الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف

ذكر التَّغْلِيظ فِي الْغلُول
6439 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب
قَالَ: أَخْبرنِي مَالك عَن ثَوْر بن زيد الديلمي عَن أبي الْغَيْث
سَالم مولى ابْن مُطِيع عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَر، فَلم نغنم فضَّة وَلَا ذَهَبا، إِنَّمَا غنمنا الْمَتَاع
وَالْأَمْوَال، ثمَّ انصرفنا نَحْو وَادي الْقرى وَمَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد
أعطَاهُ إِيَّاه رِفَاعَة بن زيد رجل من ضبيب، فَبَيْنَمَا هُوَ يحط رَحل
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَتَاهُ سهم عَابِر فَأَصَابَهُ فَمَاتَ، فَقَالَ لَهُ
النَّاس: هَنِيئًا لَهُ الْجنَّة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلا وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ إِن الشملة الَّتِي غلها يَوْم خَيْبَر، وَمن الْمَغَانِم لم تصبها المقاسم تشتعل
عَلَيْهِ نَارا، فجَاء رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاك أَو شراكين، فَقَالَ

(11/51)


رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شِرَاك أَو شراكان من نَار ".

6440 - حَدثنَا حَاتِم بن يُونُس الجرجانى قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ
قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار قَالَ: حَدثنِي أَبُو زميل قَالَ: حَدثنِي
ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: قتل نفر يَوْم خَيْبَر
فَقَالُوا: قتل فلَان شَهِيدا، قتل فلَان شَهِيدا حَتَّى ذكرُوا رجلا فَقَالُوا:
قتل فلَان شَهِيدا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلا إِنِّي رَأَيْته فِي النَّار فِي عبأة
غلها، أَو بردة غلها " .
قَالَ أَبُو بكر: فِي خبر أبي هُرَيْرَة دَلِيل على أَن الْقَتْل فِي سَبِيل الله لَا يكفر
ذنُوب الغال، لِأَن ذَلِك من مظالم الْعباد وديونهم، إِذا
أَخذ ذَلِك آخذ من أَمْوَال النَّاس، وَذَلِكَ من قَول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَّا
الدَّين كَذَلِك أَخْبرنِي جِبْرِيل ".

ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الغال يَأْتِي بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ الله عز وَجل: (ومَن يَغلُل يَأتَ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامة) الْآيَة.

(11/52)


6441 - حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي
عَن سُفْيَان عَن أبي حَيَّان عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا ألفيَنَّ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته صَامت
يَقُول: يَا رَسُول الله؟ أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك،
لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته فرس لَهَا حَمْحَمَة
فَيَقُول: يَا رَسُول الله؟ أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك،
لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته نفس لَهَا صياح، فَيَقُول: يَا
رَسُول الله؟ أَغِثْنِي، فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك، ثمَّ ذكر
الْبَعِير، وَالْبَقر، وَالشَّاة مثل ذَلِك.

ذكر ترك الصَّلَاة على الغال من الْغَنَائِم
6442 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن هَب قَالَ: أَخْبرنِي مَالك
وَاللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حَيَّان عَن أبي عمْرَة عَن
زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ: توفّي رجل يَوْم خَيْبَر، وَأَنَّهُمْ ذكرُوا لرَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " صلوا على صَاحبكُم، فتغيرت وُجُوه

(11/53)


النَّاس لذَلِك، فَزعم أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِن صَاحبكُم قد غل فِي
سَبِيل الله "، ففتحنا مَتَاعه فَوَجَدنَا خَرَزَات من خرز يهود مَا تَسَاوِي
دِرْهَمَيْنِ.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ بعض أهل الْعلم فِي قَوْله للغال: " صلوا على صَاحبكُم "
دَلِيل على أَن الْكفْر لَا يلْحق الْمُؤمن بارتكابه بعض الْكَبَائِر، لِأَنَّهُ لَا يَأْمر
بِالصَّلَاةِ على غير مُؤمن.

ذكر مَا يُعَاقب بِهِ الغال من تحريق رَحْله
6443 - حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنَا الْحميدِي عبد الله بن الزبير
وَمُحَمّد بن يحيى الجاوي قَالَا: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي
قَالَ الْحميدِي: قَالَ: حَدثنَا صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِد قَالَ: كنت مَعَ
مسلمة بن عبد الْملك فِي الْغَزْو فَدَعَا سَالم بن عبد الله فَسَأَلَهُ فَقَالَ
سَالم: حَدثنِي أبي عَن عمر بن الْخطاب أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " من غل
فاضربوا واحرقوا مَتَاعه، قَالَ: فَوجدَ مسلمة فِي رَحْله مُصحفا، فَسَأَلَ
سَالم بن عبد الله عَنهُ فَقَالَ: بِعْهُ وَتصدق بِثمنِهِ.

(11/54)


ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِيمَا يفعل بالغال
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل بِمن غل فَقَالَت طَائِفَة: يحرق رَحْله كَذَلِك قَالَ
الْحسن الْبَصْرِيّ ، وَمَكْحُول ، وَسَعِيد بن عبد الْملك ،
والوليد بن هِشَام ، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِلَّا أَن يكون حَيَوَانا
أَو مُصحفا.
وَقَالَ الأوزاعى: يحرق مَتَاعه ، وَقَالَ أَحْمد، وَإِسْحَاق كَقَوْل الْحسن
وَقَالَ الأوزاعى: لَا يحرق مَا غل، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد
وَرفع إِلَى الْمغنم، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: وَيغرم إِن كَانَ اسْتهْلك مَا غلّ،
وَقَالَ الأوزاعى: يحرق مَتَاعه الَّذِي غزا بِهِ، وسرجه، وإكافه ،
وَلَا تحرق دَابَّته وَلَا نَفَقَته إِن كَانَت فِي خرجه، وَلَا سلاحه، وَلَا ثِيَابه

(11/55)


الَّتِي عَلَيْهِ، وَمَا أَلْقَت النَّار من حَدِيد أَو غَيره فصاحبه أَحَق بِأَخْذِهِ،
وَإِن رَجَعَ الغال إِلَى أَهله أحرق مَتَاعه الَّذِي غزا بِهِ، وَقَالَ فِي الْغُلَام
الَّذِي لم يَحْتَلِم يغل، لَا يحرق مَتَاعه وَيحرم سَهْمه وَيغرم إِن كَانَ
اسْتهْلك مَا غلّ، وَالْمَرْأَة يحرق متاعها إِذا غلت، وَالْعَبْد إِذا
غلّ رأى الإِمَام فِي عُقُوبَته وَلَا يحرق مَتَاعه، لِأَنَّهُ لسَيِّد، فَإِن
اسْتهْلك مَا غلّ فَهُوَ فِي رَقَبَة العَبْد إِن شَاءَ مَوْلَاهُ افتكه وَإِن شَاءَ
دَفعه بِجِنَايَتِهِ، وَقَالَ: مِمَّا أرى بَأْسا أَن يحرق مَتَاع الْمعَاهد إِذا غلّ،
وَقَالَ فِي الرجل يُوجد مَعَه الْغلُول فَيَقُول: ابتعته قَالَ: لَا يحرق مَتَاعه
إِذا دخلت شُبْهَة.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تحرق ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ، وَلَا سَرْجه، وَلَا يحرق مَا يلْبسهُ عَلَيْهِ
من سلاحه.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا يحرق رَحْله وَلَا يعافي فِي مَاله هَذَا قَول مَالك بن أنس،
وَاللَّيْث بن سعد، وَالشَّافِعِيّ، وَكَانَ اللَّيْث بن سعد يرى أَن
عَلَيْهِ الْعقُوبَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عَالما بِالنَّهْي، وَقَالَ
الشَّافِعِي: " لَا يعافي رجل فِي مَاله إِنَّمَا يُعَاقب فِي بدنه، جعل الله الْحُدُود
على الْأَبدَان، وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَات " وَاحْتج الشَّافِعِي
بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو.

