السيل
الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
كتاب الطلاق
[ باب إنما يصح من
زوج مختار مكلف
غالبا قصد اللفظ في الصريح وهو مالا يحتمل
غيره إنشاء أو إقرارا أو نداء أو خبرا ولو
هازلا أو ظانها غير زوجته أو بعجمي عرفة
واللفظ والمعنى في الكتابة وهو ما يحتمله
وغيره كالكتابة المرتسمة وإشارة الاخرس
المفهمة وعلى أو يلزمني الطلاق وتقنعي وانت
حرة وانا منك حرام لا طالق.
وسنيه واحدة فقط في طهر ولا وطء منه في جمعيه
ولا طلاق ولا في حيضته المتقدمة وفي حق غير
الحائض المفرد فقط وندب تقديم الكف شهرا ويفرق
الثلاث من أرادها على الاطهار أو الشهور وجوبا
ويخلل الرجعة بلا وطء ويكفي في نحو انت طالق
ثلاثا للسنة تخليل الرجعة فقط.
وبدعيه ما خالفه فيأثم ويقع ونفي احدالنقيضين
إثبات للاخر وإن نفاه كلا لسنة ولا لبدعة.
ورجعيه ما كان بعد وطء على غير عوض مال وليس
ثالثا وبائنه ما خالفه مطلقه يقع في الحال
ومشروطه يترتب على الشرط نفيا واثباتا ولو
مستحيلا أو مشيئة الله تعالي.
وآلاته إن و إذا ومتى وكلما ولا يقتضى التكرار
الا كلما م ومتى غالبا ولا الفور الا ان في
التمليك غير إن وإذا مع لم ومتى
(1/400)
تعدد لا بعطف
فالحكم للأول وإن تأخر وقوعه إن تقدم الجزاء
فإن تأخر أو عطف المتعدد بأو أو بالوأو مع إن
فلواحد.
وينحل وبالوأو لمجموعه].
قوله: "كتاب الطلاق إنما يصح من زوج".
أقول : الايات القرآنية والاحاديث النبوية
الواردة في الطلاق هي كلها مصرحة بأن الطلاق
هو الواقع من الازواج ولم يرد غير هذا حتى
يحتاج إلي الكلام عليه فمن ادعى أنه يصح طلاق
من غير زوج فعليه البرهان فإن نهض به والا
كانت دعواه ردا عليه.
وأما ما ورد في التخيير والتوكيل فهو كائن من
جهة الزوج فأنه إذا خير زوجته فقد جعل الامر
الذي هو اليه اليها وهكذا إذا وكل وكيلا يطلق
زوجته.
وإذا تقرر لك هذا عرفت أنه لا حاجة إلي
الاستدلال على كون الطلاق إنما يصح من الزوج
بالاحاديث التي لا تقوم بها حجة كحديث:
"الطلاق لمن أمسك بالساق" "ابن ماجة 2081".
نعم يجب على الزوج إذا امره ابوه ان يطلق
امرأته ان يطيعه ويطلقها لما أخرجه أحمد وابو
دأود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن
صحيح من حديث ابن عمر قال كان تحتي امراة
احبها وكان أبي يكرهها فأمرني ان اطلقها فأبيت
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا
عبدالله بن عمر طلق امرأتك"، فهذا الحديث فيه
أنه يجب على الزوج ان يطلق امرأته إذا امره
ابوه بذلك وفيه أيضا دليل على أنه لا يصح
الطلاق الا من الزوج فإنه لو كان يصح من غيره
لكان الاب احق بذلك فإذا لم يصح من الاب لم
يصح من غيره بفحوى الخطاب.
وأما ما روى عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد
على عبده فهو قول صحأبي لا تقوم به حجة مع أنه
قد روى هو نفسه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما يخالف قوله هذا في حديث العبد الذي
قال يا رسول الله سيدي زوجني امته وهو يريد ان
يفرق بيني وبينها فقال صلى الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته
ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ
بالساق"، أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطبراني
وابن عدي وفي إسناده ابن لهيعة.
قوله: "مختار".
أقول : الأقوال والأفعال الصادرة على وجه
الاكراه قد دلت ادلة الشرع الكلية والجزئية
على أنه لا يترتب عليها شيء من الأحكام فإن
الله سبحانه لم يجعل من كفر مكرها كافرا فقال:
{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْأِيمَانِ} [النحل: 106]، وإذا كان
الاكراه مبطلا للكفر بالله والاشراك فما ظنك
بغيره وقال الله سبحانه: {رَبَّنَا وَلا
تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}
[البقرة: 286]، وقد ثبت في الصحيح عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال لما دعاه عباده
بهذه الدعوات قال: "قد فعلت".
فالمكره لو كلف بما أكره به ويثبت عليه أحكامه
لكان قد حمل مالا طاقة له به ومن هذا
(1/401)
القبيل حديث:
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه" فإن له طرقا يشهد بعضها لبعض ولذلك حسنه
من حسنه.
والمراد بالرفع رفع الخطإ بذلك وترتب أحكامه
عليه وهذا المقدار يكفي في الاستدلال على عدم
صحة طلاق المكره على تقدير عدم وجوب ما يدل
عليه بخصوصه فكيف وقد دل عليه خصوصا حديث: "لا
طلاق ولا عتاق في إغلاق" فإن ابن قتيبة
والخطأبي وابن السيد حكوا عن ائمة اللغة أنهم
فسروه بالاكراه ولا ينافي ذلك تفسير بعضهم له
بالغضب وبعضهم له بالتضييق على ما في هذين
التفسيرين من الضعف البين والمخالفة لما هو
الظاهر.
قوله: "مكلف".
أقول : للانفاق على ان الصبي والمجنون غير
مكلفين بالأحكام الشرعية ولكون ما صدر منهما
لم يكن صادرا عن قصد أما المجنون فظاهر اذ لا
قصد له صحيح اصلا وأما الصبي فلأن قصده كلا
قصد لنقصان إدراكه.
ومما يدل على عدم الوقوع حديث: "رفع القلم عن
ثلاثة" ، [أحمد "6/100، 101 144"، أبو داود
"4398"، النسائي "6/156" ابن ماجة "2041"]،
ولا وجه لاستثناء السكران بقوله غالبا لأنه
إذا ذهب إدراكه كان لاحقا بالمجانين وله
حكمهم.
وأما قول من قال إنه يقع طلاقه عقوبة له فقد
ورد الشرع بأن عقوبته الحد وليس لنا ان تجعل
له عقوبة من جهة انفسنا ونرتب عليها أحكاما لم
يأذن الله بها وقد سكر حمزة رضي الله عنه قبل
تحريم الخمر وقال للنبي صلى الله عليه وسلم
ولعلي رضي الله عنه لما دخلا عليه وهو سكران:
هل أنتم الا عبيد لأبي, فلو كان لكلام السكران
حكم لكان هذا الكلام كفرا.
وقد أطلنا الكلام على طلاق السكران في شرحنا
للمنتقي فليرجع اليه ففيه مالا يحتاج الناظر
فيه إلي غيره.
قوله: "قصد اللفظ في الصريح".
أقول : هذا من غرائب الاجتهاد وعجائب الراي
وكيف يؤاخذ من قصد التكلم باللفظ غير مريد
لمعناه بما هو مدلول ذلك اللفظ مع أنه غير
مقصود ولا مراد واي تكليف ورد بمثل هذا واي
شرع أو لغة أو عرف دل عليه فإن الالفاظ إنما
هي قوالب المعاني ولا تراد لذاتها اصلا لا عند
أهل اللغة ولا عند أهل الشرع فالمتكلم بلفظ
الطلاق الصريح في معناه إذا لم يرد المعنى
الذي وضع له ذلك اللفظ وهو فراق زوجته فهو
كالهاذي الذي يأتي في هذيانه بألفاظ لا يريد
معانيها ولا يقصد مدلولاتها.
فالحاصل ان من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ به
وإن تكلم به الف مرة ومن زعم غير هذا فقد جاء
لما لم يعقل ولا يطابق شرعا ولا عقلا ولا رايا
قويا نعم إذا جاء في لفظه بما هو طلاق صريح
وقال إنه لم يقصد معناه ولا أراد مدلوله كان
مدعيا لخلاف الظاهر لأنه ادعى ما لا
(1/402)
يفعله العقلاء
في غالب الاحوال ولكن لما كان القصد لا يعرف
الا من جهته كان القول قوله مع يمينه إن
خاصمته في ذلك امرأته أو احتسب عليه محتسب.
وأما قوله: "إنشاء كان أو إقرارا أو نداء أو
خبرا" فكل هذه إذا وقعت من الزوج قاصدا بها
معانيها كان ذلك طلاقا بلا شك ولا شبهة لا إذا
لم يقصدها كما عرفناك.
قوله: "ولو هازلا".
أقول : الهازل هو الذي تكلم باللفظ قاصدا
لمعناه المراد منه ولكن أوقعه على طريقة الهزل
ولم يوقعه على طريقة الجد أما لو لم يقصد به
المعنى بكل تكلم باللفظ من غير قصد قط فإن هذا
لا يصدق عليه أنه هازل وهذا ظاهر مكشوف ووجه
وقوع الطلاق من الهازل ورود الشرع بذلك وهو ما
أخرجه أحمد وأبو دأود وابن ماجه والترمذي
وحسنه والحاكم وصححه وأخرجه أيضا الدارقطني عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق
والرجعة".
وما قيل من أن في إسناده عبدا لرحمن بن حبيب
بن اردك وقد قال النسائي إنه منكر الحديث فهو
مدفوع بأنه قد وثقه غيره قال ابن حجر فهو على
هذا حسن.
وأخرج الطبراني من حديث فضالة بن عبيد بلفظ:
"ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح
والعتق" وفي إسناده ابن لهيعة.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عبادة
بن الصامت بلفظ: "لا يجوز اللعب فيهن الطلاق
والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن" وإسناده
منقطع.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر "من طلق وهو لاعب
فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن
نكح وهو لاعب فنكاحه جائز" وفي إسناده انقطاع
أيضا.
وأخرج عبدالرزاق نحوه عن علي وعمر موقوفين.
فالحديث المتقدم وما في معناه قد دل على وقوع
هذه الثلاثة من الهازل ولولا ورود ذلك لم يقع
بها شيء لأنه لم يخرجها مخرج القصد الصحيح
والعزم المعتبر كما قال عز وجل: {وَإِنْ
عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227].
قوله: "أو ظانها غير زوجته".
أقول : هذا بناء على ان مجرداللفظ يكفي كما
سلف وقد عرفت أنه لا بد ان يقصد باللفظ أي لفظ
كان فراق زوجته فالقاصد لغيرها فانكشف انها هي
هو غير قاصد لفراق زوجته فلا يقع طلاقه عليها
فإنه لم يوقعه عليها بل أوقعه على غيرها.
وأما قوله: "أو بعجمي عرفه" فصحيح إذا كان
عارفا بمعناه وقصد به فرقتها فليس الطلاق
مختصا بألفاظ العرب.
وأما قوله: "واللفظ والمعنى في كناية" فقد
عرفت أنه لا فرق بين اللفظ الصريح والكناية
لأنه إذا لم يكن قاصدا لمعناه لم يقع به
الطلاق ولا فرق بين ان تكون الكناية بلفظ أو
إشارة أو
(1/403)
كتابة إذا ليس
المراد الا الافهام وهو يقع بجميع ذلك ولم يصب
من قال إنه لا يقع الطلاق بالكناية.
والحاصل أنه يقع الطلاق لكل لفظ أو نحوه يدل
على الفرقة كائنا ما كان حيث كان مريدا للفرقة
به فلا فائدة في تعداد الالفاظ.
قوله: "وسنيه واحدة فقط في طهر".
أقول : أما اشتراط كونها واحدة فليس في
الاحاديث الصحيحية ما يدل عليه وأما ما روى من
حديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ في كل قرء
طلقة فلم يثبت ولا تقوم بمثله الحجة وقد ثبت
في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم
قال لعمر لما طلق ابنه عبد الله امرأته وهي
حائض: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو
حاملا"، فقوله: "ثم ليطلقها" يدل على جواز
الطلاق منه في تلك الحال كيف شاء واحدة أو
أكثر. وهكذا سائر روايات الصحيحين فإنها مصرحة
بلفظ الطلاق وهو لا يختص بالواحدة فله ان
يطلقها في ذلك الطهر ثم يراجعها ثم يطلقها
اخرى.
وثبت في حديثه في الصحيحين [البخاري "5332"
مسلم "1471"، وغيرهما [أبو داود "2179"،
الترمذي "1175"، النسائي "6/137، 141"]، أنه
قال له: "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم
تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها"،
فدل على أنه إذا وقع الطلاق في الحيض فلا بد
في طلاق السنة من ان تطهر في هذه الحيضة ثم
ينقضى هذا الطهر والحيض بعده ويطلقها في الطهر
الثاني فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة
التي طلقها فيها لم يكن سنيا كما قال المصنف
وفي طهر لا وطء فيه ولا طلاق ولا في حيضته
المتقدمة الا ان اشتراط ان لا يكون وطؤها في
هذا الحيض ليس في الادلة ما يدل عليه فالنبي
صلى الله عليه وسلم إنما عرف بان لا يطلقها في
الطهر الذي وقع بعدالحيضة التي طلقها فيها.
وأما قوله: "في حق غير الحائض المفرد فقط"
فوجهه ان الذي انكره النبي صلى الله عليه وسلم
هو ايقاع الطلاق في الحيض وهذه ليست بحائض ولم
يدل دليل على كيفية الطلاق السني في حقها فكان
ايقاع الطلاق عليها في أي وقت كان موافقا
للسنة.
وأما اشتراط ان تكون واحدة فقد قدمنا أنه لا
يدل دليل على ذلك في الحائض ولا ورد ما يدل
على اشتراطه في طلاق السنة في غير الحائض.
ولا وجه لقوله: "وندب تقديم الكف شهرا" لأن
الندب حكم شرعي فلا يثبت الا بدليل.
وأما قوله: "ويفرق الثلاث" الخ فمبني على ان
الطلاق لا يكون على السنة الا إذا كان مفردا
وليس على ذلك دليل.
وأما قوله: "وتخلل الرجعة". وقوله: "ويكفي في
نحو انت طالق ثلاثا للسنة تخليل الرجعة" فمبني
على ان الطلاق لا يتبع الطلاق وسيأتي البحث
عنه إن شاء الله.
قوله: "ويدعيه ما خالفه فياثم ثم يقع".
(1/404)
أقول : الذي دل
على هذا الطلاق المسمى بطلاق السنة هو حديث
ابن عمر الذي قدمنا ذكر بعض طرقه وقد ورد فيه
في رواية في الصحيحين [البخاري "4908، 7160"،
مسلم "4/1471"]، وغيرهما [أحمد "2/26، 58، 81،
130"، الترمذي "1176"]: وكان عبد الله طلق
تطليقة فحسبت من طلاقها.
وفي رواية لمسلم وأحمد والنسائي أن ابن عمر
كان إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت
امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم امرني بهذا وإن كنت قد طلقت ثلاثا
فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله
عز وجل فيما امرك به من طلاق امرأتك.
وفي لفظ في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "مره فليراجعها".
وفي لفظ للبخاري عن ابن عمر أنه قال: "حسبت
علي بتطليقه".
فهذه الروايات تدل على وقوع البدعي وقد ذهب
إلي ذلك الجمهور واستدل القائلون بعدم وقوعه
بما أخرجه أحمد وأبو دأود والنسائي عن ابن عمر
بلفظ فردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يرها شيئا ورجال هذا الحديث رجال الصحيح
قال ابن حجر وإسناده هذه الزيادة على شرط
الصحيح وقال ابن القيم إن هذا الحديث صحيح قال
الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير
انكر من هذا الحديث وقد يحتمل ان يكون معناه
ولم يرها شيئا يحرم معه المراجعة ولم يرها
شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار.
وقال ابن عبدالبر قوله لم يرها شيئا منكر لم
يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه
مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح
فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما
لكونها لم تكن على السنة.
وقال أبو دأود بعد إخراجه لهذه الزيادة روى
هذا الحديث عن ابن عمر جماعة واحاديثهم على
خلاف ما قال أبو الزبير.
وبهذا تعرف ان القول بوقوع البدعي ارجح ويؤيد
هذا أنه أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب
أنه قال في الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم: "وهي واحدة"، وقال ابن أبي ذئب وحدثني
حنظلة بن أبي سفيان سمع سالما يحدث عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرجه
الدارقطني عن يزيد بن هرون عن بن أبي ذئب وأبي
اسحق جميعا عن نافع عن أبي عثمان عن النبي صلى
الله عليه وسلم: "هي واحدة".
وأخرج الدارقطني أيضا من رواية سعيد عن أنس بن
سيرين عن ابن عمر في القصة فقال عمر: يا رسول
الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: "نعم".
وقد حررت هذا البحث في رسالة مستقلة.
قوله: "ونقى أحد النقيضين إثبات للآخر".
أقول : يعني حيث نفاهما معا فإن نفى الأول
يكون اثباتا للآخر فإذا قال هي طالق لا
(1/405)
لبدعة ولا
للسنة طلقت للسن والعكس للبدعة وانت خبير بأن
هذا إن كان رجوعا إلي مدلول ما تكلم به فقد
تكلم بما يفيد عدم وقوع الطلاق على كل حال
لأنه قال لا كذا ولا كذا ومعنى هذا عدم الوقوع
في كلا الحالتين وعلى كلا الوصفين المتقابلين
وإن كان رجوعا إلي شيء آخر غير مدلول الكلام
الذي تكلم به فما هو وللرجل ان ينفي الطلاق عن
نفسه بأي عبارة أراد فكيف يكون نفيه البالغ
المتضمن لرفع النقيضين أو الضدين موجبا لوقوع
الطلاق.
قوله: "ورجعيه ما كان بعد وطء على غير عوض مال
وليس ثالثا".
أقول : هذا الرسم للرجعي صحيح الا اشتراط
الوطء ففيه ما فيه فإن الخلوة توجب العدة
وكونه لا يثبت لزوجها عليها الرجعة فيها محتاج
إلي دليل.
وأما المختلعة فهي افتدت نفسها فلو كان له
مراجعتها من جهة نفسه بدون اختيارها لكان ذلك
خلاف ما هو مقصوده من الافتداء.
وأما المثلثة فبنص القرآن وهكذا قوله وبائنه
ما خالفه فإن الكلام فيه هكذا.
قوله: "ومطلقه يقع في الحال وشروطه يترتب على
الشرط".
أقول : أما وقوع المطلق في الحال فظاهر لا
يحتاج إلي ذكره لان تجرد اللفظ عن التقييدات
يوجب ان يكون زمانه زمان التكلم به اذ هو
مقتضى اللفظ ولا صارف يصرف عنه.
وأما كون مشروطه يترتب على الشرط فظاهر ومن
شكك في وقوع الطلاق المشروط فهو لم يأت في
تشكيكه بطائل فإن التقييد بالشروط في الكتاب
والسنة لا يحيط به الحصر فضلا عن كلام العرب
وليس هذا التشكيك مختصا بالطلاق بل يجري في
جميع الابواب وفي كل شرط مستقبل في اللغة
العربية باسرها وهذا دفع للشرع بالصدر فضلا عن
كونه ردا للغة العرب.
قوله: "أو مشيئة الله".
أقول : قد جاءت السنة الصحيحة بأن التقييد
بالمشيئة يوجب عدم وقوع ما علق بها كمن حلف
ليفعلن كذا إن شاء الله فإنه لا يلزمه حكم
اليمين في هذا أو غيره فالمعلق للطلاق
بالمشيئة إن أراد هذا المعنى لم يقع منه
الطلاق وان أرادا لطلاق إن كان الله سبحانه
يشاؤه في تلك الحال فإن كان ممسكا بها
بالمعروف وهي مطيعة له فالله سبحانه لا يشاء
طلاقها.
وإن كان غير ممسك بالمعروف فقد أراد الله
سبحانه منه في تلك الحالة ان يسرحها بإحسان
كما قال في كتابه العزيز فمراده هو ما في
كتابه من التخيير بين الامساك بالمعروف
والتسريح بالاحسان.
وإن أراد ما يريده غالب الناس من لفظ التقييد
بالمشيئة فإنهم يريدون تأكيد وقوع ما قيدوه
بها في الاثبات وتأكيد عدم وقوع ما قيدوه بها
في النفي وقع الطلاق المقيد بالمشيئة لأنه قد
أراد الفرقة بعبارة مؤكدة.
وأما قوله: "وآلاته" الخ فالمصنف رحمه الله
إنما اقتصر على هذه لكونها أمهات الات الشرط
كما صرح هو بذلك.
(1/406)
قوله: "ولا
يقتضي التكرار الا كلما".
أقول : لهذا صحيح لانها تقتضيه لذاتها بخلاف
عيرها فا متى لا تدل على تكرار كما يعلم من
قول القائل متى جئتني اكرمتك فإنه لا يراد
بهذا أنه يكرمه في كل وقت من أوقات مجيئه وأما
كلما فإنها دالة على التكرار دلالة بينة واضحة
ولا ترد لغيره الا لقرينة تصرفها عما هو اصلها
وأما تكرر المعلق على علة بتكررها فهذا بحث
آخر ليس المصنف بصدد بيانه.
قوله: "ولا يقضتي الفور الا إن في التمليك".
أقول : إن كان هذا الاقتضاء من هذا الحرف فهو
محتاج إلي نقل عن أهل اللغة وإن كان ذلك بخصوص
كونها في التمليك فلا شك أنه لم يرد ما يدل
على الفور في مثل قول الرجل لامرأته طلقي نفسك
إن شئت فإن المشيئة منها كما يصح اعتبارها في
الحال يصح اعتبارها في الاستقبال وكذا قوله
وغير ان وإذا مع لم فإنه لم يرد ما يدل على
هذه الدعوى من شرع ولا لغة وان كان هذا
الاقتضاء هو مجرد اصطلاح للمصنف وأهل محله فلا
مشاحة في الاصطلاحات.
قوله: "ومتى تعدد لا بعطف فالحكم للأول" الخ.
أقول : ايقاع القيود بعدالكلام يوجب ان يكون
كلها قيودا له فيقول القائل انت طالق إن أكلت
إن شربت هو كقوله انت طالق إن أكلت انت طالق
إن شربت فيقع الطلاق بواحد منهما فإن أكلت
طلقت وإن شربت طلقت ولا فرق بين المتقدم في
كلامه والمتأخر بل الاعتبار بما تقدم وقوعه من
المرأة هكذا ينبغي ان يكون الكلام في هذا
المقام.
وأما مع العطف فيما اقتضاه العاطف من جمع أو
ترتيب كان العمل عليه وهو ظاهر فالقائل انت
طالق إن أكلت وشربت لا يقع طلاقه الا بمجموع
الأكل والشرب وإن قال إن أكلت ثم شربت فلا يقع
طلاقه الا بوقوع الأكل أولا ثم الشرب ثانيا
وهكذا في التخيير تطلق بواحد منهما.
[ فصل
ويصح التعليق بالنكاح والطلاق نفيا وإثباتا
لواحدة أو اكثر وبالوطء فيقع بالتقاء الختانين
والتتمة رجعة في الرجعي وبالحبل قيل ويكف بعد
الانزال حتى يتبين وبالولادة فيقع بوضع متخلق
لا وضع الحمل فبمجموعه وبالحيض فيقع برؤية
الدم إن تم حيضا قوله فصل ويصح التعليق
بالنكاح والطلاق] الخ.
أقول : لا حاجة لذكر هذا الفصل فإنه يغني عنه
ما تقدم من تجويز الطلاق المشروط ووقوعه عنه
وقوع شرطه وهذه الصورة المذكورة في هذا الفصل
هي داخلة تحت ذلك العموم فإن قول
(1/407)
الزوج إن نكحت
فلانة أو طلقتها فأنت طالق وكذا قوله إن
وطئتها وكذا قوله إن ولدت فأنت طالق وإن حضت
فأنت طالق هي طلاقات مشروطة فهي داخلة فيما
تقدم ولعله أراد ان يبين ما ذكره من ان التتمة
رجعة في الرجعى وان الولادة تكون بوضع مولود
متخلق ووضع الحمل لا يكون وضعا الا بوضع
المجموع ولكن لا يخفاك ان بيان مثل هذه الامور
لا يلجىء إلي هذا التكرار الطويل مع وضوح
الامر في هذه الاشياء وعدم خفائها حتى يقتضي
ذلك بيانها.
[ فصل
وما علق بمضي حين ونحوه قيل وقع بالموت ومنه
إلي حين ويقع بأول المعين وأول الأول إن تعدد
كاليوم غدا ولو بتخيير أو جمع غالبا ويوم يقدم
ونحوه لوقته عرفا وأول آخر اليوم وعكسه لنصفه
أمس لا يقع وإذا مضى يوم في النهار لمجيء مثل
وقته وفي الليل لغروب شمس تاليه والقمر لرابع
الشهر إلي سبع وعشرين والبدر لرابع عشر فقط
والعيد وربيع وجمادي وموت زيد وعمرو لأول
الأول وقبل كذا للحال وبشهر لقبله به وقبل كذا
وكذا بشهر لقبل أخرهما به ويدخله الدور ولا
يصح التحبيس وهو متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق
قبله ثلاثا ومهما لم يغلب وقوع الشرط لم يقع
المشروط وما أوقع على غير معين كإحداكن أو
التبس بعد تعينه أو ما وقع شرطه أوجب اعتزال
الجميع فلا خيرجن الا بطلاق فيجبر الممتنع فإن
تمرد فالفسخ ولا يصح منه التعيين ويصح رفع
اللبس برجعة أو طلاق].
قوله: فصل : "وما علق بمضى حين ونحوه" الخ.
أقول : إن كان الحين مشتركا بي ما يطلق عليه
من الحصص الزمانية فلا بد ان يريد واحدة منها
ولا تطلق بمجرد وقوع اللحظة اليسيرة لانها أحد
معاني الحين فهي كغيرها لا مرجع لها على ما
هومن جملة معاني الحين حقيقة وإن كان لاحين
حقيقة في واحد منها مجازا فيما عداه لم تطلق
الا بالحين الحقيقي الا ان يكون مريدا للمجاز
فله أرادته.
وإن كان الحين مطلقا في أفراده يتنأولها على
جهة البدل كرجل فإن أراد واحدا منها كان
الطلاق واقعا بمضية وان لم يرد وقع الطلاق بما
يصدق عليه ذلك المطلق وأول ما يصدق عليه
اللحظة من الزمان.
وأما قول المصنف: "ومنه إلي حين" فليس مراده
ما يدل عليه لفظ إلي من كون الطلاق مغيا بغاية
هي مضي الحين فإن هذه الأرادة لا تصدر من
متشرع فضلا عن عالم فليس مراده الا ان إلي هنا
بمعنى مع فكأنه قال انت طالق مع مضي حين فإذا
مضى طلقت.
(1/408)
وأما قوله:
"ويقع بأول المعين" فصحيح لان ذلك الوقت قد
صار زمانا لوقوع الطلاق وليس بعضه أولى من بعض
فتطلق لدخول ذلك الوقت المعين حيث لم يكن
متعددا وبأول وقت يدخل من المتعدد وإن كان
الظاهر أنه قد جعل المتعدد وقتا للطلاق فيرجع
إلي أرادته إن كان له أرادة كان العمل عليها
وإن كان لا أرادة له فكما قدمنا أنه في حكم
الواحد فيقع بدخول جزء من الوقت.
وأما التخيير فالظاهر أنه لا جزم بوقوع الطلاق
في احدهما فإذا قال: أنت طالق اليوم أو غدا
فإن كان له أرادة كان العمل عليها وإن لم تكن
له أرادة فلا يقع بمضي اليوم طلاق بل لا يقع
الا بدخول جزء من الغد لعدم استقرار الكلام مع
حرف التخيير فإنه إنما يكون للشك أو التشكيك.
وما الجمع نحو ان يقول انت طالق اليوم وغدا
فإنه قد صار الجمع كالوقت الواحد لما يقتضيه
حرف الجمع ويقع بدخول جزء من اجزاء الأول.
وأما قوله: "ويوم يقدم ونحوه لوقته عرفا" فهذا
صحيح إن كان ثم عرف وإلا فالظاهر انها تطلق
بأول جزء من اليوم الذي قدم فيه ويكون قدومه
كاشفا عن وقوع الطلاق في أول اليوم.
وأما قوله: "وأول آخر اليوم وعكسه لنصفه"
فالظاهر أن آخر اليوم وهو آخر اجزائه فتطلق في
أول هذا الجزء ولا يتحقق وقوع هذا الطلاق الا
بانقضاء اليوم كله وتطلق في العكس عند مضى جزء
من أول اليوم. لانه يصدق بمضي ذلك الجزء أنه
آخر أول اليوم.
وأما كون امس لا يقع فظاهر لأنه قد انقضى فلم
يبق منه ما يكون وقتا لوقوع الطلاق.
وأما قوله: "وإذا مضى يوم في النهار فلمجيء
مثل وقته" فالظاهر أنه لا بد من مضي يوم مستقل
من غير اعتبار الكسر لان هذا هو المعنى
الحقيقي فلا تطلق الا بمضي اليوم المستقبل كله
كما لو قال ذلك وهو في الليل.
