الدراري المضية شرح الدرر البهية

المجلد الأول
كتاب الطهارة
باب في أحكام المياه
اقسام المياه
...
باب في أحكام المياه
والماء طاهر مطهر لا يخرجه عن الوصفين إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات وعن الثاني ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المغيرات الطاهرة ولا فرق بين قليل وكثير وما فوق القلتين وما دونهما ومتحرك ساكن ومستعمل وغير مستعمل.
هذا الباب قد اشتمل على مسائل.
الأولى: كون الماء طاهرا مطهرا ولا خلاف في ذلك وقد نطق بذلك الكتاب والسنة وكما دل الدليل على كونه طاهرا مطهرا وقام على ذلك الإجماع كذلك يدل على ذلك الأصل والظاهر والبراءة فإن أصل عنصر الماء طاهر مطهر بلا نزاع وكذلك الظهور يفيد ذلك والبراءة الأصلية عن مخالطة النجاسة له مستصحبة.
قوله: لا يخرجه عن الوصفين. أي عن وصف كونه طاهرا وعن وصف كونه مطهرا.
قوله: إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه1 من النجاسات. هذه المسألة الثانية من مسائل الباب وهي أنه لا يخرج الماء عن الوصفين إلا ما غير أحد أوصافه الثلاثة من النجاسات لا من غيرها وهذا المذهب هو أرجح المذاهب وأقواها
ـــــــ
1صورة إدراك تغير الطعم أن يذاق الماء فيوجد متغيرا فيبحث عن سبب تغيره فيعلم أنه من نجس خالطه. لا أنه يطلب ذوق الماء المعروف مخالطته النجاسة لاختبار تغيره بها.

(1/17)


والدليل عليه ما أخرجه أحمد وصححه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه.
وصححه أيضا يحيى بن معين وابن حزم من حديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعه1 وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء الطهور لا ينجسه شيء" وقد أعله ابن القطان2 باختلاف في اسم الراوي له عن أبي سعيد واسم أبيه وليس ذلك بعلة فقد اختلف في أسماء كثير من الصحابة والتابعين على أقوال ولم يكن ذلك موجبا للجهالة على ابن القطان نفسه قال: بعد ذلك الإعلال وله طريق أحسن من هذه ثم ساقها عن أبي سعيد وقد قامت الحجة بتصحيح من صححه من أولئك الأئمة وله شواهد.
منها من حديث سهل بن سعد عند الدارقطني ومن حديث ابن عباس عند أحمد وابن خزيمه وابن حبان ومن حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط وأبي يعلي والبزار وابن السكن كلها مثل حديث أبي سعيد.
وأخرجه بزيادة الاستثناء الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه" .
ـــــــ
1قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عقمها قلت ما أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة. قلت، فإذا نقص؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: قدرت بئر بضاعة بردائي فمددته عليها ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه هل غير بناؤه عما كان عليه؟ فقال: لا. ورأيت فيها ماء متغير اللون.
2 عبارة التلخيص: وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم بعلة إنما هو حيث يكون عرف الراوي وتميز بمعرف أو كنية أو لقب أو غيرها كمن وقع في اسمه واسم أبيه اختلاف، كأبي هريرة رضي الله عنه، فإنه احتلف في اسمه على نحو من عشرين قولا، وأما هنا فإن الاختلاف فيه اضطراب في السند وهو علة بلا ريب على أن فيه الجهالة وكفى بها علة. فالصواب التعويل على تقويته بالشواهد والله أعلم. من خط محمد العمراني، وقد سلم في "النيل" اعلال ابن القطان.

(1/18)


وأخرجه أيضا مع الزيادة ابن ماجه والطبراني من حديث أبي أمامه بلفظ: "إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه" وفي سندهما من لا يحتج به وقد اتفق أهل الحديث على ضعف هذه الزيادة لكنه قد وقع الإجماع على مضمونها كما نقله ابن المنذر وابن الملقن في البدر المنير والمهدي في البحر فمن كان يقول بحجية الإجماع كان الدليل عنده على ما أفادته تلك الزيادة هو الإجماع ومن كان لا يقول بحجية الإجماع كان هذا الإجماع مفيدا لصحة تلك الزيادة لكونها قد صارت مما أجمع على معناه1 وتلقى القبول فالاستدلال بها لا بالإجماع.
قوله: وعن الثاني ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المغيرات الطاهرة.
هذه المسألة الثالثة من مسائل الباب ووجه ذلك أن الماء الذي شرع لنا التطهر به هو الماء المطلق الذي لم يضف إلى شيء من الأمور التي تخالطه فإن خالطه شيء أوجب إضافته إليه كما يقال: ماء ورد ونحوه فليس هذا الماء المقيد بنسبته إلى الورد مثلا هو الماء المطلق الموصوف بأنه طهور في الكتاب العزيز لقوله: {مَاءً طَهُوراً} وفي السنة المطهرة بقوله: "الماء طهور" فخرج بذلك عن كونه مطهرا ولم يخرج به عن كونه طاهرا لأن الفرض أن الذي خالطه طاهر واجتماع الطاهرين لا يوجب خروجهما عن الوصف الذي كان مستحقا لكل واحد منهما قبل الاجتماع.
قوله: لا فرق بين قليل وكثير هذه المسألة الرابعة من مسائل الباب والمراد بالقلة والكثرة ما وقع من الاختلاف في ذلك بين أهل العلم بعد إجماعهم على أن ما غيرت النجاسة أحد أوصافه الثلاثة ليس بطاهر فقيل إن الكثير ما بلغ
ـــــــ
1 هذه الطريقة لا تعرف لتصحيح الحديث عند المحدثين، ولا يصير بذلك أيضا من الملتقى بالقبول عند الأمة ما لم ترده، ولا ضعفته، بل كانوا بين قائل به ومتأول. وهذا قد ضعفته كما ترى فأين القبول؟ والإجماع على مضمونه لا يستلزم أنه بعينه مستند الإجماع كما لا يخفي. من خط العلامة السيد الحسن بن يحيى الكبسي قدس سره العزيز.

(1/19)


قلتين والقليل ما كان دونهما لما أخرجه أحمد وأهل السنن والشافعي وابن خزيمه وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه الحاكم على شرط الشيخين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" وفي لفظ أحمد: "لم ينجسه شيء" وفي لفظ لأبي داود: "لم ينجس" وأخرجه بهذا اللفظ ابن حبان والحاكم وقال: ابن منده إسناد حديث القلتين على شرط مسلم انتهى ولكنه حديث قد وقع الإضطراب في إسناده ومتنه بما هو مبين في مواطنه وقد أجاب من أجاب عن دعوى الاضطراب وقد دل هذا الحديث على أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث وإذا كان دون القلتين فقد يحمل الخبث ولكنه كما قيد حديث "الماء طهور لا ينجسه شيء" بتلك الزيادة التي وقع الاجماع عليها كذلك يقيد حديث القلتين بها فيقال: إنه لايحمل الخبث إذابلغ قلتين في حال من الأحوال إلا في حال تغير بعض أوصافه بالنجاسة فإنه حينئذ قد حمل الخبث بالمشاهده وضروة الحس فلامنافاة بين حديث القلتين وبين تلك الزيادة المجمع عليها وأما ما كان دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث.
وليس فيه أنه يحمل الخبث قطعا وبتا ولا أن يحمله من الخبث يخرجه عن الطهورية لأن الخبث المخرج عن الطهورية هو خبث خاص وهو الموجب لتغير أحد أوصافه أو كلها لا الخبث الذي لم يغير.
وحاصله أن ما دل عليه مفهوم حديث القلتين من أن ما دونهما قد يحمل الخبث لايستفاد منه إلا أن ذلك المقدار إذا وقعت فيه نجاسة قد يحملها وأما أنه يصير نجسا خارجا عن كونه طاهرا فليس في هذا المفهوم ما يفيد ذلك ولا ملازمة بين حمل الخبث والنجاسة1 المخرجة عن الطهورية لأن الشارع قد نفى
ـــــــ
1 فيه أن الحديث وقع جواب عن سؤال عما تنوبه السباع في الماء أيتوضأ به أم لا؟ وقد علم أن الذي يمنع من التوضؤ بالماء في الشريعة إنما هو النجاسة فتعين حينئذ الاتحاد بين حمل النجاسة =

(1/20)


النجاسة عن مطلق الماء كما في حديث أبي سعيد المتقدم وما يشهد له ونفاها عن الماء المقيد بالقلتين كما في حديث عبد الله بن عمر المتقدم أيضا وكان النفي بلفظ هو أعم صيغ العام فقال: في الأول لا ينجسه شيء وقال: في الثاني أيضا كما في تلك الرواية لم ينجسه شيء فأفاد ذلك أن كل ماء يوجد على وجه الأرض طاهر إلا ما ورد فيه التصريح بما يخصص هذا العام مصرحا بأنه يصير الماء نجسا كما وقع في تلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها فإنها وردت بصيغة الاستثناء من ذلك الحديث فكانت من المخصصات المتصلة بالنسبة إلى حديث أبي سعيد ومن المخصصات المنفصلة بالنسبة إلى حديث عبد الله بن عمر على قول الراجح في الأصول وهو أنه يبني العام على الخاص مطلقا فتقرر بهذا أنه لا منافاة بين مفهوم حديث القلتين وبين سائر الأحاديث بل يقال: فيها ما دون القلتين إن حمل الخبث حملا استلزم تغير ريح الماء أو لونه أو طعمه فهذا هو الأمر الموجب للنجاسة والخروج عن الطهورية وإن حمل حملا لا يغير أحد تلك الأوصاف فليس هذا الحمل مستلزما للنجاسة وقد ذهب إلى تقدير القليل بما دون القلتين والكثير بهما الشافعي وأصحابه ومن أهل البيت الناصر والمنصور بالله وذهب إلى تقدير القليل بما يظن استعمال النجاسة باستعماله والكثير بما لا يظن استعمال النجاسة باستعماله ابن عمر ومجاهد ومن أهل البيت الهادي والمؤيد بالله وأبو طالب وقد روى أيضا عن الشافعية والحنفية وأحمد بن
ـــــــ
= والخبث وإلا كان الجواب بمعزل عما فيه السؤال وهو خلف من المقال والله أعلم. من خط محمد العمراني.
وقد يقال ليس مراده أن الخبث ليس بنجس أصلا، بل مراده أنه ليس بلازم النجاسة، بل قد قد يكون نجسا وقد لا يكون نجسا، ومدار النجاسة على التغير وعدمه ولا يخفى أن هذا تعطيل لمفهوم التقييد بالقلتين، فإنه يفهم أنه إذا كان دون القلتين فهو يحمل الخبث دائما ليخالف المذكور. أعني إنه لا يحمل الخبث وإلا لم يكن مخالفا بل مسكوتا عنه كما يقوله من ينفي المفهوم ويكون المعول على هذا التقييد بالتغير وعدمه. وحينئذ فلا فرق في ذلك بين ما كان قلتين أو دونهما إذ الحكم فيهما معا النجاسة مع التغير والطهارة مع عدمه. من خط السيد العلامة الحسن بن يحيى قدس سره.

