الإقناع
لابن المنذر كتاب الزكاة
أجمع أهل العلم عَلَى أن الزكاة تجب في تسعة أشياء في: الإبل، والبقر،
والغنم، والذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والزبيب إذا بلغ من كل
صنف منها مَا تجب فِيهِ الزكاة.
باب ذكر صدقة الإبل
دل خبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن «لا
صدقة فيما دون خمس ذود» .
45 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
(1/165)
أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى
الأَّنْصَارِيَّ، ثُمَّ الْمَازِنِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
ذُودٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»
(1/166)
باب ذكر فرائض الإبل
46 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ «أَنَّ هَذِهِ
الْفَرَائِضَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ
اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ، فِيمَا
دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ
(1/167)
شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ
لَمْ تَكُنِ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ
سِتًّا وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ،
فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ
الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا
جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ
فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى التِّسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى
وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ
أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» .
وَلَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ شَيْءٌ
حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِينَ وَمِائَةً، فَيَكُونُ فِي ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ
ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ
باب إذا لم يوجد السن الذي يجب في المال أو وجد
دونه أو فوقه
47 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ،
(1/168)
قَالَ: نا أَبِي، عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ
لَهُ «هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ
بِهَا نَبِيَّهُ» ذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ.
وَإِنَّمَا بَيَّنَ أَسْنَانَ الإِبِلِ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ،
الصَّدَقَاتُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ
وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وَعِنْدَهُ الْحِقَّةُ، فَإِنَّهَا
تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا،
وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ الْحِقَّةَ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ
وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ
الْمُصَدِّقَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ
صَدَقَتُهُ الْحِقَّةَ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلا ابْنَةَ لَبُونٍ
فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ اللَّبُونِ وَيُعْطِي مَعَهَا
شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ
لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ
مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ
شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ،
وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ
وَيُعْطِي مَعَهَا شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ
صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ،
فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ
عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ
مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِنَّهُ
يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.
وَبِهَذَا نَقُولُ
باب صفة صدقة البقر
48 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ
سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
مُعَاذٍ، قَالَ: «بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ
(1/169)
يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً
تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً»
ففي ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين مسنة
وتبيع، وفي ثمانين بقرتان مسنتان، وفي تسعين بقرة ثلاثة أتبعة، وفي مائة
بقرة مسنة وتبيعان، فإذا كثرت البقر ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين
تبيع.
باب صدقة الغنم
49 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ
النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ هَذِهِ الْفَرَائِضَ
وَالصَّدَقَةَ الَّتِي افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى
(1/170)
الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ
بِهَا رَسُولَهُ، «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا
كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا
زَادَتْ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ
فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ
فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ
نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ
إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا»
باب ذكر النهي عن الجمع بين المفترق والتفريق
بين المجتمع في السوائم خشية الصدقة
50 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ
النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ
عَوَارٍ، وَلا تَيْسُ الْغَنَمِ إِلا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَلا
يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ
الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ
بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ»
فمما نهي عنه الجمع بين المفترق أن ينطلق ثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة،
فإذا أظلهم المصدق جمعوها لأن يسقطوا عن أنفسهم شاتين، ومما نهي عنه من
التفريق بين المجتمع أن يأتي المصدق إِلَى عشرين ومائة شاة بين ثلاثة تجب
عليهم شاة يفرق بينهم ليأخذ منهم ثلاث شياه.
وسائر المسائل مبينة في غير هذا الموضع، وإذا كانت الماشية بين الخليطين
وهو أن يسرحا ويسقيا ويروحا معًا وتختلط، فحولتها وحال عَلَيْهَا الحول من
يوم اختلطا زكيا زكاة الخلطاء، وليس في عوامل الإبل والبقر صدقة، وتؤخذ
صدقاتهم عَلَى مياههم وبأفنيتهم، وليس في الخيل وَلا في الخمر وَلا البغال
صدقة، وليس عَلَى الرجل في عبده وَلا فرسه صدقة.
(1/171)
باب مَا جَاءَ في زكاة مَا أخرجت الأرض
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ليس
فيما دون خمسة أوسق صدقة» .
وقد ذكرت إسناده فيما مضى.
51 - نا عِلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ
يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ،
(1/172)
وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ
الْعُشْرِ»
وبهذا نقول.