وأما قوله: "والقمر لرابع الشهر" الخ فإن كان
هذا مدلوله اللغوي فلا باس به وإلا فالظاهر أن
يقال له قبل الكمال هلال وهكذا اختصاص البدر
بليلة رابع عشر إن كان ذلك مدلولا لغويا فلا
بأس والا فالظاهر أنه يقال له بدر ما بقي
كاملا:
توفي البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها
النقصان وهي كوامل
وأما قوله: "والعيد وربيع وجمادي" الخ فليس
لذكر هذا فائدة يعتد بها بعد قوله ويقع بأول
المعين وأول الأول.
وأما قوله: "وقبل كذا للحال" فصحيح لأن وقت
التكلم هو أول الأوقات القبلية وليس المراد
القبلية المطلقة والا لزم ان لا يقع الطلاق بل
يكون كقوله انت طالق امس ووجهه أن هذه القبلية
لذلك الامر الذي سماه كائنة قبل التكلم.
وأما قوله: "وقيل كذا وكذا بشهر لقبل آخرهما
به" فالظاهر ان القبلية المنسوبة إلي الشيئين
(1/409)
المذكورين تكون
قبل أولهما ولا وجه لجعلها مختصة بقبلية الاخر
فإذا دخل أولهما وقد مضى من وقت التكلم شهر
فصاعدا كشف عن وقوع الطلاق قبله الشهر وأما
إذا دخل أولهما قبل مضى شهر فالظاهر عدم وقوع
الطلاق كما لو قال انت طالق امس.
قوله: "ويدخله الدور".
أقول : الدور هو عدم تناهي التوقفات في أمور
متناهية كأن يتوقف كل واحد من الامرين على
الاخر مثلا فلا ينجز واحد منهما لأنه متوقف
على الاخر والاخر متوقف عليه فهذا المطلق الذي
جاء في طلاقه بما يقتضي الدور لم يرد ايقاع
الطلاق فلا يقع طلاقه لعدم أرادته ولعدم
اقتضاء ما جاء به من الدور للوقوع فمن قال إنه
يقع الطلاق المشتمل على الدور فهو لم يصب لأنه
إن أراد وقوعه من حيث الصيغة فهي متمانعة كما
هو شأن الدور وإن أراد وقوعه من حيث الأرادة
فهو بحث آخر.
وأما قوله: "ولا يصح التحبيس" فهو راجع على ما
قدره من أنه يدخله الدور بالنقض لأنه صادق على
التحبيس معنى الدور فإن قوله في مثاله وهو تى
وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا قد جعل
هذا الطلاق متوقفا على وقوع الثلاث ووقوع
الثلاث متوقفا على وقوع الطلاق وهذا هو الدور
لصدق حقيقته التي قدمنا ذكرها عليه فلا عذر
لمن قال بأنه يدخل الطلاق احدهما ان يقول بعدم
دخول الاخر.
ومن قال بعدم دخول الطلاق احدهما ان يقول
بدخول الاخر والحاصل ان الطلاق الذي وقع على
هذه الصفة ينبغي الرجوع إلي مدلول لفظه وقد
وجدنا اللفظ الذي جاء به متمانعا لا يقع بعضه
الا بوقوع البعض الاخر فلا يجوز لنا ان نحكم
بالوقوع لأنه حكم على الزوج بغير ما تكلم به
وتفويت لزوجته وإخراج لها من عقد نكاحه بغير
صدور ما يدل على ذلك منه فالحكم بالوقوع فيه
ظلم له من هذه الحيثية.
وأما استدلال من ابطل الدور والتحبيس بأن ذلك
بدعة وأنه على غير ما كان عليه النبي صلى الله
عليه وسلم وأنه يلزم منه ان يمتنع منه إيقاع
الطلاق عليها دائما وهو مأذون به فهو استدلال
لشيء آخر وقد عرفت ان الله سبحانه جعل الطلاق
بيد الازواج فلهم ان يطلقوا متى شاءوا ولهم ان
لا يطلقوا ابدا وهذا الذي جاء بالدور قد أراد
ان لا يطلق أبدا فما المانع من هذا؟
قوله: "ومهما لم يغلب وقوع الشرط لم يقع
المشروط".
أقول : الاصل عدم الوقوع فلا يقع الطلاق الا
إذا تيقن وقوع الشرط ولا يكفي مجرد الظن وإنما
اعتبره المصنف هنا لما سيأتي من أنه يكفي الظن
الغالب في النكاح تحريما ولكن الذي ينبغي ها
هنا ان لا ينتقل عن الاصل الذي هو عدم وقوع
الشرط الا بعلم لا بظن.
قوله: "وما أوقع على غير معين" الخ.
أقول : هذه الصور ينبغي تحقيق الكلام فيها بما
يظهر به الصواب إن شاء الله.
أما الصورة الأولى أعني قوله: "وما أوقع على
غير معين فإحداكن" فالمتكلم بهذا اللفظ مخاطبا
به زوجاته قد أراد ايقاع الطلاق على واحدة
منهن غير معينة ولم يجعل لنفسه في الامر
(1/410)
سعة فلا وسع
الله عليه قد صارت احداهن طالقا بيقين وكل
واحدة يحتمل ان تكون هي المرادة وان تكن غير
المرادة فلا تحل له واحدة منهن الا بعد رجعة
في الطلاق الرجعى لكل واحدة وللواحدة التي
ابهمها ولكن تحسب هذه طلقة على كل واحد ولا
وجه ها هنا للرجوع إلي البراءة فقد وقع منه
طلاق واحدة بيقين وعدم تعينها لا يستلزم عدم
وقوع ذلك الطلاق لا عقلا ولا شرعا ولا لغة ولا
عرفا.
وهكذا الكلام في الصورة الثانية أعني قوله:
"أو التبس بعد تعيينه" بل الوقو في هذه الصورة
اظهر من الوقوع في الصورة التي قبلها لانها قد
طلقت واحدة منهم معينة بيقين.
وأما الصورة الثالثة اعني قوله: "وما وقع
شرطه" فإن كان ذلك الشرط دائرا بين نقيضين لا
يجتمعان ولا يرتفعان وهي القضية المانعة للجمع
والخلو معا نحو ان يقول لشبح رآه إن كان هذا
حيوانا فزينب طالق وإن كان غير حيوان ففاطمة
طالق والتبس بعد ذلك ما هو فمعلوم أنه قد وقع
الطلاق على إحداهما وتكون هذه الصورة مثل
الصورتين الأوليين.
وأما إذا كان ذلك الشرط دائرا بين شيئين غير
متناقضين كأن يقول إن كان هذا الطائر غرابا
فزينب طالق وإن كان حدأة ففاطمة طالق فلا يقع
الطلاق ولا يجب عليه الاعتزال لأنه يجوز ان
يكون ذلك الطائر غير الغراب وغير الحدأة.
ولعل المصنف لا يريد الا المثال الأول في هذه
الصورة لا المثال الثاني فعرفت بهذا صحة ما
ذكره من وجوب الاعتزال وصحة قوله فلا يخرجن
الا بطلاق وهكذا لا يرجعن إلي نكاحه الا برجعة
لمن وقع عليها الطلاق أو لكل واحدة إذا كان
الطلاق رجعيا أو بعقد على المبهمة أو على كل
واحدة إذا كان الطلاق بائنا.
وأما قوله: "فيجبر الممتنع فإن تمرد فالفسخ"
فصواب لانهن قد صرن معلقات عن النكاح مع حصول
الاضرار بهن بالاعتزال فإذا لم يطلق كان الفسخ
من الحاكم هو الواجب عليه دفعا لما صرن فيه من
الضرار مع حبسهن عن الازواج.
وأما قوله: "ولا يصح منه التعيين" فإن كان هذا
التعيين لامر اقتضى ارتفاع اللبس فكيف لا يقبل
منه التعيين عند حصول مقتضيه وزوال مانعه ه
وإن كان التعيين منه لا لارتفاع سبب اللبس بل
مجرد التشهي فلا وجه له ولا يصح بحال.
وأما قوله: "ويصح رفع اللبس برجعة أو طلاق"
فظاهر.
[ فصل
ولا يجوز التحليف به مطلقا ومن حلف مختارا أو
مكرها ونواه حنث المطلق ليفعلن بموت أحدهما
قبل الفعل والمؤقت بخروج آخره متمكنا من الحنث
والبر
(1/411)
ولم يفعل
ويتقيد بالاستثناء متصلا غير مستغرق ولو
بمشيئة الله تعالي أو غيره فيعتبر المجلس وغير
وسوى للنفي والا له مع الاثبات وقيل الا ان
للفور].
قوله: فصل : "ولا يجوز التحليف به مطلقا".
أقول : لا يجوز التحليف به ولا بغيره والحلف
إنما هو بالله عز وجل وقد نهى صلى الله عليه
وسلم عن الحلف بغير الله وأمر بالحلف به
والاحاديث في هذا الباب كثيرة.
وأما قوله: "ومن حلف مختارا أو مكرها ونواه
حنث" فاعلم ان إيقاع الطلاق على الزوجة قد
يكون بإنشاء لفظ يدل عليه أو بالاخبار عن وقوع
طلاق منه متقدم أو بالشرط نحو إن دخلت الدار
فأنت طالق.
وأما قول القائل: عليه الطلاق أو يلزمه الطلاق
ونحو ذلك فليس من ذلك في شيء ولم يجعله الله
على رجل طلاقا ولا ألزمه احدا من عباده به ولا
يصح من العبد ان يجعل على نفسه غير ما جعله
الله عليه ويلزمها غير ما الزمه الله به وهو
لم يكن مريدا بالحلف بالطلاق فراق زوجته
وإخراجها من حباله حتى يكون هذا اللفظ بمنزلة
كنايات الطلاق بل هو لم يرد الا تأكيد وقوع ما
حلف على وقوعه أو تأكيد نفي ما حلف على نفيه
فمن قال عليه الطلاق ليفعلن كذا أو عليه
الطلاق ما فعل كذا أو يلزمه الطلاق ليفعلن أو
ما فعل فليس المراد له والمقصود منه عند
التكلم بهذا الكلام الا وقوع ذلك الامر أو عدم
وقوعه ولكنه أراد ان يشعر السامع بحرصه
وتكالبه على الوقوع أو عدمه.
وإذا تقرر لك هذا علمت ان وقوع الطلاق بمجرد
الحلف به في حيز الاشكال لأنه إلزام نفسه بما
لا يلزمها لا من جهة الشرع ولا من جهة الشخص
نفسه ولم يكن في لفظه ما يدل على الفرقة ولا
ظهر منه حال الحلف أنه مريد للطلاق بهذا اللفظ
الذي جاء به حال التكلم به ولا أنه مريد له في
المستقبل لأنه بصدد الاخبار بحرصه على وقوع ما
حلف عليه بالطلاق أو عدم وقوعه.
وبالجملة فليس في الشرع ما يدل على وقوع هذا
الطلاق ولا في اللفظ ولا في القصد فتدبر هذا.
قوله: "ويتقيد بالاستثناء".
أقول : هذا صحيح ولا يحتاج إلي التنصيص عليه
فكل كلام إذا قيد بقيد كان ذلك القيد معتبرا
من غير فرق بين الاستثناء وغيره ولا بد ان
يكون الاستثناء متصلا غير مستغرق كما قال.
وأما قوله: "ولو بمشيئة الله تعالي" فقد قدمنا
الكلام على ذلك وهكذا التعليق بمشيئة غير الله
سبحانه فإن الاعتبار بما يختاره حال التكلم
بهذا الكلام والتشكيك في مثل هذا هذيان لا
يلتفت اليه.
وأما قوله: "وغير وسوى للنفي" فمسلم ان أراد
الدلالة المنطوقية لا إذا أراد مطلق الدلالة
(1/412)
فإنهما يدلان
بمفهومها على إثبات المقدار الذي توجها إلي
نفي ما عداه وإن كانت دلالة الا أوضح من
دلالتهما على ذلك.
وأما قوله: "قيل: وإلا للفور" فغير مسلم لان
الصيغة لا دلالة لها على ذلك وأما مجرد
الأرادة والاعراف فباب آخر.
[ فصل
ويصح توليته أما بتمليك وصريحه ان يملكه مصرحا
بلفظه أو يأمر به مع إن شئت ونحوه والا فكنابة
كأمرك أو امرها اليك أو اختاريني أو نفسك فيقع
واحدة بالطلاق أو الاختيار في المجلس قبل
الاعراض الا المشروط بغير إن ففيه وبعده ولا
رجوع فيهما ولا تكرار الا بكلما وأما بتوكيل
منه ان يأمر به لا مع إن شئت ونحوه فلا يعتبر
رالمجلس ويصح الرجوع قبل الفعل ما لم يحبس الا
بمثله ومطلقه لواحدة على غير عوض ويصح تقييده
وتوقيته والقول بعد الوقت للأصل في نفي الفعل
لا حاله فللوكيل].
قوله: فصل : "ويصح توليته" الخ.
أقول : الطلاق لما كان إلي الزوج كان له ان
يجعله بيد غيره ولا مانع من ذلك لا من شرع ولا
من عقل ولا من لغة فله ان يأمر من يطلق عنه
بأي لفظ كان ومن ذلك ان يقول لزوجته امرك اليك
أو يقول لغيرها امرها اليك أو يقول للمرأة
اختاريني أو نفسك وقد ثبت أصل التخيير في كتاب
الله سبحانه فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً
عَظِيماً} [الأحزاب: 28،29]، ثم لما نزلت هذه
الآية خير النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته
وخاطب كل واحدة منهن بذلك كما في الصحيحين
[البخاري "9/367"، مسلم "27/1477"]، وغيرهما
[أبو داود "2203"، الترمذي "1179"، النسائي
"6/161"، ابن ماجة "2052"]. وأما كونه لا يقع
واحدة بالطلاق ممن جعل الزوج الامر اليه أو
بالاختيار من الزوجة فظاهر لأن المطلق ينصرف
إلي ذلك ويصدق بالواحدة الرجعية.
وأما اشتراط ان يكون ذلك في المجلس فلا دليل
يدل عليه بل الظاهر أنه يصح وإن طال الوقت ما
لم يحصل الاضراب المشعر بعدم القبول.
وأما كونه لا يصح الرجوع من الزوج فلكونه قد
صرف عن نفسه امرا هو اليه فصار الغير مسلطا
عليه ويمكن ان يقال إنه إذا رجع قبل الفعل
فالرجوع صحيح إلا أن يمنع عنه مانع شرعي أو
عقلي ولا مانع هنا ولم يكن قد وقع الفعل فكان
الرجوع في محله.
(1/413)
وأما قوله:
"ولا تكرار الا بكلما" فلما قدمنا قريبا.
وأما قوله: "وأما بتوكيل ومنه ان يأمر به لامع
إن شئت ونحوه" فلا يعتبر المجلس فلا يخفاك أنه
لا فرق بين التمليك والتوكيل في عدم اعتبار
المجلس ولا يظهر للفرق وجه يعتد به.
وأما قوله: "فيصح الرجوع" فوجهه ان للموكل عزل
الوكيل متى شاء الا ان يأتي بما يمنع لرجوع
كالتحبيس.
وأما كون مطلقه لواحدة على غير عوض مال فلما
قدمنا.
وأما كونه يصح تقييده وتوفيته فظاهر لان
للموكل ان يامر الوكيل بما أراده وأما كون
القول بعدالوقت للأصل في نفي الفعل فلكون
الاصل عدمه لا في الوقت فإن الظاهر مع الوكيل.
(1/414)
[
باب الخلع
أما يصح من زوج مكلف مختار أو نائبه بعقد على
عوض مال أو في حكمه صائرا أو بعضه إلي الزوج
غالبا من زوجته صحيحة التصرف ولو محجورة ناشزة
عن شيء مما يلزمها له من فعل أو ترك أو من
غيرها كيف كانت مع القبول أو ما في حكمه في
مجلس العقد أو الخبر به قبل الاعراض فيهما
كأنت كذا على كذا فقبلت أو الغير أو طلقني أو
طلقها على كذا فطلق أو شرطه كإذا كذا أو طلاقك
كذا فوقع ولو بعد المجلس فيجبر ملتزم العوض في
العقد والزوج على القبض فيهما ولا ينعقد
بالعدة ولا تلحق الاجازة الا عقده].
قوله: باب : "الخلع إنما يصح من زوج".
أقول : أما كونه لا يصح الا من زوج مكلف مختار
فظاهر لما قدمناه وكذلك يصح من نائبه لما سلف.
وأما قوله: "بعقد" فليس لهذا حاجة بل المراد
حصول التراضي بأي لفظ كان وعلي أي صفة وقع.
وأما كونه على عوض مال أو في حكمه فلما تقدم
في المهور لانها تفتدى نفسها بما صار اليها أو
بعضه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "ردي
عليه حديقته" [البخاري "9/395"].
وأما اشتراط النشوز منها فلقوله عز وجل: {وَلا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا
آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا
أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ} [البقرة: 229]، فقيد سبحانه حل الافتداء
بمخافتهما الا يقيما حدود الله وظاهر الآية ان
الخلع لا يجوز
(1/414)
إلا بحصول
المخافة منهما جميعا بأن يخاف الزوج ان لا
يمسكها بالمعروف وتخاف الزوجة أن لا تطيعه كما
يجب عليها.
ولكنه لما ثبت حديث ابن عباس عند البخاري
وغيره ان امراة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلي
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله
إني ما اعتب عليه في خلق ولا دين ولكني اكره
الكفر في الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتردين
عليه حديقته"، قالت نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبل
الحديقة وطلقها تطليقة"، دل ذلك على ان
المخافة لعدم إقامة حدود الله من طريقها كافية
في جواز الاختلاع.
ولا ينافي جواز الاختلاع الاحاديث الواردة في
اثم المختلعات فإن ذلك محمول على الكراهة فقط
لتصريح القرأن الكريم والسنة بجواز ذلك.
وأما قوله: "أو من غيرها كيف كانت" فوجهه ان
العوض لما كان من غيرها لم يشترط فيها ما
يشترط حيث العوض منها ولكن كون هذا خلعا تثبت
به أحكامه غير مسلم.
وأما قوله: "مع القبول أو الامتثال أو ما في
حكمه" فالمراد ما يشعر بالرضا بذلك كما تقدم.
وأما المعاقدة العرفية والمحافظة على ما
يفيدها فليس ذلك الا مجرد رأي فلا تشتغل
بالكلام على ما تفرع على هذا إلي آخر الفصل.
[ فصل
ولا يحل منها أكثر مما لزم بالعقد لها
ولأولادها منه صغار ويصح على ذلك ولو مستقبلا
وعلى المهر أو مثله كذلك فإن لم يكن قد دخل
رجع بنصفه ونحو ذلك].
قوله: فصل : "ولا يحل منها أكثر مما لزم
بالعقد" الخ.
أقول: ظاهر القرآن يدل على هذا فإنه سبحانه
قال: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} [البقرة:
229] إلي آخر الآية فإنها واردة في اخذ الزوج
لشيء مما اتاها فإذا اخذ منها زيادة على ما
أتاها فقد خالف ما في الكتاب العزيز.
ويدل على هذا أيضا ما أخرجه ابن ماجه بإسناد
رجاله رجال الصحيح الا ازهر بن مروان وهو
مستقيم الحديث من حديث ابن عباس أنه صلى الله
عليه وسلم قال لامرأة ثابت بن قيس: "أتردين
عليه حديقته؟" قالت: نعم وازيده فامره رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ حديقته ولا
يزداد وأخرجه أيضا النسائي "6/169"، والبيهقي.
وأخرج الدارقطني عن أبي الزبير ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها: "أما الزيادة فلا
ولكن حديقته".
(1/415)
قالت: نعم
فاخذها قال الدارقطني وقد سمعه أبو الزبير من
غير واحد انتهى وإسناده إلي أبي الزبير صحيح.
ولا يعارض الدلالة القرآنية وما ذكرناه عنه
صلى الله عليه وسلم ما روى البيهقي عن أبي
سعيد الخدري قال كانت اختي تحت رجل من الانصار
فارتفعا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لها: "أتردين عليه حديقته؟"، قالت:
وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته فإن
إسناد هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة مع
كونها زادته من قبل نفسها فلا حجة في ذلك.
وأما قوله: "ولأولاد منه صغار" فوجهه أنه من
جملة ما أتاها ولكن لا يخفى ان المراد بما
أتاها ما جعله صداقا لها فقط فلا يدخل في ذلك
ما سلمه لسبب آخر من نفقة أو كسوة لها أو
لأولادها أو أجرة حضانة أو نحو ذلك.
وأما قوله: "ويصح على ذلك ..... إلي آخر
الفصل" فظاهر.
[ فصل
ويلزم بالتغرير مهر المثل ولا تغرير إن ابتدأ
أو علم وحصة ما فعل وقد طلبته ثلاثا أولها
وللغير حسب الحال وقيمة ما استحق وقدر ما جهلا
سقوطه أو هو وهي المبتدئة وينفذ في المرض من
الثلث ولها الرجوع قبل القبول في العقد لا في
الشرط ويلغو شرط صحة الرجعة].
قوله: "ويلزم بالتغرير مهر المثل".
أقول : الزوجة إذا غررت على زوجها كأن تقول له
طلقني على ما في هذا المكان فطلقها عليه ثم
انكشف أنه لم يكن في ذلك المكان شيء فالطلاق
غير واقع لأنه أوقعه مقيدا بقيد وهو العوض
الذي غررت به ولم يوقعه مطلقا فلا يصح في هذا
طلاق خلع ولا غير خلع ولو قدرنا أنه قد صح
الطلاق ولزمها ما غررت به لم يكن للرجوع إلي
مهر المثل وجه بل ينبغي الرجوع إلي المقدار
الذي يكون به الاختلاع في العرف الغالب لأنه
المقصود لهما.
وأما قوله: "ولا تغرير إن ابتدأ" فغير مسلم
لأنه إذا كان الابتداء منه مقتضيا لعدم
التغرير منها فإنه إنما طلق إلي مقابل مال في
ظنه فلا يقع الطلاق إذا لم يكن ثم مال كما
تقدم.
وأما إذا علم بأنه لاشيء فقد رضي لنفسه بايقاع
الطلاق بلا عوض.
وأما قوله: "وحصة ما فعل وقد طلبته ثلاثا"
فظاهر وهكذا ما بعده.
وأما قوله: "وينفذ في المرض من الثلث" فسيأتي
البحث في الوصايا وهو شامل لهذه المختلعة
ولغيرها.
(1/416)
وأما قوله:
"ولها الرجوع" الخ فإذا لم يقع الرضا من الزوج
كان لها ذلك وهكذا إذا لم يكن قد ظهر منه ما
يدل على الرضا فلها ذلك من غير فرق بين عقد
وشرط.
وأما قوله: "ويلغو شرط صحة الرجعة" فلكون
مقتضى الخلع هو عدم صحة الرجعة وان الامر مفوض
إلي اختيار المراة لانها لم تفتد بمالها الا
لهذا المقصد ولو علمت أنه يفارقها في هذا
الوقت ويراجعها في الوقت الثاني شاءت ام ابت
لم ترض بما افتدت به فإن ذلك لا يفعله عاقل
فليس هذا من الشروط الشرعية بل من الشروط التي
يراد بها المخادعة والمخالفة لما شرعه الله.
[ فصل
وهو طلاق بائن يمنع الرجعة والطلاق ولفظه
كناية ويصير مختله رجعيا غالبا ويقبل عوضه
الجهالة ويتعين أوكس الجنس المسمى ويبطل الخلع
ببطلانه غير تغرير لا الطلاق قوله فصل وهو
طلاق بائن] الخ.
أقول : قد استدل على كونه طلاقا بما تقدم عند
البخاري من حديث ابن عباس بلفظ وطلقها تطليقة
ومعلوم ان هذه الطلقة الواقعة منه لها حكمها
ولا ينافي ما في هذا الحديث ما وقع من حديث
الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال لثابت بن قيس: "خذ الذي لك عليها وخل
سبيلها"، كما أخرجه النسائي بإسناد صحيح لان
تخلية السبيل كناية عن الطلاق فلا اشكال من
هذه الحيثية وإنما الاشكال فيما قد ثبت عنه
صلى الله عليه وسلم: "أنها تعتد بحيضة"، كما
في حديث الربيع المذكور فإنه صلى الله عليه
وسلم: "أمرها ان تتربص حيضة واحدة وتلحق
بأهلها"، وكذلك في حديث ابن عباس عند أبي دأود
والترمذي وحسنه وفيه فأمرها صلى الله عليه
وسلم ان تعتد بحيضة وهكذا في حديث آخر عن
الربيع أخرجه الترمذي وفيه: فأمرها صلى الله
عليه وسلم أن تعتد بحيضة.
فهذه الاحاديث تدل على أنه فسخ لا طلاق لأن
الطلاق حكمه ما ذكره الله سبحانه بقوله:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:
228]، ومن جملة ما استدلوا به على أنه فسخ لا
طلاق قوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}
[البقرة: 229]، ثم ذكر سبحانه الافتداء ثم
عقبه بقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ
لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً
غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، قالوا: ولو كان
الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل فيه
الا بعد زوج هو الطلاق الرابع.
والذي ينبغي الجمع به هو ان عدة هذه الخلع
حيضة لا غير وليس غير سواء كان بلفظ الطلاق أو
بغيره مما يشعر بتخلية السبيل أو بتركها
وشأنها من دون ان يجرى منه لفظ قط ويكون
الوارد في هذا الطلاق الكائن في الخلع مخصصا
لما ورد في عدة المطلقة فتكون عدة الطلاق
(1/417)
ثلاثة قروء الا
إذا كان الطلاق مع الافتداء فإنه حيضة واحده
لا تحسب عليه طلقة الا إذا جاء بلفظ الطلاق أو
بما يدل عليه لا إذا لم يقع منه لفظ البتة بل
تركها وشأنها فإن هذا لا يحسب عليه طلاقا.
وبهذا التقرير تجتمع الادلة ويرتفع الاشكال
على كل تقدير.
وأما كونه يمنع الرجعة فلما قدمنا في الفصل
الأول فلا نعيده.
وأما كونه يمنع الطلاق فمبنى على أنه طلاق
وعلى ما سيأتي من ان الطلاق لا يتبع الطلاق
وستعرف ما هو الحق في ذلك إن شاء الله.
وأما كون لفظه كناية إذا قال به لزوجته من دون
مال منها فإذا أراد به الطلاق كان طلاقا لعدم
انحصار الصيغ التي يكون بها الطلاق.
قوله: "ويصير مختله رجعيا".
أقول : ليس المعتبر في صحة الخلع الا ما ذكره
الله عز وجل من وقوع المخافة من الزوجين ان لا
يقيما حدود الله فإذا حصل ذلك ووقع منها
الافتداء طيبة به نفسها فهذا هو الخلع الذي
شرعه الله عز وجل وإذا وقع على غير هذا الوجه
كأن تكون الزوجة مكرهة أو الزوج مكرها أو كان
احدهما صغيرا فهذا ليس هو الخلع الذي اذن الله
به فلا يصح من الاصل ولا يصير رجعيا لان ايقاع
الطلاق إنما كان إلي مقابل المال الذي افتدت
به المراة فإذا وجد مع كونهما مكلفين مختارين
خائفين ان لا يقيما حدود الله فهو خلع بأي
صيغة كان وعلي أي صفة وقع وإن أختل أحد هذه
الامور فلا يكون خلعا ولا يثبت به طلاق لا
بائن ولا رجعي.
ولا يعتبر في صحة الخلع صدور النشوز من المراة
بالفعل أو عدم إحسان العشرة من الزوج بالفعل
بل المراد حصول مجرد المخافة فإن كان قد وقع
ما خافاه أو احدهما وجازت المخالعة بفحوى
الخطاب.
وأما قوله: "ويقبل عوضه الجهالة" فإذا خالعها
على شيء مجهول القدر أو الجنس ورضيا بذلك ثبت
الخلع ويلزمها تسليم أوسط الجنس المسمى لا
اعلاه ولا أدناه فهذا هو الذي ينبغي اعتماده
ولا يتم العدل بينهما الا به.
وأما قوله: "ويبطل الخلع" الخ فقد تقدم له ما
يغني عن ذكره هنا.
[فصل
والطلاق لا يتوقت ولا يتوإلي متعدده بلفظ أو
الفاظ ولا تلحقه الاجازة لكن يتم كسره ويسرى
وينسحب حكمه ويدخله التشريك والتخيير غالبا
ويتبعه الفسخ لا العكس ويقع المعقود وعلى غرض
بالقبول أو ما في حكمه في المجلس قبل الاعراض
ولا ينهدم الا ثلاثة
(1/418)
ولا شرطه الا
معها فينهدم ولو بكلما ولا ينهدمان الا بنكاح
صحيح مع وطء في قبل ولو من صغير مثله يطأ أو
مجبوب غير مستأصل أو في الدمين أو مضمر
التحليل وينحل الشرط بغير كلما م ومتى بوقوعه
مرة ولو مطلقة].
قوله: فصل : "والطلاق لا يتوقت".
أقول : مراده أنه لا يصح إيقاع الطلاق مؤقتا
بوقت محدود كأن يقول انت طالق شهرا أو سنة لا
إذا قال: أنت طالق في الشهر الفلاني أو في أول
سنة كذا فإن هذا صحيح.
