الدرر
البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية (الكتاب الثلاثون: كتاب المواريث)
(3/407)
(30 - كتاب
المواريث)
( [المواريث واضحة في كتاب الله] :)
(هي مفصلة في الكتاب العزيز) ، ومعلومة لأهل العلم والتمييز.
قال الماتن: " لم نتعرض ههنا لذكرها، واقتصرنا على ذكر ما ثبت في السنة أو
الإجماع، ولم نذكر ما كان لا مستند له إلا محض الرأي؛ كما جرت به عادتنا في
هذا الكتاب، فليس مجرد الرأي مستحقا للتدوين، فلكل عالم رأيه واجتهاده مع
عدم الدليل، ولا حجة في اجتهاد بعض أهل العلم على البعض الآخر.
وإذا عرفت هذا؛ اجتمع لك مما في الكتاب العزيز، وما ذكرناه ههنا جميع علم
الفرائض الثابت بالكتاب والسنة، فإن عرض لك من المواريث ما لم يكن فيهما؛
فاجتهد فيه برأيك؛ عملا بحديث معاذ المشهور (1) ". انتهى.
( [مراتب الورثة: أصحاب الفروض أولا ثم العصبات ثانيا] :)
(ويجب الابتداء بذوي الفروض المقدرة، وما بقي فللعصبة) (2) لحديث ابن
__________
(1) • قلت: وهو مع شهرته ضعيف من قبل إسناده؛ ضعفه البخاري وغيره، كما
بينته في " الأحاديث الضعيفة " (رقم 881) . (ن)
(2) • وهم كل ذكر يدلي بنفسه بالقرابة، ليس بينه وبين الميت أنثى، فمتى
انفرد أخذ جميع المال، وإن كان مع ذوي فروض غير مستغرقين؛ أخذ ما بقي؛ وإلا
فلا شيء له: " نووي ". (ن)
(3/409)
عباس في " الصحيحين "، وغيرهما: أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
" ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى (1) رجل ذكر ".
والمراد بالفرائض هنا: الأنصباء المقدرة.
وأهلها: هم المستحقون لها بالنص.
وما بقي بعد إعطاء ذوي الفرائض فرائضهم؛ فهو لأولى رجل ذكر.
( [مثال على العصبة] :)
(والأخوات مع البنات عصبة) ؛ أي: يأخذن ما بقي من غير تقدير؛ كما يأخذه
الرجل بعد فروض أهل الفروض؛ لحديث ابن مسعود عند البخاري وغيره: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قضى في بنت، وبنت ابن، وأخت، بأن للبنت النصف، ولبنت
الابن السدس؛ تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت.
وقد أفاد هذا أن لبنت الابن مع البنت
السدس؛ تكملة الثلثين.
( [المستحقون للسدس] :)
(1 -[بنت الابن مع البنت] :)
(ولبنت الابن مع البنت السدس؛ تكملة الثلثين) ، وقد قيل: إن ذلك مجمع عليه.
__________
(1) • أي: أقرب في النسب إلى المورث، والمراد به العمة مع العم، وبنت الأخ
مع ابن الأخ، وبنت العم مع ابن العم؛ انظر " الفتح " (12 / 9) . (ن)
(3/410)
(2 -[الأخت لأب مع الأخت لأبوين] :)
(3 -[الجدة مع عدم الأم] :)
(وكذا الأخت لأب مع الأخت لأبوين،
وللجدة أو الجدات السدس مع عدم الأم) ؛ لحديث قبيصة بن ذؤيب عند أحمد، وأبي
داود، وابن ماجه، والترمذي، وصححه وابن حبان، والحاكم؛ قال: " جاءت الجدة
إلى أبي بكر فسألته ميراثها؟ فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في
سنة رسول الله شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام
محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو
بكر، قال: ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر، فسألته ميراثها؟ فقال: ما لك في
كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما، وأيكما خلت به
فهو لها (1) .
قال ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله؛ إلا أن صورته مرسل؛ فإن قبيصة لا
يصح سماعه من الصديق، ولا يمكن شهوده القصة؛ قاله ابن عبد البر، وقد اختلف
في مولده، والصحيح: أنه ولد عام الفتح، فيبعد شهوده القصة.