والصدقة واجبة في: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وَلا صدقة في سائر
الحبوب والثمار، وَلا الخضر، وَلا يضم الإبل إِلَى البقر، وَلا البقر إِلَى
الإبل، وَلا إِلَى الغنم وَلا يضم شيء من أصناف الحبوب إِلَى صنف غيره،
وَلا يكون عَلَى الرجل شيء حَتَّى يملك من كل صنف مَا يجب فِيهِ الزكاة،
والوسق ستون صاعًا بصاع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وليس في العسل صدقة، والعشر يجب في الحب والخراج عَلَى الأرض، وإذا استأجر
رجل أرضًا فزرعها فالزكاة عَلَى المستأجر الزارع.
وإذا زرع الذمي أرضًا من أرض العشر فأخرجت حبا فلا زكاة عليه، وليس للمرء
أن يخرج الحشف، والتمر الرديء عن الجيد، والقياس إذا كَانَ لَهُ تمر رديء
وتمر جيد أن يخرج من كل بقسطه.
باب ذكر الخرص
52 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا
قَالَتْ وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى الْيَهُودِ
فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ
يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرَ يَهُودًا
(1/173)
يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخِرْصِ لِكَيْ
يَحْصُرَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتَفْتَرِقَ»
روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ في
زكاة الكرم: «يخرص كما يخرص النخل، ثم تخرج زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة
النخل تمرا» .
وكان عمر بن الْخَطَّابِ، يقول لسهل بن أبي حثمة: «إذا أتيت عَلَى نخل قد
خرصها قوم فدع لهم قدر مَا يأكلون» .
باب مَا جَاءَ في زكاة الفضة
53 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ
يَحْيَى الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ الْمُزَنِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ
(1/174)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»
وأجمع أهل العلم عَلَى أن في مائتي درهم خمسة دراهم وكذلك نقول.
وتخرج زكاة مَا زاد عَلَى المائتي درهم وإن قلت الزكاة كما نقول، ويقول: من
خالفنا فيما زاد عَلَى الخمسة الأوسق قلت الزيادة أو كثرت.
باب زكاة الذهب
54 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ نا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ
ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ
(1/175)
الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ، ثُمَّ أُحْمِيَ
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ يُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ، وَجَبْهَتُهُ
وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ حَتَّى
يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ
وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»
فالزكاة في الذهب تجب بظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] .
وهذا الخبر، وعوام أهل العلم، يقولون في عشرين مثقالا من الذهب: نصف مثقال.
وَلا يجوز ضم الذهب إِلَى الورق، كما لا يجوز ضم الإبل إِلَى البقر، وفيما
زاد عَلَى العشرين مثقالا ربع العشر، وفي الحلي الزكاة عَلَى ظاهر الكتاب
والسنة وليس في اللؤلؤ والياقوت وسائر الجواهر زكاة.
(1/176)
باب ذكر الركاز والمعادن وغير ذَلِكَ
55 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،
وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَفِي
الرِّكَازِ الْخُمُسُ»
(1/177)
ففي الركاز الخمس قليلا كَانَ أو كثيرا،
والركاز دفن الجاهلية وسواء كَانَ ذهبا، أو فضة، أو نحاسا، أو حديدا، أو
جوهرا، أو غير ذَلِكَ عَلَى ظاهر الحديث، وسواء كَانَ الذي وجده: حرا أو
عبدا أو مكاتبا أو امرأة أو صبيا أو ذميا، وسواء مَا وجد منه في موات أرض
الإسلام أو أرض الحرب، إن فِيهِ الخمس وأربعة أخماس لمن وجده.
فأما مَا يخرج من المعادن فهي فائدة يستقبل بها وبما يستفيده المرء من غير
المعادن الحول إلا مَا كَانَ من نماء الماشية التي في أمهاتها الزكاة، فإن
حكم ذَلِكَ حكم الأمهات.
وفي العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عَلَيْهَا الحول تقوم بالأغلب
من نقود البلد وتخرج زكاتها، وَلا يجوز إخراج الزكاة إلا بعد حلول الحول،
وخبر العباس لا يثبت.
(1/178)
وإذا أخرج المرء زكاة ماله فضاعت، فإن
كَانَ فرط فهو ضامن، وإن لم يكن فرط أخرج زكاة مَا بقي كالشريكين يضيع بعض
مالهما، يكونان شريكين فيما بقي، وإذا مات الرجل بعد وجوب الزكاة عليه
أخرجت من ماله كديون الناس، والزكاة تجب في مال اليتيم كوجوبها في مال
البالغ.