وأما قوله: "ولا يتوإلي متعدده" فاعلم ان
البحث في هذه المسألة يطول إذا اردنا استيفاء
ما احتجت به كل طائفة وما اجيب به عليها وقد
افردنا ذلك برسالة مستقلة وذكرنا في شرحنا
للمنتقى ما ينتفع به الناظر فيه وينشرح له
قلبه. والحاصل ان ها هنا حجة تأكل الحجج
ودليلا لا يقوم له شيء مما أورد في هذا المقام
وهو حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم وغيره
قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق
الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد
استعجلوا في أمر كانت لهم فيه اناة فلو
امضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
فإذا كان هذا هو الطلاق الكائن في زمن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعمل به الصحابة من
بعده زيادة على اربع سنين فأي دافع يدفع هذه
الحجة واي معارض يقوم بمعارضتها.
وجميع ما جاءوا به من الاجوبة قد دفعناه في
شرحنا المشار اليه ولكن لما كان القول
بالتتابع هو الذي ذهب اليه أهل المذاهب
الاربعة وقع الاستكثار من المجأولة والمجادلة
والامر اقرب من ذاك والحق بين المنار واضح
السبيل على ان الادلة الدالة على ما في حديث
ابن عباس هذا هي ارجح وأصرح من الادلة
المخالفة له كما يعرف ذلك من انصف ولم يتعسف.
وأما ما قيل من التشكيك في لفظ التوالي الواقع
في عبارة المصنف فهذيان غريب.
وأما قوله: "ولا تلحقه الاجازة" فلا وجه له بل
الظاهر ان قول الزوج عند سماع الطلاق لزوجته
من فضولي اجزت ذلك هو بمنزلة ابتداء الطلاق
وقد عرفناك ان الطلاق يقع بأي لفظ كان وعلى أي
صيغة وقع إذا أراد به الزوج الفرقة.
وأما تعليلهم لعدم الوقوع بأن الاجازة لا تلحق
الاستهلاكات فدعوى على دعوى ورأى بحث على راى
بحث ولا يغني ذلك من الحق شيئا.
قوله: "لكن يتم كسره".
أقول : إذا قال: أنت طالق نصف طلقة وأراد
إيقاع هذا القدر عليها فقط فلا يقع الطلاق
اصلا لأنه لم يرد الطلاق الشرعي الذي اذن الله
به ولا أراد الفرقة الخالصة التي هي معنى
الطلاق فالحكم عليه بالطلاق لم يستند إلي لفظ
تكلم به ولا إلي قصد قصده.
(1/419)
وهكذا قوله:
"ويسرى" لا وجه له لمثل ما ذكرنا وهكذا ما
ذكره من الانسحاب فإنه ابعد عن صوب الصواب.
وأما قوله: "ويدخله التشريك" فإن أراد أن إحدى
زوجتيه مشاركة للأخرى التي أوقع عليها الطلاق
وان ذلك الذي أوقعه مشترك بينهما فقد عرفت ما
قلناه في كسر الطلاق وهذا منه.
وإن أراد ان الاخرى طالق مع الأولى أو كما طلق
الأولى فهذا صحيح لانه قد جاء بما يدل على
فراق الأولى قاصدا لفراقها ثم تكلم آخرا بما
يفيد ان االاخرى قد فارقها كما فارق الأولى.
وأما قوله: "والتخيير" فلا حكم له لأن التخيير
في الطلاق بين هذه أو هذه لم يستقر على واحده
منهما معينة ولا مبهمة فلا يقع بخلاف ما قدمنا
في قوله وما أوقع على غير معين كإحداكن فإنه
جازم هنا بطلاق واحدة مبهمة فقد صارت أحداهن
مطلقة وهكذا ما التبس بعد تعيينه وبهذا تعرف
الفرق بن هذا التخيير وبين ما تقدم.
وأما كونه يتبعه الفسخ فمحتاج إلي دليل لان
المحل قد صار غير قابل فلا فرق بين الطرد
والعكس.
وأما اعتبار المجلس في المعقود على مال فقد
عرفناك ما هو الصواب فيما تقدم.
قوله: "كولا ينهدم الا ثلاثة".
أقول: وجه تخصيص الانهدام بالثلاث لا بما
دونها انها مورد النص فإن الله سبحانه قال:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}
[البقرة: 230]، أي فإن طلق مرة ثانية من طلقها
مرتين فلا تحل له بعد هذا التثليث حتى تنكح
زوجا غيره فإن نكحت زوجا غيره حلت له والظاهر
انها تحل له حلا مطلقا فيملك عليها من الطلاق
ما يملكه لو نكحها ابتداء.
وإذا عرفت ان التثليث هو مورد النصف فاعلم أنه
لم يرد في شيء من الكتاب والسنة ما يدل على
انها إذا نكحت زوجا غيره بعد طلقة أو تطليقتين
ان الطلقة أو الطلقتين يكون لها حكم الثلاث في
الانهدام لكن ها هنا قياس قوي هو القياس الذي
يسمونه قياس الأولى وتارة يسمونه فحوى الخطاب
فإنه يدل على ان انهدام ما دون الثلاث مأخوذ
من الآية بطريق الأولى ويعضد هذا ان الاحتساب
بما وقع من طلاق الزوج عليها بعد ان نكحت زوجا
غيره خلاف ما يوجبه الحل المفهوم من قوله:
{فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230]، فإن ظاهره
انها تحل له الحل الذي يكون للزوج على زوجته
لو تزوجها ابتداء.
وأما انهدام الشرط فالظاهر أنه ينهدم بنكاحها
للغير سواء كان ذلك بعد طلاق الثلاث أو بعد
اقل منها لانها لما تزوجت بالغير كان هذا
الشرط في حكم العدم ودخلت تحت قوله صلى الله
عليه وسلم: "لا طلاق قبل نكاح"، [أبو داود
"2190"، الترمذي "1181"، ابن ماجة "1/660"،
أحمد "2/189، 190، 207"]، ولو قلنا إنه يقع
الطلاق بوقوع الشرط إذا صادف كونها زوجة له
بعد نكاح زوج آخر لها لكان هذا مما يصدق عليه
أنه من الطلاق قبل النكاح وإن كان تعليقه وهي
زوجة له لكنها قد
(1/420)
انمحت تلك
الزوجية وصار وجودها كعدمها فكأنه قال لأجنبية
إن دخلت الدار بعد ان اتزوجها فهي طالق.
وأما كونهما لا تنهدمان الا بنكاح صحيح فليس
المراد بهذه الصحة هو ما يصطلح عليه المفرعون
بل المراد الصحة الشرعية وهي الواقعة على
الصفة التي كانت تقع عليها انكحة الإسلام.
وأما قوله: "مع وطء" فالاية وإن كانت تتنأول
العقد كما تتنأول الوطء على القول بأن لفظ
النكاح مشترك بين العقد والوطء اشتراكا لفظيا
لكن حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما قالت جاءت
امراة رفاعة القرظي إلي النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي
فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزبير وإنما معه
مثل هدبة الثوب قال: "أتريدين أن ترجعي لرفاعة
لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، يدل على
ان المراد بالنكاح في الآية الوطء لا العقد
ومعلوم أنه لا يكون وطء الا بعد عقد ولا سيما
مع ما أخرجه أحمد والنسائي وأبو نعيم في
الحلية من حديث عائشة أيضا قالت: إن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "العسيلة هي الجماع".
وأخرج أيضا أحمد والنسائي عن ابن عمر قال سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق
امرأته ثلاثا ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي
الستر ثم يطلقها قبل ان يدخل بها هل تحل للأول
قال: "لا حتى يذوق العسيلة"، ولفظ النسائي:
"لا تحل للأول حتى يجامعها الاخر"،
وأما قوله: "في قبل" فلأن ذلك هو النكاح الذي
اذن الله به وهو العسيلة التي ذكرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم. وأما صحة وطء الصغير إذا
كان مثله يطأ فلأنه يصدق عليه أنه نكحها وأنه
وطئها وإن لم يكن له من اللذة ما يكون للكبير.
وأما المجبوب فلا بد ان يصدق على وطئه أنه وطء
والا فلا اعتبار بذلك.
وأما قوله أو في الدمين فلكون ذلك مما يصدق
عليه مسمى الوطء.
قوله: "أو مضمر التحليل".
أقول : هذا الذي اضمر التحليل أو واطأ عليه هو
الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
في حديث ابن مسعود عند أحمد والنسائي والترمذي
وصححه وصححه أيضا ابن القطان وابن دقيق العيد
على شرط البخاري قال لعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم المحلل والمحلل له وهو الذي لعنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث علي بن
أبي طالب عند أحمد وأبي دأود والترمذي وابن
ماجه وصححه ابن السكن قال: لعن رسول الله صلى
الله عليه وسلم المحلل والمحلل له, وهو الذي
لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث
عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟"،
قالوا: بلى يارسول الله, قال: "هو المحلل لعن
الله المحلل والمحلل له"، أخرجه "1936"، ابن
ماجه والحاكم وفي إسناده مقال وأخرج ابن ماجه
"1934"، نحوه من حديث ابن عباس وأخرج أحمد
"2/323"، والبيهقي
(1/421)
والبزار وابن
أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وحسنه البخاري.
واللعن على الذنب يدل على أنه ذنب كبير شديد
ولا تحل لزوجها الأول بهذا التحليل لأن الله
سبحانه قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً
غَيْرَهُ} البقرة: 230]، والمراد النكاح
الشرعي وهذا ليس بنكاح شرعي بل نكاح ملعون
فاعله والمفعول لأجله.
وأما قوله: "وينحل الشرط بغير كلما" الخ فقد
قدمنا الكلام في كلما و متى ولا شك ان الشرط
ينحل في غيرهما بمرة واحده لأن الشرط مطلق
والمطلق يصدق بالمرة ولو وقع الشرط مطلقة انحل
بذلك لأنها وقت دخولها غير صالحة لوقوع الطلاق
عليها على قول من يقول إن الطلاق لا يتبع
الطلاق كما تقدم فقد وجد ها هنا مانع من وقوع
الطلاق عليها وهو كونها مطلقة.
(1/422)
[
باب العدة
هي أما عن طلاق فلا تجب الا بعد دخول أو خلوة
بلا مانع عقلي ولو من صغير مثله يطأ فالحامل
بوضع جميعه متخلقا والحائض بثلاث غير ما طلقت
فيها أو وقعت تحت زوج جهلا فإن انقطع ولو من
قبل تربصت حتى يعود فتبنى أو تيأس فتستأنف
بالاشهر ولو دمت فيها فإن انكشفت حاملا
فبالوضع ان لحق والا استأنفت والضهيا والصغيرة
بالاشهر فإن بلغت فيها فبالحيض استأنفت به
والا بنت والمستحاضة الذاكرة لوقتها تحرى
كالصلاة والا تربصت].
قوله: باب : "العدة هي أما عن طلاق فلا تجب
الا بعد دخول أو خلوة".
أقول : لأن من طلقت قبل الدخول والخلوة فهي
التي قال الله سبحانه فيها: {ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الطلاق: 4]، وقد
قدمنا طرفا من الكلام على الخلوة في النكاح
فارجع إليه.
وأما قوله: ولو من صغير مثله يطأ فصحيح لأنه
يصدق عليه أنه زوج وأنه ناكح والعدة لم تشرع
لبراءة الرحم فقط ولو كان ذلك المقصود لكانت
الحيضة كافية بل شرعت لأمور منها البراءة
ومنها انتظار الرجعة ومراعاة حق الزوج لكونه
الاحق بها.
وعلى كل تقدير فهي أمر تعبد الله به النساء
عند مفارقة أزواجهن بطلاق أو فسخ أو موت.
قوله: "فالحامل بوضع الحمل".
أقول : هذا مجمع عليه وهو نص الكتاب العزيز
والمراد وضع ما يصدق عليه أنه حمل من غير فرق
بين حي وميت تام الخلق أولا نفخ فيه الروح أم
لا ولا بد من وضعه
(1/422)
جميعه كما قال
المصنف لأنه ظاهر قوله: {أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فلو ولدت أحد التوأمين
لم يصدق عليها انها وضعت حملها بل وضعت بعضه.
قوله: "والحائض بثلاث حيض".
أقول : هذا هو الحق وإن كان لفظ القرء في لسان
العرب مشتكرا بين الطهر والحيض أو حقيقة في
أحدهما مجازا في الاخر لكن لما كان الشارع لا
يستعمله الا في الحيض كما نقله المحققون كان
ذلك كالحقيقة الشرعية وهي مقدمة على الحقيقة
اللغوية وقد انكر صاحب الكشاف إطلاق القرء على
الطهر.
قال ابن القيم إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام
الشارع الا للحيض ولم يجيء عنه في موضع واحد
استعماله للطهر إلي أن قال: فإذا ثبت استعمال
الشارع للقرء في الحيض علم ان هذا لغته فتعين
حمله عليها في كلامه قال ويدل على ذلك ما في
سياق الآية من قوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ
أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وهذا المخلوق
هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين قال وبهذا
قال السلف والخلف ولم يقل أحد إنه الطهر وأيضا
فقد قال سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:
4]، فعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر وقد
اطال ابن القيم رحمه الله في تحقيق هذا البحث
وأطاب.
وإذا تقرر لك ان الاستعمال النبوي واستعمال
السلف والخلف للقرء في الحيض لا في الطهر وجب
حمل ما في الآية من قوله عز وجل: {ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ} على الحيض لا على الاطهار.
ويدل على هذا ما أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله
ثقات عن عائشة قالت: أُمرت بريرة ان تعتد
بثلاث حيض هذا مع ما في حديث ابن عباس عند
أحمد والدارقطني ورجاله رجال الصحيح ان النبي
صلى الله عليه وسلم خير بريرة فاختارت نفسها
وامرها ان تعتد عدة الحرة فكانت عدة الحرة هي
الثلاث الحيض.
ومما يدل على ما ذكرناه ما أخرجه الترمذي وأبو
دأود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "طلاق الامة تطليقتان وعدتها
حيضتان"، وفيه مقال معروف وقد قدمنا بيانه.
وشهد له ما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان".
وقد قدمنا في حديث امراة ثابت بن قيس بن شماس
ان النبي صلى الله عليه وسلم امرها ان تعتد
بحيضة.
وقد قدمنا أيضا في سبايا أوطاس ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "ولا حائض حتى تستبرأ
بحيضة"، والاستبراء هو عدة مختصرة فكان النص
على الحيض فيه معنويا لكون عدة الحرائر بالحيض
لا بالطهر.
(1/423)
وأما قوله غير
ما طلقت فيها فوجهه ان هذه التي طلقت وهي فيها
هي بعض حيضة لا حيضة كاملة والاعتبار بالحيضة
الكاملة ليصدق قوله سبحانه: {ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
وأما قوله: "أو وقعت تحت زوج جهلا" فوجهه أن
الله سبحانه أوجب عليها أن تعتد بثلاثة قروء
في غير نكاح وهذه وقعت حيضتها وهي في نكاح زوج
اخر وإن لم يكن نكاحا صحيحا لكن كان الجهل
فارقا بينه وبين الزنا.
قوله: "فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود"
الخ.
أقول : هذه المسألة قد اضطربت فيها الاقوال
وتفرقت فيها المذاهب وسبب ذلك ان الله سبحانه
بين في كتابه العزيز اقسام المعتدات فجعلهن
اربعا الحائض والحامل والتي لم تحض اصلا
والايسة وهذه التي انقطع حيضها بالعلة ليست
واحدة منهن ولم يثبت في السنة المطهرة ما يدل
على عدة هذه وكل مسألة لم يوجد عليها النص ولا
الظاهر في الكتاب ولا في السنة كانت عرضة
لاراء الرجال وموطنا لاختلاف الاقوال.
وقد حاول بعض أهل العلم إدراج هذه تحت الايسة
فلم يصب فإن معنى الاياس عن الحيض لم يحصل
لهذه لأنه انقطع حيضها وهي في وقت إمكانه فإن
قدرنا أنه حصل الاياس من عود الحيض فهي ايسة
ولكن حصول الاياس لها بعيد جدا فإن اسباب
انقطاع الحيض كثيرة كما صرح بذلك الحكماء في
تصانيفهم في العلل وأسبابها. والحاصل ان اليأس
إن كان كما ذكر كثير من المحققين إنه هو
المقابل للرجاء والطمع كان المعتبر في حق هذه
هو عدم وجود الرجاء منها لرجوع الحيض وعدم
طمعها في عوده فإذا حصل لها ذلك كانت مندرجة
تحت قوله سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:
4].
وأما إذا كان اليأس هو القطع بعدم العود فلا
تندرج تحت هذه الايسات الا بعد حصول القطع لها
بعد معاودة الحيض.
والموجود في كتب اللغة أن اليأس القنوط فإن
تقرر ثبوت حقيقة شرعية للياس كانت مقدمة وإن
لم يتقرر ذلك كان الرجوع إلي المعنى اللغوي هو
المتوجه.
ولا يقدح في وجوب الرجوع إلي المعنى اللغوي
ورود الاستعمال في الكتاب أو السنة للياس
بمعنى عدم مجرد الطمع في الحال فإن ذلك يكون
مجازا أما إذا كثر الاستعمال حتى صار مفيدا
لكونه الحقيقة الشرعية فهو مقدم كما تقدم.
وإذا عرفت هذا فها هنا بحث آخر ينبغي ان تمعن
النظر فيه وتتدبره وهو ان هذه التي انقطع
حيضها قبل عدتها أو حال عدتها مندرجة تحت
قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فإنها يصدق
عليها عند هذا الانقطاع انها من اللائي لم
يحضن فتكون عدتها كعدتهن وليس في الآية ما يدل
على أن المراد انهن لم يحضن اصلا بل المراد
عدم وجود الحيض عند العدة كما تقول من لم يأتك
(1/424)
من الرجال
فلاتعطه فليس المراد الا عدم إتيانه اليه حال
العطاء لا عدم إتيانه اليه دائما بحيث لو كان
قد اتاه مرة في عمره لكان مستحقا للعطاء وقد
وقع الاتفاق على ان الصغيرة التي لم تبلغ من
التكليف هي من اللائي لم يحضن ومعلوم أنه لا
يراد عدم حيضها في جميع الازمنة ماضيها
ومستقبلها للقطع بانها إذا بلغت وحاضت ولم يكن
ذلك مبطلا لعدتها التي اعتدتها حال صغرها
بالاشهر ومعلوم أيضا ان المرأة إذا حاضت مرة
واحده صدق عليها انها حاضت فإذا تخلف عنها
الحيض يصدق عليها انها لم تحض وإذا عرفت هذا
علمت ان المراة إذا وجبت عليها العدة وحيضها
منقطع لعارض فهي من اللائي لم يحضن وهكذا إذا
انقطع عنها وهي في وسط عدتها فهي من اللائي لم
يحضن فعدتها ثلاثة اشهر كعدة اللائي لم يحضن
فإن انكشف ان ذلك الانقطاع للحمل فعدتها تنقضي
بوضعه وإن استمر الانقطاع ولم يكن سببه الحمل
حتى مضت عليها ثلاثة اشهر فقد انقضت عدتها
بالثلاثة الاشهر فإن عاد حيضها قبل مضي
الثلاثة الاشهر كشف ذلك انها حائض وهي باقية
في العدة فتستأنف العدة بالحيض على أنه لو قيل
انها تحتسب بما قد مضى من الاشهر وتجعل كل شهر
في مقابل حيضة فإذا عاد عليها الحيض وقد مضى
عليها شهران اكتفت بحيضة لم يكن هذا بعيدا عن
الصواب وأي مانع منه فإنها امراة ادركتها
عدتها وهي غير حائض فاعتدت بالاشهر كما أمر
الله سبحانه اللائي لم يحضن وإذا عادت عليها
الحيضة صارت من النساء الحيض فكملت عدتها
بالحيض وهذا وإن بعد فهمه ونبا عن اذهان
المقلدين فله وجه صحيح وتوجيه صبيح.
وبعد هذا كله فاعلم ان هذا التعسير الشديد
الذي أوجبوه على هذه المراة من انها تنتظر إذا
لم يعد اليها الحيض إلي ان تيأس من عوده وذلك
ببلوغها سن الاياس فيه مخالفة عظيمة لهذه
الشريعة المطهرة التي جاءت بالتيسير دون
التعسير وبالتبشير دون التنفير فإن المراة إذا
انقطع حيضها وهي شابة فانتظرت حتى تكون عجوزا
كان في ذلك من التعسير عليها والمضارة لها ما
لا يجوز نسبته إلي هذه الشريعة السمحة السهلة
فإنها تصير ممنوعة من الازواج طول عمرها.
وإذا كانت ممن تجب نفقتها على زوجها الذي
طلقها كان في ذلك من التشديد عليه والتغريم له
مالا يبيحه الشرع فإنه صار ينفق ماله على
امرأة قد أخرجها من نكاحه ما دامت غير عجوز
وربما بمضي عليها من السنين العدد الكثير
والدهر الطويل فإن من النساء من لا يفارقها
الحيض الا وهي في ستين سنة فما زاد عليها فهل
سمعت اذناك بأشد من هذا التشريع على هذه
المسكينة وزوجها المسكين مع ان الله سبحانه
قيد ما شرعه لعباده بالاستطاعة فقال:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[التغابن: 16]، وقال اصادق المصدوق صلى الله
عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم".
قوله: "والضهيأ والصغيرة بالاشهر".
أقول : لأن كل واحده منهما يصدق عليها انها من
اللائي لم يحضن أما الضهيأ فظاهر لانها لم تحض
اصلا وأما الصغيرة فلكونها وقت وجوب العدة
عليها ليست من ذوات الحيض.
وأما حكم العجوز التي قد بلغت سن تعذر الحيض
فهي غير داخلة في هاتين اللتين ذكرهما
(1/425)
لانها إذا كانت
من ذوات الحيض ووقع عليها طلاق زوجها وهي عجوز
فقد نص الله سبحانه في كتابه ان عدتها ثلاثة
اشهر.
ولعل المصنف رحمه الله اكتفى بما قدمه في
منقطعة الحيض لعارض من وجوب انتظارها إلي سن
الاياس ثم تعتد بالاشهر وما كان يحسن منه هذا
الصنع فإنه ادرج من نص القرأن الكريم على
عدتها في الكلام على من وقع في عدتها ذلك
الاضطراب الشديد.
وأما قوله: "والمستحاضة الذاكرة لوقتها" فقد
قدمنا في الحيض مالا يحتاج إلي إعادته هنا.
[ فصل
وفي عدة الرجعى الرجعة والارث والخروج بإذنه
والتزين والتعرض لداعي الرجعة والانتقال إلي
عدة الوفاة والاستئناف لو راجع ثم طلق ووجوب
السكنى وتحريم الأخت والخامسة والعكس في
البائن وما عن وفاة فبأربعة اشهر وعش كيف كانا
والحامل بها مع الوضع ولا سكنى ومتى التبست
بمطلقة بائنا مدخولتين فلا بد لذات الحيض من
ثلاث معها من الطلاق ولهما بعد مضى اقصر
العدتين نفقة واحده فقط كغير مدخولتين في الكل
فإن اختلفتا فقس وأما عن فسخ من حينه فكالطلاق
البائن غالبا].
قوله: فصل : "وفي عدة الرجعي الرجعة".
أقول : ثبوت الرجعة للزوج في الطلاق الرجعي
مجمع عليه قال ابن حجر في الفتح وقد أجمعوا
على ان الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها
تطليقة أو تطليقتين فهو احق برجعتها ولو كرهت
المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة
فتصير اجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف
انتهى.
ومستند هذا الاجماع قوله عز وجل:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذَلِكَ} [البقرة: 228]، وهذه الآية وإن كانت
منسوخة بقوله تعالي: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}
[البقرة: 229]، الآية كما أخرجه أبو دأود
والنسائي من حديث ابن عباس قال كان الرجل إذا
طلق امرأته فهو احق برجعتها وإن طلق ثلاثا
فنسخ ذلك: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية وفي
إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال خفيف
فالمنسوخ منها إنما هو استحقاق الرجعة بعدا
لمرتين لا كون بعولتهن احق بردهن قبل التثليث.
وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث عائشة وروى
موقوفا على عروة قال الترمذي وهذا أصح.
(1/426)
ومن الأدلة
الدالة على ثبوت الرجعة في الطلاق الرجعي قوله
صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها"،
وقد تقدم وما أخرجه أبو دأود والنسائي وابن
ماجه والحاكم من حديث ابن عباس عن عمر كان
النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لركانة:
"ارتجعها" [أحمد "1/265"].
قوله: "والارث".
أقول : إذا صح ثبوت الاجماع على ثبوت الميراث
في الطلاق الرجعي فلا بد من مستند والحجة عند
من لا يقول بحجيته مستنده لا هو وقد وقعت
المسألة في زمن الصحابة فأخرج الشافعي عن سعيد
بن سالم عن ابن جريج عن عبدالله بن أبي بكر ان
رجلا من الانصار يقال له حبان بن منقذ طلق
امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فتباعد حيضها
ومرض حبان فقيل له إنك إن مت ورثتك فمضى إلي
عثمان وعنده على وزيد ابن ثابت فسأله عن ذلك
فقال لعلي وزيد بن ثابت ما تريان؟ فقالا: نرى
انها إن ماتت ورثها وإن مات هو ورثته لأنها
ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من
اللواتي لم يحضن فحاضت حيضتين ومات حبان قبل
انقضاء الثالثة قورثها عثمان وأخرجه من هذه
الطريق البيهقي وأخرجه مالك في الموطأ عن يحيى
بن سعيد عن محمد بن يحيى ابن حبان انها كانت
عند جده حبان منقذ امرأتان هاشمية وانصارية
فطلق الانصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك
عنها ولم تحض فقالت انا ارثه فاختصما إلي
عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان
فقال لها: ابن عمك أشار بهذا يعني على ابن أبي
طالب وأخرجه من هذه الطريق البيهقي أيضا.
وأخرج البيهقي بسند صحيح ان علقمة طلق امرأته
طلقة أو طلقتين فحاضت حيضة ثم ارتفع حيضها
سبعة اشهر وفي لفظ سبعة عشر شهرا ثم مات فاتى
ابن مسعود فقال حبس الله عليك ميراثها وورثة
منها.
ومما يدل على ثبوت الميراث قوله عز وجل:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
[البقرة: 228]، فسماهم بعولا والاصل الحقيقة
وقال سبحانه: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ
أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، وقال:
{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}
الاية.
قوله: "والخروج بإذنه".
أقول : وجهه انها لم تنقطع الزوجية بينهما فقد
بقي له طرف منها وبقي لها طرف منه وذلك إذا
تراجعا ومعلوم انها إذا كانت باقية لديه غير
مطلقة انها لا تخرج الا باذنه لأنها قد تدعو
حاجته اليها وهي خارجة عن البيت وقد يكون عليه
في خروجها ما يلحق به غضاضة أو تعتريه بسببه
غيره ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من
حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة
أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"، فإذا كان هذا
في الصوم الذي هو من اعظم القرب فكيف بالخروج!
وإذا عرفت هذا عرفت أنه ينبغي لها في أيام عدة
الرجعة ان لا تخرج الا باذن زوجها لأنه إذا
كان
(1/427)
عازما على
رجعتها لحقه من الغضاضة والغيرة ما يلحقه
عليها قبل طلاقها الا ان يكون الخروج للحاجة
فقد ثبت تجويز ذلك للمطلقة ثلاثا مع عدم تجويز
الرجعة كما في حديث جابر عند مسلم وغيره قال:
طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها
رجل فنهاها وأتت النبي صلى الله عليه وسلم
فذكرت ذلك له فقال لها: "أخرجي فجدي نخلك لعلك
ان تصدقي منه أو تفعلي خيرا".
قوله: "والتزين".
أقول : لا وجه لهذا الا إذا كانت تقدر اطلاع
الزوج عليها في تلك الحال بأن يصل اليها
لمراجعتها فيكون في تزينها زيادة في الترغيب
له في مراجعتها فإن بقاءهما على النكاح
ورجوعهما إلي ما كانا عليه مع عدم ما يقتضي
الفرقة هو من الامور المندوب اليها فيكون فيما
يرغب اليه طرف من الندب ونوع من القربة وهكذا
التعرض منها لداعي الرجعة بان تذكره بحسن
العشرة وثنى عليه بما يقتضى عطفه عليها
ومراجعته لها وتنشر محاسنه التي عرفتها منه
عند من يبلغه ذلك فإن هذا من أعظم ما يدعوه
إلي مراجعتها.
وليس المراد بالتعرض لذلك هو بروزها له
والتعرض لرؤيته لها فإن ذلك أمر قد منع منه
الطلاق.
قوله: "والانتقال إلي عدة الوفاة".
أقول : ليس على هذا دليل ولا هو رأي مستقيم
فإنه مات من كان زوجها وهي في عدة طلاقه ولم
يتجدد له ولا لها ما يخالف ذلك حتى يكون وجها
للانتقال من هذه العدة المتيقنة إلي مالا
يوجبه عليها شرع ولا عقل وكونها ترثه إذا مات
وهي في هذه العدة لا يستلزم ان يتجدد عليها
عدة اخرى لانها إنما ورثته بكونها باقية في
عدة طلاقه الرجعي فتستمر على تمام عدتها وليس
عليها غير ذلك.