(1/21)


حنبل ولا أدري هل تصح هذه الرواية أم لا فإن مذاهب هؤلاء مدونة في كتب أتباعهم من أراد الوقوف عليها راجعها واحتج أهل هذا المذهب بمثل قوله: تعالى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] وبخبر الاستيقاظ وخبر الولوغ وأحاديث النهي عن البول في الماء الدائم وهي جميعها في الصحيح ولكنها لا تدل على المطلوب ولو فرضنا أن لشيء منها دلالة بوجه ما كان ما أفادته تلك الدلالة مقيدا بما تقدم لأن التعبد إنما هو بالظنون الواقعة على الوجه المطابق للشرع على أنه لا يبعد أن يقال: إن العاقل لا يظن استعمال النجاسة باستعمال الماء إلا إذا خالطت الماء بجرمها أو بريحها أو بلونها أو بطعمها مخالطة ظاهرة توجب ذلك الظن ولاشك ولا ريب أن ما كان من الماء على هذه الصفة نجس لأن المخالطة إن كانت بالجرم فالمتوضئ مستعمل لعين النجاسة وإن كانت المخالطة بالريح أو اللون أو الطعم فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه.
والحاصل أنهم إن أرادوا بقولهم: إن ظن استعمال النجاسة باستعماله فهو القليل وإن لم يظن فهو الكثير ما هو أعلم من بين النجاسة وريحها ولونها وطعمها فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه إلا من جهة أن هؤلاء اعتبروا المظنة وأهل المذهب الأول اعتبروا المئنة ولكن لا يخفي أن المظنة إذا كانت هي الصادرة من غير أهل الوسوسة والشكوك فهي لا تكاد تخالف المئنة في مثل هذا الموضع وإن أرادوا استعمال العين فقط وعدم استعمال العين فقط فهو مذهب مستقل غير ذلك المذهب ولكن الظاهر أنهم أرادوا المعنى الأول ويدل على ذلك أنه قد وقع الإجماع على أن ما غير لون الماء أو ريحه أو طعمه من النجاسات أوجب تنجيسه كما تقدم تقريره فأهل هذا المذهب من جملة القائلين بذلك لدخولهم في الإجماع بل هو مصرح بحكاية الإجماع في البحر كما تقدم فتقرر بهذا أنهم يردون المعنى الأول أعنى الأعم من العين والريح واللون والطعم ثبوتا وانتفاء وحينئذ فلا مخالفة بين المذهبين لأن أهل المذهب الأول لا يخالفون في أن استعمال المطهر لعين النجاسة مع الماء

(1/22)


موجب لخروج الماء عن الطهورية خروجا زائدا على خروجه عند استعمال ما فيه مجرد الريح أواللون أو الطعم فتأمل هذا فهو مفيد بل مجموع ما أشتمل عليه هذا البحث في الجمع بين المذاهب المختلفة في الماء وبين الأدلة1 الدالة عليها على
ـــــــ
1 لعل مراده بالجمعين المشار إليهما، أما الجمع بين الأدلة فلرده حديث القلتين إلى أن عموم طهارة القلتين مخصوص بما لم يتغير وإلا فنجس كما دونهما، ورده عدم جواز ملابسة ما يظن استعمال النجاسة معه رده إلى أن ظن استعمالهما لا يحصل إلا مع تغير الماء بأحد أوصافه. وأما الجمع بين المذاهب، أعني رد من اعتبره في القليل دون القلتين أو بما فيه ظن استعمال النجاسة إلى اعتبار تغير الماء فلعله بنحو ما ذكر في الأدلة.
وأقول: أما اعتبار ذلك في الجمع بين المذاهب فهو بعيد وكيف لا؟ ومن يقول بنجاسة ما دون القلتين لا يعتبر التغير، ومن يقول بالظن فهو يقول: كل موكول إلى ظنه، اللهم إلا أن يقول: يلزمه ذلك. لأنه لا يحصل الظن إلا مع التغير، وأما الجمع بين الأدلة بما ذكر فقد سبقه إليه القاضي حسين بن ناصر المهلا في الجمع بين حديث القلتين والزيادة في حديث "إلا ما غير"، والمقبلي في حمله اعتبار ظن استعمال النجاسة على التغير وتلازمهما، ولكن لم يقرر ذلك المؤلف على ما ينبغي.
وقد رأيت تقريره على ما تقرر لي فأقول في تقريره: إن حديث القلتين محمول على أنه خرج مخرج الأغلب فيما يتغير وما لا يتغير، وأن المراد به أن الغالب على النجاسة أنها إن وردت على ما هو دون القلتين من الماء غيرته إلى وصفها فيحمل الخبث وإن وردت على قدر قلتين فصاعدا لم تغيره ولم يحمل الخبث بذلك فيكون ارجاعا إلى التغير وعدمه، ولا يخفى أن هذا إن كان فيما ورد في سبب الحديث فقط وهو ماء الفلاة وما ينوبه من نجاسة السباع فهو قريب في أغلبية ذلك فيما يستنقع من ماء المطر فيها وفيما تلقى السباع فيه، ولكن فيه نظر للعموم على السبب. وفيه خلاف فيما كان جواب سؤال، وأيضا يكون كالمظنة لربط التغير بما دون القلتين.
وفي حديث القلتين من الاحتمال في المعنى ما لا يصلح أن يكون مظنة لاختلاف العلامات وغموض معنى حمل الخبث وبتردد هل بلغ الماء قلتين؟ يعني في زيادة أو نقصان مع كزن التغير إلى الوصف ظاهر لا يحتاج إلى بيان مظنة. ولهذا كان الرد إليه أرجح من تخصيص عموم قوله: "لا ينجسه شيء" . بالمفهوم المذكور لضعفه واحتماله. وأما أدلة القائل بإعمال الظن في المنع مما تستعمل النجاسة باستعمال نحو قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] وحديثي الاستيقاظ والولوغ في المنع عما لابسته لقلته، لكونه في إناء، والنهي عن البول في الماء الدائم، فرد هذا إلى أنه حيث تغير الماء فيه بعض الخفاء، ولكن يقال أيضا ليس بلازم فيها ما ذكرتم من ظن استعمال النجاسة باستعماله، فالأظهر فيها أن النهي للتعبد ونقول: إن الظن الممنوع فيه=

(1/23)


هذه الصورة التي لخصتها مما لم أقف عليه لأحد من أهل العلم وهذه المسألة1 هي من المضايق التي يتعثر في ساحاتها كل محقق ويتبلد عند تشعب طرائقها كل مدقق وقد حررتها في سائر مؤلفاتي تحريرات مختلفة لهذه العلة وأطلت الكلام عليها في طيب النشر.
وقد استدل بعض أهل العلم لهذا المذهب بمثل حديث: "استفت قلبك ولو أفتاك المفتون" ومثل حديث: "دع ما يريبك إلا ما لا يريبك" ولا يستفاد منها إلا أن التورع عند الظن من الإقدام أولى وأهل هذا المذهب يوجبون العمل بذلك الظن حتما وجزما وقد عرفت أن أدلة المذهب الأول على الوجه الذي لخصناه تدل على المذهب الثاني فإبعاد النجعة إلى مثل حديث: "استفت قلبك ودع ما يريبك" ليس كما ينبغي فإن قيل أنه قصد الإستدلال على مجرد العمل بالظن من غير نظر إلى هذه المسالة فيقال: أدلة العمل بالظن في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأكثر منها أدلة النهي عن العمل به وهكذا التعويل على حديث الولوغ والإستيقاظ نحو ذلك لا يفيد وقد حكى تحديد الماء الكثير أقوال منها أن الكثير من المستبحر وقيل ما إذا حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر وقيل ما كان مساحة مكانه كذا وقيل غير ذلك وهذه الأقوال ليس عليها أثارة من علم بل هي خارجة عن باب الرواية المقبولة والدراية المعقولة.
ـــــــ
= استعمال النجاسة باستعمال، هو لازم للتغير إذ لا يحصل إلا معه سيما فيما لا يظهر فيه التغير كقطرة بول في بحر. من خط سيدي العلامة الحسن بن يحيى الكبسي روح الله روحه.
1 أما أنا فأقول، قد اضطربت أمواج محيط شيخنا في هذا البحث، فلم يصف مورده عن كدر فتفطن وارجع النظر فيه كرتين. ومن خط العمراني. فإنه لم يتقرر في كلامه معنى حمل الماء للخبث وعدمه، بل قسم حمل الخبث إلى قسمين حمل مع التغير، وحمل له مع عدمه، فلم يقع فرق بين مفهوم حديث القلتين ومنطوقه. ومن خط سيدي العلامة حسن بن يحيى قدس سره. وأقول من تأمل حق التأمل لم يجد في كلام المؤلف اضطرابا. بل هذا التقرير على أحسن الوجوه وأكملها.

(1/24)


قوله: ومتحرك وساكن وجه ذلك أن سكونه وإن كان قد ورد النهي عن التطهر به حاله فإن ذلك لا يخرجه عن كونه طهورا لأن وصف كونه طهورا بمجرد تحركه.
وقد دلت الأحاديث على أنه لا يجوز التطهير بالماء الساكن ما دام ساكنا1 كحديث أبي هريرة عند مسلم رضي الله عنه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لايغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" فقالوا:يا أبا هريرة كيف يفعل قال: يتناوله تناولا وفي لفظ لأحمد وأبى داود: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابه" وفي لفظ للبخاري: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" وفي لفظ للترمذي: "ثم يتوضأ منه" وغير هذه الروايات التي يفيد مجموعها النهي عن البول في الماء الدائم على إنفراده والنهي عن الإغتسال فيه على انفراده والنهي عن مجموعة الأمرين ولا يصح أن يقال: إن روايتي الإنفراد مقيدتان بالإجتماع لأن البول في الماء على انفراده لا يجوز فأفاد أن هذا الإغتسال أوالوضوء في الماء الدائم من دن بول فيه غير جائز فمن لا يجد إلا ماء ساكنا وأراد أن يتطهر منه فعليه أن يحتال قبل ذلك بأن يحركه حتى يخرج من وصف كونه ساكنا ثم يتوضأ منه وأما أبو هريرة فقد حمل النهي على الإنغماس في الماء الدائم ولهذا لما سئل كيف يفعل قال: يتناوله تناولا ولكنه لا يتم ذلك في الوضوء فإنه لا إنغماس فيه بل هو يتناوله تناولا من الإبتداء فالأولى تحريك الماء قبل الشروع في الطهارة ثم يتطهر به.
وقد ذهب الجمهور إلى خلاف ما دلت عليه هذه الروايات فلم يفرقوا بين المتحرك والساكن ومنهم من قال: أن هذه الروايات محمولة على الكراهة فقط ولا
ـــــــ
1 لا يذهب عليك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" مشروطة عامة. يعني أنه حكم فيها بالمنع من الاغتسال على الماء ما دام وصفه وهو الديمومة وهو معنى خروجه عن كونه مطهرا. والقول بعدم خروجه عنها ح. معللا بسرعة الزوال خلف من المقال وضرورة بطلان قولك المحمر وجهه ليس بخجل لسرعة زوال الحمرة المحكوم عليها بالخجل ما دامت. والله أعلم من خط العمراني.

(1/25)


وجه لذلك وقد قيل إن المستبحر مخصوص من هذا بالإجماع والراجح أن الماء الساكن1 لا يحل التطهر به مادام ساكنا فإذا تحرك عاد له وصفه الأصلي وهو كونه مطهرا وهذه هي المسألة الخامسة من مسائل الباب.
قوله: مستعمل وغير مستعمل. هذه المسأله السادسة من مسائل الباب وقد وقع الاختلاف بين أهل العلم في الماء المستعمل لعبادة من العبادات هل يخرج بذلك عن كونه مطهرا أم لا فحكى عن أكثر العترة وأحمد بن حنبل والليث والأوزاعي والشافعي ومالك في إحدى الروايتين عنهما وأبي حنيفة في رواية عنه أن الماء المستعمل غير مطهر واستدلوا بما تقدم من حديث النهي عن التطهر به ليست كون ذلك الماء مستعملا بل كونه ساكنا وعلة السكون لا ملازمة بينها وبين الإستعمال واحتجوا أيضا بما ورد من النهي عن الوضوء بفضل وضوء المرأة ولا تنحصر علة ذلك في الإستعمال كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله فلا يتم الاستدلال بذلك لإحتماله ولو كانت العلة الاستعمال لم يختص النهي بمنع الرجل من الوضوء بفضل المرأة وبالعكس بل كان النهي سيقع من الشارع لكل أحد عن كل فضل ومن جملة ما استدلوا به أن السلف كانوا يكملون الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا تساقط منه وهذه حجة ساقطة لا ينبغي التعويل على مثلها في إثبات الأحكام الشرعية فعلى هذا المستدل أن يوضح هل كان هذا التكميل يفعله جميع السلف أو بعضهم والأول باطل والثاني لا ندري من هو فليبين لنا من هو على أنه لا حجة إلا الإجماع عند من يحتج بالإجماع وقد استدلوا بأدلة هي أجنبية عن محل النزاع مثل حديث غسل اليد بعد الاستيقاظ قبل إدخالها الإناء ونحوه فالحق أن المستعمل طاهر مطهر عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على
ـــــــ
1ظاهر هذا أنه حمل معنى الدائم على الساكن عن الحركة. والماء جسم سيال لا يكتنفه حقيقة سكون. والأظهر أن المراد بالدائم الساكن عن الجري بدليل رواية في الماء الدائم الذي لا يجري. فلا يخرج من النهي بمجرد تحريكه. بل لا بد من جريه، وأيضا فتحركه ثم عوده بسرعة لا يخرجه عن كونه دائما بخلاف إذا جرى. من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره.

(1/26)


أن الماء طهور. وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف والخلف ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ونقله غيره عن الحسن البصري والزهري والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين

(1/27)


فصل في أحكام النجاسات
والنجاسات هي غائط الإنسان مطلقا وبوله إلا الذكر1 الرضيع ولعاب كلب وروث ودم حيض ولحم خنزير وفيما عدا ذلك خلاف والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه .
أما نجاسة بول الآدمي وغائطه فبالأدلة الصحيحة المفيدة للقطع بذلك بل نجاستهما من باب الضرورة الدينية كما لا يخفى على من له اشتغال بالأدلة الشرعية وبما كان عليه الأمر في عصر النبوة ولا يقدح في ذلك التخفيف في تطهيرهما في بعض الأحوال.
أما الغائط فكما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطيء الأذى بخفيه فطهورهما التراب" رواهما أبو داود وابن السكن والحاكم والبيهقي وقد اختلف فيه على الأوزاعي.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى
ـــــــ
1 فيه أن جعل النضح والرش مطهرا لا يوجب إخراجه عن النجاسة، كما في جعل المسح للنعل بالتراب مطهرا للغائط، ولم يستلزم ذلك خروجه من النجاسة فلا وجه للاستثناء، كما أن اختلاف كيفية التطهير للنجس غير موجبة لخروجه عن النجاسة.! هـ محرر الأصل.

