السنن
والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام الفصل الخامس أهمية
كتاب "الأحكام" للضياء
لا شك أن لهذا الكتاب أهمية كبرى فهو من أحسن كتب أحاديث الأحكام ترتيبًا،
وأبدعها تصنيفًا، وأدقها منهجًا وأكثرها نفعًا، ولذلك كثر ثناء أهل العلم
عليه، وحثهم الطلبة على نسخه ومطالعته.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول (1) عن كتاب "الإمام الجامع لأحاديث
الأحكام" (2): ما عمل أحد مثله، ولا الحافظ الضياء، ولا جدي أبو البركات.
اهـ. فشيخ الإسلام يقرر بقوله: "ما عمل أحد مثله" أهمية كتاب "الإمام" وأنه
أفضل الكتب المصنفة في بابه، ويقرر كذلك أهمية كتاب الحافظ الضياء بقوله:
"ولا الحافظ الضياء" فكأنه قد استقر فضل هذا الكتاب وأصبحت المقارنة إليه
معيار التفاضل بين الكتب التي في بابه.
والحافظ الذهبي يحث طلبة الحديث عليه فيقول (3): وطالب الحديث اليوم ينبغي
أن ينسخ أولاً "الجمع بين الصحيحين" و"أحكام عبد الحق" و"الضياء" ويدمن
النظر فيهم. اهـ.
والحافظ ابن الملقن الشافعي يشهد أن كتاب "أحكام الضياء" أكثر كتب أحاديث
الأحكام نفعًا، فيقول (4): أحكام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد
__________
(1) أسنده الأدفوي في "الطالع السعيد" (ص576) عن شيخين له سماهما، عن شيخ
الإسلام ابن تيمية.
(2) كتاب "الإمام" كتاب ذاع صيته، واستفاض الثناء عليه، وهو كتاب كبير
جدًّا وللأسف الموجود منه مجلدة واحدة، وقد قربت من إنهاء تحقيقه، بحول
الله وقوته.
(3) من رسالة "زغل العلم" (ص 12).
(4) "البدر المنير" (1/ 279).
(مقدمة/166)
الواحد المعروف بـ "الضياء المقدسي" ولم
يتمم كتابه، وصل فيه إلى أثناء الجهاد، وهو أكثرها نفعًا.
ويدل على أهميته أن أهل العلم قد أثنوا على مؤلفات الحافظ الضياء عامة
ووصفوها بأنها كتب نافعة مهذبة، مفيدة حسنة، كثيرة الفوائد -كما تقدم- وأهم
هذه المؤلفات "الأحاديث المختارة" و"الأحكام" فإن كانت "المختارة" أنفع
لطلبة العلم؛ فإن "الأحكام" أنفع لعامة المسلمين، ورحم الله الذهبي إذ يقول
(1) وهو يتحدث عن الضياء: انتفع الناس بتصانيفه والمحدثون بكتبه، فالله
يرحمه ويرضى عنه اهـ.
ويدل على أهميته أيضًا تداول أهل العلم له وكثرة نقلهم منه، وممن وقفت على
نقله منه (2): الحافظ ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" والحافظ ابن عبد
الهادي في "تنقيح التحقيق" والحافظ ابن القيم، والحافظ مغلطاي بن قليج في
"شرح سنن ابن ماجه" والحافظ ابن كثير في "إرشاد الفقيه" وغيره، والحافظ ابن
الملقن في "البدر المنير" وغيره، والحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" وغيره،
وغيرهم كثير.
وترجع أهمية هذا الكتاب إلى عدة مميزات له منها:
أ- أن مؤلفه الحافظ الضياء أمام مقدم في علم الحديث استفاض ثناء أهل العلم
عليه -كما تقدم- وهو مع ذلك فقيه مقدم، أخذ الفقه عن خاله شيخ الإسلام أبي
محمد بن قدامة وغيره، أَلَّف الكتاب وشيَّد أركانه، فجمع شمل أحاديث
الأحكام أحسن جمع -جمع محدثٍ ماهرٍ وفقيهٍ بارع- وانتقاها أدق انتقاء، فلم
يأخذ الأحاديث غثها وسمينها وصحيحها وسقيمها، ولم يذكر من الأحاديث الجمع
على تركها حديثًا إلا تكلم عليه وبين علته، وأما الأحاديث
__________
(1) "العبر في خبر من عبر" (3/ 248).
(2) سبق نقل هذه المواضع بالتفصيل في توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
(مقدمة/167)
التي يختلف فيها اجتهاد أهل العلم فقد نقل
طرفًا من كلام أهل العلم عليها تصحيحًا وتضعيفًا وعلى رواتها توثيقًا
وتجريحًا، وتكلم هو على كثيرٍ منها تصحيحًا وتضعيفًا، وعلى كثير من رواتها
توثيقًا وتجريحًا.
2 - أنه مع هذا الانتقاء والتحري أحد أكبر كتب أحاديث الأحكام (1) حجمًا،
فقد بلغت أحاديثه نحو ستة آلاف وأربعمائة حديث، ويُعتبر هو أكبر كتب أحاديث
الأحكام المطبوعة إلى الآن حجمًا، واللَّه أعلم.
3 - أن الحافظ الضياء يحافظ على لفظ الحديث الذي يذكره محافظة دقيقة، فيذكر
الحديث بلفظه، ويعزوه إلى الكتاب الذي نقله منه، وإذا عزا الحديث إلى عدة
كتب نصَّ على أن هذا اللفظ لفلان -في الغالب.
4 - ندرة أوهام الكتاب في العزو، وذلك يرجع إلى عدم اعتماد وسائط في النقل
من الكتب غالبًا، ولعل أغلب ما وقع في الكتاب من أوهام العزو وإنما وقع من
الناسخ، والله أعلم.
5 - في الكتاب أحاديث ليست بالقليلة منقولة من أصول لا تنالها أيدينا الآن
-إما لفقدانها أو لعدم طباعتها- وبعض هذه الأحاديث رواها الحافظ الضياء
بإسناده هو.
6 - في الكتاب نقولات من الروايات النقدية عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة
من كتبٍ لا تنالها أيدينا الآن إما لفقدانها أو لعدم طباعتها أيضًا.
7 - الكتاب من أحسن كتب أحاديث الأحكام ترتيبًا وأدقها تبويبًا، وقد صرح
بحسن هذا الترتيب ودقة هذا التبويب تصريحًا فعليًا الحافظ ابن عبد الهادي
__________
(1) راجع كلمة سريعة عن نحو أربعين كتابًا من كتب أحاديث الأحكام في تقدمتي
لكتاب "الأحكام الشرعية الكبرى" لعبد الحق الإشبيلي، طبع دار الرشد (1/ 14
- 25).
(مقدمة/168)
لما أَلَّف "الأحكام الكبرى" فرتبها على
ترتيب أحكام الحافظ الضياء (1).
8 - الحافظ الضياء رتب كتابه على ترتيب كتب الفقه الحنبلي فهو يُعد بمثابة
تخريج لأدلة الفقه الحنبلي من السنة المطهرة.
فبهذه الميزات مع ما بُذل من تحقيق الكتاب وتوثيقه من جهدٍ كبيرٍ أرجو أن
يصبح الكتاب كتاب كل مسلم، لا يستغني عنه عالم منتهى ولا طالب مبتدي، فيصبح
تذكرة للمنتهى وتبصرة للمبتدي -بحمد الله وتوفيقه.
__________
(1) "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 437).
(مقدمة/169)
|