وأما وجوب استئناف العدة لو راجع ثم طلق فهذا
أمر معلوم لا يحتاج إلي ذكره لأنها قد رجعت
بالرجعة إلي نكاح جديد بعد ان خرجت من الأول
بتلك الطلقة التي هي محسوبة عليه فإذا خرجت من
نكاحه بطلقة اخرى توجه عليها ما شرعه الله
للمطلقات بنصوص الكتاب والسنة ومن خالف في هذا
فقد جاء بما يخرق الاجماع ويخالف الأدلة
القطعية.
قوله: "ووجوب السكنى".
أقول : يدل على هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من
حديث فاطمة بنت قيس قالت أتيت النبي صلى الله
عليه وسلم فقلت إن زوجي فلانا ارسل الي بطلاق
وإني سألت أهله النفقة والسكنى فابوا على
فقالوا يا رسول الله إنه ارسل اليها بثلاث
تطليقات قالت فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان
لزوجها عليها الرجعة"، وفي إسناده مجالد بن
سعيد وفيه ضعف وقد تابعه في روايته ضعيف وذلك
يقوى رواية مجالد. ويؤيد هذا الحديث ما في
صحيح مسلم "44/480"، وغيره [أحمد "6/411، 412،
أبو داود
(1/428)
"2288، 2289"،
النسائي :"6/210"، ابن ماجة "2035، 2036"]، من
حديث فاطمة بنت قيس أيضا عن النبي صلى الله
عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال: "ليس لها
سكنى ولا نفقة"، فإن كون هذا في المطلقة ثلاثا
يدل على ان الرجعية بخلافها.
ويدل على هذا أيضا قوله عز وجل: {لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
[الطلاق:1]، فإن السلف فهموا من هذه الآية
انها في الرجعية لقوله عز وجل في آخر الاية
{َلعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَمْراً} وليس الامر الذي يرجى إحداثه الا
الرجعة لا سوى.
ومع هذا كله فوجوب السكنى للرجعية مجمع عليه.
وأما قوله: "وتحريم الأخت والخامسة" فوجهه ما
قدمنا في الارث.
قوله: "والعكس في البائن".
أقول : أما عدم ثبوت الرجعة في الطلاق البائن
فلقوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، فإن هذه الآية
فسخت ما كانت الجأهلية تفعله من مراجعة النساء
بعد التثليث كما قدمنا وقدمنا أيضا في
المختلعة ما يدل على عدم ثبوت الرجعة لها وقد
وقع الاتفاق على عدم ثبوت الرجعة للمطلقة قبل
الدخول والخلوة كما وقع الاجماع على عدم ثبوت
الرجعة للمثلثة.
وأما عدم ثبوت الميراث فلكونها قد انقطعت
بينهما علاقة الزوجية ولا يصدق عليها بعده
انها زوجة وهكذا خروجها بغير إذنه فإنها لما
لم تكن أحكام الزوجية باقية عليها كان لها
الخروج بغير إذنه وقد قدمنا حديث جابر في
خالته المثلثة وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره ان
النبي صلى الله عليه وسلم اذن لفاطمة بنت قيس
عند ان طلقها زوجها الطلقة الثالثة ان تخرج من
بيته بغير إذنه وتنتقل إلي عند ابن ام مكتوم.
وأما عدم التزين والتعرض لداعي الرجعة فظاهر
لأنه قد زال الغرض الذي يفعلان لأجله وهو رجاء
الرجعة.
وأما عدم انتقالها إلي عدة الوفاة فقد قدمنا
أنه لا دليل يدل على ان الانتقال المذكور في
الرجعية فكيف في البائنة.
وأما عدم وجوب السكنى فللدليل الثابت في
الصحيح كما قدمنا وأما عدم تحريم الأخت
والخامسة فلكونها قد انقطعت بينهما علاقة
الزوجية.
قوله: "وأما عن وفاة فبأربعة اشهر وعشر".
أقول : هذا مما لا ينبغي ان يقع فيه خلاف لأنه
نص القرأن الكريم وأما إذا كانت المتوفى عنها
حاملا فقد ذهب الجمهور إلي ان عدتها بوضع
الحمل وإن وضعت ليلة موت زوجها وذهب آخرون إلي
ان عدتها بآخر الاجلين فلا بد ان تضع حملها
ويمضي عليها اربعة اشهر وعشر ووجه هذا القول
انهم نظروا في الايتين الكريمتين فإن قوله:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ}
[البقرة: 240]، الآية عام في كل من مات عنها
زوجها سواء كانت حاملا أو غير حامل وقوله
تعالي: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ
أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، عام
يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمعوا بين
(1/429)
العمومين بقصر
الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد
المطلقات كالايسة والصغيرة قبلها ولم يهملوا
ما تنأولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها
في حق المتوفى عنها ولكن قد جاء ها هنا ما
يوجب ترك هذا التعارض وعدم الاشتغال بشأنه وهو
ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ام سلمة
ان امرأة من اسلم يقال لها سبيعة كانت تحت
زوجها فتوفي عنها وهي حامل فخطبها أبو السنابل
بن بعكك فأبت ان تنكحه فقال والله ما يصلح ان
تنكحي حتى تعتدي آخر الاجلين فمكثت قريبا من
عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: "انكحي" وهو في الصحيحين وغيرهما
من حديث سبيعة نفسها بمعناه.
وفي الباب أحاديث وآثار عن الصحابة فلم يبق
بيد من قال تعتد بآخر الاجلين ما يوجب
الاشتغال به لأن هذه الأدلة قد بينت أوضح بيان
ودلت اظهر دلالة على ان الاعتبار بوضع الحمل
وان قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234]، خاص بغير
الحوامل.
قوله: "ولا سكنى".
أقول : الايات التي فيها ذكر السكنى كقوله
تعالي: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، وقوله: {لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:
1], ظاهر السياق فيها اختصاصها بالرجعيات فلا
ينتهض الاحتجاج بذلك على وجوب السكنى للمتوفى
عنها.
وأما حديث الفريعة الذي أخرجه أحمد ومالك في
الموطأ والشافعي وأهل السنن وصححه الترمذي
وابن حبان والحاكم أنها قالت: خرج زوجي في طلب
اعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني
نعيه وانا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت
:إن نعى زوجي اتاني في دار شاسعة من دور أهلي
ولم يدع لي نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن
له فلو تحولت إلي أهلي وإخوتي لكان ارفق بي في
بعض شأني فقال تحولي فلما خرجت إلي الحجرة
دعاني فقال: "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي
زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه
اربعة اشهر وعشرا قال فأرسل إلي عثمان فاخبرته
فأخذ به.
فهذا الحديث وإن كان صحيحا ولم يأت من قدح فيه
بشيء ينبغي الالتفات اليه لكن غاية ما فه انها
تعتد في المنزل الذي أتاها فيه نعي زوجها وليس
فيه ان سكناها في مدة عدة الوفاة من مال الزوج
وقد صرحت أنه لا منزل لزوجها فقالت: وليس
المسكن له فعرفت بهذا أنه لا دليل في الحديث
على إيجاب السكنى للمتوفى عنها من مال زوجها
ولكن يجب عليها ان تعتد في المنزل الذي كانت
فيه عند موت زوجها سواء كان لها أو للزوج أو
لغيرهما ولا يبعد ان أجرة المنزل إذا كان
للغير لازمة لها بل هو الظاهر بل لا يبعد ان
المنزل إذا كان لزوجها فلورثته أن يطالبوها
بالكراء فهذا حكم تعبد الله به المعتدة ولم
يوجبه على زوجها ومع هذا فقد قدمنا
(1/430)
حديث فاطمة بنت
قيس الذي أخرجه أحمد والنسائي ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "إنما النفقة والسكنى
للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة"، وفي لفظ
آخر: "إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها
ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة
فلا نفقة ولا سكنى"، وهذا نص في محل النزاع
وفيه مقال كما تقدم قريبا مع أنه لا حاجة لمن
نفي وجوب السكنى بالاستدلال على عدم الوجوب بل
يكفيه ان يقف موقف المنع حتى يأتي الدليل الذي
تقوم به الحجة وإلا كان التمسك بالبراءة
الاصلية يكفيه.
ويؤيد عدم الوجوب ما أخرجه النسائي وأبو دأود
عن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ
مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}
[البقرة 240]، نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض
الله لها من الربع أو الثمن ونسخ اجل الحول ان
جعل اجلها اربعة اشهر وعشرا وفي إسناد أبي
دأود علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال خفيف
ولكنه رواه النسائي من غير طريقه وقد دل على
أنه ليس للمتوفى عنها الا الميراث لا نفقة ولا
سكنى ولا وصية.
قوله: "ومتى التبست بمطلقة بائنا" الخ.
أقول : ووجهه ان المطقة البائنة قد أوجب الله
سبحانه عليها العدة ثلاثة قروء والمتوفى عنها
أوجب الله عليها العدة بأربعة اشهر وعشر فمع
اللبس لا تخرج كل واحده منهما مما أوجبه الله
عليها بيقين الا بالعدتين.
وأما ما ذكره من ان لهما بعد مضي اقصر العدتين
نفقة الخ فالحق أنه لا نفقه للمتوفى عنها ولا
للبائنة كما سيأتي بيانه في باب النفقات إن
شاء الله.
قوله: "وأما عن فسخ من حينه فكالطلاق البائن".
أقول : العدد المبينة في الكتاب والسنة وهي
للمطلقات والمتوفى عنهن وثبت في المختلعة انها
تعتد بحيضة وقد قدمنا ان الخلع فسخ لا طلاق
فالقول بأن عددالفسخ كعددالطلاق البائن يحتاج
إلي دليل ولا دليل فوجب الرجوع إلي ما ثبت في
نوع من أنواع الفسخ وهو الخلع مع ما يؤيد ذلك
من كون المسبية تستبرئ بحيضة كما تقدم النص
على ذلك في الحائض وان الحامل تستبرئ بوضع
الحمل فينبغي ان تكون عدة الفسخ حيضة إن كانت
حائضا أو وضع الحمل إن كانت حاملا لأن براءة
الرحم تتحقق بذلك ولم يرد ما يدل على زيادة
ذلك والبراءة الاصلية تقتضي عدم ايجاب العدة
عليها لان التعبد بغير دليل من التقول على
الله بما لم يقل.
وهكذا لا يجب للمفسوخة نفقة ولا سكنى لعدم
الدليل على ذلك بل لورود النص بان النفقة
والسكنى إنا هي للمطلقة رجعيا كما قدمنا لكن
ها هنا إشكال وهو ما أخرجه أحمد والدراقطني
ورجاله رجال الصحيح ان النبي صلى الله عليه
وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وامرها ان تعتد
عدة الحرة.
وأخرج ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات عن عائشة
قالت امرت بريرة ان تعتد بثلاث حيض.
(1/431)
ويمكن ان يجمع
بين الاحاديث بان ما ورد فيه النص كالخلع وفسخ
الامة إذا عتقت يوقف على محله ويبقى ما عدا
ذلك من الفسوخات على البراءة الاصلية ولا يجب
الا ما يحصل به براءة الرحم وهي الحيضة في
الحائض وإن كانت حاملا فوضع الحمل لما ورد في
الاستبراء وأما دعوى المصنف الاجماع فمن اغرب
ما يقرع الاسماع.
[ فصل
وهي من حين العلم للعاقلة الحائل ومن الوقوع
لغيرها وتجب في جميعها النفقة غالبا
واعتدادالحرة حيث وجبت ولو في سفر بريد فصاعدا
ولا تبيت الا في منزلها الا لعذر فيهما وعلى
المكلفة المسلمة الاحداد في غير الرجعى وتجب
النية فيهما لا الاستئناف لو تركت أو الاحداد
وما ولد قبل الاقرار بانقضائها لحق ان امكن
منه حلالا في الرجعى مطلقا وفي البائن لاربع
فدون وكذا بعده بدون ستة اشهر لابها أو بأكثر
الا حملا ممكنا من المعتدة بالشهور للياس].
قوله: فصل : "وهي من حين العلم للعاقلة الحائل
ومن الوقوع لغيرها".
أقول : هذه التفرقة لا يدري ما اصلها ولا ما
مقتضيها وما استدلو به من ان الله سبحانه ذكر
التربص في عدة ذوات الاقراء فقال:
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وان ذلك يدل على انها
لا بد ان تكون قاصدة للدخول في العدة فتسليم
ذلك غايته ان تقصد عندالعلم ولا ينافي ذلك
الاعتداد بما قد مضى قبل العلم ومع هذا كان
يلزم ان تكون عدة الوفاة من وقت العلم لان
الله سبحانه قال فيها: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:
234]، فلم يبق وجه لهذا الفرق بل العدة للحامل
والحائل العاقلة على سواء وأما الصغيرة
والمجنونة فلا علم لها فالعدة فيهما لاحقة
بالعدة للعقالة إن كانت من وقت الوقوع كانت
لهما من وقت والوقوع وإن كانت من وقت العلم
كانت لهما من الوقت الذي يحصل العلم فيه
لوليهما.
والحاصل ان هذه التفرقة لا تنبنى على شرع
مقبول ولا على رأي معقول ولم يرد في الكتاب
والسنة ما يدل على انها لا تعتد الا من وقت
العلم بل ظاهر اطلاقات الكتاب والسنة ان العدة
من عند وقوع الموت أو الطلاق وإن تأخر العلم
بهما لان هذه المدة التي مضت بعد الوقوع وقبل
العلم هي مدة من المدة المتعقبة لموت الزوج أو
طلاقه فمن زعم أنه لا يحتسب بها فعليه الدليل
فإن عجز عنه فهي من جملة العدة ولس على المراة
إحداد ولا غيره حتى تعلم لانها لا تكلف بلوازم
العدة الا بعد علمها والا كان ذلك من تكليف
الغافل وهو مجمع على عدم التكليف به.
(1/432)
هذا على تقدير
أن هذا الحكم تكليفي اعني كون الموت والطلاق
سببين للعدة فإن كانا وضعيين فالامر اظهر.
والحاصل ان العدة من وقت الوقوع على كل حال
ولكل معتدة ومن ادعى غير هذا فهي دعوى مجردة
لا يعول على مثلها.
قوله: "ويجب في جميعها النفقة".
أقول : الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة ان
النفقة لا تجب للمطلقة ثلاثا لما ثبت في
الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال في المطلقة ثلاثا:
"ليس لها نفقة ولا سكنى".
وثبت في صحيح مسلم "41/1480"، وغيره أحمد
"6/414، 415، أبو داود "2290"، النسائي"3552"،
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا
نفقة لك الا ان تكوني حاملا".
وهكذا لا نفقة ولا سكنى للمختلعة لما قدمنا من
ان ذلك فسخ لا طلاق ولم يرد ما يدل على لزوم
النفقة في الفسخ على أنه لو كان طلاق لكانت
كالمثلثة بجامع عدم جواز المراجعة لهما.
وهكذا لا نفقة ولا سكنى للمتوفى عنها زوجها
لعدم الدليل على ذلك وقد مات الزوج وانتقل
حقها إلي تركته فليس لها الا الميراث وأما ما
ورد من انها تعتد في منزلها الذي يلغها فيه
موت زوجها فذلك تعبد لها لا لزوجها وقد قدمنا
تحقيقه.
وأما المطلقة رجعيا فقد ورد الدليل الدال على
وجوب النفقة والسكنى لها حسبما قدمنا وأما
المطلقة عن خلوة فلا عذر لمن جعل الخلوة
كالدخول من ان يجعلها كالمدخولة فيما يجب لها
ويحرم عليها وقد قدمنا كلأما في الخلوة فليرجع
اليه ولعله يأتي مزيد بحث في باب النفقات إن
شاء الله.
وقد قررنا الكلام في هذه المباحث في شرحنا
للمنتقى بما لا يبقى بعده حاجة إلي غيره بل
افردنا هذه الابحاث برسالة مستقلة.
قوله: "واعتداد الحرة حيث وجبت".
أقول : قد قدمنا ان النبي صلى الله عليه وسلم
لم يجعل للمثلثة نفقة ولا سكنى وعلى تقدير أنه
يجب عليها ان تعتد في المنزل الذي وقع الطلاق
وهي فيه كما يدل عليه ما أخرجه البخاري ومسلم
وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها: ألم ترى
إلي فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟
فقالت عائشة: بئسما صنعت فقال: ألم تسمعي إلي
قول فاطمة بنت قيس - يعني أنه لم يجعل لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجها نفقة
ولا سكنى فقالت عائشة: أما إنه لا خير لها في
ذلك, فذلك تكليف عليها لا على زوجها كما قلنا
في المتوفى عنها جمعا ين الأدلة ويحمل تجويز
الخروج لها على الخوف وعدم الامن.
(1/433)
ويؤيد هذا ما
أخرجه البخاري وغيره عن عائشة انها قالت: كانت
فاطمة بنت قيس في مكان فخيف على ناحيتها فلذلك
أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
أخرجه مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس قالت:
قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا وأخاف أن
يقتحم على فأمرها فتحولت وثبت في صحيح مسلم
وغيره من حديثها ان النبي صلى الله عليه وسلم
أذن لها أن تنتقل عند ابن أم مكتوم.
وأما المتوفي عنها فقد قدمنا أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في المنزل الذي
أدركتها فيه وفاة زوجها بعد أن أخبرته ان
المنزل ليس لزوجها فدل ذلك على انها متعبدة
بذلك كما سلف.
وأما المطلقة رجعيا فقد قدمنا ان سياق قوله عز
وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
[الطلاق: 6]، وقوله: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، يدل على ان المراء
المطلقة رجعيا مع ما قدمنا من حديث فاطمة بنت
قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما
النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها
الرجعة" وقد قدمنا أيضا انها لا تخرج من البيت
الذي يسكنها فيه الا باذنه فقوله ولو في سفر
بريد فصاعدا ولا تبيت الا في منزلها صحيح.
وهكذا يجب عليها في النهار ان تقعد في منزلها
الا لحاجة أو خوف ولهذا قال المصنف رحمه الله:
الا لعذر فيهما وقد قدمنا إذنه صلى الله عليه
وسلم لفاطمة بالانتقال لذلك العذر وقدمنا أيضا
حديث جابر عند مسلم وغيره أنه قال طلقت خالتي
ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال: "اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي أو
تفعلي خيرا".
قوله: "ويجب على المكلفة المسلمة الاحداد على
غير الرجعي".
أقول : أما وجوبه على المتوفى عنها فالاحاديث
في ذلك كثيرة صحيحة وقد تضمن انها لا تكتحل
ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب
ولا تختضب ولا تلبس الحلى ولا تمتشط.
وأما المطلقة رجعيا فلا احداد عليها بالاجماع
وأما المطلقة بائنا فلا إحداد عليها عند
الجمهور وهو الحق لعدم ورود دليل يدل على ذلك
فيجب البقاء على البراءة الاصلية ولا يخرج
منها الا من ورد النص بالوجوب عليه وهو
المتوفى عنها فقط نعم ورد ما يدل على جواز
الاحداد على الميت وإن كان غير زوج لكن ثلاثة
أيام فقط كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ام
حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله
واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على
زوج أربعة أشهر وعشرا"، وهو في الصحيحين أيضا
من حديث زينب بنت جحش وهو في الصحيحين أيضا من
حديث أم سلمة.
قوله: "ويجب النية فيهما".
(1/434)
أقول : أما
وجوب النية في العدة فلكونها عملا "وإنما
الاعمال بالنيات" كما صح عنه صلى الله عليه
وسلم وأما الاحداد فكذلك لكونه عملا تعبد الله
به المتوفى عنها وأما عدم وجوب الاستئناف
للعدة لو تركت المعتدة النية فلكونها قد وقعت
العدة الواجبة بالحيض وهكذا لو تركت الاحداد
لانها قد وقعت العدة وإخلالها بواجب عليها
لايستلزم بطلان عدتها وسيأتي لنا في فصل
الرجعة ما ينبغي اعتبار مثله هنا عند قول
المصنف ويصح وإن لم تنو. قوله: "وما ولد قبل
الاقرار بانقضائها" الخ.
أقول : مهما كان الفراش ثابتا شرعا كان الولد
لاحقا قطعا ولا شك ان المطلقة رجعيا تجوز
مراجعتها من زوجها وإن طالت المدة ولهذا لحق
ولدها مطلقا لثبوت فراشها مع كونها رجعية لم
تقر بانقضاء عدتها.
وأما البائنة فلا ريب أنه يمكن تجويز وطئها من
زوجها في الساعة التي طلقها فيها فإذا جاءت
بولد لأربع سنين فما دون عند من جعل هذه المدة
أكثر مدة الحمل فقد جاءت به لاحقا بأبيه وقد
عرفناك ما هو الذي ينبغي اعتماده في أقل مدة
الحمل وأكثرها فارجع اليه.
وأما إذا كانت المطلقة قد أقرت بانقضاء العدة
فقال المصنف إنها إن جاءت به لدون ستة اشهر من
عند الاقرار بالانقضاء لحق وإلا فلا والظاهر
أنه لا وجه للتقييد بهذه المدة وأن المطلقة
المقرة بانقضاء عدتها إن كان الطلاق رجعيا لحق
بزوجها لجواز أنه راجعها قبل إقرارها
بالانقضاء بلحظة ولا يكون إقرارها حجة عليه في
إبطال نسب ولده منه وإبطال نسبه عن ولده مع
إمكان بقاء الفراش والحكم بكذب الاقرار أولي
من الحكم بإبطال نسب لم يرتفع فيه الفراش
ارتفاعا معلوما.
وأما المطلقة بائنا فتجويز وطء زوجها لها لا
ينبغي المصير اليه وعلى فرض إمكانه فهو ممنوع
منه شرعا فلا يثبت به الفراش وإذا لم يثبت
الفراش لم يلحق النسب فلم يلحق النسب بعد
إقرار البائنة بالانقضاء الا بدون ستة اشهر
لأنه لا يحتمل ان يكون حملا حادثا بعدالاقرار
بالانقضاء فيحمل على أنه حمل من الزوج قبل
ايقاع الطلاق ولكن كان ينبغي ان لا يقع
التقييد بدون الستة الاشهر بل ينبغي ان يقال
إنه يلحق به وإن طالت المدة إلي انقضاء اربع
سنين عندهم من وقت الطلاق لان عدم العمل
باقرارها بالانقضاء أولى من حملها على الزنا
وإبطال نسب لم يأذن الشرع بإبطاله ولا جاء به
برهان.
وأما عندي فإذا كانت قرائن الحمل ظاهرة فلا
حكم للإقرار بالانقضاء مطلقا ويلحق به لفوق
اربع سنين لأن ظهور القرائن تدل على كذب
اقرارها مع احتمال الوهم منها بل يجب حملها
على الوهم بوجود ما يدفعه من القرائن مصاحبا
له.
وأما استثناء حمل المعتدة بالشهور للبائن
فوجهه انها إذا حبلت فقد تبين انها غير آيسة
فلا حكم لاقرارها بالانقضاء وقد عرفناك عند
قوله فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود ما
ينبغي ان تضمه إلي هذا ملاحظا لثبوت الفراش
وان ارتفاعه لا يكون الا بأمر يوجب القطع.
(1/435)
[ فصل
ولا عدة فيما عدا ذلك لكن تستبرأ الحامل من
زنى للوطء بالوضع والمنكوحة باطلا والمفسوخة
من اصله وحربية اسلمت عن كافر وهاجرت كعدة
للطلاق الا ان المنقطعة الحيض لعارض اربعة
اشهر وعشرا وأم الولد عتقت بحيضتين وندبت
ثالثة للموت والمعتقة للوطء بالنكاح بحيضة ولو
لمعتق عقيب شراء أو نحوه].
قوله: فصل : "ولا عدة فيما عدا ذلك".
أقول : وجه هذا عدم ورود دليل يدل على غير من
قد وقع نص الكتاب والسنة بالعدة عليهن لان ذلك
حكم شرعي فلا يجوز اثباته الا بحجة شرعية.
وأما قوله: "لكن تستبرأ الحامل" الخ فهو
استثناء منقطع لأن الاستبراء هو شيء غير العدة
شرعه الله سبحانه لبراءة الارحام ولدفع اختلاط
الاموال ولم يرد ما يدل على خصوص استبراء
الحامل من زنا الا ما قدمنا من الأدلة الدالة
على استبراء المسبية والمشتراة ونحوهما فقد
ذكرنا هنالك من الأدلة ما يدل بعمومه وإطلاقه
على مشروعية الاستبراء إذا كانت تلك العلة
موجودة وهي موجودة في الحامل من زنا لكن
اقتصاء المصنف على الحامل غير مناسب بل يقال
في الزواني لا توطأ منهن حائض حتى تستبرأ
بحيضة ولا حامل حتى تضع حملها كما قال صلى
الله عليه وسلم فيما ذكرناه سابقا.
ومن جملة الاحايث العامة الشاملة للحامل من
زنا حديث أبي هريرة عند أحمد والطبراني قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقعن
رجل على امرأة وحملها لغيره" .
ومنها حديث رويفع الذي تقدم بلفظ: "من كان
يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يسقى ماءه ولد
غيره"، وهو حديث صحيح.
وأما المنكوحة باطلا فهي داخلة تحت الأدلة
التي اشرنا اليها كما صلت فيها الزانية.
والشبهة في هذه لا تنتهض لايجايب العدة
الشرعية عليها وغاية ما فيها أنه يسقط بها
الحد وقد قدمنا تحقيق الكلام في هذه وأمثالها
وأما المفسوخة من اصله فقد قدمنا ما يغني عن
إعادته هنا.
وأما الحربية التي أسلمت عن كافر وهاجرت فقد
قدمنا الاحاديث المصرحة بأنه صلى الله عليه
وسلم لم يفرق بين المهاجرات وازواجهن الباقين
على الكفر الا بعد انقضاء عدتهن ومن اسلم
زوجها وهي في العدة أقرها على نكاحها الأول
كما وقع منه صلى الله عليه وسلم في ابنته زينب
مع زوجها أبي العاص بن الربيع.
وأخرج مالك في الموطأ عن الزهري أنه قال لم
يبلغنا أن امرأة هاجرت إلي الله روسوله وزوجها
كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها
وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل ان
تنقضي عدتها ولم يبلغنا ان امرأة فرق بينها
وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها.
وأما قوله: "إلا ان المنقطعة الحيض لعارض" الخ
فقد قدمنا تحقيق الكلام فيه وتخصيص
(1/436)
هذا الموضع
بهذا الحكم لهذه المنقطعة لا وجه له بل ينبغي
من المصنف ان يجعل حكمها واحدا في عدة
واسبتراء.
قوله: "وأم الولد عتقت بحيضتين".
أقول : تخصيص ام الولد بهذا الحكم من التحكم
الذي لا وجه له ولا دليل عليه ولو قال هذا من
يقول إن عدة الامة حيضتان كان لذلك وجها
الحاقا لها بالاماء المنكوحات وأما المصنف
فإنه لا يفرق بين عدة الحرة والامة فما باله
جاء بهذا الحكم في أم الولد وكان عليه ان يجعل
عليها العدة الكاملة كما يجعله على الامة
المنكوحة والحرة أو يجعل عليها الاستبراء الذي
يعرف به براءة الرحم وهو حيضة كما تقدم في
الاماء وأما هذه العدة المتوسطة بين العدتين
فمن غرائب الرأي وعجائب التحكم والاحسن إلحاق
هذه أم الولد بالامة المزوجة إذا عتقت ثم خيرت
فاختارت نفسها وقد قدمنا في حديث بريرة ان
النبي صلى الله عليه وسلم امرها ان تعتد عدة
الحرة ثلاثة حيض بجامع ان كل واحدة منهما كانت
امة منكوحة ثم عتقت وصارت في يد نفسها.
وأعجب من هذا الذي ذكره المصنف من اعتدادها
بحيضتين ما ذكر عقيبه من قوله وندبت ثالثة
للموت فإنه جاء أولا بكلام هو هرولة بين عدة
الحرائر والاماء وجاء ثانيا بكلام هو هرولة
أيضا بين الوجوب وعدمه مع كون العدة عدة وفاة
وليس بعد هذا من التسأهل في اثبات الأحكام
الشرعية شيء.
وأما قوله: "والمعتقة للوطء بالنكاح بحيضة"
فهذا وإن كان رأيا معقولا الحاقا لها بالاماء
اللات تجدد عليهن الملك وقد تقدم ما في ذلك من
الأدلة لكنه مدفوع بما ذكرناه من امره صلى
الله عليه وسلم لبريرة ان تعتد بثلاث حيض عدة
الحرة فإن هذه امة عتقت وتلك امة عتقت فالحاق
المعتقة بمن عتقت أولى من الحاقها بمن لم تعتق
ولا فرق بين ان يكون الذي أراد وطئها بالنكاح
هو المعتق أو غيره.
[ فصل
ولمالك الطلاق فقط إن طلق رجعيا ولما يرتد
احدهما مراجعة من لم تنقض عدتها ويعتبر في
الحائض كمال الغسل أو ما في حكمه وتصح وإن لم
ينو أما بلفظ العاقل غالبا أو بالوطء أو أي
مقدماته لشهوة مطلقا ويأثم العاقل إن لم ينوها
به وبلا مراضاة ومشروطة بوقت أو غيره ومبهمة
ومولاة ولو لها وفي إجاتها نظر ويجب الاشعار
ويحرم الضرار].
