الإشراف
على مذاهب العلماء 101 - كتاب الوكالة
قال أبو بكر:
(ح 1728) ثبت الوكالةُ في خبر فاطمة بنت قيس: أنها كانت عند رجل من بني
مخزوم، فطلقها ثلاثا وخرج إلى بعض المغازي وأمر وكيلاً أن يعطيها بعض
النفقة، فاستقلّتها، فانطلقت إلى إحدى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي عندها، وذكر باقي الحديث.
(ح 1729) وفي حديث عروة بن أبي الجعد الباقي "أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أعطاه ديناراً
يشتري به أضحية أو شاةً، فاشترى به اثنتين، فباع احداهما بدينار، وأتاه
بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه".
قال أبو بكر: ولو احتج محتج في إثبات الوكاله بقول الله عز وجل: {وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
الآية: كان مذهباً (1)، لأن الحكام الباعثين بالحكمين يجعلون إليهما أمر
الزوجين.
__________
(1) "كان مذهبا" ساقط من الدار.
(8/279)
ألا ترى إلى قول ابن عباس: بعثت أنا
ومعاوية حكمين.
يقال: إن الذي بعثهما عثمان بن عفان رضي الله عنه.
م 5445 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمريض العاجز عن
الخروج إلى مجلس الحكم (1)، وللغائب عن المصر: أن يوكل كل واحد منهما
وكيلاً يطالب له بحقه ويتكلم عنه.
1 - باب وكالة الحاضر الصحيح البدن
قال أبو بكر:
م 5446 - اختلف أهل العلم في وكالة الحاضر من الرجال والنساء.
فقالت طائفة: تقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء، في العذر وغير
العذر، هذا قول الشافعي.
وذكر أن علي بن أبي طالب وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب
حاضر، فقبل ذلك عثمان.
وقد كان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب.
قال أبو بكر: وهذا قول [2/ 345/ألف] ابن أبي ليلى، ويعقوب، ومحمد.
__________
(1) وفي الدار "مجلس الحاكم".
(8/280)
وقال النعمان: لا يقبل ذلك من المقيم
بالبلد إلا برضا من خصمه، إلا أن يكون مريضاً.
وإن كان غائباً فلا يقبل له وكيل إلا أن تكون غيبته مسيرة ثلاثة أيام
فصاعداً، فتقبل منه الوكالة.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لأنهم كالمجمعين على أن للرجل الحاضر أن
يوكل ببيع عبد له أو سلعة، وبشراء ذلك.
وإذا جاز عند جميعهم أن يوكل بالبيع والشراء من شاء، جاز أن يوكل بالخصومة
وبقبض الدين، لا فرق بين ذلك.
2 - باب (1) توكيل الرجل والمرأة، والصبي (2)، والعبد
م 5447 - واختلفوا في الصبي يُوكَّل بطلب حقوقه.
ففي قول الشافعي: لا تجوز وكالة غير البالغ، ولا المعتوه.
وقال أصحاب الرأي: وكالة الصبي لا تجوز إلا أن يكون الصبيُّ تاجراً، قد أذن
له أبوه في ذلك، فيوكّلَ في شيء من تجارته فهو جائز.
م 5448 - وقالوا: إذا وكل الرجل الصبي بالخصومة بعد أن يكون صبياً يعقل،
فهو وكيله، فإن قضي عليه بشهادة شهود فهو جائز.
م 5449 - وإن كان الصبيُ ليس بابنه، فليس ينبغي له أن يوكله إلا يإذن الأب.
__________
(1) كلمة "باب" ساقطة من الدار.
(2) "والصبي" ساقط من الدار.
(8/281)
قال أبو بكر:
م 5450 - ويجوز أن يوكل الرجل المرأة، والمرأة توكل (1) الرجل.
في قول أصحاب الرأي، وهو (2) مذهب الشافعي.
وبه أقول.
م 5451 - [ويوكل المسلم الذمي، والذمي المسلم. في قول الشافعي، وأصحاب
الرأي.
وبه نقول] (3).
م 5452 - وكذلك الحر يوكل عبده وعبد غيره بإذن مواليه. في قولهم جميعاً.
م 5453 - والمكاتب مثل العبد في ذلك.
م 5454 - وإذا وكل الرجل زوجته، ثم طلقها ثلاثاً، فالوكاله على حالها. في
قول أصحاب الرأي، وهو قياس قول الشافعي.
وله نقول.
م 5455 - وإذا وكل عبده أو عبد غيره بإذن مواليه، ثم باع مولى العبد العبد،
بان رضي المشتري أن يكون على الوكاله، كان، وإن لم يرض بذلك لم يجبر على
الوكاله.
م 5456 - وإذا وكل المسلم الحربي المستأمن، أو وكل الحربي المستأمن المسلم،
فهو جائز.
__________
(1) "توكل" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "وفي مذهب".
(3) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/282)
م 5457 - وإذا وكل الرجلُ الرجلَ في خصومة،
ثم ذهب عقل الذي وكل ذهابا دائماً (1)، فقد خرج الوكيل من الوكالة. وهذا
قولنا وقول أصحاب الرأي.
م 5458 - فإن ذهب عقله ساعة، ثم ثاب إليه العقل، أو جن ساعة، ثم أفاق: فقد
زالت الوكالة قولنا.
وقال أصحاب الرأي: هو على الوكالة.
فرقوا بين القليل [2/ 345/ب] والكثير منه، ثم قالوا هما في القياس سواء ولا
فرق عندي بينهما.
ويلزم الكوفي أن تزول الوكالة إذا ذهب عقله ساعة، ثم أفاق، لأنه ذكر أنه
القياس.
م 5459 - وقد أجمع أهل العلم على أن الموكل إذا مات أن وكالة الوكيل تنفسخ
بموته.
م 5460 - وأجمعوا جميعاً على أن نومهما، أو نوم أحدهما لا يبطل الوكالة.
3 - باب إقرار الوكيل على مَن وكله به (2)
قال أبو بكر:
م 5461 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرارَ الوكيل الذي
__________
(1) وفي حاشية الدار "ذهاباً تاماً".
(2) "به" ساقط من الدار.
(8/283)
جعل إليه الموكِّل أن يقر عليه، جائز.
م 5462 - واختلفوا في الرجل يوكل الرجل بخصومة، وأثبت الوكالة عند القاضي،
ثم أقر على صاحبه الذي وكله، أن الخصومة التي ادعاها المدعي حق، فكان
الشافعي يقول: إقراره باطل، وبه قال
ابن أبي ليلى.
وفيه قول ثان وهو: أن إقراره لا يجوز عليه إلا عند القاضي، وأما عند غيره
فلا يجوز. هذا قول النعمان، ومحمد.
وفيه قول ثالث وهو: أن إقراره جائز عند القاضي وغيره، وتُقبل البيّنة عليه
بذلك. هذا قول يعقوب.
قال أبو بكر: والقول الأول أصح (1).
4 - باب الوكالة في الحدود والقصاص
قال أبو بكر:
م 5463 - واختلفوا في التوكيل بطلب القصاص، والحدود، والسلعة ترد بعيب.
فكان النعمان يقول: لا تقبل الوكالة في الحدود، والقصاص، والسلعة ترد بعيب،
لأنه لا بد أن يحضر المشتري فيحلف، إذا ادعى الخصم أنه قد رضي.
