الإقناع لابن المنذر

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعلى آله وسلم تسليما.

كتاب الوضوء
1 - أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ،

(1/43)


عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غَلُولٍ»

(1/44)


باب ذكر الأحداث التي تنقض الطهارة وتوجب الوضوء
2 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ

(1/45)


حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَأْمُرُنَا أَلا نَنْزَعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ: نَوْمٍ، وَغَائِطٍ، وَبَوْلٍ "
الذي يوجب الوضوء خروج الغائط، والريح من الدبر، وخروج البول من ذكر الرجل، وقبل الْمَرْأَة، والمذي، والنوم وإن قل عَلَى أي حال كَانَ النوم، وملامسة

(1/46)


الرجل أهله، وأكل لحوم الإبل، زوال العقل بأي وجه زال عقل المرء، بجنون أو إغماء، وجميع مَا خرج من ذكر رجل أو قبل امرأة أو دبرهما، أحداث كل واحد منها ينقض الوضوء ويوجب الطهارة ودم الاستحاضة يوجب الوضوء، ويقين الطهارة لا يزيله الشك في الحدث.

باب ذكر مَا يوجب الغسل
3 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،

(1/47)


عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ.
قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ "

(1/48)


الذي يوجب الاغتسال خروج الْمَاء الدافق من ذكر الرجل، وقبل الْمَرْأَة في اليقظة والنوم بجماع وغير جماع، والتقاء الختانين، ويجب عَلَى الحائض، وعلى النفساء الاغتسال عند طهرهما من المحيض والنفاس، ويجب عَلَى الكافر إذا أسلم أن يغتسل، وغسل الميت المسلم واجب عَلَى من علم بموته.

باب ذكر الآنية
4 - نا أَبُو مَيْسَرَةَ، قَالَ: نا عَبْدُ الأَعْلَى، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: نا خَالِدٌ، عَنْ

(1/49)


سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْطِيَةِ الإِنَاءِ، وَإِيكَاءِ السِّقَاءِ»
يستحب تغطية الإناء بالليل للوضوء، والوضوء جائز في جميع الآنية الطاهر منها، إلا آنية الذهب والفضة، فإنا نكره الوضوء منها، ويجزئ وضوء من توضأ فيها.

(1/50)


باب آداب الوضوء
5 - حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَجْلانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ

(1/51)


رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا، وَإِذَا اسْتَطَابَ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ.
وَكَانَ يَأْمُرُنَا بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ»
من السنة أن يتباعد من الناس من أراد الغائط ويستتر، وله أن

(1/52)


يبول بقرب الناس، ويقول عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» .
وَلا يستقبل القبلة وَلا يستدبرها للغائط والبول في الصحارى، وَلا حرج عليه في المنازل، وَلا يتغوط في طرق الناس وَلا مجالسهم، وَلا أبنيتهم، وَلا يمس ذكره بيمينه، إلا أن يكون بيساره علة يلجأ إِلَى أن يمسه بيمينه، والبول قائما وجالسا مباح، والوقوف عن ذكر اللَّه والمرء جالس للغائط والبول حسن، وَلا يرد السلام من عَلَى هذه الحال، ويستحب أن يضع الخاتم الذي فِيهِ ذكر اللَّه عند دخول الخلاء.

باب ذكر الاستنجاء
6 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا ابْنُ

(1/53)


نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ صَاحِبُكُمْ حَتَّى يُوشِكَ أَنْ يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ.
فَقَالَ: أَجَلْ، «نَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْعِظَامِ، وَبِالرَّجِيعِ» .

(1/54)


وَقَالَ: «لا يَكْفِي أَحَدُكُمْ دُونَ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ» يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ إِذَا أَنْقَى، وَلا يُجْزِئُهُ دُونَ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، وَإِنْ لَمْ تُنَقِّهْ ثَلاثَةُ أَحْجَارٍ زَادَ حَتَّى يُنَقَّى، وَلا يُجْزِئُهُ فِيمَا عَدَا الْمَخْرَجِ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إِلا الْغُسْلَ بِالْمَاءِ، وَالاسْتِنْجَاءُ مِنَ الْبَوْلِ كَالاسْتِنْجَاءِ مِنَ الْغَائِطِ، وَيُجْزِئُ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَدَرِ، وَالْخَشَبِ، وَالْخِرَقِ، وَالْقُطْنِ، وَالْخَزَفِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ، وَلا يُسْتَنْجَى بِشَيْءٍ مِنَ الأَرْوَاثِ، وَلا بِمَا اسْتُنْجِيَ بِهِ مَرَّةً إِلا أَنْ يَطْهُرَ، وَلا يُسْتَنْجَى بِالْعِظَامِ وَلا بِشَيْءٍ نَجِسٍ، وَيُسْتَحَبُّ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ وَالْمَاءَ فَحَسَنٌ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا فَرَغَ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَمْسَحَ يَدَهُ بِتُرَابٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَغْسِلُ يَدَهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ، وَيَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْخَلاءِ: «غُفْرَانَكَ»

باب السواك
7 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا يَعْلَى، قَالَ:

(1/55)


نا مِسْعَرٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: " بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ

(1/56)


يبدأ إذا أراد المرء الوضوء بالسواك، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يبدأ إذا دخل بيته، ويستاك لكل وضوء، ولقيام الليل ".

باب ذكر الْمَاء
8 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَحِمَّ مِنْ فَضْلِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي اغْتَسَلْتُ فِيهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»

(1/57)


فالماء كله طاهر يجوز الوضوء والاغتسال به إلا مَا حلت فِيهِ نجاسة غيرت للماء طعما أو لونًا أو ريحًا، فإن ذَلِكَ لا تجوز الطهارة به، والعذب والبحر والقليل والكثير منه سواء، وَلا يجوز الوضوء بشيء من الأشربة والأطعمة والألبان والأنبذة ومياه الشجر، وَلا بما يخالط الْمَاء من الأطعمة والأشربة حَتَّى يزال عنه اسم الْمَاء، وذلك مثل: العسل، واللبن، والخل يختلط بالماء فيزول عنه اسم الْمَاء، وَلا حد فيما يغتسل به المرء أو يتوضأ إلا الكفاية.
والوضوء بفضل الجنب، والحائض، والنفساء جائز، وأسآر الدواب التي يؤكل لحومها، وَلا يؤكل طاهر، وإذا ولغ الكلب من بين الدواب في الإناء غسل سبعًا إحداهن بالتراب.

باب صفة الوضوء
9 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا

(1/58)


عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ

(1/59)


أَبَانٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاثًا فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

(1/60)


إذا أردت الوضوء فأن تغسل يديك ثلاثًا أحب إلي، ويجزئ واحدة، وليس عَلَى من تركه شيء، وقال: بسم اللَّه وأنوي الطهارة، ثم مضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا إن شئت من غرفة واحدة، وإن شئت من ثلاث غرف، ثم اغسل وجهك ثلاثًا تبدأ بأعلى الوجه، وحد الوجه الذي يجب غسله، مَا بين منابت شعر الرأس إِلَى الأذنين، واللحيين، والذقن، ويمر الْمَاء عَلَى ظاهر اللحية، وتمسح المؤقين ببعض أصابعك، ثم اغسل يدك اليمنى مَا بين أطراف الأصابع إِلَى المرفق ثلاثًا واليسرى كذلك، ثم تغترف الْمَاء بكفك اليمنى، ثم تمسح الكف اليمنى عَلَى اليسرى حَتَّى تصب مَا غرفت من كفيك، ثم تمسح برأسك تبدأ بمقدم رأسك حَتَّى تبلغ أطراف شعرك عَلَى قفاك، ثم تردهما إِلَى مقدم رأسك، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما تدخل سبابتيك في صماخي أذنيك، وتمسح بإبهاميك ظهورهما، ثم تغسل رجلك اليمنى إِلَى الكعب، والكعب: هو الناتئ، ثم اليسرى كذلك، فإذا فرغت من وضوئك، قلت: سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويجزيك الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا أفضل.

