكن يعاقبون ويضربون من أخذ منهم
ضربا وجيعاً، ويحبسون حتى يقلعوا عما هم عليه
ويحدثوا توبة.
__________
(1) "نحو" ساقط من الدار.
(8/221)
وقال الأوزاعي بعد أن ذكر قول أبي حنيفة:
وما تحل هذه السيرة في الفئة إذا افترقت الأمة، ولا في الطائفتين اللتين
نزل فيهما وفي أشباههما القرآن، ولا في الخوارج إذا هزمهم المسلمون قتل
أسيرهم والإجازة على جريحهم.
قال أبو بكر: وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه قولاً يوافق قول
الأوزاعي، والنعمان.
وروينا عن ابن عباس أنه سئل عن أناس من الخوارج: "قالوا فهزمناهم أنقتلهم؟
قال: اقتلهم ما كانت لهم فئة يرجعون إليها.
فإن لم يكن لهم فئة فلا تقتلوا مدبراً ولا مقبلاً".
وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ودى قوماً من بيت مال
المسلمين قتلوا مدبرين.
1 - باب ما أصاب أهل التأويل من الخوارج وغيرهم
من مال أو دم على وجه التأويل، أو أصاب أهل العدل منهم
قال أبو بكر:
م 5395 - واختلفوا فيما يصيبه كلُّ فريق من أهل العدل والخوارج [2/
333/ألف] بعضهم من بعض، من دم أو مال على وجه التأويل.
فقالت طائفة: إذا التقت الفئتان فما كان بينهم من دم، أو جراحة فهو هدر،
ألا تسمع إلى قوله الله عز وجل: {وإن
(8/222)
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
روينا هذا القول عن سعيد بن المسيب.
وقال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: الدماء موضوعة عنهم، وأما الأموال
فرأيي إن وجدوا شيئاً بعينه أخذوه، قال: ولم يُتْبَعوا بشيء مما استهلكوه،
لأنهم إنما استهلكوه على التأويل.
وقال الشافعي (1): "وما أصابوا في هذه الحال -يعني أهل البغي- على وجهين:
أحدهما: ما أصابوا من دم، أو مال، أو فرج على التأويل، ثم ظهر عليهم بعد
ذلك، لم يقم عليهم منه شيء، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ.
والوجه الثاني: "ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد الله أو للناس، ثم
ظُهِر عليهم رأيتُ أن يُقام عليهم كما يقام على
__________
(1) في الأصل "الشعبى" والتصويب من الدار.
(8/223)
غيرهم ممن هرب من حدٍّ، أو أصابه وهو في
بلاد لا والي لها، ثم جاءها والٍ.
وقال أصحاب الرأي: نحوا مما قال الشافعي في الدم والمال، وكذلك لا يؤخذ
للخوارج ما أصاب أهل الجماعة منهم من دم أو مال إلا أن يوجد مال بعينه فيرد
عليهم.
وقال الأوزاعي: إن كانت الفئتان اللتان إحداهما باغية والأخرى عادلة في
سواد العامة، وإمام الجماعة المصلح (1) بينهما، يأخذ من الباغية على الأخرى
ما أصابت منها بالقصاص في القتل والجراحة كما [كان] (2) أمر تَيْنِك -
الطائفتين اللتين نزل فيهما القرآن إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
وإلى الولاة.
2 - باب اختلاف أهل العلم في أموال أهل البغي
قال أبو بكر:
م 5396 - اختلف أهل العلم في أموال أهل البغي إذا وجدها الإمام بعينه في
أيدي ناس من المسلمين (3).
__________
(1) وفي الدار "وأقام الجماعة الصلح".
(2) الزيادة من المحلى.
(3) وفي الدار "في أيدي المسلمين".
(8/224)
فقالت طائفة: ما كان من مال بعينه (1)
فَرَدُّه على أصحابه [2/ 333/ب] يجب؛ لأنه مال مسلم. هذا قول الشافعي.
قال أبو بكر: ومن الحجة لهذا القول "أن علياً رضي الله عنه عرف ربة (2) أهل
النهر (3)، فقال: من عرف شيئاً فليأخذه، قال: فبقيت قدر قريباً من شهرين ثم
جاء رجل فأخذها، أو قال: ثم جاء صاحبها فأخذها".
قال أبو بكر: وفيه قول ثان "وهو أن أموالهم تغنم- يعني الخوارج- هذا قول
طائفة من أهل الحديث، ولا أعلم أحداً وافقهم على هذه المقالة.
واحتج قائله بأخبار رويناها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر
الخوارج (4).
(ح 1692) منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم".