وحكى الشافعي عن النعمان أنه قال في القصاص والحدود: لا تقبل في ذلك وكالة،
وبه يأخذ -يعني يعقوب-.
__________
(1) وفي الدار "صحيح".
(8/284)
وحكى يعقوب عن النعمان أنه قال: أقبل من
الوكيل البينة في الدعوى في الحدود، والقصاص، ولا أقيم الحد، والقصاص حتى
يحضر المدعي.
وبه قال الشافعي.
وكان ابن أبي ليلى يقبل في ذلك الوكالة.
ووافق بعض أهل النظر ابن أبي ليلى على مذهبه، وقال: لا فرق بين الحدود
والقصاص والديون إلا أن يدّعي (1) الخصم أن صاحبه قد عفا، فيوقف عن النظر
فيه (2) حتى يحضرَ.
5 - باب إثبات الوكالة وليس الخصم بحاضر وغير
ذلك
قال أبو بكر:
م 5464 - واختلفوا في إثبات الوكالة، وليس معه خصمٌ حاضر.
ففي قول النعمان: لا تثبت وكالته [2/ 346/ألف]، إلا أن يأتي معه بخصم، وبه
قال يعقوب.
وفي قول ابن أبي ليلى، والشافعي: تقبل الوكالة وتثبت وإن لم يكن خصمٌ حاضر.
قول الشافعي، وابن أبي ليلى أصح.
__________
(1) وفي الدار "يذكر".
(2) "فيه" ساقط من الدار.
(8/285)
م 5465 - وأجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل
العلم على أن الوكيل إذا أراد أن يوكل به غيره، [وقد (1) جعل الموكل ذلك
إليه في كتاب الوكالة: أن له أن يوكل به غيره].
م 5466 - واختلفوا فيه إن لم يكن جعل ذلك إليه.
ففي قول الشافعي والنعمان ويعقوب ليس ذلك له.
وفي قول ابن أبي ليلى: له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب أو مرض، إذا كان
صحيحاً حاضراً فلا
قال أبو بكر: الأول أصح.
م 5467 - وإذا ادعى أنه وكيل لرجل، فصدقه الخصم ودفع إليه مالاً عليه للذي
ذكر أنه وكله.
فكان ابن أبي ليلى، والشافعي لا يجبرانه على دفع المال إليه.
وقال النعمان، ويعقوب: يجبر على دفع المال إليه.
قال أبو بكر: قول ابن أبي ليلى أصح (2).
م 5468 - وإذا وكل الرجل الرجل بكل قليل وكثير.
فإن ابن أبي ليلى كان يقول: إذا باع داراً أو غيرها كان جائزاً.
ولا يجوز ذلك في قول النعمان (3) والشافعي.
قال أبو بكر: وهذا أصح، لأنه كلام مجهول لا يوقف (4) على معناه.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) وفي الدار "صحيح".
(3) في الأصل "ابن أبي ليلي"، والتصحيح من الدار.
(4) وفي الدار "لا يوجد".
(8/286)
6 - باب إذا وكله ببيع سلعة فاشتراها من
(1) نفسه وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 5469 - واختلفوا في الرجل يوكّل ببيع سلعة فيبيعها من نفسه.
ففى قول مالك، والثوري، والشافعي، والنعمان، وأصحابه: البيع باطل.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
م 5470 - وقد روينا عن ابن مسعود أنه قال في رجل أوصى إلى رجل بتركته- وقد
ترك فرساً- فقال الوصي: اشتريه؟. قال: لا.
وكان الشافعي والكوفي يجيزان للأب شراء مال (2) ابنه الطفل من نفسه.
وقد حُكي عن مالك، وعبيد الله بن الحسن أنهما كانا يجيزان بيع الوصي من
نفسه، فيما للأيتام فيه حظ.
م 5471 - ولا يجوز في مذهب الشافعي أن يبيع الرجل السلعة التي وكل ببيعها
من عبده، ولا من أمته، لأن ذلك بمنزلة بيعه من نفسه.
م 5472 - وإذا وكل الرجل ببيع داره، وإجازة عبده رجلين، فباع أحدُهما دون
الآخر: فالبيع فاسد في قول الشافعي، والكوفي.
وكذلك نقول.
__________
(1) وفي الدار "فاشتراها هو نفسه".
(2) "مال" ساقط من الدار.
(8/287)
والأصل في ذلك: قوله عز وجل: {وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا}.
فإن اختلف الحكمان ففرق أحدهما بينهما دون الآخر لم يجز.
م 5473 - واختلفوا في الرجل يأمر الرجلين ببيع شيء، فباعاه [2/ 346/ب] بما
لا يتغابن الناس بمثله.
ففي قول مالك، والشافعي، ويعقوب، ومحمد: إذا باعا وحطا من الثمن مالاً
يتغابن الناس بمثله (1) فهو باطل.
فإن كانت السلعة قائمة ردت وفسخ البيع.
م 5474 - وإن كانت مستهلكة ففي قول مالك، والشافعي: على الذي قبض السلعة
القيمة.
ولا أدري ما يقول الآخران فيه.
وقال النعمان: إذا باعا جميعاً بثمن يسير فإنه جائز، وإن باعا بدرهم شيئاً
يساوي ألفاً.
م 5475 - وقال النعمان: إن وكلهما أن يشتريا له شيئاً، فزاد على الثمن
مالاً يتغابن الناس في مثله، فإنه يلزمه (2).
وقال: البيع والشراء في ذلك مختلف، في قول النعمان.
وفي قول يعقوب، ومحمد، هما سواء، لا يجوز على الآمر إلا ما يتغابن الناس في
فله.
__________
(1) "ففي قول مالك .. إلى قوله: الناس بمثله" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "فإنه لا يلزمه".
(8/288)
وهذا قول الشافعي.
قال أبو بكر:
م 5476 - ولا أعلمهم يختلفون أنه إذا سمى له ثمناً في البيع والشراء، فخالف
الوكيل: أن ذلك غير جائز.
م 5477 - وإذا وكله ببيع عبد له، فباع نصفه من رجل، ثم باع النصف الآخر من
آخر فهو جائز.
م 5478 - وإن باع نصفه ولم يبع ما بقي.
فإن هذا لا يجوز في قول يعقوب، ومحمد.
ويجوز في قول النعمان.
قال أبو بكر: لا يجوز شيء من ذلك، لأنه لم يأمره ببيع النصف، إنما أمره
ببيع الكل. فإذا باع البعض فالبيع باطل، ولو باع الباقي فالبيع أيضاً باطل،
لأنه خالفه في الأول والثاني.
ثم ترك النعمان ما قال: فقال: لو أمره أن يشتري له عبداً فاشترى نصفه لم
يجز على الآمر.
ففرق بين ما لا يفترق بغير حجة.
7 - مسائل
قال أبو بكر:
م 5479 - وإذا وكل الرجل ببيع سلعةٍ من السلع فباعها بالأغلب من
(8/289)
نقد البلد، دنانير كان أو دراهم، فالبيع
جائز، لا أعلمهم يختلفون فيه.
م 5480 - فإن باع السلعة بغير الدنانير والدراهم، فقد اختلفوا فيه.
فكان الشافعي، ويعقوب، ومحمد، وأبو ثور يقولون: البيع باطل.
