الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف

كتاب الْجِزْيَة
أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن زُرَيْق الْبَلَدِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر.

ذكر أَخذ الْجِزْيَة من ثمن الْخمر، والخنازير
6400 - حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد اللّه بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان
عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الْأَعْلَى عَن سُوَيْد بن غَفلَة أَن عمر ذكر لَهُ أَن
عمالاً يَأْخُذُونَ الْخمر، والخنازير فِي الْجِزْيَة، قَالَ: فشدهم عمر،
فَقَالَ بِلَال: إِنَّهُم ليفعلون، فَقَالَ: لَا تَكُونُوا أَمْثَال الْيَهُود، حرمت
عَلَيْهِم الشحوم فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا أثمانها، ولّوهم بيعهَا.

(11/11)


وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي هَذَا الْبَاب فَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن
يَأْخُذ مِنْهُم أحد أَثمَان الْخمر والخنازير، وَهَذَا قِيَاس قَول أبي ثَوْر، وَكَانَ
مَالك يَقُول: وَإِنَّمَا يعْطى أهل الْكتاب الْجِزْيَة من ثمن الْخمر والخنازير،
وَذَلِكَ حَلَال للْمُسلمين إِن يأخذوه من أهل الْكتاب فِي الْجِزْيَة، وَلَا
يحل لَهُم أَن يَأْخُذُوا فِي جزيتهم الْخمر بِعَينهَا وَلَا الْخِنْزِير حَيا.
وَاخْتلفُوا فِي الْخمر والخنازير يمر بهَا على الْعَاشِر، فَمِمَّنْ رأى أَن يعشر
الْخمر مَسْرُوق، وَالنَّخَعِيّ ، والنعمان، وَقَالَ ابْن الْحسن: أما الْخَنَازِير
فَلَا يعشرها، وَأما الْخمر فَيَأْخُذ نصف عشر قيمتهَا.
وَقَالَ الْحسن بن صَاع: يقوم عَلَيْهِم الْعَاشِر الْخمر والخنازير إِذا اتَّجرُوا فِيهَا، وَيَأْخُذ
عشرهَا من الْقيمَة.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد روينَا عَن شُرَيْح أَنه ضمن مُسلما خمرًا أهراقها لذمى،
وروينا عَن الْحسن أَنه قَالَ فِي الْخمر: الْعشْر، وَقد روينَا عَن عمر بن
عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: "الْخمر لَا يعشرها مُسلم"، وَهَذَا على مَذْهَب
أبي ثَوْر، وَأبي عبيد.
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل لَا يُوجب على من أهراق لذِمِّيّ خمرًا. أَو قتل لَهُ خنزيراً شَيْئا،
وَهَذَا على مَذْهَب الشَّافِعِي.

(11/12)


قَالَ أَبُو بكر: وَقِيَاس قَول من كره تعشير الْخمر والخنازير أَن يكره
أَخذهَا فِي الْجِزْيَة، وَيُشبه أَن يكون قِيَاس قَول من رأى
للعشارين أَن يعشرُوا الْخمر عَلَيْهِم وَيَأْخُذ عشرهَا الْخمر فِي الْجِزْيَة،
وَلَا معنى لتفريق من فرق بَين الْخمر والخنازير فَقَالَ: يعشر الْخمر
وَلَا يعشر الْخَنَازِير، لِأَن الْخمر قد كَانَ فِي الأَصْل قبل أَن يكون
خمرًا حَلَالا، لِأَنَّهُ كَانَ عنباً وعصيراً، ثمَّ لَعَلَّه أَن يعود خلا،
وَالْخِنْزِير لم يكن حَلَالا قطّ، وَهَذِه غَفلَة من قَائِلهَا، وَذَلِكَ أَن الْخمر
فِي الْحَال الَّتِي هِيَ مُحرمَة ضد الْحَلَال، فالحال الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا أولى
بهَا من حَالَة كَانَت.
وَيلْزم قَائِل هَذَا القَوْل، والمعتل بِهَذِهِ الْعلَّة، أَن يُجِيز بيعهَا وشرائها، فَإِذا أَبى ذَلِك
فِي البيع وَنظر إِلَى إطالة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا، وَامْتنع من بيعهَا لِأَنَّهَا مُحرمَة فِي
وَقت البيع وَالشِّرَاء، وَجب أَن يمْتَنع أَن يعشر الْخمر من حَيْثُ امْتنع
من بيعهَا وشرائها.

ذكر التَّغْلِيظ على من عنف بِأَهْل الذِّمَّة فِي مطالبتهم بالجزية
6401 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة أَن هِشَام بن حَكِيم
وجد رجلا وَهُوَ على حمص، يشمش نَاسا من القبط فِي أَدَاء الْجِزْيَة

(11/13)


فَقَالَ: مَا هَذَا إِنِّي سَمِعت رَسُول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " إِن الله يعذب الَّذين
يُعَذبُونَ النَّاس فِي الدُّنْيَا ".

ذكر اسْتِحْبَاب الرِّفْق فِي الْأُمُور كلهَا
6402 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة
عَن الْأَعْمَش عَن تَمِيم بن سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هِلَال عَن
جرير بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من يحرم الرِّفْق
يُحرم الْخَيْر ".

6403 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الزبير قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان قَالَ: حَدثنَا عَمْرو هَكَذَا، عَن ابْن أبي مليكَة عَن يعلى بن مملك
عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من أعْطى
حَظه من الرِّفْق فقد أعْطى حَظه من الْخَيْر، وَمن حرم حَظه من الرِّفْق
ففد حرم حَظه من الْخَيْر".

(11/14)


ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي الْجِزْيَة كَيفَ تجبى
قَالَ الله عز وَجل: (حتّى يُعطُوا الجِزِيَةَ عَنْ يَد وهُمْ صاغِرُون) الْآيَة.

6404 - حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد قَالَ:
حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن أبي بكر عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: يَمْشُونَ بهَا ملبين.
وَقد اخْتلف فِي قَوْله: (عَن يَدٍ وهُمْ صَاغِرُون) فَقَالَ
بَعضهم: يَمْشُونَ بهَا، وَقَالَ بَعضهم: نَقْدا، يَقُول عَن
ظهر يَد لَيْسَ بنسيئة، وَقَالَ أَبُو عبيد: كل من انطاع
لمن قهره وَأَعْطَاهُ عَن غير طيب نفس فقد أعطَاهُ
عَن يَد.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " سَمِعت عددا من أهل الْعلم يَقُولُونَ: الصغار أَن
يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام، قَالَ الشَّافِعِي: وَمَا أشبه مَا قَالُوا بِمَا
قَالُوا، قَالَ الشَّافِعِي: فَإِذا أحَاط الإِمَام بِالدَّار، فعرضوا عَلَيْهِ أَن
يُعْطوا الْجِزْيَة على أَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام، لزمَه أَن يقبلهَا
مِنْهُم، وَلَو سَأَلُوهُ أَن يعطوها على أَن لَا يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام،
لم يكن ذَلِك لَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يقاتلهم حَتَّى يسلمُوا، أَو يُعْطوا

(11/15)


الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون، بِأَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم
الْإِسْلَام ".
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي:"يَنْبَغِي للوالي أَن يولي الْخراج رجلا يرفق بهم ويعدل
عَلَيْهِم فِي خراجهم، وَلَا يعذبهم، فَإِن كسروا من خراجهم شَيْئا لم يبع
عَلَيْهِم عرضا، وَلم يهنهم فِيهِ، وَلم يعذبهم، وَله أَن يحول بَينهم
وَبَين غلاتهم حَتَّى يَسْتَوْفِي الْخراج، فَإِن صَار على أحد مِنْهُم مائَة
بَعْدَمَا مَضَت السّنة فَلَا يُؤْخَذ بِالْمِائَةِ فِي قَول النُّعْمَان، وَيُؤْخَذ بِهِ
فِي قَول يَعْقُوب.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: وَيُؤْخَذ مِنْهُم فِي كل سنة فِي وَقت من الْأَوْقَات، وَيكْتب لَهُم بَرَاءَة
إِلَى مثله من الْحول، ويرفق بهم فِي الإستبداء، وَلَا يضْربُونَ وَلَا يحبسون
إِلَّا أَن يكون رجل مِنْهُم عِنْده مَال فَلَا يُؤدى، فَيكون للْإِمَام عُقُوبَته
بِحَبْس، أدب، وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا نقد الْبَلَد الَّذِي هم
فِيهِ، وَلَا يكلفون نقد بَيت مَال إِن كَانَ أَجود من نقد الْبَلَد.