6444 - أخبرنَا حَاتِم بن مَنْصُور أَن الْحميدِي حَدثهمْ قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان
حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار، وَابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه
عَن جده قَالَ: لما انْصَرف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين قَالَ: فَلَمَّا كَانَ
عِنْد قسم الْخمس جَاءَهُ رجل يستحله خياطاً ومخيطاً فَقَالَ

(11/56)


النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ردوا الْخياط والمخيط، فَإِن الْغلُول عَار ونار وشنار يَأْتِي
بِهِ صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة .
قَالَ أَبُو بكر: كَانَ مُرَاد الشَّافِعِي من هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُوجب على
الرجل شَيْئا وَلم يحرق عَلَيْهِ رَحْله، وَلَو كَانَ ذَلِك وَاجِبا لفعله بِهِ، وَلَو
شَاءَ قَائِل أَن يَقُول: يحْتَمل أَن يكون الَّذِي استحله الْخياط والمخيط غير
عَالم بِتَحْرِيم ذَلِك، وَإِنَّمَا تجب الْعُقُوبَات على من فعل ذَلِك بعد علمه بِأَن
ذَلِك محرم عَلَيْهِ، أَو يكون النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمر بِأَن يحرق رَحل من غلّ بعد
عَام حنين، فَلَا يكون ذَلِك خلافًا لما قَالَه من أوجب حرق رَحل الغالّ،
مَعَ أَن الْحجَّة إِنَّمَا تكون فِي قَول من أوجب الشَّيْء، لَا قَول من وقف عَن
الْإِيجَاب، وَلَيْسَ فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ذكر حرق الرحل، وَإِذا
وجد ذَلِك فِي حَدِيث آخر وَجب اسْتِعْمَاله، لِأَن الَّذِي حفظ أَن النَّبِي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بحرق رَحل الغال شَاهد، وَالَّذِي لم يذكر ذَلِك لَيْسَ بِشَاهِد،
وَقد احْتج بعض من رأى أَن للْإِمَام أَن يُعَاقب فِي الْأَمْوَال بأَشْيَاء، مِنْهَا
حَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة.

(11/57)


6445 - حَدثنَا إِسْحَاق عَن عبد الرَّزَّاق عَن [ معمر عَن]
بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: سَمِعت
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " فِي كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل سَائِمَة ابْنة لبون، فَمن
أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا، وَمن كتمها فَأَنا لآخذها وَشطر إبِله عَزِيمَة من
عزائم رَبك، لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد.
وَمِنْهَا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو.

6446 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أخبرنَا
عَمْرو بن الْحَارِث وَهِشَام بن سعد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن
عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا من مزينة أَتَى إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
رَسُول الله! كَيفَ ترى فِي حريسة الْجَبَل ، قَالَ: "هِيَ وَمثلهَا،
والنكال، لَيْسَ فِي شَيْء من الْمَاشِيَة قطع إِلَّا فِيمَا أَواه المراح فَبلغ
ثمن الْمِجَن فَفِيهِ قطع الْيَد، ومالم يبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ غَرَامَة مثلَيْهِ
وجلدات نكال ".

(11/58)


فَقَالَ هَذَا الْقَائِل: فَفِي قَوْله: " هِيَ وَمثلهَا "، تغريم ضعف مَا أَخذ، من ذَلِك
حَدِيث عمر بن الْخطاب الَّذِي:

6447 - أخبرناه الرّبيع قَالَ: أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب أَن
رَقِيقا لحاطب سرقوا نَاقَة لرجل من مزينة فانتحروها ، فَرفع ذَلِك إِلَى
عمر بن الْخطاب، فَأمر كثير بن الصَّلْت أَن يقطع أَيْديهم، ثمَّ قَالَ
عمر: " إِنِّي أَرَاك تحبهم ، وَالله لأغرمنك غرماً يشق عَلَيْك
ثمَّ قَالَ للمزني: كم ثمن نَاقَتك؟ قَالَ: أَرْبَعمِائَة دِرْهَم ،
قَالَ: أعْطه ثَمَان مائَة.
عَن جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ أَنهم جعلُوا دِيَة من قتل فِي
الْحرم دِيَة وَثلث تَغْلِيظًا على الْقَاتِل، قَالَت هَذِه الْفرْقَة: فللإمام أَن
يُعَاقب أهل الريب والمعاصي بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس، فَإِذا جَازَ أَن يعاقبهم فِي
أبدانهم فَكَذَلِك جَائِز أَن يعاقبهم فِي أَمْوَالهم، بل عِنْد كثير من النَّاس
الْعقُوبَة فِي المَال أيسر وأسهل من الْعقُوبَة فِي الْبدن.
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي الرجل يحْتَمل الثَّمَرَة من أكمامه فِيهِ الثّمن مَرَّتَانِ
وَضرب النكال ، وَقَالَ: كل من درأنا عَنهُ الْحَد والقود أضعفنا عَلَيْهِ
الْعَزْم لحَدِيث الْمُزنِيّ، وَكَانَ يرى بتغليظ الدِّيَة على من قتل فِي الشَّهْر
الْحَرَام، وَفِي الْحرم، والتغليظ فِيهِ دِيَة وَثلث.

(11/59)


ذكر تَوْبَة الغال وَمَا يصنع بِمَا غل
أجمع كل من أحفظ عَنهُ من أهل الْعلم على أَن على الغال يرد مَا غل إِلَى
صَاحب الْمقسم إِذا وجد السَّبِيل إِلَيْهِ، وَلم يفْتَرق النَّاس.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل بِهِ إِذا افترق النَّاس وَلم يصل إِلَيْهِم فَقَالَت
طَائِفَة: يدْفع إِلَى الإِمَام خمسه وَيتَصَدَّق بِالْبَاقِي.

6448 - حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الْقَنْطَرِي قَالَ: حَدثنَا
مُبشر عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن حَوْشَب عَن عبد الله بن الشَّاعِر
السكْسكِي قَالَ: غزا زمن مُعَاوِيَة وَعَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن، ابْن
خَالِد بن الْوَلِيد فَغَلَّ رجل من الْمُسلمين مائَة دِينَار رُومِية، فَلَمَّا انْصَرف
النَّاس قافلين نَدم الرجل فَأتى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد فَقَالَ: إِنِّي غللت مائَة
دِينَار فاقبضها مني، قَالَ: قد افترق النَّاس فَلَنْ اقبضها مِنْك حَتَّى
يَأْتِي الله بهَا يَوْم الْقِيَامَة، فَدخل على مُعَاوِيَة فَذكر لَهُ أمرهَا، فَقَالَ
مُعَاوِيَة: مثل ذَلِك، فَمر بِعَبْد الله بن الشَّاعِر السكْسكِي وَهُوَ يبكى
فَقَالَ: مَا يبكيك؟ قَالَ: كَانَ من أَمْرِي كَذَا كَذَا، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُون، قَالَ: أمطيعي أَنْت؟ قَالَ: نعم، قَالَ: ارْجع إِلَى مُعَاوِيَة فَقل
لَهُ: اقبض مني خمسك ، فادفع إِلَيْهِ عشْرين دِينَارا، وَانْظُر إِلَى الثَّمَانِينَ
الْبَاقِيَة، فَتصدق بهَا عَن ذَلِك الْجَيْش، فَإِن الله عز وَجل يقبل التَّوْبَة،
وَالله أعلم بِأَسْمَائِهِمْ ومكانهم فَفعل ذَلِك الرجل، فبلغت مُعَاوِيَة
فَقَالَ: أحسن لِأَن أكون أفتيته بهَا أحب إِلَى من كل شَيْء أملك.

