الإشراف
على مذاهب العلماء 100 - كتاب القِسْمه
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر:
(ح 1713) قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الغنائم (1) بينهم ببدر.
(ح 1714) وقسم يوم خيبر لمائتي فرس سهمين سهمين.
(ح 1715) وقسم أرض خيبر.
وهي أموال عِظام، لم يغنمِ المسلمون في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلم
- من العقد: من الأرضين والحصون، والنخيل التي فيها الأموال مثلَها.
__________
(1) "الغنائم" ساقط من الدار.
(8/252)
وكانت المقاسم على أموال خيبر، على الشَّق،
والنطاة، والكتيبة.
فكانت النطاة، والشق في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي
- صلى الله عليه وسلم -، وسهم ذوي القربى، واليتامى، والمساكين.
وقد اختصرت ذلك.
(ح 1716) وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم هوازن يوم حنين
بين أصحابه.
(ح 1717) وقسم عبد الله بن جحش ما غنمه، وعزل لرسول الله- صلى الله عليه
وسلم - خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه.
(8/253)
وأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله
عليه وسلم -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ
قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الآية.
م 5416 - وأجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار (1)، من أهل الحديث وأهل
الرأي، وغيرهم على أن الرَّبْع، [2/ 339/ب] أو الأرض إذا كانت بين شركاء،
واحتملت القَسْمَ عن غير ضرر
__________
(1) وفي الدار "من أهل العلم".
(8/254)
يلحق أحداً منهم فيه، وأجمعوا على قسمة: أن
قسم ذلك يجب بينهم إذا أقاموا بينة على أصول أملاكهم.
1 - باب مالاً يجب قسمة مما فيه فسادٌ على الشركاء وضرر عليهم
قال أبو بكر: قال الله جل وعز: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ}، وقال: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، وقال جل ذكره: {لَا تُضَارَّ
وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}.
فنهى الله عَزَّ وَجَلَّ عن الإضرار، وليس الإضرار من فعل العاقلين، ولا من
أخلاق المتقين.
(ح 1718) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا ضرر ولا
ضرار".
(8/255)
وليس الحديث بصحيح بل هو مرسل.
(ح 1719) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من ضار ضر (1)
الله به، ومن شاق شق الله عليه".
وقد أمر الله تعالى بحفظ الأموال فقال الله جل ذكره: {وَلَا تُؤْتُوا
السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}.
وقد ملك الله العباد أموالاً من العقد، والعروض، والرقيق وسائر الأموال،
أشرك بينهم فيها بأشربة، ومواريث، ومغانم، وأمرهم بإصلاحها.
__________
(1) وفي الدار "أضر الله به".
(8/256)
ونهاهم أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل،
فقال جل ثناؤه:
{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.
(ح 1720) ونهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.
(ح 1721) ونهاهم عن الميسر.
وهو القمار لأن فيه تلفاً للأموال.
(ح 1722) ونهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر حتى يبدو
صلاحه.
إذ ذلك غرر.
(ح 1723) ونهاهم عن بيوع الغرر، وعن بيع الحصاة.
(ح 1724) والملامسة والمنابذة.
(ح 1725) وبيع السنين.
(8/257)
لأن في ذلك ضررا (1) على البائع والمشتري.
ففي كل ما ذكرناه مع ما لم نذكره دلالة على الأمر بحياطة الأموال، وحفظها
وإصلاحها.
م 5417 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لؤلؤة لو كانت بين
جماعة، فأراد بعضهم أخذ حظه منها بأن تقطع بينهم أو تُكسر: أنهم ممنوعون من
ذلك، لأن في قطعها تلف لمالهم [2/ 340/ألف] وفساداً له.
وكذلك السفينة تكون بين الجماعة لها القيمة الكثيرة، فإذا كسرت أو قطعت ذهب
عامة قيمتها.