وقال النعمان: البيع جائز بما باعه به مما يكون ثمناً، أجاز ذلك الموكل أو
لم يجز له ذلك.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
م 5481 - فإن كان وكله بالبيع، فباع بالدنانير أو الدراهم غير أنه باعه
بنسيئة.
فالبيع في ذلك باطل، على قول مالك، والشافعي، ويعقوب، ومحمد، وأبي ثور.
وفي قول النعمان: البيع جائز، أجاز له ما باع به، أو لم يجزه، إذا وكله
بالبيع.
قال أبو بكر: بقول مالك أقول.
م 5482 - وإذا وكل الرجل رجلاً بإجارة عبد له في عمل معلوم، فأجره في غير
ذلك [2/ 347/ألف] العمل، أو وكله أن يؤاجره من فلان فآجره من غيره، أو أمره
أن يبيعه من فلان فباعه من غيره.
فذلك كله باطل غير جائز في قول الشافعي، وأبي ثور.
م 5483 - فإن تلف العبد بيد من قبضه منه فالوكيل ضامن لقيمة العبد. وبه
قال الشافعي، وأبو ثور.
(8/290)
وكذلك قال النعمان وأصحابه، إلا أنهم
قالوا: إن أجر الوكيل العبد في غير العمل الذي أذن له فيه المولى أن يؤاجره
فيه: ضمن وكان الأجر له، ويتصدق به.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
8 - باب إذا عزل الوكيل وهو لا يعلم وغير ذلك
من مسائل (1)
قال أبو بكر:
م 5484 - واختلفوا في الرجل يوكل الرجل بالخصومة، ثم عزله عنها بغير علم
منه ولا محضره، ثم قضي الوكيل، فجاء ببينة تشهد أنه عزله عن الوكالة غير
أنه لم يحضره ولم يعلم به.
ففي قول النعمان وأصحابه القضاء ماض نافذ على الوكيل.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: إذا باع ولم يعلم برجوعه فالبيع جائز، وإن علم
برجوع الموكل عن ذلك لم يجز بيعه.
وفيه قول ثان وهو: إن الوكالة تنفسخ وإن لم يعلم، ولا يجوز مما قضي عليه
ولا بيع (2).
م 5485 - واختلفوا في الرجل يوكل الرجل بقبض عبد له، وتثبت الوكالة، فادعى
العبد العتق، وأقام على ذلك البينة.
__________
(1) "من مسائل" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "ولا يباع".
(8/291)
فالذي يجب: أن ينفذ عتقه، ويكون المولى (1)
على حجة إن كانت له إذا حضر.
هذا مذهب من يرى القضاء على الغائب.
وقال أصحاب الرأي: لا يدفعه إلى الوكيل، ولا نقضي بالعتق، ولكنا نوقفه (2)،
لأنه لم يوكله بالخصومة في ذلك، إنما وكله بقبضه.
م 5486 - وكذلك لو وكله بإخراج امرأة له، فأقامت المرأة البينة أن زوجها
طلق ثلاثاً.
م 5487 - وكذلك لو وكله بقبض دار له، فأقام الذي في يده الدار البينة أنه
اشتراها من الذي وكله.
هذا قول النعمان.
م 5488 - قال: ولو وكله بقبض دين له، فأقام الغريم البينة أنه قد أوفاه
الطالب، قال أقبل ذلك منه.
وقال يعقوب: أوقف ذلك كله: الدين وغيره.
قال أبو بكر: والذي أقول به في المرأة: أن يثبت الحاكم بينتها ويحكم
بطلاقها، ويجعل الزوج على حجته إذا حضر.
ويدع الدار في يد من هي في يده.
ويبرئ الغريم من الدين. وكل من له حجة فعلى حجته إذا حضر.
__________
(1) وفي الدار "ويكون القول على حجة".
(2) في الأصل "نوافقه" وهذا من الدار.
(8/292)
9 - باب بيع الوكيل
سلعة فيها عيب
قال أبو بكر:
م 5489 - وإذا باع الوكيل عبداً أو سلعة من السلع، فظهر للمشتري فيها عيب
(1)، [2/ 347/ب] وأقام البينة أن الوكيل باعها وبها ذلك العيب، ولم يبرأ
منه إليه، فرد القاضي البيع وألزم الوكيل رد الثمن: لزم الأمر رد الثمن
ورجعت السلعة إليه. ولم يلزم المشتري شيء من ذلك، في قول كل من نحفظ عنه من
أهل العلم.
م 5490 - وإن لم يقم بينة وأراد المشتري يمين الوكيل فلم يحلف، فحلف
المشتري، فإنها ترد ويلزم الثمن الآمر.
وأصحاب الرأي يلزمون الوكيل رد الثمن بالنكول دون يمين المشتري.
قال أبو بكر:
م 5491 - وإن كان الوكيل البائع أبرأ المشتري من الثمن، أو وهبه له، أو
اشترى به منه متاعاً، أو كان الثمن دنانير فأخذ بها دراهم، أو كانت دراهم
أخذا بها دنانير، أو أخره به إلى وقت من الأوقات.
فذلك كله باطل لا يجوز، لأنه فعل ذلك فيما لا يملكه، وهو مال قد وجب للآمر
الموكل على المشتري، وليس للوكيل فيه شيء، ما فيه فباطل مردود، ولا يجوز من
ذلك كله شيء.
__________
(1) وفي الدار " فطعن المشتري فيها بعيب".
(8/293)
م 5492 - ولا أعلمهم يختلفون في رجل وكل
رجلاً بقبض دين له على آخر، فأبرأ الوكيل الغريم من الدين الذي عليه: أن
ذلك غير جائز، لأنه لا يملكه.
ولا فرق بين هذا وبين ثمن سلعة للموكل على المشتري.
وهذا قال يعقوب.
وقال النعمان (1)، ومحمد: كل ذلك جائز، والوكيل ضامن للثمن.
10 - باب الوكالة في شراء ما يجوز وما لا يجوز،
ووكالة الوصي
قال أبو بكر:
م 5493 - وإذا وكل الرجل الرجل أن يشتري جارية، أو عبداً: فلا يجوز ذلك في
قول أصحاب الرأي. قالوا: لأن العبيد، والجواري مختلفون.
م 5494 - فإن وكله أن يشتري له عبداً مولداً، أو حبشياً، أو سندياً، أو سمى
جنسا من الأجناس، فإن ذلك جائز عندهم، وكذلك الجارية.
فإن لم يسم جنسا من الأجناس، وسمى الثمن، فإن ذلك جائز أيضاً.
وتسمية الثمن، وتسمية الجنس سواء.
م 5496 - إذا وكله بشراء جارية وسمى جنساً وثمناً، فاشتراها له عمياء، أو
عوراء، أو مقطوعة اليدين، أو الرجلين، أو إحداهما، أو مقعدة.
فإن أبا حنيفة قال في ذلك: هو جائز على الآمر.
__________
(1) "وقال النعمان" ساقط من الدار.
(8/294)
وفي قول يعقوب، ومحمد: لا يجوز من ذلك
العمياء، والمقعدة، والمقطوعة اليدين أو الرجلين.
ولا يجوز القطعاء اليد والعوراء إذا اشتراها بمثل ثمنها، أو ما يتغابن
الناس فيه.