(11/60)


قَالَ أَبُو بكر: وَمِمَّنْ قَالَ يتَصَدَّق بِهِ الْحسن الْبَصْرِيّ ، وَالزهْرِيّ، وَمَالك،
وَالْأَوْزَاعِيّ، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَقَالَ اللَّيْث بن سعد: يدْفع خمس مَا
غل فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَيتَصَدَّق بِمَا بَقِي عَن جَمِيع من كَانَ مَعَه، وَقد
روينَا عَن ابْن مَسْعُود أَنه رأى أَن يتَصَدَّق بِالْمَالِ الَّذِي لَا يعرف صَاحبه،
وروينا مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.

6449 - حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ وَإِسْرَائِيل
عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: اشْترى
عبد الله بن، مَسْعُود من رجل جَارِيَة بستمائة أَو سَبْعمِائة
فنشده أَو نَشد سنة، ثمَّ خرج بهَا إِلَى السدّة، فَتصدق بهَا من
دِرْهَم ودرهمين عَن رَبهَا، فَإِن جَاءَ خيِّره فَإِن اخْتَار الْأجر كَانَ
لَهُ الْأجر، وَإِن اخْتَار مَاله كَانَ مَاله، ثمَّ قَالَ ابْن مَسْعُود: هَكَذَا
فافعلوا باللقطة.

6450 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا
عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ: أَخْبرنِي أَبى أَنه ابْتَاعَ من رجل ثوبا بِمَكَّة
فقبضت مِنْهُ الثَّوْب فَانْطَلَقت بِهِ لأنقده الثّمن، فضل مني فِي زحام النَّاس
فطلبته فَلم أَجِدهُ، فَأتيت ابْن عَبَّاس فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ: إِذا كَانَ من
الْعَام الْمقبل فانشد الرجل فِي الْمَكَان الَّذِي اشْتَرَيْته، فَإِن قدرت عَلَيْهِ وَإِلَّا
فَتصدق بهَا، فَإِن جَاءَ بعد فخيِّره فَإِن شَاءَ كَانَت لَهُ الصَّدَقَة وَإِن شَاءَ
أَعْطيته الدَّرَاهِم وَكَانَت لَك صَدَقَة.

(11/61)


وَقد روينَا مثل هَذَا عَن شُرَيْح، وَالنَّخَعِيّ، وَغَيرهمَا، وَقَالَ أَحْمد: فِي الْحبَّة والقيراط
يبْقى على الرجل للبقال وَلَا يعرف مَوْضِعه؟ قَالَ: يتَصَدَّق بِهِ.
قَالَ أَبُو بكر: وَقَالَ بعض أهل الْعلم فِي مثل هَذَا: يوقفه أبدا حَتَّى يَأْتِي رب
الشَّيْء أَو من ورث الشَّيْء عَنهُ، لَا يجوز أَن يتَصَدَّق بِهِ لاحْتِمَال أَن يَأْتِي
صَاحبه يَوْمًا مَا، وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " فِيمَن فضل فِي يَده من الطَّعَام
شَيْء قل أَو كثر، فَخرج من دَار الْعَدو، لم يكن لَهُ أَن يَبِيعهُ، وَعَلِيهِ أَن
يردهُ إِلَى الإِمَام فَيكون فِي الْمغنم، فَإِن لم يفعل حَتَّى يفْتَرق الْجَيْش فَلَا
يُخرجهُ مِنْهُ أَن، يتَصَدَّق بِهِ وَلَا بأضعافه كَمَا لَا يُخرجهُ من حق
وَاحِد وَلَا جمَاعَة إِلَّا تأديته إِلَيْهِم، فَإِن قَالَ: لَا أجدهم فَهُوَ يجد الإِمَام
الْأَعْظَم الَّذِي عَلَيْهِ تفريقه فيهم، وَلَا أعرف لقَوْل من قَالَ: يتَصَدَّق بهَا
وَجها، فَإِن كَانَ مَالا لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة، وَإِن كَانَ مَالا لغيره فَلَيْسَ لَهُ
الصَّدَقَة بِمَال غَيره.
قَالَ أَبُو بكر: مَا قَالَه أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعوام أهل الْعلم أولى.

ذكر امْتنَاع الإِمَام من قبض الْغلُول من الغال تَغْلِيظًا عَلَيْهِ
وليوافى بِهِ الغال يَوْم الْقِيَامَة
6451 - حَدثنَا بَصرِي بن زَكَرِيَّا قَالَ: حَدثنَا على بن خشرم قَالَ: حَدثنِي
عِيسَى بن يُونُس عَن عبد الله بن شَوْذَب عَن عَامر بن عبد الْوَاحِد
عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَرَادَ أَن يقسم غنيمَة أَمر

(11/62)


بِلَالًا، فَنَادَى بِلَالًا فجَاء رجل بزمام من شعر بعد مَا قسم الْغَنِيمَة
فَقَالَ: "مَا مَنعك أَن تأتى بِهِ؟ " فَاعْتَذر لَهُ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن أقبله
مِنْك حَتَّى تكون أَنْت الَّذِي توافى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ أَبُو بكر: روى هَذَا الحَدِيث:

6452 - بَحر بن نصر عَن أَيُّوب بن سُوَيْد حَدثنَا عبد الله بن شَوْذَب عَن
عَامر بن عبد الْوَاحِد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة الأسلمى عَن
عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى، الله عَلَيْهِ وَسلم.
كتب إِلَى بعض أَصْحَابِي أَن بحراً حَدثهمْ بذلك.

ذكر مدح من ترك الْغلُول فِي سَبِيل الله
6453 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنِي زُهَيْر حَدثنَا وهب بن جرير
قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: سَمِعت عبد الله بن ملاذ يحدث عَن نمير بن أَوْس
عَن مَالك بن مسروح عَن عَامر بن أَبى عَامر الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه أبي عَامر
عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نعم الْقَوْم الأزد والأشعرون لَا يفرون فِي الْقِتَال وَلَا
يغلون هم مني وَأَنا مِنْهُم "، قَالَ عَامر: فَحدثت بِهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ: لَيْسَ

(11/63)


هَكَذَا قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّمَا قَالَ: " هم مني وإليّ "، فَقلت: لَيْسَ
هَكَذَا حَدثنِي أبي وَلكنه حَدثنِي أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هم مني وَأَنا مِنْهُم،
قَالَ: فَأَنت إِذا أعلم بِحَدِيث أَبِيك.

ذكر الحكم كَانَ فِي الْأُمَم قبل أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتغليظ
كَانَ عَلَيْهِم فِي الْغلُول وإحلال الله الْغَنَائِم لهَذِهِ الْأمة
6454 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا
معمر عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتبعني رجل كَانَ
قد ملك بضع امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا، وَلَا أحد قد بنى بنياناً لَهُ وَلما
يرفع سقفها، وَلَا أحد اشْترى غنما أَو خلفات وَهُوَ ينْتَظر ولادها،
فغزا، فَدَنَا من الْقرْيَة حِين صلى الْعَصْر أَو قَرِيبا من ذَلِك،
فَقَالَ للشمس: أَنْت مأمورة وَأَنا مَأْمُور اللّهم احبسها عني شَيْئا،
فحبست عَلَيْهِ حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ، فَجمعُوا مَا غنموا فَأَقْبَلت النَّار لتأكله
فَأَبت أَن تطعم، [ فَقَالَ:] ، فِيكُم غلُول فليبايعني من كل قَبيلَة مِنْكُم

(11/64)


رجل، فَبَايعُوهُ فلصقت يَد رجل أَو رجلَيْنِ، أَو ثَلَاثَة بِيَدِهِ فَقَالَ: فِيكُم
الْغلُول، أَنْتُم غللتم، فأخرجوا مثل رَأس بقرة من ذهب فوضعوه فِي
المَال، فأصابت النَّار فأكلته، وَلم تحل الْغَنَائِم لأحد من قبلنَا، ذَلِك بِأَن
الله رأى عجزنا وضعفنا فطيبها لنا ".