وأخرج عبد الله بن أحمد في " مسند أبيه "، وابن منده في " مستخرجه "،
والطبراني في " الكبير "، من حديث عبادة بن الصامت: أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما، وهو من رواية إسحاق بن
يحيى عن عبادة، ولم يسمع منه (2) .
__________
(1) ضعفه شيخنا في " الإرواء " (1680) .
(2) ضعفه في " الإرواء " (1681) .
(3/411)
وأخرج أبو داود والنسائي، من حديث بريدة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم.
وصححه ابن السكن، وابن خزيمة، وابن الجارود، وقواه ابن عدي، وفي إسناده
عبيد الله العتكي، وهو مختلف فيه.
وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن بن يزيد - مرسلا -، قال: أعطى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ثلاث جدات السدس؛ ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل
الأم " (1) .
وأخرجه أيضا أبو داود في " المراسيل " عن إبراهيم النخعي.
وأخرجه أيضا البيهقي من مرسل الحسن.
وأخرجه الدارقطني من طرق عن زيد بن ثابت.
وفي الباب آثار غير ما ذكر.
قال في " البحر ": مسألة: فرضهن - يعني: الجدات - السدس وإن كثرن إذا
استوين، وتستوي أم الأم وأم الأب؛ لا فضل بينهما، فإن اختلفن سقط الأبعد
بالأقرب، ولا يسقطهن إلا الأمهات.
والأب يسقط الجدات من جهة، والأم من الطرفين.
أقول: التفاصيل والتفاريع المذكورة في الكتب ينبغي إمعان النظر في
__________
(1) انظر تفصيل القول في هذه المسألة - رواية ودراية - في " تنقيح التحقيق
" (3 / 130) لابن عبد الهادي.
(3/412)
مستنداتها، ومجرد اجتهاد فرد من أفراد
الصحابة ليس بحجة على أحد، وكذلك اجتهاد جماعة منهم لم يبلغوا حد الإجماع.
(4 -[للجد مع من لا يسقطه] :)
(وهو للجد مع من لا يسقطه) ؛ لحديث
عمران بن حصين: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن ابن
ابني مات؛ فما لي من ميراثه؟ قال: " لك السدس "، فلما أدبر دعاه، قال: " لك
سدس آخر "، فلما أدبر دعاه، فقال: " إن السدس الآخر طعمة " (1) .
رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي - وصححه -.
وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن الحسن: أن عمر سأل عن فريضة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد؟ فقام معقل بن يسار المزني، فقال:
قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ماذا؟ قال: السدس، قال: مع
من؟ قال: لا أدري، قال: لا دريت؛ فما تعني إذن؟ !
وهو منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من عمر (2) .
وقد أخرج البخاري ومسلم في " صحيحيهما " حديث الحسن عن معقل.
وقد اختلف الصحابة فمن بعدهم اختلافا كثيرا، ورويت عنهم قضايا متعددة.
__________
(1) ضعفه شيخنا في تعليقه على " المشكاة " (3060) .
(2) وهو حديث حسن؛ كما في " صحيح سنن ابن ماجه " (2 / 114 - 115) لشيخنا.
(3/413)
وقد دل الدليل على أنه يستحق السدس، وأنه
فرضه، فإذا صار إليه زيادة عليه؛ فهو طعمة، وذلك كما في حديث عمران.
وإنما قيدنا استحقاقه للسدس بعدم المسقط؛ لأنه إذا كان معه من يسقطه كالأب؛
فلا شيء له، وهكذا إذا كان مع الجد؛ من يسقطه الجد فله بالميراث كله.
أقول: ليس في الأحاديث المتقدمة ذكر من كان معه من الورثة، ولم يبق بعد ذلك
إلا مجرد روايات من علماء الصحابة ومن بعدهم، وتمثيلات وتشبيهات ليست من
الحجة في شيء، ولا يبعد أن يقال: بأنه أحق الميراث من الأخوة والأخوات
مطلقا؛ لأنه إن لم يكن والدا حقيقة، فهو بمنزلة الوالد، والأب يسقط الأخوة
والأخوات مطلقا.
ومن زعم أنه وجد في الأب من المزايا ما لا يشاركه فيها الجد؛ فعليه الدليل،
ومن قال: إن ثم دليلا يقتضي أن الجد يقاسم الأخوة، ويأخذ الباقي بعد
الأخوات؛ فعليه أيضا الدليل.