م 5497 - وكان مالك يقول: إذا أمر الرجل الرجل أن يشتري له جارية بأربعين،
فيزيد الدينار والدينارين قال مالك: ذلك جائزٌ لازمٌ للآمر.
والزيادة عند مالك بقدر ما يرى أنها تكون في تلك السلعة، وفي ذلك الثمن.
قال أبو بكر: وقياس قول الشافعي أن الآمر لا يلزمه ذلك، والشراء يلزم
الوكيل لأنه خالف ما أمر به الموكل [2/ 348/ألف].
م 5498 - ولو أن الموكل قال- بعد ما اشتراه بزيادة على الثمن الذي أمر به-:
قد رضيت به.
لم يلزم ذلك عند الشافعي. لأن الشراء لزم الوكيل لما خالف ما أمر به.
م 5499 - وإذا وكل وصي الأب وكيلين ببيع أو شراء فاشترى أحد أو باع:
لم يجز في قول أصحاب الرأي، والشافعي.
وبه نقول.
م 5500 - وإذا وكل الأب في مال ابنه الطفل وكيلاً ببيع أو شراء أو غير ذلك،
ثم مات الأب: انتُقِضَتْ الوكالة، وليس في هذا اختلاف.
(8/295)
11 - باب الوكالة في
بيع عبدين
قال أبو بكر:
م 5501 - وإذا وكل الرجل الرجل ببيع عبدين له بألف درهم، فباع أحدهما
بأربعمائة درهم.
فالبيع باطل، لأنه لم يبعهما بألف درهم كما أمره به.
وقال النعمان، وأصحابه: إن كان الأربعمائة حصته من الألف فالبيع جائز، وإن
كان أقل من ذلك لم يجز البيع.
م 5502 - وإن لم يكن سمى له ثمناً، فباعه بأقل من الثمن الذي يساوي: فهو
جائز- في قول النعمان- وإن باعه بدرهم.
ولا يجوز في قول أبي يوسف، ومحمد إلا أن يبيعه بما يبيع به الناس.
قال أبو بكر: وهذا أصح.
11 - باب الوكالة في بيع الخمر، والخنزير،
ومسائل
قال أبو بكر:
م 5503 - وإذا وكل المسلم الذمي ببيع خمر، أو خنزير، أو وكل الذمي المسلم
ببيع خمر أو خنزير: فإن الوكالة في ذلك كله غير جائزة، لأن الخمر والخنزير
لا يجوز بيعهما، ولا شراؤهما، ولا تنعقد الوكالة في شيء من ذلك، لأنه حرام
على المسلمين.
(8/296)
وقال النعمان: إذا وكل الذمى المسلم ببيع
خمر أو خترير، فباعه من ذمي فإنه لا يجوز من قبل أن المسلم هو ولي بيعه.
قال أبو بكر:
5504 - ولو كان الآمر مسلماً، والمأمور ذمياً، والمشتري ذمياً، جاز البيع
وكانت العهدة على الأمور ويرجع بها على الآمر، في قول النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: لا يجوز البيع لأن الخمر للآمر المسلم.
م 5505 - وإذا وكل الرجل صبياً لم يبلغ، أو محجوراً عليه في بيع أو شراء،
فباع أيهما باع منهما أو اشترى، فالشراء لا يجوز ولا البيع.
م 5506 - وإن وكل الرجل عبدا له بالبيع والشراء، فبيعه وشراؤه جائز.
م 5507 - وإن وكل عبدا لغيره بأن يبيع ويشتري، فإن كان أذن له مولاه في ذلك
فبيعه وشراؤه جائز. وإن لم يكن ذلك باذن سيده، لم يجز بيعه ولا شراؤه، لأنه
في أكثر من حال المحجور عليه.
م 5508 - وقال أصحاب الرأي: إذا وكل صبياً بالبيع والشراء وكان ذلك بإذن
أبيه فهو جائز.
قال أبو بكر: ولا يجوز ذلك عندي.
قال أبو بكر:
5509 - وإذا وكل الرجل وكيلا ببيع أو شراء، فالوكيل مؤتمن، فإن هلكت السلعة
عنده فلا [2/ 348/ب] ضمان عليه، ولو غصب ما في يديه غاصب فكذلك.
م 5510 - فإن كان الموكل وكله بقبض الثمن فله أن يقبض الثمن، فإن هلك الثمن
عنده فلا شيء عليه.
(8/297)
وإن لم يكن جعل عليه قبض الثمن، فقبض
الثمن، فتلف عنده، فهو ضامن، لأنه تعدى فقبض ما ليس له أن يقبضه، ولا يبرأ
المشتري من الثمن، وللموكل أن يطالب المشتري بالثمن إذا ثبتت البينة أن
السلعة للموكل.
م 5511 - فإن ادعى المشتري أنه جعل قبض الثمن إلى الوكيل حلف، ولم يبرأ
المشتري من الثمن حيث دفعه إلى مَنْ لم يؤمرْ بدفعه إليه.
13 - باب اختلاف الوكيل والموكل في الثمن
ومسائل (1)
قال أبو بكر:
م 5512 - وإذا وكل رجل رجلاً ببيع عبد له، فقال الوكيل: أمرتني أن أبيعه
بخمسمائة درهم. وقال الموكل: ما أمرتك أن تبيعه إلا بألف.
فالقول قول الموكل مع يمينه إذا لم تكن بينة تشهد على ما ذكره أحدهما، وهذا
على مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال ابن القاسم: إن باع السلعة بعشرة وادعى الوكيل ذلك، وقال الآخر: ما
أمرتك إلا بأحد عشر أو أكثر، قال مالك: إن ادركت السلعة حلف الآمر، وكان
القول قوله. وإن فاتت حلف المأمور أنه أمره بذلك، ولا شيءَ عليه.
__________
(1) "ومسائل" ساقط من الدار.
(8/298)
قال أبو بكر: القول الأول صحيح، ولا أعلم
مع مالك (1) حجةً فيما ذكروا (2).
م 5513 - وإذا وكل رجل رجلاً ببيع عبد له، فقال الموكل: قد أخرجتك من
الوكالة، وقال الوكيل: قد بعته أمس، فإن ثبتت بينة أنه باعه أمس كما ذكر
ثبت البيع، وإن لم يكن له بينة لم يجز
البيع، لأنه ادعى بعد أن عزل عن الوكالة أنه باعه فلا تقبل دعواه.
م 5514 - وإذا أمره بيع العبد، وأمره بالإشهاد على البيع، فباع ولم يشهد،
فالبيع جائز، في قول أصحاب الرأي، وهو قياس قول الشافعي- إذا كان البيع
بالنقد- لأن الإشهاد عندهم ليس بفرض، وهو نَدْب.
م 5515 - وإن وكله أن يبيعه برهن فباعه بغير رهن.
فالبيع فاسدٌ في قول الشافعي، وقولهم.
وبه نقول.
م 5516 - وكذلك إذا وكله أن يبيعه بنسيئة بكفيل، فباعه بغير كفيل: فالبيع
باطلٌ في قولهم جميعاً.
وكذلك نقول
__________
(1) وفي الدار "مع ذلك".
(2) وفي الدار "فيما ذكرناه".
(8/299)
م 5517 - وإذا اختلف الموكل [2/ 349/ألف]
والوكيل في الرهن والكفيل، فقال الوكيل: لم تأمرني برهن ولا كفيل. وقال
الموكل: بل أمرتك بذلك.