ذكر فضل ترك الْغلُول رَجَاء أَنا يكون الْمُسلمُونَ الغالبين
6455 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عبد بن سعيد وَمُحَمّد بن عمر المعيطي
قَالَا: حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
الْيحصبِي قَالَ: حَدثنِي أبي عَن حبيب بن مسلمة قَالَ: قَالَ لنا أَبُو ذَر:
هَل يقوم لأحدكم الْعَدو حلب شَاة؟ قُلْنَا: نعم، وحلب ثَلَاث شِيَاه
غزر أَو عزز شكا جَمِيعًا فَقَالَ: غللتم وَرب الْكَعْبَة سَمِعت رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " إِذا لم تغل أمتِي لم يقم لَهَا عَدو أبدا".

(11/65)


جماع أَبْوَاب مَا هُوَ مُبَاح أَخذه للجيش إِذا احتاجوا إِلَيْهِ مِمَّا هُوَ
خَارج من أَبْوَاب الْغلُول

ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على إِبَاحَة أكل الْأَطْعِمَة من أَمْوَال
أهل الْحَرْب
6456 - حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن عون قَالَ: أخبرنَا
هشيم عَن أَشْعَث عَن مُحَمَّد بن أبي المجالد قَالَ: بَعَثَنِي أهل الْمَسْجِد
إِلَى عبد الله بن أبي أوفى أسئله كَيفَ صنع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَعَام خَيْبَر
أخمسه ؟ فَقَالَ: كَانَ أقل من ذَلِك كَانَ أَحَدنَا إِذا احْتَاجَ إِلَى شَيْء
أَخذ حَاجته.

6457 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن
سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة قَالَ: حَدثنِي حميد بن هِلَال قَالَ: حَدثنِي
عبد الله بن الغفل قَالَ: دُلي جراب من شَحم يَوْم خَيْبَر فَذَهَبت ألتزمه
وَقلت: لَا أعطي الْيَوْم أحدا مِنْهُ شَيْئا، فَالْتَفت فَإِذا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتبسم إليّ.

(11/66)


6458 - حَدثنَا أَبُو ميسرَة حَدثنَا ابْن حَيَّان قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن
نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: كُنَّا نصيب الْعَسَل وَذكر الْفَاكِهَة فِي مغازينا
فنأكله وَلَا نرفعه.

6459 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْفضل
حَدثنَا الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أَبى سعيد قَالَ: لم نعد أَن فتحت
خَيْبَر وَالنَّاس جِيَاع فوقعنا فِي تِلْكَ البقلة فأكثرنا مِنْهَا، ثمَّ
رَجعْنَا إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحهَا فَقَالَ: " من أكل
من هَذِه البقلة الخبيثة شَيْئا فَلَا يقربنا فِي الْمَسْجِد "، فَقَالَ
النَّاس: حرم الثوم، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخرج
فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّه لَيْسَ تَحْرِيم مَا أحل الله لَكِنَّهَا شَجَرَة
أكره رِيحهَا ".

ذكر خبر دلّ على أَن أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقدور أَن تكفأ، لِأَنَّهُ كَانَ
نهي عَن النهبة، لَا أَن أكل لُحُوم أنعام أهل الْحَرْب غير جَائِز
6460 - حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان حَدثنَا أَسد بن مُوسَى حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّا
ابْن أَبى زَائِدَة قَالَ: حَدثنِي أبي وَغَيره عَن سماك بن حَرْب عَن
ثَعْلَبَة بن الحكم قَالَ: أصبْنَا يَوْم خَيْبَر غنما فانتهبناها فجَاء

(11/67)


رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدروهم تغلي، فَقَالُوا: إِنَّهَا نهبة، قَالَ:
فَقَالَ: " اكفوا الْقُدُور وَمَا فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تحل النهبة ".

ذكر الْأَخْبَار الَّتِي رويت عَن الْأَوَائِل فِي إِبَاحَة طَعَام
الْعَدو وعلفهم
أجمع عوام أهل الْعلم إِلَّا من شَذَّ عَنْهُم على أَن للْقَوْم إِذا دخلُوا
دَار الْحَرْب غزَاة أَن يَأْكُلُوا طَعَام الْعَدو، وَأَن يعلفوا دوابهم
من أعلافهم.

6461 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر
الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة عَن سُوَيْد غُلَام سلمَان
قَالَ: لما فتحت الْمَدَائِن وَهزمَ الْعَدو وَرجع سلمَان ورهط من أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا سُوَيْد: عنْدك شَيْء نأكله؟ قَالَ: مَا عِنْدِي
شَيْء وَلَكِنِّي خرجت فِي أثر الْعَدو فَأَصَبْت سلة مَا أَدْرِي مَا فِيهَا،
قَالَ: هَات فَإِن يكن مَالا دفعناه، إِلَى هَؤُلَاءِ، وَإِن
يكن طَعَاما أكلناه، فجَاء بالسلة فَإِذا فِيهَا أرغفة جواري وجبنة
وسكين، قَالَ: وَذَاكَ أول مَا رَأَتْ الْعَرَب الْجَوَارِي، فعجبوا من

(11/68)


بَيَاض ذَلِك الْخبز فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا سلمَان! كَيفَ يصنع هَذَا،
فَجعل سلمَان يُخْبِرهُمْ ويلقي إِلَيْهِم الْخبز وَيقطع من ذَلِك الْجُبْن
فَيَأْكُلُونَ.
وَمِمَّنْ رخص فِي الطَّعَام سعيد بن الْمسيب ، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحسن
الْبَصْرِيّ، وَالشعْبِيّ، وَالقَاسِم ، وَسَالم.
وَرخّص فِي الْعلف الْحسن الْبَصْرِيّ، وَالقَاسِم، وَسَالم، وَالشعْبِيّ ،
وَالثَّوْري، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ.
وَرخّص مَالك بن أنس، وَاللَّيْث بن سعد، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْري،
وَالشَّافِعِيّ فِي أكل الطَّعَام فِي بِلَاد الْعَدو.
وَذبح الْأَنْعَام من الْإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم للْأَكْل جَائِز فِي قَول مَالك،
وَاللَّيْث بن سعد، وَجَمَاعَة من أهل الْعلم.
وَكَانَ الزُّهْرِيّ يَقُول: " لَا يُؤْخَذ الطَّعَام فِي أَرض الْعَدو إِلَّا بِإِذن الإِمَام ،
وَقَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: " لَا يبْقى الطَّعَام بِأَرْض الْعَدو وَلَا يسْتَأْذن
فِيهِ الْأَمِير بِأَخْذِهِ من سبق إِلَيْهِ، إِلَّا أَن ينْهَى الْأَمِير عَن شَيْء فَيتْرك
لنَهْيه ، وَكَانَ مَكْحُول يَأْكُل مِمَّا جَاءَ بِهِ أعوانه من الطَّعَام مِمَّا أَصَابُوهُ

(11/69)