باب المسح عَلَى الخفين
10 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ

(1/61)


الأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» ، وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ فِي مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهُ خَمْسًا

(1/62)


المسح عَلَى جميع الخفاف جائز لثبوت الخبر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه أمرهم أن يمسحوا عَلَى خفافهم يومًا وليلة للمقيم، وثلاثًا للمسافر يمسح عَلَى ظهور الخفين خططًا بالأصابع، ويمسح عَلَى العمامة لثبوت ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أبي

(1/63)


بكر، وعمر.

(1/64)


باب التيمم
11 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكِيمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

(1/65)


أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ إِنْ أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَذَا ".
وَضَرَبَ عَفَّانُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِمَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ

(1/66)


يتيمم الجنب والمحدث إذا لم يجد الْمَاء، ويفعل ذَلِكَ المريض الجنب الخائف عَلَى نفسه من البرد إن اغتسل في الحضر والسفر، وَلا إعادة عَلَى واحد منهم في وقت وغير وقت، وإن وجدوا الْمَاء، ومن ثبت لَهُ أن يتيمم فله أن يتيمم في أول الوقت، ويصلي وَلا إعادة عليه إن وجد الْمَاء في الوقت، وَلا بعد خروج الوقت.
وأحسن مَا قيل في طلب الْمَاء: أن ينظر الطالب يمينًا وشمالا وبين يديه وخلفه، فإن وجد الْمَاء أو دل عليه وإلا يتيمم، ويعمد الذي يريد التيمم إِلَى الصعيد، فيضرب بيديه عليه ضربة واحدة، ثم يرفعهما فيمسح بهما وجهه وكفيه، وَلا يجوز التيمم بغير الصعيد الطاهر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» .

(1/67)


وله أن يصلي بتيمم واحد صلوات مكتوبات وغير ذَلِكَ، ويتيمم لكل مكتوبة أحوط، ويتيمم في قريب السفر وبعيده، وليس عليه أن يشتري الْمَاء بأكثر من ثمنه، وإذا خاف العطش ومعه ماء بقاه للشرب، ويتيمم وَلا يعيد، ويجامع من لا ماء مَعَهُ، ويتيمم ويصلي، ويجزئه، ويتيمم لصلاة النافلة، ولتجويد القرآن.
وإذا تيمم ودخل في الصلاة، ثم رأى الْمَاء لم ينصرف بل يمضي فيها، وَلا يجوز التيمم بغير نية، وكل من تيمم فعليه إن كَانَ جنبًا أن يغتسل إذا وجد الْمَاء، ويتوضأ إن كَانَ محدثًا لما يستقبل من الصلوات، وتفعل الحائض إذا طهرت من حيضتها والنفساء عند طهرهما مَا يفعله الجنب في جميع مَا ذكرناه، ويؤم المتيمم المتطهرين.

باب صفة الاغتسال من الجنابة
12 - نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ:

(1/68)


أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ كَفَّيْهِ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِهِ، حَتَّى إِذَا خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشْرَةَ، غَرَفَ بِيَدِهِ ثَلاثَ غَرْفَاتٍ فَصَبَّهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ»
فإذا أردت أن تغتسل من الجنابة فاستتر.
قَالَت ميمونة: «سترت رَسُول اللَّهِ وهو يغتسل من الجنابة» .
ثم أفرغ الإناء عَلَى يدك اليمنى فاغسلها، ثم صب عَلَى فرجك فاغسل فرجك بشمالك، ثم اضرب بيدك الأرض فاغسلها، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم أدخل أصابعك في الْمَاء فخلل بها أصول شعرك، ثم صب عَلَى رأسك ثلاثا، وتفيض الْمَاء عَلَى جلدك كله.
ويكفي صاحب الجمة والشعر الكثير أن يتسرب الْمَاء أصول شعره، ويفيض الْمَاء في الاغتسال عَلَى الميامن قبل المياسر.
والمرأة كالرجل في الاغتسال والحائض كالجنب غير أن الحائض تأخذ عند طهرها

(1/69)


شَيْئًا من مسك أو مسك تتبع به آثار الدم اتباعًا للسنة.

باب ذكر طهارة الثياب والأبدان
13 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ

(1/70)


الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، قَالَ: لِتُحَتَّهُ ثُمَّ لِتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ "
غسل الغائط، والبول، والمذي، والدم يحت من الثوب الذي يريد المرء الصلاة فِيهِ سواء قليل ذَلِكَ وكثيره، ويستحب أن يفرك المني من الثوب، وليس ذَلِكَ

(1/71)


بواجب، لأنه طاهر وثياب المسلمين والمشركين الصغار منهم والكبار عَلَى الطهارة، حَتَّى يوقن المرء بنجاسة فيغسلها إذا أراد الصلاة فيها، وعرق الجنب والنصراني طاهر، وإذا صلى المرء في ثوب نجس، ثم علم بعد أن صلى فلا إعادة عليه، ويغسله لما يستقبل، وإذا كَانَ عَلَى الأرض بول أو خمر أو شيء من النجاسة صب عليه من الْمَاء مقدار مَا يغلب النجاسة، فإذا فعل ذَلِكَ طهر اتباعًا لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصب دلو عَلَى بول الأعرابي،

(1/72)


وتجوز الصلاة عَلَى كل أرض طيبة، وَلا تجوز الصلاة عَلَى الأرض النجسة إلا بأن تطهر، أو يجعل المصلي بينه وبين الأرض حائلا من بساط أو تراب أو غيره.
وَلا يصلى في معاطن الإبل، ويصلى في مرابض الغنم وبول مَا يؤكل لحمه طاهر، وبول مَا لا يؤكل لحمه نجس، فابن عَلَى هذا المثال مَا يرد عليك من المسائل.

باب الحائض
14 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، قَالَ: نا هِشَامٌ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْحَيْضِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي "

(1/73)


أقل الحيض عند كثير من أصحابنا يوم وليلة، وأكثره خمس عشرة، والذي يلزم في ذَلِكَ الموجود في النساء كَانَ أقل مما قلته أو أكثر، وإذا رأت البكر الدم أول مرة تمسك عن الصلاة عند كثير من أصحابنا إِلَى خمس عشرة، فإذا زادت عَلَى ذَلِكَ اغتسلت وصلت وتعيد صلاة مَا زاد عَلَى يوم وليلة.
والحامل لا تحيض، وليس عَلَى الحائض قضاء الصلاة، وتقضي الصوم لا اختلاف فِيهِ.
قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، فوطء الحائض محرم، فإن وطئ امرؤ الحائض استغفر اللَّه وَلا غرم عليه في ماله.
إذا طهرت الْمَرْأَة من المحيض لم توطأ حَتَّى تغتسل، والمستحاضة يطؤها زوجها إذ حكمها حكم الطاهر في الصلاة، والصوم، وقراءة القرآن،

(1/74)


والطواف للحج ولغير الحج، ويباشر الرجل زوجته الحائض ويتقي موضع الدم، وأكثر النفاس عند أصحابنا شهران، وإن طهرت ليوم أو أقل من يوم اغتسلت وصلت.

(1/75)


كتاب الصلاة
باب فرض الصلاة
15 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: نا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

(1/76)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ ، فَقَالَ: إِلا أَنْ تَطَوَّعَ "
ففرائض الصلاة خمس وما سواهن تطوع، وَلا اختلاف أن الظهر أربع ركعات، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والصبح ركعتان، هذا فرض المقيم، وأما المسافر ففرضه ركعتان إلا المغرب، فإن فرض المسافر فِيهِ كفرض المقيم.

