الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف

كتاب قسم خمس الْغَنِيمَة
قَالَ الله جلّ ذكره (واعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لله خُمسَه وِللرّسُول وِلذِي
القُرَبي) الْآيَة.

ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي معنى قَوْله: (فَأَنَّ لله خُمسَه
وِللرّسُول) الْآيَة
اخْتلف أهل الْعلم فِي معنى قَوْله : (واعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن
شَيءٍ فَأَنَّ لله خُمسَه) الْآيَة، فَقَالَ جمَاعَة: قَوْله (فَأَنَّ لله خُمسَه)
مِفْتَاح كَلَام، لِأَن لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَله كل شَيْء، وَأَن
خمس الْخمس إِنَّمَا خص الله بِهِ رَسُوله حضر الرَّسُول الْغَنِيمَة
أَو لم يحضرها، كَانَ الْحسن بن مُحَمَّد الْحَنَفِيَّة يَقُول فِي قَوْله (فَأَنَّ
لله خُمسَه) يَقُول: هَذَا مِفْتَاح كَلَام، لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ،
وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح ، وَالشعْبِيّ: خمس الله وَخمْس رَسُوله
وَاحِد، وَقَالَ قَتَادَة: فَإِن لله خمسه، قَالَ: هُوَ لله، ثمَّ بيَن
قسم الْخمس خَمْسَة أَخْمَاس للرسول، وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى،

(11/85)


وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل.
قَالَ أَبُو بكر: فَمن هَذَا مذْهبه يرى أَن الْغَنِيمَة يجب قسمهَا على خَمْسَة أَخْمَاس
فَأَرْبَعَة أخماسها لمن قَاتل عَلَيْهَا وَيقسم الْخمس الْبَاقِي على خَمْسَة أَخْمَاس،
وَقد فسر ذَلِك قَتَادَة فَقَالَ: أَرْبَعَة أخماسها لمن قَاتل عَلَيْهَا وَيقسم الْخمس
على خَمْسَة أَخْمَاس، فَخمس لله وَلِلرَّسُولِ وَخمْس لقرابة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَيَاته، وَخمْس لِلْيَتَامَى، وَخمْس للْمَسَاكِين، وَخمْس لِابْنِ السَّبِيل.
وَفِيه قَول ثَان: " وَهُوَ أَن الْغَنِيمَة كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسمها على خَمْسَة أسْهم فيعزل
مِنْهَا سَهْما وَيقسم الْأَرْبَعَة بَين النَّاس قسم يضْرب بِيَدِهِ فِي السهْم
الَّذِي عَزله فَمَا قبض عَلَيْهِ من شَيْء جعله للكعبة فَهُوَ الَّذِي سمّى
لَا تجْعَلُوا لله نَصِيبا فَإِن لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ثمَّ يقسم بَقِيَّة السهْم
الَّذِي عَزله على خَمْسَة أسْهم سهم للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَهْم
لذِي الْقُرْبَى، وَسَهْم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل،
هَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة ".
وَقَالَ بعض أهل الْكَلَام: يقسم الْخمس على سِتَّة أسْهم سهم لله، وَسَهْم للرسول،
وَالْأَرْبَعَة الأسهم للَّذين سموا فِي الْآيَة، قَالَ: فالسهم الَّذِي لله مَرْدُود
على عباد الله أهل الْحَاجة مِنْهُم.

ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على صِحَة القَوْل الأول
6468 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي

(11/86)


مَالك عَن عبد ربه بن سعيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب أَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين صدر يَوْم حنين وَهُوَ يُرِيد الْجِعِرَّانَة تنَاول
بِيَدِهِ شَيْئا من الأَرْض أَو وبرة من بعير، فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ،
مَالِي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم مثل هَذَا أَو هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس
مَرْدُود عَلَيْكُم ".

6469 - وَأخْبرنَا مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس
عَن ابْن شهَاب عَن عمر بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن جده عَن رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو هَذَا.

6470 - وحدثونا عَن مُحَمَّد بن المصفا قَالَ: أخبرنَا الْمسيب بن وَاضح
قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق عَن سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن عَيَّاش عَن
سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن مَكْحُول عَن أبي سَلام عَن أَبى أُمَامَة عَن
عبَادَة قَالَ: أَخذ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين وبرة من جنب بعير
فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس إِنَّه لَا يحل لي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم قدر
هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم ".
وَقَالَ غَيره سُلَيْمَان بن مُحَمَّد.

(11/87)


قَالَ أَبُو بكر: فدلّ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالِي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم إِلَّا الْخمس " على
أَن الْخمس لَهُ، وَأَن قَوْله " لله " مِفْتَاح كَلَام كَمَا قَالَه الْحسن بن مُحَمَّد
وَغَيره.

ذكر الْأَشْيَاء الَّتِي خص الله جلّ ذكره بهَا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعلهَا لَهُ
من جملَة الْغَنِيمَة فِي حَيَاته وَلم يَجْعَل ذَلِك لغيره
قَالَ أَبُو بكر: خص الله جلّ ثَنَاؤُهُ رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَشْيَاء ثَلَاثَة أَحدهَا: خمس
الْخمس، خصّه بِهِ من بَين النَّاس وَجعل لَهُ سَهْما فِي الْغَنِيمَة كسهم رجل
مِمَّن حضر الْوَقْعَة، حضرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو لم يحضرها، وَخَصه بالصفي جعل
لَهُ أَن يخْتَار من جملَة الْغَنِيمَة فرسا، أَو عبدا، أَو أمة، أَو سَيْفا، أَو مَا
شَاءَ، وَلم يَجْعَل ذَلِك لغيره، فَأَما مَا جعله لَهُ من الْخمس فقد بيّنا ذكر
ذَلِك من كتاب الله تبَارك وَتَعَالَى وَسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأما الصفي الَّذِي
خصّه بهَا فالأخبار دَالَّة على ذَلِك.

6471 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا بشر هُوَ
ابْن الْفضل عَن الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء قَالَ: كنت مَعَ مطرف فِي
سوق هَذِه الْإِبِل فجَاء أَعْرَابِي يقطعهُ أَدِيم أَو جراب فَقَالَ: فِيكُم
من يقْرَأ؟ قَالَ: قلت: نعم أَنا اقْرَأ، قَالَ: فدونك هَذِه فَإِن
رَسُول الله كتبهَا لي، فَإِذا فِيهَا من مُحَمَّد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني
زهر بن أُقَيْش حَيّ من عكل أَنهم إِن شهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا

(11/88)


رَسُول الله، وفارقوا الْمُشْركين، وأقروا بالخمس فِي غنائمهم وَسَهْم النَّبِي
وَصفيه، فَإِنَّهُم آمنُوا بِأَمَان الله وَرَسُوله.

6472 - وَحدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا عباد بن عباد قَالَ: حَدثنَا
أَبُو جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم وَفد عبد الْقَيْس على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ! إِن هَذَا الْحَيّ من ربيعَة وَقد حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنك
كفار مُضر وَلَا يخلص إِلَيْك إِلَّا فِي شهر حرَام، فمرنا بِأَمْر نعمل بِهِ
وندعو إِلَيْهِ من وَرَائِنَا، فَقَالَ: " آمركُم بِأَرْبَع وأنهاكم عَن أَربع، الْإِيمَان
بِاللَّه ثمَّ فسره لَهُم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا ا لله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله،
وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم، وأنهاكم عَن
ا لدّباء، والحنتم، والنقير، والمُقيّر.

6473 - وَحدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن عِيسَى عَن
أبي هِلَال الرَّاسِبِي عَن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذَلِك،
وَزَاد فِيهِ وتعطوا من الْغَنَائِم سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصفي.

6474 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن
الزُّهْرِيّ عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس بن مَالك قَالَ: كنت أخدم
رَسُول ا لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا نزل فَكنت أسمعهُ كثيرا يَقُول: " اللَّهُمَّ

(11/89)


إِنِّي أعوذ بك من الْهم، والحزن ، وَالْعجز، والكسل وَالْبخل،
والجبن، وَغَلَبَة الرِّجَال، ثمَّ قدمنَا خَيْبَر فَلَمَّا فتح الله الْحصن ذكر
لَهُ جمال صَفِيَّة بنت حيى بن أَخطب، وَقد قتل زَوجهَا وَكَانَت
عروساً، فاصطفاها رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنَفسِهِ، فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغنَا سد
الصَّهْبَاء حلت، فَبنى بهَا ثمَّ صنع حَيْسًا فِي نطع صَغِير، فَكَانَت
تِلْكَ وَلِيمَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

6475 - وَمن حَدِيث أبي مُوسَى حَدثنَا أَبُو أَحْمد قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت صَفِيَّة من الصفي.

6476 - حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان عَن
مطرف عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم الصفي إِن شَاءَ عبد ا وَإِن
شَاءَ أمة، وَإِن شَاءَ فرسا يختاره قبل الْخمس.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا من أهل الحَدِيث: إِن خبر ابْن عَبَّاس "
تنفّل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفه ذُو الفقار يَوْم بدر " من هَذَا الْبَاب، أَي
أَخذه نفلا لنَفسِهِ.

(11/90)


6477 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد
عَن أَبِيه عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تنفل
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر.
قَالَ أَبُو بكر: وَلَا أعلم أَنِّي سَمِعت أحدا يُنكر أَن يكون الصفي كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لما خصّه الله بِهِ، بل كل من احفظ عَنهُ من أهل الْعلم يرى
أَن ذَلِك كَانَ حَقًا لَهُ من كل غنيمَة، وَأما سَهْمه كسهم رجل من
السلمين غَابَ أَو حضر فَإِن:

6478 - مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا قَالَ: حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا هشيم
قَالَ: أخبرنَا مطرف الْحَارِثِيّ قَالَ: سَأَلت الشّعبِيّ عَن سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
والصفي فَقَالَ: أما السهْم فَكَانَ سَهْمه كسهم رجل من الْمُسلمين، وَأما
الصفي فَكَانَت لَهُ غرَّة يصطفيها من الْمغنم.

6479 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد قَالَ: حَدثنَا هشيم قَالَ: حَدثنَا
أَشْعَث عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضْرب لَهُ سَهْمه من
الغانم شهد أَو غَابَ.
قَالَ أَبُو بكر: وَخبر الْعِرْبَاض يدل على ذَلِك.

(11/91)


6480 - حَدثنَا عبد الله بن بشر الطَّالقَانِي حَدثنَا صَاع بن أَحْمد بن حَنْبَل
قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا وهب أَبُو خَالِد
قَالَ: حَدَّثتنِي أم حَبِيبَة بنت الْعِرْبَاض بن سَارِيَة عَن أَبِيهَا أَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذ الْوَبرَة من فَيْء الله فَيَقُول: " مَالِي من هَذَا إِلَّا
مثل مَا لأحدكم إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم ".
فَقَوله: " إِلَّا مَا لأحدكم " يُرِيد أَنِّي إِن كنت فرسا فَمثل مَا للفارس مِنْكُم، أَو رَاجِلا
فَمثل مَا للراجل مِنْكُم.
قَالَ أَبُو بكر: وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة والاتفاق، إِلَّا مَا روينَاهُ عَن أبي
الْعَالِيَة فَإِنَّهُ قَول شَاذ لَا نعلم أحدا قَالَ بِهِ، أَن الْخمس
يقسم على خَمْسَة فَيكون للرسول خمسه، وَيقسم أَرْبَعَة أخماسه على
مَا ذكر الله عز وَجل، فِي كِتَابه، وسأذكر مَا حفظناه عَن أهل الْعلم فِي
كل صنف مِمَّن ذكر الله إِن شَاءَ الله.
وحَدثني عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: قَالَ الله جلّ وَعلا فِي الْخمس (واعلَمُوا أَنّما غَنِمُتم
مِن شَيءٍ فَإنَّ لله خُمسُه وِللرّسُول) الْآيَة ، فَاسْتَفْتَحَ الْكَلَام بِأَن نسبه إِلَى
نَفسه جلّ ثَنَاؤُهُ، ثمَّ ذكر أَهله بعد، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْء (مَا آفَاء الله
عَلى رَسُوِله مِن أَهل القُرَي فَللَّه) الْآيَة ، نسبه جلّ ثَنَاؤُهُ إِلَى نَفسه ثمَّ
اخْتصَّ ذكر أَهله فَصَارَ فيهم الْخِيَار أَن للْإِمَام فِي كل شَيْء يُرَاد بِهِ الله،
قَالَ: وَقد كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة مَعَ هَذَا فِيمَا حكى عَنهُ، يَقُول: إِن الله
جلّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا استفتح الْكَلَام فِي الْفَيْء وَالْخمس بِذكر نَفسه جلّ ثَنَاؤُهُ،

(11/92)


لِأَنَّهُ أشرف الْكسْب وَإِنَّمَا ينْسب إِلَيْهِ كل شَيْء ليشرف ويعظم، قَالَ:
وَلم ينْسب الصَّدَقَة إِلَى نَفسه لِأَنَّهَا أوساخ النَّاس ".

ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِيمَا يفعل بِسَهْم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وَفَاته
ثَبت أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَالِي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود
فِيكُم ".
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل فِي سهم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وَفَاته، فَقَالَت
طَائِفَة: يرد على الَّذين كَانُوا مَعَه فِي الْخمس وَأَنَّهُمْ ذووا الْقُرْبَى،
واليتامى وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل فَيقسم الْخمس كُله بَينهم
أَربَاعًا، وَكَانَ أَحَق النَّاس بِهَذَا القَوْل من أوجب قسم الصَّدقَات
بَين جَمِيع أهل السهْمَان محتجاً بقوله: (واعلَمُوا أَنما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَإِنّ لله
خُمسُه) الْآيَة ، فَمن حَيْثُ ألزَمَ من قَالَ: أَن الصَّدقَات يجوز
تفريقها فِي بعض السِّهَام دون بعض حكم آيَة الْغَنِيمَة، لزمَه أَن يرد سهم
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى من مَعَه فِي الْخمس لتشبيه أحد الْقسمَيْنِ بِالْآخرِ، لِأَنَّهُ
لَا قَالَ: إِذا فَقدنَا صنفا من أهل الصَّدقَات رددنا سَهْمه على البَاقِينَ،
وَقد سوى بَين حكم الْآيَتَيْنِ، فَكَذَلِك كل صنف يفقد من أهل
الْخمس يجب رد سهم ذَلِك الصِّنْف على الْأَصْنَاف الْبَاقِيَة، وَلنْ يلْزم فِي
أَحدهمَا شَيْئا إِلَّا لزم فِي الآخر مثله، وَيلْزم ذَلِك من وَجه ثَان وَهُوَ أَنهم

(11/93)


قَالُوا: إِذا فَقدنَا من سَائِر الْأَصْنَاف صنفا سوى الرَّسُول وَجب رد
حق ذَلِك الصِّنْف على الآخرين، فَكَذَلِك يلْزم فِي سهم الرَّسُول
لما مضى، ثمَّ لسبيله أَن يرد سَهْمه على سَائِر السهْمَان كَمَا قَالُوا قي
غير سَهْمه سَوَاء.
وَقَالَت طَائِفَة: يجب رد خمس الْخمس سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة،
وَوَجَب لَهُم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة، لأَنهم الَّذين قَاتلُوا وغنموا، وَيقسم
أَرْبَعَة أَخْمَاس خمس الْغَنِيمَة بَين الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة ذَوي الْقُرْبَى، واليتامى،
وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل أَربَاعًا كَمَا كمان لَهُم فِي الأَصْل.
وَقَالَت طَائِفَة: هُوَ للخليفة بعد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم مقَامه فِي ذَلِك
فيصرفه فِيمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصرفهُ فِيهِ.

6481 - من حَدِيث أبي كريب عَن ابْن الفضيل عَن الْوَلِيد بن جَمِيع
عَن أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذا أطْعم نَبيا
طعمة ثمَّ قَبضه فَهُوَ للَّذي يقوم من بعده، فَرَأَيْت أَن أرده
على الْمُسلمين "، فَقَالَت: يَعْنِي فَاطِمَة، أَنْت أعلم بِمَا سَمِعت من
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَت طَائِفَة: يَجْعَل فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله، قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة:
" اخْتلفُوا بعد وَفَاة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذَيْن السهمين يَعْنِي سهم الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى، فَقَالَ قَائِل: سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للخليفة بعده، وَقَالَ
قَائِل: سهم ذِي الْقُرْبَى لقرابة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَائِل: سهم ذِي الْقُرْبَى

(11/94)


لقرابة الْخَلِيفَة، فَاجْتمع رَأْيهمْ على أَن يجْعَلُوا هذَيْن السهمين فِي الْخَيل
وَالْعدة فِي سَبِيل الله، فَكَانَ خلَافَة أبي بكر، وَعمر فِي الْخَيل وَالْعدة فِي
سَبِيل الله ".
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي سهم الله وَالرَّسُول: هُوَ فِي السِّلَاح والكراع، وَقَالَ قَتَادَة فِي
سهم ذِي الْقُرْبَى كَانَت طعمة لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاته، فَلَمَّا توفى حمل
عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمر فِي سَبِيل الله.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " وَالَّذِي اخْتَار فِي سهم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يَضَعهُ الإِمَام فِي كل أَمر حصن بِهِ الْإِسْلَام وَأَهله من سد
ثغر، أَو اعداد كرَاع، أَو سلَاح، أَو اعطائه أهل الْبِلَاد فِي الْإِسْلَام نفلا
عِنْد الْحَرْب، وَغير الْحَرْب، إعداداً للزِّيَادَة فِي تعزيز الْإِسْلَام وَأَهله،
على مَا صنع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أعْطى الْمُؤَلّفَة وَنفل
فِي الْحَرْب، وَأعْطى عَام حنين نَفرا من أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار أهل حَاجَة وَفضل، وَأَكْثَرهم أهل فاقة، نرى وَالله أعلم ذَلِك
كُله من سَهْمه ".
وَقَالَت طَائِفَة: الْقِسْمَة مقسومة على خَمْسَة، أَرْبَعَة أَخْمَاس للجيش، وَخمْس
مقسوم على ثَلَاثَة بَين الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل، هَذَا قَول
أَصْحَاب الرَّأْي، وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه
كَانَ لَهُ صفى، وَكَانَ ثَبت هَذَا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بعد مَا نزل الحكم
فِي قسم الْغَنَائِم، فللإمام أَخذه على نَحْو مَا كَانَ يَأْخُذ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

(11/95)


ويجعله كجعل سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْخمس، وَإِن لم يثبت ذَلِك لم يَأْخُذ
الإِمَام من ذَلِك شَيْئا.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الصفي: إِنَّمَا كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة، قلت: فتعلم أحدا
قَالَ: هُوَ لن بعده؟ فَقَالَ: لَا.
قَالَ أَبُو بكر: وَلَا أعلم أحدا وَافق أَبَا ثَوْر على مَا قَالَ.

ذكر الإسهام على أَجزَاء الْخمس
6482 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد حَدثنَا سعيد بن عفير عَن عبد الله
ابْن لَهِيعَة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: رَأَيْت
الْمَغَانِم تجزّأ خَمْسَة أَجزَاء، ثمَّ يُسهم عَلَيْهَا، فَمَا صَار لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ
لَهُ، لَا يخْتَار.

ذكر الْإِعْلَام بِأَن إِعْطَاء، الْخمس من الْغَنِيمَة من الْإِيمَان إِذْ هُوَ
مقرون إِلَى إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة

6483 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا أَبُو النَّصْر قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن
أَبى جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس أَن وَفد عبد الْقَيْس لما أَتَوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمرهم
بِأَرْبَع أَمرهم بِالْإِيمَان وَحده، وَقَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه وَحده؟
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا

(11/96)


رَسُول الله، وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تعطوا
من الْمغنم الْخمس" .

ذكر بعثة الإِمَام من يقبض الْخمس عِنْد قسم الْغَنَائِم
6484 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنِي بكر بن خلف وَزُهَيْر قَالَا: حَدثنَا
روح بن عبَادَة حَدثنَا عَليّ بن سُوَيْد بن منجوف قَالَ: حَدثنِي
عبد الله بن بُرَيْدَة الأسلمى عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عليا
إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد ليقسم الْخمس فاصطفى مِنْهَا على سبيّة فَأصْبح
يقطر رَأسه فَقَالَ خَالِد لبريدة: أَلا ترى مَا صنع هَذَا وَكنت أبْغض
عليا، فَأتيت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرته بِمَا صنع فَلَمَّا أخْبرته قَالَ
لي: " أتبغض علياَّ؟ " قلت: نعم قَالَ: " فَأَحبهُ فَإِن لَهُ فِي
الْخمس أَكثر من ذَلِك ".

6485 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ وَعبد الرَّحْمَن بن يُوسُف قَالَا: حَدثنَا
أَبُو عمار حَدثنَا الْمفضل بن مُوسَى عَن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ
عَن عَليّ فَقَالَ: رَابَنِي مِنْهُ أَنه نكح جَارِيَة من الْخمس، فَقَالَ: " لايريبك
فَإِنَّمَا نكح فِي سَهْمه ".
قَالَ أَبُو بكر: وَقد احْتج بِهَذَا الْخَبَر من قَالَ: لقاسم الْخمس أَن يقبض حَقه من
الْخمس ويُفرزه، إِذْ لَو كَانَ فِي جَائِز لنهى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا عَن ذَلِك، بل
فِي إِجَازَته ذَلِك دَلِيل على إِطْلَاق ذَلِك وإباحته.

(11/97)


ذكر سهم ذِي الْقُرْبَى وَذكر الدَّلِيل على أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَرَادَ
بقوله: (ولذِي القُربَى) بعض قرَابَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون بعض

6486 - حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا هشيم
قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب
قَالَ: أَخْبرنِي جُبَير بن مطعم قَالَ لما كَانَ يَوْم خَيْبَر وضع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سهم ذِي الْقُرْبَى فِي بني هَاشم وَبني الْمطلب وَترك بني نَوْفَل وَبني
عبد شمس، فَانْطَلَقت أَنا وَعُثْمَان بن عَفَّان حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا
رَسُول الله! هَؤُلَاءِ بَنو هَاشم لَا ننكر فَضلهمْ للموضع الَّذِي وضعك الله
بِهِ مِنْهُم فَمَا بَال إِخْوَاننَا بني الطّلب أَعطيتهم وَتَرَكتنَا وقرابتنا وَاحِدَة؟
فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنا وَبَنُو الْمطلب لَا يفْتَرق فِي جَاهِلِيَّة
وَلَا إِسْلَام، إِنَّمَا نَحن وهم شَيْء وَاحِد وَشَبك بَين أَصَابِعه ".