قوله: فصل : "ولمالك الطلاق فقط إن طلق رجعيا"
الخ.
أقول : هذا صحيح فالرجعة بيد من بيده الطلاق
ولكنه يجوز له ان يوكل من يراجع عنه كما يجوز
له أن يوكل من يتزوج له أو يطلق عنه.
(1/437)
وأما تقييد ذلك
بقوله: ولما يرتد احدهما فلا حاجة اليه لأن
المرتد منهما ان استمر على ردته فإن كان الزوج
هو الذي ارتد فمعلوم أنه لا يجوز للكافر نكاح
المسلمة لا بإذنها ولا بغير إذنها بل تتربص
حتى تنقضي عدتها ثم تنكح من شاءت وإن كانت
المرتدة هي الزوجة فكذلك لا يجوز للزوج ان
يراجعها وهي كافرة كما قال تعالي: {وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:
10].
وأما إذا ارتد احدهما بعد طلاق ثم رجع إلي
الإسلام قبل انقضاء العدة فقد عرفناك فيما سبق
ان الفرقة قد وقعت بالطلاق وأنها لا يتبعها
الفسخ لان المحل غير قابل لذلك ما تقدم في كون
الطلاق لا يتبع الطلاق.
قوله: "ويعتبر في الحائض كمال الغسل" الخ.
أقول : قد ذهب إلي هذه جماعة من الصحابة ولكن
الحق الذي لا ينبغي العدول عنه هو الرجوع إلي
انقضاء العدة التي شرعها الله للمعتدات فإذا
انقضت الحيضة الثالثة انقضت العدة وليس الغسل
الا لجواز مثل الصلاة والتلأوة ودخول المسجد
لا لأمر يرجع إلي العدة فإنها قد انقضت ومضت
ولم يبق لها حكم.
وأما قوله: "وتصح وإن لم تنو" فإن أراد ان
النية غير واجبة في الرجعة فمدفوع بانها عمل
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الاعمال
بالنيات"، وإن أراد انها واجبة ولا تبطل
الرجعة بتركها بناء على ان الرجعة التي شرعها
الله قد وقعت واثم التارك للنية لا يستلزم
بطلان الرجعة فهذا له وجه ولكن كيف يتصور ان
تقع الرجعة من الفاعل ولم ينوها فإن نفس القصد
إلي الرجعة يستلزم حصول النية لأن النية هي
القصد وقد وقع فإن قدرنا مثلا أنه جاء بلفظ
يفيد الرجعة وهو غير قاصد للرجعة فليست هذه
برجعة اصلا لأن تلفظ المتكلم بما لا يريده
لاحكم له بل هو من اللغو الباطل والهذيان
البحت.
وهكذا لو قدرنا أنه وطئها لا بنية الرجعة فإن
هذا الوطء ليس برجعة شرعية بل هو بالزنا اشبه
ولعل الذي حمل المصنف على هذا المشي على ما
قدمه من قوله ويجب النية لا الاستئناف فيهما
ولكن هذا يرد عليه هنالك كما يرد عليه هنا.
قوله: "أما بلفظ العاقل أو بالوطء" الخ.
أقول : أما اللفظ فظاهر ان الله سبحانه شرع
للأزواج الرجعة وليس المراد بها إلا أن
يراجعها إلي نكاحه بان يقول قد ارجعتك أو
راجعت فلانة أو يؤذنها بأنها تعود إلي ما كانت
عليه أو يامرها بأن تدخل إلي المكان الذي كانا
يجتمعان فيه وهي غير مطلقة وهو يعلم انها تفهم
من ذلك الرجعة.
وأما مراجتها بالوطء باديء بدء بأن لا تشعر
الا وقد اقتحم عليها وأخذ برجلها ونكحها فهذا
وإن كان رجعة لأنه لا يفعله الا من أراد
الرجوع فيما كانا فيه من النكاح ومجرد القصد
إلي هذا قبل صدوره منه يفيد الرجعة ولكن هذه
الرجعة دوأبية لا إنسانية فضلا عن ان تكون
شرعية
(1/438)
وإنما يفعل مثل
هذا الفعل الزناة ولم يكن له إلي ذلك حاجة
فإنه كان يكفيه ان يناديها من وراء الباب
للمنزل الذي هي فيه أنه قد راجعها ثم يدخل بعد
ذلك سريعا ويطأها كيف شاء وعلى أي صفة أراد
فيكون قد وقع منه الاشعار وفعل ما يعفله
المتشرعون ولم يفت عليه قضاء حاجته والبلوغ
إلي شهوته.
وأما قوله: "ويأثم الفاعل إن لم ينوها به"
فهذا مع عدم النية لم يرد الرجعة بل أراد
الزنا وليست هذه رجعة شرعية. وأما كونها تصح
بلا مراضاة فصحيح لان الله سبحانه أباح ذلك
للأزواج ولم يعتبر رضا الزوجات.
وأما كونها تصح مشروطة فللزوج ذلك وقد يكون له
في الشرط فائدة تحت الزوجة على كمال الطاعة
وهكذا تصح الرجعة المبهمة ويرجع اليه في
التعيين فإن عين من هي المقصود له تعينت وإن
لم يعين حتى مات فإحداهما زوجة تستحق الميراث
ويكون الميراث بينهما ويجب عليهما العدة.
وأما قوله: "ومولاة" فصحيح كما قدمنا في أول
هذا الفصل ولا وجه لقول المصنف فقط فإنه إن
أراد إخراج رجعة من لم يكن بزوج مع عدم رضا
الزوج فذلك معلوم لا يحتاج إلي ذكره وإن أراد
أنه لا يصح منه التوكيل بها ونحوه فهو مخالف
لما هنا فإن التولية نعم التوكيل.
وأما قوله: "وفي إجازتها نظر" فلا وجه لهذا
النظر لأن إجازة الرجعة رجعة.
قوله: "ويجب الاشعار".
أقول : لا شك في ان هذا واجب على الزوج للزوجة
ولا سيما إذا كان ترك الاشعار لها يؤدي إلي ان
تقع في محظور من إجابة خطبة من يخطبها أو
الدخول في نكاح من يريد نكاحها بل الظاهر وجوب
الاشعار لمن يتصل به ويجأوره لئلا يظنوا به
مالا يحل واجتناب ذلك واجب بل قد ورد ما يدل
على وجوب الاشهاد فأخرج أحمد وابن ماجه
والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن عمران بن
الحصين أنه سئل عن الرجل يطلق امراته ثم يقع
بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجتها فقال:
طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة اشهد على
طلاقها وعلى رجتها ولا تعد فإن قوله: لغير سنة
يدل على أنه قد عرف من السنة ما يفيد الاشهاد
فهو كقول الصحأبي من السنة كذا.
ومما يؤيد هذا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فإنه وارد عقب قوله:
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]،
وقد وقد الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في
الطلاق واتفقوا على الاستحباب.
قوله: "ويحرم الضرار".
أقول : الضرار محرم على كل حال وهو اشد تحريما
لمن وصى الله بهن عباده كما تقدم ولمن قال في
حقهن {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6]، ولمن
قال في حقهن {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
(1/439)
تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، وقد قدمنا ان
قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، نزل في الرجل
الذي قال لامرأته والله لا اطلقك فتبيني ولا
أويك ابدا قالت وكف ذلك قال اطلقك فكلما همت
عدتك ان تنقضي راجعتك فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فنزلت الاية[الترمذي "1192".
[ فصل
والقول لمنكر البائن غالبا ولتمتنع منه مع
القطع ولمنكر وقوعه في وقت مضى وفي الحال إن
كان الزوج ولمنكر تقييده وحصول شرطه ممكن
البينة ومجازيته وللزوج في كيفيته ولمنكر
الرجعة بعد التصادق على انقضاء العدة لا قبله
فلمن سبق في المعتادة وللزوج في النادرة
ولمنكر مضيها غالبا فإن ادعاه الزوج حلفت في
دعوى انقضاء الحيض الاخر كل يوم مرة وفي
إنكارها الجملة كل شهر مرة وتصدق من لا منازع
لها في وقوع الطلاق وانقضاء عدتها.
قوله: فصل : "والقول لمنكر البائن".
أقول : الاصل عدم البينونة فمدعيها مدع ومنكره
منكر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"أن البينة على المدعي واليمين على المنكر"،
فهذا فرد من الأفراد المندرجة تحت هذا الحديث
العام والشرع الشامل.
وأما قوله: "ولتمتنع منه مع القطع" فلما هو
معلوم من ان تمكينها من نفسها منكر في
اعتقادها حيث هي قاطعة بالبينونة قطعا بمستند
شرعي لا بمجرد الخيال ولا بمجرد فتأوى
المقصرين.
وأما قوله: "ولمنكر وقوعه في وقت مضى" فلكون
الاصل عدمه وموافق الاصل منكر ومدعى خلاف
الاصل مدع وعلى المدعى البينة وعلى المنكر
اليمين.
وأما قوله: "وفي الحال إن كان الزوج" فصحيح
لأن الاصل وقوع الطلاق بخلاف ما إذا كان الزوج
ينوي المدعى فإنه يصح منه إنشاء الطلاق في
الحال.
وهكذا قوله لمنكر تقييده لان الاصل عدم
التقييد وهكذا منكر حصول شرطه لان الاصل عدم
حصوله ولا وجه للتقييد بقوله وممكن البينة لان
كل شرط يمكن البينة عليه الا ان يجعل الشرط
امرا يرجع إلي ضميرها وما في نفسها مثلا فإن
ذلك لا يعرف الا من جهتها.
وهكذا يكون القول لمنكر مجازيته لان المجاز
خلاف الاصل والاصل الحقيقة.
وأما قوله: "وللزوج في كيفيته" فغير مسلم بل
إن كانت تلك الكيفية خلاف ما هو المتبادر
(1/440)
كان القول قول
منكرها والبينة على مدعيها وإن كانت هي
المتبادرة من العرف والاصطلاح فالقول قول
مدعيها.
وهكذا القول قول منكر الرجعة لأن الاصل عدمها
ولا وجه لقوله بعد التصادق على انقضاء العدة
الخ لأن الاصل العدم ملقا وإذا ادعت المرأة
انقضاء عدتها وأنكر الزوج فعليها البينة فإن
النساء العوارف يفرقن بين الطهر والحيض وبين
دم الحيض وغيره وإذا كان هذا الامر المتعلق
بالفروج يمكن البينة عليه فغيره بالأولى حسبما
حققنا ذلك فيما مضى.
وأما تصديق من لا منازع لها فظاهر لا يحتاج
إلي ذكره وتدوينه.
والحاصل ان هذا الفصل معلوم مما سيأتي في كتاب
الدعأوى وإنما يتعرض المصنف في الابواب لمن
القول قوله ولمن البينة عليه لقصد مزيد
الأيضاح وتكثير الافادة.
(1/441)
[
باب الظهار
صريحة قول مكلف مختار مسلم لزوجة تحته كيف
كانت ظاهرتك أو انت مظاهرة أو يشبهها أو جزءا
منها بجزء من امه نسبا مشاع أو عضو متصل ولو
شعرا أو نحوه فيقع ما لم ينو غيره أو مطلق
التحريم وكنايته كأمي أو مثلها أو في منازلها
وحرام فيشترط النية وكلاهما كناية طلاق ويتوقت
ويتقيد بالشرط والاستثناء الا بمشيئة الله في
الاثبات ويدخله التشريك والتخيير].
قوله: باب : "الظهار فصل صريحة قول مكلف".
أقول : اشتراط كون الزوج مكلفا مختارا وجهه ان
غير المكلف لا يصلح لايقاع هذا ولم يؤذن له به
وهكذا المكره لا حكم لفعله ولا يعتد به لان
الاختيار شرط لصحة كل إنشاء.
وأما قوله: "مسلم" فوجهه ان ما في الكتاب
والسنة متضمن لما شرعه الله لعباده المسلمين
وأما الكفار فهم وإن كان فيهم الخلاف في
التكليف بالشرعيات فليس ذلك إلا باعتبار
العقوبة عليهم في تركها لا باعتبار وجوب
تنجيزها عليهم حال الكفر ولا باعتبار صحتها
منهم.
وأما كونه لزوجة تحته فلأنه لا يكون ظهارا إلا
ما كان كذلك لأنه نوع من أنواع الفرقة فلا يقع
على اجنبية لعدم المقتضى ووجود المانع وقد صح
أنه: "لا طلاق قبل نكاح" كما تقدم فهكذا ما
يؤول أمره إلي ما يؤول إليه الطلاق ولو في بعض
أحواله وأما اعتبار كونها تحته فلأن المطلقة
قد وقعت عليها الفرقة بنفس الطلاق ولا يتبع
الطلاق الطلاق كما قدمنا ولا ما هو في معنى
الطلاق لأنه تحصيل للحاصل ولا يشترط في الزوجة
شيء مما يشترط في الزوج لانها إنما هي مكان
للإيقاع عليها وذلك يصح كيف كانت.
(1/441)
قوله: "ظاهرتك
وانت مظاهرة".
أقول : إن الظهار الذي نص عليه القرآن الكريم
المراد به ما كانت توقعه الجأهلية ويجعلونه
طلاقا وكانوا يقولون انت على كظهر امي فتصير
المرأة بذلك مطلقة فمعنى: {الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}
[المجادلة: 3] يوقعون عليهن ما كانت توقعه
الجأهلية على نسائهم فمن أراد هذا المعنى بلفظ
يدل عليه كقوله ظاهرتك وانت مظاهرة أو انت
الظهار كان ذلك صحيحا والأرادة جارية على
مقتضى اللغة كما لو قال في الطلاق انت الطلاق
ونحو ذلك ولا يمنع من هذا شرع ولا عقل ولا
لغة.
قوله: "أو يشبهها أو جزءا منها بجزء من امه
نسبا".
أقول : هذا صواب لأن اجزاء الام متفقة فلا فرق
بين الظهر وغيره وأما تشبيه مثل الزوجة بابنته
واخته أو جزء منها بجزء منها فهذا خارج عن
معنى النص وإن كان معنى الحرمة موجودا والقول
بالقياس لا يكون الا بجامع الحرمة وجامع
الحرمة موجود في الاجنبيات فضلا عن القرائب
فإن أريد التحريم المؤبد لزم ذلك في مثل
الملاعنة. والحاصل ان هذا القياس لا ينبغي ان
يقال به ها هنا فإن الله سبحانه قد وصف
المظاهرين بانهم: {لَيَقُولُونَ مُنْكَراً
مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2]، فلا
ينبغي توسيع دائرة ما هذا شأنه بل يقصر على
موردا لنص وهن الامهات من النسب وقد استرسل
بعض أهل العلم في هذا القياس حتى قال: إن مجرد
تحريم الوطء المطلق ظهار وهو باطل من القول
وغلط في الاستدلال.
وأما اعتبار ان يكون ذلك الجزء مشاعا فظاهر
لأنه يدخل فيه كل جزء من أجزاء البدن بقدر ما
سمى.
وهكذا قوله أو عضو متصل فإنه لا يشترط ان يكون
الذي سماه هو الفرج أو ما يدخل فيه الفرج أو
جزء منه ليكون موردالنص هو تشبيه الزوجة بظهر
الام وهو غير الفرج ولا يدخل فيه شيء منه.
وأما قوله: "ولو شعر أو نحوه" فمبني على أنه
يعود على مسمى العضو وهو يتخالف كما في كتب
اللغة.
قوله: "فيقع ما لم ينو غيره".
أقول : قد الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حكم الظهار من ظاهر في الإسلام وهو لم يرد الا
ما كانت تريده الجأهلية ولم يكن قد تبين حكم
الظهار في الإسلام حتى يكون مرادا له وقد ورد
الإسلام بنسخ كون الظهار الذي كانت تفعله
الجأهلية طلاقا وأوجب فيه الكفارة ولا يخفى ان
من نوى الظهار ما كانت تنويه الجأهلية به وهو
الطلاق فقد صار مظاهرا ولزمته أحكام الظهار
التي بينها الكتاب والسنة لأن السبب وارد فيمن
أراد ظهار الجأهلية وهو الطلاق فقوله فيقع
مالم ينو غيره غير مسلم بل يقع ولو نوى به
الطلاق.
وأما إذا نوى اليمين فقد نوى به غير معناه
اللغوي والشرعي وليس هذا اللفظ من ألفاظ
(1/442)
اليمين فلا يقع
ظهارا لعدم نيته له ولا للطلاق ولا يقع يمينا
لان الجأهلية لم تستعمله في ذلك ولا فيه ما
يفيد اليمين.
وأما إذا أراد تحريم العين فهو يصدق عليه أنه
قد أراد ما كانت عليه الجأهلية فإنهم لا
يريدون بقولهم للنساء هن عليهم كظهور امهاتهم
الا التحريم الذي يستلزم الفرقة لان الشرع اقر
أرادة التحريم وإن جعلها منكرا من القول وزورا
ورتب عليها ما رتب من التكفير.
ومما يؤيد هذا ما أخرجه أهل السنن [أبو داود
"2221"، الترمذي "1199"، ابن ماجة "2065"،
النسائي "3475"]، وصححه الترمذي والحاكم من
حديث ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله
عليه وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها,
فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت
عليها قبل أن أكفر فقال: "ما حملك على ذلك
يرحمك الله؟" فقال: رأيت خلخالها في ضوء
القمر, فقال صلى الله عليه وسلم: "فلا تقربها
حتى تفعل ما امرك الله"، فإن قوله قبل ان اكفر
يفيد أنه أراد الظهار الشرعي وأنه وقع منه ذلك
بعد ورودالشرع به فوجب عليه ما وجب على
المظاهر وهذا إذا أراد تحريم العين بما جاء به
من لفظ الظهار وأما إذا قال حرمتها أو هي حرام
فليس شيء لأنه حرم على نفسه ما لم يحرمه الله
عليه وليس له ان يشرع لنفسه ما لم يشرع الله
لها ولهذا ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن
عباس أنه قال: إذا حرم الرجل امراته فهي يمين
يكفرها, وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:
21]، وقد اطلنا المقال في هذا البحث في شرحنا
للمنتقى فليرجع اليه.
وأما قوله: "وكنايتها كأمي ومثلها" الخ فصحيح
لأن اللفظ إذا احتمل معنيين أو معاني لم ينصرف
إلي احدهما الا بالنية من المتكلم.
وأما قوله: "وحرام" فليس بشيء كما عرفت.
وأما قوله: "وكلاهما كناية طلاق" فقد قدمنا لك
ان الشرع نسخ ما كانت تفعله الجأهلية من
الظهار مريدين به الطلاق وظاهر هذا أنه لا يقع
به الطلاق اصلا وإن أراده لأنه أراد ما لم يصح
في الشريعة.
قوله: "ويتوقت".
أقول : لما أخرجه أحمد "4/37، 5/436"، وابو
دأود "2213"، والترمذي "1198، 3299"، وحسنه
وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والحاكم من حديث
سلمة بن صخر قال كنت امرءا قد أوتيت من جماع
النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت
من امرتي حتى ينسلخ رمضان الحديث وهو يدل على
صحة توقيت الظهار وقد اثبت النبي صلى الله
عليه وسلم أحكام الظهار كما في بقية الحديث
وفيه طول وفيه أنه واقعها قبل انقضاء رمضان
وأما قوله: "ويتقيد بالشرط والاستثناء" فظاهر
لعدم المانع من ذلك.
وأما قوله: "إلا بمشيئة الله" يعني فإنه لا
يصح تقييده بها لان الله سبحانه لا يشاؤه
لوصفه
(1/443)
له بأنه منكر
من القول وزور فإذا قيده بمشيئته لم يقع وأيضا
الاحاديث الواردة في مطلق التقييد بالمشيئة
تدل على ان ما قيد بها لا يلزم لا في اليمين
ولا غيرها كما قدمنا.
وأما كونه يدخله التشريك والتخيير فوجهه ما
قدمنا في الطلاق.
[ فصل
ويحرم به الوطء ومقدماته حتى يكفر أو ينقضي
وقت الموقت فإن فعل كف ولها طلب رفع التحريم
فيحبس له إن لم يطلق ولا يرفعه الا انقضاء
الوقت أو التكفير بعدالعود وهو أرادة الوطء
ولا يهدمه الا الكفارة وهي عتق كما سيأتي فإن
لم يجد فصوم شهرين في غير واجب الصوم والافطار
لم يطأها فيهما ولا وإلا استأنف الا لعذر ولو
مرجوا زال فيبنى فإن تعذر البناء على الصوم
قيل اطعم للباقي فإن لم يستطعه فاطعام ستين
مسكينا أو تمليكهم كاليمين وياثم إن وطيء فيه
قيل ولا يستأنف ولا يجزئ العبد الا الصوم ومن
امكنه الاعلى في الادنى استأنف به والعبرة
بحال الأداء وتجب النية الا في تعيين كفارتي
متحد السبب ولا تتضاعف الا بتعدد المظاهرات أو
تخلل العود والتكفير].
قوله: فصل : "ويحرم به الوطء ومقدماته حتى
يكفر"
أقول : لأن هذا التحريم هو مدلول الظهار الذي
ورد به الكتاب والسنة وقد أمر النبي صلى الله
عليه وسلم سلمة بن صخر في الحديث المتقدم عنه
ان لا يقربها حتى يفعل ما امره الله وهو حديث
صحيح كما قدمنا ولم يأت من اعله بما يصلح
لدعواه.
وأما قوله: "أو ينقضي وقت المؤقت" فبمني على
ان انقضاء الوقت بمثابة العود والوطء وأما
قوله: "فإن فعل كف" يعني حتى يكفر وليس عليه
في هذا الوطء كفارة غير الكفارة التي وجبت
للظهار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض
على من وطيء قبل ان يكفر الا بكفارة واحدة كما
تقدم وقد أخرج الترمذي وحسنه ابن ماجه من حديث
سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم في
المظاهر بواقع قبل أن يكفر قال: "كفارة واحدة"
، قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل
العلم.
وأما قوله: "ولها طلب رفع التحريم" الخ فصواب
لان الاستمرار على التحريم مضاره لها وقدنهى
الله سبحانه عن ذلك ولا اعتبار بما يقوله
المقلدون بأنه لا حق لها في الوطء فكيف تطلب
رفع التحريم نعم إذا كان لا يريد إمساكها
سرحها بإحسان كمال قال الله سبحانه.
قوله: "ولا يرفعه الا انقضاء الوقت أو التكفير
بعد العود" الخ.
أقول : أما كونه يرفعه انقضاء الوقت بدون
تكفير فغير مسلم وأما كونه يرفعه التكفير بعد
(1/444)
العود فصحيح
كما صرح به الكتاب العزيز قال الله عز وجل:
{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:
3]، واختلفوا هل العلة في وجوبها العود أو
الظهار بعد اتفاقهم على انها تجب الكفارة بعد
العود؟.
فذهب قوم إلي الأول وذهب آخرون إلي الثاني
وذهبت طائفة ثالثة إلي ان العلة مجموع العود
والظهار ثم اختلفوا في العود ما هو فقيل إنه
أرادة المس لما حرم بالظهار وقيل بل هو
إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الظهار ولم يطلق
وقيل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ وقيل
هو الوطء نفسه وقيل إعادة لفظ الظهار.
والظاهر ان المراد به العود من الحالة التي هو
فيها وهي التحريم بالظهار إلي الحالة التي كان
عليها وهو كون الوطء حلالا بموجب عقد النكاح
وهذا هو الذي تقتضيه اللغة وتنطبق عليه الأدلة
كما لا يخفى فإنه إذا عزم الرجل على شيء فقال
إنه قد عاد عما عزم عليه كان المفهوم من هذا
العود هو الرجوع من العزم على ذلك الشيء إلي
عدم العزم عليه فالعائد هو هذا.
قوله: "ولا يهدمه الا الكفارة".
أقول : هذا صحيح وهو الذي ذكره الله سبحانه
وجاءت به السنة المطهرة ومن قال إنه يهدمه غير
الكفارة فهو إنما نظر إلي أنه قد حصل موجب
للتحريم أما مطلقا أو مقيدا وليس الكلام في
هذا إنما الكلام في الشيء الذي يصير به منهدما
حتى يكون وجوده كعدمه.
وأما مثل الطلاق ونحوه مما تحصل به الفرقة
فذلك لا يوجب رفع ما كان قد اقترفه من أمر
الموجب لما أوجبه الله من الكفارة عند ان يريد
عودها إلي نكاحه.
قوله: "وهي عتق" الخ.
أقول : التقييد لإجزاء الصوم بعدم وجود رقبة
يعتقها ثم تقييد إجزاء الاطعام بعدم الاستطاعة
للصوم هو الذي صرح به الكتاب العزيز وصرحت به
السنة المطهرة في مظاهرة أوس بن الصامت لزوجته
خولة بنت مالك بن ثعلبة.
وأما قوله: "لم يطأ فيهما" فهو أمر مجمع عليه
كما حكاه ابن القيم وغيره فإنه قال لا خلاف في
تحريم وطئها في زمن الصوم ليلا ونهارا.
وأما اشتراط ان يكون الصوم متتابعا فلذكر
التتابع في الكتاب العزيز والسنة المطهرة
وظاهر ذلك ان من لم يتابع لم يفعل ما أمر الله
سبحانه ولا صام الصوم الذي شرعه الله فيستأنف
وأما إذا كان ترك التتابع لعذر مسوغ فذلك
لتقييد ما أوجبه الله سبحانه بالاستطاعة وهذا
لم يستطع فلا يجب عليه الاستئناف.
وأما قوله: "فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا"
فهذا هو الذي صرح به القرآن والسنة وأما قوله:
"أو تمليكهم كاليمين" فمراده ان يدفع اليهم ما
يأكولنه وذلك هو إطعام إذ لا فرق في صدق مسمى
الاطعام بين ان يهيء لهم طعأما يأكلونه أو
يدفع إلي كل واحد من الطعام ما يأكله وقد ورد
في الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر" ، كما
(1/445)
في حديث أوس بن
الصامت وورد في حديث سلمة ابن صخر أن النبي
صلى الله عليه وسلم أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر
صاعا فقال: "أطعمه ستين مسكينا".
وظاهر القرآن والسنة أنه يطعم ستين مسكينا مرة
واحدة أما ان يهيء لهم طعأما يأكلونه عنده أو
بأن يدفع إلي كل واحد ما يأكله ولا يجب
الاطعام مرتين ولا دليل علي ذلك.
قوله: "وياثم إن وطيء فيه".
أقول : وقع في الكتاب العزيز التقييد بقوله:
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:
3]، في العتق والصوم ولم يقع التقييد به في
الاطعام فالظاهر عدم الإثم في الاطعام وعدم
الاستئناف لأن ترك التقييد فيه مشعر بان احكمه
غير حكم ما وقع التقييد فيه إعمالا للكتاب
العزيز ورجوعا إلي البراءة الاصلية ومن زعم ان
الاطعام لاحق بالعتق والصوم بالقياس بعدم
الفارق فزعمه هذا رد عليه فإن التنصيص في
الكتاب العزيز على البعض دون البعض دليل على
الفرق وإن لم يعلمه {وَمَا كَانَ رَبُّكَ
نَسِيّاً} [مريم: 64]، {مَا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
على أنه قد قيل إن عدم وجوب الاستئناف في
الاطعام مجمع عليه وهذا الاجماع إن صح يندفع
به القياس وتبطل معه دعواه.
وأما قوله: "ولا يجزء العبد الا الصوم" فمبنى
على ان العبد لا يملك فلا يجب عليه ما هو مال
وأما قوله: "ومن أمكنه الاعلى في الادنى
استأنف به" فلا وجه له فإنه فعل ما هو الواجب
عليه ودخل فيه حال كونه لا يجب عليه غيره
فتجدد الوجوب عليه بعد التلبس بما هو الواجب
عليه تكليف له بما لم يكلف به.
وأما كون العبرة بحال الأداء فصحيح لان اعتبار
غيرها مع استمرار الوجوب عليه يحتاج إلي دليل.
وأما كونها تجب النية فظاهر لان التكفير عمل
والاعمال بالنيات ولو كان ذلك في كفارتي متحدي
السبب فإن التعيين بالنية واجب لأن كل واحدة
منهما عمل والاتحاد لا يبطل ذلك ولا يرفع
الوجوب.
وأما قوله: "ولا تتضاعف الا لتعدد المظاهرات"
فصحيح لان الله سبحانه لم يوجب في الظهار الا
كفارة واحدة فمن زعم أنه يجب غير ذلك فقد ادعى
مالا دليل عليه وقد قدمنا الدليل على عدم تعود
الكفارة وأنه مذهب الجمهور. وهكذا تعدد
الكفارة إذا تخلل العود والتكفير بين الظهارين
لأن كل واحد منهما أوجب الشرع فيه كفارة وإن
كانت المظاهرة واحدة ومثل هذا ظاهر لا يحتاج
إلي التنصيص عليه.
