الدراري المضية شرح الدرر البهية

كتاب الصلاة
أوقات الصلاة
...
كتاب الصلاة
أول وقت الظهر الزوال وآخره مصير ظل الشيء مثله سوى فئ الزوال وأول وقت العصر وآخره مادامت الشمس بيضاء نقية وأول وقت المغرب غروب الشمس وآخره ذهاب الشقف الأحمر وهو أول العشاء وآخره نصف الليل وأول الفجر إذا انشق الفجر وآخره طلوع الشمس ومن نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها حين يذكرها ومن كان معذورا وأدرك ركعة فقد أدركها والتوقيت واجب والجمع لعذر جائز والتيمم وناقض الصلاة أو الطهارة يصلون كغيرهم من غير تأخير وأوقات الكراهة بعد الفجر حتى ترفع الشمس وعند الزوال وبعد العصر حتى تغرب.
أقول: أما تعيين أول الأوقات وآخرها فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة من تعليم جبريل عليه السلام له صلى الله عليه وسلم ومن تعليمه صلى لمن سأله عن ذلك وغير ذلك من أقواله وأفعاله.
وأما كون آخر وقت العصر مادامت الشمس بيضاء نقية فإذا اصفرت خرج وقت العصر فلما ورد في ذلك من الأحاديث منها حديث ابن عمر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر ووقت صلاة العصر مالم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب مالم يسقط نور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر مالم تطلع الشمس" أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود ولا يخالف1
ـــــــ
1 لا يخفى أنه إذا حكم على وقت بكونه آخر وقت شيء، ثم حكم على وقت متأخر عنه بأنه آخر وقت ذلك الشيء، فإن المنافاة التي هي عبارة عن عدم صدق كل منهما مع الآخر ثابتة، إذ =

(1/71)


ما وقع في هذا الحديث في آخر وقت صلاة العصر والعشاء ما ورد في بعض الأحاديث "أن آخر وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه وآخر وقت العشاء ذهاب ثلث الليل" فإن هذا الحديث قد تضمن زيادة غير منافية للأصل، لأن وقت اصفرار الشمس هو متأخر عن المثلين إذ هي تبقى بيضاء نقية بعد المثلين وكذلك نصف الليل هو متضمن لزيادة غير منافية لما وقع في رواية بلفظ "ثلث الليل" على أن الرواية المتضمنة للزيادتين هي أصح من الأخرى.
وأما كون وقت صلاة من نام عنها أو سها هو وقت الذكر فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة كحديث أنس رضي الله عنه عند البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما وحديث أبي هريرة رضي الله
عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره وقد ورد هذا المعنى من غير وجه.
وأما كون إدراك ركعة من الصلاة إدراك الصلاة فلما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة كحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" وهو في الصحيحين وغيرهما ونحو ذلك حديث عائشة عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره.
وقد ثبت من حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ "من أدرك ركعة من الصلاة فقد1 أدرك الصلاة" وهذا يشمل جميع الصلوات لا يخص2 شيئا منها.
ـــــــ
= ذاك يقتضي خروج ما بعده من كونه وقتا، وذلك يقتضي دخوله. فالأولى التعويل على أن المشتمل على الزيادة أرجح كما يأتي، وهو الذي عول عليه المحققون. والله أعلم. من خط العمراني رضي الله عنه.
1ولكن هذا الحديث في إدراك اللاحق في الجماعة ركعة مع الإمام في الوقت. ولم يرد ذلك في الوقت إلا في العصر والصبح. فهل يصح قياس سائر الصلوات عليهما وإن لم يدرك في الوقت إلا ركعة فهو مدرك للصلاة؟ من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره العزيز.
2 وأحسن من هذا أن يكون لأجل الجمع بين الأحاديث: يحمل الوقت الأول على الاختيار لمن لا=

(1/72)


وأما تقييد ذلك بالمعذور فلأن الأوقات للصلوات قد عينها الشارع وحدد أوائلها وأواخرها بعلامات حسية وجعل ما بين الوقتين لكل صلاة هو الوقت لتلك الصلاة وجعل الصلاة المفعولة في غير هذه الأوقات المعينة صلاة المنافق وصلاة الأمراء الذين يميتون الصلاة كقوله: في حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله إلا قليلا" .
وكقوله: صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه "كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة أو يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت فما تأمرني قال: "صل الصلاة لوقتها" الحديث ونحو ذلك وهكذا أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فكان ما ذكرناه دليلا على أن إدراك الركعة في الوقت الخارج عن الأوقات المضروبة كوقت طلوع الشمس وغروبه وطلوع الفجر هو خاص بالمعذور كمن مرض مرضا شديدا لا يستطيع معه تأدية الصلاة ثم شفي وأمكنه إدراك ركعة وكالحائض إذا طهرت وأمكنها إدراك ركعة ونحو ذلك.
وأما كون التوقيت واجبا فلما ورد في ذلك من الأوامر الصحيحة بتأدية الصلاة لوقتها والنهي عن فعلها في غير وقتها المضروب لها والجمع بين الصلاتين إذا كان صوريا وهو فعل الأولى في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها فليس بجمع في الحقيقة لأن كل صلاة مفعولة في وقتها المضروب لها وإنما هو الجمع في الصورة ومنه جمعه صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير مطر ولا سفر كما في الصحيح من حديث ابن عباس وغيره فإنه وقع التصريح في بعض الروايات بما يفيد ذلك بل فسره من رواه بما يفيد أنه الجمع الصوري وقد
ـــــــ
= عذر له. والوقت الآخر على الاضطراب لمن له عذر. كما بنى عليه في الشرح المنتقى. من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره.

(1/73)


أوضحنا ذلك في رسالة مستقلة فالمراد بالجمع الجائز للعذر هو جمع المسافر والمريض وفي المطر كما وردت بذلك الأدلة الصحيحة وقد اختلف في جواز الجمع بين الصلاتين بغير هذه الأعذار ومع عدم العذر والحق عدم جواز ذلك.
وأما كون المتيمم وناقص الصلاة كمن به مرض يمنعه من استيفاء بعض أركانها وناقص الطهارة كمن في بعض أعضاء وضوئه ما يمنعه من غسله بالماء ويصلون كغيرهم من غير تأخير فوجهه أنهم داخلون في الخطاب المشتمل على تعين الأوقات وبيان أولها وآخرها ولم يأت مايدل على أنهم خارجون عنها وأن صلاتهم لاتجزئ إلا في آخر الوقت ولم يعول من أوجب التأخير على شيء تقوم به الحجة بل ليس بيده إلا مجرد الرأي البحت كقوله: إن صلاتهم بدلية ونحو ذلك وهذا لا يغني من الحق شيئا.
وأما كون أوقات الكراهة بعد الفجر حتى ترفع الشمس وعند الزوال وبعد العصر حتى تغرب الشمس فما ثبت في الصحيح عن جماعة من الصحابة مرفوعا من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعند الزوال وورد في روايات أخر النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وقت الطلوع ووقت الزوال ووقت الغروب.

(1/74)


باب الأذان
يشرع لأهل كل بلد أن يتخذوا مؤذنا ينادى بألفاظ الأذان المشروع عند دخول وقت الصلاة ويشرع للسامع أن يتابع المؤذن ثم تشرع الإقامة على الصفة الواردة.
اعلم أن الأذان من شعائر الإسلام وقد اختلف في وجوبه والظاهر الوجوب لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك في غير حديث فيجب على أهل كل بلد أن يتخذوا مؤذنا ينادي بألفاظ الأذان المشروعة لإعلامهم بواقيت الصلاة والتمسك بشعائر الإسلام فقد كان الغزاة في أيام النبوة وما بعدها إذا جهلوا حال قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة فإن سمعوا أذانا كفوا عنهم وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين. وأما غير أهل البلد كالمسافر والمقيم بفلاة من الأرض فيؤذن لنفسه ويقيم وإن كانوا جماعة أذن لهم أحدهم وأقام وألفاظ الأذان قد ثبت في أحاديث كثيرة وفي بعضها اختلاف بزيادة ونقص وقد تقرر أن العمل على الزيادة التي لا تنافي المزيد فما ثبت من وجه صحيح مما فيه زيادة تعين قبوله كتربيع الأذان وترجيح الشهادتين ولا تطرح الزيادة إذا كانت أدلة الأصل أقوى منها لأنها لا تعارض حتى يصار إلى الترجيح كما وقع لكثير من أهل العلم في هذا الباب وغيره من الأبواب بل الجمع ممكن بضم الزيادة إلى الأصل وهو مقدم على الترجيح وقد وقع الأجماع على قبول الزيادة التي لم تكن منافية كما تقرر في الأصول وأدلة إفراد الإقامة أقوى من أدلة تشفيعها ولكن التشفيع مشتمل على زيادة خارجة

(1/75)


من مخرج صالح للاعتبار فكان العمل على أدلة التشفيع متعينا1.
وأما مشروعية متابعة المؤذن فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن" وفي الباب عن جماعة من الصحابة بنحو هذا وورد مفصلا مبينا من حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لاحول ولاقوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة " أخرجه مسلم رحمه الله تعالى وغيره وأخرج نحوه البخاري وقد أختار بعض العلماء الجمع عند الحيعلتين بين المتابعة للمؤذن والحوقلة وهو جمع حسن وإن لم يكن متعينا.
ـــــــ
1 لكنه يستلزم اطراح حديث أمر بلاب أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة بالكلية وهو في الصحيحين. من خط العمراني سلمه الله تعالى.
وفيه أن العمل بالزائد غير مستلزم للأطراح للمزيد عليه. بل هو متضمن للعمل به ولكن مع ضم الزيادة إليه، فلا اطراح إذن، وانتقاض الوترية لا يستلزم اطراح الحديث كما لا يخفى.

(1/76)


باب شروط الصلاة
ويجب على المصلي تطهير ثوبه وبدنه ومكانه من النجاسة ويستر عورته ولا يشتمل الصماء ولا يسدل ولا يسبل ولا يكفت ولا يصلى في ثوب حرير ولا ثوب شهرة ولا مغصوب وعليه استقبال الكعبة إن كان مشاهدا لها أوفي حكم المشاهد وغير المشاهد يستقبل الجهة بعد التحري.
أقول: أما تطهير الثياب فلنص القرآن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] ولقوله: صلى الله عليه وسلم لمن سأله "هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله فقال: "نعم إلا أن يرى فيه شيئا فيغسله" أخرجه أحمد وابن ماجه ورجال إسناده ثقات ومثله عن معاوية قال: "قلت لأم حبيبة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت: نعم إذا لم يكن فيه أذى" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات ومنها حديث خلعه صلى الله عليه وسلم للنعل أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وله طرق عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا ومنها الأدلة المتقدمة في تعيين النجاسات أما تطهير البدن فلأنه أولى من تطهير الثوب ولما ورد من وجوب تطهيره وأما المكان فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من رش الذنوب على بول الأعرابي ونحو ذلك وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير الثلاثة للصلاة وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة وذهب آخرون إلى أنه سنة والحق الوجوب فمن صلى ملابسا لنجاسة عامدا فقد أخل بواجب وصلاته صحيحة وفي المقام أدلة مختلفة ومقالات طويلة وليس هذا محل بسطها.

