الإقناع
لابن المنذر كتاب الوصايا
137 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ: عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ،
وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ نَافِعًا، حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا
حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ
إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
والوصية غير واجبة إلا عَلَى رجل عليه دين أو قبله أمانة، فإن عَلَى من
كَانَ عنده مال لقوم أن يكتب وصيته ويخبر بما عليه، لأن اللَّه قد أوجب
أداء الأمانات
(2/414)
إِلَى أهلها.
وفي قوله فِي حديث حماد بن زيد: لَهُ شيء يريد أن يوصي فِيهِ دليل عَلَى أن
الوصية غير لازمة إذ لو كانت واجبة لم يجعل ذَلِكَ إِلَى إرادة الموصي،
والوصية جائزة للقرابة ولغير القرابة، والوصية للوارث لا تجوز، لا اختلاف
فِي ذَلِكَ أعلمه.
وإذا استأذن الرجل ورثته فِي مرضه أن يوصي بأكثر من الثلث أو يوصي لوارث
فأذنوا لَهُ، ثم رجعوا بعد موته لم يلزمهم ذَلِكَ، لأنهم أجازوا شيئا لم
يملكوه، وإن أجازوا ذَلِكَ بعد وفاته فهو لازم لهم.
ويستحب إذا أوصى المرء أن ينقص من الثلث شيئا لقول النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الثلث والثلث كثير» .
ويستحب أن يدع
(2/415)
المرء ورثته أغنياء لقول النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم
عالة يتكففون الناس» .
وإذا أوصى الرجل لقرابته فالقرابة من قبل الأب والأم سواء، يعطون عَلَى
رءوسهم، لا يفضل الذكر عَلَى الأنثى، لأنهم أعطوا باسم القرابة، وإذا أوصى
لعصبته، فالعصبة من قبل الأب وَلا يكونون من قبل الأم، وإذا قَالَ: ثلث
مالي لبني فلان فليس لمواليهم شيء، وإذا أوصى الرجل بزكاة ماله وعليه حجة
الإسلام أخرج ذَلِكَ من رأس ماله.
وإذا أعتق الرجل فِي مرضه الذي مات فِيهِ كَانَ من ثلث ماله يبدى عَلَى
الوصايا، وإذا أوصى بعتق رقبة بعينها من رقيقه، وأوصى لناس شتى كَانَ
ذَلِكَ كله من الثلث، وإذا أعتق فِي مرضه ستة مملوكين لَهُ، لا مال لَهُ
غيرهم وجب أن يقرع بينهم إذا كانت قيمتهم سواء فيعتق منهم اثنين بالقرعة
ويرق سائرهم.
وإذا أوصى الرجل بوصية ثم أوصى بوصية أخرى نفذت جميعًا إذا خرجتا من الثلث،
وإن لم يخرج ذَلِكَ كله من الثلث تحاصوا جميعًا فِي الثلث إلا أن يكون فِي
الوصية الثانية دلالة عَلَى رجوعه عن الوصية الأولى.
وإقرار الرجل جائز فِي مرضه للوارث ولغيره، والوصية جائزة إِلَى الأحرار
البالغين من الرجال والنساء، وَلا تجوز الوصية إِلَى الذمي وَلا إِلَى
السفيه، وتجوز وصية الذمي إِلَى المسلم، وتجوز وصية المحجور عليه، والصبي
الذي لم يبلغ إذا أصابا الحق فِي ثلث أموالهما، روينا إجازة وصية الصبي عن
عمر بن الْخَطَّابِ، ويجوز أن يوصي الذمي للمسلم بما يجوز للمسلم ملكه،
(2/416)
وللرجل أن يرجع فِي جميع وصاياه العتق
وغيره، وله أن يرجع فِي التدبير.
وإذا أوصى الرجل لرجل بالوصية فلم يقبلها فهي ترجع إِلَى ورثة الموصي، وليس
للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه إِلَى غيره إلا أن يكون الموصي جعل ذَلِكَ
إليه.
وإذا أوصى الرجل إِلَى الرجلين فليس لأحدهما أن ينفذ شَيْئًا من وصاياه إلا
مع صاحبه، وليس للحاكم نزع المال من يد الموصى الثقة، فإن ضعف الوصي عن
القيام بالوصية ضم إليه من يقوم مَعَهُ بالوصية، وإن تبينت منه خيانة أبدل
مكانه غيره.