والجواب في المصحف، والسيف، والدرع، والجفنة، والمائدة، والصحفة، والصندوق،
والسرير، والنعل، والقوس، وما أشبه ذلك، يكون بين جماعة كالجواب فيما
ذكرناه من اللؤلؤة والسفينة.
م 5418 - فأما الرقيق، والكراع، والسلاح إذا كان بين جماعة فقسمه جائزٌ بين
الشركاء، يأخذ هذا ناقة بقيمتها، وهذا بقيمتها، ويصير لهذا عبد بقيمته،
ولهذا عبد بقيمته.
وذلك خلافُ الشيء المنفرد يكون بين جماعة يفسُد إذا كُسر، أو قطع، ويذهب
عامة ثمنه.
__________
(1) وفي الدار "في ذلك غرر".
(8/258)
2 - باب قسم الدار
والأرض تحتمل القسمة
قال أبو بكر:
م 5419 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الدار والأرض إذا احتملت
القسم، ودعا الشركاء إلى القسم: أن قسم ذلك يجب بينهم.
م 5420 - واختلفوا فيه إذا دعا بعضهم إلى القسم وأبى الآخرون، وفي قسمته
ضررٌ على بعضهم.
ففي قول مالك: يجب قسم ذلك بينهم.
وقال الشافعي: "إذا كان يحتمل القسمة حتى ينتفع كل واحد منهم بما يصير إلى
مقسوما: أجبرتهم على القسم وإن لم ينتفع البقية بما يصير إليهم إذا بُعِّضَ
بينهم. وأقول لمن كره القسمة: إن شئتم جمعت لكم حقوقكم فكانت مُشاعةً
تنتفعون بها، وأخرجت لطالب القسم حقه كما طلبه. وإن شئتم قسمت بينكم
نَفَعَكم ذلك أو لم ينفعكم".
وقال النعمان- في الدار الصغيرة بين اثنين-: أيهما طلب القسمة وأبى صاحبُه
قسمت له.
وبه قال أصحاب الرأي (1).
__________
(1) وفي الدار "وبه قال أصحابه".
(8/259)
وفيه قول ثان وهو: إن كان فيهم من لا ينتفع
بما قسم (1) له وإن انتفع شركاؤه بما يصير لهم، فلا يقسم.
وكل قسم يدخل على أحدهم ضرراً دون الآخر فإنه لا يقسم بينهم. هذا قول ابن
أبي ليلى، وأبي ثور.
قال أبو ثور: وكل قسم يدخل (2) عليهما، أو على أحدهما ضرراً لم يقسم.
قال أبو بكر: وهذا أصح القولين، [للعلل] (3) [2/ 340/ب] التي قدمناها في
الباب قبل.
ومن استحسن من الكوفيين فامتنع من الضرر الكثير، وسهل في القليل بغير حجة
يرجع إليها، فلا معنى لقوله.
ودفع الضرر عن المسلمين يجب في كل شيء على ظاهر ما ذكرناه من الكتاب
والسنن.
ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال مع إجماعهم في
الامتناع من قَسْم أشياءَ ذكرناها فيما مضى من الضرر.
3 - باب في الدور تكون بين جماعة شركاء
قال أبو بكر:
م 5421 - واختلفوا في العدد من الدور تكون بين جماعة، فدعا بعضهم
__________
(1) وفي الدار "من لا ينتفع به أقسم له"
(2) وفي الدار "يكون عليهما".
(3) ما بين المعكوفين من الدار
(8/260)
إلى أن يجمع حقه في دار واحدة، وأراد بعضهم
أن يعطى من كل دار بحصته.
فقالت طائفة: تقسم كل دار على حدة. هذا قول الشافعي، وبه قال النعمان.
وفه قول ثان: وهو قول من فرق بين الدور تكون في موضع واحد، أو مواضع
متفرقة.
فقال مالك في الموطأ- "فيمن هلك وترك أموالاً بالعالية والسافلة-: إن البعل
لا يقسم من النضح،
إلا أن يرضى أهله بذلك، وإن البعل يقسم مع العيون إذا ما كان يشبهها.