(1/77)


وأما وجوب ستر العورة فلما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر بسترها في كل الأحوال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها ومانذر قال: "احفظ عورتك إلا من زوجك أو ماملكت يمينك" قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: "إن استطعت أن لايراها أحد فلا يرينها" قلت فإذا كان أحدنا خاليا قال: "الله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وعلقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت" أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار وفي إسناده مقال: ولكنه يعضده حديث محمد بن جحش1 قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر2 وفخذاه مكشوفتان فقال: "يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة" أخرجه أحمد والبخاري في صحيحه تعلقيا وأخرجه أيضا في تاريخه والحاكم في المستدرك وروى الترمذي وأحمد والبخاري في صحيحه من حديث ابن عباس مرفوعا "الفخذ عورة" وأخرج نحوه مالك في الموطأ
وأحمد وأبوداود والترمذي وابن حبان وصححه وعلقه البخاري وقد عارض أحاديث الفخذ أحاديث أخر وليس فيها إلا أنه صلى الله عليه وسلم كشف عن فخذه يوم خيبر أو في بيته ولا يصلح ذلك لمعارضة ما تقدم3 وورد في الركبة ما يفيد أنها تستر وما يخالف ذلك.
ـــــــ
1 هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده. وزينب بنت جحش عمته وكان صغيرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. هـ حسن بن يحيى قدس سره.
2 هو معمر بن عبد الله القرشي العدوي.
3 أحاديث كشف الفخذ المشار إليها ثابتة في الصحيح. ولا معنى لكونه عورة إلا تحريم كشفه. الثابت عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فيحقق نفي التعارض والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله.
قد يقال: المراد بعد التعارض عدم المساواة في الدلالة لا في الصحة على الحكم وخلافه، فإن أحاديث الكشف وإن كانت صحيحة لكنها حكايات أفعال محتملة للخصوصية والنسيان ونحو=

(1/78)


وأما المرأة فورد حديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقد روى موقوفا ومرفوعا من حديث عائشة ومن حديث أبي قتادة ومما يفيد وجوب ستر العورة أحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتق المصلي منه شيء وفي بعضها فليخالف بين طرفيه وفي بعضها وإن كان ضيقا فأتزر به وكلها في الصحيح.
وأما قوله: لا يشتمل الصماء فلحديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشتمل الصماء" وهو في الصحيحين وفي لفظ فيهما "وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقه" وأخرج نحوه الجماعة من حديث أبي سعيد واشتمال الصماء هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده.
وأما قوله: ولا يسدل فلحديث النهي عن السدل في الصلاة وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم في المستدرك وفي الباب عن جماعة من الصحابة والسدل هو أسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جنبيه بين يديه بل يلتحف به ويدخل يديه من داخل1 فيركع ويسجد وهو كذلك.
وأما قوله: ولايسبل فلما ورد من الأحاديث الصحيحة من النهي عن إسبال الإزار والمراد بالإسبال أن يرخي إزاره حتى يجاوز الكعبين.
ـــــــ
= ذلك من الأعذار. وأحاديث المنع من أقوال صريحة لا احتمال فيها وقد يقال: دلالتها على المنع على كل حال إنما يكون بعد صحتها. وفي كل منها مقال، إلا أن يقال هي بمجموعها منتهضة للاستدلال. ولا يخفى ما فيه. من خط الحسن بن يحيى قدس سره.
1 ينظر هذا. فإن الالتحاف وإدخال اليد داخل الثوب ينافي قوله من غير أن يضم جانبيه. والذي في مختصر النهاية: السدل هو أن يضع وسط الرداء على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. وهو شعار اليهود. انتهى. وهو واضح كما ترى. وقد قال أبو عبيدة بعد قوله من غير أن يضم جانبيه: فإن ضمه فليس بسدل. من خط العلامة حسن بن يحيى قدس الله روحه ونور مضجعه.

(1/79)


وأما قوله: ولا يكفت فقد ورد النهي عن أن يكفت الرجل ثوبه أو شعره وأما كفت الثوب فكمن يأخذ طرف ثوبه فيغزر في حجزته أو نحو ذلك وأما كفت الشعر فنحو أن يأخذ خصلة مسترسلة فيكفتها في شعر رأسه أو يربطها بخيط إليه أو نحو ذلك.
وأما قوله: ولا يصلي في ثوب حرير فالأحاديث في ذلك كثيرة كلها يدل على المنع من لبس الحرير الخالص وأما المشوب فالمذاهب في ذلك معروفة فبعض الأحاديث يدل على أنه إنما يحرم الخالص لا المشوب كحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد وأبي داود قال: "إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من القز" قال: ابن عباس أما السدى والعلم فلا نرى به بأسا وبعضها يدل على المنع كما ورد في حلة السيراء فإنه غضب لما رأى عليا قد لبسها وقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين النساء" وهو في الصحيح والسيراء قد قيل أنها المخلوط بالحرير لا الحرير الخالص وقيل أنها الحرير الخالص المخططة وقيل غير ذلك ولكنه قد ورد في طريق من طرق هذا الحديث ما يفيد أنها غير خالصة فأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والدورقي هذا الحديث بلفظ "قال: علي أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة إما سداها وأما لحمتها فذكر الحديث" وأما المنع من لبس ثوب الشهرة فلحديث "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر وهذا الوعيد يدل على أن لبسه محرم في كل وقت فوقت الصلاة أولى بذلك وأما الثوب المصبوغ بالصفرة والحمرة فالأدلة في ذلك متعارضة فلهذا لم نذكره وقد أفردنا ذلك برسالة مستقلة وأما المنع من لبس الثوب المغصوب فلكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع وأما وجوب استقبال الكعبة على المشاهد ومن في حكمه فلأنه قد تمكن من اليقين فلا يعدل عنه إلى الظن والأحاديث المتواترة مصرحة بوجوب الاستقبال بل هو نص القرآن الكريم:

(1/80)


{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144] وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو قطعي من قطعيات الشريعة.
وأما كون فرض غير المشاهد ومن في حكمه استقبال الجهة فلأن ذلك هو الذي يمكنه ويدخل تحت استطاعته ولم يكلفه الله تعالى ما لا يطيق كما صرح بذلك في كتابه العزيز وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مابين المشرق والمغرب قبلة كما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه وورد مثل ذلك عن الخلفاء الراشدين وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجهة بعد خروجه من مكة وشرع للناس ذلك.

(1/81)


باب كفيية الصلاة
كيفية الصلاة
...
باب كفيية الصلاة
لا تكون شرعية إلا بالنية وأركانها كلها مفترضة إلا قعود التشهد الأوسط والاستراحة ولا يجب من أذكارها إلا التكبير والفاتحة في كل ركعة ولو كان مؤتما والتشهد الأخير والتسليم وماعدا ذلك فسنن وهي الرفع في المواضع الأربعة والضم والتوجه بعد التكبيرة والتعوذ والتأمين وقراءة غير الفاتحة معها والتشهد الأوسط والأذكار الواردة في كل ركن والاستكثار من الدعاء بخير الدنيا والآخرة بما ورد وبما لم يرد1.
أقول أما كون الصلاة لا تكون شرعية إلا بالنية فلما تقدم في الوضوء.
وأما افتراض أركانها فلكونها ماهية الصلاة التي لا يسقط التكليف إلا بفعلها وتعدم الصورة المطلوبة بعدمها وقد تكون ناقصة بنقصان بعضها وهي القيام فالركوع فالاعتدال فالسجود فالاعتدال فالسجود فالاعتدال فالقعود للتشهد وقد بين الشارع صفاتها2 وهيئاتها وكان يجعلها قربيا من السواء كما ثبت في الصحيح عنه.
ـــــــ
1 انظر ما اشتملت عليه هذه العبارة من كيفية الصلاة وموضوع الكتاب، للتعريف بالأحكام الشرعية، وما عسى أن يستفيد الناظر في هذا. والله أعلم. من خط الفاضل العمراني سلمه الله تعالى.
2 قلت: وذلك كما روى البراء بن عازب " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" أخرجه مسلم رحمه الله تعالى. ومثل حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت =

(1/82)


وأما عدم وجوب قعود التشهد الأوسط فلكونه لم يأت في الأدلة ما يدل على وجوبه بخصوصه كما ورد في قعود التشهد الأخير فإن الأحاديث التي فيها الأوامر بالتشهد قد اقترنت بما يفيد أن المراد التشهد الأخير.
فإن قلت قد ذكر التشهد الأوسط في حديث المسيء كما في رواية لأبي داود من حديث رفاعة ولم يذكر فيه التشهد الأخير.
قلت لا تقوم الحجة بمثل ذلك ولا يثبت به التكليف العام والتشهد الأخير وإن لم يثبت ذكره في حديث المسيء فقد وردت به الأوامر وصرح الصحابة بافتراضه.
وأما عدم وجوب قعدة الاستراحة فلكونه لم يأت دليل يفيد وجوبها وذكرها في حديث المسيء وهم كما صرح بذلك البخاري.
وأما كون التكبير واجبا فلقوله: تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] ولقوله: صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ولما ورد من أن تحريم الصلاة التكبير.
وأما وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة فلقوله: صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وفي لفظ من حديث المسيء لأبي داود "ثم اقرأ بأم الكتاب" وكذلك في لفظ منه لأحمد وابن حبان بزيادة "ثم اصنع ذلك في كل ركعة" بعد قوله: "ثم اقرأ بأم القرآن" فكان ذلك بيانا لما تيسر وورد ما يفيد وجوب الفاتحة في غير حديث المسيء كأحاديث "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" وهي صحيحة ويدل على وجوبها في كل ركعة ما وقع في
ـــــــ
= أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين" أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. قال القرطبي: هذا يدل على أن الأصل في السجود الجبهة، والأنف تبع لها. وقال ابن دقيق العيد: معناه أنه جعلهما كليهما عضوا واحدا، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية. ولا يخفى أن إغفال مثل هذا البيان ليس على ما ينبغي، إذ هو بيان لماهية الركن. ه. لمحرره.

(1/83)


حديث المسيء فإنه صلى الله عليه وسلم وصف له ما يفعل في كل ركعة وقد أمره بقراءة الفاتحة فكانت
من جملة ما يجب في كل ركعة كما أنه يجب فعل ما أقترن بها في كل ركعة ورد ما يفيد ذلك من لفظه صلى الله عليه وسلم فإنه قال للمسيء: "ثم افعل ذلك في الصلاة كلها1" وهو في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ذلك بعد أن وصف له ما يفعل في الركعة الواحدة لا في جملة الصلاة فكان ذلك قرينة على أن المراد بالصلاة كل ركعة تماثل تلك الركعة من الصلاة.
و أما وجوب الفاتحة في كل ركعة على المؤتم فلما ورد من الأدلة الدالة على أن المؤتم يقرؤها خلف الإمام كحديث: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب" ونحوه ولدخول المؤتم تحت هذه الأدلة المقتضية لوجوب الفاتحة في كل ركعة من كل مصل2.
ـــــــ
1 وأوضح من هذا ما أفاده صاحب البدر المنير: أن أحمد وابن حبان أخرجا حديث المسيء بلفظ: "ثم اقرأ بأم القرآن" – إلى أن قال – " ثم اصنع ذلك في كل ركعة". وقال: هذه رواية جليلة فاستفدها. والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.
2 قد ورد الأمر بتسبيح الركوع والسجود ثلاثا ثلاثا، وورد أيضا الأمر بالدعاء في السجود.
فأما الأول: فأخرج أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن ابن مسعود قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ركع أحدكم فليقل. سبحان ربي العظيم ثلاثا" وذلك أدناه.
وأما الثاني: فأخرج مسلم عن ابن عباس: "فأما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم" وقد ذهب إلى وجوب التسبيح أحمد وطائفة من أهل الحديث. ولم يعتذر مخالفوهم إلا بعدم الذكر في حديث المسيء. ولا يخفى ما فيه. من خط الفاضل العمراني سلمه الله تعالى..
قيل: حديث ابن مسعود سيأتي في أثناء البحث عن ذكر الركوع والسجود. فلا معنى لذكره هنا. هـ. والله أعلم.
مراد المحشي، أنه في هذا ورد بلفظ الأمر الدال على الوجوب. فكيف يجعله المؤلف مسنونا. والذي ذكره المؤلف فيما يأتي فليس فيه بلفظ الأمر. فلا يخفى عليك. من خط العلامة حسن قدس سره.
وعلى كل حال فوضعها هنا غير مناسب، ولو كتبها العمراني فيما كتبه على الكلام في ذكر الركوع والسجود لكان صوابا.

