الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية

 (الكتاب الثامن عشر: كتاب الوكالة)

(3/163)


(18 - كتاب الوكالة)
هي أن يكون أحدهما يعقد العقود لصاحبه.
( [مشروعية الوكالة] :)
(يجوز لجائز التصرف أن يوكل غيره في كل شيء ما لم يمنع منه مانع) ؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في قضاء الدين؛ كما في حديث أبي رافع: أنه أمره صلى الله عليه وسلم أن يقضي الرجل بكره، - وقد تقدم -.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في استيفاء الحد؛ كما في حديث: " واغد يا أنيس! إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها "، وهو في " الصحيح " (1) - وسيأتي -.
وثبت عنه التوكيل في القيام على بدنة، وتقسيم جلالها وجلودها، وهو في " الصحيح " (2) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في حفظ زكاة رمضان؛ كما في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أعطى عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه، وقد
__________
(1) • أي " البخاري " (8 / 171) ، و " مسلم " (5 / 121) ؛ واللفظ لمسلم. (ن)
(2) • " صحيح مسلم ". (ن)

(3/165)


تقدم في الضحايا.
وثبت (1) عنه صلى الله عليه وسلم أنه وكل أبا رافع، ورجلا من الأنصار، فزوجاه ميمونة، وقد تقدم.
وثبت عنه (2) صلى الله عليه وسلم أنه قال لجابر: " إذا أتيت وكيلي؛ فخذ منه خمسة عشر وسقا "؛ كما أخرجه أبو داود، والدارقطني.
وفي الباب أحاديث كثيرة فيها ما يفيد جواز الوكالة، فلا يخرج عن ذلك إلا ما منع منه مانع، وذلك كالتوكيل في شيء لا يجوز للموكل أن يفعله ويجوز للوكيل؛ كتوكيل المسلم للذمي في بيع الخمر، أو الخنزير، أو نحو ذلك؛ فإن ذلك لا يجوز، ولا يكون محللا للثمن؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه "، وقد تقدم.
وقد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على جواز التوكيل؛ كقوله
__________
(1) • في ثبوت هذا نظر؛ فإنه من رواية سليمان بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ... الحديث؛ رواه مالك (1 / 320 - 321) ، وهذا مرسل.
ووصل الترمذي وغيره له - من طريق مطر الوارق، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع -؛ لا يعطيه قوة؛ لأنه لم يسنده غير مطر، كما قال الترمذي؛ ومطر هذا سيئ الحفظ، فلا يحتج بما خالف فيه الثقات.
وإذا عرفت هذا؛ فلا يهمنا البحث في سماع سليمان من أبي رافع، أم لا {كما فعل الشوكاني (5 / 228) ؛ لأنه لو صح سماعه منه لكان مرسلا؛ لما عرفت من ضعف مطر؛ فتنبه} (ن)
(2) • وفي ثبوت هذا نظر - أيضا -، وإن حسنه الحافظ - على ما نقله الشوكاني -؛ فإنه من رواية محمد بن إسحاق، عن وهب بن كيسان، عن جابر؛ أخرجه أبو داود (2 / 122) ، وعنه البيهقي (6 / 80) ، وعلق بعضه البخاري (6 / 180) .
وعلته عنعنه ابن إسحاق؛ فإنه مدلس. (ن)

(3/166)


- تعالى -: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه} ، وقوله: {اجعلني على خزائن الأرض} .
وقد أورد البخاري في الوكالة ستة وعشرين حديثا؛ ستة معلقة، والباقية موصولة، وقد قام الإجماع على مشروعيتها.
( [بيان حكم بيع الوكيل بزيادة على ما أذن به الموكل] :)
(وإذا باع الوكيل بزيادة على ما رسمه موكله؛ كانت الزيادة للموكل) ؛ لما ثبت في " صحيح البخاري "، وغيره من حديث عروة البارقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه.
وأخرج الترمذي من حديث حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار ... فذكر نحو حديث عروة البارقي، وفي إسناده انقطاع؛ لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت، عن حكيم، ولم يسمع منه.
وأخرج أبو داود من حديث أبي حصين، عن شيخ من أهل المدينة، عن حكيم نحو ذلك، وفيه هذا الشيخ المجهول.
وقد ذهب إلى ما ذكرنا الجمهور.
وقال الشافعي - في الجديد - وأصحابه: إن العقد باطل - أي: عقد البيع الواقع من الوكيل في مثل الصورة المذكورة - لأنه لم يأمره الموكل بذلك.

(3/167)


( [حكم مخالفة الوكيل للموكل إلى ما هو أنفع] :)
(وإذا خالفه إلى ما هو أنفع أو إلى غيره ورضي به؛ صح) ؛ لكون الرضا مناطا مسوغا لذلك ومجوزا له، وإذا لم يرض؛ لم يلزمه ما وقع من الوكيل مخالفا لما رسمه له؛ لعدم المناط المعتبر.
وقد ثبت في " البخاري "؛ وغيره من حديث معن بن يزيد، قال: كان أبي خرج بدنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت بها، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " لك ما نويت يا يزيد {ولك يا معن} ما أخذت ".
ولعل هذه الصدقة صدقة تطوع لا صدقة فرض، فقد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد (1) .
__________
(1) وفي هذا الإجماع نظر؛ ليس هنا موضع بحثه.

(3/168)