وإن الأموال إذا كانت بأرص واحدة، الذي بينهما متقارب، فإنه يقام كل واحد
منها، ثم يسهم (1) بينهم.
والدور والمساكن هذه المنزلة".
وفيه قول ثالث وهو: إذا كانت دور شتى بين قوم جمع، حق (2) كل واحد في دار،
أو في بعضها، ولا تقسم كل دار بينهم على مواريثهم، فيكون في ذلك ضرر عليهم
وفساد لحقهم.
__________
(1) وفي الدار "يقسم".
(2) "حق" ساقط من الدار.
(8/261)
فإن أراد بعضهم ذلك أو كلهم، وكان في ذلك
ضرر وفساد، لم يجبهم الحاكم إلى ذلك، وحملهم على ما هو أصلح لهم. والله
أعلم.
[هذا قول أبي ثور] (1).
قال أبو بكر: والقول الأول أصحُّ هذه الأقاويل، وذلك أن كل شريك منهم يلي
ماله، ويفعل منه الذي يراه. وكما ليس للحاكم أن يبيع على رجل بالغ رشيد
ماله وإن كان مع ذلك (2) صلاح له، وإن طلب ذلك منه بضعف الثمن امتنع من
البيع منه: فكذلك ليس له أن ينقل حقه من دار [2/ 341/ألف] إلى دار أخرى،
لأن ذلك في معنى البيع، والله أعلم.
4 - باب المال يكون بأيدي جماعة فيريدون قسم
ذلك بينهم
قال أبو بكر:
م 5422 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جماعة لو جاؤوا إلى حاكم
ببلد من البلدان، وبأيديهم أرض، أو عرض من العروض، وأقاموا البينة على أنهم
مالكون له، وسألوه أن يأمر بأن يقسم ذلك بينهم، واحتمل الشيء القَسْمَ، أن
قسم ذلك يجبُ بينهم.
م 5423 - واختلفوا فيه إن سألوه قسم ذلك بينهم بإقرارهم، ولا بيّنة معهم
تشهد لهم بأملاكهم في الشيء الذي بينهم.
__________
(1) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل.
(2) وفي الدار "بيع ذلك".
(8/262)
فقالت طائفة: لا يَقسِم ذلك حتى يقيم
البينة على ذلك، هذا قول الشافعي، وبه قال النعمان في الدور، والعقد (1).
وقالت طائفة: يقسم بينهم الدور، والأرضين، والدراهم، والدنانير، والمتاع،
والثياب، والعروض كلها. يقسم ذلك بينهم بإقرارهم على أنفسهم. هذا قول
يعقوب، ومحمد وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: وقد ناقض النعمان في مقالته حيث فرق بين الدراهم، والدنانير،
والعروض، والدور، والأرضين، بغير حجة فزع إليها.
قال أبو بكر: وأنا إلى القول الثاني أميل.
5 - باب الدار تكون بين جماعة فيهم صغيرٌ أو غائب
قال أبو بكر:
م 5424 - واختلفوا في الدار، والأرض فتكون بين جماعة، فيهم صغير أو غائب.
ففي قول مالك، والشافعي: يقسم ذلك بينهم الحكم وإن كان شريكهم غائباً، وبه
قال أبو ثور.
__________
(1) وفي الدار "والبقر".
(8/263)
وقال النعمان: إن كان وارثاً حاضراً،
وبقيتهم غُيب صغاراً أو كبارا، فأقام الوارث الحاضر البينة على المواريث،
وسأل القاضى أن يقسم الدار، فإنه لا يقسمها، لأنه ليس معه خصم.
فإن كان معه صغير واحد عيّن القاضي له وصياً، وقبل البينة، وقسم الدار لأن
معه خصما. وهو قول يعقوب، ومحمد.
وكذلك الأرض، وكذلك المنزل في الدار.