ذكر مَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الذِّمَّة من تَغْيِير الزي خلاف زِيّ الْمُسلمين
6405 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي
الْقَاسِم بن عبد الله قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن دِينَار عَن

(11/16)


عبد الله بن عَمْرو أَن عمر كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد يَأْمُرهُم أَن يختموا
فِي رِقَاب أهل الْجِزْيَة بالرصاص، ويصلحوا مناطقهم، ويجزوا
نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، وَلَا يضْربُوا الْجِزْيَة إِلَّا
على من جرت عَلَيْهِ الموسى، وَلَا يَدعُوهُم يتشبهوا بِالْمُسْلِمين
فِي ركوبهم.
قَالَ أَبُو عبيد فِي قَوْله: مناطقهم: يَعْنِي الزنانير.

6406 - حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا النَّضر بن إِسْمَاعِيل عَن
عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن خَليفَة بن قيس قَالَ: قَالَ عمر: يَا
يرفأ: أكتب إِلَى أهل الْأَمْصَار فِي أهل الْكتاب: أَن تجز نواصيهم،
وَأَن يربطوا الكستيجان فِي أوساطهم، ليعرف زيهم من زِيّ
أهل الْإِسْلَام.
وَقد روينَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز "أَنه أَمر فِي أهل الذِّمَّة أَن يحملوا
على الأكف، وَأَن تجز نواصيهم"، وَسُئِلَ مَالك هَل لِلنَّصَارَى أَن

(11/17)


يحدثوا فِي أَرض الْإِسْلَام الْكَنَائِس؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَن يكون لَهُم
أَمر أَعْطوهُ على ذَلِك.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يحدد بَينه وَبَين أهل الذِّمَّة جَمِيع
مَا يعطيهم، وَيَأْخُذ مِنْهُم، وَيرى أَنه ينوبه وينوب النَّاس مِنْهُم
فيسمى الْجِزْيَة، وَأَن، يؤدوها على مَا وصفت، وَيُسمى
شهرا تُؤْخَذ فِيهِ الْجِزْيَة، وعَلى أَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام إِذا
طَلَبهمْ بِهِ طَالب، أَو أظهرُوا ظلما لأحد، وعَلى أَن لَا يذكرُوا
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا هُوَ أَهله، وَلَا يطعنوا فِي دين الْإِسْلَام،
وَلَا يعيبوا من حكمه شَيْئا، فَإِن فعلوا فَلَا ذمَّة لَهُم، وَيَأْخُذ
عَلَيْهِم أَلا يسمعوا السلمين شركهم، وَقَوْلهمْ فِي عُزَيْر، وعيسي،
فَإِن وجدوهم فعلوا بعد التَّقَدُّم فِي عُزَيْر، وعيسي إِلَيْهِم، عاقبهم
على ذَلِك عُقُوبَة وَلَا يبلغ حدا، لأَنهم قد أذن بإقرارهم على
دينهم، وَأَن لَا يكرهوا أحدا على دينهم إِذا لم يروه من أبنائهم،
وَلَا رقيقهم وَلَا غَيرهم، وعَلى أَن لَا يحدثوا فِي مصر من أَمْصَار
الْمُسلمين كَنِيسَة، وَلَا مجتمعاً لصلاتهم، وَلَا ضرب ناقوس،
و لَا حمل خمرٍ ، وَلَا إِدْخَال خِنْزِير، وَلَا يعذبوا بَهِيمَة، وَلَا يقتلوها
ضربا لذبح، وَلَا يحدثُونَ مَا يطيلون بِهِ بِنَاء الْمُسلمين،
وَأَن يفرقُوا بَين هيئاتهم فِي الملبس والمركب، وَبَين هيئاتِ الْمُسلمين،
وَأَن يعقدوا الزنَانِير فِي أوساطهم، فَإِنَّهَا من أبين فرق بَينهم وَبَين
هيئات الْمُسلمين، وَأَن لَا يدخلُوا مَسْجِدا، وَلَا يبايعوا مُسلما

(11/18)


بيعا يحرم فِي الأسلام، وَلَا يزوجوا مُسلما مَحْجُورا، إِلَّا بِإِذن وليه،
وَلَا يمنعوا من أَن يزوجوه حرَّة إِذا كَانَ حرا مَالِكًا لنَفسِهِ أَو مَحْجُورا
بِإِذن وليه بِشُهُود مُسلمين، وَلَا يسقوا مُسلما خمرًا، وَلَا يطعموه
محرما من لحم الْخِنْزِير وَلَا غَيره، وَلَا يظهروا الصَّلِيب فِي الْجَمَاعَات
فِي أَمْصَار الْمُسلمين، وَإِن كَانُوا فِي قَرْيَة يملكونها منفردين لم
يمنعهُم إِحْدَاث كَنِيسَة وَلَا رفع بِنَاء، وَلَا يعرض
لَهُم فِي خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وإجماعهم، وَأخذ عَلَيْهِم
أَن لَا يسقوا مُسلما أَتَاهُم خمرًا، وَلَا يبايعوه محرما، وَلَا يطعموه إِيَّاه،
وَلَا يغشوا مُسلما ".
"وَإِن كَانَ بِمصْر الْمُسلمين لَهُم كَنِيسَة، أوبناء طائل كبناء الْمُسلمين، لم يكن
للْإِمَام هدمها وَلَا هدم بنائهم، وَترك كلا على مَا وجد عَلَيْهِ،
وَمنع من إِحْدَاث الْكَنِيسَة، وَهَذَا إذاكان الِمصر للْمُسلمين
أحيوه، أَو فتحوه عنْوَة، وَشرط على أهل الذِّمَّة هَذَا، فَإِن
كَانُوا فتحوه على صلحٍ بَينهم وَبَين أهل الذِّمَّة، من ترك
إِظْهَار الْخمر والخنازير، وإحداث الْكَنَائِس فِيمَا ملكوا، لم يكن
لَهُ مَنعهم من ذَلِك، وَإِظْهَار الشّرك أكبر مِنْهُ، وَلَا يجوز
للْإِمَام أَن يُصَالح أحدا من أهل الذِّمَّة على أَن ينزلُوا من بِلَاد
الْإِسْلَام منزلا يظْهر فِيهِ جمَاعَة وَلَا كَنِيسَة وَلَا ناقوساً، إِنَّمَا يصالحهم
على ذَلِك فِي بِلَادهمْ الَّتِي وجدوا فِيهَا ففتحوها عنْوَة أَو
صلحا، فَأَما بِلَاد لم تكن لَهُم، فَلَا يجوز هَذَا لَهُ فِيهَا، فَإِن

(11/19)


فعل ذَلِك أحد فِي بلد يملكهُ مَنعه مِنْهُ، وَإِن أظهرُوا
ناقوساً، أَو اجْتمعت لَهُم جمَاعَة، أَو تهيئوا بهيئة نَهَاهُم
عَنْهَا، يقدم فِي ذَلِك إِلَيْهِم، فَإِن عَادوا عاقبهم، وَإِن
فعل هَذَا مِنْهُم فَاعل، أَو بَاعَ مُسلما بيعا حَرَامًا فَقَالَ: مَا
علمت، تقدم إِلَيْهِ الْوَالِي وأحلفه و أقاله فِي ذَلِك،
فَإِن عَاد عاقبه ".
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي:"يَنْبَغِي للْإِمَام أَن لَا يتْرك أحدا من أهل الذِّمَّة يتشبه فِي لِبَاسه
وَلَا مركبه، وَلَا فِي هَيئته بالسلمين، وَيَنْبَغِي أَن يؤخذوا حَتَّى يَجْعَل
كل إنسانٍ مِنْهُم فِي وَسطه كشتنجا مثل الْخَيط الغليظ،
ويعقده على وَسطه، وَأَن يؤخذوا بِأَن يلبسوا قلانس مضربة،
وَأَن يركبُوا السُّرُوج وعَلى قربوس السرج مثل الرمانة،
وَأَن يجْعَلُوا شرك نعَالهمْ مُثَلّثَة، وَلَا يتخذوها على حذاء
الْمُسلمين، وَلَا يلبسوا طيالسة مثل طيالسة الْمُسلمين، وَلَا أردية
مثل أردية الْمُسلمين".
وَقيل لِأَحْمَد بن حَنْبَل: لِلنَّصَارَى أَن يظهروا الصَّلِيب أَو يضْربُوا بالنواقيس؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُم أَن يظهروا شَيْئا لَيْسَ فِي صلحهم.
قَالَ إِسْحَاق: " لَيْسَ لَهُم أَن يظهروا الصَّلِيب أصلا، لما نهى عمر بن الْخطاب
عَن ذَلِك، وَيَقُولُونَ: إِن إظهارنا الصَّلِيب إِنَّمَا هُوَ دُعَاء ندعوكم إِلَى
ديننَا، فيمنعون أَشد الْمَنْع ".