باب ذكر مواقيت الصلاة
16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ:

(1/77)


حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: نا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ، فَصَلِّ الظُّهْرَ.
فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ.
فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ.
فَقَامَ فَصَلاهَا حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ سَوَاءٌ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الصُّبْحَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَصَلِّ الظُّهْرَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ وَقْتًا وَاحِدًا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا ثُمَّ جَاءَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْفَجْرِ حِينَ إِسْفَارِهَا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ.
فَقَامَ فَصَلاهَا، فَقَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ "

(1/78)


أجمع أهل العلم عَلَى أن وقت الظهر زوال الشمس، ودلت السنة عَلَى أن آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس،

(1/79)


وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثلي مَا كَانَ، وإن قل، وآخر وقته لمن لا عذر لَهُ أن تصفر الشمس عَلَى ظاهر حديث عبد الله بن عمر، ولمن لَهُ عذر بنوم أو غفلة، أو الحائض تطهر، أو الغلام يبلغ، أو الكافر يسلم أن يدرك أي هؤلاء أدرك ركعة منها قبل غروب الشمس، وصلاة المغرب تجب بغروب الشمس، وآخر وقتها أن يغيب الشفق لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تفوت صلاة حَتَّى يجيء وقت الأخرى» .

الشفق
والشفق اسم يقع عَلَى الحمرة والبياض جميعًا في اللغة

(1/80)


وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها طلوع الفجر، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها.
وأول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير المعترض، وآخر وقتها لغير المعذور الإسفار، وللمعذور أن يصلي فيها ركعة قبل طلوع الشمس، والتغليس بالفجر أفضل، كفعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقت صلاة الجمعة كوقت صلاة الظهر، صلاها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الزوال،

(1/81)


وتعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها أفضل إلا صلاة الظهر في شدة الحر، فإنه يبرد بها للسنة.
ومن نام عن صلاة أو نسيها صلاها إذا ذكرها في أي وقت ذكرها، لقوله جل ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .
والثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ:

(1/82)


«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» .
ويتطوع المرء في كل وقت إلا وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها ووقت الزوال، للسنن الدالة عَلَى ذَلِكَ، وإذا صليت

(1/83)


كانت لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك أمرًا عامًا.
وإذا ذكرت صلاة عليك، وأنت في صلاة فصل هذه واقض تلك، ليس عليك أكثر من ذَلِكَ، وإن ذكرت صلاة عليك وأنت في وقت أخرى تخاف فوتها فابدأ بالتي تخاف فوتها، ثم صل تلك، واجمع بين الصلاتين إن شئت في وقت الأولى منها، وإن شئت في وقت الآخرة، جمع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر، وبين المغرب

(1/84)


والعشاء في أول وقت العشاء وَلا تطوع بينهما.

(1/85)


باب مَا جَاءَ في الأذان
17 - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُحَمَّدِ، قَالَ: نا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: نا الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(1/86)


هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا»
لا يؤذن للصلوات كلها إلا بعد دخول أوقاتها إلا أن يكون للمسجد مؤذنان، يؤذن أحدهما للصبح خاصة قبل طلوع الفجر، والآخر بعد طلوع الفجر، كفعل بلال، وابن أم مكتوم.
والأذان الذي علم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا محذورة ولم يزل عليه أهل

(1/87)


الحرمين قديمًا وحديثًا إِلَى هذا الوقت: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، حي عَلَى الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه» .
لم يزل أهل الحرمين يؤذنون في القديم والحديث بهذا الأذان غير أن أهل المدينة، يقولون: اللَّه أكبر.
مرتين في أول الأذان، وأهل مكة يقولون أربع مرات.

(1/88)


والإقامة فرادى، وهي أن يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، قد قامت الصلاة، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه.
لحديث أنس، قَالَ: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» ، ويقول في أذان الفجر بعد قوله: «حي عَلَى الفلاح» : الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.
والأذان والإقامة واجبان عَلَى كل جماعة في السفر والحضر، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بهما، وأمره عَلَى الفرض، وليس عَلَى من صلى بغير أذان وَلا إقامة إعادة، ويستقبل المؤذن القبلة، ويؤذن قائمًا عَلَى مكان مرتفع، ويجعل أصبعيه في أذنيه، وينحرف بوجهه في حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح يمينًا وشمالا، ويؤذن ويقيم للصلاة الفائتة، وإذا ذكر صلوات فوائت أذن للأولى منهما وأقام، ثم

(1/89)


يقيم لكل صلاة كذلك السنة، وإذا أراد الجمع بين الصلاتين جمع في وقت الأولى منهما، أو في وقت الآخرة، أذن للأولى وأقام فصلاها، ثم يقيم فيصلي الأخرى، كذلك فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته حين صلى الظهر والعصر بعرفة، وصلى بجمع المغرب والعشاء، كذلك ويستمع للأذان ويقول كما يقول المؤذن، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك، ويستحب الدعاء عند الأذان رجاء الإجابة،

(1/90)


ويؤذن طاهرًا ويجزيه إن أذن عَلَى غير طهارة، ويجزئ أذان الأعمى، والعبد، والمكاتب، والمدبر، والصبي، وتقديم أهل المعرفة والفضل أحسن، ويجزئ أذان الراكب، وإن أذن رجل وأقام آخر أجزأ وتؤذن الْمَرْأَة وتقيم، وتخفض صوتها، وَلا شيء عَلَيْهَا في ترك ذَلِكَ، ومن صلى وحده أذن وأقام وَلا يأخذ المؤذن عَلَى أذانه أجرًا.

باب ذكر مَا يقول المرء إذا خرج إِلَى الصلاة
روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " مَا خرج رجل من بيته إِلَى الصلاة، فَقَالَ: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا لم أخرج أشرًا وَلا بطرًا وَلا رياء وَلا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، إلا وكل اللَّه به سبعين ألف ملك يستغفرون لَهُ، وأقبل اللَّه عليه بوجهه حَتَّى يقضي صلاته ".
فإذا خرج إِلَى الصلاة مشى نحو مَا كَانَ يمشي وعليه السكينة، فإذا دخل المسجد سلم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللهم افتح لي أبواب رحمتك» ، فإذا أتى إِلَى الصف، قَالَ: اللهم آتني أفضل مَا تؤتي أحدًا من عبادك.

باب ذكر صفة الصلاة
18 - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى

(1/91)


بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا

(1/92)


الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
تبدأ إذا أردت الصلاة فتنتصب قائما مستقبل القبلة وليكن بدنك وثيابك التي تصلي فيها، والبقعة التي تصلي عَلَيْهَا طواهر من النجاسات، ثم ارفع يديك حذو منكبيك، ثم قل: اللَّه أكبر.
وانو الصلاة التي أردتها مع التكبير، ثم خذ شمالك بيمينك وانظر إِلَى موضع سجودك، وَلا تلتفت حَتَّى تفرغ من صلاتك، ثم إن شئت قلت: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك لَهُ وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
اللهم أن أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت

(1/93)


نفسي واعترفت لك بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك، وإن شئت قلت: سبحانك اللَّهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وَلا إله غيرك أي ذَلِكَ قلت يجزيك، ثم تقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه، ويجزيك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تقرأ فاتحة الكتاب، تبتديها ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، فإذا ختمتها، فقل: آمين، تجهر به ثم تقرأ سورة، ثم ارفع يديك حذو منكبيك وكبر للركوع وهو راكعا مع التكبير، فإذا ركعت فضع كفيك عَلَى ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وجاف مرفقيك عن جنبيك، فابسط ظهرك وعنقك، وَلا تخفض أحدهما عن الآخر وتحر أن يكون رأسك في الامتداد والاستواء مع ظهرك سواء، ثم قل: سبحان ربي العظيم، ثلاثًا، ثم ارفع رأسك وقل مع رفعك رأسك سمع اللَّه لمن حمده، وارفع يديك نحو حذو المنكبين مع قولك سمع اللَّه لمن حمده، فإذا استويت قائمًا، فقل: اللهم ربنا لك الحمد.
ثم خر ساجدًا تكبر مع انحطاطك وأنت تهوي للسجود، ولتقع ركبتاك عَلَى الأرض قبل يديك، ويداك قبل وجهك، واسجد عَلَى جبهتك وأنفك، وجاف مرفقيك عن جنبيك وادعم عَلَى كفيك، وصدور قدميك، واجعل كفيك حذو أذنيك، وفرج بين رجليك، واستقبل بأطراف أصابع رجليك القبلة، وترفع ظهرك، وَلا تلصق أحد فخذيك بالآخر، واسجد معتدلا، وَلا تفترش ذراعيك افتراش السبع، وضم أصابع يديك، واستقبل بها القبلة،