م 5425 - وقال النعمان: لا يقسم القاضي الحائط، ولا الحمام بين الرجلين،
ولا أكثر من ذلك، [2/ 241/ب] لأن في قسمه ضررا.
م 5426 - وقال النعمان: إنما أمنع القسمة إذا كان الضرر عليهما، فإذا كان
الضرر على أحدهما وليس علي الآخر ضرر، فإن القاضي يقسم بينهما.
م 5427 - والقسمة على الرجال والنساء سواءٌ.
م 5428 - وكذلك أهل الذمة.
م 5429 - وكذلك حر وعبد بينهما دار.
م 5430 - وقال النعمان: إذا أقروا أنها شراء بينهم، قسمتها بينهم بغير
بينة.
وإذا أقروا أنها ميراث، لم أقسمها إلا بببنة.
قال أبو بكر: ما بينهما فرق.
وقال يعقوب، ومحمد: هما سواء، أقسمه بينهما بغير بينة إذا أقروا.
(8/264)
6 - باب الدارُ تقسم بين الشركاء فيدعي
بعضهم غلطا
قال أبو بكر:
م 5431 - اختلف أهل العلم في القاسم يقسم الأرض، أو الدار بين الشركاء،
فيدعي بعضهم غلطا.
فقالت طائفة: يكلف البينة على ما يدعي من الغلط، إن جاء بها رد القسم عليه،
هذا قول الشافعي، وأبي ثور، وبه قال النعمان.
وقال مالك في الشركاء يدعي بعضهم خطأ القاسم قال: ينبغي له -يعني القاضي-
أن ينظر في ذلك: فإن كان الذي بعث لذلك مأموناً قد أصاب وجه العمل فيما قسم
أنفذ ذلك، وإن كان خطأ رده.
قال مالك: ورب مأمون من الناس لا يحسن العمل. والناس في ذلك ليسوا كلهم (1)
سواء.
قال أبو بكر: هذا كما قال الشافعي، والنعمان.
7 - باب أجرة القسام وشهادتهم
قال أبو بكر:
الأفضل والأعلى للحاكم، والقاسم، وصاحب مغانم المسلمين
__________
(1) "كلهم" ساقط من الدار.
(8/265)
أو يعملوا محتسبين طلب ثواب الله عز وجل،
فإن لم يفعلوا فينبغي لقاضي المسلمين أن يرزق القسام من بيت مال المسلمين،
كما فعل بعلماء المسلمين، وقرائهم، ومعلميهم، ومن قام بأمر فيه صلاح
عوامهم.
م 5432 - وقد اختلف أهل العلم في أجور القسام إن لم يعملوا محتسبين، ولم
يرزقوا من بيت مال المسلمين.
فكرهت طائفة أخذ الأجر على ذلك. وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنه كره ذلك، وكذلك قال ابن سيرين.
وقال القاسم: أربع لا يؤخذ عليهن أجر: المقاسم [والقضاء] (1)، وقراءةُ
القرآن، والأذان، وقال سعيد بن المسيب: كل حساب يحسبه [2/ 342/ألف] يأخذ
أجراً غير (2) طائل.
وقال الشافعي: "أجر القسام من بيت المال، فإن لم يعطوه خُلِّي بين الناس
وبين (3) من طلب القسم، فاستأجروهم بما شاؤوا، قل أو كثُرَ".
وقال أبو ثور. رزقهم من بيت مال المسلمين.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) "غير" ساقط من الدار.
(3) "بين" ساقط من الدار.
(8/266)
وقال مالك: من احتسب فهو خيرٌ له وأحب إلي،
وأما أن أقول لا خير فيه، أو إنه حرام فلا. وذلك أنه لا يوجد مَنْ يعمل
بغير جُعل، وهذا لا بدَّ منه.
وقال النعمان: لا بأس أن يأخذ قاسم الدور والأرضين عليه الأجر من الذين
يقسم بينهم.
م 5433 - واختلفوا في الأجرة، وأنصباؤهم مختلفة.