(11/20)


ذكر الِامْتِنَاع من أَخذ الْجِزْيَة من الْكِتَابِيّ على سُكْنى
الْحرم ودخوله
قَالَ الله جلّ ذكره: (يَا أّيها الذيِنَ امنُوا إنّما المُشرِكُونَ نجسٌ فَلاَ يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرام
بَعدَ عامِهم هَذا) الْآيَة.
روينَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي قَوْله (إِنّما المُشرِكُونَ نجس)
قَالَ: قذر، وَقَالَ قَتَادَة : نجس أَي أجناب، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: "نجس متحرك الْحُرُوف بالفتحة، ومجازه قذر، وكل
نتِن وطَفَس نجس".

6407 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ، وَإِبْرَاهِيم بن الْحَارِث
الْبَغْدَادِيّ، وَسَهل بن عمار النَّيْسَابُورِي قَالُوا: حَدثنَا
حجاج بن مُحَمَّد الْأَعْوَر قَالَ: قَالَ ابْن جريج: أَخْبرنِي
أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن ، عبد الله يَقُول
فِي هَذِه الْآيَة (إِنّما المُشرِكُونَ نَجسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسْجِدَ الحَرام
بَعْدَ عَامِهِمْ هَذا) إِلَّا أَن يكون عبدا أَو أحدا من

(11/21)


أهل الْجِزْيَة.
وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِه الْآيَة كَمَا قَالَ جَابر.
وَفِيه قَول ثَان:

6408 - حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا عباد بن الْعَوام
عَن أَشْعَث عَن أَبى الزبير عَن جَابر: " فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد
عَامهمْ هَذَا، وَلَا يقربهُ مُشْرك".
روينَا عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: إِن أَبَا سُفْيَان كَانَ يدْخل الْمَسْجِد بِالْمَدِينَةِ
وَهُوَ كَافِر، غير أَن ذَلِك لَا يحل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، قَالَ الله
تَعَالَى: (إِنّما المُشرِكُونَ نجسٌ فَلا بَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرام بَعدَ
عامِهم هَذا) الْآيَة.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: "لَا يدع مُشْركًا أَن يطَأ الْحرم بحالٍ من الْحَالَات طَبِيبا
كَانَ أَو صانعاً بنياناً أَو غَيره، لتَحْرِيم الله دُخُول الشركين الْمَسْجِد
الْحَرَام، وَبعده تَحْرِيم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك"، وَقَالَ الشَّافِعِي: "فَأَما
مَكَّة فَلَا يدْخل أحد مِنْهُم الْحرم بحالٍ أبدا، كَانَ لَهُ بهَا مَال أَو لم يكن
وَإِن غفل عَن رجلٍ مِنْهُم فَدَخلَهَا، فَمَرض أخرج مَرِيضا، أَو مَاتَ
أخرج مَيتا وَلم يدْفن بهَا، وَلَو دفن نبش مَا لم يَنْقَطِع ".

(11/22)


ذكر منع أهل الذِّمَّة سُكْنى الْحجاز
6409 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ النجار قَالَ: نَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: نَا ابْن جريج
قَالَ: أخبرنى أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول:
أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُول: لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أدع
بهَا إِلَّا مُسلما.

6410 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد الْحلْوانِي عَن النُّفَيْلِي
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي
صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَن عَائِشَة
حدثته قَالَت: آخر مَا عهد إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يتْرك بِجَزِيرَة
الْعَرَب دينان".

6411 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم قَالَ؟ حَدثنَا سهل بن عُثْمَان العسكري حَدثنَا
زِيَاد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن
أَبِيه عَن عَائِشَة عَن الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.

(11/23)


حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: جَزِيرَة الْعَرَب مَا بَين حفر أبي مُوسَى
إِلَى أقْصَى الْيمن فِي الطول، فَأَما الْعرض فَمَا بَين رمل يبُرِيُن إِلَى مُنْقَطع
السماوة، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَزِيرَة الْعَرَب من أقْصَى عدن أبين إِلَى
ريف الْعرَاق فِي الطول، وَأما الْعرض فَمن جدة وَمَا والاها من سَاحل
الْبَحْر إِلَى أطوار الشَّام، قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد: فَأمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بإخراجهم من هَذَا كُله، فيرون أَن عمر إِنَّمَا استجاز إِخْرَاج أهل نَجْرَان
من الْيمن وَكَانُوا نَصَارَى، إِلَى سَواد الْعرَاق لهَذَا الحَدِيث، وَكَذَلِكَ
اجلاؤه أهل خَيْبَر إِلَى الشَّام وَكَانُوا يهوداً.

6412 - حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنَا الْمقري قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث
قَالَ: حَدثنِي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: بَيْنَمَا نَحن فِي الْمَسْجِد
خرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: "انْطَلقُوا
إِلَى يهود، فخرجنا مَعَه حَتَّى جِئْنَا بَيت الْمِدْرَاس فَقَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فناداهم فَقَالَ: " يَا معشر يهود أَسْلمُوا تسلموا "، قَالُوا: بلغت يَا أَبَا
الْقَاسِم؟ قَالَ: " ذَلِك أُرِيد"، ثمَّ قَالَهَا الثَّالِثَة، فَقَالَ: " اعلموا أَن
الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ وَأَنا أُرِيد أَن أجليكم من هَذِه الأَرْض، فَمن وجد
مِنْكُم بِمَالِه شَيْئا فليبعه، وَإِلَّا فاعلموا أَن الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ ".

(11/24)


6413 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان
عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن سعيد بن جُبَير سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: يَوْم
الْخَمِيس، وَمَا يَوْم الْخَمِيس؟ ثمَّ بَكَى حَتَّى بلّ دمعه الْحَصَى،
قلت: يَا أَبَا عَبَّاس: مَا يَوْم الْخَمِيس؟ قَالَ: اشْتَدَّ برَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعه فِيهِ فَقَالَ: " ائتونى بكتب اكْتُبْ كتابا، وَلَا
تنازعوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنَازع، وأوصاهم أَن
أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، وأجيزوا الْوَفْد الَّذِي
كنت أجيزهم ".

6414 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة
وَمُحَمّد بن عبيد عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر
قَالَ: أجلى عمر الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، وَقَالَ: " لَا يجْتَمع فِي
جَزِيرَة الْعَرَب دينان "، وَضرب لن قدم مِنْهُم أَََجَلًا قدر مَا
يبيعون سلعهم.

6415 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن
الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: جَاءَ أهل نَجْرَان إِلَى عَليّ
فَقَالُوا: شفاعتك بلسانك، وكتابك بِيَدِك، أخرجنَا عمر من
أَرْضنَا، فردّها إِلَيْنَا، قَالَ: وَيْلكُمْ إِن عمر كَانَ
رشيد الْأَمر، فَلَا أغير شَيْئا صنعه عمر، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة: قَالَ

(11/25)


الْأَعْمَش: كَانُوا يَقُولُونَ: لَو كَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِ شَيْء
لأغتنم هَذَا.

6416 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن حجاج عَمَّن سمع
الشّعبِيّ يَقُول: قَالَ عَليّ لما قدم هَهُنَا، ثغر الْكُوفَة: مَا قدمت لأحل
عقدَة شدّها عمر.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد ثَبت أَن عمر بن الْخطاب ضرب للْيَهُود،
وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس إِقَامَة ثَلَاثَة أَيَّام يتسوقون بهَا ثغر الدينة، وَبِه قَالَ
مَالك، وَالشَّافِعِيّ.

6417 - حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا القعْنبِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن
ابْن عمر أَن عمر بن الْخطاب ضرب للْيَهُود، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس إِقَامَة
ثَلَاث لَيَال يتسوقون بهَا، ويقضون حوائجهم، وَلم يكن أحد مِنْهُم يُقيم
بعد ثَلَاث لَيَال.
وَقَالَ مَالك: لَا يتْرك أحد على غير دين الْإِسْلَام يُقيم بِالْمَدِينَةِ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَقد نهى
عمر بن الْخطاب، قَالَ مَالك: فَأرى أَن يجلوا من الْمَدِينَة، وَمَكَّة،
واليمن، وَأَرْض الْعَرَب، لِأَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يبْقى دينان بِأَرْض
الْعَرَب "، وَقد أجلاهم عمر بن الْخطاب هن فدك، ونجران.