(1/446)
[
باب الايلاء
من حلف مكلفا مختارا مسلما غير اخرس قسما لا
وطيء ولا لعذر زوجة تحته كيف كانت أو اكثر لا
بتشريك مصرحا أو كانيا نأويا مطلقا أو مؤقتا
بموت ايهما أو بأربعة اشهر فصاعدا أو بما يعلم
تأخره عنها غير مستثنى الا ما تبقى معه
الاربعة رافعته بعدها وإن قد عفت إن رجعت في
المدة وكلهن مع اللبس لا ولي غير العاقلة
فيحبس حتى يطلق أو بفيء القادر بالوطء والعاجز
باللفظ ويكلفه متى قدر ولا إمهال الا بعد مضى
ما قيد به يوما أو يومين ويتقيد بالشرط لا
الاستثناء الا ما مر ولا يصح التكفير الا بعد
الوطء ويهدمه لا الكفارة والتثليث والقول
لمنكر وقوعه ومضى مدته والوطء وسنة ثم سنة
إيلاءان لاسنتان].
قوله: باب : "الايلاء فصل يوجبه حلف مكلف"
الخ.
أقول : وجهه ان حلف غير المكلف لا ينعقد ولا
يلزم لرفع قلم التكليف عنه وهكذا حلف المكره
لأن فعله لم يصدر على وجه يتعلق به حكمه.
وأما اشتراط ان يكون مسلما فلكون هذه الشريعة
واردة لما شرعه الله لأهل الإسلام وأما خطاب
الكفار بما اخلوا به من الواجبات في الدنيا
عند الحساب يوم القيامة فذلك بحث آخر لأن
عقوبتهم عليها في الاخرة لا يستلزم صحتها منهم
في الدنيا.
وأما اشتراط ان يكون غير اخرس فظاهر لان هذا
بحث لفظي والاخرس لا يقدر على الكلام.
وأما اشتراط ان يكون الحلف قسما فزيادة قد
افادها قوله من حلف لأن مطلق الحلف ينصرف إلي
القسم بالله أو بصفاته.
وأما قوله: "لا وطيء ولا لعذر" فصحيح لأن
الحكم مترتب على الحلف وقد وقع سواء كان سبب
الحلف عذرا أو غير عذر وأما كون المحلوف عليه
هو وطء الزوجة فظاهر لأنه لا يقال للحلف إيلاء
الا إذا كان كذلك وإلا كان يمينا من سائر
الايمان.
وأما كونها تحته كيف كانت فالكلام فيه كالكلام
في الظهار وقد تقدم.
وهكذا قوله لا بتشريك فإنه لا يصح مجرد
التشريك بل لا بد من الحلف من كل واحدة لان
معنى هذا الباب لا يوجد الا بالحلف ولا حلف من
الاخرى.
وأما قوله: "مصرحا أو كانيا نأويا" فظاهر لأن
المراد ما يفهم به المراد وهو يحصل بالكناية
كما يحصل بالتصريح وأما النية فلا بد منها في
الصريح والكناية كما قدمنا ذلك غير مرة وهكذا
لا فرق بين ان يكون الحلف مطلقا أو مقيدا بوقت
لأن الكل حلف يصدق عليه مسمى الايلاء.
وأما كون التوقيت بالموت أو بأربعة اشهر
فصاعدا أو بما يعلم تأخره عنها فالوجه في ذلك
(1/447)
كله ان الله
سبحانه قال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
[البقرة: 226]، فإذا وقت بالموت فهو غاية ماله
من الحياة ولكن بعد مضى الاربعة ترافعه وإذا
وقت بما فوق الاربعة رافعته عند انقضاء
الاربعة وهذا مبني على أنه لا يصح التوقيت
بدون الاربعة وأنه لا يكون ايلاء الا بذلك
والاية غير واردة في هذا المعنى بل واردة في
معنى مدة الامهال للمولى وانها تجوز للمرأة
المرافعة بعد الاربعة الاشهر لما في الزيادة
عليها من الاضرار بها.
وقد ثبت في الصحيح [البخاري "9/300"، مسلم
"25/1085"]، ان النبي صلى الله عليه وسلم أقسم
ان لا يدخل على نسائه شهرا فلو كان ما في
القرآن بيانا للمدة التي لا يجوز ان يكون وقت
الايلاء دونها لم يقع منه صلى الله عليه وسلم
الايلاء شهرا فعرفت بهذا ان هذه المدة ليست
الا لعدم جواز التوقيت بزيادة عليها وأنه يجوز
للمرأة المرافعة بعدها.
وأما قوله: "وكلهن مع اللبس" فظاهر لأنه قد
جاء بما يحتمل ان كل واحده منهن محلوف منها
على انفرادها فلا يجوز قربان إحداهن الا بعد
انجلاء اليمين وأما كونه يحبس حتى يطلق أو
يفيء فوجهه أنه لا يرتفع الضرار عن الزوجة الا
بذلك وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال
إذا مضت اربعة اشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع
عليه الطلاق حتى يطلق قال البخاري ويذكر ذلك
عن عثمان وعلى وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر
رجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد بن حنبل عن عمر وعثمان وعلي وابن
عمر انهم قالوا يوقف المولى بعد الاربعة فأما
ان يفيء وأما ان يطلق.
وأخرج الدارقطني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه
قال سألت اثني عشر رجلا من اصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم عن رجل يولى قالوا ليس عليه
شيء حتى تمضي اربعة اشهر فيوقف فإن فاء وإلا
طلق.
قوله: "والقادر بالوطء" الخ.
أقول : الظاهر ان قوله عز وجل: {فَإِنْ
فَاءُوا} [البقرة: 226]، معناه الرجوع كما
يفيد ذلك اللغة فمعنى فاءوا رجعوا إلي ما
كانوا عليه وحللوا ما وقع منهم من اليمين
بالتكفير عنها وذلك أمر يكفي فيه العزم عليه
والقصد اليه ولا يعتبر وطء ولا لفظ وبهذا يعرف
أنه لا وجه لقول المصنف رحمه الله ويكلفه متى
قدر ولا إمهال الخ.
وأما قوله: "ويتقيد بالشرط" فصحيح لأنه يمينه
هذه كلام من جملة الكلام الذي يقبل التقييد
بالشرط والاستثناء ولا مانع من ذلك.
وأما كونه لا يصح التفكير الا بعدالوطء فوجهه
ان الكفارة تلزم بالحنث والمحلوف عليه هو
الوطء فلاتلزمه الكفارة الا بعد الحنث بفعل ما
حلف عليه أنه لا يفعله.
وأما قوله: "ويهدمه لا الكفارة التثليث" فلا
وجه له إذ لا مدخل للتثليث في رفع هذه اليمين
إلا أن يريد أنها لا ترافعه إذا انقضت الاربعة
الاشهر وقد صارت مثلثة فهذا صحيح لأنه
(1/448)
هنا قد حرم
وطؤها بسبب آخر وهو التثليث فليس لها المطالبة
بشيء قد صار محرما عليها وعلى زوجها.
فإن قيل انها تطالبه بأن يفيء باللفظ لترفتع
الغضاضة عنها فقد عرفناك ان الفيء الرجوع إلي
النكاح وقد ارتفع فلا يصح الرجوع اليه الا بعد
ان تنكح زوجا غيره ومتى رجعت اليه بعد نكاح
غيره فوطئها لزمته الكفارة.
وما أقل جدوى هذا الانهدام الذي ذكره المصنف
لا سيما مع اعترافه بأنها لاتنهدم الكفارة
وأما قوله: "والقول لمنكر وقوعه ومضى مدته
والوطء" فظاهر لأن الاصل عدم هذه الثلاثة
فالقول لمنكرها وعليه اليمين وعلى مدعيها
البينة.
وأما قوله: "وسنة ثم سنة إيلاءان" فلا وجه له
بل هو إيلاء واحد تعلقت به تلك اليمين فلا فرق
بين قوله سنة ثم سنة وبين قوله سنتان نعم إذا
قال والله لا وطئتك هذه السنة ثم قال والله لا
وطئتك السنة التي بعدها كان ذلك إيلائين
فترافعه في السنة الأولى بعد مضي اربعة اشهر
وكذلك في السنة الثانية.
(1/449)
[
باب اللعان
يوجبه رمي مكلف مسلم غير اخرس لزوجة مثله حرة
ممكنة الوطء تحته عن نكاح صحيح أو في العدة
بزنا في حال يوجب الحد ولو قبل العقد أو نسبة
ولده منها إلي الزنا مصرحا قيل ولو بعد العدة
وثم إمام ولا بينة ولا اقرار فيهما ومنه يا
زانية].
قوله: باب : "اللعان فصل يوجبه" الخ.
أقول : المراد بالايجاب التسويغ والجواز مع
ثبوت ذلك ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعظ
الملاعنين ويخوفهما من الاقدام عليه.
وأما اشتراط كون الزوج مكلفا مسلما فلما تقدم
غير مرة.
وأما كونه غير اخرس فلكون اللعان لا يكون الا
باللفظ لا بالاشارة ولا بالكناية.
وأما اعتبار كون الزوجة مثل الزوج فلأنها تحلف
كما يحلف وتثبت ما ينفي الزوج وتنفي ما يثبت
وذلك لا يكون الا من مكلفة مسلمة غير خرساء.
وأما اشتراط ان تكون الزوجة حرة فلكون ذلك
مورد النص ولكن المفسدة كائنة في الامة كالحرة
والأحكام تدور بدوران عللها.
وأما كونها ممكنة الوطء فلأن اللعان لا يكون
الا بالرمي بالزنا أو النفي للولد وهو يستلزم
الزنا فن كانت رتقاء أو عذراء فلا يتيسر ذلك
منها.
(1/449)
وأما كونها
تحته عن نكاح صحيح فلا وجه له بل يكفي ان تكون
تحته عن نكاح شبهة يوجب لحوق النسب لأن ذلك هو
المقتضى للعان ومعلوم ان نفي اللاحق بشبهة
يترتب عليه من الفائدة ما يترتب على نفي
اللاحق بنكاح صحيح.
وأما قوله: "في العدة" فصحيح لأن لحوق الولد
به في العدة ثابت لثبوت الفراش فالغرض باللعان
موجود وهو نفي الولد.
وأما قوله: "بزنا في حال يوجب الحد" فهذا صحيح
إن كان الغرض من اللعان دفع الحد وأما إذا كان
الغرض منه نفي الولد فهذا صحيح وإن كان الحد
ساقطا لشبهة كما تقدم واضافة الزنا منها إلي
قبل عقده بها صحيح لان الغرض الذي يكون لاجله
اللعان موجود.
وهكذا يقوم مقام رميه بالزنا نسبة ولده منها
إلي الزنا لأن ذلك يستلزم الزنا.
وأما قوله: "ولو بعد العدة" فإنما يتم إذا كان
الولد لاحقابه بعدها لا إذا لم يلحق به فلا
فائدة في اللعان وأما أعتبار ان يكون في
الزمان إمام فلا وجه لذلك بل الصالح لتنفيذ
أحكام الله سبحانه من هذه لامة يقوم بما تقوم
به الائمة في جميع الامور من غير فرق بين
الحدود وغيرها كما تدل على ذلك الايات
القرآنية والاحاديث النبوية.
وأما قوله: "ولا بينة ولا إقرار فيهما" فصحيح
لأن اللعان إنما يصح مع التناكر والتدافع وأما
قوله: "ومنه يا زانية" فلا حاجة اليه بعد قوله
بزنى.
[ فصل
ويطلبه الزوج للنفي وإسقاط الحق وهي للنفي
والقذف فيقول الحاكم بعد حثهما على التصادق
فامتنعا قل والله إني لصادق فيما رميتك به من
الزنا ونفي ولدك هذا اربعا ثم تقول والله إنه
لمن الكاذبين في رميه ونفيه كذلك والولد حاضر
مشار اليه فإن قدمها اعاد ما لم يحكم ثم يفسخ
ويحكم بالنفي إن طلب فيسقط الحد وينتفي النسب
وينفسخ النكاح ويرتفع الفراش ويحرم مؤبدا لا
بدون ذلك مطلقا ويكفي لمن ولد بعده لدون ادنى
الحمل ويصح الرجوع عن النفي فيبقى التحريم فإن
رجع بعد موت المنفي لم يرثه قبل وإن لحقه ولده
ولا نفي بعد الاقرار أو السكوت حين العلم به
وإن له النفي ولا بدون حكم ولعان ولا لمن مات
أو أحد ابويه قبل الحكم ولا لبعض بطن دون بعض
ولا لبطن ثان لحقه بعد اللعان ويصح للحمل إن
وضع لدون ادنى مدته لا اللعان قبل الوضع. وندب
تأكيده بالخامسه والقيام حاله وتجنب المسجد].
(1/450)
قوله: فصل:
"ويطلبه الزوج" الخ.
أقول : الطلب من كل واحد منهما يكون لاحد
غرضين أولهما معا الأول انتفاء نسب الولد من
الزوج وغرض الزوج من ذلك أنه لا يلحق به من هو
من غيره وغرضها ان يكون ابنا لها على
الاستقلال.
الثاني دفع الحد فغرض الزوج باللعان ان لا يحد
حد القذف وغرضها ان لا تحد حد الزنا.
وأما كون من أغراض الزوج إسقاط الحق من نفقة
عدة ونحوها فذلك لا يتم الا على القول بوجوب
النفقة ونحوها لكل مطلقة رجعيا كان أو بائنا
وقد عرفت ما قدمنا من أنه لا نفقة ولا سكنى
للمطلقة بائنا فالزوج يمكنه ان يسقط عن نفسه
ذلك بطلاق بائن من غير اقتحامه لهذه العقبة
الكوود.
قوله: "فيقول الحاكم بعد حثهما على التصادق".
أقول : قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في
الصحيحين وغيرهما أنه قال لهما: "إن عذاب
الدنيا اهون من عذاب الاخرة" وثبت عنه صلى
الله عليه وسلم في الصحيحين [البخاري "5312"،
مسلم "1493"]، وغيرهما [أبو داود "2257"،
النسائي "6/177"، أحمد "4587"]، أنه قال لهما:
"الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟".
وأما قوله: "قل: والله إني لصادق فيما رميتك
به من الزنا" فقد علمنا الله سبحانه كيف يقول
المتلاعنان فلا حاجة إلي الزيادة على ذلك ولا
في إحضار الولد.
وأما قوله: "فإن قدمها أعاد ما لم يحكم" فوجهه
أن القرأن قدم إيمان الزوج على إيمان الزوجة
فتقديمها مخالف لما علمنا الله به وأرشدنا
إليه وهكذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في اللعان الواقع لديه الرجل على المراة وأيضا
قولها والله إنه لكاذب جواب عن قوله إنه لصادق
والجواب لا يتقدم على ما هو جواب عليه.
قوله: "ثم يفسخ ويحكم بالنفي".
أقول : قد ثبت في الصحيحين وغيرهما ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال للزوج: "لا سبيل لك
عليها" وفي الدارقطني من حديث سهل بن سعد أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق بين
المتلاعنين وقال: "لا يجتمعان أبدا"، وهكذا
روى من حديث ابن عباس [أبو داود "2256"]، ومن
حديث علي وابن مسعود.
وأما نفي الولد فثبت في الصحيحين [البخاري
"5315"، مسلم "8/1494"، وغيرهما [أبو داود
"2259"، الترمذي "1203"، النسائي " 6/178"،
أحمد "2/7، 38، 64، 71"]، من حديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين
والحق الولد بالمرأة.
وأما ما ذكره من سقوط الحد فلا ينبغي ان يقع
فيه خلاف لأن ذلك هو موجب اللعان وهكذا كونه
ينفي النسب لأن ذلك موجب اللعان أيضا وهكذا
كونه ينفسخ النكاح بمجرد اللعان لقوله صلى
الله عليه وسلم: "لا سبيل لك عليها".
(1/451)
وأما ما ثبت في
الصحيحين [البخاري "5308"، مسلم "1492"]، من
ان عويمرا العجلاني لما فرغا من اللعان قال
كذبت عليها يا رسول الله إن امسكتها فطلقها
ثلاثا قبل أن يامره رسول الله صلى الله عليه
وسلم فليس في ذلك حجة الا أنه ثبت في الصحيحين
وغيرهما عن الزهري أنه قال فكانت سنة
المتلاعنين وفي الصحيحين وغيرهما أيضا أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذاكم التفريق
بين كل متلاعنين"، وفي لفظ لمسلم وغيره أحمد
"وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين".
وأخرج أبو دأود بإسناد رجاله رجال الصحيح عن
سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال: فطلقها
ثلاث تطليقات فانفذه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه
وسلم سنة والحاصل أنه قد ثبت أن النبي صلى
الله عليه وسلم فرق ما بينهما قبل الطلاق كما
تقدم فالفرقة بتفريق الحاكم مغنية عن الطلاق
فإن وقع الطلاق فذلك تأكيد للقرعة ولا تتوقف
الفرقة عليه وإنما نسبه إلي السنة لكونه وقع
بحضرته صلى الله عليه وسلم ولم ينكره.
وأما كونه يرتفع الفراش فلكونها قد حرمت عليه
تحريما مؤبدا كما تقدم عنه صلى الله عليه وسلم
بلفظ: "لا يجتمعان أبدا".
وأما قوله: "لا بدون ذلك مطلقا" فصحيح لكونه
لم يكمل السبب.
وأما قوله: "ويكفي عن ولد بعده" الخ فلكونه
حملا واحدا لا يصح النفي لبعضه دون البعض.
قوله: "ويصح الرجوع عن النفي" الخ.
أقول : الرجوع عن النفي رجوع عن اللعان وإقرار
ببطلان أيمانه وأنه مفتر عليها وقاذف لها فبطل
اللعان من اصله ولا يبقى شيء من أحكامه لا
تحريم ولا غيره ولا فرق بين ان يرجع قبل موت
الولد أو بعده وتجويز ان يكون رجوعه طمعا في
الميراث لا يدفع ما هو الظاهر فيرثه ويلحقه
ولده.
وأما كونه لا يصح نفي الولد بعد الاقرار فظاهر
لان الاقرار يكذب النفي.
وأما مجرد السكوت مع علمه بأن له النفي فلا
وجه لجعله مبطلا لان له حقا في النفي لا يبطل
الا بابطاله باقرار صحيح أو ما يقوم مقامه.
وأما قوله: "فلا يصح النفي بدون حكم ولعان"
فلكون الطريق الشرعية إلي ذلك هو اللعان فمن
جاء من طريق غيرها فقد جاء بخلاف الشرع.
وأما قوله: "ولا لمن مات أو أحد ابويه قبل
الحكم" فلا وجه له بل إذا أمكن اللعان فالسبب
الذي يكون به النفي موجود سواء كان الولد حيا
أو ميتا وأما إذا كان الميت أحد الزوجين قبل
أن يقع اللعان فقد بطل السبب وهو اللعان
بموته.
(1/452)
وأما إذا مات
بعد اللعان قبل الحكم فقد حصل السبب وهو
اللعان لأنه فرقة بمجرده كما تقدم ولو كان
الحكم شرطا لما كانم موت احدهما مانعا له لأنه
يمكن الحاكم ان يحكم بعد موت احدهما بما
يقتضيه اللعان من نفي الولد.
وأما قوله: "ولا لبطن ثان لحقه بعد اللعان"
فلا وجه له لانها قد حرمت عليه ابدا فلا يمكن
بعد ذلك ثبوت الفراش وقد صرح فيما تقدم بأنه
يرتفع الفراش وعرفناك ان التحريم المؤبد
وارتفاع الفراش يحصلان بمجرد اللعان سواء وقع
الحكم من الحاكم ام لا.
وأما قوله: "ويصح للحمل إن وضع لدون أدنى
مدته" فلا وجه لهذا التقييد بل يصح للحمل مهما
كان ممكنا ان يكون للفراش الذي كان بينهما.
وأما قوله: "لا اللعان" فوجهه أنه قد يكون غير
حمل لعلة من العلل ولا وجه لهذا لأن مرجع
اللعان هو ان يشاهدها تزني فإن وقع له ذلك
لاعنها ونفى ولدها إن وجد ولا يضره إن لم
يوجد.
والحاصل ان هذه مسائل مظلمة لم يدل عليها دليل
ولا كانت مبنية على رأي معقول.
قوله: "وندب تأكيده بالخامسة".
أقول : الخامسة منصوص عليها في الكتاب العزيز
وأمر بها صلى الله عليه وسلم في اللعان الواقع
لديه فلها حكم الاربع الشهادات ولا يبعد ان
تكون آكد منها ويدل على ذلك قوله صلى الله
عليه وسلم: "إنها الموجبة"، فإن هذا يشعر بأن
تمام اللعان وصحته وإبجابه لما يوجبه يتوقف
عليها فكان الأولى الحكم عليها بما يدل على
انها آكد من الاربع الشهادات وأدخل منها في
اقتضاء حكم اللعان.
وأما قوله والقيام حاله فيرشد اليه ما وقع في
وصف اللعان الواقع بين يديه صلى الله عليه
وسلم أنه قام الرجل فقال: وقامت المرأة فقالت.
وأما قوله: "ويجنبه المسجد" فلا وجه له بل هو
خلاف ما روى من وقوع اللعان بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد عند المنبر
(1/453)
[
باب الحضانة
الأم الحرة أولى بولدها حتى يستغنى بنفسه أكلا
وشربا ولباسا ونوما ثم امهاتها وإن علون ثم
الاب الحر ثم الخالات ثم امهات الاب وإن علون
ثم امهات أب الام ثم الاخوات ثم بنات الخالات
ثم بنات الاخوات ثم بنات الاخوة ثم العمات ثم
بناتهن ثم بنات العم ثم عمات الاب ثم بناتهن
ثم بنات اعمام الاب ويقدم ذو السببين ثم ذو
الام وينتقل من كل إلي من يليه بالفسق والجنون
ونحوه والنشوز والنكاح الا بذي رحم له "م"
وتعود بزوالها ومضى
(1/453)
عدة الرجعى فإن
عدمن فالاقرب الاقرب من العصبة المحارم ثم من
ذوي الرحم المحارم ثم بالذكر عصبته غير محرم
ثم من ذوي رحم كذلك].
قوله: باب : "الحضانة الام الحرة أولى
بولدها".
أقول : قال الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 232] فجعل
الرضاع اليهن واثبت الحق لهن لا ينزع ذلك عنهن
نازع الا مع التعاسر كما في قوله عز وجل:
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ
أُخْرَى} [الطلاق: 2].
ويؤيد ثبوت الحق لهن وتقديمهن على غيرهن قوله
صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم
تنكحي"، وهو حديث حسن لا مطعن في إسناده
ويؤيده حديث: "لا توله والدة بولدها" وستأتي
الاحاديث الدالة على المنع من التفريق ولا
يزال الحق ثابتا للأم حتى يبلغ الصبي إلي سن
الاستقلال فإذا بلغ ذلك ووقع النزاع بين الام
والاب كان العمل على حديث تخيير الصبي الذي
أخرجه أحمد وابو دأود والترمذي وحسنه وابن
ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال للغلام: "هذا أبوك
وهذه أمك فاتبع أيهما شئت"، فتبع أمه فالجمع
بين الحديثين ظاهر مكشوف ولا ينافي ذلك كون
الاب اعرف بمصالح المعاش وادرى بما فيه
المنفعة للصبي في حاله وماله فإن النظر منه في
ذلك ممكن مع كون الصبي عند امه وفي حضانتها
ولا وجه لرد الاحاديث بمجرد هذا الخيال ثم لا
فرق بين الحرة والامة لعموم الأدلة
ولاستوائهما في الحنو على الصبي ورعاية ما
يصلحه ودفع ما يضره فإن لم يقع الاختيار من
الصبي أو تردد في الاختيار وجب الرجوع إلي
الاقراع بينهما لثبوت ذلك في حديث أبي هريرة
عند أبي شيبة بلفظ: "استهما فيه" وصححه ابن
القطان.
قوله: "ثم امهاتها وإن علون".
أقول : ليس على هذا دليل الا مجرد القياس على
الامهات وغيره من طرق النص الذي لا يجوز معه
التعلق بالاقيسة وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
"الخالة أم" ، [البخاري "2699"]، قال ذلك عند
وقوع التخاصم في الحضانة فإذا عدمت الأم أو
بطل حقها فالخلالة أقدم من الجدات وهي مع الأب
كالام معه يثت بينهما التخيير للصبي والاستهام
عليه ولم يأت من خالف هذا بشيء يعول عليه أو
يصلح للرجوع اليه.
وأما قوله: "ثم أمهات الأب" إلي آخر المعدودات
فلا دليل على شيء من ذلك بل مجرد رأي بحت وجهه
النظر إلي من هو مظنة للحنو على الصبي.
والحاصل ان الحق في الحضانة للأم ثم للخالة
فإن عدما فالأب أولى بولده يضعه حيث يشاء من
قرائبه أو غيرهن وإذا وقع النزاع بينه وبين
الام أو الخالة كان الحكم ما تقدم في الاحاديث
كما بينا وإذا كان الاب لا يحسن حضانة ولده أو
ليس ممن يقوم برعاية مصالحه كان للحاكم أن
يعين من يحضنه من قرائبه أو غيرهن وهكذا إذا
كان الاب غير موجود.
(1/454)
وما ذكره من
تقديم ذوي النسبين على ذوي النسب ومن تقديم
ذوي الام على غيرهم فوجهه ما قدمنا من تقديم
من هو مظنة للحنو والحياطة.
قوله: "وينتقل من كل إلي من يليه بالفسق".
أقول : ليس على هذا دليل فإن العدالة معتبرة
فيما اعتبره الشرع لا في كل أمر من الامور
واعتبارها في هذا الموضع حرج عظيم وتعسير شديد
فان غالب النساء التسأهل في كثير من الامور
الدينية ولو كانت العدالة معتبرة فيهن ومسوغة
لنزع أولادهن من ايديهن لم يبق صبي بيدامه الا
في اندر الاحوال وأقلها فيكون في ذلك اعظم
جناية على الصبيان بنزعهم عمن يرعى مصالحهم
ويدفع مفاسدهم وجناية أيضا على الام بتولها
بولدها والتفريق بينها وبينه ومخالفة لما عليه
أهل الإسلام سابقهم ولاحقهم.
وأما انتقال الولاية بالجنون فظاهر لأنها لا
تقدر على تدبير نفسها فضلا عن ان تقدر على
تدبير غيرها وأيضا يخشى على الصبي ان تدعه
يموت جوعا وعطشا أو تهلكه عند ثوران جنونها
واستحكام تخليطها.
وأما النشوز فلا وجه لجعلها من أسباب الانتقال
ولا مقتضى لذلك بل حقها ثابت بالنص فلا يسقطه
الا مسقط شرعي بدليل مرضي.
وأما الانتقال بالنكاح فلقوله صلى الله عليه
وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي".
وقوله: "إلا بذي رحم له" يدل عليه قصة التنازع
في ابنة حمزة فإن النبي صلى الله عليه وسلم
حكم بها للخالة كما تقدم وهي كانت تحت جعفر بن
أبي طالب ولم يجعل نكاحها بذي رحم للصبي وهو
جعفر عم الصبية مبطلا لحقها.
وأما القول بأنه يعودالحق للمرضعة بزوال سبب
الانتقال فصحيح لأن المانع قد زال فلم يبق وجه
لجعله مانعا بعد زواله.
وأما قوله: "فإن عدمن فالأقرب الاقرب" الخ
فليس ذلك وجه بل ينبغي الرجوع إلي حاكم الشرع
فيضعه عند من رأى فيه صلاحا من هؤلاء فإن كان
غيرهم اصلح منهم وضعه عنده إذ لا حق لهؤلاء في
الحضانة ولا ورد بذلك دليل يرجع اليه.
[ فصل
وللأم الامتناع إن قبل غيرها وطلب الأجرة لغير
ايام اللبإ ما لم تبرع وللأب نقله إلي مثلها
تربية بدون ما طلبت وإلا فلا والبينة عليه
وليس للزوج المنع من الحضانة حيث لا أولى منها
وعلى الحاضنة القيام بما يصلحه لا الاعيان
والرضاع يدخل تبعا لا العكس
(1/455)
وتضمن من مات
لتفريطها عالمة غالبا وإلا فعلى العاقلة ولها
نقله إلي مقرها غالبا والقول لها فيما عليه].
قوله: "وللأم الامتناع إن قبل غيرها".
أقول : الحق لها كما تقدم ولها تركه متى شاءت
وعليها حق للطفل فلا يجوز لها ان تتركه في حال
يتضرر بتركه فيها ومن جملتها عدم قبول الصبي
لغيرها.
وأما الأجرة فقد صوغها لها القرآن الكريم قال
الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].
وأما استثناء ايام اللبإ فلا وجه له لأن الله
سبحانه اطلق استحقاق الأجرة ولم يقيده بما
يخرج هذ الايام وتعليلهم ذلك بأن الصبي لا
يعيش بدونها باطل فكم من صبي تموت امه في
النفاس ولم يرضع منها ويعيش بلبن غيرها من
النساء بل ولبن غيرهن وكم من امرأة تضع ولا
لبن لها ولا يرى فيها اللبن الا بعد أيام
فيرضع الصبي في هذه ايام اللبإ من لبن غيرها
وهذا معلوم يعرفه كل احد.
قوله: "وللأب نقله إلي مثلها تربية بدون طلب".