فالقول قول الموكل مع يمينه ويفسخ البيع.
م 5518 - وإذا أمره أن يبيعه من رجل، فباعه من رجل آخر: لم يجز البيع في
قولهم جميعاً.
وبه نقول.
م 5519 - وإذا باعه من ذلك الرجل ومن آخَرَ.
جاز ذلك النصف لذلك الرجل، ولا يجوز النصف الآخر في قياس قول أبي حنيفة
(1).
ولا يجوز في قول يعقوب، ومحمدٍ.
وكذلك نقول.
م 5520 - وإذا وكله ببيع عبد له، فباعه من رجل لم يره، ووصفه له، ففي هذه
المسألة أقاويل.
أحدها: أن البيع جائز، وللمشتري خيارُ الرؤية، هذا قول أصحاب الرأي.
والقول الثاني: أن البيع فاسد، هذا آخر (2) قولَيْ الشافعي، وبه يقول أكثر
أصحابه.
والقول الثالث: أن البيع جائز، فإن وجد المشتري العبدَ كما وصف له
__________
(1) وفي الدر "قول النعمان"
(2) وفي الدار "هذا أحد".
(8/300)
فلا خيارَ له، وإن لم يجده كما وصف له فهو
بالخيار، هذا حفظي عن أبي ثور أنه قال ذلك.
وهذا أصح، لأنه بيع جائز، لدخوله في جملة قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
ولأنهم كلَّهم أجازوا البيع، بالصفة في باب السلم، فلزمهم ذلك فيما كان
مثله والله أعلم.
وللشافعي قول ثانٍ يوافق أهل الكوفة.
م 5521 - وإذا وكل الرجل الرجل يبيع عبد له، فباعه من ابن الآمر، أو من
أبيه، أو من أمه، أو من أخته، أو من زوجته، أو من خالته، أو من عمته:
فالبيع جائز، ولا أعلمهم يختلفونَ فيه.
م 5522 - واختلفوا فيه إن باعه من عبد الآمر.
ففي قول الشافعي، والكوفي: البيع باطل، إلا أن يكون على العبد دينٌ فإنه
يجوز [بيعه] (1) في قول النعمان، وأصحابه، وإن لم يكن عليه دينٌ فإنه لا
يجوز.
وفي قول مالك: بيعه من عبد الآمر جائز، كان عليه دين أو لم يكن، لأنه يرى
أن العبيد يملكون.
والشافعي، والكوفي لا يريان للعبيد ملكاً.
5523 - وإذا وكل الرجل رجلاً ببيع عبد له ودفع العبد إليه. فقال الوكيل:
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/301)
قد بعته من فلان وقبضت منه الثمن، وسلمت
العبد إليه وهلك والثمن مني، وادعى ذلك المشتري.
فالقول قول الوكيل مع يمينه، في قول أصحاب الرأي.
وقال الشافعي- "في كتاب الصرف"-: إذا وكله ببيع طعام له، فهو بنقد لا بدين
فإن قال: قد بعته وهلك الثمن، أو: هرب المشتري، فصدقه البائع: فهو كما قال.
وإن كذبه فعليه البينة أنه باعه".
م 5524 - وإذا وكل الرجل الرجل ببيع عبد له، ثم إن الموكل باع العبد، أَوْ
دبره أو وهبه، وأقبضه الموهوب له، أو كاتبه، أو تصدق به وقبض منه، أو
أجَّره، أو كانت أمة فوطئها فولدت منه أم لم تلد.
فإن ذلك كله نقض للوكالة ما خلا الوطء إذا لم تلد، وما خلا الإجارة،
والرهن، وكذلك الخدمة لا تنقُضُ الوكالة. هذا قول أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: التدبير لا ينقض الوكالة، لأن بيع المدبر جائز.
وقد بينته في كتاب المدبر.
وكذلك الإجارة والوطء: إذا لم تحمل أو تلد. وكذلك الخدمة.
وأما البيع، والهبة إذا أقبضها الموهوب له، والكتابة، والصدقة المقبوضة،
والرهن المقبوض. إذا فعل -أي ذلك فعل- فقد نقض الوكالةَ.
(8/302)
14 - باب الرجلين يوكل كلُّ واحد منهما
رجلا بعينه ببيع عبد له
قال أبو بكر:
م 5525 - وإذا وكل رجل رجلاً ببيع عبد له، ووكله آخر ببيع عبد له آخر،
فباعهما هذا الوكيل صفقة واحدة من رجل بثمن واحد.
فالبيع جائز في قول الكوفي، ويكون لكل واحد منهما من الثمن بحصة عبده.
وفي قول الشافعي: ينبغي أن يكون البيع فاسدا، لأنه باع عبد كل واحد منهما
بثمن غير معلوم عند البيع حتى يقومان (1)، ولم يوكل بذلك.
م 5526 - فإن باع واحداً منهما من رجل أو رجلين بثمن مسمى، فالبيع جائز
فيها، في قولهم جميعاً.
م 5527 - فإذا باع سيد أحد العبدين العبد بيعاً فاسداً، فالوكيل على
وكالته.
فإن باعه الوكيل- بعد بيع المولى البيع الفاسد- بيعا صحيحاً، فهو جائز، لأن
ملك الموكل على العبد قائمٌ وقت باع الوكيل.
م 5528 - فإن باع الوكيل العبد بيعاً فاسداً وسلمه إلى المشتري، ثم تلِف
العبد في يد المشتري: فللسيد أن يُضمِّن الوكيل، لتعديه
__________
(1) "حتى يقومان" ساقط من الدار.
(8/303)
ولدفعه إلى من لم يؤمر بدفعه إليه، لأنَّ
بيعه كان بيعا فاسداً، ولم يُؤذن له أن يسلمه إلى غير مُستحِقّه (1).
والحمد لله رب العالمين، وصلى على سيدنا محمد النبي- صلى الله عليه وسلم -
وآله الطاهرين (2).
15 - باب (3) الرجل يوكل الرجلين ببيع عبده كل واحد منهما وكله ببيعة على
حدة
قال أبو بكر:
م 5529 - إذا وكل رجل ببيع عبده رجلاً، ووكل آخر ببيع ذلك العبد: فأيهما
باع منهما فبيعه جائز، في قول الشافعي.
م 5530 - فإن باعه أحدا من رجل وباعه الآخر من آخر، فإن علم بيع الأول
منهما فهو جائز، وبيع الثاني باطل. هكذا قال الشافعي، وأصحاب الرأي في
المسألتين جميعاً.
وبه نقول.
م 5531 - واختلفوا فيه إن لم يعلم الأول منهما.
ففي قول أصحاب الرأي: يقال لكل واحد منهما: إن شئت أن تأخذ نصفه بنصف
الثمن، فخذ، وإن شئت فدعه.
__________
(1) إلى هنا تنتهي مخطوطة الأصل من كتاب الوكالة، ثم تبتدئ بأول كتاب
الغصب، بخط متغاير تماماً.
(2) وجاء في آخره: ثم ملكه فقيرُ رحمة ربه الرحيم محمد بن عبد الله بن
إبراهيم العدني الرامهرمزي
الشافعي ختم الله تعالى له بخير ولطف، وذلك في اثنين وعشرين من شوال سنة
أربع وأربعين وخمسمائة، حسبنا الله ونعم الوكيل.