(1/94)


وقل في سجودك: سبحان ربي الأعلى، ثلاثًا، وأحب أن تقول مع ذَلِكَ: اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، تبارك اللَّه أحسن الخالقين، وتجتهد في الدعاء في السجود مَا لم تكن إمامًا تثقل عَلَى الناس، ثم ارفع رأسك وكبر مع رفعك رأسك حَتَّى تستوي جالسًا عَلَى بطن قدمك اليسرى، وانصب قدمك اليمنى، واطمئن جالسًا حَتَّى يستقر كل شيء منك، وقل وأنت جالس بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني، ثم كبر واسجد سجدة أخرى، وافعل فيها كما فعلت في الأولى، فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فكبر مع رفعك رأسك فيها.
فإن شئت فانهض عَلَى صدور قدميك وَلا تجلس، وإن شئت فاستو جالسًا، ثم انهض معتمدًا عَلَى الأرض بيديك حَتَّى تستوي قائمًا، ثم افعل في الركعة الثانية كفعلك في الركعة الأولى، فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الثانية فافرش قدمك اليسرى فاقعد عَلَيْهَا، وانصب اليمنى، وضع ذراعك اليسرى عَلَى فخذك اليسرى، وابسط كفيك عَلَى ركبتيك، وضع ذراعك اليمنى عَلَى فخذك اليمنى، ثم تشهد، فقل: التحيات لله والصلوات والطيبات لله، السلام عليك أيها النَّبِيّ ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم انهض بالتكبير حَتَّى تستوي قائما، وارفع يديك عند القيام من الركعتين كرفعك يديك عند رفعك رأسك من الركوع حَتَّى تحاذي بهما منكبيك.
وافعل في الركعتين الأخريين كما فعلت في الأوليين، إلا أنك تبدأ في الأخريين في كل ركعة بفاتحة الكتاب لا تزيد عَلَيْهَا، فإذا رفعت رأسك من الركعة الرابعة من السجدة الثانية فكبر مع رفعك رأسك، واقعد متوركًا عَلَى شقك الأيسر مفضيًا بمقعدتك إِلَى الأرض، وأخرج رجلك من الجانب الآخر، فأضجع اليسرى وانصب اليمنى ووجه أصابعك إِلَى القبلة إن أمكنك ذَلِكَ، وضع يديك عَلَى فخذيك، واعقد بيدك اليمنى بثنتين وحلق واحدة وأشر بالسبابة وأحنها شَيْئًا،

(1/95)


وأحب أن لا تجاوز بصرك الإصبع التي تشير بها، ثم تشهد كتشهدك في الجلسة الأولى، ثم قل: اللهم صل عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، اللهم بارك عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إنك حميد مجيد، ثم تعوذ من الأربع التي أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعوذ منهن، فقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم تقول: اللهم اغفر لي ولوالدي وتدعو بما أحببت مَا لم تكن إمامًا تثقل عَلَى الناس، فإذا فرغت فسلم عن يمينك، قل: السلام عليكم ورحمة اللَّه، وعن يسارك مثل ذَلِكَ.

باب السهو
19 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا ابْنُ قَعْنَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

(1/96)


مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ ثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُقِمْ رَكْعَةً ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ السَّلامِ، فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً، فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ»

(1/97)


كل مَا سها عنه المرء في صلاته سهوان: أحدهما قول والآخر فعل، مثل أن يجهر فيما يخافت فِيهِ أو يخافت فيما يجهر فِيهِ، أو يقول مكان سمع اللَّه لمن حمده: اللَّه أكبر، أو يتشهد وهو قائم، أو يقرأ في موضع التشهد قائما، فكل مَا كَانَ من هذا النوع، فإنه يرجع إِلَى مَا يجب عليه فيقوله، وليس عليه سجود سهو.
وأما الفعل الذي يفعله ساهيًا فيجب فِيهِ سجود السهو، فهو أن يجلس فيما يقام فِيهِ، أو يقوم فيما يجلس فِيهِ وما أشبه ذَلِكَ، وإذا قام المرء من الركعتين ساهيًا لم يرجع إِلَى الجلوس وأكمل صلاته وسجد سجود السهو قبل السلام، وإذا سلم من اثنتين أتم وسجد سجود السهو بعد السلام، وإذا صلى خمسًا سجد بعد السلام، وإذا شك بنى عَلَى اليقين، وسجد قبل السلام، ثم ابن

(1/98)


المسائل في هذا الباب عَلَى هذا المثال، ومن سها سهوين أو أكثر أجزأه لذلك كله سجدتان، وليس عَلَى من سها خلف الإمام سجود السهو، ومن نسي سجود السهو أو تركه لم يعد الصلاة، والسهو في التطوع كالسهو في الفرض، وإذا علم بسهوه ولم يدر سجد أم لا فليسجد لسهوه، وإذا شك في سجدة أو سجدتين سجد أخرى، وليس عليه لذلك سجود السهو.
ومن سها عن سجدة من الركعة الأولى فذكرها وهو في الثانية ضم سجدة من الركعة الثانية إِلَى الأولى فتمت لَهُ ركعة، ويجعل الثالثة ثانية، ويلغي مَا بينهما من العمل، فابن عَلَى هذا المثال.

باب ذكر مَا يفسد الصلاة وما لا يفسدها
20 - نا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: نا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:

(1/99)


حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي صَلاةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
قَالَ: فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ، قُلْتُ: وَاثَكَلُ أُمَّاهُ.
قَالَ: فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونَنِي، قَالَ: لَكِنِّي سَكَتُّ.
قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ مُعَلِّمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا سَبَّنِي وَلا ضَرَبَنِي.
قَالَ: «إِنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ

(1/100)


النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ»
أجمع أهل العلم عَلَى أن المصلي ممنوع من الكلام ودل هذا الحديث عَلَى أن الفرق بين الكلام الذي يجوز في الصلاة وَلا يجوز، فما يجوز من الكلام في الصلاة التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وفي معنى ذَلِكَ الدعاء، وَلا يجوز في الصلاة شيء من مخاطبة الآدميين مثل تشميت العاطس، ورد السلام، وجميع مَا يخاطب به المرء الآدميين من الكلام في هذا المعنى، والمصلي ممنوع من الأكل والشرب فمن عمد وأكل أو شرب في الصلاة أعاد.
وَلا أكره السلام عَلَى المصلي، ويرد بإشارة.
والضحك في الصلاة يقطع الصلاة، وَلا يوجب الوضوء والتبسم لا يقطع الصلاة ويكره مس الحصى والاختصار، وَلا إعادة عَلَى من فعل ذَلِكَ، ويكره أن يصلي ناعسًا، والنعاس لا يفسد الصلاة، ويكره تغطية الفم في الصلاة إلا إذا تثاءب، فإنه يمسك عَلَى فمه،

(1/101)


وَلا يتنخم في الصلاة قبل وجهه، وَلا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى، وأحسن من ذَلِكَ أن يجعله في ثوبه أو يدلك بعضه ببعض لئلا يؤذي مسلمًا، تدل السنن الثابتة عَلَى ذَلِكَ.
ويقتل الحية والعقرب في الصلاة، والعمل الخفيف مثل أن يتقدم المصلي خطوة أو خطوتين لا يفسد الصلاة وثبت، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حمل أمامة بنت أبي

(1/102)


العاص في الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها وإذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة بدأ بالعشاء» .