( [بيان أنه لا ميراث للإخوة والأخوات مطلقا مع
الابن أو ابن الابن أو الأب] :)
(ولا ميراث للإخوة والأخوات مطلقا مع الابن أو ابن الابن أو الأب) ، ولا
خلاف في ذلك بين أهل العلم.
( [بيان الخلاف في ميراث الإخوة والأخوات مع
الجد] :)
(وفي ميراثهم مع الجد خلاف) ؛ لعدم ورود الدليل الذي تقوم به الحجة:
(3/414)
فذهب جماعة من الصحابة - منهم أبو بكر -
وعمر - إلى أن الجد أولى من الإخوة، وذهب جماعة - منهم علي وابن مسعود وزيد
بن ثابت - إلى أن الجد يقاسم الإخوة.
والخلاف في المسألة يطول، فمن قال: إنه يسقط الإخوة؛ قال: إنه يصدق عليه
اسم الأب، وأجاب الآخرون بأنه مجاز لا تقوم به الحجة.
ووقع الخلاف في كيفية المقاسمة؛ كما هو مبين في كتب الفرائض.
( [بيان أن الأخوة يرثون مع البنات؛ إلا الأخوة لأم] :)
(ويرثون) ؛ أي: الأخوة (مع البنات؛ إلا الإخوة لأم) ؛ لحديث جابر عند أحمد،
وأبي داود، وابن ماجه، والترمذي - وحسنه -، والحاكم، قال: جاءت امرأة سعد
بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد، فقالت: يا
رسول الله! هاتان ابنتا سعد بن الربيع؛ قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن
عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا بمال؟ فقال: " يقضي
الله في ذلك "، فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عمهما، فقال: " أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك " (1)
، فهذا دليل على ميراث الإخوة مع البنات.
وأما الإخوة لأم؛ فلا يرثون مع البنت؛ لقوله - تعالى -: {وإن كان رجل يورث
كلالة} الآية، وهي في الإخوة لأم كما في بعض القراءات.
( [بيان أن الأخ لأب يسقط مع الأخ لأبوين]
:)
(ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين) ؛ لحديث علي، قال: إنكم تقرؤون
__________
(1) حسنه شيخنا في " الإرواء " (1677) .
(3/415)
هذه الآية: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}
، وإن رسول صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم
يتوارثون دون بني العلات؛ الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
أخرجه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والحاكم، وفي إسناده الحارث الأعور (1) .
ولكنه قد وقع الإجماع على ذلك، والمراد بالأعيان: الإخوة لأبوين، والمراد
ببني العلات: الإخوة لأب، ويقال للإخوة لأم: الأخياف.
( [المرتبة الثالثة: للورثة ذوي الأرحام] :)
(وأولو الأرحام يتوارثون، وهم أقدم من بيت المال) ؛ لقوله تعالى: {وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض} ؛ فإنها تفيد أنه إذا مات ميت، ولا وارث له إلا
من هو من ذوي أرحامه - وهو من عدا العصبات وذوي السهام في مصطلح أهل
الفرائض - فإنه يرثه، وقوله - تعالى -: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} ، ولفظ الرجال والنساء
والأقربين يشمل ذوي الأرحام.
ومما يؤيد ذلك: حديث المقدام بن معد يكرب عند أحمد، وأبي داود، وابن ماجه،
والنسائي، والحاكم، وابن حبان وصححاه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال:
" من ترك مالا فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له؛ أعقل عنه وأرثه،
__________
(1) حسنه شيخنا في " الإرواء " (1667) .
(3/416)
والخال وارث من لا وارث له؛ يعقل عنه ويرثه
".
وأخرج أحمد، وابن ماجه، والترمذي وحسنه، من حديث عمر، عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -، بلفظ: " والخال وارث من لا وارث له ".
وأخرجه بهذا اللفظ من حديث عائشة: الترمذي، والنسائي، والدارقطني، وحسنه
الترمذي، وأعله الدارقطني بالاضطراب.
وأخرجه عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة.
وأخرجه العقيلي، وابن عساكر عن أبي الدرداء.
وأخرجه ابن النجار عن أبي هريرة.
كلها مرفوعة؛ وهو حديث له طرق؛ أقل أحواله أن يكون حسنا لغيره.
ومن ذلك: حديث: " ابن أخت القوم منهم "، وهو حديث صحيح.
ومن ذلك: ما ثبت من جعله - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لورثة
أمه، وهم لا يكونون إلا ذوي الأرحام.