(3) تفردت نسخة الدار بهذه الأبواب الآتية من كتاب الوكالة.
(8/304)
قال أبو بكر: وهذا قول فاسدٌ من غير وجه.
أحدهما: أنه أعطى أحدها ما لا يستحقُه، ومنع الآخر حقاً يجب له إن كان بيع
أحدهما قبل بيع [215/ألف- الدار] الآخر.
فإن كانت الصفقتان وقعتا في وقت واحد، فلا حقَّ لكل واحد منهما، لأن بيعهما
فاسد.
ويفسُدُ الذي فعلوه من وجه ثالث: وهو أنهم حكموا وتقدموا على أمر بغير علم.
(ح 1730) وقد وجد - صلى الله عليه وسلم - تمرة، وقال: "لولا أني أخشى أن
تكون من
الصدقة لأكلتها".
فوقف عن أكلها لما احتمل أمرها مَعْنَيينٍ.
وقد تقدم أصحاب الرأي في هذه المسألة على أمر لا شك أنه خطأ، لأن من المحال
أن يكون لكل واحد منهما نصفه في شيء من الوجوه التي ذكرناها.
قال أبو بكر: والذي به أقول: إن البيعتين فاسدتان لأن ملك الموكل على العبد
ثابت قبل أن يوكلهما بالبيع. فلما عقد كل واحد منهما البيع في العبد. احتمل
أن يكون ذلك في وقت واحد.
وإذا احتمل ذلك لم يزل ملكه عما كان يملك يقينا لا يقين مثله.
قال أبو بكر: وسواء كان هذا العبد في يد أحد الوكيلين أو أحد المشترين، أو
كان في يد الوكل إذا تقاروا على ما ذكرت.
م 5532 - وإذا وكل رجل وكيلا ببيع عبد له، فأراد الوكل قبض ثمن عبده من
المشتري، فله قبض ذلك إذا علم المشتري أن الثمن له، وإن لم يعلم بذلك وثبتت
البينة بأنه الموكل ببيع الحد، فله قبض الثمن.
(8/305)
م 5533 - وليس للموكل أن يقبض الثمن من
المشتري إلا أن يوكل الموكل بقبض الثمن، وهذا على مذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: ليس للموكل قبض الثمن من المشتري إلا أن يوكله الوكيل
بذلك، لأنه هو ولي البيع.
ثم نقضوا ذلك بعد ما منعوا منه فقالوا: ولو دفع المشتري ثمن العبد إلى
المولى برئَ منه.
فمنعوا من دفع الثمن إليه إلا بوكالة، ثم أجازوا ذلك بغير وكالة من الوكيل
البائع.
وقالوا. إن أقر الوكيل أن العبد وثمنه للآمر وأنه وكله ببيعه، ثم غاب
الوكيل: لم يكن لرب العبد أن يقبض الثمن، ولا تقبل منه البينة على ذلك.
قال أبو بكر: وهذا مع قولهم: إن دفع الثمن إلى الموكل بَرِئَ المشتري.
16 - باب اختلاف من القول
قال أبو بكر:
م 5534 - وإذا وكله ببيع عبد له فباعه، وافترقا، ثم حط الوكيل عن المشتري
[215/ب- الدار] من ثمنه، أو وهبه له، أو صالحه على عيب به.
فذلك غير جائز، والثمن لازم للمشتري، ويناظر في العيب إن شاء، وفي قول
أصحاب الرأي: كل ذلك جائز على الوكيل، ويضمن ما حط.
(8/306)
17 - باب الوكالة في
بيع العروض
قال أبو بكر:
م 5535 - وإذا وكل الرجل ببيع عدل (1) زُطِّي فباعه، وقبضه المشتري، ثم رده
على البائع بعيب كان فيه وقت باعه، وذكر أنه لم يره، فله رده على الوكيل
بعد أن يحلف ما رآه. وسواء رده بقضاء
قاض، أو بغير قضاء قاض. وهذا لازم للوكيل أن يرد عليه ويلزم ذلك الآمر.
م 5536 - وإذا وكله ببيع عدل زطي، أو جراب هروي، فباعه الوكيل ثوباً ثوباً،
أو باعه جملة.
فهو جائز، ولا ضمان على الوكيل فيه، وإن نوى من الثمن فلا ضمان على الوكيل
فيه في قول أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: والذي أقول به: إن الموكل إن كان أمره ببيع العدل، أو الجراب
صفقة واحدة فباعه مفترقاً: فالبيع فاسد، والوكيل (2) متعد.
وإذا تعدى وخرج من باب الأمانة انفسخت وكالته، ولم يجز له بيع شيء منه، فإن
كان باعه على الفساد الذي ذكرناه بعض
__________
(1) في الأصل: ببيع عبد له زطي. وهو تصحيف، والتصويب من المبسوط، والمراد:
ربطه من مجموعة من الثياب.
(2) كلمة "الوكيل" تكررت في الأصل.
(8/307)
الثمن أو بعض الثياب: فهو ضامنٌ لجميع ذلك.
م 5537 - ولو باع ثوباً واحداً منه ولم يبع سوى ذلك كان جائزاً في قول
النعمان.
ولا يجوز في قول يعقوب. إذا كان ذلك يضرب بالجراب، فإنه لا يجوز.
قال أبو بكر: وسواء أضر ذلك بالجراب أو لم يَضُرَّ به، لا يجوز إذا أمر
الموكل ببيع شيء جملة صفقة واحدة، أن يفرق فيباع ثوباً ثوبا.
وقال يعقوب، ومحمد: إن لم يضر ذلك بالجراب، فهو جائز.
م 5538 - وفرق أصحاب الرأي بين أن يوكل ببيع حنطة، أو شعير، أو شيء ما يكال
أو يوزن، وبين أن يوكل ببيع دار أو عبد.
فقالوا في الحنطة، والشعير: إن باع بعضه فهو جائز.
ولا يجوز عندهم بيع بعض الدار أو العبد وأفسدوا بيع بعضه وأجازوا بيع الكل،
ولا فرق بين شيء من ذلك.
م 5539 - واختلفوا في الرجل يوكل الرجل ببيع عدل زطي [216/ألف-الدار] بألف
درهم فباعه الوكيل بنسيئة.
ففي قول أصحاب الرأي: البيع جائز.
وفي قول الثوري، والشافعي، وأحمد: البيع باطل إذا لم يكن أذن له الموكل
بذلك.
وبه نقول.
قال أبو بكر:
م 5540 - وإذا وكل الرجل بأن يبيع له عدلاً زطياً دفعه إليه، فعمد الوكيل
إلى العدل فدفعه إلى القصار فقصره: فهو ضامن لما هلك منه عند
(8/308)
القصار لتعدّيه، فإن رجع المتاع إلى يد
الوكيل فقد برئ من الضمان في قول أصحاب الرأي.
ولا يبرأ من الضمان على مذهب الشافعي، حتى يصل المال إلى المال، أو وكيله.
وبه أقول.
وليس للوكيل من أجرة القصار شيء، لأنه متطوع.
م 5541 - وإذا وكل رجل رجلاً ببيع جراب هروي، فقطعه قمصاً وخاطها، أو أقبية
فخاطها وحشاها، أو بطن، أو خاطها.