(1/27)


خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما" وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح أبو حاتم في العلل الموصول.
وأخرج أهل السنن عن أم سلمة مرفوعا بلفظ: "يطهره ما بعده" وعن أنس عند البيهقي بسند ضعيف بنحوه وكذلك عن أمرأة من بني عبد الأشهل عند البيهقي أيضا فإن جعل التراب مع المسح مطهرا لذلك لا يخرجه عن كونه نجسا بالضرورة إذ اختلاف وجه التطهير لايخرج النجس عن كونه نجسا.
وأما التخفيف في تطهير البول فكما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يراق على بول الأعرابي ذنوبا من ماء وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأنس وأما ما عدا غائط الآدمي وبوله من الأبوال والأزبال فلم يحصل الاتفاق على شيء في شأنها والأدلة مختلفة فورد في بعضها ما يدل على طهارته كأبوال الإبل فإنه ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنين بأن يشربوا من أبوال الإبل ومن ذلك حديث: "لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" وهو حديث ضعيف أخرجه الدارقطني من حديث جابر والبراء وفي إسناده عمرو بن الحصين العقلي وهو ضعيف جدا وورد ما يدل على نجاسة الروث كما أخرجه البخاري وغيره أنه قال: صلى الله عليه وسلم في الروثة: "إنها ركس" والركس النجس وقد نقل التيمى أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير ولكنه زاد ابن خزيمة في روايته: "إنها ركس إنها روثة حمار" ولايخفى عليك أن الأصل في كل شيء أنه طاهر لأن القول بنجاسته يستلزم تعبد العباد بحكم من الأحكام والأصل عدم ذلك والبراءة قاضية بأنه لا تكليف بالمحتمل حتى يثبت ثبوتا ينقل عن ذلك وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثما ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام فالكل إما من التقول على الله تعالى بما لم يقل أو من إبطال ما قدم شرعه لعباده بلا حجة1
ـــــــ
1 انظر هذا الكلام فإنه أصل عظيم في الشرع يجب الوقوف عنده، لأن كثيرا من المتفقهة يعجل بالحكم في الأمر من غير دليل شرعي واضح، بل أخذا منه باللازم المفهوم من كلام الفقهاء، =

(1/28)


وأما تقييد البول بكونه بعد أيام الرضاع فلحديث "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبزار وابن خزيمه من حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه من حديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل" وأخرجه أيضا ابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح عن على موقوفا.
وأخرج أحمد وأبو داود ابن ماجه وابن خزيمه وابن حبان والطبراني من حديث أم الفضل لبانة بنت الحارث قالت: بال الحسين ابن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال: "إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى" .
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أم قيس بنت محصن "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله".
ـــــــ
= وقد علمت أن لا مفهوم ولا مقتضى إلا لكلام المعصوم. وقد تكلم الأصوليون على ذلك عند الكلام على" المنطوق والمفهوم"، والأخذ بهما في كلام الله ورسوله لا غير. وتكلموا مع ذلك على اعتبارهما في كلام الموصي والواقف، ولم يقولوا أن المتون وعبارات الفقهاء تنزل منزلة كلام الله وكلام رسوله ويؤخذ منها باللازم ولازم اللازم وتضرب الأحكام على العباد كافة باسم الشرع من هذا الطريق، كما ترى ذلك في كثير من كتب المتأخرين من فقهاء المذاهب حيث يعرضون لمسألة جديدة لم ينص عليها بذاتها أحد من المتقدمين فيستعرضون بعض كلام الفقهاء في أششباه تلك المسألة ويأخذون من عباراتهم باللازم والمفهوم، ويصبح ذلك حكما شرعيا لله تعالى في أعناق المكلفين. وكثير من شراح المتون الفقهية هذا دأبهم وقد لا تكون تلك المتون بلسان عربي مبين. وقد يخرجون بذلك عن قواعد المذاهب، بل وعن الأصول الفقهية، ونسوا أنهم إن كانوا مجتهدي مذهب أن واجبهم أن يبذلوا هذا الجهد في استعراض كتاب الله تعالى وصحيح السنة فيما يستجد من الأحكام ويأخذوا منهما على نحو ما أخذ إمامهم وعلى أصوله التي أسسها لهم، والله أعلم.

(1/29)


وفي صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء".
وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى عنها قالت: "كان يؤتى بالصبيان فيبرك1 عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله". فهذا تصريح بأنه لم يغسله فيكون إتباعه الماء إما مجرد النضح كما وقع في الحديثين الآخرين أو مجرد صب الماء عليه من دون غسل.
وبالجملة فالتصريح منه صلى الله عليه وسلم بالقول بما هو الواجب في ذلك هو الأولى بالاتباع لكونه كلاما مع أمته فلا يعارضه ما وقع من فعله على فرض أنه مخالف للقول وقد ذهب إلى الاكتفاء بالنضح في بول الغلام لا الجارية جماعة منهم علي وأم سلمه والثوري والأوزاعي والنخعي وداود وابن وهب وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق ومالك في رواية وهذا هو الحق الذي لا محيص عنه.
وذهب بعض أهل العلم وقد حكي عن مالك والشافعي والأوزاعي إلى أنه يكفي النضح فيهما وهذا فيه مخالفة لما وقع في هذه الأحاديث الصحيحة من التفرقة بين الغلام والجارية.
وذهبت الحنفية وسائر الكوفيين وهو محكى عن العترة إلى أنهما سواء في وجوب الغسل وهذا المذهب كالذي قبله في مخالفة الأدلة وقد استدل أهل هذا المذهب الثالث بالأدلة الواردة في نجاسة البول على العموم ولا يخفاك أنها مخصصة بالأدلة الخاصة المصرحة بالفرق بين بول الجارية والغلام وأما ما قيل من قياس بول الغلام على بول الجارية فلا يخفاك أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار وقد شذ ابن حزم فقال: انه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد المذكور سابقا بلفظ بول الغلام الرضيع ينضح والواجب حمل المطلق على المقيد.
ـــــــ
1 بالتشديد من التبريك.

(1/30)


قوله: ولعاب الكلب. قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا" وثبت أيضا عندهما وغيرهما مثله من حديث عبد الله بن مغفل فدل ذلك على نجاسة لعاب الكلب وهو المطلوب هنا والكلام في الخلاف بين من عمل بظاهر هذه الأدلة ومن اكتفى بالتثليث معروف وليس ذلك مما يقدح في كونه نجسا لأن محل الدليل على النجاسة هو أيجاب الغسل وهكذا لا يتعلق بما نحن بصدده زيادة التغليظ بالترتيب كما وقع في أحاديث الباب في الصحيحين وغيرهما فإن المقصود هنا ليس إلا إثبات كون اللعاب نجسا لا بيان كيفية تطهيره فلذلك موضع آخر.
قوله: وروث. الدليل على نجاسة الروث ما تقدمت الإشارة إليه من قوله صلى الله عليه وسلم في الروث: "إنها ركس" والركس في اللغة النجس فالروثة نجس وهو المطلوب وقد قدمنا كلام التيمى في تخصيص ذلك بروث الخيل والبغال والحمير.
قوله: ودم الحيض. الدليل على ذلك ما ثبت عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث خولة بنت يسار قالت: يارسول الله ليس لي إلاثوب واحد وأنا حيض فيه قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره قال: "يكفيك الماء ولايضرك أثره" وفي إسناده ابن لهيعة.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمه وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن مرفوعا بلفظ: "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" قال: ابن القطان إسناده في غاية الصحة.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدنا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع قال: "تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضخه ثم تصلي فيه" فالأمر بغسل دم الحيض وحكه

(1/31)


بضلع يفيد ثبوت نجاسته وإن اختلف وجه تطهيره فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا.
وأما سائر الدماء فالأدلة فيها مختلفة مضطربة والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة أو المساوية ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير لكان ذلك مفيدا لنجاسة1 الدم المسفوح والميته ولكنه لم يرد ما يفيد ذلك بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب والظاهر رجوعه إلى الأقرب وهو لحم الخنزير لإفراد الضمير ولهذا جزمنا ههنا بنجاسة لحم الخنزير دون الميتة والدم الذي ليس بدم الحيض ولاسيما وقد ورد في الميتة ما يفيد أنه لا يحرم منها إلا أكلها كما ثبت في الصحيح بلفظ: "إنما حرم من الميتة أكلها" ومن رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا الضمير المذكور في الآية فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد بعد جملة مشتملة على أمور متعددة.
قوله : ولحم الخنزير. الدليل على نجاسته ما قدمنا قريبا من الآية الكريمة.
ـــــــ
1 بناء على أن معناه النجس المتعارف بين المتشرعة لغة أو حقيقة شرعية، ودون ذلك مهامه، ومع هذا تعرف ما في إثبات نجاسة الروث لكون الركس لغة في النجس، ولو قيل تقريره صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة على فهم نجاستها وإرشادهم إلى كيفية تطهير جلدها دليل على نجاسة الميتة لما كان مستبعدا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما حرم من الميتة أكلها" فلا دلالة فيه على الطهارة إذ مفاده حصر محرم منافعها في الأكل دون سائر المنافع من نحو الاستصباح بدهنها والانتفاع بجلدها. وقد أرشدهم إلى تطهير جلدها لما كان من ضرورة الانتفاع به مباشرته. وأما دهنها فهو ممكن الانتفاع به من دون مباشرة، فلا يقال أن تسويغ الانتفاع إباحة لمباشرته وهو ينافي الحكم بنجاسته والله أعلم. من خط الفقيه محمد العمراني. وفيه غلط فاحش بذكره دهن الميتة فإنه من المحرمات قطعا كما في الصحيحين أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شحوم الميتة للاستصباح بها ودهن السفن فقال: لا هو حرام، ثم قال: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".

(1/32)


قوله: وفيما عدا ذلك خلاف والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه.
أقول: أعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم والأصل البراءة من ذلك ولاسيما من الأمور التي تعم بها البلوى وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السكوت1 عن الأمور التي سكت الله عنها وأنها عفو فما لم يرد فيه شيء من الأدلة الدالة على نجاسته فليس لأحد من عباد الله أن يحكم بنجاسته بمجرد رأى فاسد أو غلظ في الاستدلال كما يدعيه بعض أهل العلم من نجاسة ما حرمه الله زاعما أن النجاسة والتحريم متلازمان وهذا الزعم من أبطل الباطلات فالتحريم للشيء لا يدل على نجاسته بمطابقة ولا تضمن ولا التزام فتحريم الخمر والميتة والدم لا يدل على نجاسة ذلك وكأن الشارع قد علم وقوع مثل هذا الغلط لبعض أمته فأرشدهم إلى ما يدفعه قائلا "إنما حرم من الميتة أكلها" ولو كان مجرد تحريم شيء مستلزما لنجاسته لكان قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } [النساء:23] إلى آخره دليلا على نجاسة النساء المذكورات في الآية والمسلم لا ينجس حيا ولا ميتا كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح وهكذا يلزم نجاسة أعيان وقع التصريح بتحريمها وهي طاهرة بالاتفاق كالأنصاب والأزلام وما يسكر من النباتات والثمرات بأصل الخلقة.
فإن قلت: إذا كان التصريح بنجاسة شيء أو رجسيته أو ركسيته يدل على
ـــــــ
1أخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن عن ثعلبة الخشني "رضي" يرفعه: "إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها. وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تقربوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تتكلفوها". قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن كثير غير نسيان رحمة لكم فاقبلوها" . من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

(1/33)


أنه نجس كما قلت في نجاسة الروث ولحم الخنزير فكيف لم تحكم بنجاسة الخمر لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة:90].
قلت: لما وقع الخمر ههنا مقترنا بالأنصاب والأزلام كان ذلك قرينه صارفه لمعنى1 الرجسية إلى غير النجاسة وهكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] لما جاءت الأدلة الصحيحة المقتضية لعدم نجاسة ذوات المشركين كما ورد في أكل ذبائحهم وأطعمتهم والتوضؤ في آنياتهم والأكل فيها وإنزالهم المسجد كان دليلا على أن المراد بالنجاسة المذكورة في الآية غير الشرعية بل قد ورد البيان من الشارع لذلك بما لا يحتاج إلى زيادة فقال: في وفد ثقيف لما أنزلهم المسجد "ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما أنجاسهم على أنفسهم" فهذا يدل على أن تلك النجاسة حكمية لا حسية والتعبد إنما هو بالنجاسات الحسية وأما ما ورد فيه ما يدل على نجاسته ولكنه قد عورض بما هو أرجح منه فلا شك أنه يتعين العمل بالأرجح فإن عورض بما يساويه فالأصل عدم التعبد بما يتضمن ذلك الحكم حتى يرد موردا خالصا عن شوب المعارضة أو راجحا على ما عارضه.
وبالجملة فالواجب على المنصف أن يقوم مقام المنع ولا يتزحزح عن هذا المقام إلا بحجة شرعية وقد أوضحت في مصنفاتي كشرح المنتقى وحاشية الشفاء هذه المباحث المتعلقة بالنجاسة بما لا يحتاج الناظر في ذلك إلى النظر في غيره فليراجع.
ـــــــ
1ظاهر كلامه أن الرجس إما مشترك أو أنه لغوي شرعي، وفي ذلك نظر، ثم إنه قد يقال: إن هذه دلالة اقتران ضعيفة، لأن قوله رجس خبر عن كل من المذكورات، والخبر الواحد لا يختلف لأنه محكوم به على متعددات. وأما الاستدلال على نجاسة الكافر والخمر والميتة بما في حديث أبي ثعلبة من الأمر بغسل آنية الكفار لكونهم كانوا يشربون فيها الخمر ويطبخون فيها اللحوم فلا يدل على النجاسة لجواز أن يكون ذلك لما تقدم بها من المحرم. وذلك لعدم وجود غيرها، وكذلك لا يدل أمره صلى الله عليه وسلم في لحوم الحمر بخيبر بأن تهراق الآنية وتكسر أو تغسل لاحتمال أنه ليس لأجل النجاسة من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره.