باب ذكر الجمعة
21 - نا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ

(1/103)


عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»

(1/104)


وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «في الجمعة ساعة لا يوافقها إنسان وهو قائم يصلي يسأل اللَّه شَيْئًا إلا أعطاه إياه» .
فأحسن مَا قيل في الصلاة التي يستجاب فيها الدعاء: إنها صلاة الجمعة.
وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع عَلَى قلبه» .
فالجمعة واجبة عَلَى الأحرار البالغين المقيمين وليس عَلَى من لم يبلغ فرض الجمعة، وَلا جمعة عَلَى المسافر، والعبد، والمكاتب، والمدبر، والمرأة، ويجزئهم إن حضروا فصلوا بصلاة الإمام، والسفر مباح يوم الجمعة مَا لم يناد المنادي، والجمعة تجب عَلَى كل جماعة قلوا أو كثروا في دار إقامة عَلَى ظاهر الآية، والبيع

(1/105)


والشراء يحرم ويفسخ إذا باع أحد أحدكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إِلَى أن يفرغ من الصلاة.
ويستحب الاغتسال يوم الجمعة، وليس بفرض يأثم من تركه ويستحب أن يستاك، ويمس الطيب، ويلبس من أحسن ثيابه ويمشي عَلَى السكينة، وَلا يتخطى رقاب الناس، ويستحب التهجير إِلَى الجمعة، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا كَانَ يوم الجمعة كَانَ عَلَى كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر ومثل المهجر كالذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة» .
ويقول عند خروجه من بيته: «بسم اللَّه، إني أعوذ بك أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علي» ، وليقل: «اللهم اجعلني اليوم من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من دعاك، وطلب إليك» ، ويسلم الإمام إذا دنا من منبره عَلَى من عند المنبر، فإذا رقي المنبر، واستقبل الناس سلم عليهم وقعد، ويؤذن المؤذن عند جلوس الإمام عَلَى المنبر، فإذا فرغ المؤذن قام فخطب، يعتمد عَلَى عصا أو قوس، ويخطب قائمًا خطبتين يفصل بينهما بجلوس، يبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه، والصلاة عَلَى رسوله والوصية بتقوى اللَّه ويقرأ { [ثم يجلس، ثم يقوم فيبدأ بحمد اللَّه ويثني ويصلي عَلَى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويوصي بتقوى اللَّه ويدعو

(1/106)


ويستقبل الناس إمامهم وينصتون لَهُ، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، وإن سمعت متكلمًا يتكلم فأشر إليه ليسكت، وإذا لم يسمع الخطبة ذكر اللَّه في نفسه وإن شاء قرأ القرآن» .
ويشرب إذا عطش والإمام يخطب إن شاء، وَلا يشمت عاطسًا، وَلا يرد سلامًا، وإذا نعس تحول من موضعه وَلا يصلي عند الزوال في شيء من الأيام.
وإذا دخل والإمام يخطب ركع ركعتين خفيفتين، ويستحب أن يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، و] إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [سورة المنافقون: 1] ، ويجزئه مَا قرأ مع فاتحة الكتاب، ومن أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى، وإن أدركهم جلوسًا صلى أربعًا، ولهم أن يصلوا جماعة إذا فاتتهم الجمعة.
وليس لمن لا عذر لَهُ أن يتخلف عن الجمعة، وَلا يجزئه إن صلى قبل الإمام، والجمعة جائزة خلف كل إمام، ويصلي بعد الجمعة أربعًا وتجزئه ركعتان.

(1/107)


باب صلاة العيدين
22 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو النَّصْرِ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»

(1/108)


صلاة العيد سنة عَلَى الحاضر والمسافر من الرجال والنساء وليس بفرض، يدل عَلَى أن ذَلِكَ ليس بفرض خبر طلحة بن عبيد اللَّه وقد ذكرناه في أول كتاب الصلاة.
ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو، وترك الأكل يوم الأضحى حَتَّى يرجع، ويستحب الاغتسال للعيد كَانَ ابن عمر يفعله.
ويخرج الإمام إِلَى المصلى، اقتداء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أمر علي بن أبي طالب بذلك.
ويستحب أن يخرج من طريق ويرجع من غيره، ويكبر الإمام إذا غدا إِلَى المصلى، ويفعل ذَلِكَ الناس، وإن فعلوا ذَلِكَ عند رؤية هلال شوال فحسن.
ويصلي العيد بغير أذان وَلا إقامة، ويتقدم الناس إِلَى مصلاهم، ويأتيهم الإمام إذا حلت الصلاة، ويبدأ الإمام فيكبر ثم يقول مَا قد ذكرته في باب صفة الصلاة، ثم يكبر سبع تكبيرات يفصل بين كل تكبيرتين بسكتة خفيفة، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ويركع ويسجد، فإذا قام إِلَى الركعة الثانية، قام بتكبير وكبر خمسًا قبل القراءة، ويقرأ بفاتحة الكتاب، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ويجهر بالقراءة، ويفعل في الركوع والسجود والتشهد كما وصفت في باب صفة الصلاة.
ويخطب بعد الصلاة خطبتين يفصل بينهما بجلوس عَلَى مَا وصفت في باب الجمعة،

(1/109)


ويكبر في أضعاف الخطبة، ويعلمهم في خطبته يوم الفطر مَا يجب عليهم من الزكاة، وعلى من تجب، ومن تعطى ويعلمهم في خطبته يوم النحر فضل يومهم، وفضل نحائرهم، وذبائحهم، وفضل استعظام ذَلِكَ واستحسانه، وما يجزئ من الضحايا، وَلا يجزئ.
ووقته، ويكبر الناس خلف الصلوات من صلاة الغداة يوم عرفة إِلَى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، هذا قول عمر، وعلي، وابن عباس، وجماعة، والتكبير أن يقول: اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه والله أكبر ولله الحمد، كذلك قَالَ عمر، وعلي، وابن مسعود.
ويكبر الناس في أدبار الصلوات المكتوبات والنوافل في الحضر والسفر، ومقبلين ومدبرين، قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ، وجاء عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه» .
ومن فاتته صلاة العيد صلى ركعتين كصلاة الإمام، ويصلي قبل العيد وبعده مَا شاء، وإذا لم يعلموا بعيدهم إلا بعد الزوال خرجوا من الغد وصلوا صلاة العيد.

(1/110)


باب ذكر الإمامة
23 - وَأَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ»
فحضور الجماعات فرض عَلَى من لا عذر لَهُ استلالا بهذا الحديث.
ويقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن أم مكتوم وقد سأله: هل لي رخصة أن أصلي في

(1/111)


بيتي؟ ، قَالَ: «تسمع النداء؟» ، قَالَ: نعم.
قَالَ: «لا أجد لك رخصة» .
ومن العذر الذي للمرء أن يتخلف من أجله عن حضور الجماعات المرض، «مرض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخلف عن الجماعة» .
وللصائم إذا حضر عشاؤه أن يبتدئ به قبل الصلاة، ولمن به غائط أو بول أن يبتدئ به قبل الصلاة بل كذلك يفعل، ويتخلف في الليلة المطيرة إن شاء عن حضور الجماعات، وإذا خاف عَلَى نفسه، أو عَلَى ماله، فله أن يتخلف عنها.