6487 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا ابْن شُعَيْب قَالَ: حَدثنَا أبي
عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل
الْهَاشِمِي أَن عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب أخبرهُ
أَن أَبَاهُ ربيعَة بن الْحَارِث وعباس بن عبد الْمطلب قَالَا لعبد
الْمطلب بن ربيعَة وللفضل بن عَبَّاس: ائتيا رَسُول الله فقولا
لَهُ: قد بلغنَا من السن مَا ترى وأحببنا أَن نتزوج وَأَنت يَا رَسُول الله
أَبُو النَّاس وأوصلهم، وَلَيْسَ عِنْد أبوينا مَا يصدقان عَنَّا،
فاستعملنا يَا رَسُول الله على الصَّدقَات فلنؤد إِلَيْك مَا يُؤَدِّي الْعمَّال،

(11/98)


ولنصب مَا كَانَ فِيهَا من رفق ، قَالَ: فَأتى عَليّ بن أبي طَالب
وَنحن على تِلْكَ الْحَال فَقَالَ لنا: وَالله لَا يسْتَعْمل أحدا مِنْكُم على
الصَّدَقَة، فَقَالَ ربيعَة بن الْحَارِث: هَذَا من حسدك وبغيك، وَقد نلْت
صهر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا حسدناك، فَألْقى رِدَاءَهُ ثمَّ اضْطجع عَلَيْهِ ثمَّ
قَالَ: أَنا أَبُو حسن القرم وَالله لَا أريم من مَكَاني حَتَّى يرجع
إلَيْكُمَا أنباء كَمَا بِجَوَاب مَا بعثتما بِهِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
عبد الْمطلب: فَانْطَلَقت أَنا وَالْفضل حَتَّى نوافق صَلَاة الظّهْر قد قَامَت،
فصلينا مَعَ النَّاس ثمَّ أسرعت أَنا وَالْفضل إِلَى بَاب حجرَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يومئذٍ عِنْد زَيْنَب بنت جحش، فقمنا بِالْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُول الله
فَأخذ بأذني وَأذن الْفضل ثمَّ قَالَ: " أخرجَا مَا تصرران،
ثمَّ دخل فَأذن لي وَالْفضل، فَدَخَلْنَا فتواكلنا الْكَلَام قَلِيلا ثمَّ كَلمته،
أَو كَلمه الْفضل، شكّ فِي ذَلِك عبد الله قَالَ: فكلمناه بِالَّذِي أمرنَا بِهِ
أبوانا، فَسكت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَة وَرفع بَصَره قبل سقف الْبَيْت حَتَّى
طَال علينا أَنه لَا يرجع إِلَيْنَا شَيْئا، وَحَتَّى رَأينَا زَيْنَب تلمع من
وَرَاء الْحجاب تُرِيدُ أَن لَا تعجلا، أَو إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أمرنَا،
ثمَّ خفض رَأسه فَقَالَ لنا: إِن هَذِه الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا
لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد، ادعو لي نَوْفَل بن الْحَارِث فدعى لَهُ نَوْفَل

(11/99)


فَقَالَ: يَا نَوْفَل انكح عبد الْمطلب فانكحني، ثمَّ قَالَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدعوا لي محمية بن جُزْء وَهُوَ رجل من بني زُبيد كَانَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْملهُ على الْأَخْمَاس، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا محمية!
انكح الْفضل "، فانكحه ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُم فاصدق عَنْهُمَا
من الْخمس كَذَا وَكَذَا، لم يسمه لي عبد الْحَارِث ".

6488 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا حجاج بن منهال قَالَ: حَدثنَا
عبد الله بن عمر النميري عَن يُونُس بن يزِيد الأيلى قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ
يحدث عَن يزِيد بن هُرْمُز أَن نجدة الحروري حِين حج فِي فتْنَة ابْن الزبير
أرسل إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن سهم ذِي الْقُرْبَى وَيَقُول: لمن ترَاهُ؟ فَقَالَ
ابْن عَبَّاس: هُوَ لقربى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمه لَهُم رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد كَانَ عمر عرض علينا من ذَلِك عرضا رَأَيْنَاهُ دون حَقنا، فرددناه
عَلَيْهِ وأبينا أَن نقبله، وَكَانَ عرض عَلَيْهِم أَن يعين ناكحهم، وَأَن يقْضى
عَن غارمهم، وَأَن يعْطى فقيرهم، وَأبي أَن يزيدهم على ذَلِك.

ذكر اخْتِلَاف أهل الْعُلُوّ فِي سَهْو ذِي الْقُرْبَى
وَاخْتلفُوا فِي سهم ذِي الْقُرْبَى فَقَالَت طَائِفَة: سهم ذِي الْقُرْبَى لقرابة
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني هَاشم وَبني الطّلب دون سَائِر قرَابَته، لِأَن الله عز

(11/100)


وَجل أوجب لَهُم ذَلِك فِي كِتَابه وَبَين ذَلِك على لِسَان رَسُوله، فَأَما
الْكتاب فَقَوله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه وِللرّسُول وِلذِي
القُرَبى) الْآيَة ، فَأثْبت ذَلِك لَهُم كإثباته سهم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن
السَّبِيل، وَقسم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك بَين بني هَاشم وَبني الطّلب، فَدلَّ قسم
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم ذِي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم وَبني الطّلب، على أَن الله أَرَادَ
بِهِ هَؤُلَاءِ دون سَائِر قراباته، هَذَا قَول الشَّافِعِي، وَأبي ثَوْر، قَالَ
الشَّافِعِي: " فَيعْطى جَمِيع سهم ذِي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم وَبني الْمطلب
حَيْثُ كَانُوا لَا يفضل مِنْهُم أحد حضر الْقِتَال على أحد لم يحضرهُ ".

6489 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا حجاج قَالَ حَدثنَا
جرير بن حَازِم قَالَ: حَدثنِي قيس بن سعد عَن يزِيد بن هُرْمُز
قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس وَأَتَاهُ كتاب نجدة كتب إِلَيْهِ يسْأَله عَن
ذَوي الْقُرْبَى الَّذين ذكر الله فِي الْقُرْآن، فَكتب إِلَيْهِ، إِنَّا كُنَّا نرى قرَابَة
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم، وأبى ذَلِك علينا قَومنَا.
وَقَالَ ابْن الْحَنَفِيَّة فِي سهم ذِي الْقُرْبَى: هُوَ لنا أهل الْبَيْت، وَقد روينَا أَن
عمر بن عبد الْعَزِيز لما قدم بعث إِلَيْهِم بِهَذَيْنِ السهمين سهم الرَّسُول
وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي لبني هَاشم ، قَالَ مُجَاهِد: آل مُحَمَّد لَا تحل لَهُم
الصَّدَقَة، فَجعل لَهُم ذَلِك.

(11/101)


وَقَالَت طَائِفَة: يَجْعَل سهم ذِي الْقُرْبَى فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله، روينَا
عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ أَنه قَالَ فِي سهم الرَّسُول وَسَهْم ذِي
الْقُرْبَى: اجْتمع رَأْي أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أَن يجْعَلُوا
هذَيْن السهمين فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله فَكَانَ ذَلِك خلَافَة
أبي بكر وَعمر.
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: سَأَلت أَبَا جَعْفَر كَيفَ صنع عَليّ فِي سهم ذِي الْقُرْبَى،
فَقَالَ: سلك بِهِ طَرِيق أبي بكر وَعمر، قَالَ: أما وَالله مَا كَانُوا
يصدرون عَن رَأْيه، وَلكنه كره أَن يتَعَلَّق عَلَيْهِ خلاف أَبى بكر
وَعمر.
قَالَ أَبُو بكر: أَظُنهُ سقط من كتابي الا وَهُوَ فِيمَا بَين "يصدرون "
وَبَين "عَن رَأْيه".
وَقد رويا فِيمَا مضى عَن الشّعبِيّ أَن عليا لما قدم يَعْنِي الْكُوفَة قَالَ: مَا قدمت لأحل
عقدَة شدّها عمر.

6490 - و حَدثنَا عَليّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد
عَن أَيُّوب قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: قَالَ لي عُبَيْدَة: بعث
إِلَى على وَإِلَى شُرَيْح فَقَالَ: إِنِّي أبْغض الِاخْتِلَاف
فاقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة، أَو أَمُوت كَمَا
مَاتَ أَصْحَابِي.

(11/102)


وَمِمَّنْ مذْهبه أَن الْخمس يقسم أَخْمَاسًا خمس لله وَرَسُوله يَضَعهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ
شَاءَ، وخمسه لِذَوي قرَابَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولليتامى خمسه،
وللمساكين خمسه، وَلابْن السَّبِيل خمسه مُجَاهِد، وَقَتَادَة
وَابْن جريج.
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: " قَالَ مَالك: الْفَيْء، وَالْخمس سَوَاء يجعلان فِي بَيت
المَال، قَالَ بَلغنِي عَمَّن أَثِق بِهِ أَن مَالِكًا قَالَ: وَيُعْطى الإِمَام
أقرباء رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مَا يرى ويجتهد " ، وَكَانَ سُفْيَان
الثَّوْريّ يَقُول: الْغَنِيمَة مَا أَخذ الْمُسلمُونَ قسوا فَصَارَت فِي
أَيْديهم من الْكفَّار، فالخمس من ذَلِك إِلَى الإِمَام يَضَعهُ حَيْثُ
أرَاهُ الله.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: سهم الرَّسُول، وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى سقطا بِمَوْت
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيجب رد سهامهما على الثَّلَاثَة، فقسم خمس الْغَنِيمَة بعد
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ثَلَاثَة أسْهم، سهم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم
لِابْنِ السَّبِيل.
قَالَ أَبُو بكر: أَعلَى مَا يحْتَج بِهِ أَصْحَاب الرَّأْي فِي دفعهم مَا قد ثَبت بِكِتَاب الله
وَسنة رَسُوله دَعْوَى ادعوها على أبي بكر وَعمر، وَعُثْمَان أَنهم قسموا
الْخمس على ثَلَاثَة أسْهم، وَهَذَا لَا يثبت عَنْهُم، وَغير جَائِز أَن يتَوَهَّم
على مثلهم أَنهم خالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله، وَقد بَلغنِي أَنهم احْتَجُّوا
فِي ذَلِك بِشَيْء رَوَاهُ:

(11/103)


6491 - مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أَبى صَالح عَن
ابْن عَبَّاس.
وَمُحَمّد بن مَرْوَان عِنْدهم ضَعِيف، والكلبي قَالَ يحيى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء،
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: قَالَ لي أَبُو صَالح: كل شَيْء حدثتك فَهُوَ كذب،
وَقَالَ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان: بِالْكُوفَةِ كَذَا بِأَن السدى، والكلبى،
وَلَا يجوز أَن يثبت على الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين بقول كَذَّاب أَو
كَذَّابين أَنهم خالفوا بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَو روى عَنْهُم
من يصدق فِي الحَدِيث مَا ذَكرُوهُ لم يجز ترك مَا ثَبت بِكِتَاب
الله وَسنة رَسُوله بقول أحد من الْخلق، فَكيف وَذَلِكَ بِحَمْد الله غير
ثَابت عَنْهُم، وَكلما روينَاهُ عَنْهُم فِي هَذَا الْبَاب بأخبار، مُنْقَطِعَة
غير ثَابِتَة، وَلَيْسَ تقوم الْحجَج بِشَيْء مِنْهَا، وَقد ذكرت تِلْكَ
الْأَخْبَار فِي الْكتاب الَّذِي اختصرت مِنْهُ هَذَا الْكتاب، وَقد ذكر الشَّافِعِي

(11/104)


كلَاما طَويلا جرى بَينه وَبَين بعض النَّاس فِي هَذَا الْبَاب، وَقد أثبت
ذَلِك الْكَلَام فِي الْكتاب الَّذِي اختصرت مِنْهُ هَذَا الْكتاب.
مَسْأَلَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا يعْطى الذّكر وَالْأُنْثَى من ذَوي الْقُرْبَى فَكَانَ الشَّافِعِي
يَقُول: يعْطى الرجل سَهْمَان وَالْمَرْأَة سهم.
وَخَالفهُ أَصْحَابه أَبُو ثَوْر، والمزني، وَغَيرهمَا فَقَالُوا: الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير
وَالْكَبِير فِيهِ سَوَاء، وَاحْتَجُّوا، أَو من احْتج مِنْهُم بِأَنَّهُ لَا يعلم خلافًا فِي
رجل لَو أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان، فهم يُحصونَ أَن الذّكر مِنْهُم
وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير فِيهِ سَوَاء، وَكَذَلِكَ كل شَيْء
صيّر لقوم فهم فِيهِ سَوَاء.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أَخَذُوهُ باسم الْقَرَابَة فَيَأْخُذ ابْن الابْن مَعَ الابْن، وَلَو كَانَ من جِهَة
الْمَوَارِيث يحجب بَعضهم بَعْضًا، فَدلَّ ذَلِك على أَن تَشْبِيه ذَلِك بالمواريث
غير جَائِز، وَقَالَ آخر: وَقد أَجمعُوا على أَن للْإِمَام أَن يُعْطي الْأُنْثَى من
الْمَسَاكِين مَا يُعْطي الذّكر، وَلَا فرق بَين ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يُسَوِّي
بَين الذّكر وَالْأُنْثَى، لأَنهم أعْطوا باسم المسكنة، فَذَلِك جَائِز أَن يسوى
بَين ذكران الْقَرَابَة وإناثهم، لأَنهم أعْطوا باسم الْقَرَابَة.
قَالَ أَبُو بكر: وَكَذَلِكَ نقُول.
وَاخْتلفُوا فِي إِعْطَاء الْغَنِيّ مِنْهُم فَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: لَا يفضل فَقير على
غَنِي لأَنهم أعْطوا باسم الْقَرَابَة، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر.