(1/34)


فصل تطهير النجاسات
ويطهر ما تنجس بغسله حتى لا يبقى عين ولا لون ولا ريح ولا طعم والنعل بالمسح والاستحالة مطهرة لعدم وجود الوصف المحكوم عليه وما لا يمكن غسله فبالصب عليه أو النزح منه حتى لا يبقى للنجاسة أثر والماء هو الأصل في التطهير فلا يقوم غيره مقامه إلا بأذن من الشارع.
أقول: تطهير النجاسات إن ورد فيه شيء عن الشارع كان الواجب الاقتصار في صفة التطهير على ذلك الوارد من دون مخالفة بزيادة عليه أو نقصان كما ورد في أن النعل إذا تلوث بالنجاسة طهر بمسحه وقد تقدم ما يدل على ذلك وتقدم أيضا ما ورد في كيفية تطهير ما ينجس بدم الحيض وبلعاب الكلب.
وبالجملة فكل ما علمنا الشارع كيفية تطهيره كان علينا أن نقتصر على تلك الكيفية وأما ما ورد فيه عن الشارع أنه نجس ولم يرد فيه بيان كيفية تطهيره فالواجب علينا إذهاب تلك العين حتى لا يبقى لها ريح ولا لون ولا طعم لأن الشيء الذي يجد الإنسان ريحه أو طعمه قد بقي فيه جزء من العين وإن لم يبق جرمها أو لونها إذ انفصال الرائحة لا يكون إلا عن وجود شيء من ذلك الشيء الذي له الريح وكذلك وجود الطعم لا يكون إلا عن وجود شيء عن ذلك الشيء الذي له طعم وإذا استحال الشيء إلى شيء آخر حتى كان ذلك الشيء الآخر مخالفا للشيء الأول لونا وريحا وطعما كاستحالة العذرة رمادا فقد فُقد الوصف الذي وقع الحكم من الشارع بالنجاسة عليه وهذا هو الحق والخلاف في ذلك معروف وما كان لا يمكن غسله من المتنجسات كالأرض
ـــــــ
= وأما التعليل في الحديث بقوله: فإنها رجس أو نجس، فقد شك فيه الراوي وقد عرفت احتمال معنى رجس ونجس. من خطه رحمه الله.

(1/35)


والبئر فتطهيره بالصب عليه والنزح منه حتى لا يوجد للنجاسة أثر لأنها لو كانت باقية لكان التعبد بإذهابها باقيا ولكن هذا إنما يكون في مثل النجاسة التي لها جرم ولون وأما مثل البول فقد ورد عن الشارع أن تطهيره بأن يصب عليه ذنوب من ماء فإذا وقع ذلك صارت الأرض المتنجسة بالبول طاهرة.
وأما كون الأصل في التطهير هو الماء فقد وصف بذلك الكتاب والسنة وصفا مطلقا غير مقيد بل قوله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور" يرشد إلى ما ذكرنا إرشاد يشهد له قواعد علم المعاني وعلم الأصول فإذا ثبت الشارع أن تطهير شيء من المتنجسات يكون بغير الماء كمسح النعل بالأرض ونحو ذلك كان الماء غير متعين في تطهير تلك النجاسة بخصوصها ويتعين فيما عداها وهذا هو الحق وقد ذهب بعض الجمهور إلى أن الماء هو المتعين في تطهير النجاسات وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يجوز التطهير بكل مائع طاهر وإليه ذهب الداعي من أهل البيت ويرد على الجمهور بما ثبت عن الشارع تطهيره بغير الماء إن كانوا يقولون إن الماء يتعين في مثل ذلك ويرد على أبي حنيفة ومن معه بأن إثبات مطهر لم يرد الشارع أو تطهير على غير الصفة الثابتة عنه مدفوع.

(1/36)


باب قضاء الحاجة
على المتخلي الاستتار حتى يدنو من الأرض والبعد أو دخول الكنيف وترك الكلام والملابسة لما له حرمة وتجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع أو عرف وعدم الاستقبال والاستدبار للقبلة وعليه الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة أو ما يقوم مقامها ويندب الاستعاذة عند الشروع والاستغفار والحمد بعد الفراغ.
أقول أما مشروعية الاستتار حتى يدنو من الأرض عند قضاء الحاجة فلما ورد من الأدلة على وجوب ستر العورة عموما وخصوصا إلا عند الضرورة ومنها قضاء الحاجة فلا يكشف عورته إلا عند القعود.
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي ومن حديث أبي هريرة بلفظ "من أتي الغائط فليستتر".
وأما البعد فلما أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي من حديث جابر قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى" ولفظ أبي داود "كان إذا أراد البراز انطلق حتى لايراه أحد" ورجاله رجال الصحيح إلاإسماعيل بن عبد الملك الكوفي ففيه مقال يسير وأما إذا أراد أن يقضي الحاجة في البيان وهناك كنيف فليس عليه إلا أن يدخله وإن قرب من الناس لما سيأتي من حديث ابن عمر.
وأما ترك الكلام فلحديث: "لايخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك" أخرجه أحمد أبو داود وابن ماجه

(1/37)


من حديث أبي سعيد وأخرج نحوه ابن السكن وصححه من حديث جابر.
وأما ترك الملابسة لما له حرمة فلحديث أنس عند أهل السنن وصححه الترمذي والمنذري وابن دقيق العيد بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه". لم يأت فيه من ضعفه بما تقوم به الحجة1 في التضعيف.
وأما تجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع أو عرف فقد ورد في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة عند مسلم رحمه الله تعالى وأحمد وأبي داود قال: "اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يارسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم" .
ومن حديث معاذ بن جبل عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وابن السكن وصححاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" وقد أعل بأنه من رواية أبي سعيد الحميري عن معاذ ولم يسمع منه وفي الباب أحاديث فيها مقال.
ومن الأمكنة التي نهى الشارع عنها الجحر لحديث عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الحجر أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي وقد أعل أنه من رواية قتادة
عنه ولم يسمع منه ولكنه قد صحح سماعه منه علي بن المديني وصحح الحديث ابن خزيمة وابن السكن.
ومنها: ما أخرجه أحمد أهل السنن من حديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لايبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه" .
ـــــــ
1تكلم فيه أبو داود بعد أن أخرجه بأنه حديث منكر وهم فيه همام، وإنما هو عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه" فرواه همام عن ابن جريج كما في الكتاب فوهم فيه، انتهى بالمعنى من السنن، وهي علة ظاهرة، إلا أن الترمذي قد حسنه. من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.
قلت: وينظر في الترمذي فإن المؤلف كما ترى ذكر عنه تصحيحه.

(1/38)


ومنها ما أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد.
وأما المنع من التخلي في المواضع التي منع منها عرف الناس فوجهه أنهم يتأذون بذلك وما كان ذريعة إلى ما لا يحل فهو لا يحل.
وأما المنع من الاستقبال والاستدبار للقبلة فقد ورد في ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب بلفظ: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستبدورها ولكن شرقوا أو غربوا" وأخرج نحوه مسلم رحمه الله وغيره من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أيضا وابن ماجه وابن حبان ومن حديث عبد الله ابن الحارث بن جزء وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل والدارمي في مسنده من حديث سهل بن حنيف وقد أختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال استوفيناها في شرح المنتقى.
وقد استدل من لم يمنع من ذلك بما أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر قال: "رقيت يوما في بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" وجعلوا هذا الحديث ناسخا لأحاديث النهي.
ومن جملة ما أستدلوا به حديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجه والبزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني نقال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول" فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وقد نقل الترمذي عن البخاري تصحيحه وصححه أيضا ابن السكن وحسنه أيضا البزار ولا يخفى أنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة فما وقع منه صلى الله عليه وسلم لا يعارض النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة.
فإن قلت حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال: "أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة".

(1/39)


قلت: لو صح هذا لكان صالحا للنسخ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لقصد التشريع ولمخالفة من كان يكره الاستقبال ولكنه لم يصح فان إسناده خالد بن أبي الصلت قال: ابن حزم هو مجهول وقال: الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن أبي الصلت أن هذا الحديث منكر وقد استدل من خصص المنع من الاستقبال والاستدبار للقبلة بالفضاء بما أخرجه أبو داود والحاكم عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن ذلك فقال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده ولكنه إنما يكون هذا دليلا إذا كان قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد تخصيص ذلك النهي السابق وأما إذا مستنده إنما هو مجرد فهمه من فعله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فلا يكون هذا الفهم حجة ومع هذا الاحتمال لا ينتهض للاستدلال.
وأما الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة فوجهه ما في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بأقل من ثلاث أحجار وعن الاستنجاء برجيع أوعظم. وأخرج أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدراقطني وقال: إسناده صحيح حسن من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" وأخرج نحوه أبوداود والنسائي من حديث أبي هريرة وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروثة والرمة وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والدرامي وأبو عوانة في صحيحه والشافعي من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ: "وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار" وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا وإذا لم توجد الأحجار فغيرها يقوم مقامها للضروة ما لم يكن ذلك الغير مما ورد النهي عنه كالروثة والرجيع والعظم فإنه لا يجوز ولا يجزئ.

(1/40)


وأما مشروعية الاستعاذة عند الشروع فوجهه ما أخرجه الجماعة من حديث انس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" وقد روى سعيد بن منصور في سننه أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" وإسناده على شرط مسلم.
وأما الحمد والاستغفار بعد الفراغ فوجه ذلك ما أخرجه ابن ماجه بإسناد صالح من حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "الحمد الله الذي أذهب عني الأذى" وأخرج نحوه النسائي وابن السني من حديث أبي ذر ورمز السيوطي لصحته.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة قالت:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك" وصححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم.

(1/41)


باب أحكام الوضوء
أحكام الوضوء
...
باب أحكام الوضوء
يجب على كل مكلف أن يسمي إذا ذكر و يتمضمض ويستنشق ثم يغسل جميع وجهه ثم يديه مع مرفقيه ثم يمسح رأسه مع أذنيه ويجزئ مسح بعضه والمسح على العمامة ثم يغسل رجليه مع الكعبين وله المسح على الخفين ولا يكون وضوءا شرعيا إلا بالنية لاستباحة الصلاة.
أقول: أما وجوب التسمية فوجهه ما ورد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني والبيهقي وابن السكن والحاكم وليس في إسناده ما يسقطه عن درجة الاعتبار وله طرق أخرى من حديثه عند الدارقطني والبيهقي وأخرج نحوه أحمد وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد ومن حديث أبي سعيد وأخرج آخرون نحوه من حديث عائشة وسهل بن سعد وأبو سبرة وأم سبرة وعلي وانس ولا شك ولا ريب أنها جمعيا تنتهض للاحتجاج بها بل مجرد الحديث الأول ينتهض لأنه حسن فكيف إذا عضد بهذه الأحاديث الواردة في معناه ولا حاجة للتطويل في تخريجها فالكلام عليها معروف وقد صرح الحديث بنفي وضوء من لم يذكر اسم الله وذلك يفيد الشرطية التي يستلزم عدمها العدم فضلا عن الوجوب فإنه أقل ما يستفاد منه.