فقال أكثرهم: تكون الأجرة على قدر الأنصباء، لا عدد الرؤوس.
هذا قول الشافعي، وسوار، وعبيد الله بن الحسن، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن الأجرة على عدد رؤوس الرجال، هذا قول النعمان.
قال أبو بكر: الأول صحيح.
م 5434 - واختلفوا في شهادة القسام.
فكان الشافعي، ومحمد بن الحسن لا يجيزان شهادة القاسمين.
وفيه قول ثان: وهو أن شهادة القاسمين اللذَيْن بعث بهما الحاكم على ما
يقسمان (1)، جائزة من قبل أنهما لا يجران بشهادتهما إلى أنفسهما شيئاً، هذا
قول أبي حنيفة (2).
__________
(1) وفي الدار "على ما قسما".
(2) "هذا قول أبي حنيفة" ساقط من الدار.
(8/267)
وكان يعقوب يقول: لا تجوز شهادتهما، ثم رجع
إلى قول أبي حنيفة.
م 5435 - وفي قول جميع من ذكرنا: لا تجوز شهادة قاسم واحد.
قال أبو بكر: والذي أقول به: إن شهادة القاسم الواحد غير جائزة، لأني لا
أعلم من أجاز شهادة الشاهد الواحد له حجةٌ.
فأما القاسمان يشهدان على قسم مال، وليسا ممن يجران إلى أنفسهما بشهادتهما
نفعاً (1) يأخذانه، وكانا محتسبين، أو ممن يرزق من مال الفئ (2)، وكانا
عدلين: فشهادتهما مقبولة، وهما داخلان في
جملة قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، غير خارجين من
هذه الآية بحجة.
هذا يلزم أصحابنا لأنهم لا يرون الإستثناء من الكتاب إلا بكتاب، أو سنة، أو
إجماع، وليس مع من استثناهما من جملة الآية حجة.
8 - باب العبد يكون [2/ 342/ب] بين جماعة يدعو أحدُهم (3) إلى بيع الجميع
ليقبض حصته من الثمن، ويأبى أصحابُه البيع
قال أبو بكر:
م 5436 - واختلفوا في الرجل يكون له الشقص في العبد الذي له الثمن إذا بيع
__________
(1) وفي الدار "جعلا".
(2) وفي الدار "مال المسلمين"
(3) وفي الدار "بعضهم".
(8/268)
كلُّه ولا يجد صاحب الشقص لحصته (1) الثمن
الذي (2) يصيبه مع أصحابه عبد بيع الكل.
فقالت طائفة: يكره الذي أبي البيع على ذلك، ويتوقف في السوق فيباع، هذا قول
مالك.
قال: وكذلك البعير، والثوب، وكل ما لا يستطاع قسمه.
وقال مالك: في العبد يُقَوَّمُ ويباع عليهم، فيشتريه من يريده.
وبه قال أبو ثور في الدار تباع أو يشتري أحدهما من صاحبه.
وقال الشافعي: "لا يباع عليهم. ويقال لهم: تراضوا في حقوقكم بما شئتم: كان
الذي بينهم سيف، أو عبد، أو غيره".
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح القولين، والله أعلم بالصواب.
9 - باب قَسْم الرقيق، والأنعام، والثياب، وسائر الأمتعة سوى الرِباع،
والأَرضين
قال أبو بكر:
م 5437 - كان مالك بن أنس يقول في الرقيق، والغنم، والأشياء التي
__________
(1) وفي الدار "بحصته".
(2) "الذي يصيبه ... إلى قوله. ويتوقف في السوق" ساقط من الدار.
(8/269)
يجعل الخير منها مع الشر: قسم ذلك جائز.
وبه قال أبو ثور في الغنم، والمتاع، والخرثي، وغير ذلك.
وبه قال النعمان ويعقوب في الغنم، والإبل، والبقر، والثياب كلها مما يستقيم
فيها القسم.