(11/26)


قَالَ الشَّافِعِي: " فَإِن سَأَلَ من تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة أَن يُعْطِيهَا وَيجْرِي عَلَيْهِ
الحكم على أَن يسكن الْحجاز، لم يكن ذَلِك لَهُ، والحجاز مَكَّة،
وَالْمَدينَة، واليمامة، ومخاليفها كلهَا، لِأَن تَركهم بسكنى الْحجاز
مَنْسُوخ، وَقد كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتثْنى على أهل خَيْبَر
فَقَالَ: " أُقِرِّكم مَا أَقَرَّكم الله "، ثمَّ أَمر
بإجلاهم، وَأحب أَن لَا يدْخل الْحجاز مُشْرك بِحَال لما وصفت
من أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يبين لي أَن يحرم أَن يمر ذمِّي بالحجاز
ماراً لَا يُقيم بِبَلَد مِنْهَا أَكثر من ثَلَاث لَيَال، وَذَلِكَ مقَام مُسَافر،
لِأَنَّهُ قد يحْتَمل أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإجلائهم عَنْهَا، أَن لَا يسكنوها،
وَيحْتَمل لَو ثَبت عَنهُ " لَا يبقيّن دينان بِأَرْض الْعَرَب " ،
لَا يبْقين دينان مقيمان، وَلَوْلَا أَن عمر ولي إِخْرَاج أهل الذِّمَّة
لما ثَبت عِنْده من أَمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَن أَمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتملا
مَا رأى عمر بن الْخطاب من أَن أجل من قدم من أهل الذِّمَّة
تَاجِرًا ثَلَاث، لَا يُقيم فِيهَا بعد ثَلَاث، لرأيت أَن لَا يصالحوا
بِدُخُولِهَا بِكُل حَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي: وَلَيْسَت الْيمن بحجاز، فَلَا يجليهم أحد من الْيمن، وَسَائِر الْبلدَانِ
مَا خلا الْحجاز، فَلَا بَأْس أَن يصالحوا على الْمقَام بهَا، وَلَا يتَبَيَّن
لي أَن يمنعوا ركُوب بَحر الْحجاز، وَيمْنَعُونَ الْمقَام فِي سواحله،

(11/27)


وَإِن كَانَت فِي بَحر الْحجاز جزائراً وجبالاً تسكن منعُوا سكناهما،
لِأَنَّهَا من أَرض الْحجاز ".
قَالَ أَبُو بكر: وَقد قَالَ قائلٌ من أهل الْعلم: معنى قَوْله: " لَا يجْتَمع
دينان بِأَرْض الْحجاز " من أَلْفَاظ الْخَبَر الَّذِي مَعْنَاهَا معنى
النَّهْي، أَي لَا يجْتَمع دينان بِأَرْض الْحجاز،
وأحتج الشَّافِعِي
فِي مَنعه إِعْطَاء أهل الذِّمَّة أَن يسكنوا الْحرم أَو أَرض الْحجاز
بِحَال، أَو أَرض الْعَرَب، لِأَنَّهُ اشْتِرَاط من أشرط ذَلِك إِنَّمَا
أشرط خلاف كتاب الله، وَقد ثَبت أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " كل شرطٍ لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل ، وَإِن كَانَ
مائَة شَرط " ،
وَمن شَرط لَهُم سُكْنى الْحرم أَو الْحجاز بِحَال، فقد أشرط خلاف كتاب الله
وَسنة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرِيد بِخِلَافِهِ كتاب الله قَوْله: (إِنَّمَا المُشرِكُون
نَجَس) الْآيَة ، وَالسّنة الْمَانِعَة من ذَلِك قَوْله:"لَا يتْرك دينان
بِجَزِيرَة الْعَرَب ".

(11/28)


ذكر إِسْقَاط الصَّدَقَة عق أهل الذِّمَّة
كَانَ مَالك بن أنس، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو عبيد، وَأَبُو ثَوْر،
وَأَصْحَاب الرَّأْي، وكل من نَحْفَظ قَوْله يَقُولُونَ: لَيْسَ على أهل
الذِّمَّة صدقاتٍ فِي أَمْوَالهم، إِلَّا مَا ذكرنَا من أَمر نَصَارَى بني تغلب،
فَإنَّا قد ذكرنَا مَا يُؤْخَذ مِنْهُم فِي غير هَذَا الْوَضع، وَإِلَّا مَا يُؤْخَذ
من أهل الذِّمَّة فِيمَا يديرونه من التِّجَارَات إِذا اخْتلفُوا فِي
بِلَاد الْمُسلمين.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: مَا أَحسب عمر أَخذ مَا أَخذ من النبط إِلَّا عَن شَرط
بَينهم وَبَينه كَشَرط الْجِزْيَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: كَذَلِك بِلَا شكّ، وَقد
روينَا عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ ذَلِك يُؤْخَذ مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة
فألزمهم عمر ذَلِك.
قَالَ أَبُو بكر: وَالَّذِي قَالَه الشَّافِعِي، وَأَبُو عبيد أولى من أَن يظنّ أَنه اقْتدى
بِأَفْعَال أهل الْجَاهِلِيَّة، وأحيى سنتهمْ.

ذكر أهل السوَاد
قَالَ الله جلّ ذكره: (واعلَمُوا أنَّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيء فَإنَّ لله خُمسُه) الْآيَة.

6418 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحَكم قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب
قَالَ: وأخبرنى هِشَام بن سعد عَن، زيد بن أسلم عَن أَبِيه
قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: لَوْلَا أَن أترك آخر النَّاس

(11/29)


بَيَانا لَا شىء لَهُم مَا فتحت قَرْيَة إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر.

6419 - وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن على قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا معمر عَن
همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيّمَا قَرْيَة
أتيتموها فَإِن سهمها فِيهَا، وَأَيّمَا قَرْيَة غضب الله عَلَيْهَا فاخمسوها فَإِن
خمسها لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ هِيَ لكم ".
قَالَ أَبُو بكر: وَقَالَ غَيره: " وَأَيّمَا قَرْيَة عَصَتْ الله وَرَسُوله "،
وَهُوَ أصح.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَت طَائِفَة:
يجب قسم كل قَرْيَة افتتحت عنْوَة كَمَا تقسم الدَّنَانِير، وَالدَّرَاهِم،
وَالْعرُوض، وَسَائِر الْأَشْيَاء.

6420 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي
ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أَبى حبيب عَمَّن سمع عبيد الله بن الْمُغيرَة بن أبي
بردة يَقُول: سَمِعت سُفْيَان بن وهب الْخَولَانِيّ يَقُول: لما فتحنا مصر بِغَيْر
عهد قَامَ الزبير فَقَالَ: اقسمها يَا عَمْرو بن الْعَاصِ! فَقَالَ عَمْرو: لَا
أقسم، فَقَالَ الزبير: واللّه لتقسمنها كَمَا قسم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر،

(11/30)


قَالَ عَمْرو: وَالله لَا أقسمها حَتَّى أكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَكتب إِلَيْهِ
عمر بن الْخطاب: أقرها حَتَّى يَغْزُو مِنْهَا حَبل الحبلة.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " كلما ظهر عَلَيْهِ من قَلِيل أَمْوَال الْمُشْركين وكثره، أَو دَارا
وَغَيره لَا يخْتَلف لِأَنَّهَا غنيمَة، وَحكم الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْغَنِيمَة أَن
يُخَمّس، وَقد بَين رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أوجف عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ والركاب،
فَإِن تَركه الإِمَام وَلم يقسمهُ فَوَقفهُ على الْمُسلمين، أَو تَركه لأَهله،
رُد حكم الإِمَام فِيهِ، لِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة مَعًا، فَأَما الْكتاب
فَقَوله: (واعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة ، وَقسم
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس على من أوجف عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ والركاب
من كل مَا أوجف عَلَيْهِ من أَرض وَعمارَة وَمَال، وَإِن تَركهَا لأَهْلهَا،
اتبع أَهلهَا بِجَمِيعِ مَا صَار فِي أَيْديهم من غَلَّتهَا، فاستخرج من أَيْديهم
وَجعل لَهُم أُجْرَة مثلهم فِيمَا قَامُوا بِهِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَانَ لأَهْلهَا أَن يتبعوا
الإِمَام على مَا فَاتَ مِنْهَا، لِأَنَّهَا أَمْوَالهم أفاتها، فَإِن ظهر الإِمَام على بلادٍ
عنْوَة فخمسها ثمَّ سَأَلَ أهل الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس، ترك حُقُوقهم مِنْهَا،
فَأَعْطوهُ ذَلِك طيبَة بِهِ أنفسم، فَلهُ قبُوله إِن أَعْطوهُ وَقفا على الْمُسلمين،
وأحسب عمر بن الْخطاب إِن كَانَ صنع هَذَا فِي شَيْء من بِلَاد العنوة إِنَّمَا
استطاب أنفس أَهلهَا عَنْهَا فَصنعَ مَا وصفت".