(1/84)


وأما وجوب التشهد الأخير فلورود الأمر به في الأحاديث الصحيحية وألفاظه معروفة وقد ورد بألفاظ من طريق جماعة من الصحابة وفي كل تشهد ألفاظ تخالف التشهد الآخر والحق الذي لا محيص عنه أنه يجزئ المصلي بأن يتشهد بكل واحد من تلك التشهدات الخارجة من مخرج صحيح وأصحها التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديثه بلفظ: "التحيات لله والصلوات والطبيات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" وفي بعض ألفاظه "إذا قعد أحدكم فليقل".
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي يفعلها المصلي في التشهد فقد وردت بألفاظ وكل منها ما صح منها أجزأ ومن أصح ما ورد ما ثبت في الصحيح بلفظ: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وورد ما يفيد وجوب التعوذ من أربع كما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جنهم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وشر المسيح الدجال" وورد نحو ذلك من حديث عائشة وهو في الصحيحين وغيرهما فيكون هذا التعوذ من تمام التشهد ثم يتخير المصلى بعد ذلك من الدعاء أعجبه كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1/85)


وأما وجوب التسليم فلكون النبي صلى الله عليه وسلم جعله تحليل الصلاة فلا تحليل لها إلا به فأفاد ذلك وجوبه وأن لم يرد في حديث المسيء.
وأما كون ما عدا ما تقدم سننا فلأنه لم يرد فيها وجوبها من أمر بالفعل أو نهي عن الترك غير مصروفين عن المعنى الحقيقي أو وعيد شديد يفيد الوجوب ولا ذكر شيء منها في حديث المسيء إلا على وجه لا تقوم به الحجة أو قد تقوم به وورد ما يفيد أنه غير واجب.
وأما مشروعية الرفع في المواضع الأربعة وهي عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الاعتدال من الركوع والموضع الرابع عند القيام إلى الركعة الثالثة فقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة وأما عند التكبير فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو خمسين رجلا من الصحابة منهم العشرة المبشرة بالجنة ورواه كثير من الأئمة عن جميع الصحابة من غير استثناء وقال: النووي في شرح مسلم أنها اجتمعت الأمة على ذلك عند تكبيرة الإحرام وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك وقد ذهب إلى وجوبه داود الظاهري وأبو الحسن أحمد بن سيار والنيسابوري والأوزاعي والحميدي وابن خزيمة وأما الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه رواه زيادة عن عشرين نفسا من الصحابة وقال: محمد بن نصر المروزي أنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة وأما الرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة فهو ثابت في الصحيح من حديث ابن عمر وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه أيضا أحمد بن حنبل من حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم1.
ـــــــ
= البيهقي من فعله صلى الله عليه وسلم، وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص فيه فيكون جامعا في التوحيد بين الفعل والقول والاعتقاد. ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالأصبعين وقال: "أحد أحد" لمن رآه يشير بأصبعيه. هـ. لمحرره.
1 أغفل شيخنا تولى الله توفيقه هيئة رفع اليدين. وفي حديث ابن عمر في الصحيحين: " كان يرفع يديه حذو منكبيه" الحديث. وفي حديث أبي حميد: "يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، =

(1/86)


وأما الضم لليدين اليمنى على اليسرى حال القيام إما على الصدر أو تحت السرة أو بينهما فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر صحابيا حتى قال: ابن عبد البر أنه لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف.
وأما التوجه فقد وردت فيه أحاديث بألفاظ مختلفة يجزئ التوجه بواحد منها إذا خرج من مخرج صحيح وأصحها الاستفتاح المروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في الصحيحين وغيرهما بل قد قيل أنه تواتر لفظا وهو "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" .
وأما كونه بعد التكبيرة فلم يأت في ذلك خلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كل من روى عنه الاسيتفتاح روى أنه بعد التكبيرة.
وأما التعوذ فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله بعد
ـــــــ
= ثم يكبر". أخرجه أبو داود. وفي حديث مالك بن الحويرث عند مسلم رحمه الله تعالى حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. قال في سبل السلام: ذهب البعض إلى ترجيح حديث ابن عمر لكونه متفقا عليه – وجمع آخرون بينهما فقالوا: يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين، وتأيدوا لذلك برواية أبي داود عن وائل بلفظ: "حتى كانت حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه" وهذا جمع حسن. انتهى.
وأيضا: أغفل أبقاه الله هيئة الركوع والسجود، في حديث عائشة عن مسلم رحمه الله تعالى:" وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك". أي بين المذكور من الخفض والرفع. وفي حديث أبي حميد عند البخاري: "وإذا ركع مكن يديه من ركبتيه، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ذراعيه ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.
وأيضا أغفل سلمه الله تعالى هيئة التشهد الأوسط والتشهد الأخير، وفي حديث أبي حميد: "وإذا جلس في الركعتين قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته لمحرره".

(1/87)


الاستفتاح قبل القراءة ولفظه "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" كما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري.
وأما التأمين فقد ورد به نحو سبعة عشر حديثا وربما تفيد أحاديثه الوجوب على المؤتم إذا أمن إمامه كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إذا أمن الإمام فأمنوا" فيكون ما في المختصر مقيدا بغير المؤتم إذا أمن إمامه وقد ذهب إلى مشروعيته جمهور أهل العلم ومما يؤكد مشروعيته كون فيه إغاظة لليهود لما أخرجه ابن ماجه والطبراني من حديث عائشة مرفوعا "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين".
وأما قراءة غير الفاتحة معها فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأولين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب" وورد ما يشعر بوجوب قرآن مع الفاتحة من غير تعيين كحديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادى لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا" وقد أعلها البخاري في جزء القراءة وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد بلفظ "أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر" قال: ابن سيد الناس وإسناده صحيح ورجاله ثقات وقال: الحافظ بن حجر إسناده صحيح وأخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد بلفظ "لا صلاة لمن لم لا يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة وهو حديث ضعيف1 وهذه الأحاديث لا تقصر عن إفادة إيجاب قرآن مع الفاتحة من غير تقييد بل مجرد
ـــــــ
1يعارضه ما أخرجه البيهقي في جزء القراءة صححه الأسيوطي عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: "من صلى طلاة مكتوبة أو سبحة فليقرأ فيها بأم القرآن قبله إذا سكت، ومن صلى صلاة ولم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج – ثلاث مرات –" وأخرجه فيه بطرق مختلفة، وألفاظ متقاربة. والله أعلم. من خط الفاضل العمراني سلمه الله تعالى.

(1/88)


الآية الواحدة يكفي. وأما زيادة على ذلك كقراءة سورة مع الفاتحة في كل ركعة من الأوليين فليس بواجب فيكون ما في المختصر مقيدا بما فوق الآية.
وأما التشهد الأوسط فلم يرد فيه ألفاظ تخصه بل يقول فيه ما يقول في التشهد الأخير ولكنه يسرع بذلك وقد روى أحمد والنسائي من حديث ابن مسعود قال: إن محمدا قال: "إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عزوجل" ورجاله ثقات وأخرجه الترمذي بلفظ "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدنا في الركعتين" فالتقييد بالقعود في كل ركعتين يفيد أن هذا التشهد هو التشهد الأوسط ولكن ليس فيه ما ينفي زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير مقترنة بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد بلفظ "قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة" وهو في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة وفي رواية من حديث ابن مسعود "فكيف نصلي عليك إذا صلينا في صلاتنا" وإنما لم يكن التشهد الأوسط واجبا ولا قعوده لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه سهوا فسبح الصحابة فلم يعد له بل استمر وسجد للسهو فلو كان واجبا لعاد له عند ذهاب السهو بوقوع التنبه من الصحابة فلا يقال: أن سجود السهو يكون لجبران الواجب كما يكون لجبران غير الواجب لأنا نقول محل الدليل ههنا1 هو عدم العود لفعله بعد التنبه على السهو.
ـــــــ
1 ذكرت بهذا إيراد بعضهم في هذا المقام الدور على هذا الاستدلال قال: إنهم استدلوا بهذا الحديث على عدم وجوب التشهد الأوسط وأنه من مسنونات الصلاة، واستدلوا به أيضا على إثبات سجود السهو لترك كل مسنون قال فقد توقف ثبوت أحدهما على ثبوت الآخر، وأثبت كل من مسنونية التشهد الأوسط، وثبوت سجود السهو للمسنون بالآخر، وذلك يرجع بالآخرة إلى إثبات الشيئ بنفسه وهو خلف من القول.
وأقول هذا وهم فإنه لم يتوارد الاستدلالان على محل واحد حتى يلزم الدور ويلزم ما قاله من إثبات الشي بنفسه. بل محل الاستدلال على مسنونية التشهد الأوسط دون الوجوب عدم عود =

(1/89)


وأما الأذكار الواردة في كل ركن فهي كثيرة جدا منها تكبير الركوع والسجود والرفع والخفض كما دل عليه حديث ابن مسعود قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود" أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وأخرج نحوه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه وأخرجا نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي الباب أحاديث إلا عند الارتفاع من الركوع فإن الإمام والمنفرد يقولان سمع الله لمن حمده و المؤتم يقول اللهم ربنا لك الحمد وهو في الصحيح من حديث أبي موسى.
وأما ذكر الركوع فهو سبحان ربي العظيم وذكر السجود سبحان ربي الأعلى ويدعوا بعد ذلك بما أحب من المأثور وغيره وأقل ما يستحب من التسبيح في الركوع والسجود ثلاث لحديث ابن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ركع أحدكم فقال: في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال: في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وفي إسناده انقطاع.
وأما ذكر الاعتدال من الركوع فقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل1 الثناء والمجد أحق2 ما قال العبد وكلّنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" .
ـــــــ
= الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سبح له الصحابة ومحل الاستدلال على إثبات سجود السهو للمسنونات في الصلاة وهو سجود الرسول صلى الله عليه وسلم لما ترك القعود الأوسط. وقد تقررت سنيته من عدم العود له. هـ. لمحرره.
1 يجوز نصبه على النداء ورفعه على الخبر لمحذوف، أي أنت أهل.
2 أحق بالرفع على أن خبر مبتدأ محذوف، وما مصدرية تقديره هذا، أي قوله: قوله: "اللهم ربنا لك =

(1/90)


وأما ذكر ما بين السجدتين فقد روى الترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين "اللهم أغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني" والأحاديث في الأذكار الكائنة في الصلاة كثيرة جدا فينبغي الاستكثار من الدعاء في الصلاة بخيري الدنيا والآخرة بما ورد وبما لم يرد1 كما أشرنا إليه المختصر واعلم أن هذا الباب يحتمل البسط وليس المراد هنا إلا الإشارة إلى ما يحتاج إليه وقد ذكرنا هذه المسائل في شرح المنتقى وأوردنا كل ما يحتاج إليه على وجه لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره
ـــــــ
= الحمد. إلخ " أحق قول العبد، وفي شرح المهذب نقلا عن ابن الصلاح معناه: أحق ما قال العبد قوله: لا مانع لما أعطيت إلى آخره. وقوله: وكلنا لك عبد، اعتراض بين المبتدأ. وهذا أولى. قال النووي: لما فيه من كمال التفويض إلى الله تعالى والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وقهره وسلطانه وانفراده بالوحدانية وتدبير مخلوقاته. انتهى. من سبل السلام مع بعض اختصار.
قلت: ولا يخفى أنه يرجح الوجه الأول، حذف قوله: لا مانع لما أعطيت إلخ، في بعض الروايات فيكون استئناف لا تعلق له بما قبله لمحرره.
1 فإن قلت: من أي دليل أخذ جواز الدعاء بما ورد وبما لم يرد في الصلاة؟
قلت: من عموم قوله عليه السلام: "وأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء" ومن قوله في التشهد: "ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه" فقد جعل للمصلي الاختيار في الدعاء بما شاء.