أقول : الله سبحانه قد أمر الازواج بان بعطوهن
اجورهن فقال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ} [الطلاق: 6]، وأوجب ذلك على
الزوج بالامر القرأني وأكد ذلك بقوله:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:
233]، ولفظ على ظاهر في الوجوب فان كانت الام
راضية بالأجرة المتعارفة المتوسطة في عرف
الناس فليس له نقل الرضيع إلي غيرها وإن تبرع
الغير بإرضاعه بدون أجرة فضلا عن ان يرضى بدون
ما رضيت الام وقد اخبرنا صلى الله عليه وسلم
بأن الامهات احق بأولادهن وأوجب لهن الأجرة
فنزعهم عنهن مخالف للقرآن والسنة وظلم بين فإن
طلبت فوق الأجرة المتعارفة وكان الزوج يتعاسر
ذلك فلا بأس بأن ينقله منها لقول الله عز وجل:
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ
أُخْرَى} [الطلاق: 6].
وبهذا تجتمع الأدلة وتجرى على نمط واحدة
ويوافق بعضها بعضا ومما يومئ إلي هذا الجمع
الذي ذكرناه قوله عز وجل: {وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:
233], فإن تقييد ذلك بالمعروف مشعر بأنه الذي
على الزوج لها فليس عليه ان يزيد عليه ولا
عليها ان ترضع بدونه ويوميء إلي ذلك أيضا لفظ
التعاسر المذكور في الاية.
وأما قوله: "وليس للزوج المنع من الحضانة" الخ
فمبني على أنه لم يوجد غيرها فإن وجد من يرضعه
لم يتعين الوجوب عليها وجاز للزوج منعها من
ذلك لوجوب طاعتها له في غير معصية الله.
وأما قوله: "وعلى الحاضنة القيام بما يصلحه"
فمعلوم لا يحتاج إلي النص عليه لأن ذلك هو
معنى الحضانة وأما الاعيان التي يحتاج اليها
الرضيع فذلك على أبيه وقد أوجب الله عليه
أجرتها فضلا عما يحتاج اليه ولده.
(1/456)
وأما قوله:
"والرضاع يدخل تبعا" فمن هذيان المفرعين.
وأما كونها من مات لتفريطها عالمة فمعلوم لأن
ذلك جناية توجب الضمان ومع عدم العلم هي قاتلة
خطأ والكلام فيها كالكلام على قاتل الخطا
وسيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله: "ولها نقله إلي مقرها".
أقول : هذا اقتضاه إثبات اخصيتها به بالنص
النبوي فلها ان تنقله إلي مقرها ولا سيما إذا
كان عليها ضرر في بقائها في غير مقرها وقد
كانت الحواضن الاجنبيات في أيام النبوة وأيام
الصحابة ينقلن الاطفال المدفوعين اليهن للرضاع
إلي مساكنهن وقرى قومهن ومن جملة من وقع له
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن حليمة
السعدية لما استرضعت له نقلته إلي دار قومها
وإذا جاز هذا للأجنبيات مع عدم ثبوت الحق لهن.
فكيف لا يجز للأمهات ومن يلتحق بهن مع ثبوت
الحق لهن.
وأما قوله: "والقول لها فيما عليه" فخروج عن
مقصود الباب والحكم فيه ان على المدعى البينة
وعلى المنكر اليمين لأن كون الاب هو القائم
بمصالحه يقوى كون ما عليه له وكونه في يد الام
يقوى كون ما عليه لها وسيأتي بسط الكلام في
هذا في الدعأوي إن شاء الله.
[ فصل
ومتى استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم
بالانثى وبهما حيث لا اب فإن تزوجت فمن يليها
فإن تزوجن خير بين الام والعصبة وينقل إلي من
اختار ثانيا].
قوله: فصل : "ومتى استغنى بنفسه فالاب أولى
بالذكر والام أولى بالانثى".
أقول : هذا رجوع إلي مجرد الرأي وعمل
بالاستحسان مع قطع النظر عن الأدلة والواجب
على المتشرع العمل بالدليل وترك القال والقيل
وقد قدمنا حديث التخيير وان النبي صلى الله
عليه وسلم قال لصبي: "هذا أبوك وهذه أمك فاتبع
أيهما شئت"، وقدمنا أيضا حديث الاستهام ويعضد
ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي عن عبدالحميد بن
جعفر الانصاري ان جده اسلم وأبت امرأته ان
تسلم فجاء بابن صغير له لم يبلغ وفي رواية
انها صبية فاجلس النبي صلى الله عليه وسلم
الاب ها هنا والام ها هنا وخيره وقال: "اللهم
اهد قلبه"، فمال إلي أمه, فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: "اللهم اهده"، فمال إلي أبيه
فأخذه.
فهذا التخيير وقع بين ابوين احدهما مسلم
والاخر كافر وفي الحديث الأول وقع بين ابوين
مسلمين ومعلوم ان مصير الصبي أو الصبية إلي يد
الكافر فيه عند أهل الرأي مفسدة اعظم من
المفسدة المجوزة إذا صار الذكر إلي الام
المسلمة أو الانثى إلي الاب المسلم لأن اعظم
ما يخشى على الصبي الصائر إلي الكفار أو
الكافرة ان يرغباه في دينهما ويحبباه إليه
ولهذا ورد في الصحيح
(1/457)
[البخاري
"1292- 1293"]، "ولكن أبواه يهودانه
وينصرانه"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
لم يراع في حكمه الذي هو الشرع الواجب قبوله
على كل مسلم مثل هذه المصلحة والمفسدة فكيف
ساغ لأهل الرأي المتلاعبين بالأدلة ان يؤثروا
ما هو دونها بمراحل على الدليل الواضح الظاهر
فانظر إلي شؤم الرأي وما يجلبه على أهله.
وأما قوله: "فإن تزوجت فمن يليها" فذلك معلوم
فإن انتقالها إلي من له حق في الحضانة وهي
الخالة ثم الاب كما قدمنا أولى من انتقاله إلي
من لا حق له وقد عرفناك ان الحاكم يعين
باجتهاده مع الاختلاف أو مع عدم من له الحق من
يرى فيه صلاحا.
وأما قوله: "فإن تزوجن خير بين الام والصعبية"
فلا وجه له بل حق الام قد بطل بالنكاح ولا حق
للعصبة في الحضانة فيرجع في تعيين من يرضعه
إلي الحاكم فهو أولى برعاية المصالح.
وأما قوله: "وينقل إلي من اختار ثانيا" فوجه
ذلك أنه قليل التمييز ولكن قد جعل الشارع
الاختيار موجبا لثبوت الحق لمن اختاره فكونه
يبطل باختيار آخر يخالفه محتاج إلي دليل.
(1/458)
[
باب النفقات
فصل على الزوج كيف كان لزوجته كيف كانت
والمعتدة عن موت أو طلاق أو فسخ الا بحكم
غالبا أو لامر يقتضى النشوز ذنب أو عيب
كفايتها كسوة ونفقة وإدأما ودواء وعشرة دهنا
ومشطا وسدرا وماء ولغير البائنة ونحوها منزلا
ومخزنا ومشرفة تنفرد بها والاخدام في التنظيف
بحسب حالهما فإن اختلفا فبحاله يسرا وعسرا
ووقتا وبلدا الا المعتدة عن خلوة والعاصية
بنشوز له قسط ويعود المستقبل بالنوبة ولو في
عدة البائن ولا يسقط الماضي بالمطل ولا
المستقبل بالابراء بل بالتعجيل ولا تطلب إلا
من مريد الغيبة في حال وهو تمليك في النفقة
غالبا الا الكسوة ولا يتبرع الغير إلا عنه ولا
رجوع وينفق الحاكم من مال الغائب مكفلا
والمتمرد ويحبسه للتكسب ولا فسخ ولا تمتنع منه
مع الخلوة إلا لمصلح والقول لمن صدقته العدلة
في العشرة والنفقة ونفقتها على الطالب
وللمطيعة في نفي النشوز الماضي وقدره وفي غير
بينة بإذنه في الانفاق قيل ومطلقة ومغيبة
وتحلف].
قوله: باب : "النفقات فصل يجب على الزوج كيف
كان لزوجته كيف كانت".
أقول : قد ثبت الاجماع على وجوب نفقة الزوجات
على الازواج ولم يرد في ذلك خلاف والأدلة على
ذلك كثيرة منها حديث معأوية القشيري عند أبي
دأود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان
وصححه أيضا الدارقطني في العلل قال:
(1/458)
أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تقول في نسائنا؟
قال: "أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون
ولا تضربوهن ولا تقبحوهن".
وفي لفظ من حديثه هذا عند أحمد وأبي دأود وابن
ماجه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم
سأله رجل ما حق المرأة على الزوج؟ قال:
"تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت".
ومنها ما في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "ابدأ
بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل
عن أهلك شيء فلذوي قرابتك".
ومنها حديث عائشة في الصحيحين [البخاري
"5364"، مسلم "5/5، 5/3"]، وغيرهما أبو داود
"3533"، النسائي "8/246، 247"، أحمد "6/39،
50، 206"]: أن هندا قالت: يا رسول الله إن أبا
سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي
إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم قال: "خذي ما
يكفيك ووندك بالمعروف".
قوله: "والمعتدة عن موت أو طلاق أو فسخ".
أقول : أما المطلقة رجعيا فقد قدمنا ما يدل
على وجوب النفقة لها والسكنى وأما المطلقة
ثلاثا فحديث فاطمة بنت قيس نص في محل النزاع
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في
المطلقة ثلاثا: "ليس لها نفقة ولا سكنى"، وهو
في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وقال لها أيضا:
"إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها
عليها الرجعة" وقد تقدم.
وأما المخالعة فقد قدمنا ان الخلع فسخ وقد
قدمنا ان العدة فيه حيضة وقدمنا أيضا أنه لا
نفقة لها.
وأما المعتدة عن وفاة فقد قدمنا أيضا لا نفقة
لها ولا سكنى وذكرنا الأدلة هنالك.
وأما المعتدة عن فسخ فقد قدمنا أيضا عند قوله
وأما عن فسخ من حينه فكالطلاق البائن ما يغني
عن تكريره هنا. فالحاصل انها لا تجب النفقة
للمعتدة إلا إذا كانت حاملا لقوله عز وجل:
{فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، أو كانت مطلقة
طلاقا رجعيا وقد تقدم تحقيق هذا في مواطنه بما
لا يحتاج إلي زيادة.
وأما ما ذكره من تنويع الفسخ إلي ما هو بحكم
وبغير حكم ولأمر يقتضى النشوز ولأمر لا يقتضى
النشوز فليس على ذلك أثارة من علم وليس في
جميع ذلك عدة بل يجب الاستبراء فقط الحائض
بحيضة والحامل بوضع الحمل إلا ما ورد فيمن
عتقت خيرت وقد قدمنا الكلام عليه وعلى الجمع
بين الأدلة عند قوله وأما عن فسخ من حينه
فكالطلاق البائن.
وأما قوله: "كفايتها كسوة ونفقة وإداما" فصحيح
مع التقييد بقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ}
[الطلاق: 7].
(1/459)
وأما إيجاب
الدواء فوجهه ان وجوب النفقة عليه هي لحفظ
صحتها والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها.
وأما قوله: "وعشرة دهنا ومشطا وسدرا وماء"
فليس في هذه الامور دليل يدل على أنها تلزم
الزوج ولا هي مما تدعو اليه الضرورة.
وأما قوله: "ولغير البائنة ونحوها" الخ فقد
قدمنا لك انها لا تجب السكنى الا للمطلقة
رجعيا فقط.
وأما قوله: "والاخدام في التنظيف" فليس في
الأدلة ما يدل على إيجاب ذلك على الزوج وإن
كان مما يدخل حسن العشرة وتحت الامساك بمعروف
وتحت قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ
بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ولكن ليس ذلك بحتم
على الزوج على تقدير ان الزوجة ممن تعتاد ذلك.
قوله: "بحسب حالهما وإن اختلفا فبحسب حاله"
الخ.
أقول : الوجوب على الزوج فينبغي ان يكون
الاعتبار بحاله وهو المخاطب ولقوله عز وجل:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا
آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، فإذا كان الزوج
موسعا عليه انفق نفقة موسعة وإن كان مضيقا
عليه انفق بحسب قدرته وما تبلغ إليه استطاعته
وليس عليه غير ذلك ولا اعتبار بحال المرأة
أبدا فإذا كان مضيقا عليه وهي من أهل الرفاهية
وممن يعتاد التوسع في المطعم والمشرب ونحوهما
توسعت من مال نفسها إن كان لها مال وإلا صبرت
على ما رزق الله زوجها فهو القابض الباسط.
والحاصل ان الانفاق يكون بالمعروف كما أرشد
اليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف"، والمعروف بين أهل الغنى
والسعة وبين أهل الفقر والشدة لا يخفى على من
له خبره بأحوال الناس في مصره وعصره.
وأما قوله: "إلا المعتدة عن خلوة" ففيه ما
قدمنا في العدة وهم يوجبون نفقة البائنة فهذه
إن كانت بائنة كما ذكروا فيما سبق ان رجعية ما
كان بعد وطء على غير عوض مال وبائنة ما خالفه
فما بالها لم تجب نفقتها كسائر البائنات وإن
كان طلاقها رجعيا لا بائنا فالرجعية قد أوجبوا
لها النفقة والسكنى وأوجبهما لها الدليل وقد
جعلوا الخلوة موجبة للمهر فما بالها لم توجب
النفقة.
قوله: "والعاصية بنشوز له قسط".
أقول : لم يرد في الأدلة ما يدل على ان الزوجة
إذا عصت زوجها سقطت نفقتها ويمكن ان يقال إن
الله سبحانه قد أمرهن بالطاعة وبالغ النبي صلى
الله عليه وسلم في ذلك غاية المبالغة حتى قال:
"لو جاز السجود لغير الله لامرت الزوجة ان
تسجد لزوجها" [الترمذي "1159"] ثم ورد تقييد
عدم البغي عليهن بالطاعة كما في قوله: {فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً} [النساء: 34]، فإذا حصلت المعصية
منها لزوجها جاز له أن يعاقبها بقطع النفقة
حتى تعود إلي طاعته لانها تركت ما هو حق عليها
من الطاعة فجاز له ان يترك ما هو حق عليه من
النفقة.
(1/460)
وأما ما ذكره
انها تعود بالتوبة فظاهر لارتفاع المانع فلا
يبقى له حكم المنع بعد ارتفاعه.
قوله: "ولا يسقط الماضي بالمطل".
أقول : وجهه انها قد وجبت نفقة الزوجة على
زوجها بالنص والاجماع فمن ادعى أنه إذا مطلها
وعصى الله بمطلها وخالف ما أوجبه الله عليه
يكون ذلك مسقطا لما هو واجب عليه بيقين فقد
ركب شططا وقال غلطا وأخذ بطرف من تحسين الكلام
وترويق العبارة كما فعله ابن القيم في الهدى
وتابعه على ذلك من اطلع على كلامه ثم هذه
المراة المسكينة الممطولة مما فرضه الله لها
وجعله حقا على زوجها لا يخلو أما ان تنفق على
نفسها في أيام المطل من مالها وذلك مما لم
يوجبه الشرع عليها على تقدير ان لها مالا أو
تنفق على نفسها دينا من مال غيرها فكيف يجب
عليها قضاء ما هو حق على الزوج بالشرع الواضح
والاجماع الصحيح؟.
قوله: "ولا المستقبل بالابراء".
أقول : إن استمرت على ذلك طيبة به نفسها سقط
بلا شك ولا شبهة لأنه حق لها ولا يحل مال امرئ
مسلم إلا بطيبة من نفسه وليس هو أيضا من أكل
اموال الناس بالباطل كما قال تعالي: {وَلا
تَأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، بل هو من أكل
اموال الناس بالحق.
وأيضا هو مثل ما قال الله عز وجل: {فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: 4]،
ولكنهم عللوا عدم السقوط بالابراء بعلة عليلة
فقالوا إنه إسقاط قبل الاستحقاق وليس هذا بشيء
نعم إذا لم تستمر طيبة نفسها وطلبت النفقة كان
لها ذلك من الوقت الذي تبين فيه انها لم تطب
بالابراء نفسا.
وأما ما ذكره من التعجيل فصحيح لانها قداخذت
ما تستحقه مؤجلا معجلا وذلك ادخل في الوفاء.
وأما قوله: "ولا تطلب الا من مريد الغيبة في
حال" فعدم جواز الطلب صحيح لأنه ليس عليه الا
القيام بنفقتها في كل يوم بسحب الحاجة فإن
أراد سفرا كان لها ان تطالبه بما تحتاج اليه
مدة غيبته.
وأما قوله: "وهو تمليك في النفقة لا الكسوة"
فهما مستويان ليس لها من النفقة إلا ما
استنفقته وما بقي منها فللزوج كما أنه ليس لها
من الكسوة الا ما لبسته وما بقي منها فللزوج
ولكن قواعد الرأي المبنية على غير شيء تأتي
بمثل هذا.
وأما قوله: "ولا يتبرع الغير إلا عنه" فصحيح
لأنه إذا اعطاها تبرعا من نفسه فهو متصدق
عليها ولا يسقط بهذه الصدقة عليها ما هو حق
لها وإذا تبرع عن الزوج وقبلت ذلك فقداستوفت
حقها ياختيارها ولا يلزم الزوج ذلك إلا إذا
كان عن امره وإن اسقط حقا عليه.
قوله: "وينفق الحاكم من مال الغائب".
أقول : هذا صحيح إن طلبت منه ذلك المرأة لان
الحاكم يجب عليه القيام بالتخلص مما
(1/461)
أمر الله
سبحانه به عباده من حقوق أوجبها عليهم وحق
الزوجة من جملة ذلك وهو أيضا من باب الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر لأن أهل الامر
القادرين على نهي عن المنكر احق الناسب
بالقيام به ومعلوم إن ترك الزوج لانفاق زوجته
وماله بمرأى منها ظلم عظيم ومنكر بالغ فلا
فسحة لمن يقدر على إنصافها من القيام بذلك وقد
أمر الله سبحانه الحكام ان يحكموا بالحق
والعدل وهذا من الحكم بالحق وبالعدل وكما يجب
ذلك على الحكام في حق الزوج الغائب كذلك يجب
عليهم في حق الزوج الحاضر الممتنع ما أوجب
الله عليه فيأخذ الحاكم من ماله ما يقوم بنفقة
زوجته شاء ام أبي.
قوله: "ويحبسه للتكسب".
أقول : الأولى ان يقال ويأمره بالتكسب إذا كان
يجد له مكسبا يعيش به وهو ومن يعول ولم يتركه
لعذر بل تركه بطرا أو كسلا أو ضرارا لنفسه
ولأهله كما يفعل ذلك من ابتلى بالحمق وقد ارشد
النبي صلى الله عليه وسلم إلي التكسب حتى أمر
بعض من لم يتكسب ان يبيع ما يجد ثم امره ان
يشترى فأسا ثم امره بأن يذهب ويحتطب وقال الله
عز وجل: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]، فإن أبي وصمم على
ذلك مع إمكانه وكان فيتركه ما يضره أو يضر من
يعول فلا بأس ان يمسه بعقوبة تحمله على طلب ما
فيه مصلحة له ولمن يعول ودفع مفسدة عنه وعنهم
وأي مفسدة اعظم من قعود رجل في بيته بلا عذر
وأبوب المكاسب مفتحة وأسباب الرزق منتشرة
وأطفاله يتضاغون من الجوع وامرأته المحجبة
تقاسي شدائد الفاقة وتمارس اهوال المسغبة.
قوله: "ولا فسخ".
أقول : قد ذهب الجمهور كما حكاه ابن حجر في
فتح الباري إلي ثبوت الفسخ إذا لم يجد الرجل
ما ينفق على أمراته وهو الحق لقوله عز وجل:
{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة:
231]، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
كما تقرر في الاصول وأي ضرار اعظم من ان
يبقيها في حسبه وتحت نكاحه بغير نفقة فإن هذا
ممسك لها ضرارا بلا شك ولا شبهة بل ممسك لها
مع اشد أنواع الضرار فإن قوام الانفس لا يكون
الا بالطعام والشراب ولقول الله عز وجل:
{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، فخير الازواج بين
الامرين فليس لهم فسحة في المعاملة للزوجات
باحدهما فمن لم يمسك بمعروف كان عليه التسريح
باحسان فإن لم يفعل كان على حكام الشريعة ان
يوصلوا الممسكة ضرارا بحكم الله عز وجل
فيفسخون نكاحها.
وأين الامساك بمعروف من رجل ترك زوجته في
مضايق الجوع ومتألف المخمصة وعرضها للهلاك
وحبسها عن طلب رزق الله عز وجل وأراد ان تكون
له فراشا وهي بهذه الحالة المنكرة والصفة
المستشنعة وكل من يعرف الشريعة يعلم ان هذا
منكر من منكراتها ومحرم من محرماتها ولقوله عز
وجل ولا تضاروهن وهذا من اعظم أنواع الضرار
وأشدها كما سلف.
(1/462)
وأيضا قد شرع
الله سبحانه بعث الحكمين بين الزوجين عند مجرد
الشقاق وفوض اليهما ما فوضه إلي الازواج فإذا
كان لهما التفرقة بمجرد وجود الشقاق فكيف لا
يكون لحاكم الشريعة الفسخ بعد وصول المراة
اليه تشكو اليه ما مسها من الجوع ونزل بها من
الفاقة لشديدة.
والحاصل ان بعض ما ذكرناه يصلح مستندا لفسخ
النكاح في هذه الحالة فكيف وقد أخرج الدراقطني
والبيهقي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته
قال: "يفرق بينهما" وقد اعله من اعله ودفع
الاعلال الحافظ محمد بن ابراهيم الوزير وعلى
كل حال فها هنا ما يفي عن هذا الحديث كما
عرفت.
وأما استدلال المانعين من الفسخ بقوله سبحانه:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا
آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، فيجاب عنه بأنا
لا نكلفه بان ينفق زيادة على ما آتاه بل دفعنا
الضرار عن المراة وخلصناها من حباله لتذهب
تطلب لنفسها رزق الله عز وجل بالتكسب أو تتزوج
آخر يقوم بمطعمها ومشربها.
وأما قوله: "ولا تمتنع منه مع الخلوة الا
لمصلحة" فوجهه وجوب طاعتها له وامتثال ما يامر
به ويطلبه منها إذا كان ممسكا لها بمعروف والا
كان لها الامتناع حتى تخلص من حباله.
وما ذكره من ان القول لمن صدقته العدلة فذلك
صحيح إذا حصل التناكر والاختلاف وطلبا من يرفع
إلي الحاكم بحقيقة الحال.
وأما قوله: "وللمطيعة في نفي النشوز الماضي"
فصحيح لأن الاصل عدم النشوز مع وجود الطاعة
عنها في حال الاختلاف فيكون على الزوج البينة
في إثباته وإذا اختلفا في قدر مدة النشوز
فالبينة على مدعى الزيادة لأن الاصل عدمها لا
كما قاله المصنف.
وإذا اخلتفا هل انفق عليها في الماضي ام لا فا
كانت في بيته فالقول قوله لأنها تدعى خلاف
الظاهر وإن لم تكن في بيته فالقول قولها وإنما
قيده المصنف بالاذن لانها إذا كانت في بيته
بغير إذنه فذلك بمجرده نشوز وإذا كانت مطلقة
أو كان زوجها غائبا فالقول قولها لأن الاصل
عدم الانفاق مع يمينها والبينة على الزوج.
[ فصل
ونفقة الولد غير العاقل على أبيه ولو كافرا أو
معسرا له كسب ثم في ماله ثم على الام قرضا
للأب والعاقل المعسر على ابويه حسب الارث إلا
ذا ولد موسر فعليه ولو صغيرا أو كان الوالد
كافرا ولا يلزم ان يعفه ولا التكسب الا للعاجر
ولا يبيع عنه عرضا إلا باذن الحاكم وعلى كل
موسر نفقة كل معسر على ملته يرثه بالنسب فإن
تعدد الوارث فحسب الارث غالبا وكسوته وسكناه
وإخدامه للعجز ويعوض ما ضاع ويسقط الماضي
بالمطل.
(1/463)
والموسر من
يملك الكفاية له وللأخص به إلي الدخل والمعسر
من لا يملك قوت عشر غير ما استثنى والبينة
عليه. وعلى السيد شبع رقه الخادم وما يقيه
الحر والبرد أو تخلية القادر وإلا كلف إزالة
ملكه فإن تمرد فالحاكم ولا يلزم ان يعفه ويجب
سد رمق محترم الدم م ولو بنية الرجوع وذو
البهيمة يعلف أو يبيع أو يسيب في مرتع وهي
ملكه فإن رغب عنها فحتى تؤخذ وعلى الشريك حصته
وحصة شريكه الغائب والمتمرد فيرجع وإلا فلا
وكذلك مؤن كل عين لغيره في يده باذن الشرع
غالبا والضيافة على أهل الوبر].
قوله: فصل : "ونفقة الولد غير العاقل على
أبيه".
أقول : قد ثبت كتابا وسنة وإجماعا مشروعية صلة
الرحم وورود التأكيد في شأنها بأن من وصلها
وصله الله ومن قطعها قطعه الله وهذا يشمل كل
قريب متحقق القرابة صادق عليه اسم الرحم وورد
في خصوص الابوين حديث أبي هريرة في الصحيحين
وغيرهما قال رجل يا رسول الله أي الناس احق
مني بحسن الصحبة؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال:
"أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟
قال: "أبوك".
وفي لفظ لمسلم أنه قال: "من أبر"، وورد في
خصوص الأولاد حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما
ان هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل
شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت
منه وهو لا يعلم فقال: "خذي ما يكفيك وولدك
بالمعروف".
وورد ما هو اعم مما تقدم كحديث بهز بن حكيم عن
أبيه عن جده عند أحمد وأبي دأود والحاكم قال:
قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: "أمك" قلت: ثم
من؟ قال: "أمك" قلت: ثم من؟ قال: "أمك" قال:
قلت: ثم من؟ قال: "أباك ثم الاقرب فالاقرب".
وأخرج النسائي وابن حبان والدارقطني وصححاه
الحديث عن طارق المحاربي كما في بلوغ المرام
ولعله سقط الصحأبي على الناسخ قال قدمت
المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قائم يخطب الناس على المنبر وهو يقول:
"يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك
وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك".
وأخرج أبو دأود والطبراني والبيهقي بإسناد لا
بأس به عن كليب بن منفعة عن جده أنه اتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أبر؟
قال: "أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي
ذاك حق واجب ورحم موصولة".
وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال لرجل: "ابدأ بنفسك تصدق
عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء
فلذي قرابتك فإن فضل عن ذوي قرابتك فهكذا
وهكذا".
وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي
هريرة قال قال
(1/464)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "تصدقوا" قال رجل: عندي
دينار, قال: "تصدق به على نفسك"، قال: عندي
دينار آخر قال: "تصدق به على زوجتك" قال عندي
دينار آخر قال: "تصدق به على ولدك" قال: عندي
دينار آخر قال: "تصدق به على خادمك"، قال:
عندي دينار آخر قال: "أنت أبصر به"، وأخرجه
أيضا أبو دأود لكنه قدم الولد على الزوجة.
والاحاديث في هذا الباب كثيرة جدا وحديث إذنه
صلى الله عليه وسلم لهند ان تأخذ ما يكفيها
وولدها بالمعروف يدل على وجوب نفقة الأولاد
على أبيهم لكن لا مطلقا إذا لم يكن لهم مال
أما إذا كان لهم مال فلا وجه لوجوب النفقة من
مال غيرهم وقد دل على ذلك ما جاء في القرآن
الكريم من تفصيل الكلام في أموال اليتامى
وإنفاقهم منها وجواز ان يأكل المنفق لهم من
مالهم بالمعروف.
وأما قوله: "ولو كافرا" فذلك إذا رافعه الابن
إلي الشريعة الإسلامية قضينا عليه بما فيها.
وأما قوله: "أو معسرا له كسب" فلا بد ان يفضل
من كسبه فضله تكون مالا حتى ينفق منها ولده
وأما إذا كان لا يحصل له من الكسب إلا ما
يكفيه فقط فليس عليه إنفاق أولاده بل ينفق ذلك
على نفسه كما تقدم في الاحاديث ورزق أولاده
على خالقهم.
وقد عرفت مما سبق أنه لا وجه لقوله: "ثم في
ماله" وان إنفاقه من ماله مقدم على إنفاقه من
مال أبيه.
وأما قوله: "ثم على الام قرضا للأب" فإذا كانت
غنية فعليها النفقة لأولادها لأن الخطاب في
الاحاديث السابقة إن كان للرجال فللنساء حكمهم
كسائر الخطابات التي في الكتاب والسنة بصيغة
خاصة بالذكور فإن النساء شقائق الرجال ولا
يخرجهن من ذلك إلا دليل يخصصهن من الواجبات
على الرجال فلا وجه لقوله قرضا للأب.
قوله: "والعاقل المعسر على ابويه حسب الارث"،
أقول : لما قدمنا من الأدلة ولا سيما إذا كان
قوله صلى الله عليه وسلم لهند: "خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف"، شاملا للكبار فإن من جملتهم
إذا ذاك معاوية وقد كان كبيرا لأنه اسلم عام
الفتح وكان عمره عند إسلامه ثماني وعشرين سنة
فقد كان عند الهجرة في ثماني عشرة سنة.