(1/42)


وأما تقييد الوجوب بالذكر1 فهو للجمع2 بين هذه الأحاديث وحديث "من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه" أخرجه الدراقطني والبيهقي من حديث ابن عمر وفي إسناده متروك وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود وفي إسناده أيضا متروك ورواه أيضا الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة وفيه ضعيفان وهذه الأحاديث لا تنتهض للاستدلال بها وليس فيها دلالة على المطلوب من أن الوجوب ليس إلا على الذاكر ولكنه يدل على ذلك أحاديث عدم المؤاخذة على السهو والنسيان وما يفيد ذلك من الكتاب العزيز فقد اندرجت تلك الأحاديث الضعيفة تحت هذه الأدلة الكلية ولا يلزم مثل ذلك في الأعضاء القطعية وبعد هذا كله ففي التقييد بالذكر إشكال3.
وأما وجوب المضمضة والاستنشاق فوجهه أنهما من جملة الوجه الذي ورد القرآن الكريم بغسله وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما في القرآن بوضوئه المنقول إلينا ومن جملة ما نقل إلينا المضمضة والاستنشاق فأفاد ذلك أن الوجه المأمور بغسله من جملته المضمضة والاستنشاق وقد ورد الأمر بذلك كما أخرجه الدارقطني
ـــــــ
1 لا يذهب أن عدم المؤاخذة على السهو والنسيان التي تظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة إنما هو فيما يرجع إلى نفي الإثم فقط، ولم يقل أحد أن من نسي الصلاة أو نسي ركنا من أركانها أو شرطا من شروطها كالوضوء مثلا أنه يرتفع حكمه بمعنى ركنيته أو شرطيته مثلا فتصح الصلاة، وقد نسي النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاته، ثم لما ذكر أتاهما تحصيلا للصحة كما ثبت في الصحيح. نعم. قد ثبت في الشريعة أشياء قد ارتفع أحكامها بالنسيان وذلك أكل الصائم والكلام في الصلاة كما هو في حديث ذي اليدين بدلائل خصت مواردها. والله أعلم من خط الفاضل العمراني سلمه الله تعالى.
2 لعل وجه الجمع أن يحمل قوله: ومن توضأ ولم يذكر اسم الله إلخ على أنه لم يذكر الله ناسيا فقد أجزأه ونقصت طهوريته فقط وفيه ما سيأتي: أنه إذا جعلت شرطا فلا فرق في عدم الإجزاء بين الترك ناسيا أو ناسيا أو عامدا وإن لم يكن ناسيا، بل بمجرد الوجوب فهو مع الترك مجز عمدا أو سهو، فالحمل على إرادة الندب أو الاستحباب أرجح من خط سيدي العلامة الحسن ابن يحيى قدس الله روحه
3 إشارة إلى ما نقلناه عن العمراني قبل هذا.

(1/43)


من حديث أبي هريرة قال: "أمر رسول صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق".
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أيضا أن النبي قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر" . وثبت عند أهل السنن وصححه الترمذي من حديث لقيط بن صبره بلفظ "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" وأخرج النسائي من حديث سلمة بن قيس "إذا توضأت فانتثر" وأخرجه الترمذي أيضا وفي رواية من حديث لقيط بن صبرة المذكور "إذا توضأت فمضض" أخرجها أبو داود بإسناد صحيح وقد صحح حديث لقيط الترمذي والنووي وغيرهما ولم يأت من أعله بما يقدح فيه وقد ذهب إلى وجوب المضمضة والاستنشاق أحمد وإسحاق ومن أهل البيت القاسم والهادي والمؤيد بالله وبه قال: ابن أبي ليلى وحماد ابن سليمان وذهب جماعة من أهل العلم إلى الاسنتشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنة فيهما، حكى هذا المذهب النووي في شرح مسلم عن أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وابن المنذر ورواية عن أحمد وقد روي غيره مثل ذلك عن أبي حنيفة والثوري وزيد بن علي وذهب مالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري والزهري وربيعة ويحيى ابن سعد وقتادة والحكم بن عتيبة ومحمد بن جرير الطبري ومن أهل البيت الناصر إلى أنهما غير واجبتين واستدلوا على عدم الوجوب بحديث "عشر من سنن المرسلين" وهو حديث صحيح ومن جملتها المضمضة والاستنشاق ورد بأنه لم يرد بلفظ "عشر من السنن" بل بلفظ "عشر من الفطرة" وعلى فرض وروده بذلك اللفظ1 فالمراد بالسنة الطريقة وهي تعم الواجب لا ما وقع في اصطلاح أهل الأصول وهكذا يجاب عن استدلالهم بحديث ابن عباس بلفظ "المضمضة والاستنشاق سنة" أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف.
ـــــــ
1أقول في صحيح مسلم بعد سوق العشر، قال مصعب بن شيبة، أي أحد رواة الحديث: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، فظهر وجه قول المؤلف سلمه الله. وعلى فرض وروده إلخ هـ لكاتبه.

(1/44)


وأما وجوب غسل الوجه فلا خلاف فيه في الجملة وقد قام عليه الدليل كتابا وسنة والمراد بالوجه ما يسمى وجها عند أهل الشرع واللغة وأما وجوب غسل اليدين فهو نص القرآن الكريم والسنة المطهرة ولا خلاف في ذلك وإنما وقع الخلاف في وجوب غسل المرفقين معمها ومما يدل على وجوب غسلهما جميعا حديث جابر عند الدراقطني والبيهقي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وفي إسناده القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه توضأ ثم غسل يديه حتى شرع في العضد ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وفي رواية للدارقطني من حديث عثمان "أنه غسل وجهه ويديه حتى مس أطراف العضدين".
وأخرج البزار والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا "ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه" وهذا بيان لما في القرآن فأفاد أن الغاية داخله فيما قبلها.
وأما وجوب مسح الرأس فلا خلاف فيه في الجملة وإنما وقع الخلاف هل المتعين مسح الكل أم يكفي البعض، وما في الكتاب العزيز قد وقع الخلاف في كونه يدل على مسح الكل أو البعض والسنة الصحيحة وردت بالبيان وفيها ما يدل على جواز الاقتصار على مسح البعض في بعض الحالات كما في صحيح مسلم وغيره من حديث المغيرة "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة" وأخرج أبو داود من حديث انس أنه صلى الله عليه وسلم أدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة ولا يخفى أن قوله: تعالى {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] لا يفيد إيقاع المسح على جميع الرأس كما في نظائره من الأفعال نحو ضربت رأس زيد وضربت برأسه وضربت زيدا وضربت يد زيد فإنه يوجد المعنى اللغوي في جميع ذلك بوجود الضرب على جزء من الأجزاء المذكورة وهكذا ما في الآية وليس النزاع في مسمى الرأس لغة حتى يقال: أنه

(1/45)


حقيقة في جميعه بالنزاع في إيقاع المسح عليه وعلى فرض الإجمال فقد بينه الشارع تارة بمسح الجميع وتارة بمسح البعض بخلاف الوجه فإنه لم يقتصر على غسل بعضه في حال من الأحوال بل غسله جميعا وأما اليدان والرجلان فقد صرح فيهما للغسل والمسح.
فإن قلت إن المسح ليس كالضرب الذي مثلت به.
قلت: لا ينكر أحد من أهل اللغة أنه يصدق قول من قال: مسحت الثوب أو بالثوب أو مسحت الحائط أو الحائط على مسح جزء من أجزاء الثوب أو الحائط وإنكار مثل هذا مكابرة.
وأما مسح الأذنين مع الرأس فوجهه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى مسحهما مع مسح رأسه وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ "الأذنان من الرأس" من طرق يقوي بعضها بعضا وأما المسح على العمامة أو غيرها مما هو على الرأس فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو ابن أمية الضمري عند البخاري وغيره ومن حديث بلال عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره ومن حديث المغيرة عند الترمذي1 وصححه وليس فيه المسح على الناصية بل هو بلفظ "ومسح على الخفين والعمامة" وفي الباب أحاديث غير هذه منها عن سلمان عند أحمد عن ثوبان عند أبي داود وأحمد أيضا.
والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس والعمامة والكل صحيح ثابت وقد ورد في حديث ثوبان ما يشعر بالإذن بالمسح على العمامة مع العذر وهو عند أحمد وأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب التساخين وفي إسناده راشد بن سعد قال
ـــــــ
1ولكنه قد ثبت في هذا حديث المغيرة "المسح على العمامة والناصية" عند مسلم وأبي داود والنسائي، وحذف الناصية عند الترمذي لا يدل على عدم مسحها بعد أن ثبت عند غيره من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.

(1/46)


الخلال في علله أن أحمد قال: لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما.
وأما وجوب غسل الرجلين مع الكعبين فوجهه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في جميع الأحاديث الواردة في حكاية وضوئه فأنها جمعيها مصرحة بالغسل وليس في شيء منها أنه مسح إلا في روايات لا يقوم بمثلها الحجة ويؤيد ذلك قوله: صلى الله عليه وسلم للماسحين على أعقابهم "ويل للأعقاب من النار" كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ومما يؤيد ذلك وقوع الأمر منه صلى الله عليه وسلم بغسل الرجلين كما في حديث جابر عند الدارقطني ويؤيده أيضا قوله: صلى الله عليه وسلم "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" وهو حديث رواه أهل السنن وصححه ابن خزيمة ولا شك أن المسح بالنسبة إلى الغسل نقص وكذلك قوله: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وكان في ذلك الوضوء قد غسل رجليه وكذلك قوله: للأعرابي "توضأ كما أمرك الله" ثم ذكر له صفة الوضوء وفيها غسل الرجلين وهذه أحاديث صحيحة معروفة وهي تفيد أن قراءة الجر إما منسوخة أو محمولة على أن الجر بالجوار، وقد ذهب إلى هذا الجمهور قال: النووي "ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع وقال: الحافظ في الفتح أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن على وابن عباس وأنس وقد ثبت الرجوع منهم عن ذلك وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين وقالت: الإمامية الواجب مسحهما وقال: محمد بن جرير والحسن البصري والجبائي أنه مخير بين الغسل والمسح وقال: بعض أهل الظاهر يجب الجمع بين الغسل والمسح ولم يحتج من قال: بوجوب المسح إلا بقراءة الجر وهي لا تدل على أن المسح متعين لأن القراءة الأخرى ثابتة بلا خلاف بل غاية ما تدل عليه هذه القراءة هو التخيير لو لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب الاقتصار على الغسل.
وأما وجوب غسل الكعبين مع القدمين فالكلام في ذلك كالكلام في المرفقين ولكنه لم يثبت في غسلهما عنه صلى الله عليه وسلم مثل ما ثبت في المرفقين، وإذا تقرر

(1/47)


أنه لا يتم الواجب إلا بغسلهما ففي ذلك كفاية مغينة عن الاستدلال بدليل آخر وأما أن للمتوضئ أن يمسح على خفيه فوجهه ما ثبت تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله: وقد قال: الإمام أحمد فيه أربعون حديثا وكذلك قال: غيره وقال: ابن أبي حاتم أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أحد وأربعون رجلا وقال: ابن عبد البر أربعون رجلا وقال: ابن منده الذين رووه من الصحابة عن النبي ثمانون رجلا ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنهم إنكاره فقد روى عنه إثباته وقد ذكر أحمد أن حديث أبي هريرة في إنكار المسح باطل وكذلك ما روي عن عائشة وابن عباس فقد أنكر الحفاظ ورووا عنهم خلافه وكذلك عن علي أنه قال: سبق الكتاب الخفين فهو منقطع فقد روى عنه مسلم والنسائي رحمهما الله تعالى القول بالمسح عليهما بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى الإمام المهدي في البحر عن علي رضي الله عنه القول بمسح الخفين وقد ثبت في الصحيح من حديث جرير أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين وإسلام جرير كان بعد نزول المائدة لأن آية المائدة نزلت في غزوة المريسيع وقد روى المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين وأنه فعل ذلك في غزوة تبوك وتبوك متأخرة على المريسيع بالاتفاق وقد ذكر البزار أن حديث المغيرة هذا رواه عنه ستون رجلا وبالجملة فمشروعية المسح على الخفين أظهر من أن نطول الكلام عليها ولكنه لما كثر الخلاف فيها وطال النزاع اشتغل الناس بها حتى جعلها بعض أهل العلم من مسائل الاعتقاد وقد ورد توقيت المسح بثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم1.
وأما كون الوضوء لا يكون شرعيا إلا بالنية فوجهه حديث "إنما الأعمال بالنيات" وهو في الصحيحين وغيرهما وورد من طريق بألفاظ فإن كان
ـــــــ
1إذا أدخل القدمين الخفين وهما طاهرتان من الحدث فلا ينزعهما إلا في جنابة، كما ثبت ذلك في حديث المغيرة.