__________
(1) وفي الدار "ما كان من مال بعينه فإنه دم فرده على أصحابه".
(2) في هامش المخطوطة الرثة: إسقاط البيت من الخقان، والرِّثّ: الخلق من كل
شيء وهو يرث رثاثة ورثوثة.
(3) وفي الدار "أن علياً سئل عن ورثة أهل النهر".
(4) وفي الدار "في الخوارج".
(8/225)
(ح 1693) وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون إليه".
(ح 1694) وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل
عاد وإرم".
(ح 1695) واحتج بما في خبر أبي ذر: "هم شر الخلق والخليقة".
قال: فلا يجوز أن يقول قائل: هم من خير البرية، وإنما قال الله عز وجل:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ
الْبَرِيَّةِ}، وقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: هم شر الخلق،
والخليقة" (1).
واحتج بأشياء فرق بها بين قتال أهل البغي، وبين قتال الخوارج.
3 - باب الفئتين تلتقيان (2) فيقتل بينهما قتيل والقاتل وارثه
قال أبو بكر:
__________
(1) في الأصل "شر الخلق، والخليقة" من الدار.
(2) وفي الدار "ذكر الطائفنين تقتتلان".
(8/226)
م 5397 - واختلفوا في الرجلين يلتقيان من
الفئتين فيقتل أحدهما الآخر، وهو وارثه.
فقالت طائفة: لا يرثه، كذلك قال الأوزاعي.
وبه قال الشافعي، قال: يرثهما ورثتهما غير القاتلين.
وفيه قول ثان: وهو أنه يرثه لأنه قتله على تأويل هذا قول النعمان.
وفيه قول ثالث: وهو أن الخارج إذا قتل أخاه من أهل الجماعة لم يرثه، وإذا
قتل الذي من أهل الجماعة أخاه وهو مع الخوارج ورثه.
حكى هذا القول عن يعقوب، وزُفَر (1).
وقال قائل: لا يحل لمن كان من أهل العدل قتل أبيه أو أخيه، أو ذي رحم من
أهل البغي بالقصد منه إليه. فإن تعمد ضربه ليصيره غير ممتنع من الوصول إلى
أخذ الحق منه: لم أره بذلك حرجاً، وكرهت له ذلك.
إذا ضربه على هذا الوجه فمات من ذلك الضرب فله منه الميراث، كالإمام يأمر
رجلاً بإقامة حد وجب على أبيه أو وارثه، فيفعل فيموت من ضربه [2/ 334/ألف]
إياه الحد، فيكون له منه الميراث.
__________
(1) "وزفر" ساقط من الدار.
(8/227)
وإن تعمد قَتْلَه فلا ميراث له، لأنه تعمد
إلى قتله: ولا ميراث لقاتل العمد، لأنهم مجمعون عليه.
وإن كان الضارب من أهل البغي الضرب الذي أبحنا للعدلي أن يضربه الباغي،
فقتل الرجل من أهل الجماعة، فمات المضروب لم يَرْثُه لأنه قاتلٌ ظلماً.
قال أبو بكر: هذا القول أحسنهما وأشبههما بالنظر.
4 - باب الصلاة على من قتل من الفريقين في
المعركة
قال أبو بكر:
م 5398 - واختلفوا في الصلاة على من قتل من الفريقين في المعركة.
فكان الشافعي يقول: "أهل البغي إذا قتلوا في المعركة، فإنهم يغسلون ويصلى
عليهم، ويصنع بهم ما يصنع بالموتى.
وإذا قتل أهل البغي أهل العدل في المعركة ففيها قولان:
أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم، ولا يصلى عليهم.
والقول الثاني: أن يصلى عليهم.
وفي قول الأوزاعي: يصلى على قتلى الطائفتين جميعاً.
وفيه قول ثان، وهو قول أصحاب الرأي: إن قتل أهل الجماعة بعض الخوارج
وللخوارج فئة، لم يصل على قتلى الخوارج، فإذا
(8/228)
انقطعت الحربُ ولم يكن للخوارج فئة، فلا
بأس أن يغسل أهل الجماعة من قتل من (1) ذوي قرابته من الخوارج ويكفنه ويصلى
عليه، ويدفنه.
ومن قتل من أهل الجماعة فهو بمنزلة الشهيد، لا يغسل، ويدفن في ثيابه، ويصلى
عليه ويدفن.
قال أبو بكر: يصلى على الفريقين، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - عمّ
بالأمر بالصلاة الناس كلهم، واستثنى بسنته الشهداء الذين قتلهم المشركون.
م 5399 - قال مالك في القدرية، والإباضية: لا يصلى على موتاهم ولا تتبع
جنائزهم ولا يعاد مريضهم.