دون المسالح، وَلَا يَأْكُل مِمَّا جاؤا بِهِ فِيمَا خلف المسالح وَيَقُول: أصبتموه
فِي عزة الْإِسْلَام.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد ذكرنَا مَا حَضَرنَا من الْأَخْبَار عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي تَعْظِيمه أَمر الْغلُول والتغليظ فِيهِ، وَقَوله: أَدّوا الْخياط
والمخيط، فَإِن الْغلُول يكون على أَهله عاراً وَنَارًا شناراً ،
وَقَوله: " هُوَ فِي النَّار "، لصَاحب الكساء الَّذِي غله ،
وَقَوله: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَن الشملة الَّتِي غلها ،
الرجل يَوْم خَيْبَر لتشتعل عَلَيْهِ نَارا ، ثمَّ ذكرنَا بعد
ذَلِك الْأَخْبَار الدَّالَّة على إِبَاحَة أكل الطَّعَام ثمَّ مَا عَلَيْهِ حمل
أهل الْعلم من عُلَمَاء الْأَمْصَار من إباحتهم أكل طَعَام
الْعَدو، فالطعام هُوَ المرخص فِيهِ من بَين الْأَشْيَاء، والعلف
فِي مَعْنَاهُ، فَلَيْسَ لأحد أَن ينَال من أَمْوَال الْعَدو إِلَّا
الطَّعَام للْأَكْل، والعلف للدواب، وَكلما اخْتلف فِيهِ بعد
ذَلِك من ثمن طَعَام بَهِيمَة، أَو فضلَة طَعَام يصل بِهِ
إِلَى أَهله، أَو نعل، وجراب، وسقاء وحبل وَغير ذَلِك
مَرْدُود إِلَى مَا أَمر برده من الْخياط والمخيط، وَقد
روينَا أَخْبَارًا عَن الْأَوَائِل فِي مَنعهم من بيع الطَّعَام وَأخذ
ثمنه، وأخبار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيم ذَلِك مُسْتَغْنى بهَا
عَن كل قَول.

(11/70)


ذكر مَا روينَاهُ عَن الْأَوَائِل فِي كراهيتهم بيع الطَّعَام
وَأخذ ثمنه

6462 - حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن
عبد الله بن عون عَن خَالِد بن دريك عَن ابْن محيريز عَن فضَالة بن عبيد
الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَن يستزلونى عَن ديني، وَلَا وَالله
لأموتن وَأَنا على ديني، مَا بيع مِنْهُ بِذَهَب أَو فضَّة من الطَّعَام وَغَيره فَفِيهِ
خس الله وَسَهْم الْمُسلمين.
وَقد روينَا عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَنه قَالَ فِي بيع طَعَام الْعَدو: هُوَ غلُول
حَتَّى يُؤَدِّيه، وروينا عَن عبد الرَّحْمَن بن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: كلوا
لحم الشَّاة ، ورُدوا إهابها إِلَى الْغنم فَإِن لَهُ ثمنا، وَبِه
قَالَ اللَّيْث بن سعد.
وَكره الْقَاسِم، وَسَالم بيع الطَّعَام، والودك من منَازِل الرّوم، وَقَالَ
سُلَيْمَان بن مُوسَى فِي الطَّعَام يُبَاع بورق أَو ذهب: لَا يحل هُوَ من
الْمَغَانِم، وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الطَّعَام والعلف: إِن باعوه بِشَيْء
رَفَعُوهُ إِلَى إمَامهمْ فَكَانَ فِيهِ الْخمس، وَقَالَ مَالك فِي الْعلف فِي
أَرض الْعَدو، وَكره بَيْعه كَرَاهِيَة شَدِيدَة، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي
الطَّعَام وَالشرَاب: يَأْكُلهُ ويشربه ويعلفه ويطعمه غَيره، وَلَيْسَ لَهُ

(11/71)


أَن يَبِيعهُ، وَإِن بَاعه رد ثمنه فِي الْمغنم، وَكره أَحْمد شرى الْعلف من علف
الرّوم، وأبى أَن يرخص فِيهِ.

ذكر النَّعْل يتخذها الرجل من جلد الثور، والجراب
يتخذها من الإهاب
وَاخْتلفُوا فِي النَّعْل يتخذها الرجل من جُلُود الْبَقر والإهاب يتَّخذ مِنْهُ
الجراب فَرخص فِيهِ بَعضهم.

6463 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد
عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة قَالَ: كَانَ سلمَان إِذا
أصَاب شَاة من الْمغنم ذبحت أَو ذبحوها، عمد إِلَى جلدهَا فَجعل مِنْهُ
جراباً، وَإِلَى شعرهَا فَجعل مِنْهُ حبلاً، وَإِلَى لَحمهَا فيقدِّدُه، فاستنفع
بجلدها، ويعمد إِلَى الْحَبل فَينْظر رجلا مَعَه فرس قد صرع بِهِ فيعطيه،
ويعمد إِلَى اللَّحْم فيأكله فِي الْأَيَّام.
وَقَالَ مَالك فِي جُلُود الْبَقر وَالْغنم يجدهَا السلمون فِي الْغَنَائِم: " لَا بَأْس أَن يحتذوا مِنْهَا
نعالاً إِذا احتاجوا إِلَيْهَا ويجعلوا مِنْهَا على أكفهم ويجعلوا مِنْهَا حزماً،
ويصلحوا مِنْهَا أخفافهم، أَو يتخذوا مِنْهَا خفافاً إِن احتاجوا إِلَيْهَا ".
وكرهت طَائِفَة وَمِمَّنْ كرهه يحيى بن أَبى كثير، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَالشَّافِعِيّ،
قَالَ الشَّافِعِي: " لِأَنَّهُ إِنَّمَا أذن لَهُم فِي الْأكل من لحومها وَلم يُؤذن

(11/72)


لَهُم فِي ادخار جلودها وأسمنتها وَعَلَيْهِم رده إِلَى الْمغنم، وَإِذا
كَانَت الرُّخْصَة فِي الطَّعَام خَاصَّة فَلَا رخصَة فِي جلد شَيْء من
الْمَاشِيَة وَلَا ظرف فِيهِ طَعَام، فَإِن اسْتَهْلكهُ فَعَلَيهِ قِيمَته، وَإِن
انْتفع بِهِ فَعَلَيهِ ضَمَان حَتَّى يردهُ وَمَا نَقصه الِانْتِفَاع فأجر مثله
إِن كَانَ لمثله أجر ".
مسَائِل من هدا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الإبرة من الْمغنم، فَقَالَ مَالك: الإبرة ينْتَفع بهَا أرى
هَذَا خَفِيفا، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَو أَخذ إبرة أَو خيطاً كَانَ محرما، وَاسْتدلَّ
الشَّافِعِي بقوله: " أَدّوا الْخياط والمخيط ".
قَالَ أَبُو بكر: وَبِه نقُول.

6464 - حَدثنَا يحيى حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن بديل بن ميسرَة
وخَالِد الْحذاء، وَالزُّبَيْر بن حُرَيْث عَن عبد الله بن شَقِيق عَن رجل
من بَلْقَيْن قَالَ: أتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بوادي الْقرى يعرض فرسا
قَالَ: قلت: مَا تَقول فِي الْغَنِيمَة؟ قَالَ: لله خمسها
وَأَرْبَعَة أخماسه للجيش، قلت: فَمَا أحد أولى بِهِ من أحد؟
قَالَ: لَا، وَلَا السهْم نستخرجه من جعبتك لَيْسَ أَنْت أَحَق بِهِ من
أَخِيك السّلم.