(11/31)


وَقَالَ فِي الْكتاب الْمَعْرُوف بسير الْوَاقِدِيّ: " وَلَا أعرف مَا أَقُول فِي السوَاد إِلَّا ظنا
مَقْرُونا إَلى علم ".

6421 - أخبرنَا الثِّقَة عَن إِسْمَاعِيل بن أَبى خَالِد عَن قيس بن أَبى حَازِم عَن
جرير قَالَ: كَانَت بجيلة ربع النَّاس فقسم لَهُم ربع السوَاد فاستغلوه ثَلَاثًا
أَو أَربع سِنِين أَنا شَككت، ثمَّ قدمت على عمر بن الْخطاب وَمَعِي فُلَانَة
ابْنة فلَان امْرَأَة مِنْهَا قد سَمَّاهَا لَا يحضرني ذكر اسْمهَا ، فَقَالَ
عمر بن الْخطاب: لَوْلَا إِنِّي قَاسم مسئول لتركتكم على مَا قسم لكم،
وَلَكِنِّي أرى أَن تردوا على النَّاس.
قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ فِي حَدِيثه: وعاضني من حَقي نَيف وَثَمَانِينَ دِينَارا.
قَالَ الشَّافِعِي: "هَذَا الحَدِيث دَلِيل إِذْ أعْطى جَرِيرًا البَجلِيّ عوضا من سَهْمه، أَنه
استطاب أنفس الَّذين أوجفوا عَلَيْهِ، فتركوا حُقُوقهم فَجعله وَقفا
للْمُسلمين، وَهَذَا أولى الْأُمُور بعمر بن الْخطاب عندنَا فِي السوَاد،
وفتوحه إِن كَانَت عنْوَة فَهُوَ كَمَا وصفت، ظن عَلَيْهِ دلَالَة يَقِين ".
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: وَيقسم الإِمَام مَا ظهر عَلَيْهِ من أَرض وَدَار وَغير ذَلِك قسما
وَاحِدًا، وَيقسم ذَلِك على مَا أَمر الله بِهِ.
وَقَالَت طَائِفَة: الإِمَام بالحجار فِي كل أَرض أخذت عنْوَة إِن شَاءَ أَن يقسمها قسمهَا
كَمَا فعل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَر، فَإِن شَاءَ أَن يَجْعَلهَا فَيْئا فَلَا يقسمها وَلَا
يخمسها وَتَكون مَوْقُوفَة على الْمُسلمين عَامَّة كَفعل عمر بن الْخطاب
بِالسَّوَادِ فعل، وَالْأَخْبَار الَّتِي رويت عَن عمر بن الْخطاب فِي هَذَا الْبَاب

(11/32)


دَالَّة على الْمَعْنى الَّذِي لَهُ أوقف عمر بن الْخطاب السوَاد، يحْكى هَذَا
القَوْل عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
حَدثنِي عَليّ عَن أَبى عبيد أَنه قَالَ: " بِهَذَا، كَانَ يَأْخُذ سُفْيَان بن سعيد وَهُوَ
مَعْرُوف من قَوْله إِلَّا أَنه كَانَ يَقُول: الْخِيَار فِي الأَرْض العنوة إِلَى
الإِمَام إِن شَاءَ جعلهَا غنيمَة فَخمس وَقسم، وَإِن شَاءَ جعلهَا فَيْئا عَاما
للْمُسلمين وَلم يُخَمّس وَلم يقسم، وَبِه قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ: قَالَ: وَلَيْسَ
فعل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برادّ لفعل عمر، وَلكنه اتبع آيَة من
كتاب الله فَعمل بهَا، وَاتبع عمر آيَة أُخْرَى فَعمل بهَا، قَالَ الله تبَارك
وَتَعَالَى: (واعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة ،
فَهَذِهِ آيَة الْغَنِيمَة وهى لأَهْلهَا دون النَّاس، وَبهَا عمل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ
الله: (ومَا آَفَاء الله عَلى رَسُوِله مِنْ أَهلِ القُريَ) إِلَى قَوْله (والَّذيِن جَاءُوا
مِن بَعدِهِم) الْآيَة ، فَهَذِهِ آيَة الْفَيْء وَبهَا عمل عمر، وَإِيَّاهَا تَأَول
حِين ذكر الْأَمْوَال وأصنافها، قَالَ: فاستوعبت هَذِه الْآيَة النَّاس،
وَإِلَى هَذِه الْآيَة ذهب عَليّ، ومعاذ حَيْثُ أشارا عَلَيْهِ بِمَا أشارا فِيمَا نرى "
وَالله أعلم.

6422 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن إِسْرَائِيل
عَن أَبى إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب عَن عمر أَنه أَرَادَ أَن يقسم السوَاد
بَين الْمُسلمين، فَأَرَادَ أَن يحصوا فَوجدَ الرجل يُصِيبهُ ثَلَاثَة من الفلاحين،

(11/33)


فَشَاور فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ على بن أبي طَالب: دعهم يَكُونُوا مادّة
للْمُسلمين فتركهم، وَبعث عَلَيْهِم عُثْمَان بن حنيف فَوضع عَلَيْهِم ثَمَانِيَة
وَأَرْبَعين، وَأَرْبَعَة وَعشْرين، واثني عشر.

6423 - حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي
عَن يحيى بن حَمْزَة قَالَ حَدثنِي تَمِيم بن عَطِيَّة الْعَنسِي قَالَ: أخبرنَا
عبد الله بن أَبى قيس، أَو عبد الله بن قيس شكّ أَبُو عبيد قَالَ: قدم
عمر الْجَابِيَة، فَأَرَادَ قسم الْأَرْضين بَين الْمُسلمين فَقَالَ لَهُ معَاذ: وَالله إِذا
لَيَكُونن مَا تكره، إِنَّك إِن قسمتهَا الْيَوْم صَار الرّيع الْعَظِيم فِي أَيدي
الْقَوْم يبيدون، فَيصير ذَلِك إِلَى الرجل الْوَاحِد أَو الْمَرْأَة ،
ثمَّ يَأْتِي من بعدهمْ قوم يسدون من الْإِسْلَام مسداً، وهم لَا يَجدونَ
شَيْئا، فَانْظُر أمرا يسعهم أَوَّلهمْ وَآخرهمْ.
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي أَرض السوَاد: عمر جعلهَا للنَّاس عَامَّة، وَذكر حَدِيث
زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: لَوْلَا أَن يتْرك آخر الْمُسلمين لَا شَيْء لَهُم
مَا تركت قَرْيَة إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر، ثمَّ قَرَأَ
عمر بن الْخطاب هَذِه الْآيَة (للِفُقَراءِ المُهاجِرِين) إِلَى قَوْله (والَّذيِن
جَاءوُا مِن بَعدِهِم) الْآيَة ، فَجَعلهَا للْمُسلمين الْعَامَّة، وَأعْطى
جَرِيرًا ثمَّ استردها مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: يَا جرير! لَوْلَا إِنِّي قَاسم مسئول

(11/34)


لكنتم على مَا قسم لكم، وَكَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يسْتَأْجر أَرض
السوَاد مِمَّن هِيَ فِي يَدَيْهِ، وَكَانَ يَقُول: أَرض السوَاد و الدُّخُول
فِيهَا كَانَ الشرى أسهل، يَشْتَرِي الرجل بِقدر مَا يَكْفِيهِ،
ويغنيه من النَّاس هُوَ رجل من الْمُسلمين كَانَ يَقُول: إِنَّمَا
هِيَ أَرض الْمُسلمين، فَهَذَا إِنَّمَا فِي يَدَيْهِ مِنْهَا مَا يَسْتَغْنِي بِهِ وَهُوَ
رجل من الْمُسلمين، وَكره أَبُو عبد الله البيع فِي أَرض السوَاد،
الْأَثْرَم عَنهُ.
وَحكى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن بيع أَرض السوَاد مَا ترى فِيهِ؟ فَقَالَ: دَعه،
فَقَالَ: الرجل يَبِيع مِنْهُ بِحَجّ، قَالَ: لَا أَدْرِي.
وَأنكر أَبُو عبيد أَن يكون عمر استطاب أنفس الْقَوْم، وَذكر مَا كلم بِهِ جَرِيرًا فِي
أَرض السوَاد وقصة البجيلة.

6424 - حَدثنَا على عَن أَبى عبيد قَالَ: حَدثنِي هشيم قَالَ: أخبرنَا
إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أَبى حَازِم قَالَ: كَانَت بجيلة
ربع النَّاس يَوْم الْقَادِسِيَّة فَجعل لَهُم عمر ربع
السوَاد، فَأخذُوا سنتَيْن أَو ثَلَاثًا، قَالَ: فوفد عمار بن يَاسر
إِلَى عمر وَمَعَهُ جرير بن عبد الله، فَقَالَ عمر لجرير: يَا جرير!
لَوْلَا أَنِّي قَاسم مسئول لكنتم على مَا جعل لكم، وَأرى النَّاس
قد كَثُرُوا، فَأرى أَن تردوا عَلَيْهِم، فَفعل ذَلِك جرير، فَأَجَازَهُ
عمر بِثَمَانِينَ دِينَارا.