(1/91)


فصل في مبطلات الصلاة
وتبطل الصلاة بالكلام وبالاشتغال بما ليس منها وبترك شرط أو ركن عمدا.
أقول: أما بطلانها بالكلام فلحديث زيد بن أرقم في الصحيحين وغيرهما قال:كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ

(1/91)


قَانِتِينَ} [البقرة:238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وهكذا حديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إن في الصلاة لشغلا" وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود وابن حبان في صحيحه "إن الله يحدث من أمره ما يشاء وأنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة" ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم عامدا عالما فسدت صلاته وإنما الخلاف في كلام الساهي ومن لم يعلم بأنه ممنوع فأما من لم يعلم فظاهر حديث معاوية بن الحكم السلمي الثابت في الصحيح أنه لا يعيد وقد كان شأنه صلى الله عليه وسلم أن لا يحرج على الجاهل ولا يأمره بالقضاء في غالب الأحوال بل يقتصر على تعليمه وعلى إخباره بعدم جواز ما وقع منه وقد يأمره بالإعادة كما في حديث المسيء1 وأما كلام الساهي والناسي فالظاهر أنه لا فرق بينه2 وبين العامد العالم في إبطال الصلاة.
وأما بطلان الصلاة بالاشتغال بما ليس منها فذلك مقيد بأن يخرج به المصلي عن هئية الصلاة كمن يشتغل مثلا بخايطة أو نجارة أو مشي كثير أو التفات طويل أو نحو ذلك وسبب بطلانها بذلك أن الهيئة المطلوبة من المصلى قد
ـــــــ
1 قد يقال: إن المسيء قد بين الشارع وجه أمره بالإعادة، وهو قوله: "فإنك لم تصلي" فقد نفاها الشارع ولم يعتد بها، بخلاف من استكمل واجبات الصلاة، وفعل فيها ما يبطلها جاهلا، كا الكلام. وحديث معاوية بن الحكم في عدم أمره له بالإعادة دليل على أن من فعل المبطل جاهلا فهو معذور لجهله. وحديث المسيء مبين فيه "إنه لم يصل"، فعلم منه أن من صلى على غير الوجه الشرعي لا يعتد بصلاته ولا يجتزئ بها وإن كان جاهلا. فلا تتفق صورتا الجهل في هذين الحديثين. فلا وجه للجمع بينهما. إذ حديث المسيء فيمن جهل ماهية الصلاة، وحديث ابن الحكم فيمن جهل ما هو من الممنوع فيها. والشارع اعتبر الجهل في هذا ولم يعتبره في الأول. وبهذا يزول الاشتباه في حديثي المسيء ومعاوية بن الحكم. والله أعلم لمحرره.
2 يرده حديث ذي اليدين الثابت في الصحيح، ففيه: "أنه تكلم صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وذو اليدين، ثم أتموا الصلاة" وكلام العلماء في تخريج وجهه معروف يطلب من محله. من خط محمد العمراني سلمه الله.
ولعل تخريجه بأنه كلام الجاهل أقرب وأولى من جعله كلام الناسي. هـ. من خط العلامة الحسن بن يحيى رحمه الله.
وفيه: أنه كيف يصح تخريج كلام النبي صلى الله عليه وسلم على كلام الجاهل؟ تأمل.

(1/92)


صارت بذلك الفعل متغيرة عما كانت عليه حتى صار الناظر لصاحبها لا يعده مصليا.
وأما بطلانها بترك شرط كالوضوء فلأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط وأما بطلانها بترك الركن فلكون ذهابه يوجب خروج الصلاة عن هيئتها المطلوبة وإذا ترك الركن فما فوقه سهوا وإن كان قد خرج من الصلاة كما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين فإنه سلم على ركعتين ثم أخبر بذلك فكبر وفعل الركعتين المتروكتين.
وأما ترك ما لم يكن شرطا ولا ركنا من الواجبات فلا تبطل به الصلاة لأنه لا يؤثر عدمه في عدمها بل حقيقة الواجب ما يمدح فاعله ويذم تاركه وكونه يذم لا يستلزم أن صلاته باطلة والحاصل أن الشروط للشيء هي التي تثبت بدليل يدل على انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط نحو أن يقول الشارع من لم يفعل كذا فلا صلاة له أو يأتي عن الشارع ما هو تصريح بعدم الصحة أو بعدم القبول والإجزاء أو يثبت عنه النهي عن الإتيان بالمشروط بدون الشرط لأن النهي1 يدل على الفساد المرادف للبطلان على ما هو الحق وأما كون الشيء واجبا فهو يثبت بمجرد طلبه من الشارع ومجرد الطلب لا يستلزم زيادة على كون الشيء واجبا فتدبر هذا تسلم من الخبط والخلط.
ـــــــ
1 وقد أغفل شيخنا أبقاه الله من المنهي عنه في الصلاة شيءا كثيرا كبسط الذراع في السجود وكصلاة الحاكن، و بحضرة الطعام، وأن يصلي الرجل مختصرا. أي واضعا يده على خاصرته،وعن نقر الصلاة كنقر الغراب، وعن بروكه في السجو كبروك البعير، بل يضع ركبتيه قبل يديه، كما رجححه ابن القيم من نحو عشرة أوجه وعن رفع البصر إلى السماء وغير ذلك. فيطلب من محله. وكله في الصحيح. لمحرره.

(1/93)


فصل "من تجب عليهم الصلاة"
ولا تجب على غير المكلف وتسقط عمن عحز عن الإشارة أو أغمي عليه حتى حرج وقتها ويصلي المريض قائما ثم قاعدا ثم على جنب.
أقول: أما سقوطها على من ليس مكلف فلأن خطاب التكليف لا يتناول غير مكلف ولا خلاف في ذلك في الواجبات الشرعية وأما ما ورد من تعويد الصبيان وتمرينهم فالخطاب في ذلك للمكلفين والوجوب عليهم لا على الصغار وأما سقوط الصلاة بالعجز عن الإشارة فلأن إيجابها على المريض مع بلوغه إلى ذلك الحد هو من تكليف ما لا يطاق ولم يكلف الله سبحانه أحدا فوق طاقته وكذلك من أغمي عليه حتى خرج وقتها فلا وجوب عليه لأنه غير مكلف في الوقت1.
وأما كون المريض يصلي قائما ثم قاعدا ثم على جنب فلحديث عمران بن الحصين عند البخاري وأهل السنن وغيرهم قال: "كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى حنب" وقد نطق بمضمون ذلك القرآن الكريم2.
ـــــــ
1يوخذ من هذا أن إيجاب القضاء على النائم والساهي إنما هو بتشريع جديد لا بالتكليف الأول، لأن النائم والساهي غير مكلفين حال النوم والسهو. وهذا هو الحق المتصور أدلته في الأصول. هـ. لمحرره.
2 قد أغفل شيخنا أبقاه الله تعالى أحكام صفة الصلاة كما أغفل أحكام سترة المصلي ودفع المار وأحكام المساجد، وهي كما لا يخفى مما صح دليله. والله أعلم – هـ- من خط العمراني سلمه الله تعالى.

(1/94)


باب صلاة التطوع
هي أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل صلاة الفجر وصلاة الضحى وصلاة الليل وأكثرها ثلاث عشرة ركعة يوتر في آخرها وتحية المسجد والاستخارة وركعتان بين كل آذان وإقامة.
أما مشروعية الأربع قبل الظهر والأربع بعده والأربع قبل العصر فلما ثبت في ذلك من حديث أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها حرمه الله على النار" رواه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا" وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن خزيمة.
وأما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء وقبل الفجر فلما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الغداة وأخرج نحوه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه وأحمد والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة وأخرج نحوه مسلم رحمه الله وأهل السنن من حديث أم حبيبة ولا ينافي هذا ما تقدم من الدليل الدال على مشروعية أربع قبل الظهر وأربع بعده لأن هذه زيادة مقبولة وثبت

(1/95)


في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر1" وثبت في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديثها "أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها" وفيهما أحاديث كثيرة.
وأما صلاة الضحى فالأحاديث فيها متواترة عن جماعة من الصحابة وأقلها ركعتان كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما وأكثرها أثنا عشر ركعة كما دلت على ذلك الأدلة.
وأما صلاة الليل فالأحاديث فيها صحيحة متواترة لا يتسع المقام لبسطها وأكثرها ثلاث عشرة ركعة يوتر في آخرها بركعة إما منفردة أو منضمة إلى شفع قبلها وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل على أنحاء محتلفة فتارة يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بعدها بركعة وتارة يصلي أربعا أربعا وتارة يجمع بين زيادة على الأربع وذلك كله سنة ثابتة.
وأما مشروعية تحية المسجد فلحديث "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" أخرجه الجماعة من حديث أبي قتادة وفي ذلك أحاديث كثيرة وقد وقع الاتفاق على مشروعية تحية المسجد وذهب أهل الظاهر إلى
ـــــــ
1لم يذكر شيخنا أبقاه الله تخفيف ركعتي الفجر.وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في الصحيحين.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وحكم الضجعة بعدهما. وقد ثبت استمرار فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في البخاري، وعند أحمد، وأبي داود، والترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الفجر فليضطجع على شقه الأيمن" من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.
قلت: ومن أحكامها ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يصل الركعتي الفجر فليصليهما بعد ما تطلع الشمس" . أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه الحاكم وأقره الذهبي. هـ. لمحرره.

(1/96)


أنهما واجبتان وذلك غير بعيد وقد حققت المقام في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة.
وأما مشروعية صلاة الاستخارة ففيها أحاديث كثيرة. منها: حديث جابر عند البخاري وغيره بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقذرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال: ويسمى حاجته".
وأما مشروعية الركعتين بين آذان وإقامة فلحديث "بين كل أذانين صلاة" قال: ذلك ثلاث مرات ثم قال: "لمن شاء" وهو حديث صحيح والمراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا كالقمرين والعمرين.