(11/105)


وروينا عَن مَكْحُول أَنه قَالَ: الْخمس بِمَنْزِلَة الْفَيْء، وَيُعْطى مِنْهُ الْغَنِيّ وَالْفَقِير ،
وَقَالَ بعض أَصْحَابه من أهل الْعرَاق: الْفَيْء لمن سمى الله فِي كِتَابه
لرَسُوله، وَلِذِي الْقُرْبَى، واليتامى والساكين، وَابْن السَّبِيل، وَلم يَجْعَل
فِي حظاً لَغَنِيّ لقَوْله: (كَي لَا يَكُون دوَلة بَينَ الأغنِيَاءِ مِنْكُم)
الْآيَة ، وَلقَوْله: (للِفُقَرَاءِ المُهَاجِرِين الّذِين أخرِجُوا مِن دِيَارِهِم
وأَمواِلهِم) إِلَى قَوْله (الصَّادِقُون) الْآيَة ، فَكَانَ بَنو هَاشم،
وَبَنُو الْمطلب قرَابَة رَسُول الله الَّذين نصروا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جعل لَهُم
هَذَا الْفَيْء الَّذِي خصهم بِهِ مطعماً، ومنعهم الصَّدَقَة الَّتِي هِيَ أوساخ
النَّاس فَجعل لَهُم الْفَيْء الَّذِي رضيه لنَبيه وأكرمه بِهِ ،
وَمنعه الصَّدَقَة الَّتِي هِيَ ذلة ومسكنة يضرع لَهَا السَّائِل ويعلو بهَا الْمُعْطى،
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِي: سهم ذِي الْقُرْبَى الْغَنِيّ مِنْهُم وَالْفَقِير، وَلم يزْعم
ذَلِك إِلَى الْأَصْنَاف الْبَاقِيَة من الْيَتَامَى وَابْن السَّبِيل، فَزعم أَبُو عبد الله أَن
الْقُرْآن على ظَاهره يحكم لقربى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغنيهم وفقيرهم بِخمْس
الْخمس وَقَالَ: وَلَهُم بِظَاهِر الْآيَة، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ لِلْيَتَامَى وَلَا لِابْنِ السَّبِيل
فِيهَا حق إِلَّا أَن يَكُونُوا فُقَرَاء مَسَاكِين، فنقض أَصله وَترك مذْهبه.
قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا غير لَازم للشَّافِعِيّ، لِأَن الشَّافِعِي حكم لذِي الْقُرْبَى لغنيهم
وفقيرهم بِظَاهِر الْآيَة، وَبِأَن الْعَبَّاس بن عبد الطّلب أعْطى مِنْهُ وَهُوَ
كثير المَال، وَمنع عُثْمَان وَجبير حَيْثُ طلبا أَن يعطيا من الْخمس،
لَيْسَ من جِهَة غناهما، إِذْ لَو كَانَ منعهما من جِهَة غناهما لأشبه أَن

(11/106)


يَقُول: لَا يحل لَكمَا ذَلِك لأنكما غنيان، إِذْ لاحظ فِيهَا لغنى، كَمَا
قَالَ للرجلين اللَّذين سألاه الصَّدَقَة، وَلَو اخْتلف أهل الْعلم فِي الْيَتِيم
الْغَنِيّ، وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ لأجاب فِيمَا يعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا
أجَاب بِهِ فِي سهم ذِي الْقُرْبَى، وَلَكِن الْإِجْمَاع لما منع من اعطاء
الْيَتِيم الْغَنِيّ، وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ منع أَن يعطيان لمنع الْإِجْمَاع مِنْهُ،
وَلم يمْنَع الْإِجْمَاع من اعطاء أَغْنِيَاء الْقَرَابَة، فَمَنعهُمْ لعِلَّة الْإِجْمَاع،
وَلكنه لما اخْتلف فِي الْغَنِيّ من الْقَرَابَة، رد أمره إِلَى ظَاهر الْكتاب،
وَمنع الْيَتِيم الْغَنِيّ وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ لِأَن الْإِجْمَاع منع أَن يعطيا إِذا
كَانَا غَنِيَّيْنِ .
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي جملَة الْخمس الَّذِي ذكره فِي سُورَة
الْأَنْفَال، فَكَانَ الشَّافِعِي لَا يرى أَن يصرف الْخمس عَن أَهله الَّذين
سَمَّاهُ الله لَهُم إِلَى غَيرهم، وَلَا يرى النَّفْل إِلَّا من خمس النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي كَانَ لَهُ فِي حَيَاته، وَلَا يجوز عِنْده أَن ينفل من أَرْبَعَة
أَخْمَاس الْخمس وَلَا من سَائِر الْغَنِيمَة إِلَّا السَّلب الَّذِي نفله
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِل.
وَاخْتلف فِيهِ عَن الأوزاعى فَحكى الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ، وَعَن سعيد بن عبد الْعَزِيز
وَغَيرهمَا أَنهم قَالُوا: أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم " ،
أَنه مَرْدُود على من يوجف عَلَيْهِ من الغازية من الْمُنْقَطع بهم، هم أَحَق من
أَهله الَّذِي سمى لَهُم من القاعدين.
وَزعم أَبُو عبيد أَن الْمَعْرُوف من رأى الْأَوْزَاعِيّ أَنه كَانَ لَا يرى النَّفْل
من الْخمس، وَيَقُول: الْخمس للأصناف الَّذِي سمى الله فِي

(11/107)


كِتَابه قَوْله: (واعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ) الْآيَة وَكَانَ أَبُو عبيد
يَقُول: " الأَصْل فِي الْخمس أَن يوضع فِي أَهله المسمين فِي التَّنْزِيل إِلَّا أَن
يكون صرفه عَن الْأَصْنَاف الْمُسَمَّاة فِي التَّنْزِيل إِلَى غَيرهم خير للْمُسلمين
عَامَّة من أَن يوضع فِي الْأَصْنَاف الْخَمْسَة فَيصْرف حِينَئِذٍ إِلَيْهِم على
مَا جَاءَت بِهِ الْأَخْبَار وَيكون حَظه إِلَى الإِمَام، لِأَنَّهُ النَّاظر فِي مصلحتهم
والقائم بأمرهم، فَأَما على مُحَابَاة أَو ميل إِلَى هوى فَلَا، وَإِذ كَانَت
الْأَصْنَاف المسمون إِلَيْهِم أحْوج فَلَيْسَ كَذَلِك.
جماع أَبْوَاب الأسلاب والأنفال الَّتِي تجب لأَهْلهَا

ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على أَن السَّلب يسْتَحقّهُ الْقَاتِل من جملَة
الْغَنِيمَة قبل أَن يُخَمّس المَال
قَالَ الله جلّ ذكره: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة ، فَكَانَ
الْجَواب على ظَاهر الْآيَة أَن اخراج خمس جَمِيع مَا يغنمه الْجَيْش يجب على
ظَاهر الْآيَة، فَلَمَّا لم يُخَمّس رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلب دلّ على أَن الله أَرَادَ
بقوله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة، بعض الْغَنِيمَة
لَا الْجَمِيع وَأَن الأسلاب خَارِجَة من جملها.

(11/108)


6492 - حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا
إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير
عَن عَوْف بن مَالك، وخَالِد بن الْوَلِيد أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب
للْقَاتِل وَلم يُخَمّس السَّلب.

6493 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد حَدثنَا سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد عَن
عمر بن كثير بن أَفْلح عَن أبي مُحَمَّد عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفلَهُ
سلْب رجل قَتله يَوْم حنين وَلم يُخَمّس.

ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي إِخْرَاج السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة فَقَالَت طَائِفَة: يخرج
السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة قبل أَن يُخَمّس، هَذَا قَول الشَّافِعِي،
وَأحمد بن حَنْبَل.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن الأسلاب إِذا كثرت تخمس، فعل ذَلِك
عمر بن الْخطاب.

6494 - حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد الله عَن سُفْيَان عَن هِشَام
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس أَن الْبَراء بن مَالك بارز مرزبان
الدارة فَقتله فَبلغ سلبه سواريه ومنطقته ثَلَاثِينَ ألفا، فَقَالَ

(11/109)


عمر بن الْخطاب: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الأسلاب وَلَكِن سلب مرزبان مَال،
فكثره وخمسه ،
وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول: ذَلِك إِلَى الْأَمَام أَن استكثره فَلهُ أَن يفعل مَا فعل
عمر بن الْخطاب.

6495 - وَحدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو النَّضر قَالَ: حَدثنَا الْأَشْجَعِيّ
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: السَّلب من النَّفْل وَالنَّفْل فِيهِ الْخمس.
وَكَانَ مَكْحُول يَقُول: " السَّلب مغنم وَفِيه الْخمس " ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: بلغنَا أَن
عمر بن الْخطاب أَمر بِخمْس السَّلب.
قَالَ أَبُو بكر: وبالقول الأول أَقُول للْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَفِي حَدِيث عمر حجَّة لمن قَالَ: أَن السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة، أَلا ترَاهُ
يَقُول: كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الأسلاب، وَقَالَ قَائِل: إِن عمر إِنَّمَا فعل
ذَلِك برضى الْبَراء، وَلَو كَانَ على مَا توهّم بعض النَّاس أَن عمر تَأَول
قَوْله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة ، لَكَانَ أَرْبَعَة
أَخْمَاس السَّلب للجيش غنيمَة بَينهم وَيَكون الْبَراء كأحدهم، وَلَكِن مَعْنَاهُ
مَا قُلْنَا، وَالله أعلم.
وَقَالَت طَائِفَة: فِي النَّفْل لايكون إِلَّا بعد الْخمس.

(11/110)


6496 - حَدثنَا عبد الله بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن عون وَغَيره
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك أَن أَمِيرا من الْأُمَرَاء
أَرَادَ أَن ينفلهُ من الْمغنم، قَالَ: أخمسه قَالَ: لَا فَأبى أَن يقبل
مِنْهُ حَتَّى خمسه.
وَقَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: لَا نفل حَتَّى يقسم الْخمس ، وَقد روينَا عَن
رَجَاء بن حَيْوَة، وَعبادَة بن نسيّ، وعدي بن عدي، وَمَكْحُول،
وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَيزِيد بن أبي مَالك، وَيحيى بن جَابر أَنهم
قَالُوا: الْخمس من جملَة الْغَنِيمَة، وَالنَّفْل من بعد الْخمس، ثمَّ الْغَنِيمَة بَين
أهل الْعَسْكَر بعد ذَلِك ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول فِي سَائل: ينفل الإِمَام
بعد الْخمس.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق: يخرج الْخمس ثمَّ ينفل فِيمَا بَقِي وَلَا يُجَاوز
هَذَا، يبْعَث الإهام سَرِيَّة فَيَقُول: مَا أصبْتُم فلكم الرّبع أَو الثُّلُث بعد
الْخمس، وَقَالَ أَحْمد: إِنَّمَا يكون النَّفْل فِي الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس وَلَا يكون
فِي الْخمس الَّذِي يعْزل ثمَّ قَالَ: هَذَا خلاف قَول مَالك، وَقَول سُفْيَان
هم يَقُولُونَ: النَّفْل من جَمِيع الْغَنِيمَة وَهَذَا يضر بِأَهْل الْخمس نفل
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُث بعد الْخمس، وَالرّبع بعد الْخمس، الحَدِيث الَّذِي
يرويهِ أهل الشَّام.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَالنَّاس الْيَوْم فِي الْمغنم على هَذَا أَنه لَا نفل من جملَة الْغَنِيمَة حَتَّى

(11/111)


يُخَمّس، وَإِنَّمَا جَازَ أَن يعْطى الأدلاء والرعاة من صلب الْغَنِيمَة قبل
الْخمس لحَاجَة أهل الْعَسْكَر إِلَى هذَيْن الصِّنْفَيْنِ فَصَارَ نفلهما عَاما عَلَيْهِم،
فَهُوَ من جَمِيع المَال، وَأما مَا سوى ذَلِك فَمَا نعلم أحدا نفل
من نفس الْغَنِيمَة قبل الْخمس إِلَّا مَا خص الله بِهِ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قد رُوِيَ
عَنهُ فِي ذَلِك شَيْء لَا يجوز لأحد بعده.