(1/112)


وأحق القوم بالإمامة أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا، كذلك السنة.
وتجوز إمامة غير البالغ إذا عقل الصلاة، ويؤم الأعمى والعبد إذا كَانَ أقرأهم، ويجزئ أن يؤم الأمي، وتقديم القارئ أحب إلي ويقوم القوم إِلَى صلاتهم إذا قام إمامهم، ويكبر الإمام إذا فرغ المؤذن من الإقامة، ويقوم الواحد عن يمين الإمام، فإذا جَاءَ آخر فالإمام بالخيار فإن شاء تقدمهما، وإن شاء جعلهما من ورائه.
وإذا كَانَ الإمام ورجل وصبي وامرأة فقام الرجل والصبي وراء الإمام، وقامت الْمَرْأَة من ورائهم عَلَى حديث أنس، وَلا يبادر المأموم الإمام بالصلاة، وَلا يرفع قبله ويجهر الإمام عند فراغه بفاتحة الكتاب بآمين.
ليؤمن من خلفه،

(1/113)


ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها، وذلك إذا كبر المأموم، وتمكن من الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه، ويكره للإمام أن يثقل عَلَى الناس ويستحب لَهُ التخفيف، وتدل عَلَى ذَلِكَ السنن، وإذا صلى الإمام جالسًا صلوا جلوسًا كما أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

(1/114)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا صلى الإمام بالقوم وهو جنب أعاد ولم يعيدوا، وإذا فات القوم الصلاة مع الإمام صلوا جماعة أي صلاة كانت وفي أي مسجد كانوا.

(1/115)


وَلا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم.
ويصلي النافلة خلف من يصلي الفرض ويصلي الفرض خلف من يصلي التطوع، وتؤم الْمَرْأَة النساء وتقوم وسطهن، وتخفض صوتها تسمع نفسها، ومن تليها في الصلاة التي تجهر فيها بالقراءة، وصلاة النساء في البيوت أفضل، ويجزيها أن تصلي مع الإمام، وليس لها أن تتطيب إذا خرجت وَلا يجزئ أن تصلي أمام الإمام، وقد قيل: يجزئ ذَلِكَ في حال الضرورة.
وصاحب المنزل أحق بالإمامة في منزله من غيره، وَلا يكبر المأموم حَتَّى يكبر إمامه، ويستحب أن يكون للإمام سكتة قبل أن يفتتح القراءة، وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب، ليقرأ من خلفه، وما أدرك المأموم من صلاة الإمام يكون أوله صلاته، وللإمام إذا أحدث أن يستخلف من يتم بالقوم بقية صلاتهم، وليس يجوز لمن أكل ثومًا أبو بصلا أن يحضر الجماعة، ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا في مسجدنا» .

(1/116)


باب صلاة المسافر
24 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ

(1/117)


أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ» .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى»

(1/118)


ففرض المسافر ركعتان لا يجزئه غيرهما إلا صلاة المغرب، فإنها ثلاث لا اختلاف فِيهِ، وكان ابن عمر يقصر في مسيرة اليوم.
ومن خرج في حج أو عمرة أو جهاد أو مباح من تجارة وغير ذَلِكَ قصر الصلاة، وَلا يقصر الصلاة حَتَّى يخرج من بيوت بلده وإلى أن يدخل راجعًا أول بيوت بلده أو بلد يريد المقام به.
وإذا صلى مقيم خلف مسافر أكمل صلاته، ويصلي المسافر خلف المقيم فرضه وينصرف،

(1/119)


ومن خرج في طلب ضالة أو غريم أتم الصلاة حَتَّى يقصد قصد بلد تقصر إليه الصلاة، وإذا قدم المسافر بلدًا فَقَالَ: أخرج اليوم أخرج غدًا قصر مَا لم يجمع عَلَى المقام، وفي حد المقام الذي يجب الإتمام عَلَى المسافر قولان: أحدهما: أن يتم إذا عزم عَلَى مقام خمس عشرة، روي هذا القول عن ابن عمر، وبه قَالَ الثَّوْرِيّ، والكوفيون.
والقول الثاني: أن يتم إذا عزم عَلَى مقام اثنتين وعشرين صلاة.
هذا قول أحمد بن حنبل.
ومن نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر صلى فرضه الذي كَانَ عليه صلاة السفر،

(1/120)


وإن نسيها في الحضر فذكرها في السفر صلى فرضه صلاة الحضر.
وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله قصر الصلاة، وإذا خرج إِلَى السفر بعد زوال الشمس قبل خروج الوقت قصر الصلاة، وللملاح وصاحب السفينة والمكاري أن يقصروا لأنهم في جملة المسافرين.

باب ذكر صلاة الخوف
25 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا رَوْحٌ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ: «تَقُومُ طَائِفَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يَقْضُوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُوا إِلَى مَقَامِ

(1/121)


أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ أَصْحَابُهُمْ إِلَى مَكَانِ هَؤُلاءِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وسَجَدْتَيَنْ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ»
26- نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا رَوْحٌ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَلاةِ الْخَوْفِ ثَمَانِيَةَ أَنْوَاعٍ فِي كتاب مُخْتَصَرِ الصَّلاةِ
قَالَ: وإذا كانوا في حال شدة الخوف صلوا رجالا وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها،

(1/122)


مقبلين ومدبرين، وإذا صلى بعض صلاة شبه الخوف ثم أمن، بنى وأكمل صلاته، وإن صلى بعض صلاته بالأرض فحدث به شدة خوف ركب، وأتم صلاته صلاة شدة الخوف.
وله إذا احتاج إِلَى القتال في الصلاة أن يقاتل ويضرب ويشير ويقبل ويدبر، ويصلي صلاة الخوف في الحضر يجعلهم طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وينتظرهم في التشهد جالسًا، ويتمون لأنفسهم وينصرفون وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، ويثبت جالسًا، ويصلون لأنفسهم، فإذا جلسوا وتشهدوا سلم بهم، وإذا كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة عَلَى هذا المثال.

باب ذكر صلاة الخسوف
27 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، قَالَ: نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ "

(1/123)


أحب أن تصلي صلاة الخسوف جماعة اقتداء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى عَلَى مَا في حديث ابن عباس، وقد ذكرنا سائر الأنواع من هذا الباب في مكان آخر.
ويخطب الإمام بعد الصلاة يعلمهم ويذكرهم ويعرفهم في خطبتين، أن الخسوف آية من آيات اللَّه، ويأمرهم بالدعاء والتكبير والصدقة والعتق، ويجهر بالقراءة كَانَ ابن عباس يقرأ في الركعات الأول بالبقرة، وقرأ في الركعات الأواخر بآل عمران، ويجزئه مَا قرأ في كل ركعة مع أم القرآن ويسجد سجودًا طويلا، كما ذكره عبد الله بن عمر عن سجود رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويصلي لكسوف القمر كما

(1/124)


يصلي لخسوف الشمس، ويحضر العجائز ومن لا هيئة لها منهن من الشباب صلاة الخسوف، ويصلون جماعة إذا تخلف الإمام عنها، ويصلي بعد العصر لكسوف الشمس مَا لم يقارب الغروب، ويصلي بعد طلوع الفجر لكسوف القمر مَا لم يقرب وقت طلوع الشمس، وحسن أن تصلى عند الزلزالة إذ هِيَ آية، روينا عن ابن عباس، أنه صلى في الزلزلة بالبصرة.

باب ذكر صلاة الاستسقاء
28 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُنَاسٍ لِيَسْتَسْقِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَدَعَا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ»

(1/125)


يستحب إذا احتاج الناس الاستسقاء أن يأمر الإمام الناس قبل خروجهم بالصدقة، والصوم، والخروج من المظالم فيما لبعضهم قبل بعض في دم ومال وعرض، ويخرج بهم إِلَى المصلى ويصلي بهم ركعتين بلا أذان وَلا إقامة كصلاة العيد، وفي وقت صلاة العيد، ويكون حال الإمام وقت خروجه حال تواضع وتبذل وتخشع.
ويخطب قبل الصلاة، يخطب الخطبة الأولى ويجلس، ثم يقوم فيخطب بعض الخطبة الأخرى ثم يستقبل القبلة، ويحول رداءه، ويحول الناس أرديتهم، يجعلون مَا عَلَى اليسار عَلَى اليمين، وما عَلَى اليمين عَلَى اليسار، ويكون من دعائه مَا ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدعو به: «اللهم اسقنا غيثًا مغيثا مريئا مريعا طبقًا غدقًا عاجلا غير رائث نافعًا

(1/126)


غير ضار» .
وروينا عن عمر: أنه خرج ليستسقي فما زاد عَلَى الاستغفار حَتَّى رجع، فإن استسقى قوم فدعو بغير صلاة فحسن.