وقال مالك في الإباضية، والحرورية، وأهل الأهواء كلهم: "أرى أن يستتابوا
فإن تابوا، وإلا قتلوا".
5 - باب أقضية الخوارج
قال أبو بكر:
م 5400 - واختلفوا (2) في أقضية قاضي الخوارج إذا ظهر أهلُ العدل عليهم.
__________
(1) وفي الدار "من قتل ذوي قرابته".
(2) "واختلفوا" ساقط من الدار.
(8/229)
فكان الشافعي يقول: "إذا ظهر أهل [2/
334/ب] البغي على بلد من بلدان المسلمين، فأقام إمامهم على أحد حداً لله أو
للناس، فأصاب في إقامته، أو أخذ صدقات المسلمين، ثم ظهر أهل العدل عليهم لم
يعودوا عفى من حده إمام أهل البغي بحد، ولا (1) على من أخذوا صدقته بصدقة.
وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب، لم يعد على من أخذوه منه".
وقالت طائفة: لو أن قاضياً للخوارج قضى بين رجلين بقضية وهو في عسكر
الخوارج، ثم اختصموا في ذلك إلى قاضي أهل الجماعة، لم يجز ذلك.
وإن كتب قاضي الخوارج كتاباً إلى قاضي أهل الجماعة في حق لرجل قد قامت به
بينة عنده من الخوارج أو من غيرهم فلا ينبغي لقاضي أهل الجماعة أن ينفذ
كتابه، ولا يقبله (2)، هذا قول أصحاب الرأي.
6 - باب الاستعانة بأهل الذمة وبأهل الحرب على
أهل البغي
قال أبو بكر:
م 5401 - واختلفوا في الاستعانة بأهل الذمة على أهل البغي.
__________
(1) وفي الدار "وعلى من أخذوا".
(2) "ولا يقبله" ساقط من الدار.
(8/230)
فكان الشافعي يقول: "لا يجوز لأهل العدل أن
يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين، ذمي ولا حربي، ولا أحب أن
أقاتلهم- يعني أهل البغي- أيضاً بأحد يستحل قتلهم مدبرين، وجرحى، وأسرى من
المسلمين".
وفيه قول ثان وهو: أن لا بأس أن يستعينوا عليهم بأناس من أهل الذمة، وكذلك
يستعينوا عليهم بأناس من أهل الحرب قد دخلوا دار الإِسلام بأمان، وكذلك
يستعينوا عليهم بصنف من الخوارج مخالفين للذين خرجوا، إذا كان أهل الحد هم
الظاهرين على الذين يستعينون هم على الخوارج. هذا قول أصحاب الرأي.
7 - باب الرجال من أهل العدل يكونون في عسكر
أهل البغي، والرجال من أهل البغى يكونون في عسكر أهل العدل
قال أبو بكر:
م 5402 - كان الشافعي يقول: "لو أن رجلاً من أهل العدل قتل رجلاً من أهل
العدل (1) في شغل الحرب وعسكر أهل العدل. فقال: أخطأت به (2)
__________
(1) "قتل رجلاً من أهل العدل" ساقط من الدار.
(2) "به" ساقط من الدار.
(8/231)
ظننته من أهل البغي. استحلف وضمن ديته. ولو
قال: عمدته.
أقيد منه، [2/ 335/ألف].
وكذلك إذا صار من أهل العدل بعض أهل البغى تائباً، مجاهداً أهل البغى، أو
تاركاً للحرب وإن لم يجاهد أهل البغي، فقتله بعض أهل العدل، وقال: قد عرفته
بالبغى وكنت أراه إنما صار إلينا لينال
من بعضنا غرة فقتلته، أحلف على ذلك وضمن ديته. وإن لم يدع هذه الشبهة، أقيد
منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل، فحكمه حكمهم".
وفيه قول ثان: في القوم من أهل الجماعة اقتتلوا هم والخوارج، وفي عسكر
الخوارج قوم من أهل الجماعة، فقتل بعض أهل الجماعة بعض الذين في عسكر أهل
البغي من أهل الجماعة، لم يكن في ذلك دية ولا كفارة، كان المقتول دخل إليهم
بأمان أو بغير أمان.
وكذلك إن غصب بعضهم مال بعض أو جرح، كان ذلك كله ساقطًا لا يتبع بعضهم
بعضاً به إذا غلب أهل الجماعة عليهم. هذا قول أصحاب الرأي.
8 - مسائل من كتاب (1) قتال أهل البغي
قال أبو بكر:
__________
(1) وفي الدار "من باب قتال".