باب الهدايا والعطايا
138 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ
لأَجَبْتُ»
يدل هذا الحديث عَلَى استحباب قبول الهدايا والهبات، وإن كانت يسيرة قليلة،
وأجمع أهل العلم عَلَى أنه إذا وهب لرجل دارًا أو عبدًا عَلَى غير عوض بطيب
من نفس المعطي، وسلطه عَلَى قبضه، وقبضه الموهوب لَهُ وحازه أن الهبة تامة.
(2/417)
وهبة الشقص من الدار والعبد جائز، ويقبضه
كما يقبض الشقص المشترى منهما، وهذا قول عوام أهل العلم إلا رجلا شذ عنهم
لا معنى لقوله.
باب ذكر الرجوع فِي الهبات
139 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: نا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَحِلُّ
لِرَجُلٍ يُعْطِي عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلا الْوَالِدُ فِيمَا
يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ
فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي
قَيْئِهِ»
فكل من وهب هبة وقبضها الموهوب لَهُ بأمر الواهب فليس لَهُ أن يرجع فيها
إلا الوالد فيما يعطي ولده عَلَى ظاهر الحديث، وفي حديث ابن عباس مَا يؤيد
هذا،
(2/418)
وهو قوله: «ليس لنا مثل السوء، العائد فِي
هبته كالعائد فِي قيئه» .
وسواء كَانَ الموهوب لَهُ ذا رحم محرم ورجلا من الأجنبيين عَلَى ظاهر
الحديث، وكذلك الزوج يهب لامرأته والمرأة تهب لزوجها مهرا كَانَ أو غير
ذَلِكَ، قَالَ اللَّه جل وعز: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] .
وسواء كَانَ الشيء الموهوب مستهلكًا أو غير مستهلك، وكل مَا ذكرناه إذا لم
تكن الهبة لثواب، فإن كانت الهبة لثواب فاشترط ثوابًا معلومًا، فإن أثابه
الموهوب لَهُ صحت الهبة، وإن كَانَ الثواب مجهولا فالهبة غير جائزة، وإذا
نكحت الْمَرْأَة أو لم تنكح فهبتها جائزة، وإن وهبت بغير إذن زوجها جاز
استدلالا بقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا معشر
النساء، تصدقن» .
قَالَ: فجعلت الْمَرْأَة تلقي بالخاتم والخرص والشيء، وليس فِي شيء من
الأخبار أنهن استأذن أزواجهن.
وإذا وهب الذمي للمسلم مَا يجوز أن يملكه المسلم فالهبة جائزة، وكذلك
المسلم يهب للذمي مَا تجوز هبته، وليس للرجل أن يهب من مال ولده شيئا بغير
إذنه.
(2/419)
باب الأمر بالتسوية بين الأولاد فِي
العطايا
140 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ:
نا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ
بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي بَشِيرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ يُعْطِيهَا،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ
لَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ بِيَدِهِ: «هَكَذَا سَوِّ»
(2/420)
قوله: سو.
يدل عَلَى أن الذي يجب أن يعطي الأنثى مثل الذكر، وليس لَهُ أن يعطي بعضا
ويدع البعض لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سو.
فإن فعل لم يجز لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا
تشهدني عَلَى جور» .
وللمرء إذا وهب ولده شَيْئًا أن يرجع فِيهِ مادام الشيء قائما، لقوله: «لا
يحل لرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده» .
والأم فِي ذَلِكَ بمنزلة الأب، وَلا تتم هبة الرجل للبالغ من ولده إلا
بالقبض، وإذا كَانَ الولد طفلا فللأب أن يقبض لَهُ من نفسه ويصح ذَلِكَ
لولده.
ذكر العمري والرقبي
141 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ:
نا زُهَيْرٌ، قَالَ: نا أَبُو
(2/421)
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا
وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ»
فعلى ظاهر هذا الحديث المعمر أحق بما أعمر حيا وميتًا لظاهر هذا الخبر،
وللأخبار التي ذكرناها فِي كتاب العمرى والرقبى سواء، قَالَ: هِيَ لك
حياتك.
أو قَالَ: هِيَ لك ولعقبك من بعدك.
وكان أحمد، وإسحاق، يقولان: الرقبى مثل العمرى لا يرجع إِلَى الأول أبدًا.
وقال الثَّوْرِيّ: لا أراهما إلا واحدا.
(2/422)
كتاب المكاتب قَالَ اللَّه جل ذكره:
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] .