(1/97)


باب صلاة الجماعة
هي من آكد السنن وتنعقد باثنين وإذا كثر الجمع كان الثواب أكثر وتصح بعد المفضول والأولى أن يكون الإمام من الحيار ويؤم الرجل بالنساء لا العكس والمفترض بالمنفل والعكس وتجب المتابعة في غير مبطل ولا يؤم الرجل قوما هم له كارهون ويصلى بهم صلاة أخفهم ويقدم السلطان ورب المنزل والا قرأ ثم لأعلم ثم الأسن وإذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المؤتمين وموقفهم حلفه إلا الواحد فعن يمنيه وإمامة النساء وسط الصف ويقدم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء والأحق بالصف الأول أولو الأحلام والنهى وعلى الجماعة أن يسووا صفوفهم وأن يسدوا الخلل ويقيموا الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك.
أما كونها من آكد السنن، فلما ورد فيها من الترغبيات حتى أنه صلى الله عليه وسلم صرح بأنها تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة كما في الصحيحين ووقع منه الإخبار بأنه قد هم بأن يحرق على المتحلفين دورهم ولازمها صلى الله عليه وسلم من الوقت الذي شرعها الله فيه إلى أن قبضه الله إليه ولم يرخص صلى الله عليه وسلم في تركها لمن سمع النداء1 فإنه سأله الرجل الأعمى أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى
ـــــــ
1لعله أشار إلى ما أخرجه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم. قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأتي الصلاة فلا صلاة له" ، لكنه ليس ثابتا في الصحيح كما عرفت، والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

(1/98)


دعاه فقال : هل تسمع النداء قال: نعم قال: فأجب" وكل ما ذكرناه ثابت في الصحيح وثبت في الصحيح أيضا عن ابن مسعود " أنه قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".
وأما انعقاد الجماعة باثنين فليس في ذلك خلاف وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أنه صلى بالليل مع النبي صلى الله عليه وسلم وجده وقعد عن يساره فأداره إلى يمنيه".
وأما كثرة الثواب إذا كثر الجمع فقد ثبت عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله" أحرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم وأما صحة الجماعة بعد المفضول فقد صلى صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر1 وبعد غيره من الصحابة كما في الصحيح ولعدم وجود دليل يدل على أنه يكون الإمام أفضل والأحاديث التي فيها "لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه" ونحوها ولا تقوم بها الحجة وعلى فرض أنها تقوم بها الحجة فليس فيها إلا المنع من إمامة من كان ذا جرأة في دينه وليس فيها المنع من إمامة المفضول وقد عورض ذلك بأحاديث تتضمن الإرشاد إلى الصلاة خلف كل بر وفاجر وخلف من قال: لا إله إلا الله وهي ضعيفة وليست بأضعف مما عارضها والأصل أن الصلاة عبادة يصح تأديتها خلف كل مصل إذا قام بأركانها وأذكارها على وجه لا تخرج به الصلاة عن الصورة المجزئة وإن كان الإمام غير متجنب للمعاصي ولا متورع عن كثير مما يتورع عنه غيره ولهذا أن الشارع إنما اعتبر حسن القراءة والعلم والسنن ولو لم يعتبر الورع والعدالة فقال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء
ـــــــ
1صلاته خلف أبي بكر ثابتة عند الشيخين مرتين، وعند مسلم: "أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف". وينظر هل صلى خلف أحد غيرهما. من خط العمراني رحمه الله

(1/99)


فأعلمهم بالسنة فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" أخرجه مسلم رحمه الله وغيره من حديث ابن مسعود وفي حديث مالك بن الحويرث "وليؤمكما أكبركما" وهو في الصحيحين وغيرهما وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة مرتين فصلى بهم وهو أعمى والحاصل أن الشارع اعتبر الأفضلية في القراءة والعلم والسنة وقدم الهجرة وعلو السن فلا ينبغي للمفضول في مثل هذه الأمور أن يؤم الفاضل إلا بإذنه ولا اعتبار بالفضل في غير ذلك.
وأما أولوية أن يكون الإمام من الخيار فلحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" رواه الدارقطني وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" .
وأما كونه يؤم الرجل بالنساء لا العكس فلحديث أنس في الصحيحين وغيرهما "أنه صف هو واليتيم وراء النبي صلى الله عليه وسلم والعجوز من روائهم" وقد أخرج الإسماعيلى عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا" وقد كانت النساء يصلين خلفه صلى الله عليه وسلم في مسجده وليس في صلاة النساء خلف الرجل مع الرجال نزاع وإنما الخلاف في صلاة الرجل بالنساء فقط ومن زعم أن ذلك لا يصح فعليه الدليل وأما عدم صحة إمامة المرأة بالرجل فلأنها عورة وناقصة عقل ودين والرجال قوامون على النساء " ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" كما ثبت في الصحيح ومن ائتم بالمرأة فقد ولاها أمر صلاته وأما كونه يؤم المفترض بالمنتفل والعكس فلا خلاف1 في صحة صلاة
ـــــــ
1 قد أكثر شيخنا في هذا الشرح من الاستناد إلى الاجماع وليس بحجة ولا هو في مقام حجاج، ونستدل لهذه المسألة بما أخرجه أحمد، أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن حبان، وصححه، عن يزيد بن الأسود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجلين لم يصليا معه ترعد فرائصها فقال: ما منعكما أن تصليا معنا، قالا: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنه لكم نافلة" ، وأخرج أبو داود=

(1/100)


المفترض بالمنتفل وأما العكس فلحديث معاذ "أنه كان يؤم قومه بعد أن يصلي تلك الصلاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم" وهي في الصحيحين وغيرهما وأما صلاة المنتفل بعد المنتفل فكما فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وصلى ابن عباس وكذلك صلاته بأنس واليتيم والعجوز وغير ذلك والكل ثابت في الصحيح. وأما كونها تجب المتابعة للإمام في غير مبطل فلحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" وهو ثابت في الصحيح من حديث أبي هريرة وأنس وجابر وثابت خارج الصحيح عن جماعة من الصحابة وورد الوعيد على المخالفة كحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه إلى رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار" أخرجه الجماعة ولا يتابعه في شيء يوجب بطلان صلاته نحو أن يتكلم أو يفعل أفعالا تخرجه عن صورة المصلي ولا خلاف في ذلك.
وأما كونه لا يؤم الرجل قوما هم له كارهون فلحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا ورجل اعتبد محرر" أخرجه أبو داود وابن ماجه وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وفيه ضعف. وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون" وقد حسنه الترمذي وضعفه البيهقي. قال
ـــــــ
= والنسائي وحسنه من حديث أبي سعيد الخدري قال:"أيكم يتجر مع هذا فقام رجل فصلى معه" والله أعلم. من خط العمراني.
وقد يقال: الحجة على الصحة عدم ورود ما يمنع عن الشرع إلا أن يقال: دليل المنع حديث: "لا تختلفوا على إمامكم" وحينئذ تكون هذه الأدلة مخصصة ومصححة للإئتمام مع الاختلاف في النية. من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.

(1/101)


النووي في الخلاصة والأرجح قول الترمذي وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا. وأما كونه يصلي بهم صلاة أخفهم فلما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء" وفي الباب أحاديث صحيحة واردة في التخفيف.
وأما كونه يقدم السلطان ورب المنزل فلما ثبت في الصيحيحين من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو مرفوعا "لا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه" وفي لفظ "لا يؤمن الرجل الرجلَ في أهله ولا سلطانه" وورد تقييد جواز ذلك بالإذن وفي لفظ لأبي داود "لا يؤم الرجل في بيته" .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن مالك بن الحويرث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم" .
وأما تقديم الأقرأ ثم الأعلم ثم الأسن فلما في حديث أبي مسعود بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" وهو في الصحيح وإنما لم نذكر الهجرة في المختصر لأنه لا هجرة بعد الفتح كما في الحديث الصحيح.
وأما كونها إذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المؤتمين فلحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم" أخرجه البخاري وغيره وأخرج ابن ماجه من حديث سهل ابن سعد نحوه.
وأما كون موقف المؤتمين خلف الإمام إلا واحد فعن يمنيه فلحديث جابر بن عبد الله "إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه ثم جاء آخر فقام عن يسار

(1/102)


النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيديهما فدفعهما حتى أقامها خلفه" وهو في الصحيح وقد كان هذا فعله وفعل أصحابه في الجماعة يقف الواحد عن يمين1 الإمام والاثنان فما زاد خلفه وقد ذهب الجمهور إلى وجوب ذلك وقال: سعيد بن المسيب أنه مندوب فقط وروى عن النخعي أن الواحد يقف خلف الإمام.
وأما كون إمامة النساء وسط الصف فلما روى من فعل عائشة أنها أمت النساء فقامت وسط الصف" أخرجه عبد الرزاق والدراقطني والبيهقي وابن شيبة والحاكم وروى مثل ذلك عن أم سلمة أخرجه الشافعي وابن شيبة وعبد الرزاق والدارقطني.
ـــــــ
1 وميمنة الصف أفضل، لما أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه عن عائشة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف" .
وقد أغفل شيخنا حفظه الله تعالى من أحكام الجماعة أفضلية الوقوف في الصف الأول، كما أخرجه البخاري عن أبي هريرة في حديث طويل وفيه: "ولو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه" وأخرج ابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الصف المتقدم ثلاثا، وعلى الثاني مرة"، وشرعية تجنب الصلاة بين السواري لما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه عن عبد الحميد بن محمود قال، صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأخرج الحاكم عن أنس وصححه: "كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها، وقال: وقال: "لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف" . وأخرج ابن ماجه عن معاوية بن قرة قال: "كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد طردا" وفي إسناده مجهول. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس يرفعه: "عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة، وإياكم والصف بين السواري" وفيه إسماعيل بن يوسف المكي. قال الهيثمي: متروك.
وكراهيته التدافع عن الإمامة لما أخرجه أبو داود، وابن ماجه، عن سلامة بنت الحر الفزارية قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماما يصلي بهم" . هـ. من خط العمراني سلمه الله تعالى.
أقول: الأولى كتب هذه الحاشية آخر هذا البحث عند قول المؤلف سلمه الله، وورد أيضا أن الوقوف يمنة الصف أولى وأفضل. هـ.

(1/103)


وأما تقديم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء فلحديث أن مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان. أخرجه أحمد وأخرج بعضه أبو داود وفي إسناده شهر ابن حوشب ويؤيده ما في الصحيحين من حديث أنس "أنه قام هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم خلفهم" وأما الأحق بالصف الأول هم أولو الأحلام والنهى فلحديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليلنى1 منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه".
وأما كون على الجماعة أن يسووا صفوفهم ويسدوا الخلل فلما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وسطوا الإمام وسدوا الخلل" وفي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" عنه أيضا في الصحيحين "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: "تراصوا واعتدلوا" وثبت في الصحيح من حديث النعمان بن بشير أنه قال صلى الله عليه وسلم: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" .
وأما كونهم يتمون الصف الأول ثم الذي يليه فلما ورد من الأحاديث الصحيحة من أمره صلى الله عليه وسلم بإتمام الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك فالسنة ألا يقف المؤتم في الصف الثاني وفي الصف الأول سعة ثم لا يقف في الصف الثالث وفي الصف الثاني سعة ثم كذلك وورد أيضا "أن الوقوف يمنة الصف أولى وأفضل" .
ـــــــ
1 قوله: ليلني بكسر اللامين وخفة النون من غير ياء قبل النون، وبإثباتها مع شدة النون على التأكيد. ! هـ. مناوي على الجامع الصغير.