باب ذكر صلاة التطوع
29 - نا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي

(1/127)


سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَطَوُّعًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»
هذا مفسر في خبر آخر: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، وثبت

(1/128)


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا صلاة المكتوبة» .
وروينا عنه، أنه قَالَ: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» .
وروينا عنه، أنه قَالَ: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» .
وقال أبو هُرَيْرَة: " أوصاني خليلي بثلاث: صوم

(1/129)


ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم عَلَى وتر، وقد صلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الضحى عام الفتح ثمان ركعات " ,

(1/130)


وقال: «صلاة القاعد عَلَى النصف من صلاة القائم» .
ويتطوع في السفر، ويصلي عَلَى راحلته في السفر عَلَى أي جهة توجهت به الوتر، وغيره إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع.

باب ذكر صلاة الوتر
30 - نا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ

(1/131)


عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»
وقت الوتر مَا بين صلاة العشاء إِلَى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد

(1/132)


فات الوتر، والوتر آخر الليل، أفضل لمن قوي عليه، وأحوط أن يوتر من لم يعتد قيام الليل أول الليل، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلاة الليل مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة» .
ويستحب أن يصلي المرء ركعتين ركعتين، فإذا أراد أن يوتر صلى ركعتين يقرأ في الأولى منهما بفاتحة الكتاب وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثم يسلم، ثم يقوم فيكبر، ويقرأ في الثالثة بفاتحة الكتاب، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإن قنت قنت بعد الركوع، ويقول في قنوته: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر مَا قضيت، فإنك تقضي وَلا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت.
وروينا عن عمر: أنه كَانَ يقول في القنوت في الوتر: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك وَلا نكفرك ونخلع، ونترك من يفجرك بسم اللَّه الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق.
ويؤمن من خلف الإمام عَلَى دعاء الإمام ويرفع ويرفعون أيديهم، فإذا

(1/133)


فرغوا من الدعاء مسحوا بها وجوههم.

باب سجود القرآن
31 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ يَا وَيْلَهُ أُمِرَ هَذَا بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ ".
ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي: ص، وَفِي:

(1/134)


النَّجْمِ، وَفِي: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، و: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي

(1/135)


خَلَقَ، وَرُوِّينَا عَنْهُ: أَنَّهُ «سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ» .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ سُجُودُ الْقُرْآنِ، فَقَالا: الأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّمْلِ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمَ، وَالْحَجِّ أَوَّلُهُمَا، وَالْفُرْقَانِ، وَطس، وَالم تَنْزِيلٌ، وَص، وَحم السَّجْدَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً
فإذا ضممت

(1/136)


مَا روي عنهما إِلَى مَا روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صار خمس عشرة سجدة وكذلك نقول، ويقول في سجود القرآن مَا يقول في سجود الصلاة، ويسجد في كل وقت لا تحرم فِيهِ صلاة، ويسجد عَلَى الراحلة في السفر إيماء، ويكبر إذا سجد ويرفع رأسه بالتكبير، وليس فِيهِ تشهد وَلا سلام، وَلا يسجد إلا طاهرًا.

باب ذكر قيام الليل
32 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ.
فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي

(1/137)


أُذُنِيِه أَوْ أُذْنِهِ ".
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»
فقيام الليل مستحب ومكروه تركه، وأحب أن يصلى بالليل عشر ركعات يفصل بين كل ركعتين بتسليم ثم يوتر بواحدة.
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل» .
ويوقظ المرء

(1/138)


أهله لقيام الليل وتوقظه هِيَ، وأفضل أوقات الليل أن ينام المرء نصفه، ويقوم ثلثه، وقيام سدسه لثبوت ذَلِكَ عن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويستحب التطوع والابتهال إِلَى اللَّه في الثلث الآخر من الليل، وأفضل الصلاة طول القنوت، غير أنه يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ويستحب لمن فاته حزبه من الليل بنوم أو غيره، أن يقرأه فيما بين الفجر وصلاة الصبح.

باب ذكر الصلاة عند العلل
33 - نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا

(1/139)


وَكِيعٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ

(1/140)


حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ بِي الْبَاسُورُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»
هكذا يصلي من عجز عن القيام، ويستحب أن يكون في حال قعوده متربعًا، ويجزئه كيف قعد وَلا يرفع إِلَى وجهه شَيْئًا يسجد عليه، ولكنه يومئ عَلَى قدر طاقته، وليس لمن أراد أن يعالج عينيه أن يصلي مستلقيًا، فإن فعل كَانَ عاصيًا، ولم تجزه الصلاة، ترك ابن عباس معالجة عينيه من أجل الصلاة.

باب ذكر حد البلوغ
34 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ

(1/141)


أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ حَتَّى يَفِيقَ "
الاحتلام والإنبات والاستكمال خمس عشرة سنة حد لبلوغ الرجال والنساء، وفي الْمَرْأَة خصلة رابعة وهي الحيض، تكون بوجوده فيها بالغًا يجب عَلَيْهَا الفرائض، ويؤمر الصبي بالصلاة ابن سبع، ويضرب عَلَيْهَا ابن عشر.

(1/142)


وليس عَلَى من أغمي عليه إعادة صلاته، ويصلي الصلاة التي أفاق في وقتها، وأحسن مَا قيل فيمن عليه صلاة واحدة لا يدري أي صلاة هِيَ أن يصلي خمس صلوات، وَلا قضاء عَلَى المجنون للصلاة وَلا للصوم، لأن القلم مرفوع عنه.

باب ذكر اللباس في الصلاة
35 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ".
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»

(1/143)


فالصلاة في الثوب الواحد تجزئ غير أن المصلي إذا كَانَ الثوب واسعًا يخالف بين طرفيه، وإذا كَانَ ضيقًا يشده عَلَى حقوه، لحديث جابر لا يجوز غير ذَلِكَ، والعورة التي يجب أن تستر عند كثير من أهل العلم مَا بين السرة إِلَى الركبة، وتستر الْمَرْأَة جميع بدنها غير كفيها ووجهها.
وتصلي الأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد بغير قناع، ويصلي العريان الذي لا يجد مَا يستتر به قائمًا ويركع ويسجد لا يجزئه غير ذَلِكَ، ويصلون إذا كانوا جماعة صفًا واحدًا إمامهم وسطهم وإن تقدمهم أجزأهم ذَلِكَ، ويغض بعضهم عَلَى بعض بصره، وتكره الصلاة في الثوب الحرير وَلا إعادة عَلَى من صلى به.

باب سترة المصلي
36 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى، عَنْ

(1/144)


عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ تُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ يُصَلِّي إِلَيْهَا» ، وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ»
وارتفاع ذَلِكَ عن وجه الأرض قدر ذراع فصاعدًا وإن دور فلم يجد شَيْئًا خط خطًا بين يديه كالهلال، ويكره المرور بين يدي من يصلي إِلَى سترة، لحديث أبي سعيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إذا صلى أحدكم إِلَى شيء يستره،

(1/145)


فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» .
وليس عَلَى من صلى وبين يديه نائم شيء، ويكره أن يصلي ورجل مستقبله، وَلا يقطع الصلاة شيء وليدرأ مَا استطاع، وَلا بأس بالصلاة عَلَى الحصر والبسط ومما أنبتت الأرض وعلى جلود الأنعام، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها وغير ذَلِكَ، وَلا بأس بالصلاة في النعلين.

باب ذكر المساجد
37 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

(1/146)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»
فليصل من دخل المسجد ركعتين قبل أن يجلس وليس بواجب.
ويكره التنخم في المسجد وينظف ويطهر، وَلا بأس بالنوم في المسجد، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» .
وَلا بأس أن يتمسح المحدث في المسجد مكانًا لا يتأذى بندى الطهور، وليقل عند خروجه من المسجد: «اللهم إني أسألك من فضلك» .