واختلف أهل العلم فِي وجوب الكتابة إذا سأل ذَلِكَ المملوك وعلم فِيهِ
خيرًا، فكان عطاء، يقول: مَا أراه إلا واجبًا.
وبه قَالَ عمرو بن دينار، وسأل سيرين أنس بن مالك الكتابة فأبى أنس فرفع
عليه عمر بن الْخَطَّابِ الدرة، وتلا: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] ،
فكاتبه أنس، وقال آخرون: ليست الكتابة بواجبة، من شاء فعل ومن شاء لم يفعل،
هذا قول: مالك، والثوري، والشافعي.
وَلا بأس أن يكاتب المرء من لا حرفة لَهُ استدلالا بأن بريرة كوتبت
(2/423)
وَلا تعلم لها حرفة فلم ينكر النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابتها.
وإذا كاتب المرء مملوكه وضع من كتابته شَيْئًا، لقول اللَّه جل ذكره:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] ، وإذا كاتب الرجل عبده كاتبه
عَلَى مَا يجوز لَهُ أن يملك مما لَهُ عدد أو وزن أو كيل نجومًا معلومة
معروفة من شهور العرب، ويصف مَا يكاتبه عليه كما يوصف ذَلِكَ فِي أبواب
السلم يؤدي إليه كل نجم شيئا معلومًا عَلَى أنه حر إذا أدى ذَلِكَ إليه فِي
النجوم التي ذكرها، فإذا أدى ذَلِكَ كَانَ حرا.
وللمكاتب أن يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي ويتصرف فيما لَهُ فِيهِ الحظ والتوفير
وينفق عَلَى نفسه، ويكتسي بالمعروف وليس لَهُ أن يتكفل بكفالة، وَلا يضمن
ضمانًا، وليس لَهُ أن يسافر، وَلا ينكح إلا بإذن مولاه.
وللسيد أن يبيع مكاتبه وليس للذي اشتراه أن يبطل كتابته إلا أن يعجز عن
أداء نجم من النجوم، وإنما أجزنا بيع المكاتب لأن بريرة بيعت بعلم
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مكاتبة، فلم ينكر
ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يعلم فِي شيء من
الأخبار أنها كانت عجزت فأبطل كتابتها ثم بيعت، بل بيعت وهي مكاتبة، وإذا
عجز المكاتب فلسيده أن يبطل كتابته ويرده فِي الرق بحضرة سلطان كَانَ
ذَلِكَ أبو بغير حضرة سلطان، عجز مكاتب لابن عمر فرده مملوكا، وأمسك مَا
أخذ منه.
وللسيد أن يعجز مكاتبه عند أول نجم من نجومه يعجز عَنْهُ، والمكاتب عبد مَا
بقي عليه درهم، فإذا مات المكاتب وخلف مالا أخذه سيده ولم يرثه ولده، لأنه
مات عبدًا، وجناية المكاتب عليه يؤديها مع النجوم، وعليه فِي جنايته الأقل
من قيمته يوم جنى الجناية، فإن قدر عَلَى أن يؤدي مَا وجب عليه بالجناية
(2/424)
مع النجوم إِلَى السيد أداها، فإن شاء
أداها قبل الكتابة وله أن يؤدي الكتابة قبل الجناية، وإن عجز عن ذَلِكَ ولم
يكن بيده مال ففيها قولان: أحدهما: أن يخير الحاكم السيد بين أن يتطوع أن
يفديه بالأقل من أرش الجناية أو بقيمته، فإن لم يفعل بيع عليه، وأعطى أهل
الجنايات مَا يجب لهم غير أنهم ليس لهم أكثر من ثمنه الذي بلغ.
والقول الثاني: أن يخير السيد أن يفديه بما ذكرناه أو يسلم العبد إليهم.
والجناية عَلَى المكاتب كالجناية عَلَى العبد يأخذه المكاتب ويستعين به فِي
كتابته.
وليس للوصي أن يكاتب عبدًا ليتيم، وليس للأب أن يكاتب عبيد أولاده الصغار.
(2/425)
كتاب المدبر
إذا قَالَ الرجل لعبده وهو صحيح أو مريض: أنت حر بعد موتي، أو أنت حر إذا
مت.