(8/232)
م 5403 - وإذا قاتلت المرأة والعبد مع أهل
البغي، والغلام المراهق، فهو مثل رجالهم يقاتلون مقبلين، ويتركون مدبرين
"في قول الشافعي، أبي ثور.
وقال النعمان في النساء يقاتلن كما قال الشافعي.
قال أبو بكر:
م 5404 - وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى للإمام إذا سأله أهل البغي
النظرة لينظر في أمرهم، ورجا رجوعهم عما هم عليه إلى رأي أهل العدل: أن
ينظرهم.
قال أبو بكر:
م 5405 - وإذا تحصن الخوارج، واحتاج الإمام إلى رميهم بالمجانيق، والعرادات
(1)، فعل الإمام بهم ذلك كله ما كان لهم عسكر، وما لم يهزموا في قول
النعمان.
وقال الشافعي فيما ذكره النعمان: قد قيل ذلك. قال: "وأحب إلى أن يتوقى ذلك
فيهم ما لم يكن بالإمام ضرورة إليه.
والضرورة إليه: أن يكون بإزاء قوم متحصناً، فيفزوه، أو يحرقوه، أو يرموه
بمجانيقَ أو عَرّادات، أو يحيطوا به، فيخافَ الاصطلامَ على من معه.
__________
(1) وفي الدار "والدعادات".
(8/233)
فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم
بالمجانيق والنار، دفعاً عن نفسه، أو معاقبة بمثل ما فعل به".
قال أبو بكر:
م 5406 - وأمان (1) العبد المسلم جائز لأهل البغي وأهل الحرب، وكذلك المرأة
المسلمة، في قول الشافعي.
وفي قول النعمان: إذا كان العبد يقاتل جاز أمانه، وإن لم يقاتل لم يَجُزْ
أمانه.
قال أبو بكر: أمان العبد جائز، قاتل أو لم يقاتل على ظاهر:
(ح 1696) قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "ويسعى بذمتهم أدناهم".
وقد ذكرت هذه المسأله في كتاب الجهاد.
م 5407 - وقال الشافعي: "إذا غزا أهل البغي المشركين، مع أهل العدل،
والتقوا في بلادهم فاجتمعوا، ثم قاتلوا معاً: فإن كان لكل واحد من
الطائفتين إمام، فأهل البغي كأهل العدل، جماعتهم كجماعتهم، وواحدهم كواحدهم
في كل شيء ليس الخمس.
فإن أمن أحدهم عبداً كان أو حراً أو امرأة منهم جاز أمانه، وإن قتل أحدٌ
منهم في الإقبال كان له السَّلَبُ".
__________
(1) وفي الدار "وأما أن".
(8/234)
قال أبو بكر: وحفظي عن أصحاب الرأي أنهم
قالوا كذلك.
قال أبو بكر: وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "إني لا
أمنعهم نصيبهم من الفيء، ولا أبدؤهم بشيء حتى يبدؤوني، ولا أمنعهم مساجد
الله أن يذكروا فيها اسمه.
قال أبو بكر:
م 5408 - وإذا قصد قوم من أهل الحرب حصناً فيه ناس من أهل البغي فعلى
الإمام دفعهم عن الحصين، فإن أخذوا منهم ناساً فأمكن الإمام استنقاذَ أولئك
منهم، وجب عليه أن يستخرج من بأيديهم من الأسارى (1) من أهل البغي.
قال أبو بكر:
م 5409 - ولو أن إماماً من أهل العدل والذي يتولى أمر الفئة الباغية
تَوادعوا وتوافقوا على أن يدفع كل فريق منهم إلى الآخر (2) رهناً من
الرجال، ثم غدر أهل البغي بمن (3) كان عندهم من أهل العدل، فقتلوهم، لم يجز
للإمام قتل أهل البغي الذين في يديه بجناية صاحبهم على أهل العدل. ولكنه
يحاربهم ليستخرج منهم الحق الذي يجب عليهم فيما تعدَّوْا وقتلوا.
__________
(1) "من الأسارى" ساقط من الدار.
(2) "إلى الآخر" ساقط من الدار.
(3) "بمن" ساقط من الدار.
(8/235)
وهذا على (1) مذاهب الشافعي، وغيره من
أصحابنا.
م 5410 - واختلفوا في دفع الزكاة إلى الخوارج.
ففي قول ابن عمر، وسلمة بن الأكوع، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور: يجزئ دفع
ذلك إليهم [2/ 336/ألف].
وقد قال أصحاب الرأي: إذا ظهروا على قوم أخذوا زكاة الإبل، ثم ظهر الإمام
عليهم احتسبوا لهم به من الصدقة.