(1/104)


باب سجود السهو
سجود السهو هو سجدتان قبل التسليم أو بعده بإحرام وتشهد وتحليل ويشرع لترك مسنون وللزيادة ركعة سهوا وللشك في العدد وإذا سجد الإمام تابعه المؤتم.
أقول: أما كون السجود يكون على التحيير إما قبل التسليم من الصلاة أو بعده فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سجد قبل التسليم وصح عنه أنه سجد بعده , أما ما صح عنه مما يدل على أنه قبل التسليم فحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا شك أحدكم فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة وإذا لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليجعلها اثنتين وإذا لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليجعلها ثلاثا ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين" وفي الباب أحاديث منها ما هو في صحيح كحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك جانبا وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم" ومنها ما هو في غير الصحيحين وأما ماصح عنه مما يدل على أنه بعد التسليم فكحديث ذي اليدين الثابت في الصحيحين فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم سجد بعد ما سلم" وحديث ابن مسعود وهو في الصحيحين وغيرهما مرفوعا بلفظ "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين" وحديث المغيرة بن شعبة:

(1/105)


أنه صلى بقوم فترك التشهد الأوسط فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم وقال: "هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والترمذي وصححه وحديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال: "لا وما ذاك" ؟ فقالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم" فهذه الأحاديث المصرحة بالسجود تارة قبل التسليم وتارة بعده تدل على أنه يجوز جميع ذلك و لكنه ينبغي في موارد النصوص أن يفعل كما أرشد إليه الشارع فيسجد قبل التسليم فيما أرشد إلى السجود فيه قبل التسليم ويسجد بعد التسليم فيما أرشد إلى السجود فيه بعد التسليم وما عدا ذلك هو بالخيار والكل سنة وفي المسألة مذاهب قد بسطتها في شرح المنتقى.
وأما كون سجود السهو بإحرام وتشهد وتحليل قفد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر وسلم" كما في حديث ذي اليدين الثابت في الصحيح وفي غيره من الأحاديث وأما التشهد فلحديث عمران بن الحصين أن النبي صلى الله علي هو سلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن حبان وصححه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين وقد روى نحو ذلك من حديث المغيرة وابن مسعود وعائشة.
وأما كونه يشرع لترك مسنون فلحديث سجوده صلى الله عليه وسلم لترك التشهد الأوسط ولحديث "لكل سهو سجدتان" والكلام فيه معروف1 ونحو ذلك إذا كان ذلك المسنون تركه المصلي سهوا لأنه أثبت أن سجود السهو فيه ترغيم للشيطان كما في حديث أبي سعيد الثابت في الصحيح ولا يكون الترغيم إلا مع السهو لأنه من قبل الشيطان وأما مع العمد فهو من قبل المصلي وقد فاته ثواب تلك السنة.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود، وابن ماجه بسند ضعيف. هـ. عمراني.
قلت: وقد صححه بعضهم فلم يجمع على ضعفه. هـ. لمحرره.

(1/106)


وأما كونه يشرع للزيادة ولو ركعة سهوا فللحديث المتقدم وما دون الركعة بالأولى.
وأما للشك في العدد ففيه الأحاديث المتقدمة المصرحة بأن من شك في العدد بنى على اليقين وسجد للسهو. وأما متابعة المؤتم لإمامه في سجود السهو1 فلأن ذلك من تمام الصلاة ولأنه كان يسجد الصحابة إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد الأمر بمتابعة الإمام كما سبق2.
ـــــــ
1وأخرج البزار والبيهقي بسند ضعيف عن عمر مرفوعا: "ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه، من خط العمراني سلمه الله تعالى.
2 أغفل شيخنا أبقاه الله من مواضع سجود السهو التي صح دليلها مادل عليه حديث ذي اليدين الثابت في الصحيحين، من أن من سلم قبل تمام الصلاة معتقدا للتمام أنى بما ترك وسجد للسهو فإن فيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشاء ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت الصلاة؟ فقال:"لم أنسى ولم تقصر" قال بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر". أخرجاه من حديث أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم. من خط العمراني.
وقد يقال: قد دخل هذا في الزيادة في الصلاة سهوا. من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.
فيه تأمل: إذ هو وقع منه السلام على ركعتين في الرباعية فكان الأولى بالمصنف أن يقول: وللزيادة والنقصان إلخ . ه. لمحرره.

(1/107)


باب القضاء للفوائت
إن كان الترك عمدا لا لعذر فدين الله أحق أن يقضى وإن كان لعذر فليس بقضاء بل أداء في وقت زوال العذر إلا صلاة العيد ففي ثانية.
أقول قد اختلف أهل العلم في قضاء الفوائت المتروكة لا لعذر فذهب الجمهور إلى وجوب القضاء وذهب داود الظاهري وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي وحكاه في البحر عن ابني الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر إلى أنه لا قضاء على العامد غير المعذور بل قد باء بإثم ما تركه من الصلاة وإليه ذهب شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية ولم يأت الجمهور بدليل يدل على ذلك ولم أجد دليلا لهم من كتاب ولا سنة إلا ما ورد في حديث الخثعمية حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق أن يقضى" وهو حديث صحيح وفيه من العموم الذي يفيده المصدر المضاف ما يشمل هذا الباب فهذا الدليل ليس بأيدي الموجبين سواه وقد اختلف أهل الأصول هل القضاء يكفي فيه دليل وجوب المقضي أم لابد من دليل جديد يدل على وجوب القضاء؟ والحق لا بد من دليل جديد لأن إيجاب القضاء هو تكليف مستقل غير تكليف الأداء ومحل الخلاف هو الصلاة المتروكة لغير عذر عمدا.
وأما إذا كان الترك لعذر من نوم أو سهو أو نسيان أو اشتغال بملاحمة القتال مع عدم إمكان صلاة الخوف والمسايفة فإنه يجب تأدية تلك الصلاة المتروكة عند زوال العذر وذلك وقتها وفعلها فيه أداء كما يفيد ذلك أحاديث "من نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها حين يذكرها" وقد تقدمت في أول

(1/108)


كتاب الصلاة وفي ذلك خلاف والحق أن ذلك هو وقت الأداء لا وقت القضاء للتصريح منه صلى الله عليه وسلم أن وقت الصلاة المنسية أو التي نام المصلى وقت الذكر وأما المتروكة لغير نوم وسهو كمن يترك الصلاة لاشتغاله بالقتال كما سبق فقد شغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر وما صلاهما إلا بعد هوى من الليل كما أخرجه أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد وهو في الصحيحين من حديث جابر وليس فيه ذكر الظهر بل العصر فقط.
وأما كون صلاة العيد المتروكة لعذر وهو عدم العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد تفعل في اليوم الثاني ولا تفعل في يوم العيد بعد خروج الوقت إذا حصل العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد فلحديث عمير بن أنس عن عمومة له أنه غم عليهم الهلال فأصبحوا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام.

(1/109)


باب صلاة الجمعة
تجب على مكلف إلا المرأة والعبد والمسافر والمريض وهي كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبتين قبلها ووقتها وقت الظهر وعلى من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس وأن ينصت حال الخطبتين وندب له التبكير والتطيب والتجمل والدنو من الإمام ومن أدرك ركعة منها فقد أدركها وهي في يوم العيد رخصة.
أقول: صلاة الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه وقد صرح بذلك كتاب الله عز وجل وما صح من السنة المطهرة كحديث أنه صلى الله عليه وسلم هم بإحراق من يتخلف عنها" وهو في الصحيح من حديث ابن مسعود وكحديث أبي هريرة "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" أخرجه مسلم وغيره ومن ذلك حديث حفصة مرفوعا "رواح الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه النسائي بإسناد صحيح وحديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم" أخرجه أبو داود وسيأتي وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الوقت الذي شرعها الله فيه إلى أن قبضه الله عز وجل وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين وقال: ابن العربي الجمعة فرض بإجماع الأمة وقال: ابن قدامة في المغني أجمع المسلمون على وجوب الجمعة وإنما الخلاف هل هي من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات ومن نازع في فريضة الجمعة فقد أخطأ ولم يصب.
وأما كونها لا تجب على المرأة والعبد والمسافر والمريض فلحديث "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أوصبي أو

(1/110)


مريض" أخرجه أبو داود من حديث طارق ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه الحاكم من حديث طارق عن أبي موسى قال: الحافظ وصححه غير واحد وفي حديث أبي هريرة وحديث جابر ذكر المسافر وفي الحديثين مقال: معروف والغالب أن المسافر لا يسمع النداء وقد ورد أن الجمعة على من سمع النداء كما في حديث ابن عمرو عند أبي داود.
وأما كونها كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبة قبلها فلكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها في غير ذلك وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل أنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم والمصر الجامع والعدد المحصوص فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطا بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلا ما يجب عليهما فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط ولولا حديث طارق ابن شهاب المذكور قربيا من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها في زمنه صلى الله عليه وسلم في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات.
وأما كون وقتها وقت الظهر فلكونها بدلا عنه وقد ورد ما يدل على أنها تجزئ قبل الزوال كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم يرجعون إلى القائلة يقيلون" وهو في الصحيح ومثله من حديث سهل بن سعد في الصحيحين و ثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيرحونها حين تزول الشمس" وهذا فيه التصريح بأنهم صلوها قبل زوال الشمس وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وهو الحق وذهب الجمهور إلى أن أول وقتها أول وقت الظهر.
وأما كون على من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فلحديث عبد الله بن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت" أخرجه أحمد وأبو

(1/111)


داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وغيره ولحديث أرقم بن أبي الأرقم المخزومي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي يتخطى رقاب يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبة في النار" أي أمعاءه أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده مقال: وفي الباب أحاديث منها عن معاذ بن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جنهم وعن عثمان وأنس أيضا.
وأما كونه ينصت حال الخطبتين فلحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" وهو في الصحيحين وغيرهما وأخرج أحمد وأبو داود من حديث على قال: "من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ومن قال: صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم" وفي إسناده مجهول وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة1.
وأما كونه يندب التبكير فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة
ـــــــ
1 أغفل شيخنا المصنف أبقاه الله تعالى مما صح دليله أحكام الخطبتين، وهي القيام حالهما، والفصل بينهما بالقعود. لما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما" فمن أنبأك أنه خطب جالسا فقد كذب، واشتمالها على الحمد لله والثناء عليه وتلاوة القرآن، لما أخرجه مسلم رحمه الله عن جابر قال: " كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقوم وقد على صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم ويقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها" .
وأخرج مسلم أيضا عن أم هاشم بنت حارثة قالت: ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [قّ:1] إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمع على المنبر إذا خطب الناس" وتقصيرهما، لما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى أيضا عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه" من خط العمراني سلمه الله تعالى.