والحاصل ان هذه النفقات التي هي مما يصدق عليه
أنه صلة للارحام إذا لم يوجد دليل ناهض ينتهض
على وجوبها فهي من افضل القرب واعظم الطاعات
المقربة إلي الله عز وجل كما قدمنا.
وأما قوله: "إلا ذا ولد موسر فعليه" فوجه ذلك
ان وجوب الاحسان من الأولاد لابائهم آكد من
وجوب الاحسان من الاباء لابنائهم كما قال الله
سبحانه: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}
[البقرة: 83، النساء: 36، الأنعام: 151،
الإسراء: 23]، وكما ورد في الحديث: "أنت ومالك
لأبيك"، وهو حديث حسن أخرجه أحمد وابو دأود
وابن خزيمة وابن الجارود ومثله حديث: "إن أطيب
ما أكل الرجل
(1/465)
من كسبه وولده
من كسبه فكلوا من أموالهم"، أخرجه أحمد "6/31،
41، 127، 162، 173، 193، 201، 203"]، وأهل
السنن [أبو داود "3528"، النسائي "4449"، ابن
ماجة "2290"، الترمذي "1358"]، وابن حبان
والحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة.
وأما قوله: "ولو صغيرا" فلما ذكره الله سبحانه
في القرأن في أموال اليتامى والاباء احق من
يقوم على اموالهم ويستنفق منها بالمعروف.
وبالجملة فعموم قوله عز وجل: {عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ
قَدَرُهُ} [البقرة: 236]، وقوله: {لِيُنْفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ
اللَّهُ} [الطلاق: 7]، يدخل تحته الزوجات
والاباء والابناء دخولا أوليا وتتنأول سائر
القراب.ة
وأما قوله: "ولو كان صغيرا" فلعموم ما قدمنا.
وأما قوله: "أو كافرا" فإذا ترافعوا إلي
المسلمين وجب الحكم على الكافر بما في الشريعة
الإسلامية.
وأما قوله: "ولا يلزمه أن يعفه" فلكون ذلك مما
لا يدخل في مسمى النفقة إلا ان يبلغ الحد إلي
التضرر البالغ كان من باب التدأوي لحفظ النفس
وقد تقدم حديث: "أنت ومالك لأبيك" وتقدم قوله
تعالي: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وهذا
من الاحسان.
وهكذا قوله: "ولا التكسب إلا للعاجز" فإنه إذا
قعدالأب وعجز عن الكسب وولده قوى سوى وأبواب
المكاسب متيسرة له ولم يكسب على والده فهو لم
يحسن اليه كما امره الله سبحانه ولا بره كما
أوجب ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا كانا قادرين على التكسب تكسب كل واحد
منهما لنفسه فإن قدر الولد ان يكفي والده مؤنة
التكسب فهو من تمام البر به والاحسان اليه.
والحاصل أنه إذا كان البر والاحسان واجبين على
الولد لوالده كما تدل عليه الأدلة لزمه مالا
يتم البر إلا به ولا يخرج عن ذلك الا ما خصه
الدليل وأيضا هو أقرب قربا وأمس رحما فالأدلة
الدالة على صلة الارحام تتنأوله أوليا كما
قدمنا الاشارة إلي ذلك والامهات احق بهذا البر
والاحسان والصلة من الاباء للأحاديث المتقدمة
في أول الفصل ولغيرها كما أخرجه البخاري في
الادب المفرد وأحمد وابن حبان والحاكم وصححاه
مرفوعا بلفظ: "إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم
يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم
بالأقرب فالأقرب".
وأما قوله: "ولا يبيع عنه عرضا إلا باذن
الحاكم" فالعرض من جملة المال الذي جعله
الشارع للأب وأمره صلي الله عليه وسلم بالأكل
منه.
قوله: "وعلى كل موسر نفقة كل معسر" الخ.
أقول : لا دليل يدل على وجوب هذا الانفاق وما
استدلوا به من قوله تعالي: {وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]،
فوضع للدليل في غير موضعه فان الآية واردة في
غير هذا المعنى لان الله سبحانه قال: {وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:
233]، ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ
(1/466)
مِثْلُ ذَلِكَ}
[البقرة: 233]، أي وارث المولود له وفي الآية
احتمالات كما أوضحنا ذلك في تفسيرنا وهذا
المعنى هو الظاهر منها ولا يصح الاحتجاج
بمحتمل مسأو فكيف بمحتمل مرجوح.
والحاصل ان الأدلة التي قدمنا في أول الفصل
تدل على مشروعية الاحسان إلي القرابة الدين هم
غير الاباء الابناء وهم داخلون فيما ورد في
صلة الارحام وأما كون ذلك حتما لازما فلا دليل
على ذلك يتعين الاخذ به.
وأما تقييد ما ذكره من وجوب انفاق الاقارب
المذكورين بالارث بالنسب فلا وجه له بل صلة
الارحام ثابتة ومشروعيتها عامة والاقرب احق
بها من الابعد وهكذا تندرح في مشروعية صلة
الرحم كسوته وإخدامه للعجز.
قوله: "ويسقط الماضي بالمطل".
أقول : أما النفقة الواجبه كنفقة الابن لأبويه
والاب لأولاده فالكلام فيها كالكلام في نفقة
الزوجة وقد قدمنا تحقيق ذلك وهكذا نفقة
الارقاء لانها واجبة حتما.
وأما نفقة سائر القرابة فقد عرفناك أنه لا
دليل يدل على وجوبها بل هي من باب صلة الارحام
ولا يجب على الإنسان قضاء مالا يجب عليه ولكنه
ينبغي ان يسلك في هذه الصلة المسلك الذي
ارشداليه الشارع في الاحاديث المتقدمة بقوله:
"الأقرب فالأقرب" وبقوله: "ثم أدناك أدناك".
وأما ما ذكره من رسم الايسار والاعسار فلا
دليل عليه ولكن الذي ينبغي اعتماده هو ما اشار
اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال
للرجل الذي قال عنده دينار فإنه أمر ان يتصدق
به على نفسه ثم قال عندي دينار آخر قال تصدق
به على زوجتك إلي آخر الحديث المتقدم وما ورد
في معناه وقد قدمنا في تفسير الغني الذي يحرم
عليه الزكاة ما فيه كفاية وليس المقصود هنا ان
يحصل مسمى الغنى بل المقصود وجود الكفاية التي
يصير ما زاد عليها في حكم الفضلة التي لا تدعو
اليها حاجة راجعة إلي النفقة والكسوة والمنزل
والفراش وما يقي البرد والحر فإذا وجدا لرجل
هذا لنفسه ولمن تجب عليه نفقته وهم من قدمنا
ذكرهم وصل ارحامه الاقرب فالأقرب بما احب إن
أراد الخير وأحب الثواب وإلا يكون من القاطعين
للأرحام فيعرض نفسه للقطيعة من الله سبحانه.
قوله: "وعلى السيد شبع رقه الخادم وما يقيه
الحر والبرد".
أقول : هذا واجب على السيد من واجبات الشريعة
وقد كرر صلى الله عليه وسلم التوصية بالارقاء
وامر بإطعامهم مما يطعم سيدهم والباسهم مما
يلبس وأمر بإطعام المماليك وكسوتهم بالمعروف
هذا كله ثابت عنه صلى الله عليه وسلم في
الصحيحين.
وأخرج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء
إثما أن يحبس عمن يملك قوته".
(1/467)
أخرج أحمد وابو
دأود والنسائي وابن ماجه بأسانيد بعضها رجاله
رجال الصحيح قال كانت عامة وصية رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر
بنفسه الصلاة وما ملكت ايمانكم وهو مجمع على
وجوب نفقة الارقاء.
وأما قوله: "أو تخلية القادر" فلا وجه له لأنه
مهما بقي في ملكه كان الوجوب ثابتا عليه ولا
نيفعه تخليته فإنه تخلص مما أوجبه عليه الشرع
بغير مخلص شرعي بل يجبر على ينفعه أو إنفاقه
أو عتقه ولا عذر له من أحد هذه الثلاثة الامور
لأن علاقة وجوب إنفاقه عليه هي كونه مملوكا له
فمهما بقي الملك فالعلاقة موجودة والسبب حاصل.
وأما كونه لا يلزمه ان يعفه فظاهر.
قوله: "ويجب سد رمق محترم الدم"
أقول : قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه
وسلم: "أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا
يسلمه" وأي إسلام له ابلغ من ان يدعه يموت
جوعا وهو يجد ما يسد رمقه ويبقى حياته.
وثبت أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه"، فهذا الذي ترك اخاه يموت جوعا
وهو يجد ما ينعشه ويدفع عنه ما نزل به من الضر
ليس بمومن وواجب على كل مسلم ان لا يفعل ما
يسلب عنه الايمان أو يترك ما يكون سببا لذهاب
إيمانه وأيضا قد أوجب الله سبحانه الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وهما العمادان
العظيمان لهذا الدين ومعلوم ان سد رمق من نزل
به الموت من الجوع من اعظم المعروف وتركه من
اقبح المنكر وقد قال الله سبحانه وتعالي:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وسد رمق المضطر
من اعظم أنواع البر والتقوى وتركه من اعظم
الإثم والعدوان.
والحاصل ان كليات الكتاب والسنة وجزئيائتهما
تدل على وجوب مثل هذا وجوبا مضيقا ومن استدل
على هذا الوجوب بما ورد في الضيافة فقد ابعد
النجعة.
وأما ما ذكره عن المؤيد بالله من ان له ان
ينوى الرجوع على من سد رمقه فهذا مخالف
للقواعد الشرعية فإن المطعم قام بواجب عليه هو
من اعظم الواجبات فليس له ان يرجع في ذلك على
ذلك المضطر.
قوله: "ودواء البهيمة" الخ.
أقول : أما الأجر على إنفاقها فقد ثبت في
الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن رجلا اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل
فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث بأكل الثرى من
العطش فقال الرجل لقد بلغ بهذا الكلب من العطش
مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم
امسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له
فغفر له"، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في
البهائم أجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة
(1/468)
أجر"، فإن قول
السائل: وإن لنا في البهائم أجرا؟ يشمل كل
بهيمة من أهلي ووحشي وجوابه صلى الله عليه
وسلم "في كل كبد رطبة أجر"، يتناول الجميع.
وأما إثم من حبس البهائم فلم يطعمها ولا تركها
فلما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة
في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا
هي اطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها
تأكل من خشاش الأرض"، وهو ثابت في الصحيحين
أيضا من حديث أبي هريرة.
وإذا كان هذا في هرة فغيرها من البهائم التي
يملكها الناس ولا يحل أكلها أولى بذلك واحق
ولا شك أنه يخلص من الإثم باخراجها عن ملكه
إلي ملك غيره ببيع أو نحوه.
وأما التسييب فلا بد من تقييده بكون تلك
البهيمة مما يأكل ويشرب بنفسه ويقدر على ذلك
أما إذا كانت لا تقدر على ذلك كما في كثير من
البهائم فلا يبرأ بتسييبها وهكذا لا بد ان
تكون لها قدرة على حماية نفسها من السباع وإلا
كا نمخرجا لها من الهلاك إلي الهلاك ومسلما
لها إلي يد المعاطب والمتالف.
وأما كونها لا تخرج ع ملكه بالتسييب إلا ان
يرغب عنها فيأخذها غيره فظاهر وهكذا حكم من في
يده تلك البهيمة وهي لغيره بإذنه حكم المالك
في وجوب القيام بما يحتاج إليه حتى يرجعها
لمالكها وله الرجوع عليه بما أنفق.
وهكذا الشريك فيها إذا غاب شريكه أو تمرد فإنه
يجب عليه القيام بما يحتاج إليه ويرجع بما
انفقه على حصة شريكه.
قوله: "والضيافة على أهل الوبر".
أقول : الضيافة حق على من نزله ضيف سواء كان
من أهل المدر أو الوبر ولا وجه لتخصيصها بأهل
الوبر ولم يصح في ذلك شيء.
وأما ما يروى من ان الضيافة على أهل الوبر فهو
باطل موضوع كما بينت ذلك في المؤلف الذي سميته
الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة.
والأحاديث الواردة في مشروعية الضيافة كثيرة
ومنها ما في الصحيحين [البخاري "10/531"، مسلم
"14/48"]، وغيرهما [أبو داود "3748"، الترمذي
"1967، 1968"، ابن ماجة "3675"، أحمد "4/31،
6/385"]، عنه صلى الله عليه وسلم: "من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"،
قالوا: وما جائزته؟ قال: "يومه وليلته".
ومما يدل على الوجوب حديث عقبة بن عامر في
الصحيحين [البخاري"1/532"، مسلم "1727"،
وغيرهما [أبو داود "3752"، الترمذي "1589"،
ابن ماجة "3676"، أحمد "4/149"]: قالوا: يا
رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا
فما ترى؟ فقال: "إن أمروا لكم بما ينبغي للضيف
(1/469)
فاقبلوا وإن لم
يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم"،
فإن إذنه صلى الله عليه وسلم بالاخذ يدل على
الوجوب على من نزل به ضيف.
(1/470)
[
باب الرضاع
ومن وصل جوفه من فيه أو انفه في الحولين لبن
آدمية دخلت العاشرة ولو ميتة أو بكرا أو
متغيرا غالبا أو مع جنسه مطلقا أو غيره وهو
الغالب أو التبس دخول العاشرة لا هل في
الحولين ثبت حكم البنوة لها ولذي اللبن إن كان
وإنما يشاركها من علقت منه ولحقه حتى ينقطع أو
تضع من غيره أو يشترك الثلاثة من العلوق
الثاني إلي الوضع وللرجل فقط بلبن من زوجتيه
ولايصل إلا مجتمعا ويحرم به من صيره محرما ومن
انفسخ نكاح غير مدخولة بفعله مختارا رجع بما
لزم من المهر عليه إلا جأهلا محسنا]ي.
قوله: باب : "الرضاع فصل من وصل جوفه من فيه
أو انفه" الخ.
أقول : اعلم ان الرضاع المقتضى للتحريم ورد
مطلقا كما في قوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ
اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]،
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
المتفق عليه: "يحرم من الرضاع ما يحرم من
الرحم"، وفي لفظ: "من النسب" ونحو ذلك من
الاحاديث الواردة بهذا المعنى ثم ورد تقييد
هذا الرضاع المطلق بقيود وردت بها السنة.
فمنها حديث عائشة عند مسلم "7/1450"، وغيره
[أحمد "6/96"، أبو داود "2063"، النسائي
"6/101"، الترمذي "1150"، ابن ماجة "1940"]،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحرم
المصة والمصتان".
وأخرج مسلم وغيره من حديث ام الفضل ان رجلا
سأل النبي صلى الله عليه وسلم اتحرم المصة
فقال: "لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة
والمصتان"، وفي لفظ لمسلم "18/1451"، وغيره
[النسائي "6/100، 101"، أحمد "6/340"]، من
حديثها قالت دخل اعرابي إلي نبي الله صلى الله
عليه وسلم وهو في بيتي فقال: يا نبي الله إن
كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي
الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثى رضعة أو
رضعتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا
تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان".
وأخرج أحمد والنسائي والترمذي من حديث عبدالله
بن الزبير ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تحرم من الرضاعة المصة والمصتان"، قال
الترمذي الصحيح عن أهل الحديث من رواية ابن
الزبر عن عائشة كما في الحديث الأول ورواه
النسائي من حديث أبي هريرة.
(1/470)
فهذه الاحاديثت
تدل على ان المصة والمصتين لا تقتضيان التحريم
فهذا التقييد الأول مما قيدت به تلك
الاطلاقات.
التقييد الثاني ما أخرجه الترمذي والحاكم
وصححاه من حديث أم سلمة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا
ما فتق الامعاء في الثدي وكان قبل الفطام"،
ومعنى فتق الامعاء في الثدي أي في أيام الثدي
وذلك حيث يرضع الصبي منها.
وأخرج سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقي وابن
عدي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وأخرج أبو دأود الطيالسي في مسنده من حديث
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا
رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام".
فهذه الاحاديث تدل على ان الرضاع الواقع
بعدالحولين لا حكم له ولا يقتضى التحريم.
التقييدالثالث ما ثبت في الصحيحين [البخاري
"9/146"، مسلم "32/1455"]، وغيرهما [أحمد
"6/94"، أبو داود "2058"، النسائي "6/102"،
ابن ماجة "1945"]، من حديث عائشة قالت دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال:
"من هذا" قلت اخي من الرضاعة فقال: "يا عائشة
انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة"،
فهذا الحديث يدل على ان الرضاع إذا وقع لغير
مجاعة من الصبي لم يثبت حكمه.
التقييد الرابع ما أخرجه أبو دأود من حديث ابن
مسعود مرفوعا: "لا رضاع إلا ما أنشز العظم
وأنبت اللحم"، ولكن في إسناده مجهولان فلا
تقوم به حجة.
التقييد الخامس وعليه تدور الدوائر وبه يجتمع
شمل الاحاديث مطلقها ومقيدها وهو ما ثبت في
صحيح مسلم وغيره من حديث عائشة قالت: كان فيما
نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم
نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهي فيما يقرا من القرآن وله الفاظ.
وقد أخرج البخاري من حديثها نحوه وأخرج مالك
في الموطأ وأحمد من حديثها ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال لسهلة في قصة سالم: "أرضعيه خمس
رضعات"، فهذا يدل على انها لاتحرم إلا خمس
رضعات ولا يعارضه أحاديث: "لاتحرم المصة
والمصتان" لأن غاية ما فيها الدلالة بالمفهوم
على ان ما فوقها يحرم وحديث الخمس يدل بمفهومة
على ما دون الخمس لا يحرمن وكلاهما مفهوم عدد
ولكنه يقوى حديث الخمس أنه مات رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو قرآن يتلى ويقويه أيضا أنه
قد ذهب جماعة من ائمة البيان كالزمخشري إلي أن
الاخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر
ومفهوم الحصر ارجح من مفهوم العدد ويقويه أيضا
ما أخرجه ابن ماجه من حديثها بلفظ: "لا يحرم
إلا عشر رضعات أو خمس"، وهذه الصيغة تقتضي
الحصر بلا خلاف.
وإذا عرفت رجحان ما دل على أنه لا يحرم إلا
الخمس وأن العشر منسوخة فلا يعارضه ما
(1/471)
دل على اعتبار
الحولين بل يجمع بينه وبينه بأن الخمس في
الحولين.
ولا يعارضه ما دل على ا ن الرضاعة من المجاعة
بل يجمع بينهما ان يرضع الخمس في وقت حاجة
اليها.
ولا يعارضه أيضا حديث: "الرضاع ما فتق
الامعاء" ، لأن من المعلوم ان الخمس الرضعات
بفتقها بعضها.
ولا يعارضه أيضا حديث: "لا رضاع إلا ما انشر
العظم وانبت اللحم"، على فرض صحته لان الخمس
الرضعات لمن هي طعامه وشرابه تؤثر في ذلك وإن
لم يظهر للعيان >و
إذا تقرر لك هذا الجمع بين شمل الاحاديث فاعلم
ان حديث زينب بنت ام سلمة قالت قالت ام سلمة
لعائشة إنه يدخل عليك الغلام الايفع الذي ما
احب ان يدخل علي فقالت عائشة أما لك في رسول
الله اسوة حسنة وقالت: إن امرأة أبي حذيفة
قالت: يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل
وفي نفس أبي حذيفة منه شيء قال صلى الله عليه
وسلم: "أرضعيه حتى يدخل عليك"، أخرجه مسلم
"29/1453"، وغيره أحمد "6/38، 39، 6/201"،
النسائي "6/104، 105، 6/105"، ابن ماجة
"1943"]، وهذا الحديث قد رواه امهات المؤمنين
وغيرهن من الصحابة ورواه الجمع الجم من
التابعين وهكذا من بعدهم حتى قال بعض الائمة
إن هذه السنة بلغت رواتها نصاب التواتر.
والحاصل أنه خاص يوقف على من عرضت له تلك
الحاجة واحتاج ان يدخل على امراته من لا
يتسغنى عن دخوله بيته وتردده في حاجاته
ومصالحه ومن رده بلا برهان فقد انتصب للرد على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الشريعة
المطهرة ومن قصره على سالم فقط فقد جاء بمالا
يعقل ولا يوافق القواعد المقررة في الاصول.
وبهذا التحقيق تعرف الكلام على ما ذكره
المصنف.
وأما قوله: "لبن آدمية" فاحتراز عما لا يقع
إلا في ذهن مغفل ولا يسبق إلي فهم أبله فإن
الكلام في بني آدم والبانهم لا في ألبان
الدواب.
وأما قوله: "دخلت العاشرة" فلكون ذلك المقدار
هو من أوائل مظنة البلوغ وقد تقدم له في الحيض
أنه يتعذر قبل دخول المراة في التاسعة فكان
عليه ان يمضي في الموضعين على نمط واحد فإن
التسع إذا كانت مظنة للحيض كانت مظنة للحبل
الذي يتاثر عنه اللبن.
وأما قوله: "ولو ميتة" فغير صحيح فإن الأحكام
المتعلقة بها وبلبنها قد انقطعت بالموت فلم
يبق لذلك حكم ولم يصدق عليها انها مرضعة كما
في قوله تعالي: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23].
وأما قوله: "أو بكرا" فصحيح لأن بعض الابكار
قد يخرج منها لبن ولا سيما إذا كانت مربية
لرضيع وأرضعته من ثديها مرة بعد مرة.
(1/472)
وأما قوله: "أو
متغير" فلا بد ان يكون اللبن الخالص بحيث يصدق
عليه أنه لبن وكل على اصله في اعتبار مجرد
الوصول إلي الجوف أو اعتبار ثلاث رضعات أو
اعتبار خمس رضعات.
وهكذا الكلام في قوله: "أو مع جنسه أو غيره
وهو الغالب".
وأما قوله: "أو التبس دخول المرأة في العاشرة"
فقد تقدم ان دخول العاشرة عندالمصنف من جملة
الشروط التي لا يصح الرضاع إلا بها فكان عليه
ان يحكم مع اللبس بعدم ثبوت الرضاع لأن الاصل
عدم الدخول.
وأما قوله: "لا هل في الحولين" فصحيح لأن
الاصل بقاؤه في الحولين وعدم انتقاله عنهما.
قوله: "ثبت حكم النبوة لها ولذي اللبن".
أقول : هذا هو الحق وقد ثبتت النصوص المصرحة
بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وأنه
يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وهذان
اللفظان في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس
وعائشة وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عباس ان
النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة
رضي الله عنه فقال: "إنها لا تحل لي إنها ابنة
اخي من الرضاعة.
وفي الصحيحين وغيرهما "النسئي "6/103"، أحمد
"6/23، 37، 117، 271"، ابن ماحة "1948"، أيضا
من حديث عائشة ان افلح اخا أبي القعيس جاء
يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد ان نزل
الحجاب وقالت فأبيت ان آذن له فلما جاء رسول
صلى الله عليه وسلم اخبرته بالذي صنعت فامرني
أن آذن له ولم يأت من لم يجعل للرجل حقا في
اللبن شيء يصلح لمعارضة ما ذكرناه ولا ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حرف واحد.
وأما مجرد الاجتهاد من بعض الصحابة فلا تقوم
به حجة ولا سيما والذاهب إلي ما قضت به هذه
الأدلة التي ذكرناها هم الجمهور من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم.
وأما قوله: "وإنما يشاركها من علقت منه" الخ
فصحيح لأنه لا يصدق عليه الابوة من الرضاع إلا
بذلك.
وأما قوله: "ويشترك الثلاثة" ألخ فلا وجه لأن
دخولها في نكاح الاخر يقطع العلاقة بينها وبين
الأول فلا يبقى له حق في اللبن كما أنه لم يبق
له حق في المراة ولا يجوز له النظر اليها
وإنما أوقع المصنف في مثل هذا التفريع اشتغاله
بجمع آراء القائلين وإن كانوا من الواقعين تحت
اسر التقليد فإنه رحمه الله اختصر هذا الكتاب
من التذكرة للفقيه حسن النحوي والفقيه حسن
النحوي جمع فيها ما قاله الفقهاء من الهدوية
الذين يقال لهم المذاكرون في عرف هذه الطائفة
وهؤلاء لم يبلغ الاجتهاد منهم الا النادر
وغالبهم لا يعرفون إلا مسائل الفروع المختصة
بمذهبهم ولهذا اجتمع في هذا الكتاب المتردية
والنطيحة وما أكل السبع.
قوله: "وللرجل فقط بلبن من زوجتيه لا يصل إلا
مجتمعا".
أقول : لا يقتضى التحريم إلا الرضاع من امراة
واحدة رضاعا يوجب التحريم كما قدمنا ولا
(1/473)
حكم لما لا
يكون مجموعه إلا من اثنتين أو ثلاثا أو اكثر
ولا يثبت به حكم الرضاع لا للرجل ولا للنساء
فمن يعتبر خمس رضعات لا بد ان تكون جميعا من
امرأة واحدة فلو رضع من كل واحدى رضعة أو رضع
الخمس من ثلاث أو اثنتين لم يكن لذلك حكم ولا
يثبت به رضاع.
وهكذا لو لم يصل الجوف عند من يعتبر مجرد
الوصول إلي الجوف إلا لبن امرأتين أو اكثر
فإنه لا يثبت بذلك حكم عنده وإن قال إنه يثبت
به الحكم كما قال المصنف فقد عول على مجرد رأي
زائف واجتهاد زائغ.
وأما قوله: "ويحرم به من صيره مرحما" فقد
ذكرنا في شرحنا للمنتقى عددالمحرمات بالرضاع
فليرجع اليه.
وأما قوله: "ومن انفسخ نكاح غير مدخولة لفعله"
الخ فوجهه ان ذلك جناية تسبب عنها تغريم الزوج
بما غرمه من المهر ولم يستوف ما في مقابلته
وهو الوطء فتغرم المرضعة ما غرم بسبب جنايتها
ولا وجه لقوله إلا جأهلا محسنا لأن مجردالجهل
والاحسان لا يسقطان الضمان لأن ضمان الجناية
من أحكام الوضع فلتزم الجأهل كما تلزم العالم
وتلزم المحسن كما تلزم المسيء وتلزم المجنون
والصبي كما تلزم العاقل المكلف ومثل هذا لا
يخفى على المصنف ولكنه بصدد جمع انظار
المقلدين كما قدمنا قريبا.
[ فصل
وإنما يثبت حكمه في إقراره أو ببينتها ويجب
العمل بالظن الغالب في النكاح تحريما فيجبر
الزوج المقر به وبإقراره وحده يبطل النكاح لا
الحق والعكس في إقرارها إلا المهر بعد
الدخول].
قوله: فصل : "وإننا يثبت حكمه بإقراره أو
ببينتها" الخ.
أقول : إذا اقر أو قامت عليه البينة بإقراره
أو بمشاهدة الارضاع للرضيع فليس في ذلك نزاع
ومن جملة البينة إخبار مرضعته لما ثبت في
اصحيح البخاري وغيره ان عقبة ابن الحارث تزوج
ام يحيى بنت أبي إهاب فجاءت امة سوداء فقالت
قد ارضعتكما قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فأعرض عني قال فتنحيت فذكرت ذلك له
فقال: "وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما"،
فنهاه عنها
وفي رواية للبخاري وغيره "دعها عنك"، وهذا
النهي والأمر يدلان أوضح دلالة على وجوب العمل
بقول المرضعة ولم يصب من تكلف لرد هذه السنة
بما لا يسمن ولا يغني من جوع.
وأما قوله: "ويجب العمل بالظن الغالب في
النكاح تحريما" فصواب لأن الله سبحانه قد
تعبدنا بالعمل بالظن ولا سيما في النكاح الذي
يترتب عليه الخطر العظيم من استحلال فرج حرمه
الله ولحوق نسب بغير من هول له.
(1/474)
وقد ثبت التعبد
بالعمل باخبار الاحاد وهي لا تفيدا لا الظن
ولا وجه لتقييدالظن هنا بالغالب بل يجب العمل
بكل ظن يصدق عليه مسمى الظن إذا لم يكن مجرد
شكوك ووسوة ومقتضى العمل بالظن هو إخبار الزوج
المقر بحصول الظن له.
وأما قوله: "وبإقراره وحده يبطل النكاح" فصحيح
لأن التسريح إليه والطلاق بيده وقد أقر بما
يقتضى ذلك فبطل ما هو إليه ولا يستلزم ذلك
بطلان الحق للزوجة.
وأما قوله: "والعكس في إقرارها" فلا وجه له
لأنه إذا لم يبطل به النكاح لم يبطل به حق
عليها تستحقه بالنكاح لأن النكاح باق شاءت أم
أبت.
إلي هنا انتهي النصف الأول من هذه التعليقة
المسماة السيل الجرار المتدفق علي حدائق
الأزهار في نهار يوم الاثنين لعله حادي عشر
شهر جمادي الآخرة من شهور سنة أربع وثلاثين
بعد مائتين وألف من الهجرة الشريفة بقلم مؤلفه
محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.
تم إملاء علي جماعة من الطلبة في شهر ذو
القعدة سنة 1239.
(1/475)
|