وقالوا في الرقيق: لا يقسمون، لأن اختلافه متفاوت.
وكذلك اللؤلؤ، والياقوت، والزُّمُرُّد لا يقسم.
فأما الفضة والتِبْر والذهب فإنه يقسم، والحديد، والنحاس التبر، ولا تقسم
الآنية من ذلك.
ويقسم ما كان بالكيل (1) والوزن قليلاً كان أو كثيراً.
ولا يقسم حائط بين اثنين، ولا حمام، ولا حانوت صغير.
قال أبو بكر: وقال أبو ثور: يقسم اللؤلؤ، والجوهر، والياقوت، والزمرد،
وجميع الأشياء من الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والصُفْر، وغير ذلك
تِبْراً كان أو آنية معمولة.
فما كان يوزن فيوزن، وما كان بالقيمة فبالقيمة.
وهذا الباب كله على هذا يُقوَّم، ثم يُقسم [بحصته] (2) على قدر المواريث،
والله أعلم.
__________
(1) وفي الدار "ويقسم الكيل".
(2) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/270)
قال أبو بكر: وقياس [2/ 343/ألف] قول
الشافعي- حيث منع في الدور تكون بين جماعة أن يجمع حق كل رجل منهم فيجعل له
داراً واحدة، وقال: يعطى من كل دار حصته، ولم ير نقل حق له من دار إلى دار
أخرى-: أن يكون له في كل بعير حصته، ولا ينقل حقه من بعير إلى بعير آخر.
ولا يجوز على قياس قوله: قسم شيء مما ذكرته من الحيوان، والجواهر، وسائر
الأمتعة.
قال أبو بكر:
(ح 1726) وقد قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - غنائم حنين (1) وأكثر ذلك
كان السبي، والماشية.
فقول من رأى قسم الحيوان وما في معناه، وإجازة ذلك أولى من المنع منه. ولا
يكون ذلك إلا بالقيمة.
(ح 1727) وقد أقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأعْبُد الستة الذين
أعتقهم المريض في مرضه، فميز بالقرعة بين حق العتق وحق الورثة، فأعتق اثنين
وأرق أربعة.
10 - باب صفة القسم
قال أبو بكر:
م 5438 - كان الشافعي يقول: "إذا قسم أرضاً فيها (2) أصلٌ أو بناء، أو لا
__________
(1) وفي الدار "غنائم خيبر".
(2) "أرضا فيها" ساقط من الدار.
(8/271)
أصل فيها ولا بناء، فإنما يقسمها على
القيمة لا على الزرع، فيقومها قِيماً، ثم يقسمها"، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها فيما بينهما مذارعة
ذرعها بينهما رجل رضيا به. فإن النعمان قال: هو جائز.
وكذلك قسمة قاسم القاضي إذا قسم بين قوم وأقرع بينهم فإن أبا حنيفة (1)
قال: وهو جائز.
وقال أبو حنيفة (2): القرعة في القياس لا تستقيم، ولكنا تركنا القياس في
ذلك، وأخذنا بالآثار، والسنة.
وقال أبو ثور: قال بعض الناس يعني (3) النعمان ويعقوب: يُقَوّم البناء
والأرضَون بالقيمة، وكذلك النخل، والشجر.
فإن قُسم (4)، وجعل على ذلك يأخذ دراهم فحسنٌ.
وإن جعلت القيمة في الدور، فهو أحب إلى، لأن الدراهم تَبَعٌ وليس من
الميراث، فيجعل الفضل في الدور والأرضين. جريب (5) بجريبين (6)، وذراع
بذراعين.
__________
(1) وفي الدار "فإن النعمان".
(2) وفي الدار "وقال قائل".
(3) وفي الدار "بعثني النعمان".
(4) وفي الدار "فإن جعل".
(5) "جريب" ساقط من الدار.