(1/112)


فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" وفي الباب أحاديث في مشروعة التبكير. وأما مشروعية التطيب والتجمل فلحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه" أخرجه أحمد وأبو داود وهو في الصحيحين بلفظ "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا إن وجد" وأحرج أحمد والبخاري وغيرهما من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما أستطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب الله له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى" وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلى كان كفارة لما بينهما وبين الجمعة الأخرى" ورجال إسناده ثقات وفي الباب أحاديث.
وأما كونه يندب الدنو من الإمام فلحديث سمرة عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احضروا الذكر وادنوا من الأمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها" وفي إسناده انقطاع وفي الباب أحاديث.
ومن جملة ما يشرع يوم الجمعة الغسل وقد تقدم الكلام عليه في باب الغسل.
وأما كون من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها فلحديث "من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته" وله طرق كثيرة يصير بها حسنا لغيره وقد قدمنا أنها كسائر الصلوات وليست الخطبة بشرط من شروط الجمعة حتى يتوقف إدراك الصلاة على إدراك الخطبة وقد أوضحت

(1/113)


المقال: في أبحاث مطولة وقعت مع بعض الأعلام مشتملة على مايحتاج إليه في هذا البحث فليرجع إلى ذلك فهو مفيد جدا.
وأما كونها في يوم العيد رحصة فلحديث زيد بن أرقم "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد في يوم جمعة ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يجمع فليجمع" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه و النسائي والحاكم وصححه على بن المدينى وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه قال: اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون" وقد أعل بالإرسال وفي إسناده أيضا بقية ابن الوليد1 وفي الباب أحاديث عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما وظاهر أحاديث الترخيص تشمل من صلى العيد ومن لم يصل بل روى النسائي وأبو داود أن ابن الزبير أيام خلافته لم يصل بالناس الجمعة بعد صلاة العيد فقال: ابن عباس لما بلغه ذلك أصاب السنة وفي إسناده مقال2
ـــــــ
1لكنه رواه عن شعبة رحمه الله مصرحا بالتحديث. وقال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن بقية لم يختلف في صدقة إذا روى عن المشهورين من خط العمراني.
2 الحديث المذكور، أخرجه أبو داود، عن محمد بن طريف البجلي، عن أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح قال: "صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا له ذلك، فقال: أصاب السنة". وهؤلاء كلهم رجال الصحيح، وأسباط بن محمد إنما ضعف في الثوري فقط، وعن يحيى بن خلف عن أبي عاصم عن ابن جريج قال، قال عطاء: "اجتمع يوم الفطر ويوم الجمعة على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر". وهؤلاء كلهم رجال الصحيح أيضا، فإن أبا عاصم هم النبيل. قال المزي في الأطراف في ترجمة ابن جريج من ترجمة عطاء عن جابر حديث "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا الأضحى" –ح- في العيدين، عن إبراهيم بن موسى عن هشام، وعن محمد ابن رافع قصة لابن الزبير، ثم قال في ترجمة عطاء عن ابن الزبير: حديث "اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا" الحديث موقوف، وأبو داود في الصلاة

(1/114)


باب صلاة العيدين
هي ركعتان في الأولى سبع تكيبرات قبل القراءة وفي الثانية خمس كذلك ويخطب بعدها ويستحب التجمل والخروج إلى خارج البلد ومخالفة الطريق والأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى ووقتها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال ولا أذان فيها ولا إقامة.
أقول: قد أحتلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا والحق الوجوب لأنه صلى الله عليه وسلم مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره صلى الله عليه وسلم للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الراكب برؤية الهلال وهو حديث صحيح وثبت في الصحيح من حديث أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض ذوات الخدور" فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين والأمر بالخروج يقتضي الأمر
ـــــــ
= وساقه من طريق يحيى بنخلف كما سلف أيضا، وحديث عبد الرزاق في ترجمته ابن جريج عن عطاء عن جابر. نعم قال شيخنا في شرح المنتقى، وفعل ابن الزبير وقول ابن عباس: أصاب السنة، قال ابن المنذر لا يثبت وفي إسناده إياس بن أبي رملة وهو مجهول. وهذا وهم، فإن إياسا المذكور إنما هو في إسناده حديث زيد بن أرقم، كما في سنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، ومستدرك الحاكم وهو الذي تنادى به عبارة التلخيص، فإنه قال بعد سياقه حديث زيد بن أرقم ومخرجيه كما نقله شيخنا، ورواه النسائي، وأبو داود، والحاكم من حديث عطاء: أن ابن الزبير فعل ذلك، وأنه سأل ابن عباس فقال: "أصاب السنة". قال ابن المنذر: هذا الحديث لا يثبت، وإياس بن أبي رملة راويه عن زيد مجهول، ولعل الوهم وقع لشيخنا من جعل الإشارة إلى حديث عطاء، وهي إلى حديث زيد، كما يشعر به قوله: وإياس إلخ. وقد وقع هذا الوهم لشيخنا بعينه في شرح المنتقى. والله أعلم. من خط العمراني سلمه الله تعالى.

(1/115)


بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب والرجال بذلك أولى من النساء.
وأما كون التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس كذلك فلحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشر تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية أخرجه أحمد وابن ماجه وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذه قال العراقي: إسناده صالح ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال: إنه حديث صحيح وفي رواية لأبي داود والدارقطني التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كليتهما وإسناد الحديث صالح وقد صححه البخاري وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا قبل القراءة وقد حسنه الترمذي وأنكر عليه تحسينه لأن في إسناده كثير ابن عبد الله ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وهو متروك قال: النووي لعله اعتضد بشواهد وغيرها انتهى.
قال العراقي: إن الترمذي إنما تبع في ذلك البخاري فقد قال في كتاب العلل المفرد: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح منه وبه أقول انتهى.
وقد أخرجه ابن ماجه بدون ذكر القراءة وأخرجه الدارقطني وابن عدي والبيهقي وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال الشافعي وأبو داود: أنه ركن من أركان الكذب وقال: ابن حبان له نسحه موضوعة عن أبيه عن جده وأخرج ابن ماجه من حديث سعد القرظ المؤذن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال العراقي: وإسناده ضعيف وفي الباب أحاديث تشهد بذلك والجميع يصلح للاحتجاج به وفي المسألة عشرة مذاهب هذا أرجحها.
وأما كون الخطبة بعد الصلوات فلما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى

(1/116)


المصلي وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وإن كان يريد أن يقطع بعثا أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف" وفي الباب من حديث جابر عند مسلم وغيره وأول من خطب قبل الصلاة في العيد مروان وأنكر عليه ذلك.
وأخرج النسائي وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن السائب قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: إنا نريد أن نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب. وأما كونه يستحب في العيد التجمل بالثياب فقد ثبت في الصحيحين أن عمر وجد حلة في السوق من إستبرق تباع فأخذها فأتى بها النبي فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد فقال: " إنما هذه لباس من لا خلاق له" وأخرج الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد" وشيخ الشافعي ضعيف ولكنه قد تابعه سعيد ابن الصلت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن ابن عباس بمثله وأخرجه الطبراني وأخرج ابن خزيمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس البرد الأحمر في العيدين وفي الجمعة".
وأما كونه يستحب الخروج إلى خارج البلد فلمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك وصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد لمطر وقع كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وفي إسناده مجهول.
وأما استحباب مخالفة الطريق فلحديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" وأخرج أبو داود وابن ماجه نحو من حديث ابن عمر وفي الباب أحاديث غير ما ذكر.
وأما استحباب الأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى فلما ثبت في الصحيح من حديث أنس قال: كان النبي لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا" وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان

(1/117)


والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث بريدة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع" وزاد أحمد "فيأكل من أضحيته" وفي الباب أحاديث. وأما كون وقتها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال فلما أخرجه أحمد بن الحسن البناء في كتاب الأضاحي من حديث جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح" وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله ابن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه" وذلك حين التسبيح أي حين وقت صلاة العيد وأخرج الشافعي مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر" وفي إسناده إبراهيم بن محمد شيخ الشافعي وهو ضعيف وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث فإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة وأما آخر وقت صلاة العيدين فزوال الشمس وإذا كان الغدو من بعد طلوع الشمس إلى الزوال كما قال: بعض أهل العلم فحديث أمره صلى الله عليه وسلم للركب1 أن يغدو إلى مصلاهم يدل على ذلك قال: في البحر وهي بعد انبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافا.
وأما كونه لا أذان فيها و إقامة فلما ثبت في الصحيح من حديث جابر بن سمرة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين العيدين بغير أذان ولا إقامة وثبت في الصحيحين عن ابن عباس "أنه قال: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" وفي الباب أحاديث2.
ـــــــ
1 الأوولى حذف – للركب- لأن الأمر وقع للناس جميعا لأجل خبر الركب. هـ لمحرره.
2 أغفل شيخنا أبقاه الله تعالى مشروعية ترك الصلاة قبلها وبعدها، لما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأهل السنن عن ابن عباس ذكر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها". وأخرج مسلم، وابن ماجه، عن أبي سعيد نحوه. وأخرج أحمد، والحاكم، والترمذي وصححه عن ابن عمر نحوه. وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا "لا صلاة يوم =

(1/118)


باب صلاة الخوف
قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات مختلفة وكلها مجزئة وإذا اشتد الخوف والتحم القتال صلاها الراكب والراجل ولو إلى غير قبلة ولو بالإيماء.
أقول: صلاة الخوف قد وردت على أنحاء مختلفة قيل على ستة عشر وقيل على سبعة عشر وقيل ثمانية عشر وقيل أقل من ذلك وقد صح منها أنواع.
فمنها أنه صلىبكل طائفة ركعتين فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان وهذ الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث جابر.
ومنها أنه صلى بكل طائفة ركعة فكان له ركعتان وللقوم ركعة وهذه الصفة أخرجها النسائي بإسناد رجاله ثقات.
ومنها "أنه صلى بهم جميعا فكبر وكبروا وركع وركعوا ورفع ورفعوا ثم سجد وسجد معه الصف الذي يليه ثم قام الصف المؤخر في نحو العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم وفعلوا كالركعة الأولى ولكنه قد صار الصف المؤخر مقدما والمقدم مؤخرا ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعا" وهذه الصفة ثابته في صحيح مسلم رحمه الله وغيره من حديث جابر ومن حديث أبي عياش الززقي عند أحمد وأبي داود والنسائي.
ـــــــ
= العيد قبلها ولا بعدها". من خط العمراني. هـ.
قلت: قال شيخنا في شرع المنتقى: ينظر في سند حديث عبد الله بن عمرو هذا. لمحرره

(1/119)


ومنها "أنه صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام في أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم ثم قضى هؤلاء ركعة" وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر.
ومنها "أنها قامت مع النبي صلى الله عليه وسلم طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة فكبر فكبروا جميعا الذين معه والذين مقابل العدو ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه ثم سجد فسجدت التي تليه والآخرون قيام مقابل العدو ثم قام وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو وقابلوهم وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو ثم قاموا فركع ركعة أخرى فركعوا معه وسجد وسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعا" فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم لكل طائفة ركعتان وهذه الصفة أخرجها أحمد والنسائي وأبو داود. ومنها "أنه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعة وطائفة وجاه العدو ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته فأتموا لأنفسهم فسلم بهم" وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث سهل بن أبي حثمه وإنما اختلف صلاته صلى الله عليه وسلم في الخوف لأنه كان في كل موطن يتحرى ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
وأما صلاة المغرب فقد وقع الإجماع على أنه لا يدخلها القصر1 ووقع الخلاف هل الأولى أن يصلى الإمام بالطائفة الأولى ركعتين والثانية ركعة أو العكس ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى أن عليا رضي الله عنه صلاها ليلة الهرير واختلفت الرواية في حكاية قعلة كما اختلفت الأقوال،
ـــــــ
1 ينظر: هذه الجملة، حقها في باب القصر.