(1/147)


باب الأمر بتلقين الميت قول لا إله إلا اللَّه
38 - نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: نا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ

(1/148)


رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ»
تغميض أعين الموتى سنة، ويقول الذي يغمض الميت: «بسم اللَّه وعلى ملة رَسُول اللَّهِ» ، ويستقبل بالميت القبلة، ويسجى بثوب، «سجي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في برد حبرة» .

باب ذكر غسل الميت
39 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهَلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ

(1/149)


أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: " تُوُفِّيَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَنِّي.
فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» .
قَالَت حَفْصَةُ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: ضَفَّرْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا، وَأَلْقَيْنَاهَا إِلَى خَلْفِهَا، قَالَ: الْحِقْوُ

(1/150)


الإِزَارُ "
يبدأ الغاسل فيطرح عَلَى عورة الميت خرقة يستر مَا بين سرته وركبتيه، ويمر يده عَلَى بطن الميت إمرارًا خفيفًا يغسل شيئا إن خرج منه، ويكون عَلَى يده في ذَلِكَ خرقة ملفوفة، ويستدل بنظره إِلَى الخرقة عَلَى اتقاء مَا هناك، ثم يوضأ وضوءه للصلاة، يبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ثم يغسل بالماء القراح غسلة ثم يضرب السدر أو مَا يقوم مقام السدر ويصفى، فيبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم بشق رأسه الأيسر ويغسل جميع بدنه، يبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ويبدل الخرقة التي عَلَى عورته في كل غسلة، ثم يغسل فتكون غسلة ثانية، ثم يغسل بالماء فِيهِ الكافور عَلَى مَا وصفنا بهذه ثلاث غسلات، وإن شاء غسله خمسًا عَلَى قدر الحاجة إليه، فإذا فرغ من غسله استحف في ثوب.
ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت، وتغسله هِيَ، وإذا مات رجل مع نساء لا رجل معهن يممنه، وكذلك يفعل الرجال إذا ماتت امرأة معهم.

(1/151)


وإذا مات المحرم غسل بماء وسدر وكفن في ثوبيه، وَلا يقرب طيبًا، كذلك السنة.
وَلا يغسل الشهيد المقتول في المعركة، وَلا يصلى عليه ويغسل الجنب الميت والحائض الميتة، وَلا يغسل المسلم ذا قرابته من المشركين، ولكنه يواريه، وليس عَلَى من غسل ميتًا أن يغتسل، وإذا مات المجدور أو من يخاف تهري لحمه يمم.

باب ذكر الأكفان
40 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

(1/152)


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُفِّنَ فِي ثَلاثَةَ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إِدْرَاجًا» ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضِ الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهَا
يكفن الميت في ثلاثة أثواب كما كفن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزئ أن يكفن في ثوب أو ثوبين، وتكفن الْمَرْأَة في خمسة أثواب، درع وخمار ولفافتين وثوب لطيف يشد عَلَى وسطها، ويستحب من الأكفان البياض، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

(1/153)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وكفنوا فيها موتاكم» .
ويستحب تحسين الأكفان وتجمر الأكفان، ويخرج الكفن من رأس مال الميت، ويحنط الميت، وأحسن مَا استعمل في حنوطه الكافور، يبدأ بمساجده الجبهة ثم الأنف واليدين والركبتين، وصدور القدمين، ويبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ويستعمل المسك في حنوطه.

باب الأمر باتباع الجنائز
41 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هشام، عَنْ

(1/154)


قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأَسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُودُوا الْمَرْضَى وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ»
ويسرع بالجنائز للثابت، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أسرعوا بجنائزكم» .

(1/155)


ويستحب المشي أمام الجنازة للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان.
وإذا رأى الرجل الجنازة فإن شاء قام وإن شاء جلس، وإذا اتبعها لم يقعد حَتَّى توضع للأخبار الدالة عَلَى ذَلِكَ، وإذا أراد حمل الجنازة بدأ فحمل ياسرة

(1/156)


السرير المقدمة عَلَى عاتقه الأيمن، ثم ياسرته المؤخرة عَلَى عاتقة الأيمن، ثم يامنة المؤخرة عَلَى عاتقه الأيسر، ثم يامنة السرير المقدمة عَلَى عاتقه الأيسر كأنه يدور عَلَيْهَا، وَلا بأس أن يحمل بين عمودي السرير عَلَى كاهله، روينا هذه عن عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هُرَيْرَة، وابن الزبير ويكره رفع الصوت عند حمل الجنائز.

باب ذكر الصلاة عَلَى الجنائز
42 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا وُهَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغُوا أَنْ يَكُونُوا مِائَةً يَشْفَعُونَ لَهُ إِلا شُفِّعُوا فِيهِ»

(1/157)


يصلى عَلَى الميت في جميع ساعات الليل والنهار إلا في الساعات الثلاث: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، وإذا حضر الولي والوالي فالوالي أحق بالصلاة عَلَى الميت لحديث الحسين بن علي.
وولي الْمَرْأَة أحق بالصلاة عَلَيْهَا من الزوج، ويصلى عَلَى السقط إذا استهل، ويصلى عَلَى جميع المسلمين الأخيار منهم والأشرار، من قتل في حد أو مات سكران وعلى من قتل نفسه، وولد الزنى إلا الشهداء الذين أكرمهم اللَّه تترك الصلاة عليهم، ويصلى عَلَى العضو من أعضاء الإنسان، ويصلى عَلَى القبر، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى عليه،

(1/158)


ويصلى عَلَى الجنائز في المسجد صلي عَلَى أبي بكر، وعمر في المسجد.
وتكره الصلاة عَلَى الميت بين القبور، ويصلى بالنية عَلَى الميت الغائب، صلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النجاشي،

(1/160)


ويقوم الإمام من الْمَرْأَة وسطها، وعند رأس الرجل، وإذا وضعت الجنائز جعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، وإذا وضع حر وعبد، فالذي يلي الإمام منهما الحر، وإذا اختلط أهل الإسلام وأهل الشرك فلم يتميزوا صلي عليهم، وينوي بالصلاة المؤمنين، وَلا يتيمم في الحضر للصلاة عَلَى الجنازة.

باب صفة الصلاة عَلَى الجنائز
43 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَعَى النَّجَاشِيَّ إِلَى أَصْحَابِهِ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا»
فالتكبير عَلَى الجنائز أربع يرفع يديه في كل تكبيرة، يقول: اللَّه أكبر، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، ثم يكبر الثانية ويصلي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول:

(1/161)


اللهم صل عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، اللهم بارك عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إنك حميد مجيد.
ثم يكبر الثالثة، ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه عَلَى الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه عَلَى الإيمان.
ثم يكبر الرابعة، ويقف كقدر مَا بين التكبيرتين يستغفر للميت ويدعو لَهُ، ثم يسلم تسليمة واحدة يميل إِلَى الشق الأيمن.

باب دفن الموتى
44 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاثْنَيْنَ وَالثَّلاثَةَ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا»

(1/162)


فدفن الموتى واجب عَلَى الناس لا يسعهم غير ذَلِكَ، ويسل الميت من قبل رجل القبر كفعل أهل الحجاز بموتاهم، ويلحد الميت، وتنصب عليه اللبن نصبا، ويجعل فوق اللبن الإذخر، وإن لم يلحد لَهُ وشق فجائز.
ويقول إذا وضع الميت في قبره: بسم اللَّه وعلى ملة رَسُول اللَّهِ ويستحب أن يحثي من حضر الدفن بيده ثلاث حثيات، وَلا بأس بالدفن بالليل، دفنت مسكينة عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم ينكر ذَلِكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفن أبو بكر،

(1/163)


وفاطمة، وعائشة ليلا، وَلا بأس بزيارة القبور يستغفر للميت، ويرق قلب الزائر، ويذكر الآخرة.

(1/164)