(1/48)


المقدر1 عاما فهو يفيد أن لا يثبت العمل الشرعي إلا بها وإن كان خاصا فأقرب ما يقدر الصحة وهي تفيد2 ذلك قال: في الفتح وقد اتفق العلماء على أن النية شرط في المقصد واختلفوا في الوسائل ومن ثم خالفت الحنفية في اشتراطها للوضوء وقد نسب القول بفرضية النية صاحب البحر إلى علي وسائر العترة والشافعي ومالك والليث وربيعة وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه.
ـــــــ
1هذه الملازمة ممنوعة ولو أبدل المقدم بأن يقال: فإن كان ما لم تصاحبه غير عمل شرعي بناء على أن ما انعدم شرطه منها غير عمل شرعي فهو يفيد إلخ. كما هو مذهب المحققين لكان صوابا من خط الفاضل العمراني.
2 صوابه وهي تفيد عدم العمل بدونها. ونفي الصحة كنفي الذات. من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره.

(1/49)


فصل
ويستحب التثليث في غير الرأس وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم السواك وغسل اليدين إلى الرسغين ثلاثا قبل الشروع في غسل الأعضاء المتقدمة.
أما استحباب السواك فوجهه الأحاديث المتواترة من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وليس في ذلك خلاف.
وأما إطالة الغرة والتحجيل فلثبوته في الأحاديث الصحيحة.
وأما غسل اليدين إلى الرسغين قبل الشروع في الوضوء فلحديث أوس ابن أوس الثقفي قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا" أي غسل كفيه أخرجه أحمد والنسائي وثبت في الصحيحين من حديث عثمان "فأفرغ على كفيه ثلاث مرات يغسلهما" وثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما استحباب التثليث فوجهه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم

(1/49)


غسل كل عضو ثلاث مرات وبين أن الواجب مرة واحدة وأما عدم مشروعية تثليث الرأس فإن الأحاديث الواردة بتثليث سائر الأعضاء وقع التصريح فيها بإفراد مسح الرأس ولا تقوم الحجة بما ورد في تثليثه.

(1/50)


فصل في انتقاض الوضوء
ويتنقض بما خرج من الفرجين من عين أو ريح وبما يوجب الغسل ونوم المضطجع وأكل لحم الإبل والقيء ونحوه ومس الذكر.
أما انتقاض الوضوء بما خرج من الفرجين فقد وردت الأدلة بذلك مثل حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" وقد فسره أبو هريرة لما قال له رجل ما لحدث؟ قال: فساء أو ضراط ومعنى الحديث أعم مما فسره به أبو هريرة ولكنه نبه بالأخف على الأغلظ. ولا خلاف في انتقاض الوضوء بذلك وكذلك لا خلاف في انتقاضه بما يوجب الغسل في الجماع.
وأما انتقاضه بنوم المضطجع فوجهه أن الأحايث الواردة بانتقاض الوضوء بالنوم كحديث "من نام فليتضأ" مقيدة بما ورد أن النوم الذي ينتقض به الوضوء هو نوم المضطجع وقد روى من طرق متعددة والمقال: الذي فيها ينجبر بكثرة طرقها وبذلك يكون الجمع بين الأدلة المختلفة وفي ذلك ثمانية مذاهب قد استوفيتها في شرح المنتقى وذكرت في الأحاديث المختلفة وتخريجها وترجيح ما هو الراجح.
وأما انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم" وهو في الصحيح من حديث جابر بن سمره وقد روى أيضا من طريق غيره وقد ذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء واستدلوا بالأحاديث التي نسخت الأحاديث الواردة في الوضوء مما

(1/50)


مست1 النار ولا يخفى أنه لم يصرح في شيء منها بلحوم الإبل حتى يكون الوضوء منها منسوخا وقد ذهب إلى انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية ويحيى بن يحيى وابن المنذر وابن خزيمة والبيهقي وحكى عن أصحاب الحديث وحكى عن جماعة من الصحابة كما قال: النووى قال: البيهقي عن بعض أصحابنا عن الشافعي أنه قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به قال: البيهقي قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمره وحديث البراء.
وأما انتقاض الوضوء بالقي فوجهه ماروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قاء فتوضأ أخرجه أحمد وأهل السنن قال: الترمذي هو أصح شيء في الباب وصححه ابن منده وليس فيه مايقدح في الاحتجاج به ويؤيده أحاديث منها حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم "من أصابه قئ او رعاف أو قلس أومذى فلينصرف فليتوضأ" إسناده إسمعيل بن عياش وفيه مقال: وفي الباب عن جماعة من الصحابة والمجموع ينتهض للاستلال به وقد ذهب إلى ذلك العتره وأبو حنيفة وأصحابه وذهب الشافعي وأصحابه والناصر والصادق والباقر إلى أنه غير ناقص.
وأجابوا عن أحاديث الوضوء من القيء بأن المراد بها غسل اليدين ولايخفى أن الحقيقة الشرعية مقدمة والمراد بنحوالقئ هو القلس والرعاف والخلاف في القلس كالخلاف في القئ قال: الخليل وهو ماخرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقئ وفي النهاية القلس ما خرج من الجوف ثم ذكر مثل كلام الخليل وأما الرعاف فقد ذهب إلى أنه ناقض أبو حنيفة وأبو يوسف،
ـــــــ
1وقد مال المصنف في شرح المنتقى إلى نقض الوضوء بجميع ما مسته النار من لحوم الإبل وغيرها بناء على قاعدته المعروفة بجعل فعله صلى الله عليه وسلم خاصا به ولا يخفى أن حديث " كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مسته النار" قد يراد فيه بالترك لما هو أعم من فعله صلى الله عليه وسلم، فهو ظاهر في النسج. من خط الحسن بن يحيى قدس سره.

(1/51)


ومحمد والقاسمية وأحمد بن حنبل واسحاق وقيدوه بالسيلان وذهب ابن عباس والناصر ومالك والشافعي وروى عن ابن أبي أوفى وأبي هريرة وجابر بن زيد وابن المسيب ومكحول وربيعة إلى أنه غير ناقض وأجابوا عن دليل الأولين بما فيه من المقال: وبالمعارضة بمثل حديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه" رواه الدارقطني وفي إسناده صالح بن مقاتل وهو ضعيف ويجاب عن الأول بأنه ينتهض بمجموع طرقه وعن المعارضة بأنها غير صالحة للاحتجاج وبأن دم الرعاف غير دم الحجامة فلا يبعد أن يكون لخروجه من الأعماق تأثير في النقض.
وأما انتقاض بمس الذكر فقد دل على ذلك الحديث بسرة بنت صفوان "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" رواه أحمد وأهل السنن ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود وصححه أحمد والترمذي والدارقطني ويحيى بن معين والبيهقي والحازمي وابن خزيمة وابن حبان قال: البخاري هو أصح شيء في هذا الباب.
وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وعائشة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية ابن أبي حيده وقبيصة وأروى بنت أنيس وحديث بسرة بمجرده أرجح من حديث طلق بن علي عند أهل السنن مرفوعا بلفظ الرجل يمس ذكره أ عليه وضوء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما1 هو بضعة منك" فكيف إذا انضم إلى حديث
ـــــــ
1قال شيخنا أبقاه الله تعالى في شرح المنتقى: وقد روي عن مالك القول بندب الوضوء، ويرده ما سيأتي من التصريح بالوجوب، وحديث أبي هريرة يعني به ما أخرجه أحمد، وابن حبان وقال: صحيح سنده عدول نقلته وصححه الحاكم واب عبد البر. وقال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب بلفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضى بيده إلى ذكره ليس ستر فقد وجب عليه الوضوء". وأخرج الدارقطني من حديث عائشة: " ويل للذين يمسون فروجهم ولا =

(1/52)


بسرة أحاديث كثيرة كما أشرنا إليه ومن مال إلى ترجيح حديث طلق لم يأت بطائل وقد ذهب إلى انتقاض الوضوء بمس الذكر جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة ومالوا إلى العمل بحديث بسرة لتأخر إسلامها وذهب إلى خلاف ذلك جماعة كذلك والحق الانتقاض وقد ورد ما يدل على أنه ينتقض الوضوء بمس الفرج وهو أعم من القبل والدبر كما أخرجه ابن ماجه من حديث أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من مس فرجه فليتوضأ" وصححه أحمد وأبو زرعة وقال: ابن السكن لا أعلم له علة وأخرج الدارقطني من حديث عائشة مرفوعا "إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ" وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله العمري وفيه مقال: وأخرج أحمد والترمذي والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ" وفي إسناده بقية بن الوليد ولكنه صرح بالتحديث.
ـــــــ
= يتوضؤون". وهو دعاء بالشر لا يكون إلا على ترك الواجب، ثم المراد بالوضوء وضوء الصلاة الصريحة، لأنه الحقيقة الشرعية، ولما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بسرة بلفظ: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" ، ولما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديثها أيضا بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" والله أعلم. من خط العمراني سلمه الله تعالى.

(1/53)


باب أحكام الغسل
يجب بخروج المنى لشهوة ولو بتفكر وبالتقاء الختانين وبالحيض وبالنفاس وبالاحتلام مع وجود بلل وبالموت وبالإسلام.
أما وجوب الغسل بخروج المنى لشهوة فقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة كأحاديث "الماء من الماء" وأحاديث "في المنى الغسل1" وصدق اسم الجنابة على ماكان كذلك وقد قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولا أعلم في ذلك خلافا وإنما وقع الخلاف المشهور بين الصحابة وكذلك بين من بعدهم هل يجب الغسل بالتقاء الختانين من دون خروج منى أم لا يجب إلا بخروج المنى والحق الأول لحديث "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل2" أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأخرج نحوه مسلم وأحمد والترمذي وصححه من حديث عائشة فهذان الحديثان وما ورد في معناهما ناسخان لما كان في أول الإسلام من أن الغسل إنما يجب بخروج المنى
ـــــــ
1وهو في حديث علي رضي الله عنه في سؤاله عن المذي، صححه الترمذي، ولكنه قد جاء في حديثه أيضا عند أحمد، وفيه: "إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل". قال صاحب المنتقى: فيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شهوة إما لمرض أو ابردة لا يوجب الغسل، وكان على الشارح أن ينبه على اشتراط كونه لشهوة ه. من خط العلامة السيد الحسن بن يحيى قدس سره.
قلت: يعني السيد أنه لا يكتفي بما في السنن من دون بيان وجيه في الشرح.
2 أقول: وفي لفظ " وإن لم ينزل" كما في العمدة، وهي أصرح في المطلوب. لمحرره.

(1/54)


ويدل على ذلك حديث أبي كعب قال: "إن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها1".
وأخرج مسلم رحمه الله تعالى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل وعائشة جالسة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأفعل أنا وهذه ثم نغتسل" .
وأما وجوبه بالحيض فلا خلاف في ذلك وقد دل عليه نص القرآن ومتواتر السنة وكذلك وقع الإجماع على وجوبه بالنفاس وكذلك وقع الإجماع على وجوبه بالاحتلام إلا ما يحكى عن النخعي ولكنه إنما يجب إذا أوجد المحتلم بللا كما في حديث عائشة قالت: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال: يغتسل وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل فقال: لا غسل عليه" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ورجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال: خفيف وأخرج نحوه أحمد والنسائي من حديث خولة بنت حكيم.
وأخرج البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما من حديث أم سلمة "أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" وهذه الأحاديث ترد على من أعتبر أن يحصل للمحتلم شهوة ويتيقن ذلك.
وأما وجوبه بالموت فالمراد وجوب ذلك على الأحياء إذ لا وجوب بعد الموت من الواجبات المتعلقة بالبدن أي يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات وقد حكى المهدي في البحر والنووي الإجماع على وجوب غسل الميت وناقش في ذلك بعض المتأخرين كالجلال مناقشة واهية وسيأتي الكلام على غسل الميت وصفته وتفاصليه إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
1 رواه أحمد، وأبو داود.

(1/55)


وأما وجوبه بالإسلام فوجهه ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن حبان وابن خزيمة عن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر وصححه ابن السكن. وأخرج أحمد وعبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي هريرة أن ثمامة أسلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم "اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل" وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال بل فيهما أنه اغتسل وقد ذهب إلى الوجوب أحمد بن حنبل وأتباعه وهو مذهب الهادي وأتباعه وذهب الشافعي إلى عدم الوجوب وبه قال المنصور بالله: والحق الأول ويؤيده ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر بالغسل عند الإسلام لواثلة بن الأسقع وقتادة الرهاوي كما أخرجه الطبراني وأمره أيضا لعقيل بن أبي طالب كما أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور وفي أسانيده مقال.