6497 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عبيد حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن مهْدي
عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه أَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطَاهُ سهم الْفَارِس والراجل وَهُوَ على رجلَيْهِ،
وَكَانَ استنقذ لقاح النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " خير فرساننا أَبُو قَتَادَة وَخير
رجالتنا سَلمَة ".
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن: قَالَ سُفْيَان: هَذَا خَاص لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

6498 - حَدثنِي على عَن أَبى عبيد قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن
حميد عَن أنس بن مَالك قَالَ: قسم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِم حنين
فَأعْطى الْأَقْرَع بن حَابِس مائَة من الْإِبِل، وَأعْطى عُيَيْنَة بن حصن
مائَة من الْإِبِل، فَبلغ ذَلِك الْأَنْصَار فَذكر عَنْهُم فِي ذَلِك
كلَاما فِيهِ طول.
وَقَالَ أَبُو عبيد: " لهَذَا الحَدِيث عِنْدِي وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون فعله ذَلِك لَهُ خَاصّا
من جَمِيع الْغَنِيمَة، أَو تكون تِلْكَ الْعَطِيَّة كَانَت من الْخمس، هَذَا أولى

(11/112)


الْأَمريْنِ بِهِ عِنْدِي " ، وَذكر حَدِيث أنس الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَن أَمِيرا من
الْأُمَرَاء أَرَادَ أَن ينفلهُ من الْمغنم.
وَقَالَت طَائِفَة: إِن شَاءَ الْأَمِير نفلهم قبل الْخمس وَإِن شَاءَ بعد الْخمس هَذَا
قَول النَّخعِيّ.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا تكون الْأَنْفَال إِلَّا فِي خمس الْخمس كَذَلِك قَالَ
سعيد بن الْمسيب ، قَالَ مَالك: وَذَلِكَ رَأْي أَن النَّفْل من الْخمس.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا تكون الْأَنْفَال إِلَّا فِي أول الْمغنم، روينَا هَذَا
القَوْل عَن رَجَاء بن حَيْوَة، و عبَادَة بن نسيّ، وعدي بن عدي الْكِنْدِيّ،
وَمَكْحُول، وَسليمَان بن مُوسَى، وَيزِيد بن يزِيد بن جَابر،
وَيحيى بن جَابر، وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَيزِيد بن أَبى مَالك،
والتوكل بن اللَّيْث، وَابْن عتيبة، والمحاربي أَنهم يَقُولُونَ: لَا نفل إِلَّا
فِي أول الْمغنم.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا نفل فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم، كَانَ الْأَوْزَاعِيّ
يَقُول: السّنة عندنَا أَن لَا نفل فِي ذهب، وَلَا فضَّة، وَلَا لُؤْلُؤ،
وَلَا فِي أول غنيمَة، وَلَا سلب فِي يَوْم هزيمَة وَلَا فتح، وَقَالَ

(11/113)


سُلَيْمَان بن مُوسَى: لَا نفل فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم ، وَقد روينَا
عَن مَالك بن عبد الله الجثعمي أَنه كره أَن ينفل فِي أول مغنم، وَقيل
لِأَحْمَد بن حَنْبَل: لَا نفل فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم؟ قَالَ: هَذَا لَا
أعرفهُ، النَّفْل يكون فِي كل شَيْء، قَالَ إِسْحَاق كَمَا قَالَ، وَسُئِلَ مَالك
عَن النَّفْل فِي أول الْمغنم قَالَ: ذَلِك على وَجه الِاجْتِهَاد من الإِمَام، لَيْسَ
فِي ذَلِك أَمر مَوْقُوف يَعْنِي عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِشَيْء ثَابت، وَسُئِلَ مَالك: هَل
ينفل بِأَكْثَرَ من الثُّلُث؟ قَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِك وَقت، إِنَّمَا ذَلِك على وَجه
الِاجْتِهَاد ، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَا نفل الإِمَام فَهُوَ جَائِز.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا نفل فِي الْعين الْمَعْلُوم الذَّهَب وَالْفِضَّة
كَذَلِك قَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَإِسْحَاق، وَسَعِيد بن عبد
الْعَزِيز، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، وروى ذَلِك عَن مَكْحُول،
ورجاء بن حَيْوَة، وعدي بن عدي وَعبادَة بن نسيّ، وَقَالَ عَطاء
الخراسانى: سَمِعت أهل الشَّام يَقُولُونَ: لَا نفل فِي ذهب وَلَا فضَّة.

6499 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا
أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ
عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر قتلت سعيد بن الْعَاصِ
وَأخذت سَيْفه، وَكَانَ يُسمى ذَا الكثيفة، فَجئْت بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقد قتل أخي عتبَة قبل ذَلِك، فَقَالَ لي رَسُول الله: " اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ
فِي الْقَبْض " قَالَ: فَرَجَعت وَبِي مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله من قتل أخي، وَأخذ
سَلِي، فَمَا جَاوَزت إِلَّا قَرِيبا حَتَّى نزلت سُورَة الْأَنْفَال، قَالَ: فدعاني

(11/114)


رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لي: " إذهب فَخذ سَيْفك ".
قَالَ أَبُو بكر: يُقَال: أَن مُحَمَّد بن عبيد الله لم يلق سَعْدا، والمرسل لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد احْتج بعض من أَبَاحَ النَّفْل لغير السَّرَايَا بِحَدِيث
عمر بن الْخطاب، قَالَ: إِنَّمَا يكون ذَلِك بعد الْخمس.

6500 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي
الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَت عَائِشَة: يَابْنَ أُخْتِي نفل
عمر بن الْخطاب أخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر ليلى وَكَانَت من سبى
دمشق، فرأيتها عِنْدِي مَا أعد لَهَا قيمَة من جمَالهَا وفضلها
وحسنها.
قَالَ أَبُو بكر: وَاحْتج هَذَا الْقَائِل فِي إِبَاحَة النَّفْل لغير السَّرَايَا بِخَبَر معن.

6501 - حَدثنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْجَوْهَرِي حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدثنَا
أَبُو عوَانَة عَن عَاصِم بن كُلَيْب قَالَ: حَدثنِي أَبُو الجورية قَالَ: أصبت
جرة حَمْرَاء فِي إِمَارَة مُعَاوِيَة فِي أَرض الْعَدو، وعلينا رجل من أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني سليم يُقَال لَهُ معن بن يزِيد فَأَتَيْته بهَا فَقَسمهَا بَين
النَّاس، فَأَعْطَانِي مثل مَا أعْطى رجلا مِنْهُم، ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأيته يفعل، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " لَا نفل إِلَّا
من بعد الْخمس "، إِذا لأعطينك ثمَّ أَخذ يعرض على من نصِيبه فَأتيت
فَقلت: مَا أَنا بِأَحَق بِهِ مِنْك.

(11/115)


ذكر طَالب السَّلب الْبَيِّنَة على أَنه الْقَاتِل الْمُسْتَحق للسلب
6502 - أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: سَمِعت مَالِكًا
يَقُول: حَدثنِي يحيى بن سعيد عَن عمر بن كثير بن أَفْلح عَن أبي
مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة عَن أَبى قَتَادَة.

6503 - وَأخْبرنَا الرّبيع قَالَ: أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن
يحيى بن سعيد عَن عمر بن كثير بن أَفْلح عَن أبي مُحَمَّد مولى أَبى قَتَادَة
عَن أَبى قَتَادَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام حنين فَلَمَّا
إلتقينا كَانَت للْمُسلمين جَوْلَة، فَرَأَيْت رجلا من الْمُشْركين
قد علا رجلا من السلمين، فاستدرته حَتَّى أَتَيْته من وَرَائه، فضربته على
حَبل عَاتِقه ضَرْبَة، وَأَقْبل عَليّ فضمني ضمة شممت مِنْهَا ريح الْمَوْت،
ثمَّ أدْركهُ الْمَوْت فأرسلني فلحقت عمر بن الْخطاب فَقلت لَهُ: مَا بَال
النَّاس؟ فَقَالَ: أَمر الله، ثمَّ إِن النَّاس رجعُوا فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" من
قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه "، فَقُمْت فَقلت من يشْهد لي؟
ثمَّ جَلَست، ثمَّ قَالَهَا الثَّانِيَة، فَقُمْت فَقلت من يشْهد لي؟ ثمَّ جَلَست،
ثمَّ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة "، فَقُمْت فَقَالَ
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَة "، فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ
رجل من الْقَوْم: صدق يَا رَسُول الله، وسلب ذَلِك الرجل الْقَتِيل عِنْدِي
، فارضه يَا رَسُول الله، فَقَالَ أَبُو بكر: لَا هاءَ الله، إِذا لَا يعمد

(11/116)


إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله فيعطيك سلبه، فَقَالَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق " قَالَ: فَأعْطَاهُ إِيَّاه، قَالَ أَبُو قَتَادَة: فأعطانيه، فَبِعْت
الدرْع فابتعت بِهِ مخرفاً فِي بني سَلمَة، فَإِنَّهُ لأوّل مَال تأثَّلْتُه فِي
الْإِسْلَام، قَالَ مَالك: المخرفة النخيل.
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي السَّلب يَدعِيهِ من يذكر أَنه قَاتل فَقَالَت طَائِفَة
من أَصْحَاب الحَدِيث: لَا يُعْطي إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ مُدع، واستدلت هَذِه
الطَّائِفَة بقول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة " قَالُوا: وَغير جَائِز
أَن يكون قَوْله: " لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة "، لَا فَائِدَة مِنْهُ وَلَا يُعْطي
السَّلب إِلَّا من أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا على دَعْوَاهُ وَيحلف مَعَ شَاهده على
مَذْهَبنَا فِي الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد فِي الْأَمْوَال، وَقَالَ اللَّيْث: لَهُ سلبه
إِذا علم ذَلِك وَلَيْسَ لَهُ من مَاله شَيْء سوى السَّلب الَّذِي عَلَيْهِ.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن يعطاه إِذا قَالَ: أَنه قَتله وَلَا يسئل عَن ذَلِك بَيِّنَة، هَذَا قَول
الْأَوْزَاعِيّ، الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ.

ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الْقَاتِل يسْتَحق بالسلب قَتله مبارزاً
أَو غير مبارزاً

6504 - حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنَا أَسد بن مُوسَى قَالَ: حَدثنَا

(11/117)


حَمَّاد بن سَلمَة عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس بن مَالك
أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " من قتل كَافِرًا فَلهُ سلبه، وَقتل أَبُو طَلْحَة يومئذٍ
عشْرين رجلا وَأخذ أسلابهم "

6505 - وَحدثنَا عَليّ عَن أَبى عبيد قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن أبي مَالك
الْأَشْجَعِيّ عَن نعيم بن أبي هِنْد عَن ابْن سَمُرَة بن جُنْدُب عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل فَلهُ السَّلب ".