والكلام على هذه الأحاديث مبسوط في " شرح المنتقى ".
ويمكن أن يقال: إن حديث: " فما أبقت الفرائض؛ فلأولى رجل ذكر ": يدل على أن
الذكور من ذوي الأرحام أولى من الإناث، فيكون حديث نفي ميراث العمة والخالة
مفيدا لهذا المعنى ومقويا له؛ مع حديث: " الخال وارث ".
(3/417)
وبذلك يجمع بين الأحاديث.
وقد قال بمثل ذلك أبو حنيفة، وقد اختلف في ذلك الصحابة فمن بعدهم، وإلى
توريث ذوي الأرحام ذهب الجمهور.
وهذه الأدلة - كما تفيد إثبات التوارث بين ذوي الأرحام - تفيد تقديمهم على
بيت المال، ومما يؤيد ذلك: حديث عائشة عند أحمد، وأهل " السنن "، وحسنه
الترمذي: أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم خر من عذق نخلة، فمات، فأتي به
النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " هل له من نسب أو رحم؟ "، قالوا: لا،
قالوا: " أعطوا ميراثه بعض أهل قريته ".
فقوله: " أو رحم ": فيه دليل على تقديم ميراث ذوي الأرحام على الصرف إلى
بيت مال المسلمين.
وأخرج أبو داود، من حديث ابن عباس، قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما
نسب، فيرث أحدهما من الآخر، فنسخ ذلك آية الأنفال، فقال: {وأولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض} ، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد، وفيه مقال.
وأخرجه أيضا الدارقطني.
وأخرج نحوه ابن سعد، عن أبي الزبير.
وفي ذلك دليل على أن الآية في توريث ذوي الأرحام محكمة، وبها
(3/418)
نسخ ما كان من الميراث بالمخالفة.
( [متى يصار إلى العول؟] :)
(فإن تزاحمت الفرائض فالعول) (1) ، وذلك هو الحق الذي لا يمكن الوفاء بما
أمر الله به؛ إلا بالمصير إليه.
وقد أوضح الماتن ذلك في رسالة مستقلة سماها " إيضاح القول في إثبات مسألة
العول "، ودفع جميع ما قاله النافون للعول.
وقد أوضحت المقام في " دليل الطالب على أرجح المطالب "، فليراجع.
( [من يرث ولد الملاعنة والزانية؟] :)
(ولا يرث ولد الملاعنة والزانية؛ إلا من أمه وقرابتها، والعكس) ؛ لحديث سهل
بن سعد في " الصحيحين " وغيرهما في حديث الملاعنة: " أن ابنها كان ينسب إلى
أمه، فجرت السنة: أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها ".
وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى
الله عليه وسلم -: أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها.
وفي إسناده أبو محمد (2) .
__________
(1) " يقال: عالت الفريضة: إذا ارتفعت وزادت سهامها على أصل حسابها الموجب
عن عدد واريثها "؛ كذا في " النهاية ".
(2) ويشهد له ما قبله.
(3/419)
وأخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، من حديث واثلة ابن الأسقع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عنه "؛
قال الترمذي: حسن غريب، وفي إسناده عمر بن روبة (1) التغلبي، وفيه مقال.
وقد صحح هذا الحديث الحاكم.
وأخرج أحمد، وأبو داود، من حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -:
" لا مساعاة (2) في الإسلام، من ساعى في الجاهلية؛ فقد ألحقته بعصبته، ومن
ادعى ولدا من غير رشدة (3) ؛ فلا يرث ولا يورث ".
وأخرج الترمذي، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -:
" أيما رجل عاهر بحرة أو أمة؛ فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث "؛،
__________
(1) في الأصل: " روبية "؛ وهو خطأ؛ صوابه: " روبة "؛ بضم الراء وسكون
الواو؛ كما ضبطه ابن حجر في " التقريب ".
والحديث رواه الحاكم في " المستدرك " وصححه (ج 4: ص 341) . (ش) قلت:
والحديث قد ضعفه شيخنا الألباني في " الإرواء " (1576) .
(2) المساعاة: الزنا؛ يقال: ساعت الأمة؛ إذا فجرت، وساعاها فلان؛ إذا فجر
بها. (ش)
(3) رشدة: بكسر الراء، وإسكان الشين؛ يقال: هذا ولد رشدة؛ إذا كان لنكاح
صحيح.