باب زكاة الفطر
56 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
«فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ
(1/180)
صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
أجمع أهل العلم عَلَى أن عَلَى المرء صدقة الفطر إذا أمكنه عن نفسه وعن
أولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وإذا كَانَ للطفل مال أخرج عنه من
ماله، وعلى المرء صدقة الفطر عن مماليكه ذكرهم، وأنثاهم، صغيرهم، وكبيرهم،
من غاب منهم ومن حضر، علم موضعه أو لم يعلم به، كَانَ المملوك رهنًا عند
أحد أو لم يكن رهنًا.
وليس عليه في عبده الذمي صدقة، لأن في الحديث: من المسلمين، وعليه في عبده
المشترى للتجارة زكاة الفطر، وعليه ذَلِكَ في مكاتبه لأنه عبد مَا بقي عليه
شيء، وإذا كَانَ عبد بين رجلين أخرج كل واحد منهما بقسطه عنه، وإذا كَانَ
عبد قد أعتق نصفه فعلى السيد المالك لنصفه نصف صدقة الفطر.
وإذا باع الرجل عبدًا عَلَى أنه والمشتري بالخيار ثلاثًا فمر
(1/181)
يوم الفطر في أيام الخيار فعلى البائع زكاة
وكذلك لو كَانَ الخيار للبائع وحده، فإن كَانَ الخيار للمشتري فعليه صدقة
الفطر، وإذا باع عبدًا بيعًا فاسدًا، فالزكاة عَلَى البائع.
وليس عَلَى الرجل أن يخرج عن زوجته زكاة الفطر، ولكنها تخرج عن نفسها لقول
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كل ذكر وأنثى» .
وَلا يصح الحديث الذي فِيهِ ذكر من يمونه وهو مرسل.
وليس عَلَى المرء إخراج زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه.
والوقت الذي يجب فِيهِ زكاة الفطر طلوع الفجر من يوم الفطر، فكل من ملك
عبدًا أو ولد لَهُ مولود قبل طلوع الفجر، فطلع الفجر والعبد في ملكه
والمولود حي فعليه في كل واحد منهما زكاة الفطر.
وصدقة الفطر واجبة عَلَى الأغنياء والفقراء، فمن فضل عن قوته وقوت من
(1/182)
يجب عليه أن يقوتهم مَا يخرج زكاة الفطر،
أخرج زكاة الفطر عنهم، وَلا شيء عَلَى من لا يقدر عليه.
باب مكيلة زكاة الفطر
57 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، وَقَالَ: نا
يَحْيَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ «فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ عَلَى
الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ»
وأجمع أهل العلم عَلَى أن التمر والشعير، لا يخرج من كل واحد منهما أقل من
صاع، ويجزئ عند جميعهم من البر نصف صاع، وكان ابن عمر يميل إِلَى إخراج
(1/183)
التمر، وزكاة الفطر عَلَى أهل البادية
لدخولهم في جملة المسلمين يجزئهم مَا يجزئ أهل القرى من الصاع.
باب ذكر وقت إخراج صدقة الفطر
58 - نا إِسْحَاقُ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْمُصَلَّى»
لا يجزئ مكان الصاع قيمته.
(1/184)
باب ذكر تفريق
الصدقات
59 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: نا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
نُمَيْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ
(1/185)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ
وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ
اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:
273] ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَ الْفَقِيرِ
وَالْمِسْكِينِ، وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: فَهُمْ جُبَاتُهَا،
يُعْطَوْنَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ، وَعَلَى قَدْرِ
قِيَامِهِمْ بِهَا.
وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ
يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَكَانَ مَالِكٌ، يَقُولُ: يُرَدُّ
سَهْمُهُمْ عَلَى أَهْلِ السِّهَامِ وَلَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ.
وَأَمَّا سَهْمُ الرِّقَابِ: فَإِنَّهُ تُعْتَقُ مِنْهُ الرَّقَبَةُ،
وَيُعَانُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ.
وَالْغَارِمُونَ: مَنِ ادَّانَ عَلَى عِيَالِهِ أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ
يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ.
وَمِنْهُمْ سَبِيلُ اللَّهِ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ غَزَا مِنْ غَنِيٍّ أَوْ
فَقِيرٍ، وَابْنِ السَّبِيلِ: الْمُسَافِرُ إِذَا قُطِعَ بِهِ مِنَ
الْحَاجِّ أَوْ غَيْرِهِمْ.
وَتُفَرَّقُ الصَّدَقَةُ فِي الأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي
سُورَةِ بَرَاءَةَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
[التوبة: 60] أَحْوَطَ.