وإذا مر الإنسان على عسكر الخوارج، ولهم عاشر فعشره، لا بحسبه من زكاته،
وهذا لا يجزئ عنه من زكاة ماله.
قال أبو بكر: وانفرد أبو عبيد فقال: الذي أختار في أمر الخوارج فإنه يكون
على من أخدوا منه -يعني الزكاة- الإعادة.
قال أبو بكر: يجزئ ذلك من أخذوا منه. ولا معنى لقول أبي عبيد هذا.
9 - باب الحال التي يجب على المرء القتالُ فيه أيام الفتن، والحال التي يجب
على المرء الوقوف عن القتال فيه وكف يده ولسانه
قال أبو بكر:
م 5411 - إذا صحت الخلافة للإمام، وبايعه الجميع، فخرج عليه رجل ممن بايعه
طائعاً غير مكره، ليقاتله، فعلى الناس معونة إمامهم وقتل من
__________
(1) "على" ساقط من الدار.
(8/236)
خرج عليه، للأخبار التي ثبتت (1) عن رسول
الله-صلى الله عليه وسلم- فيها بيان ذلك، هذا أحد الوجهين.
والوجه الثاني: أن يفترق الناس فرقتين، يعقد كل فريق منهم لرجل الخلافة.
ويمتنع كل فريق منهما بجماعة يكثر عددهم ويشكل أمرهما.
فعلى الناس عند ذلك الوقوف عن القتال مع أحد من الطائفتين للأخبار التي
جاءت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في ذلك. وقد ذكرت (2) الأخبار في ذلك
بأسانيدها في مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف.
10 - باب الوجه الأول من الوجهين
في حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه، فَلْيُطِعْهُ فيما استطاع، فإن جاء
آخرُ ينازعه فاضربوا عنق الآخر".
__________
(1) وفي الدار "رويت".
(2) وفي الدار " وقد ذكرت أسانيدها".
(8/237)
(ح 1697) وفي حديث أبي سعيد الخدري عن
النبي- صلى الله عليه وسلم -: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما".
(ح 1698) وفي حديث عرفجة قال (1): قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
[2/ 336 /ب] ستكون هنات وهنات- ورفع بها صوته- إلا من خرج على (2) أمتي
وأمرهم جميع، فأضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان".
11 - باب الوجه (3) الثاني الذي يجب على الناس الوقوف عن القتال فيه وطلب
السلامة منه
قال أبو بكر:
(ح 1699) في حديث عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ - قلت: ما
خار الله لي ورسوله. قال: عليك بمن أنت منه، قال: قلت: يا رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - أفلا آخذ سيفي فأضعه على
عاتقي؟ قال: شاركت إذن، قلت: لهما تأمرني به؟ قال: تلزم
__________
(1) وفي الدار "وفي حديث عرفجة: ستكون هنات وهنات- ورفع بها صوته- قال: قال
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إلا من" ... الحديث.
(2) وفي الدار "عن أمتي".
(3) وفي الدار "الخبر الذي يجب".
(8/238)
بيتك، قلت: (1) إن دُخِل عليّ؟ قال: إن
خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداءك على وجهك يبؤ بإثمه وإثمك".
(ح 1700) وفي حديث سعيد بن أبي وقاص أنه قال عند قتلهم عثمان بن عفان رضي
الله عنه "أشهد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ستكون فتنة
القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي.
فقيل له: أرأيت إن دخل على بيتي وبسط إلي يده ليقتلني؟
قال: كن كابن آدم".
(ح 1701) وفي حديث أهبان بن صيفي: "أنه قال لعلي رضي الله عنه وقد قال له:
ما يمنعك مِن اتِّباعي؟ قال: أوصاني خليلي وابن عمك، قال: إنها ستكون فتن
وفرقة، إذا كان كذلك فاكسر سيفك، واتخذ سيفاً من خشب، وقد فعلت".
وقد ذكرنا هذه الأخبار عن محمد بن سلمة، وأبي بكرة، وأبي هريرة، بأسانيدها
في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب.
__________
(1) في الأصلين: "قال" والتصويب من سنن أبي داود.
(8/239)
وممن اعتزل من أصحاب رسول الله-صلى الله
عليه وسلم- في فتنة كانت فيما مضى: سعد بن أبي وقاص، وأبو موسى الأشعري،
ومحمد بن سلمة، وابن عمر رضي الله عنهم.
وقد ذكرت أخباراً تدل على فضل العزلة في الفتن، وسائر الأوقات التي (1)
تركت ذكرها ها هنا.
__________
(1) "التي" ساقط من الدار.
(8/240)
|