(1/120)


والظاهر أن الكل جائز إن صلى لكل طائفة ثلاث ركعات فيكون له ست ركعات وللقوم ثلاث ركعات فهو صواب قياسا على فعله في غيرها وقد تقرر صحة إمامة المتنفل بالمفترض كما سبق.
وأما صلاة الخوف عند التحام القتال وهي التي يقال: لها صلاة المسايف فقد أخرج البخاري عن ابن عمر في تفسير سورة البقرة بلفظ "فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها" قال: مالك قال: نافع "لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهو في مسلم من قول ابن عمر بنحو ذلك وقد رواه ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف صلاة الخوف وقال: " فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا" وأخرج أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن أنيس قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد ابن سفيان الهذلي وكان نحو عرنه وعرفات فقال: اذهب فاقتله قال: فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت إني أخاف أن يكون بينى وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشى وأنا أصلى أومئ إيماء نحوه فلما دنوت منه الحديث" ومن البعيد أن لا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولو أنكره لذكر ذلك1.
ـــــــ
1 تحريره أن يقال: مثل هذا الأمر يبعد عدم إخبار الشارع به، فثبت أنه أخبره به، وتوفر الدواعي إلى نقل الأحكام الشرعية يمنع من عدم ذكر إنكار الشارع لو كان ثم إنكار، فثبت أنه لم ينكره وهو المطلوب. هـ. لمحرره

(1/121)


باب صلاة السفر
يجب القصر على من خرج من بلده قاصدا للسفر وإن كان دون بريد وإذا قام ببلد مترردا قصر إلى عشرين يوما وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها وله الجمع تقديما وتأخير بأذان وإقامتين.
أقول: أما وجوب القصر فلحديث عائشة الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر" فهذا يشعر بأن صلاة السفر باقية على الأصل فمن أتم فكأنه صلى في الحضر الثنائية أربعا والرباعية ثمانيا عمدا وثبت أيضا في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقتصر في جميع أسفاره على القصر.
وأما كونه يجب القصر على من خرج من بلده قاصدا للسفر وإن كان دون بريد فوجهة أن الله سبحانه قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب لكنه خرج الضرب أي المشي لغير السفر بما كان يقع منه صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه ولا يقصر ولم يأت في تعين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وشرعا ومن خرج من بلده قاصدا إلى محل يعد في مسيره إليه مسافرا قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون البريد ولم يأت من اعتبر البريد واليوم واليومين والثلاث وما زاد على ذلك بحجة نيرة وغاية ما جاءوا به حديث "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذى محرم" وفي رواية " يوما وليلة"

(1/122)


وفي رواية بريدا. وليس في هذا الحديث ذكر القصر ولا هو في سياقه والاحتجاج به مجرد تخمين وأحسن ما ورد في التقدير ما رواه شعبة عن يحيى بن زيد الهنائي قال: "سألت أنسا عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين" والشك من شعبة أخرجه مسلم رحمه الله وغيره.
فإن قلت محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم هو كونه صلى الله عليه وسلم سمى ذلك سفرا.
قلت تسميته سفرا لا تنافي تسمية ما دونه سفرا فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم مسافة ثلث سفرا كما سمى مسافة البريد سفرا في ذلك الحديث باعتبار اختلاف الرواية وتسمية البريد سفرا لا ينافي تسمية ما دونه سفرا.
فإن قلت أخرج الدارقطني والبيهقي والطبراني من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان" .
قلت في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر وهو متروك وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي.
وأما كونه إذا أقام المتردد ببلد قصر إلى عشرين يوما ثم يتم فوجهة أن من حط رحله بدار إقامة فقد ذهب عنه حكم السفر وفارقته المشقة فلولا أن الشارع سمى من أقام كذلك مسافرا وقال: "أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر" لما كان حكم السفر ثابتا له فالواجب الاقتصار في القصر مع الإقامة على المقدار الذي سوغه الشارع وما زاد عليه فللمسافر حكم المقيم يجب عليه أن يتم صلاته لأنه مقيم لا مسافر وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في غزوة الفتح قيل ثماني عشرة ليلة وقيل أقل من ذلك وفي صحيح البخاري وغيره تسع عشرة ليلة وأخرج أحمد وأبو داود من حديث جابر قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة" وأخرجه أيضا

(1/123)


ابن حبان و البيهقي وصححه ابن حزم والنووي فوجب علينا أن نقتصر على هذا المقدار ونتم بعد ذلك ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وأفهمه للمقاصد الشرعية فإنه قال: فيما رواه عنه البخاري وغيره "لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين" قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا وإن زدنا أتممنا وأقول هذا هو الفقه الدقيق والنظر المبني على أبلغ تحقيق ولو قال: له جابر أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة نقصر الصلاة لقال: بموجب ذلك وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي.
وأما كونه إذا عزم على إقامته أربع أتم بعدها فوجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع ويجب الاقتصار عليه وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره أما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله عليه وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج فإنه ثبت في الصحيحين "0أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى فلما أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازما على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج كان ذلك دليلا على أن العازم على إقامته مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم وليس ذلك لأجل كونه صلى الله عليه وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك لكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة معينة لا يقصر إلا بإذن كما أن المتردد كذلك ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابا شديدا وتباينت فيها الأنظار تباينا زائدا1.
وأما كون للمسافر الجمع تقديما وتأخيرا بأذان وإقامتين فوجهه ما ثبت في
ـــــــ
1 أرى: هذا الذي رجحه شيخنا أبقاه الله أقوى المذاهب والله أعلم. هـ. لمحرره.

(1/124)


الصحيحين من حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس صلى أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر1 ثم ركب" وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني وحسنه الترمذي من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعهما إلى العصر يصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار" وأخرج أحمد من حديث ابن عباس نحوه وزاد المغرب والعشاء وأخرجه أيضا البيهقي والدارقطني وصحح إسناده ابن العربي وتعقب بأن في إسناده من لا يحتج بحديثه وللحديثين طرق يقوي بعضها بعض وليس فيها من المقال: ما يبطل الاحتجاج بمجموعها ومن الجمع بين المغرب والعشاء2 حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير أخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يجمع بينها وبين العشاء".
وأما كونه بأذان وإقامتين فلثبوت ذلك في الصحيحين في جمع مزدلفة3.
ـــــــ
1 هذا لفظ الصحيحين وزيادة " والعصر" ليس في الصحيحين. هـ: تلخيص.
2 نبه ابن القيم في الهدى على أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، الجمع في السفر مطلقا، بل في حال السير. وأما وهو مقيم في المحل، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا هو الذي دلت عليه هذه الأدلة وغيرها، فاستفيد منه أن مشروعية الجمع إنما ثبتت في السفر حال السير والعبور لا غير. والله أعلم. هـ. لمحرره.
3 ومما ثبت من أحكام صلاة السفر: أنه إذا صلى المسافر خلف المقيم أتم لما أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما. "أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعا إذا أتم؟ فقال: تلك السنة" وأصله عند مسلم والنسائي بلفظ: " قلت لابن عباس: كيف أصلي إذا كنت في بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم" وبوب البيهقي في سننه، باب، المقيم يصلي بالمسافر والمقيمين، ثم أخرج عن ابن عمر موقوفا: "أنه كان إذا كان مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين" وأخرجه مسلم. وأخرج أيضا عن أبي مجلز قال: "قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم - يعني المقيمين – أتجزئه الركعتان أو يصلي بصلاتهم؟ قال، فضحك وقال: يصلي بصلاتهم". وقد ذهب إليه زيد بن

(1/125)


باب صلاة الكسوفين
هي سنة وأصح ما ورد في صفتها ركعتان في كل ركعة ركوعان وورد ثلاثة وأربعة وخمسة يقرأ بين كل ركوعين وورد في كل ركعة ركوع وندب الدعاء والتكبير والتصدق والاستغفار.
أقول: أما كونه سنة فلعدم ورود ما يفيد الوجوب ومجرد الفعل لا يفيد زيادة على كون المفعول مسنونا وأما كون أصح ما ورد في صفتها ركعتان في كل ركعة ركوعان فلثبوت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عمر وابن عباس وأما ورود الثلاثة الركوعات في كل ركعة فثبت ذلك من حديث جابر عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره ومن حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه ومن حديث عائشة عند أحمد والنسائي وأما ورود أربعة ركوعات فثبت في صحيح مسلم رحمه الله وغيره من حديث ابن عباس وأما ورود خمسة ركوعات فأخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي من حديث أبي بن كعب وأما ورود ركعتين في كل ركعة ركوع فهو في صحيح مسلم وغيره من حديث سمرة وأخرجه أبو داود وأحمد والنسائي والحاكم وصححه ابن عبد البر من حديث النعمان بن بشير وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث قبيصة.
وأما كونه يندب الدعاء والتكبير والتصدق والاستغفار فلحديث أسماء:
ـــــــ
= علي، وأحمد بن عيسى، والفريقان والله أعلم. من خط الفاضل العمراني أكرمه الله وأحسنإليه ووقاه ما يخشاه

(1/126)


"فإذا رأيتم ذلك فأدعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا" وهو في الصحيحين وفي حديث أبي موسى بلفظ "فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره" وهو في الصحيحين أيضا وفي حديث المغيرة " فإذا رأيتموهما فادعوا إليه وصلوا حتى ينجلى" وهو أيضا في الصحيحين.

(1/127)


باب صلاة الاستسقاء
يسن عند الجدب ركعتان بعدهما خطبة تتضمن الذكر والترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية ويستكثر الإمام ومن معه من الاستغفار والدعاء برفع الجدب ويحولون جمعيا أرديتهم.
أما كونها سنة فلعدم ورود ما يدل على الوجوب وأما كونها ركعتين فلكونه خرج صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر الحديث بطوله وفيه الدعاء وتحويل الرداء وهو في سنن أيى داود وأخرجه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وأخرج أحمد وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي بنا فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن" وفي الباب أحاديث بمعنى ما ذكر وهي متضمنة للدعاء برفع الجدب وبنزول المطر وتحويل الأردية من الأمام وغيره وقد روى سعيد بن منصور في سننه أن عمر استسقى فلم يزد على الاستغفار1 وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه وكان الصحابة فمن بعدهم يستسقون بأهل
ـــــــ
1موافقة لقوله جل وعز حاكيا: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:10] وقوله جل ذكره: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً } [هود:3] وقوله: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52] الآية فرضي اتلله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هديهم وطريقتهم كتاب الله تعالى. هـ.

(1/128)


الصلاح ولاسيما من كان من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل عمر فإنه استسقى بالعباس رضي الله عنهما ومن جملة أدعيته صلى الله عليه وسلم "اللهم أغثنا اللهم أعثنا" كما في الصحيحين من حديث أنس ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم "اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث" وهذا لفظ ابن ماجه من حديث ابن عباس وهذه الألفاظ ثابتة من رواية غيره من الصحابة في غير سنن ابن ماجه ومنها "اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء وأنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين" وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث عائشة ومن دعائه "اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحيى بلدك الميت" إلى غير ذلك.
و أما تحويل الأردية فقد روى في ذلك ما تقدم من جعل الأيمن على أيسر و الأيسر أيمن وروى أنه قلبه ظهرا لبطن وحول الناس معه أخرجه أحمد من حديث عبد الله ابن زيد وأصله في الصحيح.

(1/129)