(11/35)


قَالَ أَبُو عبيد: " وَوجه هَذَا عِنْدِي: أَن عمر كَانَ نفّل جَرِيرًا وَقَومه ذَلِك نفلا قبل
الْقِتَال وَقبل خُرُوجه إِلَى الْعرَاق، فَأمْضى لَهُ نفله، قَالَ: كَذَلِك يحدثه
الشّعبِيّ عَنهُ ".

6425 - حَدثنَا عَليّ عَن أَبى عبيد قَالَ: حَدثنِي عَفَّان قَالَ: حَدثنَا
مسلمة بن عَلْقَمَة قَالَ: حَدثنَا داؤد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ أَن
عمر كَانَ أول من وجّه جرير بن عبد الله إِلَى الْكُوفَة بعد قتل أَبى عبيد
فَقَالَ: هَل لَك فِي الْكُوفَة، و أنفّلك الثُّلُث بعد الْخمس؟ قَالَ: نعم،
فَبَعثه.
قَالَ أَبُو بكر: عَارض أَبُو عبيد حَدِيثا صَحِيح الْإِسْنَاد بِحَدِيث مُرْسل، ثمَّ
الْحَدِيثين بعد ذَلِك مختلفي الْمعَانِي، فِي حَدِيث قيس بن أبي حَازِم أَن
بجيلة كَانَت ربع النَّاس يَوْم الْقَادِسِيَّة فَجعل لَهُم عمر ربع السوَاد، وَفِي
حَدِيث الشّعبِيّ عَن عمر أَنه جعل لَهُ الثُّلُث بعد الْخمس نفلا، وَهَذَا
الْمَعْنى بعيد من ذَلِك الْمَعْنى، فَكيف يجوز أَن يدْفع حَدِيث صَحِيح بِحَدِيث
مُرْسل، لَا يَصح؟ ثمَّ كَيفَ يجوز أَن يُعَارض مَا لَا يجوز الْمُعَارضَة بِهِ
لاخْتِلَاف معنى الْحَدِيثين؟ ثمَّ ذكر قصَّة البجيلة، وَهِي مُوَافقَة لما قَالَه
من خَالف أَبَا عبيد.

6426 - حَدثنَا عَليّ عَن أَبى عبيد قَالَ: حَدثنَا هشيم
عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس قَالَ: قَالَت امْرَأَة من بجِيلة يُقَال لَهَا أم كرز
لعمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِن أبي هلك وسهمه ثَابت فِي السوَاد،
وَإِنِّي لم أسلم، فَقَالَ لَهَا؟ يَا أم كرز! إِن قَوْمك قد صَنَعُوا مَا
قد علمت، فَقَالَت: إِن كَانُوا صَنَعُوا مَا قد صَنَعُوا فَإِنِّي لست

(11/36)


أسلم حَتَّى تحملنِي على نَاقَة ذَلُول عَلَيْهَا قطيفة حَمْرَاء،
وتملأ كفي ذَهَبا، قَالَ: فَفعل عمر ذَلِك، وَكَانَت الدَّنَانِير نَحوا من
ثَمَانِينَ دِينَارا.
قَالَ أَبُو بكر: وَحَدِيث البجلية على أَبى عبيد لَا لَهُ، أَلا ترَاهُ أرضاها لما
قَالَت: " لَا أسلم "، وَهَذَا مُوَافق لما قَالَه الشَّافِعِي، وَهُوَ على أَبى عبيد،
حَيْثُ أنكر أَن يكون عمر استطاب أنفس الْقَوْم.
إِسْلَام الرجل من أهل الْخراج وَمَا يجب عَلَيْهِ من الْعشْر
فِيمَا أخرجت أرضه
وَاخْتلفُوا فِي الرجل من أهل الْكتاب يسلم وَبِيَدِهِ أَرض من أَرض الْخراج
زَرعهَا، فَقَالَت طَائِفَة: عَلَيْهِ الْعشْر لِأَن الْعشْر فِي الْحبّ وَالْخَرَاج على
الأَرْض، روينَا هَذَا القَوْل عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، وَبِه قَالَ مُغيرَة،
وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَة، وَيحيى الْأنْصَارِيّ، وَمَالك بن أنس،
وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَابْن أَبى ليلى، وَابْن الْمُبَارك، وَيحيى بن آدم،
وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق، وَأَبُو عبيد.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي فِي أَرض الْخراج: لَا يجب فِيمَا أخرجت عشر وَلَا
نصف عشر.
وَفِي كتاب ابْن الْحسن قلت: أَرَأَيْت الْمُسلم يشري من الْكَافِر أَرضًا من
أَرض الْخراج أَيكُون عَلَيْهِ الْعشْر؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن عَلَيْهِ الْخراج، وَلَا
يجمع الْعشْر وَالْخَرَاج جَمِيعًا فِي أَرض .

(11/37)


وَقد تَأَول بعض النَّاس خبرين رويا عَن عمر بن الْخطاب، وَعلي بن أبي
طَالب، وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُمَا حجَّة.

6427 - حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن
قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب أَن دهقانة أسلمت من أهل نهر
الْملك لَهَا أَرض كَثِيرَة فَكتب عَامله إِلَى عمر، فَكتب إِلَيْهِ أَن ادْفَعْ
إِلَيْهَا أرْضهَا يُؤَدِّي عَنْهَا الْخراج.

6428 - حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا يزِيد عَن المَسْعُودِيّ عَن
أبي عون الثقفى مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أسلم دهقان فَقَامَ إِلَى
على بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ على: أما أَنْت فَلَا جِزْيَة عَلَيْك،
وَأما أَرْضك فلنا
قَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله.
قَالَ أَبُو بكر: فرض الله الزَّكَاة فِي غير آيَة من كِتَابه فَقَالَ: (وَأقِيمُوا الصَّلاة
وآتُوا الزَّكَاة) الْآيَة، وَقَالَ: (وَآتوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ) الْآيَة ،

(11/38)


وَثَبت أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دون خمس أوسق
صَدَقَة " ، وَقَالَ: فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقى بالنضح
نصف الْعشْر ، فاستغنى عمر، وَعلي عَن إِعَادَة ذَلِك، وإيجابهما مَا
قد أوجبه الله، وَاسْتغْنى بِهِ أهل الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا بَينا مَا لَيْسَ ذكره
فِي الْكتاب وَالسّنة، وَقد سَأَلَ عمر الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن مسئلة من الْفَرَائِض
فَقَالَ: " يَكْفِيك الْآيَة الَّتِي أنزلت فِي الصَّفّ اسْتغنى فِي ذَلِك
بِكِتَاب الله.
شري الْمُسلم أَرضًا من أَرض السوَاد
وَاخْتلفُوا فِي السّلم يشري أَرضًا من أر فالسواد فمنعت طَائِفَة من
بيع ذَلِك وأبطل بَعضهم البيع، وَمِمَّنْ قَالَ لَا يجوز بيع أَرض
الَّتِي افتتحت عنْوَة مَالك بن أنس، قَالَ مَالك: وَأما مَا افْتتح
عنْوَة فَإِن أُولَئِكَ لَا يشري مِنْهُم أحد وَلَا يجوز لَهُم بيع شَيْء مِمَّا
تَحت أَيْديهم من الأَرْض، لِأَن أهل العنوة قد غلبوا على بِلَادهمْ وَصَارَت
فَيْئا للْمُسلمين.
وَحكى عَنهُ أَنه كَانَ يُنكر على اللَّيْث دُخُوله فِيمَا دخل فِيهِ من أَرض مصر.

(11/39)


وَقَالَ أَبُو عبيد: " قد تَتَابَعَت الْأَخْبَار بِالْكَرَاهَةِ لشرى أَرض الْخراج، وَإِنَّمَا
كرهها الكارهون من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَنَّهَا فَيْء للْمُسلمين،
وَأُخْرَى أَن الْخراج صغَار، وَكِلَاهُمَا دَاخل فِي حَدِيثي
عمر، أَحدهمَا قَوْله: وَلَا يقرن أحدكُم بالصغار بعد أَن نجاه
الله مِنْهُ، وَوَافَقَهُ على ذَلِك ابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس،
وَعبد الله بن عَمْرو، وَقبيصَة ، وَمَيْمُون بن مهْرَان ،
وَمُسلم بن مشْكم ، وَقَوله لعتبة بن فرقد ، وَوَافَقَهُ
على بن أبي طَالب".