ويجوز فتح الراء أيضا. (ش)
قلت: وقد ضعفه الشيخ شاكر في تعليقه على " المسند " (3416) .
(3/420)
وفي إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي
الدمشقي؛ قال البيهقي: ليس بمشهور (1) .
وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب - أيضا - عن أبيه، عن جده: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قضى أن كل مستلحق ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو
أمة، وذلك فيما استلحق في أول الإسلام.
وفي إسناده محمد بن راشد المكحولي الشامي، وفيه مقال (2) .
وقد أجمع العلماء على أن ولد الملاعنة وولد الزنا لا يرثان من الأب، ولا من
قرابته، ولا يرثونهما، وأن ميراثهما يكون لأمهما ولقرابتها، وهما يرثان
منهم.
( [متى يرث المولود؟] :)
(ولا يرث المولود إلا إذا استهل) ؛ لحديث أبي هريرة عند أبي داود، عن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا استهل المولود ورث " (3) ، وفي إسناده
محمد بن إسحاق، وفيه مقال معروف.
وقد روي عن ابن حبان تصحيحه.
وأخرج أحمد في رواية ابنه عبد الله في " المسند " عن المسور بن مخرمة
__________
(1) وثقه دحيم. (ش)
قلت: والحديث في " صحيح سنن ابن ماجه " (2217) .
(2) وهو - أيضا - في " صحيح سنن ابن ماجه " (2218) .
(3) حديث صحيح بشواهده؛ كما في " الإرواء " (1707) .
(3/421)
وجابر بن عبد الله، قالا: قضى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -:
" لا يرث الصبي حتى يستهل " (1) .
وأخرجه أيضا الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، بلفظ:
" إذا استهل السقط صلي عليه وورث " (1) ، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو
ضعيف.
قال الترمذي: وروي مرفوعا، والموقوف أصح، وبه جزم النسائي، وقال الدارقطني
في " العلل ": لا يصح رفعه.
والمراد بالاستهلال: صدور ما يدل على حياة المولود من صياح، أو بكاء، أو
نحوهما.
ولا خلاف بين أهل العلم في اعتبار الاستهلال في الإرث.
(وميراث العتيق لمعتقه، ويسقط بالعصبات، وله الباقي بعد ذوي السهام) ؛
لحديث: " الولاء لمن أعتق "، وهو ثابت في " الصحيح ".
وأخرج أحمد عن قتادة، عن سلمى بنت حمزة: " أن مولاها مات وترك ابنته، فورث
النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته النصف، وورث يعلى النصف، وكان ابن سلمى
" (2) ، ورجال أحمد رجال الصحيح، ولكن
__________
(1) انظر " الصحيحة " (152 - 153) لشيخنا.
(2) انظر " إرواء الغليل " (1696) لشيخنا الألباني.
(3/422)
قتادة لم يسمع من سلمى بنت حمزة.
وأخرجه أيضا الطبراني.
وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس: " أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته وابنة
حمزة، فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته النصف، وابنة حمزة النصف
".
وأخرج ابن ماجه نحوه من حديث ابنة حمزة.
وكذلك أخرجه النسائي، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو
ضعيف.
وقد وقع الاختلاف في اسم ابنة حمزة، فقيل: سلمى، وقيل: فاطمة.
وفي الحديثين دليل على أن لذوي سهام العتيق سهامهم، والباقي للمعتق أو
لعصبته.
وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه؛ فروي عن عمر بن الخطاب وابن
مسعود وابن عباس: أن مولى العتاق لا يرث؛ إلا بعد ذوي الأرحام، وذهب غيرهم
إلى أنه يقدم على ذوي الأرحام، ويأخذ الباقي بعض ذوي السهام، ويسقط
بالعصبات.
وقد روي: أن المولى كان لحمزة، واستدل به من قال: إنه يكون لذوي سهام
المعتق الباقي بعد ذوي سهام العتيق.
(3/423)
والصحيح: أنه مولى ابنة حمزة.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن ميراث الولاء للأكبر من الذكور، ولا ترث النساء من الولاء؛ إلا ولاء
من أعتقن، أو أعتقه من أعتقن " (1) .
وأخرج البيهقي، عن علي، وعمر، وزيد بن ثابت: أنهم كانوا لا يورثون النساء
من الولاء؛ إلا ولاء من أعتقن (1) .