وَقَدْ قِيلَ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي بَعْضِ الأَصْنَافِ، وَدَفْعُ
الصَّدَقَةِ إِلَى
(1/186)
الأُمَرَاءِ يُجْزِئُ، وَيُجْزِئُهُ أَنْ
يُفَرِّقَ هُوَ، وَلا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطَى الذِّمِّيُّ مِنْ صَدَقَاتِ
الْمُسْلِمِينَ
باب ذكر من يحرم عليه أخذ الصدقة
60 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا نُعَيْمٌ، قَالَ: نا
سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي
مِرَّةٍ سَوِيٍّ»
(1/187)
وَلا يجزئ أن يعطى منها غني وَلا من لَهُ
قوة يقوى بها عَلَى الكسب، ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عَلَيْهَا، أو
رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل اللَّه، أو مسكين تصدق عليه
منها، فأهدى منها لغني ".
وَلا أرى أن يعطى من الصدقة من لَهُ خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب لحديث
ابن مسعود: ويعطى من لَهُ دار وخادم لا يستغنى عنها.
وإذا أعطى من يحسبه فقيرًا
(1/188)
فكان غنيا لم يجزه، ويعطي من القرابة مَا
سوى الوالد والولد.
وَلا يعطي المرء زوجته وَلا مملوكه، وتعطي الْمَرْأَة زوجها الفقير، وأكره
نقل الزكاة من بلد إِلَى بلد، ويجزئه إن فعل، وكان عمر يرى أن تضعف الصدقة
عَلَى نصارى تغلب، وتبعه عليه أهل العلم.
(1/189)
كتاب الصوم
باب ذكر الأمر بالصوم لرؤية الهلال
61 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى
تَرَوُا الْهِلالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ
(1/190)
صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ أَوْ
تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»
فغير جائز صوم يوم الشك، وَلا يجوز أن يتقدم صوم رمضان بيوم وَلا يومين إلا
أن يوافق ذَلِكَ صومًا كَانَ يصومه المرء، ويقبل عَلَى رؤية هلال رمضان
وهلال شوال شاهد واحد، كما يفطر المرء عند غروب الشمس، ويمتنع من الأكل مع
طلوع الفجر بأذان مؤذن واحد.
وقد روينا فِيهِ حديثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ويصوم إذا رأى الهلال وحده، وكذلك يفطر إذا رأى هلال شوال وحده ويخفي
ذَلِكَ، وَلا يجزئه الصوم إلا أن ينويه من الليل ذَلِكَ عليه في كل ليلة.
باب السحور
62 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادٌ،
قَالُوا: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»
(1/191)
فالسحور مندوب إليه، وليس بواجب، والفجر
الذي يحرم بطلوعه الأكل والشراب والجماع هو الفجر المستطير وهو المنتشر،
ويأكل إن شاء، وإن شك في طلوع الفجر فيأكل حَتَّى يوقن بطلوعه، فإن علم بعد
ذَلِكَ أنه أكل في النهار فلا قضاء عليه، وإن أكل وهو يرى أن الشمس قد غربت
ولم تكن غربت فلا قضاء عليه.
باب مَا يوجب الفطر
63 - نا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: قَالَ:
أَعْتِقْ رَقَبَةً.
قَالَ: لا أَجِدُهَا.
قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ.
قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
قَالَ: لا أَجِدُ.
فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكِيلٍ فِيهِ
خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: خُذْهَا إِذًا فَأَطْعِمْهُ
عَنْكَ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحْوَجُ إِلَيْهِ
(1/192)
مِنَّا.
قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ "
وأجمع أهل العلم عَلَى أن اللَّه عز وجل حرم عَلَى الصائم في نهار الصوم
الرفث وهو: الجماع، والأكل، والشرب وأجمع أهل العلم عَلَى أن عَلَى من
استقاء في نهار الصوم القضاء.
فمن جامع في نهار الصوم فعليه عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين
(1/193)
متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا
مدا من تمر أو بر ويصوم يوما ويستغفر اللَّه، وعلى الْمَرْأَة إذا كانت
صائمة وفعلت ذَلِكَ مثل مَا عَلَى الرجل، وعلى من أكل أو شرب ناسيا في
الصوم القضاء وَلا كفارة عليه.
ومن استقاء في نهار الصوم فعليه القضاء، وَلا شيء عَلَى من ذرعه القيء،
وعلى الحاجم والمحجوم في نهار الصوم القضاء.