6429 - حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عبيد حَدثنَا
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن سعيد عَن سعيد بن أَبى عرُوبَة
عَن قَتَادَة عَن سُفْيَان الْعقيلِيّ عَن أبي عِيَاض عَن عمر
قَالَ: لَا تشتروا رَقِيق أهل الذِّمَّة، فَإِنَّهُم أهل خراج،

(11/40)


وأرضيهم فَلَا تبتاعوها، وَلَا يقرن أحدكُم بالصغار بعد
أَن نجاه الله مِنْهُ.

6430 - وَحدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا بكير بن عَامر
عَن الشّعبِيّ قَالَ: اشْترى عتبَة بن فرقد أَرضًا على شاطئ الْفُرَات
يتَّخذ فِيهَا قضباً ، فَذكر ذَلِك لعمر فَقَالَ: مِمَّن اشْتَرَيْتهَا؟ قَالَ: من
أَرْبَابهَا، فَلَمَّا ، اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عِنْد عمر
قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهلهَا، فَهَل اشْتريت مِنْهُم شَيْئا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فارددها
على من اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ، وَخذ مَالك.

6431 - وحَدثني عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنِي أَبُو نعيم عَن سعيد بن سِنَان
عَن عنترة قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول: إيَّاكُمْ وَهَذَا السوَاد.

6432 - وَحدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا يزِيد عَن السعودي عَن أبي
عون الثَّقَفِيّ قَالَ: أسلم دهقان على عهد عَليّ فَقَامَ إِلَى عَليّ فَقَالَ: أما
أَنْت فَلَا جِزْيَة عَلَيْك، وَأما أَرْضك فلنا.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول فِي شرى أَرض الْجِزْيَة: لم يزل أَئِمَّة الْمُسلمين ينهون عَن ذَلِك
يَكْتُبُونَ فِيهِ ويكرهه علماءهم، وَحكى الشَّافِعِي عَن النُّعْمَان أَنه سُئِلَ

(11/41)


أيكره أَن يُؤَدِّي الرجل الْجِزْيَة على خراج الأَرْض؟ فَقَالَ: لَا،
وَقَالَ: إِنَّمَا الصغار خراج الْأَعْنَاق، وَبِه قَالَ يَعْقُوب، وَقَالَ
النُّعْمَان: كَانَ لعبد الله بن مَسْعُود، ولخباب بن الْأَرَت،
ولحسين بن عَليّ، ولشريح أَرض خراج، فَأرى النُّعْمَان شرى
الْمُسلم أَرض الْجِزْيَة.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: أما من قبل أَنه لَا يحقن بِهِ الدَّم، الدَّم محقون
بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ يشبه أَن يكون ككراء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَقد اتخذ
أَرض الْحجاز قوم من أهل الْوَرع وَالدّين، وَكَرِهَهُ قوم احْتِيَاطًا، وَقَالَ
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا أسلم الرجل من أهل السوَاد، فَأَقَامَ بأرضه أَخذ
مِنْهُ الْخراج، فَإِن ترك أرضه رفع عَنهُ الْخراج.
وَقَالَ الثَّوْريّ: مَا كَانَ من أَرض صولح عَلَيْهَا ثمَّ أسلم أَهلهَا بعد، وضع عَنهُ
الْخراج، وماكان من أَرض أخذت عنْوَة ثمَّ أسلم صَاحبهَا، وضعت
عَنهُ الْجِزْيَة وَأقر على أرضه الْخراج.

ذكر الذِّمِّيّ يَشْتَرِي أَرضًا من أَرض الْعشْر
اخْتلفُوا فِي الذِّمِّيّ يَشْتَرِي أَرضًا من أَرض الْعشْر فَقَالَت
طَائِفَة: " لَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهَا، وَذَلِكَ أَن الْعشْر إِنَّمَا يجب على الْمُسلمين
طهُورا لَهُم وَلَيْسَ على أهل الذِّمَّة صَدَقَة فِي زُرُوعهمْ "، كَذَلِك
قَالَ مَالك بن أنس، وَقَالَ: " إِنَّمَا الْجِزْيَة على رُؤْسهمْ وَفِي أَمْوَالهم إِذا
مروا بهَا فِي تجاراتهم ".

(11/42)


وَحكى أَبُو عبيد عَن مَالك أَنه قَالَ: " لَا عشر عَلَيْهِ وَلكنه يُؤمر بِبَيْعِهَا، لِأَن فِي ذَلِك
إبطالاً للصدقة "، وَكَذَلِكَ رووا عَن الْحسن بن صَاع أَنه قَالَ: لَا عشر
عَلَيْهِ وَلَا خراج إِذا اشْتَرَاهَا الذِّمِّيّ من مُسلم وَهِي أَرض عشر،
وَقَالَ: هَذَا منزلَة مَا لَو اشْترى مَاشِيَته أفلست ترى أَن الصَّدَقَة سَقَطت
عَنهُ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو عبيد: وَقَول مَالك، وَالْحسن بن صَالح، وَشريك
فِي هَذَا عِنْدِي أشبه بِالصَّوَابِ".
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: " لَيْسَ على أهل الذِّمَّة صَدَقَة فِي أَمْوَالهم، وَلَيْسَ عَلَيْهِم
إِلَّا الْجِزْيَة "، وَقَالَ النَّخعِيّ: الصَّدَقَة على من تَجَرَ من أهل
الْكتاب، وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: لَا عشر عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَحكى
أَشهب عَن مَالك كحكاية أبي عبيد عَنهُ، قَالَ: سُئِلَ عَن الَّذِي يَشْتَرِي
أَرضًا من أَرض الْعشْر؟ فَقَالَ: لَا عشر عَلَيْهِ وَلكنه يُؤمر بِبَيْعِهَا لِأَن فِي
ذَلِك إبطالاً للصدقة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يجْبر على بيعهَا، لِأَن فِي ذَلِك
إبِْطَال حق الْمُسلمين.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ ، أَن الذِّمِّيّ إِذا اشْترى أَرض عشر تحولت أَرض
خراج، هَكَذَا قَالَ النُّعْمَان، وَقَالَ يَعْقُوب: يُضَاعف عَلَيْهِ
الْعشْر، وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول: عَلَيْهِ الْعشْر على حَاله، وَبِه
قَالَ ابْن الْحسن.

(11/43)


وَقَالَ النُّعْمَان، وَيَعْقُوب: " إِن اشْترى التغلبي أَرضًا من أَرض الْعشْر كَانَ عَلَيْهِ
الْعشْر مضاعفاً، فَإِن اشْتَرَاهَا مِنْهُ بعد ذَلِك مُسلم كَانَ عَلَيْهِ الْعشْر
مضاعفاً فِي قَول النُّعْمَان، وَزفر ".
وَأجْمع كل من نَحْفَظ عَنهُ من أهل الْعلم على أَن كل أَرض أسلم عَلَيْهَا
أَهلهَا قبل أَن يقرُّوا أَنَّهَا لَهُم، وَأَن أحكامهم أَحْكَام الْمُسلمين، لَهُم مَا
للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا عَلَيْهِم، وَأَن عَلَيْهِم فِيمَا زرعوه الزَّكَاة، وَكَذَلِكَ
ثمارهم وَسَائِر أَمْوَالهم.
وَقد ذكرنَا تَفْسِير ذَلِك فِي كتاب الزَّكَاة، وَلَا أعلمهم يَخْتَلِفُونَ فِي أَن لَا
شَيْء على أهل الذِّمَّة فِي مَنَازِلهمْ ورقيقهم ودورهم، وَلَا فِي
سَائِر أَمْوَالهم إِذا كَانُوا من غير بني تغلب إِلَّا مَا يَمرونَ بِهِ
على الْعَاشِر، فَإنَّا ذكرنَا مَا عَلَيْهِم فِي ذَلِك فِي كتاب الزَّكَاة.

ذكر خبر دلّ على أَن الأَرْض إِذا أخذت عنْوَة وَتركهَا أَهلهَا
أَن للْإِمَام أَن يضع عَلَيْهَا الْخراج
قَالَ أَبُو بكر: قد ذكرت مَا حضرني من اخْتِلَاف أهل الْعلم
فِي أَرض السوَاد، وكل أَرض افتتحت عنْوَة فسبيلها إِذا تَركهَا أَهلهَا
لمن بعدهمْ، أَو تَركهَا الإِمَام على مَا يجوز أَن يَتْرُكهَا لن بعدهمْ كسبيل
أَرض السوَاد، وَذَلِكَ كالأغلب من أَرض مصر وَكثير من أَرَاضِي

(11/44)


الشَّام أَن للْإِمَام أَن يضع عَلَيْهَا الْخراج وَيقبض ذَلِك
ويصرفه فِي مصَالح الْمُسلمين وَبينهمْ.