وأخرج البرقاني على شرط الصحيح، عن هذيل بن شرحبيل، قال: جاء رجل إلى عبد
الله بن الزبير، فقال: إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة، فمات وترك مالا ولم
يدع وارثا؟ قال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإنما كان أهل
الجاهلية يسيبون، وأنت ولي نعمته؛ فلك ميراثه، وإن تأثمت وتحرجت في شيء؛
فنحن نقبله ونجعله في بيت المال.
( [بيان تحريم بيع الولاء وهبته] :)
(ويحرم بيع الولاء وهبته) ؛ لحديث ابن عمر في " الصحيحين "، وغيرهما عن
النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن بيع الولاء وهبته.
وفي الباب أحاديث - قد تقدم بعضها -:
__________
(1) قلت: ليس في " المصنف " (11 / 388، 390) إلا آثار موقوف في هذا الباب؛
ليس منها شيء مرفوع.
(3/424)
منها: حديث: " الولاء لحمة كلحمة النسب؛ لا
يباع ولا يوهب " (1) ، وقد صححه ابن حبان.
والبيهقي من حديث ابن عمر أيضا.
وقد ذهب الجمهور إلى عدم جواز بيع الولاء وهبته، وخالف في ذلك مالك، وتقدمه
بعض الصحابة.
( [لا توارث بين ملتين] :)
(ولا توارث بين أهل ملتين) ؛ لما أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه،
والدارقطني، وابن السكن، من حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال:
" لا يتوارث أهل ملتين شتى ".
وأخرج الترمذي، من حديث جابر مثله بدون لفظ: " شتى (2) "، وفي إسناده ابن
أبي ليلى.
وأخرج البخاري، وغيره من حديث أسامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم
__________
(1) صححه شيخنا في " الإرواء " (1668) .
(2) في الأصل: " شيئا "؛ وهو يوافق بعض نسخ " أبي داود "، ولكن الصحيح: "
شتى "؛ وهو الذي شرح عليه الشارحون، وهو الموافق لنسخة " التحقيق " لابن
الجوزي العتيقة الصحيحة؛ التي بدار الكتب المصرية؛ انظر " عون المعبود " (3
/ 85) .
ويوافق رواية الدارقطني (457) : " لا يتوارث أهل ملتين شتى مختلفتين "؛
فهذا اللفظ يؤكد أن الرواية: " شتى "؛ للوصف بالاختلاف.
(3/425)
- قال:
" لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم "؛ وهو أيضا في " مسلم ".
وأخرج البخاري، وغيره حديث: " وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ ! "، وكان عقيل
وطالب كافرين.
وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من
المسلم، والخلاف في توارث الملل الكفرية المختلفة.
وعموم حديث عبد الله بن عمرو وجابر يقتضي عدم التوارث.
قال في " المسوى ":
" والكفر ملة واحدة؛ يرث اليهودي من النصراني، وبالعكس ".
أقول: وأما المرتد؛ فكافر ليس من أهل ملة الإسلام، فقد شملته الأحاديث
المتقدمة.
فمن زعم أنه يرث مال المرتد قرابته المسلمون؛ فعليه الدليل الصالح للتخصيص.
( [بيان أنه لا يجوز للقاتل أن يرث من المقتول]
:)
(ولا يرث القاتل من المقتول) ؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا يرث القاتل شيئا ".
(3/426)
أخرجه أبو داود (1) والنسائي، وأعله
الدارقطني، وقواه ابن عبد البر.
وأخرج مالك في " الموطأ "، وأحمد، وابن ماجه، والنسائي، والشافعي، وعبد
الرزاق، والبيهقي عن عمر بن الخطاب، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم
- يقول:
" ليس لقاتل ميراث " وفيه انقطاع.
وأخرج الدارقطني، من حديث ابن عباس مرفوعا:
" لا يرث القاتل شيئا " وفي إسناده كثير بن سليم (2) ، وهو ضعيف.
وأخرج البيهقي عنه حديثا آخر بلفظ: " من قتل قتيلا فإنه لا يرثه؛ وإن لم
يكن له وارث غيره ".
وفي لفظ: " وإن كان والده أو ولده "، وفي إسناده عمرو بن برق (3) ، وهو
ضعيف.