فهو ضامن لقيمة ذلك، ويكون المتاع له لأنه خالف، هذا قول أصحاب الرأي.
وفي قول الشافعي: له أن يأخذ القمص والأقبية.
وإن كان نقص الثياب الخياطة والقطع، فعلى الوكيل ما نقصه، وإن كان حشاها
قطناً وبطنها ببطائن من عنده أخذ البطائن والقطن، وسلم الثياب إلى الموكل،
وعليه قيمة ما نقص الثياب، ولا يملك شيئاً من الثياب بتعديه فيه.
وبه نقول.
م 5542 - وإذا وكله فقال: بع هذا المتاع بيعاً فاسداً. فباعه الوكيل بيعاً
صحيحاً.
فالبيع باطل لأنه لم يوكله وكالة صحيحة.
وقال يعقوب: أدع القياس وأستحسن في ذلك أن أجيز البيع.
وقال محمد: لا يجوز البيع.
(8/309)
18 - باب الوكالة في
الشراء
قال أبو بكر:
م 5543 - وإذا وكل رجل رجلاً يشتري له عبداً بعينه، وقبل الوكيل الوكالة،
ثم خرج الوكيل من عند الموكل، وأشهد أنه يشتري العبد لنفسه، ثم اشترى
الوكيل العبد.
فالشراء للوكيل.
وإذا كانوا يقولون: إذا أمره أن يشتري العبد بمائة فاشتراه بمائة وخمسين أن
ذلك لا يكون للآمر لأنه خالفه، وكذلك إذا اشتراه لنفسه [216/ب-الدار] فلا
يكون للآمر لأنه خالفه.
وقال أصحاب الرأي: العبد للموكل الآمر، ولا يستطيع الوكيل أن يخرج من تلك
الوكاله إلا بمحضر من الموكل.
قال أبو بكر: لا أعلم حجة تدل على أن الوكيل لا يقدر على أن يخرج من
الوكاله إلا بمحضر من الموكل.
م 5544 - وإن أمره أن يشتري عبداً بألف درهم فاشتراه بأقل من ألف درهم،
فالشراء جائز لأنه زاده خيراً. وهكذا قال أصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
م 5545 - وإن أمره أن يشتري له عبداً فاشتراه بعرض من العروض لم يكن أذن له
فيه الموكل.
فالشراء للوكيل.
(8/310)
ولا يجوز أن يشتري العبد للآمر إلا بالأغلب
من نقد البلد: الدنانير والدراهم هذا على مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
م 5546 - ولو أمره أن يشتري له عبداً بعينه، والوكيل ابن ذلك العبد، أو
أبوه، أو أخوه، فاشترى، فهو جائز. وهو للآمر، ولا يضره أن يكون له ابن أو
أب (1)، وهذا على مذهب أصحاب الرأي.
وبه نقول.
م 5547 - وإذا وكل رجل رجلاً أن يشتريَ كُرَّ حِنطة من العراق، فاشتراها
واستأجر إِبِلاً فحمله عليها.
فليس على الموكل من الكراء شيء، لأن الوكيل تطوع بإخراج الكراء.
وقال أصحاب الرأي: لا يجوز الكراء على الآمر في القياس.
ولكننا نستحسن فنجيزُه.
م 5548 - ولو قال الآمر للوكيل: استأجرْ عليّ الكُرَّ بدينار، فاستأجر عليه
بدينارين: لم يكن على الآمر شيءٌ لأنه خالف. وهذا قول أصحاب الرأي.
م 5549 - وإذا وكل رجل رجلاً فقال: اشتر عبد فلان فقال: نعم، ثم وكله أخوه
أن يشتريه له، فاشتراه الوكيل وأشهد أنه للآخر.
فالشراء للذي نوى الشراء له منهما.
__________
(1) في الأصل: ابن أو ابن.
(8/311)
م 5550 - ولو لم يشتره لهما، واشتراه
لثالث، أو لنفسه، فالشراء لمن نوى الشراء له دون الآخر.
وقال أصحاب الرأي: هو للأول، ولا يستطيع الوكيل أن يخرج من الوكالة لنفسه
ولا لغيره إلا بمحضر من الأول.
م 5551 - وقال أصحاب الرأي: إن أمره أن يشتري له جارية بعينها، فقال: نعم،
فاشتراها الوكيل لنفسه: فهي للآمر، فإن وطئها الوكيل وولدت منه، فإنه يدرأ
عنه [217/ألف-الدار] الحدُّ، وتكون الجارية وولدها للآمر، ولا يثبت نسب
الولد.
قال أبو بكر: النسب ثابت منه وتكون أم ولد للوكيل، لأنه اشتراها لنفسه.
19 - باب ذكر الوكالة في الصَّرف
قال أبو بكر:
م 5552 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوكالة في الصرف جائزة.
فلو وكل رجل رجلاً يصرف له دراهم، ووكل آخر يصرف له دنانير فالتقيا وتصارفا
صرفا ناجزاً: أن ذلك جائز وإن لم يحضر الموكلان أو أحدهما.
م 5553 - وإذا وكل الرجل الرجلين بدراهم يصرفانها، فليس لأحدهما أن يصرف
ذلك دون صاحبه، فإن صرفاها جميعاً فهو
(8/312)
جائز، فإن قام أحدهما من المجلس الذي
تصارفا فيه ومضى قبل أن يتصارفوا، فإن الصرف ينتقض.
(ح 1731) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الفضة بالذهب رباً إلا هاء
وهاء.
وقال أصحاب الرأي: إن قام أحد قبل أن يقبضا فقد انتقضت حصة الذي ذهب وهي
النصف، وحصة الباقي جائزة.
قال أبو بكر: لم يجعل الموكل إلى أحد شيئاً دون الآخر، ولا يجوز أمر أحدهما
دون الآخر، ولهذا أصل من كتاب الله تعالى قال الله عز وجل: {وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا} ولا يجوز لأحد الحكمين أمر إلا مع صاحبه.
قال ابن عباس: بعثت أنا ومعاوية حكمين، فقيل لنا: إن رأيتما أن تجمعا
جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما.
قال أبو بكر:
(8/313)
م 5554 - وإن الوكيلين وكلا رب المال بقبض
الدنانير، فقبض ذلك رب المال الموكل، انتقض الصرف، لأن الذي يلي قبض الشيء
الوكيلان دون رب المال، لأنهما وليا عقد الصرف.
وهذا على مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
م 5555 - وإذا وكل رجل رجلاً يشتري له عبداً، فاشترى له وافترقا، ثم قتل
العبد عند البائع قبل أن يقبضه الوكيل، ففي هذه المسألة أقاويل:
أحدهما: أن الوكيل بالخيار: إن شاء فسخ البيع وردّه ولا يضمن شيئاً، وإن
شاء أجاز البيع، وكانت القيمة له خاصة دون الآمر، إلا أن يشاء الآمر
[217/ب-الدار] أخذ القيمة فيكون ذلك له. هذا
قول أصحاب الرأي.
والقول الثاني: أن البيع ينفسخ ويكون من مال البائع، ويطالب البائع العامل
بقيمة عبده. هذا قول الشافعي.
والقول الثالث -وهو أصح الأقاويل-: أن البيع لا ثم بإفتراقهما على مقامهما
الذي تبايعا فيه العبد، فالعبد للمشترى له.