(1/56)


فصل في كيفية الغسل
والغسل الواجب، هو أن يفيض الماء على جميع بدنه أو ينغمس فيه مع المضمضة والاستنشاق والدلك لما يمكن دلكه ولا يكون شرعيا إلا بالنية لرفع موجبه وندب تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين ثم التيامن.
أقول: الغسل لغة وشرعا هو ما ذكر وقد يقع النزاع في دخول الدلك في مسمى الغسل ولكن لا يخفي أن مجرد بل الثوب أو البدن من دون الدلك لا يسمى غسلا كما يفهم ذلك من الاستعمالات العربية وكما يفيد ذلك ما تقدم في بول الصبي "أنه صلى الله عليه وسلم1 أتبعه الماء ولم يغسله" وهو في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره.
ـــــــ
1 وكذلك يجاب عن رش الماء في بول الصبي، فلم يكن غسلا بأن الغسل إفاضة الماء وهو غير =

(1/56)


وأما المضمضة والاستنشاق فقد ثبتا في الغسل من فعله صلى الله عليه وسلم ووجه الوجوب ما قدمناه في الوضوء وأما كونه لا يكون شرعيا إلا بالنية فلما قدمناه في الوضوء أيضا.
وأما ما تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما:"أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمنيه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على سائر جسده ثم يغسل رجليه" وهو من حديث عائشة.
وورد في الصحيحين وغيرهما من حديث ميمونة بلفظ: "أنه صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمنيه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه" وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يتوضأ بعد الغسل" كما أخرجه أحمد وأهل السنن وقال: الترمذي حسن صحيح وأخرجه البيهقي أيضا بأسانيد جيدة وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا "أنه قال: لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم من الغسل" وروي عن حذيفة أنه قال: أما يكفي أحدكم أن يغتسل من قرنه إلى قدميه حتى يتوضأ وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن
ـــــــ
= الرش بل هو أوعب منه. وقد صح حديث عائشة وميمونة في الاكتفاء بمجرد الإفاضة، وأصرح منه حديث أم سلمة: " إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت". قال ابن رشد في النهاية: وهو أقوى في إسقاط التدلك، لأنه حصر لها شروط الطهارة وأشار إلى أن عمدة من اشترط الدلك القياس للغسل على أعضاء الوضوء، ثم قال: وأما الاحتجاج من طريقة الاسم ففيه ضعف، إذا كان اسم الطهارة المتعين على حد سواء. انتهى.
ومنه تعرف عدم ترجيح اعتبار الدلك في مسمى الغسل، فغايته أن غسل، والغسل مطلق في محكم المجمل، وقد تبين في الأحاديث الصحيحة أنه الاكتفاء بمجرد الافاضة كما قاله الجمهور. والله أعلم من خط سيدي العلامة الحسن بن يحيى الكبسي قدس الله سره.

(1/57)


بعدهم حتى قال: أبو بكر ابن العربي أنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وهكذا نقل الإجماع ابن بطال ويتعقب بأنه قد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء وهو قول أكثر العترة.
وأما كون تقديم أعضاء الوضوء غير واجب فلأنه يصدق الغسل ويوجد مسماه بالإفاضة على جميع البدن من غير تقديم.
وأما التيامن فلثبوته عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا عموما وخصوصا فمن العموم ما ثبت في الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهورره وفي شأنه كله" ومن الخصوص ما ثبت في الصحيحين وغيرهما "أنه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر في الغسل" وقد ثبت من قوله: ما يفيد ذلك ولا خلاف في استحباب التيامن.

(1/58)


فصل في غسل الجمعة
ويشرع لصلاة الجمعة وللعيدين ولمن غسل ميتا وللإحرام ولدخول مكة.
أما مشروعية لصلاة الجمعة فلحديث "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول ورواه عن نافع نحو ثلاثمائة نفس ورواه من الصحابة غير ابن عمر نحو أربعة عشرين صحابيا وقد ذهب إلى وجوبه جماعة قال: النووي حكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة وبه قال: أهل الظاهر وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار ومالك وحكاه الخطابي عن الحسن البصري وحكاه ابن حزم عن جمع من الصحابة ومن بعدهم وذهب الجمهور إلى أنه مستحب واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله.

(1/58)


تعالى بلفظ "من توضأ فأحسن وضوءه ثم أتي الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام " وبحديث سمره "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل" أخرجه أحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وفيه مقال: مشهور وهو عدم سماع الحسن من سمره وغير ذلك من الأحاديث قالوا: وهي صارفة للأمر إلى الندب ولكنه إذا كان ما ذكروه صالحا لصرف الأمر فهو لا يصلح لصرف مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وقد استوفيت الكلام على حكم غسل الجمعة في شرح المنتقى1 فليرجع إليه. ولا يخفى أن تقييد الغسل
ـــــــ
1والذي عول عليه الشارح هنالك أن الأحاديث الدالة على الوجوب أرجح من الدالة على عدم الوجوب، كالذي في حديث سمرة قوله: "فالغسل أفضل" وحديث "من توضأ فأحسن الوضوء" وحديث عمر رضي الله عنه في استنكاره عدم الغسل من عثمان رضي الله عنه بدون أن يأمره به. ونقل الشارح هنالك عن ابن دقيق العيد أنه إنما يصار إلى تأويل أحاديث الوجوب عند رجحان المعارض في الدلالة على هذا الظاهر. إلخ. كلامه.
وقد يقال عليه: أما رجحانه في الدلالة على عدم الوجوب، فهو ثابت لتصريحه فيه بأنه أفضل فقط، وليس بواجب، وهو لا يحتمل غير ذلك، بخلاف الأوامر فهي تحتمل الاستحباب، والمصرح فيها بالوجوب وبالحق، تحتمل تأكد الاستحباب والمبالغة في أنه كالواجب، كقولك: حقك علي واجب، والعدة عندي دين.
وأما الرجحان في السند، فمسلم فيها، ولكن إذا صح فلا يسقط، ويصار إلى الأرجح سندا إلا مع عدم إمكان الجمع، وهو هنا ممكن بالحمل، على تأكد الاستحباب. ولذا قرن معه ما ليس بواجب اتفاقا، وهو السواك، وأن يمس من الطيب.
قال في المنتقى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكد استحبابه بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب إلخ. ودفعه الشارح بأنه قد تقرر ضعف دلالة الاقتران، ويقال عليه:ضعفها إنما هو في غير ما اجتمعا عليه في الحكم بسبب العطف. وأما ما نحن فيه، فقد عرف أنهما اجتمعا في حكم الوجوب فيما ذكر على كل محتلم، فإذا خرج أحدهما عن الوجوب لزم خروج الآخر عنه. والله أعلم وقد ذكر نحوه ابن دقيق العيد في حديث "الفطرة خمس" من خط سيدي العلامة الحسن بن يحيى الكبسي قدس الله روحه ونور ضريحه.

(1/59)


بالمجيء للجمعة يدل على أنه للصلاة1 لا لليوم.
وأما مشروعية غسل العيدين فقد روي من فعله صلى من حديث الفاكة بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر" أخرجه أحمد وابن ماجه والبزار والبغوي وأخرج نحوه ابن ماجه من حديث ابن عباس وأخرجه البزار من حديث أبي رافع وفي أسانيدها ضعف ولكنه يقوي بعضه بعضا ويقوي ذلك آثار عن الصحابة جيدة.
وأما مشروعية ذلك لمن غسل ميتا فوجهه ما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة مرفوعا "من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" وقد روى من طرق وأعل بالوقف وبأن في إسناده صالحا مولى التوأمة ولكنه قد حسنه الترمذي وصححه ابن القطان وابن حزم وقد روى من غير طريق وقال الحافظ ابن حجر: هو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض وقال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا وقد روى نحوه عن على عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن أبي شيبه وأبي يعلي والبزار والبيهقي وعن حذيفة عند البيهقي قال ابن أبي حاتم: والدارقطني لا يثبت وعن عائشة من فعله صلى الله عليه وسلم عند أحمد وأبي داود وقد ذهب إلى الوجوب على وأبو هريرة والإمامية ورواية عن الناصر وذهب الجمهور إلى أنه مستحب قالوا: وهذا الأمر مذكور في الحديث السابق مصروف عن الوجوب بحديث "إن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" أخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر ولحديث "كنا نغسل الميت
ـــــــ
1 وقد أخرج أبو عوانة وابن حبان في صحاحهم حديث ابن عمر من طريق عثمان بن واقد عن نافع بلفظ: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فلا يغتسل" قال الحافظ: ورجاله رجال ثقات، لكن قال البزار: أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه. والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

(1/60)


فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" أخرجه الخطيب عن ابن عمر وصحح ابن حجر أيضا إسناده ولما وقع من الفتيا من الصحابة لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنه لما غسلته فقالت لهم: "إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا لا" رواه مالك في الموطأ.
وأما مشروعيته للإحرام فلحديث زيد بن ثابت "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل" أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي والطبراني وحسنه الترمذي وضعفه العقيلي ولعل وجه التضعيف كون عبد الله بن يعقوب المدني في إسناده قال ابن الملقن في شرح المنهاج: لعل الترمذي حسنه لأنه عرف عبد الله بن يعقوب أي عرف حاله وفي الباب عن عائشة عند أحمد وعن أسماء عند مسلم وقد ذهب إلى استحباب غسل الإحرام الجمهور وقال: الناصر أنه واجب وقال: الحسن البصري ومالك أنه محتمل.
وأما مشروعية الغسل لدخول مكة فلما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى عن ابن عمر "أنه كان لا يدخل مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا" ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وأخرج البخاري معناه قال في الفتح: قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند الجميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم: يجزئ عنه الوضوء.

(1/61)


باب أحكام التيمم
يسباح به مايستباح بالوضوء والغسل لمن لا يجد الماء أو خشي الضرر من استعماله وأعضاؤه الوجه ثم الكفان يمسحهما مرة واحدة بضربة ناويا مسميا ونواقضه نواقض الوضوء.
أقول: حكم التيمم مع العذر المسوغ له حكم الوضوء لمن يكن جنبا وحكم الغسل لمن كان جنبا1 يصلي به ما يصلي المتوضئ بوضوئه ويستبيح به ما يستبيحه المغتسل بغسله فيصلي به الصلوات المتعددة ولا ينتقص بفراغ من صلاة ولا باشتغال بغيره ولا بخروج وقت على ما هو حق والخلاف في ذلك معروف والأدلة الواردة بمشروعية التيمم عند عدم الماء ثابتة كتابا وسنة.
وأما التيمم لخشية الضرر من الماء فلما أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث جابر قال: "خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون له رخصة في التيمم فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: " قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما
ـــــــ
1قلت والحائض والنفساء، وقد أخرج البيهقي في سننه بسند فيه المثنى بن الصباح عن أبي هريرة قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نكون بالرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى، قال: عليكم بالصعيد" والله أعلم. من خط محمد العمراني. سلمه الله تعالى. ولا يخفى أن حكم الحيض والنفاس قد شمله قول المؤلف، يستباح به ما يستباح بالوضوء والغسل إلخ. هـ.

(1/62)


شفاء العي السؤال إنما كان يكفية أن يتيم و يعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده" وقد تفرد به الزبير1 بن خريق وليس بالقوى وقد صححه ابن السكن وروى من طريق أخرى عن ابن عباس وقد ذهب إلى مشروعية التيمم للعذر الجمهور وذهب أحمد ابن حنبل2 وروى عن الشافعي في قوله: له أنه لا يجوز التيمم لخشية الضرر ولا أدري كيف صحة ذلك عنهما فإن هذا الحديث يؤيده قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:43] الآية وكذلك حديث المسح على الجبائر المروي عن علي رضي الله عنه وكذلك حديث عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل فاحتلم في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه فلما قدموا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب" فقال: ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا رواه أحمد والدارقطني وابن حبان والحاكم وأخرجه البخاري تعليقا.
ـــــــ
1ولم يتكلم فيه في الخلاصة، ولا المنذري، وثقه ابن حبان. وقد رواه أبو داود من طريق الأوزاعي أنه بلغه، وعن عطاء عن ابن عباس وفيه انقطاع، وبينه ابن ماجه من طريق كاتب الأوزاعي فوصله عن عطاء، وما ذكره الشارح أشار إليه في التلخيص عن أبي داود، أعني أنه تفرد به وذكره عن الدار قطني، وقد حقق التفرد به ولم يظهر فيه علة. من خط العلامة الحسن ابن يحيى قدس سره.
2 ينظر هذا: فإن الخلاف فيمن كان جنبا وفي بدنه جراحة، وكذا فيمن كان جنبا ويخشى من الغسل التلف، لا في من لم يكن جنبا وهو مريض يخشى الضرر فلا خلاف فيه. ولفظ الخطابي في المسألة الأولى، أعني فيمن أجنب وبه شجة: أن في الحديث من الفقه، أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان أقل أعضائه مجروحا جمع بين الماء والتيمم وإن كان أكثر كفاه التيمم. وعلى قول الشافعي: لا يجزئه في الصحيح من بدنه قل أو كثر. قال في المسألة الأولى إنه اختلف فيها، فشدد فيها عطاء بن أبي رباح قال: يغتسل وإن مات. وقال سفيان ومالك: يغسل وهو بمنزلة المريض، وأجازه أبو حنيفة في الحضر. وقال الشافعي: يغتسل وإن مات. وقال سفيان ومالك: يغسل وهو بمنزلة المريض، وأجازه أبو حنيفة في الحضر. وقال الشافعي: إذا خاف على نفسه التلف من شدة البرد تيمم وصلى، ثم يعيد الصلاة. إلى آخره. فلم يذكر في الخلاف ما ذكره هنا، من خط العلامة الحسن بن يحيى قدس سره العزيز.