6506 - حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عمار قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد
قَالَ: حَدثنَا صَفْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن
عَوْف قَالَ:

6507 - وَحدثنَا الْوَلِيد قَالَ: حَدثنِي ثَوْر بن يزِيد عَن
خَالِد بن معدان عَن جُبَير بن نفير قَالَ: حَدثنِي عَوْف
قَالَ: قلت لخَالِد بن الْوَلِيد يَوْم مَوته: ألم تعلم أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل؟
قَالَ: بلَى.

(11/118)


ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي الحكم بالسلب للْقَاتِل فَقَالَت طَائِفَة بِظَاهِر الْأَخْبَار
الَّتِي ذَكرنَاهَا، قَالَت: وَفِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل كَافِرًا فَلهُ
سلبه "، قولا عَاما مُطلقًا أبين الْبَيَان على أَن ذَلِك لكل من قتل
كَافِرًا فِي الْحَرْب وَغير الْحَرْب فِي الإقبال والإدبار هَارِبا أَو نذيراً
لأَصْحَابه على الْوُجُوه كلهَا، وَلَيْسَ لأحد أَن يخص من سنَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئا بِرَأْيهِ وَلَا يَسْتَثْنِي من سنَنه إِلَّا بِسنة مثلهَا،
وَمن الْجِهَة الْبَيِّنَة مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ خبر سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَهُوَ
خبر لَيْسَ لمتأول مَعَه تَأْوِيل، وَذَلِكَ أَن سَلمَة قتل الْقَتِيل
و هُوَ مُوَلٍّ، هارب.

6508 - حَدثا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء
قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار قَالَ: حَدثنَا إِيَاس أَن أَبَاهُ أخبرهُ
قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوَازن، فجَاء رجل على بعير
أَحْمَر فَأطلق حقباً من حقب الْبَعِير فقيد بِهِ الْبَعِير، ثمَّ جَاءَ حَتَّى أكل
مَعَ الْقَوْم فَلَمَّا رأى ضعفهم و رِقّة ظهْرهمْ خرج إِلَى بعيره فَأَطْلقهُ
وَقعد عَلَيْهِ، وَهُوَ طَلِيعَة الْكفَّار فركضه هَارِبا، فَخرج رجل من
أسلم على نَاقَة فَأتبعهُ، وَخرجت أعدو فِي أَثَره، حَتَّى أخذت
بِخِطَام الْجمل فَقلت لَهُ: أَخ فَمَا عدا أَن وضع ركبته على الأَرْض
ضربت رَأسه، ثمَّ جِئْت براحلة أقودها عَلَيْهِ رَحْله
وسلبه، فاستقبلني النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاس يَقُولُونَ: من قَتله؟

(11/119)


قَالُوا: سَلمَة بن الْأَكْوَع، قَالَ: " بِهِ سلبه أجمع ".
قَالَ أَبُو بكر: فَهَذَا مقتول هارب غير مقبل وَقد حكم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسَلمَة
بالسلب، وَفِيه دَلِيل على إغفال من قَالَ: لَا يكون السَّلب إِلَّا لمن قتل
مُشْركًا مُقبلا، إِذْ سَلمَة قَاتل قتيلٍ مُدبرا، وَيدل على إغفال من
قَالَ: أَن الَّذِي لَا يشك فِي أَن لَهُ سلب الْمُشرك وَالْحَرب قَائِمَة، لِأَن
سَلمَة قد حكم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بالسلب وَصَاحبه مُدبر غير مقبل وَقَتله
وَالْحَرب لسيت بقائمة، لِأَن الْمَقْتُول إِنَّمَا قتل مُنْفَردا فِي غير حَال الْحَرْب،
ليعلم أَن من سنة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن من قتل قَتِيلا من الْعَدو على أَي جِهَة قَتله
بعد أَن لَا يكون للمقتول أَمَان أَن لَهُ سلبه، وَهَذَا قَول طَائِفَة من
أَصْحَاب الحَدِيث، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَاحْتج بِظَاهِر قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه " ، وبخبر سَلمَة هَذَا.
وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّمَا يكون السَّلب لمن قتل وَالْحَرب قَائِمَة والمشرك مقبل هَذَا قَول
الشَّافِعِي، قَالَ الشَّافِعِي: " وَالَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَن لَهُ سلب من قتل الَّذِي
يقتل الْمُشرك وَالْحَرب قَائِمَة وَالْمُشْرِكُونَ يُقَاتلُون، ولقتلهم هَكَذَا مُؤنَة
لَيست لَهُم إِذا انْهَزمُوا أَو انهزم الْمَقْتُول، وَلَا أرى أَن يعْطى السَّلب إِلَّا
من قتل مُشْركًا مُقبلا .
وَقَالَ أَحْمد فِي السَّلب للْقَاتِل: إِنَّمَا ذَلِك فِي المبارزة لَا يكون فِي الْهَزِيمَة.
قَالَ أَبُو بكر: السَّلب للْقَاتِل أذن الإِمَام فِي ذَلِك أَو لم يَأْذَن فِيهِ على
ظَاهر قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل كَافِرًا فَلهُ سلبه، وَذَلِكَ عَام لكل قَاتل

(11/120)


قتل كَافِرًا من أهل الْحَرْب الَّذين لَا أَمَان لَهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، كَسَائِر
السّنَن الَّتِي سنّهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنَّاس، وَقد روينَا ذَلِك عَن سعد بن مَالك،
وَابْن عمر.

6509 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان
عَن الْأسود بن قيس عَن شبر بن عَلْقَمَة أَنه بارز رجلا يَوْم الْقَادِسِيَّة
فَقتله فَأخذ سلبه، فقوّم اثنى عشر ألفا فَأتى بِهِ سعد بن مَالك
فَقَالَ: خُذْهُ نفله إِيَّاه.

6510 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا هشيم أخبرنَا
حجاج بن أَرْطَاة عَن نَافِع أَن ابْن عمر بارز رجلا يَوْم الْيَمَامَة فَقتله فَسلم
لَهُ سلبه.
وَمِمَّنْ قَالَ بِظَاهِر الحَدِيث أَن السَّلب للْقَاتِل اللَّيْث بن سعد، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ،
وَأحمد بن حَنْبَل، وَأَبُو ثَوْر، و أَبُو عبيد، قَالَ أَحْمد، و أَبُو عبيد: قَالَه
الإِمَام أَو لم يقلهُ، وَهَكَذَا قَول الشَّافِعِي.
وَفِيه قَول سواهُ: وَهُوَ أَن لَا يكون ذَلِك لأحد إِلَّا بِإِذن الإِمَام، سُئِلَ مَالك عَن
رجل قتل رجلا يكون لَهُ سلبه بِغَيْر إِذن الإِمَام؟ قَالَ: لَا يكون
ذَلِك لأحد دون الإِمَام وَلَا يكون من الإِمَام إِلَّا على وَجه
الِاجْتِهَاد وَلم يبلغنَا أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من قتل قَتِيلا فَلهُ
سلبه فِي غير يَوْم حنين ، وَلَو أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنّ ذَلِك فِي غير يَوْم
حنين أَو أَمر بِهِ كَانَ أمرا ثَابتا قَائِما لَيْسَ لأحد فِيهِ قَول، وَلَكِن لم يبلغنَا

(11/121)


النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد يَوْم حنين عمل بِهِ، فَكَانَ أَبُو بكر بعد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ
عمر فَلم يبلغنَا أَنه صنع ذَلِك.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد عَارض الشَّافِعِي مَالِكًا فَقَالَ: أَرَأَيْت مَا روى عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من أَنه أعْطى من حضر أَرْبَعَة أَخْمَاس الْقِسْمَة، لَو قَالَ قَائِل هَذَا من
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الِاجْتِهَاد، هَل كَانَت الْحجَّة عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُقَال: أَن إِعْطَاء
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْعَام وَالْحكم حَتَّى تَأتي دلَالَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَن قَوْله خَاص
فنتبع، فَأَما أَن يتحكم متحكم فيدعي أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحدهمَا حكم
وَالْآخر اجْتِهَاد بِلَا دلَالَة، فَإِن جَازَ هَذَا خرجت السّنَن من أَيدي النَّاس،
قَالَ: وَلَو لم يقلهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْم حنين، أَو فِي آخر غزَاة غَزَاهَا،
أَو أَولا، لَكَانَ أولى مَا أَخذ بِهِ.
وَحكى الشَّافِعِي عَن النُّعْمَان أَنه " قَالَ فِي الرجل يقتل الرجل وَيَأْخُذ سلبه: لَا يَنْبَغِي
للْإِمَام أَن ينفلهُ إِيَّاه لِأَنَّهُ صَار فِي الْغَنِيمَة، وَقَالَ يَعْقُوب: حَدثنَا
النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ: إِذا نفل الإِمَام أَصْحَابه
فَقَالَ: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن أسر أَسِيرًا فَلهُ سلبه
فَهُوَ مُسْتَقِيم جَائِز وَهَذَا النَّفْل، وَأما إِذا لم ينفل الإِمَام شَيْئا من هَذَا
فَلَا نفل لأحدٍ دون أحد وَالْغنيمَة كلهَا من جَمِيع الْجند على مَا
وَقعت عَلَيْهِ المقاسم، وَهَذَا أوضح وَأبين من أَن يشك فِيهِ أحد
من أهل الْعلم ".
قَالَ أَبُو بكر: هَذَا أوضح فِي بَاب الْخَطَأ وَأبين من أَن يشك فِيهِ أحد لَهُ معرفَة
بأخبار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد ذكرنَا الْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب فِيمَا مضى،
وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الله على الْأَوَّلين والآخرين من خلقه.

(11/122)


وَكَانَ مَكْحُول يَقُول: إِذا التقى الزحفان فَلَا نفل إِنَّمَا النَّفْل قبل وَبعد، وَكَانَ نَافِع
مولى ابْن عمر يَقُول: إِذا قتل رجل من الْمُسلمين رجلا من الْكفَّار فَإِن
لَهُ سلبه إِلَّا أَن يكون فِي معمعة الْقِتَال أَو فِي زحف، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي
أحد قتل أحدا ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز،
وَأَبُو بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم: السَّلب للْقَاتِل مَا لم تشتد
الصُّفُوف بَعْضهَا على بعض، فَإِذا كَانَ ذَلِك فَلَا سلب لأحد،
وَذكر الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز،
وَأبي بكر بن عبد الله عَن مشيختهم أَنه لَا سلب فِي يَوْم هزيمَة الْعَدو،
وَإِذا طَلَبهمْ الْمُسلمُونَ، وَلَا سلب عِنْد ذَلِك.

ذكر النَّفر يضْربُونَ الرجل ضربات مختلفات
وَاخْتلفُوا فِي النَّفر يضْربُونَ الرجل ضربات مختلفات فَقَالَت
طَائِفَة: " إِذا ضرب أحدهم ضَرْبَة لَا يعاش من مثلهَا، أَو ضَرْبَة يكون
مُسْتَهْلكا من مثلهَا وَذَلِكَ مثل أَن يقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ، ثمَّ يقْتله آخر،
أَن السَّلب لقاطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ، لِأَنَّهُ صيّره فِي حَال لَا يمْنَع فِيهَا سلبه
وَلَا يمْتَنع من أَن يدفنه عَلَيْهِ، وَإِن ضربه وبقى مِنْهُ مَا يمْتَنع بِنَفسِهِ ثمَّ قَتله
بعده آخر، فالسلب للْآخر، إِنَّمَا يكون السَّلب للَّذي صيّره بِحَال لَا يمْتَنع
فِيهَا "، هَذَا قَول الشَّافِعِي.