والدليل على أن العبد له: أن المشترى له العبد لو أوقع العتق عليه قبل أن
يقتل كان حراً، لا أعلم فيه اختلافاً.
ففى إجازتهم عتقه (دليل) (1) على أنه أعتق عبداً ملكه على البائع وتم الملك
له.
__________
(1) الزيادة لإستقامة الكلام.
(8/314)
وإذا جاز عتقه، لأنه مالك له، كانت له على
القاتل القيمة، لأنه أتلف عليه ملكه.
وهذا على مذهب أحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وقد ثبت أن [ابن] (1) عمر رضي الله عنهما قال: "ما أدركت الصفقة حياً
مجموعاً فهو من مال المشتري".
20 - باب الوكالة في السلم
قال أبو بكر:
م 5556 - وإذا وكل رجل رجلاً يسلم له عشرة دراهم في حنطة، فأسلمها إليه
سلماً صحيحاً، فهو جائز.
م 5557 - وللوكيل (2) أن يقبض الطعام إذا حل إن كان الآمر وكله بذلك، وإن
لم يكن أمره بذلك لم يقبضه، وعلى المسلم إليه أن المسلم وكيل الآمر، فعليه
تسليمه إلى الآمر إن طلبه منه.
وقال أصحاب الرأي: للوكيل أن يقبض الطعام إذا حل.
ومتى أقام الآمر البينة على ما أسلم فيه وكيله له، فله قبض ذلك من المسلم
إليه، وإن علم المسلم إليه أن المسلم وكيل الآمر لم
__________
(1) في الأصل "أن عمر" والصحيح ما أثبته.
(2) في الأصل: "وله وكيل" وهذا تصحيف.
(8/315)
يجز دفع ذلك إليه، إلا أن يكون الآمر قد
جعل للوكيل قبض الشيء من المسلم إليه.
م 5558 - وإذا حل السلم (1) فأنظر الوكيل المسلم بالطعام فالنظرة غير
جائزة، لأنه لا يملك من ذلك شيئاً، والأمر فيه إلى الموكل.
وكذلك لو أبرأه، أو وهبه له.
وكذلك إن أقاله منه فالإقالة فاسدة؛ لأن ذلك لم يجعل إليه، وليس له أن يقيل
فيما ليس له.
وقال النعمان، ومحمد: ذلك من فعل وكيل جائز كله.
وهو ضامن لرب الطعام طعاماً مثل طعامه، لأن الطعام قد وجب للآمر.
وقال يعقوب: لا يجوز إبراء الوكيل ولا هبته، ولا متاركته (2)، ولا
[218/ألف-الدار] تأخيره.
وللموكل (3) أن يرجع بطعامه، أستحسن ذلك وأدع القياس.
م 5559 - وإذا وكل الرجل الرجل أن يسلم له دراهم في حنطة، ودفعها إليه،
فأسلمها إليه، ولم يشهد على المسلم إليه بقبض المال والسلم، ثم جاء المسلم
إليه بردهم يرده، وقال: وجدته زائفاً.
ففي قول أصحاب الرأي: هو مصدق ويقضى به على الوكيل، فيبدله، ويرجع به
الوكيل على الموكل.
وكذلك لو لم يقض به عليه، ولكن الوكيل قبله منه بغير قضاء قاض بعد ألا يكون
المسلم إليه أقر بالإستيفاء.
__________
(1) في الأصل "وإذا حلم المسلم" والمراد: إذا حل الأجل في المسلم.
(2) في الأصل "ولا مشاركته".
(3) في الأصل "وللوكيل".
(8/316)
وذلك لو وجد درهمين.
م 5560 - وإذا وجد النصف زيوفاً رد ذلك، وبطل من السلم بحساب ذلك، في قول
النعمان.
وفي قول يعقوب، ومحمد: يستبدلها كلها، إذا كانت زيوفاً استبدلها.
وإن كان قد أشهد عليه أنه قد استوفى رأس مال المسلم: لم يصدق المسلم إليه
على الدراهم الزيوف، ولم تقبل منه البيّنة على ذلك، ولم يكن له على الوكيل
يمين.
21 - باب الوكالة في الدين
قال أبو بكر:
م 5561 - وإذا وكل رجل رجلين بقبض دينه.
فليس لأحدهما أن يقبض ذلك دون الآخر. فإن قبض أحدهما دون الآخر لم يبرأ
الغريم من شيء من ذلك في قولنا. وقول أصحاب الرأي، وهذا قياس قول الشافعي.
م 5562 - وإذا وكل رجلاً بدينه ولم يقل بقبضه.
فهذه وكالة مجهولة، لا يكون وكيلاً في قبضه حتى يسمى ذلك الموكل.
وقال أصحاب الرأي: هو وكيل في قبضه. قالوا: يستحسن ذلك.
(8/317)
م 5563 - وإن وكله بقبض دين له فأبى الوكيل
قبول الوكالة، ثم ذهب فقبض ديناً.
فإن الدين على الغريم لا يبرأ منه؛ لأنه لما رد الوكالة بطل أن يكون وكيلاً
حتى يجدد له الموكل التوكيل. وللغريم أن يرجع على من قبض منه الشيء، لأنه
ليس بوكيل. وهذا قول أصحاب الرأي.
وبه نقول.
م 5564 - وإذا وكله بقبض دين له على زيد: فليس له أن يقبض من غير زيد من
سائر غرمائه شيئاً، فإن دفع إليه غير زيد ديناً لم يبرأ منه.
وكذلك قال أصحاب الرأي.
م 5565 - واختلفوا في الوكيل يأخذ كفيلاً بالمال.
فقالت طائفة: له أن يأخذ الكفيل بالمال [218/ب-الدار] ويطالب الغريم الأول
على ما كان يطالبه حتى يقبض المال من أحدهما. وهذا قول جماعة، وهو قول
الشافعي، وأصحاب الرأي.
وكان أبو ثور يرى أن الكفالة مثل الحوالة.
وقال: لا يجوز أن يطالب رجل بألف درهم على رجلين، يطالب كل واحد منهما
بألف.
م 5566 - وإذا وكله بكل قليل وكثير.
فهو جائز في قول ابن أبي ليلى، وله أن يبيع.
والوكالة على هذا عند الشافعي غير جائزة.
(8/318)
وقال أصحاب الرأي: هو وكيل في الحفظ، وليس
بوكيل في تقاض، ولا بيع، ولا شراء، ولا إجارة.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 5567 - وإذا وكل الذمي بتقاضي خمر له على ذمي ويقبضها: انه حرام على
المسلم قبض ذلك، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم الخمر.
(ح 1732) "ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الخمر وعاصرها، ومعتصرها،
وحاملها، والمحمولة إليه، وشاربها وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها".
وقد ذكرت إسناده في كتاب الأشربة.
م 5568 - فإن قبض المسلم الخمر وأهرقها فقد أحسن، ولا شيء عليه، لأن الله
تعالى حرم الخمر، ولا قيمة للشيء المحرم.
وقال أصحاب الرأي: يكره للمسلم قبض الثمن، فإن فعل فهو جائز، ويبرأ الذمي
الذي كان عليه الخمر. والمسلم الذي قبضها وأهرقها ضامن لقيمتها.
(8/319)
|