(1/63)


وأما كون أعضائه الوجه والكفين فلما ورد من الأحاديث الصحيحة قولا وفعلا وقد أشار بالعطف بثم إلى الترتيب بين الوجه والكفين وأما الاقتصار على الكفين فلكون الأحاديث الصحيحة مصرحة بذلك منها حديث عمار ابن ياسر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين" أخرجه الترمذي وغيره وصححه.
ومنها ما في الصحيحين من حديث عمار أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنما كان يكفيك هكذا وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجه وكفيه" وفي لفظ للدارقطني "إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين" وقد ذهب إلى أنه يقتصر من اليدين على الكفين عطاء ومكحول والأوزعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث هكذا في شرح مسلم وذهب الجمهور إلى أن المسح في التيمم إلى المرفقين وذهب الزهري إلى أنه يجب المسح إلى الإبطين وقال: الخطابي أنه لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم1 مسح ما وراء المرفقين والحق ما ذهب إليه الأولون لأن الأدلة التي استدل بها الجمهور منها ما لا ينتهض للاحتجاج به كحديث ابن عمر عند الدارقطني والحاكم والبيهقي مرفوعا بلفظ "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" وفي إسناده علي بن ظبيان قال الدارقطني: وثقة ابن القطان وهشيم وغيرهما وقال الحافظ: هو ضعيف ضعفه ابن القطان وابن معين وغير واحد وأما ما ورد فيه لفظ اليدين كما وقع في بعض روايات من حديث عمار فالمطلق يحمل على المقيد بالكفين واحتج الزهري بما ورد في رواية من حديث عمار أيضا بلفظ "إلى الآباط" وقد نسخ ذلك كما قال الشافعي:
وأما كون التيمم ضربة واحدة فلأن ذلك هو الثابت في الأحاديث الصحيحة ولم يثبت ما يخالف ذلك من وجه صحيح وقد ذهب إلى كون التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين الجمهور وذهب جماعة من الأئمة والفقهاء
ـــــــ
1 إشارة إلى ضعف المنقول عن الذهري في وجوب مسح ذلك.

(1/64)


إلى أن الواجب ضربتان للوجه وضربة لليدين وذهب ابن المسيب وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين وأما كونه ناويا مسميا فلما تقدم في الوضوء لأنه بدلا عنه وأدلة النية شاملة لكل عمل.
وأما كون نواقضه نواقض الوضوء فلما ذكرنا من البدلية ومن أثبت للتيمم شيئا من النواقض لم يثبت في الوضوء لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ولم نجد دليلا تقوم به الحجة يصلح لذلك فالواجب الاقتصار على نواقض الوضوء.
وأما وجود الماء في الوقت بعد الفراغ من الصلاة بالتيمم فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يعد الصلاة من الرجلين اللذين سألاه بعد أن صلياها بالتيمم ثم وجدا الماء إن الذي لم يعد فقد أصاب السنة والحديث معروف وأما قوله للذي أعاد: "لك الأجر مرتين" فلكونه قد كرر العبادة معتقدا وجوب ذلك فكان له الأجر الآخر لذلك وليس المراد ههنا إلا الإجزاء وسقوط الوجوب وقد أفاد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أصبت السنة" مع ما في إصابة السنة من الخير والبركة والتعريض بأن ما عدا ذلك مخالف للسنة كما لا يخفى.
وأما القول بأن من أسباب التيمم تعذر استعمال الماء وخوف سبيله ونحو ذلك فلا يخفى أن هذه داخلة تحت ما ذكرناه من عدم الماء وخشية الضرر من استعماله فإن من تعذر عليه استعمال الماء فهو عادم للماء إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه فهو عادم وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء وهكذا من كان ينجسه ولا محالة إذا استعمله وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له بالنسبة إلى الوضوء وأما ما قيل من أن فوات الصلاة باستعمال الماء وإدراكها بالتيمم سبب من أسباب التيمم فليس على ذلك دليل بل الواجب استعمال الماء وهو أن كان تراخيه عن تأدية الصلاة إلى ذلك الوقت لعذر مسوغ للتأخير كالنوم والسهو و نحوهما فلم يوجب الله تعالى عليه إلا تأدية الصلاة في ذلك

(1/65)


الوقت بالطهور الذي أوجبه الله تعالى عليه وإن كان التراخي لا لعذر إلى وقت لو استعمل الوضوء فيه لخرج الوقت فعليه الوضوء وقد باء بإثم المعصية وأما ما قيل من الطلب إلى مقادير محدودة فليس على ذلك حجة نيرة.

(1/66)


باب أحكام الحيض
لم يأت في تقدير أقله وأكثره ما تقوم به الحجة وكذلك الطهر فذات العادة المتقررة تعمل عليها وغيرها ترجع إلى القرائن فدم الحيض يتميز من غيره فتكون حائضا إذا رأت دم الحيض ومستحاضة إذا رأت غيره فهي كالطهارة وتغسل أثر الدم وتتوضأ لكل صلاة والحائض لا تصلي ولا تصوم ولا توطأ حتى تغتسل بعد الطهر وتقضي الصيام.
أقول: ما ورد في تقدير أقل الحيض والطهر وأكثرهما إما موقوف ولا تقوم به حجة أو مرفوع ولا يصح فلا تعويل على ذلك ولا رجوع إليه بل المعتبر لذات العادة المتقررة1 هو العادة وغير المعتادة تعمل بالقرائن المستفادة من الدم وقد صح في غير حديث اعتبار الشارع للعادة كحديث "إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" أخرجه
ـــــــ
1ظاهره أن المتقرر لها عادة لا تعمل بالصفة أصلا، بل متى انقضت عدة العادة فهو طهر، والذي في الحديث إنما هو فيمن قد استحيضت، وعلى كلام الشارح إذا استحيضت هذه التي قد تقررت عادتها، فبم تعرف أنها مستحاضة إذا جاوز الدم عادتها وهو على صفته؟ فإن قال بمجاوزتها أكثر مدة الحيض، فهو لا يقول بذلك، وإن قال بمخالفته لصفة دم الحيض، أنها تطهر ولعله لا قائل بذلك، لأن هذه تغير في العادة بزيادة أو نقصان كما هو الغالب، فالصواب أنها تعمل بالصفة ما دامت على صفة الحيض، وإن جاوزت العادة حتى ينقلب عن صفته إلى صفة دم الاستحاضة. والله أعلم. من خط العلامة الحسن بن يحيى قدس الله سره.

(1/67)


البخاري رحمه الله تعالى وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرج مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديثها نحو ذلك وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أم سلمة "أنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة" وهو حديث صالح للاحتجاج به وكذلك حديث زينب بنت جحش "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في المستحاضة تجلس أيام أقرائها" أخرجه النسائي والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما الرجوع إلى القرائن المستفادة من الدم فلحديث فاطمة بنت أبي حبحش "أنها كانت تستحاض فقال: لها النبي صلى الله عليه وسلم إن كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق" أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي والحاكم أيضا بزيادة "فإنما هو داء عرض أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع" فالمستحاضة وهي التي يستمر خروج الدم منها تعمل على العادة المتقررة فتكون فيها حائضا يثبت لها فيه أحكام الحائض وفي غير أيام العادة طاهرا لها حكم الطاهر كما أفادت ذلك الأحاديث الصححية الواردة من غير وجه فإذا لم تكن لها عادة متقررة كالمبتدأة و الملتبسة عليها عاداتها فإنها ترجع إلى التمييز فإن دم الحيض أسود يعرف كما قال: صلى الله عليه وسلم فتكون إذا رأت دما كذلك الحائض وإذا رأت دما ليس كذلك طاهرا وقد أطال الناس الكلام في هذا الباب في غير طائل وكثرت فيه التفريعات والتدقيقات والأمر أيسر من ذلك وأما كون المستحاضة تغسل أثر الدم فلقوله: صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الثابت في الصحيح "فاغسلي عنك الدم وصلي" وقد ورد ما يفيد معنى ذلك من غير وجه.
وأما كونها تتوضأ لكل صلاة فذلك هو الذي ورد من وجه معتبر وإذا جمعت بين الصلاتين فأخرت الأولى إلى آخر وقتها وقدمت الثانية في أول وقتها كان لها أن تصليهما بوضوء واحد ولم يأت في شيء من الأحاديث

(1/68)


الصحيحة إيجاب الغسل لكل صلاة ولا لكل صلاتين ولا في كل يوم بل الذي صح إيجاب الغسل عند انقضاء وقت حيضها المعتاد أو عند انقضاء ما يقوم مقام العادة من التمييز بالقرائن كما في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما بلفظ "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" وأما ما في صحيح مسلم رحمه الله تعالى "أن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة" فلا حجة في ذلك لأنها فعلته من جهة نفسها ولم يأمرها صلى الله عليه وسلم بذلك بل قال لها: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي" فإن ظاهر هذه العبارة أنها تغتسل بعد المكث قدر ما كانت تحبسها الحيضة وذلك هو الغسل الكائن عند إدبار الحيضة وليس فيه ما يدل على أنها تغتسل لكل صلاة وقد ورد الغسل لكل صلاة من طرق لا تقوم بمثلها الحجة ولاسيما مع معارضتها لما ثبت في الصحيح ومع ما في ذلك من المشقة العظمية على النساء الناقصات العقول والأديان والشريعة سمحة سهلة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وأما كون الحائض لا تصلي ولا تصوم فلما ورد في ذلك من الأدلة الصحيحة كحديث "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد وهو مجمع عليه.
وأما كونها لا توطأ فذلك نص الكتاب العزيز قال الله تعالى :{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] والأحاديث في ذلك كثيرة منها قوله: صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" وهو في الصحيح وهو مجمع على تحريم ذلك ليس فيه خلاف وتحريم الصلاة والصوم على الحائض وكذلك وطؤها هو إلى غاية هي الغسل بعد الطهر كما صرحت بذلك الأدلة.
وأما كونها تقضي الصيام فلحديث عائشة بلفظ: "فنؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة" وهو في الصحيحين وغيرهما. وقد نقل ابن المنذر والنووي وغيرهما إجماع المسلمين على ذلك وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج

(1/69)


أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة وليقدح في إجماع الأمة مخالفة هؤلاء الذين هم كلاب النار.

(1/70)


فصل في أحكام النفاس
والنفاس أكثره أربعون يوما ولا حد لأقله وهو كالحيض.
أقول: أما كون أكثره أربعين يوما فلحديث أم سلمة قالت: "كان النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما" أخرجه أحمد أبو داود والترمذي والدارقطني والحاكم وللحديث طرق يقوي بعضهما بعضا وإلى ذلك ذهب الجمهور وقد قيل إن أكثره ستون يوما وقيل سبعون يوما وقيل خمسون وقيل نيف وعشرون يوما والحق الأول.
وأما كونه لا حد لأقله فلم يأت في ذلك دليل بل مادام الدم باقيا كانت المرأة نفساء فإن انقطع قبل الأربعين انقطع عنها حكم النفاس فإن جاوز دمها الأربعين عاملت نفسها معاملة المستحاضة إذا جاوزت أيام العادة المتقررة.
وأما كون النفاس كالحيض في تحريم الوطء وترك الصيام والصلاة فلا خلاف في ذلك وكذلك لا تقضي النفساء الصلاة وفي رواية لأبي داود من حديث أم سلمة قالت: "كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس" وقد تقدم الإجماع على ذلك في الحائض وهو في النفاس إجماع كذلك ولعل الخوارج يخالفون هنا كما خالفوا هناك ولا يعتد بهم.

(1/70)