(6) على هامش المخطوطة: الجريب من الأرض معروف،
(8/272)
وقال مالك في الأرض فيها النخل (1): تقسم
بالقيمة، فيفضل ما كان أقرب للماء (2)، لأنه ربما يعذب النخل من الماء وقل
الماء، فلم يشرب من النخل إلا ما قرب، يكون هذه التي إلى الماء أقرب مائة
نخلة، والتي على إثرها خمسون ومائتان، والتي خلفها [2/ 343/ب] ثلاثمائة، ثم
يقسم ذلك بالقيمة.
وقال الشافعي: "يحصي (3) القاسم أهل القسم ويعلمهم مبلغ حقوقهم، فإن كان
فيهم من له سدس، وثلث، ونصف، قسمه على أقل (4) السُهمان وهو السدس، فجعل
لصاحب السدس سهماً، ولصاحب الثلث سهمين.
ولصاحب النصف ثلاثة أسهم، ثم (5) قسم الدار ستة أجزاء، ثم كتب أسماء
السهمان في رقاع من (6) قواطيس صغار، ثم أدرجها في بندق من طين، ثم دور (7)
البندق، فإذا استوى درجه، ثم ألقاه في حجر رجل لم يحضر البندقة ولا الكتاب،
أو حجر صبي أو عبد. ثم جعل السُهمانَ فسماها أولاً، وثانياً،
__________
(1) وفي الدار "في الأرض والنخل".
(2) وفي الدار "ما كان قرب الماء".
(3) وفي الدار "يحضر".
(4) في الأصل "أولى السهمان"، والتصويب من الدار، والأم.
(5) "أسهم، ثم" ساقط من الدار.
(6) "من" ساقط من الدار.
(7) وفي الدار "دق البندق".
(8/273)
وثالثاً، ثم قال: أدخل يدك وأخرج على الأول
بندقة واحدة (1) فإذا أخرجها فضّها، فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم
الأول، فإن كان صاحب السدس فهو له، ولا شيء له غيره. وإن كان صاحب الثلث
فهو له والسهم الذي يليه، وإن كان صاحب النصف، فهو له والسهمان اللذان
يليانه، ثم يقال: أدخل يدك فأخرج بندقة على السهم الفارغ الذي يلي ما خرج،
إذا خرج فيها اسم، فهو كما وصفت حتى تنفد السهمان".
11 - باب الشيء المقسوم يستحق بعضه
قال أبو بكر:
م 5439 - واختلفوا في القوم يقسمون الشيء ثم يستحق بعض ما في يد أحدهم.
فقالت طائفة: ينتقض القسم، هذا قول الشافعي.
قال الشافعي: "ويقال فم في الدين أو الوصية: إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين
والوصية أنفذنا القسم بينكم، وإن لم تطوعوا ولم نجد للميت مالاً إلا هذه
الدار بعنا منها، ونقضنا القسم".
وقد ذكر ابن القاسم مذهب مالك في الرجلين يقتسمان الدار يأخذ أحدهما الربع
والآخر ثلاثة أرباعها، فاستحق من الذي قبض
__________
(1) في الأصل "وأخذه".
(8/274)
الربع نصف ما في يده قال: يرجع على الذي
أخذ ثلاثة أرباع الدار بقيمة ربع ما في يديه، ولا تنتقض القسمة.
فإذا استحق من يد كل واحد منهما جل ما في يديه، فالقسمة تنتقض إذا كان الذي
يستحق ضرراَّ لَما يِبقى في يديه ويرجع فيقاسم صاحبه ثانية.
وقال أصحاب الرأي: إذا اقتسم الرجلان دارين فأخذ أحدهما داراً، وأخذ الآخر
داراً، فهدم [2/ 344/ألف] وأنفق، ثم استحق من الأخرى موضع في حائط، أو مسيل
ماء، فإن الذي استحق ذلك من يده بالخيار: إن شاء نقض القسمة كلها وضمنه
قيمة ما هدم، وإن شاء لم ينقض القسمة ولم يرجع بشيء، ورضي بما بقي في يديه.