(11/123)


وَكَانَ مَكْحُولٌ، وَحَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ يَقُولَانِ: إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَجَارَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ، وَاحْتَجَّ حَرِيزٌ بِقِصَّةِ أَبِي جَهْلٍ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ قَضَى، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي مُبَارِزٍ عَانَقَ رَجُلًا، وَحَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ قَالَ: سَلَبُهُ لِلْمُعَانِقِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: سَلَبُهُ لِلْقَبَائِلِ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ فِي كِتَابِ جِرَاحِ الْعَمْدِ فِي الْقَاتِلِ، وَالْحَابِسِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ بَارَزَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَاسْتَأْمَرَ الْعِلْجَ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَلَبِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ نَفَّلَهُ شَيْئًا مِنَ الْخُمُسِ

(11/124)


§ذِكْرُ خَبَرٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَانِ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ الرَّجُلِ أَنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يَجْعَلُ السَّلَبَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ

(11/124)


6511 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ، فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ، غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمَّاهُ ؟ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَعَجِبْتُ بِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي -[125]- مِثْلَهَا قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفِهِمَا، فَضَرَبَاهُ، حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: " §أَيُّكُمَا قَتَلَهُ " ؟، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: " هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَكُمَا " ؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ "، فَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْروَ بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ السَّلَبِ إِذَا انْفَرَدَ الْقَاتِلُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، فَالْخِيَارُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ يَجْعَلُ السَّلَبَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَقَائِلُ هَذَا قَائِلٌ بِالْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا فِي مَوْضِعِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ قَائِلٌ إِنْ صَحَّ خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا، فَإِنَّ فِي قَلْبِي مِنْ صِحَّتِهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ، فَالنَّظَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَا قَاتِلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ -[126]- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ الْأَنْصَارِيَّانِ، وَأَزْمَنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ السَّلَبَ لِلَّذِي أَزْمَنَهُ دُونَ الْقَاتِلِ بَعْدُ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَجَارَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَزْمَنَهُ الْأَنْصَارِيَّانِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا

(11/124)


§ذِكْرُ خَبَرٍ رُوِيَ لَا أَحْسَبُهُ يُثْبَتُ أَنَّ سَلَبَ الْأَسِيرِ يَجِبُ لِمَنْ أَسَرَهُ

(11/126)


6512 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ إِلَّا مَكْحُولًا، فَإِنَّا رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا سَلَبَ إِلَّا لِمَنْ قَتَلَ عِلْجًا، أَوْ أَسَرَهُ

(11/126)


§ذِكْرُ السَّلَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ

(11/126)


6513 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ -[127]- هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، بَارَزَ مَرْزَبَانَ الزَّأْرَةِ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ سِوَارَاهُ ، وَمَنْلِقَتُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ، وَلَكِنْ سَلَبُ مَرْزَبَانَ مَالٌ، فَكَثَّرَهُ فَخَمَّسَهُ

(11/126)


6514 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: كُنَّا بِالْقَادِسِيَّةِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ السِّلَاحِ وَالْهَيْئَةِ، فَقَالَ: مُرْدٌ، وَمُرْدٌ، يَقُولُ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ، فَعَزَمْتُ عَلَى أَصْحَابِي أَنْ يُبَارِزُوهُ، فَأَبَوْا ، وَكُنْتُ رَجُلًا قَصِيرًا قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَصَاحَ صَوْتًا، وَكَبَّرْتُ، وَهَدَرَ، وَكَبَّرْتُ قَالَ: فَاحْتَمَلَ بِي، فَضَرَبَ بِي قَالَ: وَيَمِيلُ فَرَسُهُ فَأَخَذْتُ خِنْجَرَهُ، فَوَثَبْتُ عَلَى صَدْرِهِ فَذَبَحْتُهُ قَالَ: وَأَخَذْتُ مِنْطَقَةً لَهُ وَسَيْفًا وَرَايَتَيْنِ، وَدِرْعًا ، وَسِوَارَيْنِ ، فَقُوِّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا قَالَ: فَأَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: فَرُحْ إِلَيَّ وَرُحْ بِالسَّلَبِ قَالَ: فَرُحْتُ إِلَيْهِ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: §هَذَا سَلَبُ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، خُذْهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ، فَنَفَّلَنِيهِ كُلَّهُ

(11/127)


6515 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَهُوَ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَهُوَ يَقُولُ: §يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُونُوا أَسَدًا أَسَدًا أَغْنَا شَاتَهُ، إِنَّمَا الْفَارِسِيُّ تَيْسٌ إِذَا أَلْقَى نَيْزَكَهُ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ بَوَّأَ لَهُ أُسْوَارٌ مِنْ أَسَاوِرَةِ فَارِسَ بِنُشَّابِهِ ، -[128]- فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا ثَوْرٍ إِنَّ هَذَا الْأُسْوَارَ قَدْ بَوَّأَ بِكَ بِنُشَّابِهِ، فَأَرْسَلَ الْآخَرُ بِنُشَّابَتِهِ ، فَأَتَتْ سِيَّةَ قَوْسِ عَمْرٍو، فَطَعَنَهُ، فَدَقَّ صُلْبَهُ ، فَصَرَعَهُ ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَقَطَعَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ سِوَارَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ، وَتُلْمُقًا مِنْ دِيبَاجٍ ، وَمِنْطَقَةً، فَسَلَبَ ذَلِكَ لَهُ

(11/127)


6516 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بن أَنَسِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: §الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ ، وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ: لِلْمُبَارِزِ الْمُقَاتِلِ سَلَبُ الْمَقْتُولِ: فَرَسُهُ بِسَرْجِهِ وَلِجَامِهِ، وَسَيْفُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَدِرْعُهُ، وَبَيْضَتُهُ، وَسَاعِدَاهُ، وَسَاقَاهُ، وَرَانَاهُ بِمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ جَوْهَرٍ، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ طَوْقِهِ، وَسَوَارِيهِ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ، بِمَا فِيهَا مِنْ جَوْهَرٍ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَهُ فَرَسُهُ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ، وَسِلَاحُهُ، وَسَرْجُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَقِرْطَاهُ، وَخَاتَمُهُ، وَمَا كَانَ فِي سَرْجِهِ وَسِلَاحِهِ مِنْ حِلْيَةٍ قَالَ: وَلَا يَكُونُ لَهُ الْهِمْيَانُ فَيهِ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ قَاتَلَهُ عَلَى فَرَسِهِ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ، فَقَاتَلَهُ، وَمَقُودُ فَرَسِهِ فِي يَدِهِ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَرَعَهُ هُوَ عَنْ فَرَسِهِ بِطَعْنَةٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ فَيَكُونَ لَهُ إِذَا أَشْعَرَهُ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَصُرِعَ، أَوْ نَزَلَ هُوَ عَنْ دَابَّتِهِ بَعْدَمَا أَشْعَرَهُ فَقَاتَلَهُ، فَقَتَلَهُ، كَانَتْ دَابَّتُهُ لَهُ مَعَ سَلَبِهِ، وَقَالَ: لَهُ تَاجٌ إِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: مَا كَانَ مَعَ الْعِلْجِ مِنْ دَنَانِيرَ، أَوْ ذَهَبٍ لَيْسَ مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ لِحَرْبِهِ، وَفِي مِنْطَقَتِهِ نَفَقَةٌ، أَوْ كُمِّهِ، أَوْ نُكْتَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ مَغْنَمٌ بَيْنَ الْجَيْشِ . -[129]- وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ، وَكُلُّ سَلَاحٍ عَلَيْهِ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَفَرَسُهُ، إِنْ كَانَ رَاكِبَهُ، أَوْ مُمْسِكَهُ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَلِتًا مِنْهُ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا سَلَبُهُ مَا أَخَذَ مِنْ يَدَيْهِ، أَوْ مَا عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ تَحْتَ بَدَنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي سَلَبِهِ أَسْوَارُ ذَهَبٍ، أَوْ خَاتَمٌ، أَوْ تَاجٌ، أَوْ مِنْطَقَةٌ فِيهَا نَفَقَةٌ، فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ سَلَبِهِ كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ سِلَاحٌ كَانَ وَجْهًا، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَلَا يُخَمِّسُ السَّلَبِ . وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، هُوَ مِنَ السَّلَبِ، وَقَالَ: الْفَرَسُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ، وَسُئِلَ عَنِ السَّيْفِ مِنَ السَّلَبِ ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: أَيَسْلُبُوا قَتْلَاهُمْ، حَتَّى يُتْرَكُوا عُرَاةً ؟ فَقَالَ: أَنْقَذَ اللهُ عَوْرَتَهُمْ، وَلَوْ تُرِكَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ كَانَ أَحْسَنَ، وَكَرِهَ الثَّوْرِيُّ أَنْ يُتْرَكُوا عُرَاةً . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الَّذِي قَالَهُ الثَّوْرِيُّ أَحْسَنُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَاتِلِ يَكْتُمُ السَّلَبَ خَوْفًا أَنْ لَا يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، كَمَا يَأْخُذُ سَائِرَ حُقُوقِهِ الَّذِي لَهُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهِ أَقُولُ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَجِيرِ الَّذِي اسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ: إِنْ بَارَزَ فَقَتَلَ صَاحِبَهُ فَلَهُ -[130]- سَلَبُهُ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ قَبْلَ الْفَتْحِ، إِنَّ لَهُ السَّلَبَ مَا كَانَ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَلَا شَيْءَ لَهُ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْجِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَيَسْتَأْخِرُ لَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَهُ سَلَبُهُ إِذَا كَانَ قَدْ بَارَزَهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لَهُ سَلَبُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَّدَ إِلَيْهِ بِسِلَاحٍ وَإِنْ أَسَرَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَبُهُ، قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: سَلَبُهُ لِلَّذِي اعْتَنَقَهُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا عِلْجًا، ثَمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قَالَ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا عِلْجًا، ثُمَّ أَتَى بِهِ إِلَى الْإِمَامِ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ، قِيلَ لَهُ: فَرَجُلٌ حَمَلَ عَلَى فَارِسٍ فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ امْرَأَةٌ قَالَ: إِنْ كَانَتْ حَدَّدَتْ لَهُ بِسِلَاحٍ فَإِنَّ لَهُ سَلَبَهَا، وَالْغُلَامُ كَذَلِكَ إِذَا قَاتَلَ فَقُتِلَ كَانَ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ . قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا يُبَارِزُ الْعَبْدُ إِلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَإِنْ بَارَزَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَقَتَلَ صَاحِبَهُ لَمْ يُنَفَّلْ سَلَبَهُ، وَيُرْضَخُ لَهُ مِنْهُ

(11/128)


§ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْفَالِ مُخْتَصَرَةً تَدُلُّ عَلَى مَعَانِيهَا الْأَخْبَارُ الَّتِي أَنَا ذَاكِرُهَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

(11/130)


6517 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا قِبَلَ نَجْدٍ كُنْتُ فِيهِمْ، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ، اثْنَيْ عَشَرَ -[131]- بَعِيرًا، §وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا

(11/130)


6518 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ مَكْحُولًا، حَدَّثَهُ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يُنَفِّلُ بِالثُّلُثِ

(11/131)


§ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُفَسِّرَةِ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ الَّذِي أُجْمِلَ ذِكْرُهُ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، إِنَّمَا هُوَ نَقَلُ السَّرَايَا

(11/131)


6519 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَرِجَالٌ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، §فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً، فَكَانَ سُمْهَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا

(11/131)


6520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَا -[132]- نَعَمًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَنَا بَعِيرًا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهْمَانَنَا ، §فَأَصَابَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، سِوَى الْبَعِيرِ الَّذِي نَفَّلَ ، فَمَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعْنَا، وَلَا عَلَى الَّذِي أَعْطَانَا

(11/131)


§ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي نَفَلِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ الَّتِي بَعَثَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ نُفِّلُوا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أُعْطُوا مَا لَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا عَلَى أَنَّهُمْ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا، وَالنَّفَلُ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ، كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللهُ كَمَا يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ، وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَّلَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُنَفِّلْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: وَهَذَا النَّفَلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ السِّهَامِ، لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخُمُسِ، ثُمَّ جَاءَ مُفَسَّرًا مُسَمًّى بَيِّنًا، وَذَكَرَ حَدِيثَ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " لَا نَفَلَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ " . وَذَكَرَ أَخْبَارًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُمُسِ، وَاسْتَجَازُوا صَرْفَهُ عَنِ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّاةِ فِي التَّنْزِيلِ إِلَى غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانَ

(11/132)