وأخرج الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ: " القاتل لا
__________
(1) أنا في شك كثير من نسبة هذا الحديث لأبي داود؛ لأني لم أجده في " السنن
"، ولم ينسبه ابن حجر في " التلخيص " إليه؛ والشوكاني إنما يأخذ من "
التلخيص "؛ والله أعلم. (ش)
قلت: بل هو فيه (4564) - مطولا -؛ وصححه شيخنا في " الإرواء " (1671) .
(2) في الأصل: " مسلم "؛ وهو خطأ صححناه من " تلخيص الحبير "، ومن كتب
التراجم. (ش)
(3) لم أجد له ترجمة؛ ولكن نقل تضعيفه ابن حجر في " التلخيص " (ص 265) ؛
ويفهم تضعيفه أيضا من كلام لأحمد، وعبد الرزاق؛ نقله البخاري في " التاريخ
الصغير " (ص 214) . (ش)
قلت: وقد ضعف الحديث شيخنا الألباني في " الإرواء " (1672) بهذا اللفظ.
(3/427)
يرث " وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي
فروة، وهو ضعيف.
وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، وهي تدل على أنه لا يرث القاتل؛ من غير فرق
بين العامد والخاطئ، وبين الدية وغيرها من مال المقتول.
وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وقال مالك والنخعي: إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية، وهو تخصيص بغير
مخصص (1) .
ويرده على الخصوص ما أخرجه الطبراني: أن عمر بن شيبة (2) قتل امرأته خطأ،
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" أعقلها ولا ترثها ".
وما أخرجه البيهقي: أن عديا الجذامي (3) كان له امرأتان اقتتلتا، فرمى
إحداهما فماتت، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه
__________
(1) بل استدلوا بحديث فيه التفرقة بين قتل الخطإ والعمد؛ وفيه كلام طويل.
والظاهر؛ أنه ضعيف؛ أنظر " نصب الراية " (2 / 334 - 335) للزيلعي. (ش)
(2) ليس في الصحابة من هذا اسمه! وإنما تبع المؤلف الشوكاني، والشوكاني تبع
نسخة " التلخيص "؛ وفيها خطأ من الناسخ؛ وصوابه: " عمر بن شيبة بن أبي كثير
الأشجعي، عن أبيه "؛ وأبوه - هذا - اختلف في اسمه كثيرا، وفي إسناد الحديث
إليه.
ونقل ابن الأثير عن سعيد القرشي، قال: " ما أرى له صحبة "؛ انظر " أسد
الغابة " (3 / 8) ، و " الإصابة " (3 / 218 - 219) . (ش)
قلت: والصواب أن هذا الحديث موقوف على علي من قوله.
(3) عدي - هذا - مختلف في إسناد الحديث إليه؛ انظر " أسد الغابة " (3 / 391
- 394) ، و " الإصابة " (4 / 233) . (ش)
(3/428)
فذكر ذلك له، فقال له:
" أعقلها ولا ترثها ".
وأخرج البيهقي أيضا: أن رجلا رمى بحجر فأصاب أمه، فطالب في ميراثها، فقال
له - صلى الله عليه وسلم -:
" حقك من ميراثها الحجر "، وأغرمه الدية، ولم يعطه من ميراثها شيئا.
وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة مصرحة بذلك؛ ساقها البيهقي وغيره.
قلت: وعليه عامة أهل العلم: أن من قتل مورثه لا يرثه؛ عمدا كان القتل أو
خطأ.
إلا أن أبا حنيفة قال: قتل الصبي لا يمنع الميراث! كذا في " المسوى ".
( [بيان إرث المماليك] :)
وأما إرث المماليك من بعضهم البعض، أو من مواليهم؛ فقد قيل: إنه وقع
الإجماع على أن الرق من موانع الإرث، وفي دعوى الإجماع نظر؛ فإن الخلاف في
كون العبد يملك أو لا يملك معروف، ومقتضى ذلك إثبات الميراث.
وليس في المقام ما يدل على عدم الإرث، وقد ورد من حديث ابن عباس: أن رجلا
مات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
(3/429)
-، ولم يترك وارثا إلا عبدا؛ فأعطاه
ميراثه، أخرجه أحمد، وأهل " السنن "، وحسنه الترمذي (1) ، وقد قيل: إنه صرف
إليه ذلك صرفا، وهو خلاف الظاهر.
__________
(1) حديث ضعيف؛ انظر " الإرواء " (1669) لشيخنا.
(3/430)
|