قال أبو بكر: تنتقض القسمة في أصح القولين.
12 - مسائل من هذا الكتاب (1)
قال أبو بكر:
م 5440 - إذا قدم الوصي ببينة على الوصية، ولم يحضر خصم وارث ولا غير وارث.
__________
(1) وفي الدار "هذا الباب".
(8/275)
قُبلتْ بينته، وثبثَتَ وصيتُه. هذا قول أبي
ثور. قال: وذلك أن الخصم أكثر حالاته أن يدفع فتقبل عليه البينة، فهو في
غيبته كالحاضر يجحد (1).
قال: وهذا قول مالك، وأبي عبد الله يعني الشافعي أنهما يقضيان على الغائب.
قال أبو ثور: قال بعض الناس- يعني النعمان-: إذا لم يحضر خصم وارث للميت،
ولاطالب دين، ولا وصية، ولا مطلوب بحق (2) للميت قبله، فلا ينبغي للقاضي أن
يسمع من بينته، ولا يقضي له بالوصية إليه.
م 5441 - وقال أصحاب الرأي: لو أن رجلين اقتسما دارا، فوقع الباب لأحدهما،
ووقع قسم الآخر في الناحية الأخرى. وليس له طريق يمر فيه، فإن أبا حنيفة
(3) قال: إن كان مفتح (4): أجزت القسمة وأمرته أن يفتح في ذلك باباً.
وإن لم يكن مفتح (5): أبطلت القسمة، لأن هذا ضرر، ولا تجوز القسمة عليه.
وهذا قياس قول أبي ثور، لأنه يمنع من الضرر، وإدخاله على أى من الشركاء.
م 5442 - واختلفوا في العُلوِّ والسُفْل.
__________
(1) "يجحد" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "بدين".
(3) وفي الدار "فان النعمان".
(4) وفي الدار "مفتاح".
(5) وفي الدار "مفتاح".
(8/276)
فإن أبو حنيفة يقول: يحسب في القسمة للذي
أسفل له ذراع بذراعين من العلو.
وقال أبو يوسف: يحسب العلو بالنصف والسفل بالنصف، فينظر: كم جملة ذرع (1)
كل واحد منهما فيطرح من ذلك النصف.
وقال محمد: أقسم ذلك على القيمة قيمة العلو وقيمة السفل.
قال أبو بكر: وفي قياس قول الشافعي: لا يجوز للقاسم أن يقسم العلو أو السفل
(2) على ما ذكره الكوفي إلا برضى من الشريكين، فإن كان على غير رضى فلا
يجوز ولا يجوز إلا أن يعطي كل واحد منهما من العلو بقدره، ومن السفل بقدره.
قال أبو بكر:
م 5443 - وإذا وقع للرجل ساحة من الأرض [لا بناء فيها] (3)، ووقع للآخر
بناء، فأراد صاحب الساحة أن يبني في ساحته بناء ويرفعه. قال صاحب البناء:
تسدُّ عليَّ الريح والشمس فلا أدعك ترفع بناءك. فلصاحب الساحة أن يرفع
بناءه ما بدا له، [2/ 344/ب] وليس للآخَرِ أن يمنعه من ذلك لأنه حقُه يصنع
فيه ما بدا له.
__________
(1) "ذرع" سقط من الأصل.
(2) "أو السفل" ساقط من الدار.
(3) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/277)
وهذا قول النعمان، وصاحبيه، وهو على مذهب
الشافعي، وأبي ثور. وبه نقول.
قال أبو بكر:
م 5444 - وإذا اقتسم رجلان دارا على أحدهما أو جميعاً بالخيار ثلاثة أيام.
فالقسمة جائزة في قول النعمان. وكذلك قسمة الحيوان، والعروض، وما يكال،
ويوزن.
وفي الغنم، والإبل، والبقر، والرقيق في قياس قول أبي حنيفة.
وفي قول يعقوب ومحمد: الخيار في ذلك سَنَةً جائزٌ.
(8/278)
|