6433 - أخبرنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة
قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أَبى صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: منعت الْعرَاق قفيزها ودرهمها، ومنعت
الشَّام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، ثمَّ عدتم
من حَيْثُ بدأتم، قَالَهَا زُهَيْر ثَلَاث مَرَّات، شهد على ذَلِك لحم
أَبى هُرَيْرَة وَدَمه.
وَقَالَ أَبُو عبيد بعد أَن ذكر هَذَا الحَدِيث: مَعْنَاهُ، وَالله أعلم أَن ذَلِك كَائِن
فَإِنَّهُ سيمنع فِي آخر الزَّمَان، واسمع قَول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الدِّرْهَم والقفيز، كَمَا فعل عمر بن الْخطاب بِالسَّوَادِ، وَفِي تَأْوِيل
عمر أَيْضا حِين وضع الْخراج، ووظفه على أَهله من الْعلم، أَنه
جعله شَامِلًا عَاما على كل، من كَانَ لَزِمته المساحة
وَصَارَت الأَرْض فِي يَده، من رجل أَو امْرَأَة، أَو صبي أَو مكَاتب
أَو عبد، فصاروا متساويين فِيهَا، أَلا ترَاهُ لم يسْتَثْن أحدا دون
أحد، وَمِمَّا يبين ذَلِك قَول عمر لدهقانة نهر الْملك حِين أسلمت
فَقَالَ: دَعُوهَا فِي أرْضهَا تُؤَدّى عَنْهَا الْخراج، فَأوجب عَلَيْهَا مَا أوجب
على الرِّجَال.

(11/45)


وَفِي تَأْوِيل حَدِيث عمر من الْعلم أَيْضا أَنه إِنَّمَا جعل الْخراج على الْأَرْضين الَّتِي
تغل: من ذَوَات الْحبّ وَالثِّمَار، الَّتِي تصلح للغلة من العامر والغامر
وعطل من ذَلِك المساكن والدور الَّتِي فِي مَنَازِلهمْ، فَلم يَجْعَل
عَلَيْهِم فِيهَا شَيْئا.
وَيُقَال: أَن حد السوَاد الَّتِي وَقعت عَلَيْهِ المساحة من لدن تخوم الْموصل ، ماراً
مَعَ المَاء إِلَى سَاحل الْبَحْر، بِبِلَاد عبّادان من شَرْقي دجلة هَذَا
طوله، وَأما عرضه فحده مُنْقَطع الْجَبَل من أَرض حلوان إِلَى مُنْتَهى
طرف الْقَادِسِيَّة الْمُتَّصِل بالعذيب من أَرض الْعَرَب، فَهَذَا حد السوَاد
وَعَلِيهِ وَقع الْخراج.
وروى عَن الْحسن بن صَاع أَنه قَالَ: أَرض الْخراج مَا وَقعت عَلَيْهِ المساحة، وَكَانَ
أَبُو حنيفَة يَقُول: " كل أَرض بلغَهَا مَاء الْخراج ".

6434 - حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا روح بن عبَادَة قَالَ: حَدثنَا
سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن لَاحق بن حميد قَالَ: لما
بعث عمر بن الْخطاب عمار بن يَاسر على الصَّلَاة وعَلى الجيوش،
وَبعث ابْن مَسْعُود على الْقَضَاء وعَلى بَيت مَالهم، وَبعث
عُثْمَان بن حنيف على مساحة الْأَرْضين، وَجعل بَينهم كل يَوْم
شَاة، شطرها وسواقطها لعمَّار بن يَاسر، وَالنّصف بَين هذَيْن،

(11/46)


قَالَ سعيد: وَلَا أحفظ الطَّعَام، ثمَّ قَالَ: أنزلتكم وإياي من هَذَا
المَال منزلَة مَال الْيَتِيم، من كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا
فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا أرى قَرْيَة يُؤْخَذ مِنْهَا كل يَوْم
شَاة إِلَّا كَانَ ذَلِك سَرِيعا فِي خرابها، قَالَ: فَوضع عُثْمَان بن حنيف
على جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم، وعَلى جريب النّخل ثَمَانِيَة
دَرَاهِم، وعَلى جريب الْقصب سِتَّة دَرَاهِم، وعَلى جريب
الْبر أَرْبَعَة دَرَاهِم، وعَلى جريب الشّعْر دِرْهَمَيْنِ، وعَلى رُؤْسهمْ
على كل رجل أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ، وعطل من
ذَلِك النِّسَاء وَالصبيان، وَفِيمَا تخْتَلف بِهِ من تجاراتهم
نصف الْعشْر، قَالَ: ثمَّ كتب بذلك إِلَى عمر فَأجَاز ذَلِك
ورضى بِهِ.

6435 - حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الشَّيْبَانِيّ عَن
مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ قَالَ وضع عمر على أهل السوَاد على كل
جريب عَامر، أَو غامر درهما وقفيزاً، وعَلى جريب الرّطبَة خَمْسَة
دَرَاهِم وَخَمْسَة أَقْفِزَة، وعَلى جريب الشَّجَرَة عشرَة دَرَاهِم وَعشرَة
أَقْفِزَة، وعَلى جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم وَعشرَة أَقْفِزَة، قَالَ: وَلم
يذكر النّخل.

6436 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مجَالد ابْن
سعيد عَن أَبِيه مجَالد بن سعيد عَن الشّعبِيّ أَن عمر بعث

(11/47)


عُثْمَان بن حنيف فَمسح السوَاد، فَوَجَدَهُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ
ألف ألف جريب ، فَوضع على كل جريب درهما
وقفيزاً.
وَقَالَ أَحْمد: صَاحب أَرض الْخراج أَنما عَلَيْهِ فِي كل جريب من الْبر وَالشعِير قفيز
وَدِرْهَم، وَقَالَ عبد الله بن الْحسن: المساحة فِي أَرض الْخراج حق قد
فعله عمر.

(11/48)


كتاب تَعْظِيم أَمر الْغلُول
قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: (ومَا كَان لنَبِيٍ أَنْ يَغُل ومَن يَغلُل يَأتَ بِمَا
غَلَّ يَومَ القِيَامة ثُمَّ تُوفَّى كُلُّ نَفسٍ مَاكَسَبَت وهُم
لَا يُظلَمُون) الْآيَة.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد اخْتلف فِي معنى قَوْله جلّ ذكره: (ومَا كَان
لنَبِيٍ أَنْ يَغُل) وَفِي قِرَاءَته، فَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ يغل بِرَفْع
الْيَاء وبفتح الْغَيْن.

6437 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ،: حَدثنَا حجاج قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد
عَن قيس عَن طاؤوس أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرَأ: (ومَا كَان لنَبِيٍ
أَنْ يَغُل) .
وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو وَائِل، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَالْكسَائِيّ، وَقد اخْتلف من
قَرَأَ هَذِه الْقِرَاءَة فِي معنى ذَلِك.

6438 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن الرّبيع
قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك عَن شريك عَن خصيف عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فقدت قطيفة حَمْرَاء يَوْم
بدر، مِمَّا أُصِيب من الْمُشْركين فَقَالَ النَّاس: لَعَلَّ

(11/49)


النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذهَا، فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى: (ومَا كَان لنَبِيٍ
أَنْ يَغُل) الْآيَة.
وَقَالَ بَعضهم مِمَّن قَرَأَ هَذِه الْقِرَاءَة مَعْنَاهُ: (ومَا كَان لنَبِيٍ أَنْ يَغُل) يقسم لبَعض
وَيتْرك بَعْضًا، كَذَلِك قَالَ الضَّحَّاك ، وَكَذَلِكَ روى ابْن جريج،
وَابْن عَبَّاس، وَزَاد: أَن يجوز فِي الحكم وَالْقسم.
وَقيل معنى ثَالِث: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: أَي مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكتم النَّاس مَا بَعثه الله
بِهِ إِلَيْهِم عَن رهبة هن النَّاس وَلَا رَغْبَة، (ومَن يَغلُل) أَي يفعل ذَلِك،
يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة.
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يقْرَأ (يغل) يخان ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ،
وَقَالَ مُجَاهِد: (يَغُل) يخون، وَقَالَ قَتَادَة: (يَغُل) يغله

(11/50)


أَصْحَابه ، وَقَالَ بَعضهم: كلا الْقِرَاءَتَيْن صَوَاب وَهُوَ أَن يخان أَو
يخون، وَقَالَ الضَّحَّاك فِي قَوْله: (أفَمن اتَّبَعَ رضوَان الله) الْآيَة
قَالَ: من لم يغل (كَمَن بَاء بسخطٍ مِنَ الله) الْآيَة
قَالَ: من غل.