وإذا جامع في يوم بعد يوم فعليه لكل يوم كفارة، فإذا جامع ثم مرض أو سافر
لم تسقط عنه الكفارة، وإن كانت امرأة فحاضت في آخر النهار، ففيها قولان:
أحدهما: وجوب الكفارة عَلَيْهَا، هذا قول مالك، وابن أبي ليلى، وقال
الكوفي: لا كفارة عَلَيْهَا، وليس عَلَى من أكل أو شرب أو جامع ناسيًا شيء.
وإذا تمضمض واستنشق فدخل الْمَاء حلقه فلا شيء عليه وَلا بأس بالكحل
للصائم، ويستاك الصائم بالعود الرطب واليابس بالغداة والعشي.
وإذا أصبح المرء جنبًا، أو كانت امرأة حائضا فطهرت آخر الليل ثم أصبحا
صائمين يغتسلان، وللصائم أن يقبل ويباشر، ويؤمر الصبي بالصوم إذا أطاقه أمر
ندب، وليس عَلَى النصراني يسلم في بعض الشهر لما مضى قضاء، وإذا غلب المريض
أفطر، وإذا حاضت الْمَرْأَة في بعض النهار أفطرت وقضت.
(1/194)
باب ذكر الصوم في
السفر
64 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا الشَّافِعِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ،
أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ
فَأَفْطِرْ "
فإذا سافر المرء فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأيسر الأمرين
أحبهما إلي، لقوله جل ذكره: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:
185] ، ويفطر في السفر الذي يقصر في مثله الصلاة، ويفطر إذا خرج عن البيوت،
وللمريض والمسافر أن يقضيا الصوم متفرقًا، وإن شاءا متتابعا، وإن مات
المسافر في سفر والمريض قبل أن يبدأ فلا قضاء عليهما.
وإذا كَانَ عَلَى المرء صوم نذر فمات فلوليه أن يقضيه عنه، والحائض تقضي
الصوم وليس عَلَيْهَا قضاء الصلاة، لا اختلاف فِيهِ، والحامل، والمرضع
يفطران ويقضيان ليس عليهما غير ذَلِكَ، وليس عَلَى الشيخ الذي لا يطيق
الصوم كفارة.
(1/195)
باب ذكر الصوم
المنهي عنه
65 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ،
قَالَ: نا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمُ الْفِطْرِ،
وَيَوْمُ الأَضْحَى "
فصوم يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق غير جائز لنهي رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذَلِكَ، وَلا يجوز أن يفرد يوم
الجمعة بصوم إلا أن يصوم
(1/196)
يومًا قبله ويومًا بعده ثبت ذَلِكَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يجوز الوصال في
الصوم،
(1/197)
وَلا صوم الأبد لنهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه.
وليس للمرأة أن تصوم تطوعًا إلا بإذن زوجها.
(1/198)
باب ذكر وقت الفطر
66 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا
أَدْبَرَ النَّهَارُ وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ أَفْطَرَ
الصَّائِمُ»
(1/199)
ويستحب تعجيل الإفطار لقول النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يزال الناس بخير مَا عجلوا الفطر»
.
ويستحب تأخير السحور، ويجب أن يفطر عَلَى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء.
باب ذكر الاعتكاف
67 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ شِهَابٍ، يُحَدِّثُ
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ»
فإذا أراد المرء اعتكاف العشر الأواخر من رمضان صلى الصبح من يوم
(1/200)
عشرين، ثم دخل في معتكفه، وإن دخل عند غروب
الشمس من ليلة عشرين فجائز.
ويجوز الاعتكاف بغير صوم، ويجوز الاعتكاف في جميع المساجد، ويخرج إِلَى
الجمعة إن اعتكف في غير مسجد جامع، فإذا فرغ عاد إِلَى اعتكافه، وَلا يخرج
المعتكف من المسجد إلا لحاجة الإنسان إلا أن يلجأ إِلَى شراء مَا يقيمه من
الطعام فيخرج لَهُ.
والجماع يفسد الاعتكاف، وللمعتكف أن يتطيب ويأكل ويكتب العلم ويجالس
العلماء ويعود المريض في المسجد، ويخرج من اعتكافه عند غروب الشمس من آخر
يوم من شهر رمضان.
باب ذكر ليلة القدر
68 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ
الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»
يتحراها مع ذَلِكَ في الوتر من ليالي العشر وفي ليلة سبع وعشرين خاصة.
وأحوط للأمر أن لا يغفل عن إحياء الليالي العشر رجاء أن لا تفوته، لأن
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظم من أمرها، فَقَالَ: «من
قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه وما تأخر» .
قولا عامًا يرجى دخول جميع الذنوب صغيرها وكبيرها في ذَلِكَ.
(1/201)
|