الإقناع لابن المنذر

كتاب الذبائح
باب تحسين الذبح وتحديد السكين
131 - نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلِيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن صبر البهائم» ، وهو

(1/383)


أن يصبر حيًا ثم يرمى حَتَّى يقتل.
وقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصيد يصاد: «أنهروا الدم بما شئتم واذكروا اسم اللَّه» .
وفي حديث رافع بن خديج: «مَا أنهر الدم وذكر عليه اسم اللَّه فكلوا ليس السن والظفر» .

(1/384)


ويستحب أن تنحر الإبل وتذبح البقر والغنم، قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَذَبَحُوهَا} [البقرة: 71] ، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] .
وهكذا أحب أن يفعل فإن ذبح مَا ينحر أو نحر مَا يذبح لم يحرم أكله، وذبيحة الصبي الذي يعقل والمرأة جائزة إذا أطاقا، وَلا يجوز أكل ذبيحة المجنون والسكران، وذبيحة الأخرس إذا عقل، والجنب جائزة.
وَلا يحل للسارق أن يذبح شاة غيره، وَلا للمحرم أن يذبح شيئا من الصيد، فإن فعلا وسميا اللَّه لم يحرم أكل ذبيحتيهما، وإذا ذبحت الشاة أو الدجاجة من قفاها فأتي عَلَى المذابح وهي حية لم يحرم أكلها وأكره ذَلِكَ، ويكره أن يقطع من الشاة المذبوحة شيئا قبل أن تبرد، فإن فعل فاعل ذَلِكَ لم يحرم أكل لحمها.
ويستحب أن يستقبل بالذبيحة القبلة، وَلا يحرم أكل ذبيحة لم يستقبل بها القبلة، ومن ترك التسمية عامدًا لم تؤكل ذبيحته، وَلا أرى أن تؤكل ذبيحة نسي الذابح أن يذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا.
ويقول الذابح إذا ذبح: بسم اللَّه والله أكبر، وإذا ند شيء من البهائم فعل به كما يفعل بالصيد يرمى ويكون ذَلِكَ ذكاته، وكان ابن عباس، يقول فِي البعير يتردى فِي البئر: يطعن من قبل خاصرته.
وروي معنى ذَلِكَ عن علي، وابن عمر.
وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر، ولابد من ذبحه إذا خرج حيًا، روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» .

(1/385)


ذكر ذبائح أهل الكتاب
قَالَ اللَّه جل ذكره: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
132 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: نا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

(1/386)


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتَ طَعَامًا لا أَتْرُكُهُ إِلا تَحَرُّجًا، قَالَ: «لا يَتَخَلَّجْنَ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً»
وأجمع أهل العلم عَلَى أن ذبائح أهل الكتاب لنا حلال إذا ذكروا اسم اللَّه عَلَيْهَا إلا حديث حكي عن مالك فِي شحم شاة ذبحها يهودي، فإنه بلغني عنه أنه قَالَ: لا يؤكل.
وحكي عنه أنه قَالَ: لا أحرمه.
فإن ذبح الكتابي فذكر اسم اللَّه أكلت ذبيحته، وإن لم يذكر اسم اللَّه أو ذبح باسم المسيح لم يحل أكل ذبيحته، وإذا غاب عنا أمره أكلنا ذبيحته كما نأكل مَا غاب عنا من ذبائح المسلمين، وَلا يجوز أكل ذبائح الصابئين، والذبائح من دار أهل

(1/387)


الحرب مباح، وذبائح أهل الكتاب من أهل الحرب مباح، وذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم مباح، وتكره ذبائح المجوس وينهى عنه.

(1/388)


كتاب الصيد
قَالَ الله جل ذكره: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] .
133 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِنَّا نُرْسِلُ كِلابًا مُعَلَّمَةً فَيُمْسِكْنَ عَلَيْنَا قَالَ: إِنْ أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ.
قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ؟ مَا لَمْ يُشْرِكْهُ كَلْبٌ غَيْرُهُ.
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ.
قَالَ: مَا خَزَقَ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضٍ فَلا تَأْكُلَ "
الكلاب جوارح يجوز أكل مَا أمسكن عَلَى المرسل إذا ذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا، وكان المعلم مسلما، وقد روينا عن عدي بن حاتم، أنه قَالَ: سألت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البازي، فَقَالَ: «إذا أمسك عليك فكل» .

(1/389)


فإذا دعا الكلب صاحبه فأجابه واستشلاه فاتبع الصيد وأمسكه فهو معلم بأول فعلة فعلها، ويجوز أكل مَا اصطاد فِي المرة الثانية إذا أرسله صاحبه وسمى اسم اللَّه عليه، وإذا أكل الكلب مما اصطاد لم يجز أكله، كَانَ الذي أكل الكلب منه قليلا أو كثيرا، والبازي يأكل من الصيد فِي معنى الكلب لا يؤكل منه، وإذا شرب الكلب من دم الصيد لم يحرم أكله، لأنه ليس بآكل منه شيئا.
وإذا أمسك الكلب الذي أرسله صاحب الصيد فمات فِي يده أكل، عَلَى ظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، وإذا شرك الكلب المرسل كلب آخر فتعاونا عَلَى قتله لم يؤكل، وإذا أرسل كلبه عَلَى الصيد ووجد الصيد فِي يده حيًا، فإن ذبحه أكله وإن لم يمكنه ذبحه حَتَّى مات أكله، وإن أمكنه ذبحه فلم يذبحه حَتَّى مات لم يأكله، وإذا انفلت كلب من يد صاحبه فاصطاد لم يؤكل، وصيد أهل الكتاب حل للمسلمين كذبائحهم، وَلا يجوز أكل صيد المجوس إلا الحيتان والجراد، فإنهما لا تحتاجان إِلَى ذكاة ويؤكل من ذَلِكَ مَا اصطاده المجوس.

باب ذكر صيد السهام والمعراض
134 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا، عَنْ

(1/390)


عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ بِالْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: مَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ ".
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْ»

(1/391)


إذا رمى الرامي الصيد وسمى اللَّه فأصاب بحده وخزق أكل، وما أصاب بحده ولم يخزق أو أصاب بعرضه لم يؤكل.
وإذا رمى الرامي الصيد بسهم فغاب عنه فرأى فِيهِ سهمه، ولم ير فِيهِ أثر غيره، وعلم أن سهمه قتله أكل تدل الأخبار عَلَى ذَلِكَ.

(1/392)


وإذا سقطت الرمية فِي الْمَاء وقد أتى السهم عَلَى المذابح أكل، لأنه صيد قد ذكي، وسقط فِي الْمَاء وَلا يضره بعد الذكاة سقوط فِي الْمَاء، وإذا لم يكن كذلك فوقع فِي الْمَاء لم يؤكل، لأنه لا يدري الْمَاء قتله أم سهمه.
وإذا رمى الرجل الصيد فأبان منه عضوًا ثم أدرك ذكاته أكل الصيد المذكى، ولم يأكل العضو الذي أبان منه، وإن ضرب صيدًا فأبان منه عضوا أو قطعه باثنتين فمات مكانه من ضربه أكل القطعتين جميعًا، لأن الذكاة وقعت بهما، وَلا يجوز أكل ذبيحة المرتد، وكذلك لا يجوز أكل صيده، وإذا نصب الرجل الشبكة فوقع فيها صيد فمات لم يؤكل.

(1/393)