(11/73)


وَاخْتلفُوا فِي صيد الطير فِي أَرض الْعَدو فَقَالَ مَالك: إِذا اصطاد طيراً
فِي أَرض الْعَدو فَبَاعَهُ أدّى ثمنه إِلَى صَاحب الْمقسم، وَكَانَ الشَّافِعِي
يَقُول: مَا أَخذ من صيد لَيْسَ بِملك لأحد، فَهُوَ لآخذه.
وَقد روينَا عَن الْقَاسِم، وَسَالم أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرجل يصيد الطير فِي أَرض الْعَدو،
وَالْحِيتَان: أَنه يَبِيعهُ وَيَأْكُل ثمنه.
وَقَالَ بكر بن سوَادَة: " رَأَيْت النَّاس يَنْقَلِبُون بالمشاجب والعيدان،
لَا يُبَاع فِي قسم من ذَلِك شَيْء " ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْحَطب يحتطبه
الرجل فِي أَرض الْعَدو، والحشيش يحتشه: إِن بَاعه فَلهُ عَنهُ وَلَا خمس
فِيهِ، وَقَالَ فِيمَا لم يحرزوه فِي بُيُوتهم نَحْو الشّجر، والأقلام، والأحجار،
والمسن ، والأدوية إِن لم يكن شَيْء مِنْهَا ثمن أَخذه من شَاءَ، وَإِن
عالجه فَصَارَ لَهُ ثَمن هُوَ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء، قَالَ: وَكَانَ مَكْحُول
يَقُول ذَلِك.
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي ذَلِك: إِذا جَاءَ بِهِ إِلَى دَار الْإِسْلَام فَكَانَ لَهُ ثمن دَفعه إِلَى
الْمقسم، وَإِن لمن يكن لَهُ ثمن حَتَّى عمله فعالجه أعْطى بِقدر عمله فِيهِ،
وَكَانَ نَفَقَته فِي الْقسم.
وَفِي قَول الشَّافِعِي: مَا أَخذ مِنْهُ مِمَّا لم يملكهُ أحد فَهُوَ لَهُ دون الْجَيْش.
وَكَانَ مَالك يَقُول فِي أَخذ الشَّيْء من أَرض الْعَدو مثل حجر الرخام، والمسن فَفِيهِ
سهل، لِأَنَّهُ لم ينل ذَلِك الْموضع إِلَّا بِجَمَاعَة الْجَيْش وَلَا أحبه ،
وَسَهل مَالك فِي السرج يصنعه مِنْهُ والنشاب.

(11/74)


وَقَالَ اللَّيْث بن سعد: حَدثنَا من أدركنا من مَشَايِخنَا أَن الرجل كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينْتَفع
بِشَيْء مِمَّا يَأْخُذ من الشّجر فِي أر فالعدو، أَتَى إِلَى صَاحب الْمَغَانِم فَألْقى
إِلَيْهِ مِنْهُمَا ليتحلل بِهِ مَا يَأْخُذ من الشّجر ليعمله مشاجباً، أَو مَا أَرَادَ ثمَّ
يَنْقَلِب بِهِ إِلَى أَهله.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " مَا كَانَ مُبَاحا لَيْسَ ملكه لآدمى، أَو صيد من
بر أَو بَحر، فَأَخذه مُبَاح، يدْخل فِي ذَلِك الْقوس يقطعهَا
الرجل من الصَّحرَاء، أَو الْحَبل، أَو الْقدح ينحته، أَو مَا شَاءَ من
الْخشب وَمَا شَاءَ من الْحِجَارَة للبرام وَغَيرهَا، فَكل مَا أُصِيب من هَذَا
فَهُوَ لمن أَخذه.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: كل شَيْء أَصَابَهُ السلمون فِي دَار الْحَرْب لَهُ ثمن مِمَّا فِي عَسْكَر
أهل الْحَرْب، أَو مِمَّا فِي الصَّحَارِي، والفيضان، والفياض فَهُوَ فِي الْغَنِيمَة
لَا يحل لرجل كتمه، وَلَا يغله من قبل أَنه لم يقدر على أَخذه إِلَّا بالجند،
وَلَا على مبلغه حَيْثُ بلغ إِلَّا بِجَمَاعَة أَصْحَابه.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مَا أصَاب فِي بِلَاد الرّوم مِمَّا لَيْسَ لَهُ هُنَاكَ قيمَة قَالَ: لَا
بَأْس بِأَخْذِهِ.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " لَا يوقح الرجل دَابَّته وَلَا يدهن أشاعرها من أدهان
الْعَدو، لِأَن هَذَا غير مَأْمُور لَهُ بِهِ من الْأكل، فَإِن فعل رد
قِيمَته، والأدوية كلهَا فَلَيْسَ من حِسَاب الْمَأْذُون لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ
الزنجبيل مريباً وَغير مريب، والألباء طَعَام يُؤْكَل فلصاحبه
أكله ".

(11/75)


وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي الزَّيْت من زَيْت الرّوم يدهن بِهِ فِي بِلَاد
الرّوم: إِذا كَانَ ذَلِك من صداع أَو ضَرُورَة فَلَا بَأْس، وَأما التزين
فَلَا يُعجبنِي.

ذكر الطَّعَام بِالطَّعَامِ فِي بِلَاد الْعَدو
كَانَ مَالك بن أنس يَقُول فِي الْقَوْم فِي أَرض الْعَدو يصيبون الطَّعَام،
ويصيب قوم اللَّحْم، ويصيب قوم الْخبز وَالْعَسَل وَالسمن مثل ذَلِك
يَقُول هَؤُلَاءِ: أعطونا مِمَّا أصبْتُم ونعطيكم مِمَّا أصبْنَا، قَالَ: أَرْجُو أَن
يكون خَفِيفا إِذا كَانَ إِنَّمَا يُؤْكَل، وَقَالَ مرّة فِي الْبَدَل: لَا بَأْس بِهِ، فَأَما
البيع فَلَا أرى ذَلِك.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " إِذا تبَايع رجلَانِ طَعَاما بِطَعَام فِي بِلَاد الْعَدو فَالْقِيَاس
أَن لَا بَأْس بِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخذ مُبَاحا بمباح فَليَأْكُل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا
صَار إِلَيْهِ، وَإِن دخل رجل لم يشركهم فِي الْغَنِيمَة فَبَاعَهُ لم يجز لَهُ
بَيْعه، لِأَنَّهُ أعْطى من لَيْسَ لَهُ أكله، وَالْبيع مَرْدُود فَإِن فَاتَ رد
قِيمَته إِلَى الإِمَام " .
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد فِي الرجل يُصِيب الشَّاة من الْغَنِيمَة فِي أَرض الْغَزْو فيعطون بعض
الشَّاة أَو كلهَا فِي زَيْت، أَو يبيعون تِلْكَ الشَّاة ويشترون بِثمنِهَا طَعَاما
آخر: فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك.