هَذَا خَيْرًا لِلْإِسْلَامِ، وَأَهْلِهِ وَأَرَدَّ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ عَامَّتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَفْقَرُ، وَلَهُمْ أَصْلَحُ مِنْ أَنْ يُفَرَّقَ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الرُّخْصَةُ فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ وَقَالَ: أَمَّا مُعْظَمُ الْآثَارِ وَالسُّنَنِ فَعَلَى أَنَّ الْخُمُسَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْإِمَامِ يُنَفِّلُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ، وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِجَاجَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ "، وَقَالَ: لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَقَوْلُهُ: " وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " يُرِيدُ فَخُمُسُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ، فَكَانَ يُنَفِّلُ مِنْهُ، وَيَحْمِلُ مِنْهُ الرَّجُلُ، ثُمَّ الرَّجُلُ، يَعْنِي الْمُنْقَطِعَ بِهِ قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: إِنَّ هَذَا النَّفَلُ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سِوَى هَذَا، أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّفَلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرَايَا فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّفَلُ كَانَ مِنْ جُلَّةِ الْقِسْمَةِ قَالَ: فَهَذَا يَعْنِي حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمِيرَهُمْ قَدْ كَانَ نَفَّلَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ

(11/133)


قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ غَنِيمَتَهُمْ، بَعْدَ أَنْ خَمَّسَهَا، وَأَمْضَى لَهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ أَمِيرُهُمْ قَالَ: غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ بِهِ مَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا، فَلَمْ يَجِيئُوا بِهِ كَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الرَّسُولِ وَهُوَ خَمْسُ الْخُمُسِ، وَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا كَانُوا يُنَفَّلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَفَّلَ السَّرَايَا الرُّبُعَ، إِذِ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَدْ نَفَّلَ السَّلَبَ الْقَاتِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: كَانُوا لَا يُنَفِّلُونَ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ لَا يَحْضُرُونَ الْقِتَالَ، إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ فَيَكُونَ لَهُ وَجْهًا إِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ . قَالَ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّفَلِ الَّذِي فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّمَا هُوَ نَفَلُ السَّرَايَا، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُهُمْ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ، أَيْ مِنَ الثُّلُثِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةَ، أَوِ الرُّبُعِ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْقُفُولِ، وَاحْتَجَّ بِشَيْءٍ رَوَاهُ

(11/134)


6521 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةَ النَّفَلِ سِوَى قَسْمِ الْعَامَّةِ مِنَ الْجَيْشِ، وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ قَالَ: فَخُبِّرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرَايَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِي يُشْرِكْهُمُ الْجَيْشُ فِي بَعْضِ الْغَنِيمَةِ لَا السَّرِيَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْمُدُنِ وَيُقِيمُ الْإِمَامُ مَعَ الْجَيْشِ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْإِمَامِ مَعَ الْجَيْشِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ

(11/134)


§ذِكْرُ قَدْرِ النَّفَلِ لِلسَّرَايَا الَّذِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدْأَةِ وَالْقُفُولِ، وَتَفْضِيلِ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ

(11/135)


6522 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ §يُنَفِّلُ مَبْدَأَهُ الرُّبُعَ، وَإِذَا قَفَلَ الثُّلُثَ

(11/135)


§ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُهُمْ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ

(11/135)


6523 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ التَّيْمِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَفَّلَ الرُّبُعَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْقَوْمُ فِي الْبَدْأَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ

(11/135)


6524 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ -[136]- حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَفَّلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَرَّقَ الْبَدْأَةَ وَالْقُفُولَ، حَيْثُ فَضَّلَ إِحْدَى السَّرِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِقُوَّةِ الظَّهْرِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ، وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ أَنْشَطُ، وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَأَنَّهُمْ وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ لِضَعْفِ دَوَابِّهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ فَهُمْ أَشْهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، وَأَهَالِيهِمْ لِطُولِ عَهْدِهِمْ بِأَهَالِيهِمْ، وَأَوْطَانِهِمْ، وَحُبِّهِمْ لِلرُّجُوعِ إِلَيْهَا، فَيُقَالُ: إِنَّهُ زَادَهُمْ فَجَعَلَ لَهُمُ الثُّلُثَ فِي الْقُفُولِ لِهَذِهِ الْعِلَلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

(11/135)


§ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمَامِ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَإِذَا قَفَلَ الثُّلُثَ، فَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ الثُّلُثَ، أَوِ الرُّبُعَ يَضْرِبُهُمْ، أَوْ يُحَرِّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُنَفِّلُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَإِنْ نَفَّلَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الرُّبُعِ فِي الْبَدْأَةِ، وَالثُّلُثِ فِي الرَّجْعَةِ فَعَمِلُوا عَلَيْهِ قَالَ: فَلْيَفِ لَهُمْ بِهِ، وَلْيَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنَ الْخُمُسِ

(11/136)


وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ فِي النَّفَلِ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثَ فِي وَاحِدَةٍ، وَالرُّبُعَ فِي الْأُخْرَى، وَرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلنَّفَلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ، وَأَكْثَرُ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنْفَالٌ، فَإِذَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَقَدْ نَفَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي الْبَدْأَةِ، وَالرُّجُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، بَعِيرًا، وَإِنَّمَا النَّفَلُ قَبْلَ الْخُمُسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهِيَةَ مَالِكٍ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ قَاتَلَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَكَذَا، أَوْ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ، فَلَهُ كَذَا، أَوْ بَعْضَ سَرِيَّةٍ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَقَالَ: مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَلَكُمْ نِصْفَهُ، كَرِهَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ لَهُ وَيَسْفِكَ دَمَ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَمِيرٍ أَغَارَ فَقَالَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ مَالٌ هُوَ كَمَا قَالَ: وَقَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا يُغْرِيهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا نَفَّلَ الْإِمَامُ فَهُوَ جَائِزٌ

(11/137)


6525 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ، كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَدِيجٍ فِي غَزْوَةٍ -[138]- بِالْمَغْرِبِ، §فَنَفَّلَ النَّاسَ، وَمَعَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُ حُبَابِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ

(11/137)


6526 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ، قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ، §وَلَكَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال: 41] الْآيَةَ، فَلَوْلَا الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَاتِلَ السَّلَبَ، وَقَالَ: " مَنْ قَاتَلَ كَافِرًا، فَلَهُ سَلَبُهُ "، مَا جَازَ أَنْ يُعْطَى الْقَاتِلُ السَّلَبَ، فَالسَّلَبُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ الْآيَةِ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ مِنْ حَقِّهِ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْخُمُسِ، وَالطَّعَامُ مُبَاحٌ أَكْلُهُ مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَالْعَلَفُ فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْإِمَامُ مَا لَا غِنًى بِالْجَيْشِ عَنْهُ لِحِمْلَانِ النَّبِيِّ، وَالْغَنَائِمِ وَأُجْرَةِ الرُّعَاةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُلٌّ مُسْتَثْنًى بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَبْوَابِ فِيمَا مَضَى ذِكْرُهُ مِنَ الْحُجَجِ، ثُمَّ لِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّلَ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا . وَلَوْلَا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى إِبَاحَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، لَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُبِيحَ مَا أَبَاحَتِ الْأَخْبَارُ، وَيَقِفُ عَنْ إِجَازَةِ مَا لَا تَدُلُّ الْأَخْبَارُ عَلَى إِجَازَتِهِ، لِأَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ -[139]- رَدُّهُ إِلَى قَوْلِهِ: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال: 41] الْآيَةَ . وَلَوْ أَعْطَى إِمَامٌ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةَ أَحَدًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا، وَلَمْ يَطَبْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ أُعْطِيَهُ، بَلْ عَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ، إِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَهْلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ قِيمَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّنْ لَا يُوصَلُ إِلَى أَخْذِ الشَّيْءِ مِنْهُ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ غُرْمُهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدُّوا الْخِيَاطَ، وَالْمَخِيطَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

(11/138)


§ذِكْرُ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمِ هَوَزَانَ

(11/139)


6527 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُيَيْنَةَ، وَالْأَقْرَعَ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فِي آخَرِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: سُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَهُمْ يَذْهَبُونَ بِالْمَغْنَمِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ لَهُ، حَتَّى فَاضَتْ قَالَ: " أَفِيكُمْ غَيْرُكُمْ ؟ " قَالُوا: لَا، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا قَالَ: " فَإِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ "، ثُمَّ قَالَ: " قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا "، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: " §أَنْتُمُ الشِّعَارُ ، وَالنَّاسُ الدِّثَارُ ، أَمَا تَرْضَوْنَ يَذْهَبُ النَّاسُ بِالشَّاءِ ، وَالْبَعِيرِ ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دِيَارَكُمْ ؟ " قَالُوا: بَلَى -[140]- قَالَ: " الْأَنْصَارُ كَرِشِي ، وَعَيْبَتِي ، لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا ، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَهُمْ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ

(11/139)


6528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عَدْلٌ فِيهَا، وَلَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الرَّجُلُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَانَ كَالصُّوفِ، ثُمَّ قَالَ: " §فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ "، ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ "، فَقُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذَا حَدِيثًا أَبَدًا

(11/140)


6529 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَاسًا، مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَزَانَ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَتَرَكْنَا -[141]- وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ آدَمَ، لَمْ يَدَعْ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ "، قَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا قَالَ: " إِنَّمَا أُعْطِي رِجَالًا حُدَثَاءَ عَهْدٍ أُبَالِغُهُمْ "، أَوْ قَالَ: " أَسْتَأْلِفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ ، فَوَاللهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ "، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوَا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ "، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا

(11/140)


§ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُفَسِّرَةِ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَى تِلْكَ الْعَطَايَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، لَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ

(11/141)


6530 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي -[142]- عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ، وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْمَقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ وَاللهِ رَسُولُ اللهِ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَّمْتَ فِي قَوْمِكَ، فَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ: " فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي قَالَ: " فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ " قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ، فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَوَجْدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، §أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا ، فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ " ؟ قَالُوا: بَلَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ: " أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ " قَالُوا: وَمَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ ؟ قَالَ: " أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، وَلَصَدَقْتُمْ، وَلَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، -[143]- وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، أَنْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا ، وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ " قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّقُوا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ

6531 - أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا فَرَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَى النَّاسَ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْ تِلْكَ الْخَوَّاصِ شَيْئًا، فَتَكَلَّمَتِ الْأَنْصَارُ، وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ قَالَ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ: " لَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ "

(11/141)


6532 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَهُ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَوَقَفَ، فَقَالَ: " §رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتَخْشَوْنَ عَليَّ الْبُخْلَ، -[144]- فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا " وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: " مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا حِينَ اسْتَوْهَبَهُ رَجُلٌ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: " أَمَّا نَصِيبِي، وَنُصِيبُ بَنِي هَاشِمٍ فَلَكَ "، فَفِي هَذَا بَيَانٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعَطَايَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، وَدَلَّ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ

(11/143)


6533 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَزَانَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ ، وَقَدْ نَزَلَ بِنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: " اخْتَارُوا مِنْ نِسَائِكُمْ، وَأَبْنَائِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ "، فَقَالُوا: خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا ، وَأَمْوَالِنَا، بَلْ نَخْتَارُ نِسَاءَنَا، وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ "، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ، فَلَا فَقَالَ -[145]- الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: كَذَبْتَ بَلْ هُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ رُدُّوا عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَإِنَّ لَهُ بِهِ عَلَيْنَا بِسِتَّةِ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُفِيئُهُ اللهُ عَلَيْنَا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَاهَا الْقَوْمَ مِنْ حِصَّتِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَطَابَ أَنْفَسَ الْقَوْمِ فِيمَا صَارَ لَهُمْ مِنَ السَّبْيِ، وَعَوَّضَ مَنْ تَمَسَّكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَ مِمَّا هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ أَصْحَابِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّبْيِ

(11/144)