الإقناع
لابن المنذر كتاب القسامة
126 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو النُّعْمَانِ،
قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ سَهِلْ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ:
أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ
بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ لِحَاجَةٍ فَتَفَرَّقَا فِي نَخْلِهِمَا
فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ أَخُوهُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَابْنَا
عَمِّهِ مُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ، فَبَدَأَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1/371)
وَسَلَّمَ: «كَبِّرِ الْكُبْرُ» .
يَقُولُ: يَبْدَأُ بِالْكَلامِ الأَكْبَرُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
أَصْغَرَ مِنْ صَاحِبَيْهِ، تَكَلَّمَا فِي قَتْلِ صَاحِبِهِمَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسْتَحِقُّونَ
قَتِيلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» .
قَالُوا: لَمْ نَشْهَدْ فَكَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ
بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ".
قَالُوا: قَوْمٌ كُفَّارٌ.
قَالَ: فَوَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَتَهُ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ فَرَكَضَتْنِي
رَكْضَةً فِي مِرْبَدٍ لَهُمْ "
وقد اختلف فِي القود بالقسامة فكان ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ومالك،
والليث بن سعد، وأحمد، وأبو ثور،
(1/372)
وجماعة يرون أن يقاد بالقسامة وأبى ذَلِكَ
غيرهم.
فِي حديث مالك: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» .
دليل عَلَى صحة هذا القول، وكان مالك، والشافعي، يقولان: إذا شهد شاهد واحد
عدل عَلَى رجل أنه قتله، وجب الحكم بالقسامة.
وَلا يقتسم إلا وارث المقتول عمدًا كَانَ القتل أو خطأ.
وإذا وجد الرجل بين الناس مقتولا فِي الزحام لا يدري من قتله، ففيها قولان:
أحدهما: أن يودي من بيت المال، يروى هذا القول عن: عمر، وعلي، وبه قَالَ
الثَّوْرِيّ، وقيل: إن دمه هدر.
(1/373)
هذا قول مالك، وَلا يثبت حديث عمر، ويجزي
فِي القسامة أن يحلف بالله، وَلا تجب القسامة فيما دون النفس.
(1/374)
كتاب الضحايا
127 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ،
قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَأَى
مِنْكُمْ هِلالَ ذِي الْحَجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَأْخُذْ
مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا»
(1/375)
فالضحية لا تجب فرضًا استدلالا بهذا
الحديث، إذ لو كَانَ فرضًا لم يجعل ذَلِكَ إِلَى إرادة المضحي، ووقت الأضحى
بعد طلوع الشمس مقدار مَا يصلي الإمام ويخطب، وَلا يجزئ أن يضحي قبل هذا
الوقت ووقت الأضحى يوم النحر، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، ويستحب أن
يذبح ضحيته بيده، وله أن يأمر غيره أن يضحي عنه.
و «ضحى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين أملحين» ،
وروي عنه أنه قَالَ: «خير الضحية الكبش الأقرن» .
وأعلى مَا يتقرب به إِلَى اللَّه يوم النحر البدنة، ثم البقرة، ثم الكبش من
الضأن، ثم المعز، وكل مَا عظم من النسك وغلا ثمنه كَانَ أفضل، استدلالا
بقوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] ، وبالثابت
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه سئل أي الرقاب
أفضل؟ ، قَالَ: «أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها» .
والجذع من
(1/376)
المعز لا يجزئ، والجذع من الضأن يجزئ عند
من لا يجد مسنة، وَلا يجزئ من الإبل والبقر إلا الثني فأكثر، ويشترك السبعة
فِي البقرة والبدنة متمتعين ومضحين، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا يجزئ من الضحايا أربع: العوراء
البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي
لا تنقي ".
وفي هذا دليل أن كل نقص غير الأربع التي خصهن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جائز، والتام أفضل من الناقص، وتقسم جلود البدن ولحومها
وجلالها، وَلا يعطى الجزار فِي جزارتها منها شَيْئًا، وإن أوفاه جعله أعطاه
إن كَانَ مسكينًا كما يعطي غيره.
قَالَ اللَّه تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58] ، فكل مَا كَانَ أصله
تطوعًا فالأكل منه جائز، وَلا يؤكل من الفرض من ذَلِكَ، وقوله: فكلوا منها.
أمر ندب لا أن فرضًا أن يؤكل منها، وإذا دخل العشر لم يأخذ من شعره وأظفاره
شَيْئًا إذا أراد أن يضحي.
(1/377)
كتاب العقيقة
128 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا
حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ
ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ
الْجَارِيَةِ شَاةٌ» .
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ
فَاطِمَةُ» .
(1/378)
وَيُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ،
وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخَذَ
مَرَّةً تَمْرَةً فَمَضَغَهَا، ثُمَّ حَنَّكَ بِهَا أَخًا لأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ» .
وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقَّ
عَنْ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ بِكَبْشَيْنِ» .
فَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الصَّبِيِّ يَوْمَ سَابِعٍ وَيُسَمَّى،
وَيُمَاطُ عَنْ رَأْسِهِ الأَذَى، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِوَزْنِ
شَعْرِ رَأْسِ الصَّبِيِّ ورقًا، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُمَسَّ رَأْسُ
الصَّبِيِّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
(1/379)
«وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ رَأْسِ
الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ» ، وَإِنْ شَاءَ كَسَرَ عِظَامَ
الْعَقِيقَةِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ
والتسمية عَلَى العقيقة كالتسمية عَلَى الضحية، قَالَ عطاء: يقول: بسم
الله، هذه عقيقة فلان.
وَلا يجوز فِي العقيقة شيء من العيوب المذكورة فِي باب الضحايا.
باب ذكر الختان
129 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ،
قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " مِنَ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ:
الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ
الإِبِطِ،
(1/380)
وَقَصُّ الشَّارِبِ "
وقد اختلف الناس فِي وقت الختان، كَانَ مالك يقول: عامة مَا رأيت الختان
عندنا إذا أثغر، وقال الليث بن سعد: مَا بين السبع سنين إِلَى العشرة.
وكان الحسن يكره الختان يوم سابعة.
ولست أعلم حجة تمنع من ذَلِكَ، وكان ذَلِكَ عندنا جائزًا.
باب ذكر الفرعة والعتيرة
130 - نا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا فَرَعَ وَلا
عَتِيرَةَ» .
وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ
(1/381)
النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ
فَيَذْبَحُونَهُ
وهذا شيء كَانَ أهل الجاهلية يفعلونه.
قَالَ أبو عبيد: قَالَ أبو عمرو: وهي الفرعة، بنصب الراء، وهو أول ولد تلده
الناقة كانوا يذبحون ذَلِكَ لآلهتهم فِي الجاهلية فنهوا عن ذَلِكَ.
وأما العتيرة: فهي ذبيحة كانت تذبح فِي رجب يتقرب بها أهل الجاهلية، ثم
جَاءَ الإسلام فكان عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نسخ بعد، حديث أَبِي هُرَيْرَةَ
يدل عَلَى نسخ ذَلِكَ.
(1/382)
|