ولم يرجع عن ذَلِكَ حَتَّى مات فالعبد المدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء
دين إن كَانَ عليه، فالحرية تجب لَهُ بعد موت السيد لا أعلم فِي ذَلِكَ
اختلافًا، وإذا قَالَ: أنت حر بعد موتي بشهر وهو يخرج من الثلث فهو كما
قَالَ.
وإذا قَالَ: إن مت من مرضي هذا أو فِي سفري هذا.
فمات فِي مرضه أو فِي سفره فهو حر من الثلث أو كما قَالَ، فإن صح من مرضه
أو قدم من سفره ثم مات لم يعتق، وَلا يعتق المدبر إلا بعد موت السيد إلا أن
يعتقه السيد فيقع عليه العتق.
وللمرء أن يبيع مدبره، وله أن يرجع فِيهِ بغير بيع لأن التدبير وصية، وله
أن يرجع فِي وصاياه.
142 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ
سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: " أَعْتَقَ رَجُلٌ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا لَيْسَ
لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي؟»
(2/426)
فَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ:
أَنَا أَبْتَاعُهُ "
يباع المدبر فِي حياة الرجل فِي دينه، وبعد وفاته إذا كَانَ عليه دين.
وإذا كَانَ العبد بين رجلين فدبر أحدهما حصته فنصيبه مدبر وَلا قيمة عليه
لشريكه، وَلا يجب أن يتقاوماه وشريكه الذي لم يدبر حصته إن شاء باع، وإن
شاء وهب، وإن شاء أمسك.
وإذا كَانَ العبد بين رجلين فدبر أحدهما حصته، وأعتق الآخر قوم عَلَى
المعتق إن كَانَ موسرًا حصته الذي دبر، وإن كَانَ معسرًا عتق نصيبه ونصيب
شريكه مدبر كما كَانَ.
وللمرء أن يدبر مكاتبه، فإن مات السيد قبل أن يؤدي الكتابة عتق إذا خرج من
الثلث وإن أدى المكاتب قبل موت السيد عتق بالكتابة، وله أن يكاتب مدبره.
فإن مات السيد أعتق بالتدبير، وإن أدى الكتابة قبل وفاة السيد صار حرًا.
(2/427)
والأكثر من أهل العلم، يقولون: أولاد
المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها، ويرقون برقها، وروي هذا القول عن ابن عمر،
وبه قَالَ مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي وعليه جملة أهل العلم
فِي عامة البلدان، وللسيد أن يأخذ مال مدبره كما يأخذ أموال عبيده، وإذا
مات عبد المدبر وَلا مال لَهُ غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه.
(2/428)
كتاب أم الولد
وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا اشترى جارية شراء
صحيحًا، وأولدها، أن أحكامها أحكام الإماء فِي أكثر أمورها.
واختلفوا فيما لسيدها من بيعها وإخراجها من ملكه بغير العتق فمنع من بيعها
أمير المؤمنين عمر بن الْخَطَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ، وأوجب عتقها إذا مات
السيد وقال بقول عمر مالك بن أنس، وأهل المدينة، وسفيان الثَّوْرِيّ،
والحسن بن صالح،
(2/429)
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو
عبيد، وأبو ثور، وقد احتجوا بحجج قد أثبتها فِي غير هذا الكتاب.
وأجمع أهل العلم عَلَى أن ولد أم الولد من سيدها حر، وقال أكثر أهل العلم:
أولادها من غير السيد يعتقون بعتقها.
وإذا تزوج رجل أمة قوم فأولدها، ثم اشتراها، لم تكن أم ولد يمنع من بيعها
حَتَّى تحمل منه بعد أن ملكها، وتلد، والولد الذي يحكم لأمه إذا ولدته بحكم
أمهات الأولاد أن تلد ولدًا تامًا، وتسقط سقطًا مخلقًا أو مَا يعلم يقينًا
أنه خلق آدمي.
وإذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها، ويؤخذ بالنفقة عَلَيْهَا،
وتعمل لَهُ مثل مَا يعمل مثلها، فإن أسلم خلي بينه وبينها، وإن مات قبل أن
يسلم عتقت بموته.
(2/430)
وجناية أم الولد يضمن السيد الأقل من
قيمتها أو الجناية، والجناية عَلَيْهَا كالجناية عَلَى سائر الإماء، وإذا
أعتق الرجل أم ولده فِي مرضه، ومات، عتقت كَانَ لَهُ مال غيرها أو لم يكن
فِي قول المدني، والشافعي، والكوفي.
(2/431)
|