(11/76)


ذكر اخْتِلَاف أهل الْعُلُوّ فِي الطَّعَام يَأْخُذهُ الْمَرْء فيفضل
مَعَه فضلَة
وَاخْتلفُوا فِي الطَّعَام يَأْخُذهُ الْمَرْء للْأَكْل فَيخرج وَمَعَهُ مِنْهُ ،
فضلَة، فَقَالَت طَائِفَة: يرد مَا أَخذ إِلَى الإِمَام، كَذَلِك قَالَ: سُفْيَان
الثَّوْريّ، وَالشَّافِعِيّ كَذَلِك قَالَ فِي كتاب سير الْوَاقِدِيّ ، وَقَالَ فِي
كتاب سير الْأَوْزَاعِيّ: "فَإِن الَّذِي قَالَ الْأَوْزَاعِيّ من أَن ينْصَرف بِفضل
الطَّعَام للْقِيَاس إِن كَانَ يَأْخُذ الطَّعَام فِي بِلَاد الْعَدو فَيكون لَهُ دون
غَيره من الْجَيْش ففضل مِنْهُ فضل، كَانَ مَا فضل من شَيْء لَهُ دون غَيره
وَالله أعلم ".
وَقَالَت طَائِفَة: لَهُ أَن يحملهُ إِلَى أَهله، وَيهْدِي بَعضهم لبَعض هَذَا قَول الْأَوْزَاعِيّ،
قَالَ: وَقد كَانُوا يخرجُون بالقديد، والجبن إِذا كَانَ للْأَكْل أَو
هَدِيَّة فَأَما للْبيع فَلَا يصلح، و قَالَ: إِن خرج بِفضل علفه فليعلفه
ظَهره حَتَّى يقدم على أَهله، وَمن بَعْدَمَا يقدم إِن شَاءَ فَإِن بَاعه
وضع ثمنه فِي مَغَانِم الْمُسلمين، وَإِن كَانَت قد قسمت تصدق بهَا عَن
ذَلِك الْجَيْش .
وَكَانَ سُلَيْمَان بن مُوسَى يَقُول فِي رجل حمل طَعَاما إِلَى أَهله: " لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ
أَبُو ثَوْر: فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَهُ، وَالثَّانِي أَن يردهُ إِلَى الْغَنِيمَة،
وَالْأول أقيسهما وَأحب إِلَيّ.

(11/77)


وَفِيه قَول ثَالِث: وَهُوَ قَول من فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير مِنْهُ فَقَالَ مَالك: أما الْخَفِيف
من ذَلِك فَلَا بَأْس إِنَّمَا هِيَ فضلَة زَاد تزوده مثل الْجُبْن وَاللَّحم،
وَهَذِه الْأَطْعِمَة إِذا كَانَ يَسِيرا لَا بَال لَهُ أَن يَأْكُلهُ فِي أَهله ، وَقَالَ
أَحْمد بن حَنْبَل فِي الطَّعَام يحمل من بِلَاد الْعَدو،: كرهه إِذا كثر، وَسَهل
فِي التقليل مِنْهُ، وَقَالَ: أهل الشَّام يتسهلون فِيهِ، وَقَالَ
اللَّيْث بن سعد: أحب إِلَى إِذا دنا من أَهله أَن يطعمهُ أَصْحَابه.
وَقَالَ النُّعْمَان فِي الرجل يَأْخُذ الْعلف فيفضل مَعَه مِنْهُ شَيْء بعد أَن يخرج إِلَى بِلَاد
الْإِسْلَام إِن كَانَت الْغَنِيمَة لم تقسم أَعَادَهُ فِيهَا، وَإِن كَانَت قسمت بَاعه
فَيصدق بِثمنِهِ.
وَأنكر يَعْقُوب قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ: الْقَلِيل من هَذَا وَالْكثير مَكْرُوه ينْهَى عَنهُ
أَشد النهى.

ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الِانْتِفَاع بِشَيْء من الْمَغَانِم غير جَائِز
قبل الْقسم غير الطَّعَام

6465 - حَدثنَا على بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم
قَالَ: أخبرنَا نَافِع بن يزِيد قَالَ: حَدثنِي ربيعَة بن أبي سُلَيْمَان مولى
عبد الرَّحْمَن بن حسان التجِيبِي أَنه سمع حَنش الصَّنْعَانِيّ يحدث أَنه سمع

(11/78)


رويفع بن ثَابت فِي غَزْوَة أنَاس قبل الْمغرب يَقُول: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فِي غَزْوَة خَيْبَر: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يركب دَابَّة
من الْمَغَانِم حَتَّى إِذا أنقصها ردهَا فِي الْمَغَانِم، وَلَا ثوب حَتَّى إِذا أخلقه
رده فِي الْمَغَانِم ".
قَالَ أَبُو بكر: فاستعمال دَوَاب الْعَدو، ولباس ثِيَابهمْ غير جَائِز محلى
ظَاهر هَذَا الحَدِيث إِلَّا أَن يجمع أهل الْعلم على شَيْء من ذَلِك،
فيستعمل مَا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم من ظَاهر هَذَا الحَدِيث لعِلَّة مَا،
ولحال الضَّرُورَة فِي معمعة الْحَرْب، فَإِذا انْقَضتْ الضَّرُورَة
وزالت الْعلَّة الَّتِي لَهَا أَجمعُوا محلى إِبَاحَة ذَلِك رَجَعَ الْأَمر
إِلَى الْحَظْر، وَوَجَب رد مَا أُبِيح اسْتِعْمَاله فِي حَال الضَّرُورَة إِلَى
جملَة المَال، وَقد روينَا فِي ذَلِك حَدِيثا فِي اسناده مقَال عَن
عبد الله بن مَسْعُود أَنه اسْتعْمل بعض سلَاح الْعَدو
لما احْتَاجَ إِلَيْهِ.

6466 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء حَدثنَا
إِسْرَائِيل عَن أَبى إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: انْتَهَيْت
إِلَى أبي جهل وَقد ضربت رجله وَلَا أخافه يَوْمئِذٍ وَهُوَ يذب بِسَيْفِهِ
فَقلت لَهُ: الْحَمد لله الَّذِي أخزاك يَا أَبَا جهل قَالَ: فَاضْرِبْهُ
بِسيف معي غير طائل، قَالَ: فَوَقع سَيْفه من يَده فَأخذت
سَيْفه فضربته بِهِ حَتَّى برد، ثمَّ أتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبشره بِهِ وَأَنا من

(11/79)


أسْرع النَّاس يَوْمئِذٍ شدّاً، فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقلت: قتل الله أَبَا جهل،
وَذكر الحَدِيث.
قَالَ أَبُو بكر: وَمِمَّنْ رخص فِي اسْتِعْمَال السِّلَاح فِي معمعة الْحَرْب
وَفِي حَال الضَّرُورَة مَالك بن أنس، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَالْأَوْزَاعِيّ،
وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد بن حَنْبَل، وَأَبُو ثَوْر، والنعمان، وَيَعْقُوب.
وَالْجَوَاب فِي الْفرس يُقَاتل عَلَيْهِ فِي الْحَرْب كالجواب فِي السِّلَاح، غير أَن الْأَوْزَاعِيّ
قَالَ: لَا يُمكن أخذهما إِلَّا بِإِذن الإِمَام، إِلَّا أَن يكون فِي حَال لَا يَسْتَطِيع
أَن يسْتَأْذن الإِمَام فيكفى ضَرُورَة، قيل للأوزاعي: فيلبس الرجل
من الثَّوْب من الْبرد من الْفَيْء وَيُعْطى من الْفَيْء بِقَدرِهِ مَا
لبس؟ قَالَ: ذَلِك مَكْرُوه إِلَّا أَن يخَاف الْمَوْت فيلبس فَإِنَّهَا ضَرُورَة،
قلت: فَإِن أصَاب علفاً وَلَيْسَ مَعَه وعَاء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى علف يخَاف
إِن لم يفعل يقطع بِهِ، أيأخذ وعَاء من الْفَيْء فَيحمل فِيهِ إِلَى الْعَسْكَر؟
قَالَ: هَذِه ضَرُورَة لَا بَأْس.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْفرس لَا يركبه فِي غير وَقت الضَّرُورَة حَتَّى يتعبه، ثمَّ قَالَ
أَخذ ابْن مَسْعُود سيف أبي جهل فَضَربهُ.
وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول فِي السِّلَاح وَالدَّوَاب من الْغَنِيمَة يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ: أَخَذُوهُ
فَإِذا استغنوا عَنهُ ردُّوهُ إِلَى الْغَنِيمَة حَتَّى يقسم، فَإِن كَانُوا على خوف
كَانَ لَهُم أَن يستعملوه حَتَّى يخرجُوا من بِلَاد الْحَرْب، أَو يأمنوا
وَالله أعلم بِإِذن الإِمَام وَغير إِذْنه، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبد الله،

(11/80)


وَالْأَوْزَاعِيّ: لَهُ أَن يَأْخُذ مَا كَانَ فِي معمعة الْحَرْب، وَلَا يُؤَخِّرهُ إِلَى
أَن تَنْقَضِي الْحَرْب فيعرضه للهلاك، قَالَ: وَقَالَ بعض النَّاس، وَصَاحبه
يَعْنِي النُّعْمَان وَيَعْقُوب: لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِغَيْر إِذن الإِمَام حَتَّى يفرغ من
الْحَرْب ثمَّ يردهُ.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " مَا أعلم مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا مُوَافقا للسّنة،
معقولاً، لِأَنَّهُ يحل فِي حَال الضَّرُورَة الشَّيْء، فَإِذا انْقَضتْ
الضَّرُورَة لم يحل، وَمَا علمت مَا قَالَ أَبُو حنيفَة قِيَاسا
وَلَا خَبرا ".

ذكر الشَّيْء، يتْركهُ صَاحب الْمقسم أَو الدَّابَّة يعجز صَاحبهَا
عَن سوقها فيدعها
وَاخْتلفُوا فِي الشَّيْء يَدعه صَاحب الْمقسم، أَو الدَّابَّة يعجز عَنْهَا
صَاحبهَا فيرسلها فيأخذها رجل وَتصْلح فِي يَده فَقَالَت طَائِفَة: من
ترك دَابَّة قَامَت عَلَيْهِ بمضيعة وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب فَهِيَ لمن
أَخذهَا أَو احياها، كَذَلِك قَالَ اللَّيْث بن سعد، قَالَ اللَّيْث: إِلَّا
أَن يكون تَركه وَهُوَ يُرِيد أَن يرجع إِلَيْهِ فَرجع مَكَانَهُ فَهُوَ لَهُ،
وَقَالَ الْحسن بن صَالح فِي الرجل يَأْكُل التَّمْر ويلقي نَوَاه، إِن النَّوَى لمن
أَخذه، وَكَذَلِكَ كل شَيْء سوى النَّوَى مِمَّا للرجل إِذا خلا عَنهُ
وأباحه للنَّاس من دَابَّة أَو غير ذَلِك، فَإِذا أَخذه إِنْسَان وَقَبضه فَلَيْسَ لرب
المَال أَن يرجع فِيهِ.

(11/81)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا بَأْس أَي ينْتَفع بالشَّيْء يَرْمِي بِهِ صَاحب الْمقسم، وَقَالَ
الشّعبِيّ: من قَامَت عَلَيْهِ دَابَّته فَتَركهَا فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا، قلت: عَمَّن هَذَا
يَا أَبَا عَمْرو؟ قَالَ: إِن شِئْت عددت لَك كَذَا وَكَذَا من أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ مَالك فِي الْقَصعَة وَأَشْبَاه ذَلِك تلقى من
الْمَغَانِم ثمَّ يَأْخُذهَا الرجل: أَرَاهَا لَهُ إِذا أسلموها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَلَا
أرى فِيهَا خمْسا.
وَكَانَ اللَّيْث بن سعد يَقُول فِي الْقَوْم فِي الْبَحْر يتخوفون الْغَرق فيلقون
بعض مَتَاعهمْ فَيَأْخذهُ غَيرهم، أَو الدَّابَّة تقوم على الرجل
فيتركه بالموضع من أَرض الفلاة فيمر بِهِ بعض النَّاس ويصلحه، ثمَّ
يَأْتِي صَاحبه فيريد أَخذه، قَالَ: لَا أرى لأهل الْمركب الَّذين ألمَوا
مَتَاعهمْ وَلَا لصَاحب الدبة شَيْئا، لأَنهم قد طرحوه وألقوه
على وَجه الإيأس مِنْهُ.
وَقَالَ مَالك: يرد إِلَى صَاحبه فَإِن كَانَ انفق عَلَيْهِ شَيْئا أَخذ مِنْهُ،
وَقَالَ ابْن وهب: مثل قَول اللَّيْث فِي الدَّابَّة، وَقَالَ فِيمَن
عَاص على الْمَتَاع حَتَّى أخرجه لَهُ قدر جُعله، وَفِي مَذْهَب
الشَّافِعِي: يَأْخُذهُ صَاحبه وَلَا شَيْء للَّذي انفق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَطَوّع
لم يُؤمر بذلك.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْمَتَاع يلقيه الرجل فَيَأْخذهُ آخر، يعْطى كراءه، وَيرد
على صَاحبه، وَأما الدَّابَّة فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا إِذا كَانَ يركبهَا صَاحبهَا
لمهلكة، قَالَ إِسْحَاق كَمَا قَالَ أَحْمد، وَاحْتج بِمَا ذكر عَن الشّعبِيّ،
وَبِحَدِيث مُرْسل.

(11/82)


6467 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا
هِشَام بن عبيد الله بن حميد الْحِمْيَرِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
ترك دَابَّة بمهلكة فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا " .
وَقيل للأوزاعي: أيجبر الْأَمَام الْقَوْم على حمل غنائمهم؟ قَالَ: نعم إِذا لم يجد من
يحملهَا بكرا فِي غير إِضْرَار بهم على قدر مَا يرى من قوتهم، فَإِن
قَالَ: من حمل شيئأ فَهُوَ لَهُ يُرِيد أَن يحضهم وَلَا يفىء لَهُم؟ قَالَ: لَا
يصلح للْإِمَام الْكَذِب إِلَّا فِي مكايدة عدوه، فليف لَهُم بِمَا جعل لَهُم بعد
الْخمس فَهُوَ خير، وَلِأَن يستحله من أَخذه بِشَيْء من الإِمَام أحب إِلَيّ،
وَلَا بَأْس أَن يَقُول: من حمل شَيْئا من الْغَنِيمَة، فَلهُ مِنْهَا ثلثا أَو ربعا هَذِه
إجَازَة، وَقَالَ الثَّوْريّ: لَا بَأْس أَن يَقُول الإِمَام: من جَاءَ
بِرَأْس فَلهُ كَذَا، وَمن جَاءَ بأسير فَلهُ كَذَا يغريهم.
وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول: وَإِذا قَالَ الإِمَام: من أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ، فَكَانَ هُوَ أصلح
للنَّاس واذعاً لِلْقِتَالِ وأكلب على الْعَدو كَانَ ذَلِك جَائِزا، وَكَانَ من
أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَلم يُخَمّس.

ذكر الرِّكَاز يُوجد فِي دَار الْحَرْب
وَاخْتلفُوا فِي الرِّكَاز يُوجد فِي دَار الْحَرْب، فَقَالَت طَائِفَة: هُوَ
بَين الْجَيْش كَذَلِك قَالَ مَالك، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْث بن سعد،

(11/83)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَيْسَ لمن وجده مِنْهُ شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء
ذَلِك الإِمَام.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن الرِّكَاز دفن الْجَاهِلِيَّة مَا وجد فِي غير ملك لأحد فِي الأَرْض
الَّتِي من أَحْيَاهَا من بِلَاد الْإِسْلَام كَانَت لَهُ وَمن الأَرْض الْموَات، وَكَذَلِكَ
هُنَا فِي أَرض الْحَرْب هَذَا قَول الشَّافِعِي.
وَقَالَ النُّعْمَان: إِذا دخل الرجل أَرض الْحَرْب بِأَمَان فَوجدَ ركازاً فِي الصَّحرَاء فَهُوَ لَهُ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ خمس، وَقَالَ يَعْقُوب، وَمُحَمّد: فِيهِ الْخمس.

(11/84)