الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

- المطلب الثاني ـ لمحة موجزة عن فقهاء المذاهب:
- الفقيه أو المفتي: هو المجتهد، والمجتهد: هو الذي حصلت له ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام من أدلتها. وإطلاق كلمة الفقيه أو المفتي أخيراً على متفقهة المذاهب من باب المجاز والحقيقة العرفية. والفتاوى الصادرة في زماننا هي مجرد نقل كلام المفتي (المجتهد) ليأخذ به المستفتي، وليست هي بفتوى حقيقة.
- والمذهب: لغة: مكان الذهاب وهو الطريق. واصطلاحاً: الأحكام التي اشتملت عليها المسائل. شبهت بمكان الذهاب بجامع أن الطريق يوصل إلى المعاش، وتلك الأحكام توصل إلى المعاد (1).
- ولقد بدأت نواة المذاهب في عصر الصحابة كما أشرنا سابقاً، فكان مثلاً مذهب عائشة، ومذهب عبد الله بن عمر، ومذهب عبد الله بن مسعود وغيرهم، ثم في عصر التابعين اشتهر فقهاء المدينة السبعة (وهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث ابن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) ونافع مولى عبد الله بن عمر. ومن أهل الكوفة: علقمة بن مسعود، وإبراهيم النخعي شيخ حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، ومن أهل البصرة: الحسن البصري.
_________
(1) بجيرمي الخطيب: 45/ 1.

(1/42)


وهناك بين التابعين فقهاء آخرون: مثل عكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، ومحمد بن سيرين، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأعرج، وعلقمة النخعي، والشعبي، وشريح، وسعيد بن جبير، ومكحول الدمشقي، وأبو إدريس الخولاني.

- وفي أول القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع الهجري وهو الدور الذهبي للاجتهاد، لمع في الأفق ثلاثة عشر مجتهداً دونت مذاهبهم، وقلدت آراؤهم وهم (1): سفيان بن عيينة بمكة، ومالك بن أنس بالمدينة، والحسن البصري بالبصرة، وأبو حنيفة وسفيان الثوري (161 هـ) بالكوفة، والأوزاعي (157هـ) بالشام، والشافعي والليث بن سعد بمصر، وإسحاق بن راهويه بنيسابور، وأبو ثور وأحمد، وداود الظاهري، وابن جرير الطبري ببغداد.
- إلا أن أكثر هذه المذاهب لم يبق إلا في بطون الكتب، لانقراض أتباعها، وظل بعضها قائماً مشهوراً إلى يومنا هذا، وسأذكر هنا لمحة موجزة عن أئمة المذاهب الكبرى الثمانية المعروفة عند أهل السنة والشيعة، وبعض الفرق المعتدلة. الذين ما يزال أتباعهم موجودين كالإباضية، أو الذين فقدوا الأشياع والأتباع كالظاهرية (2).
- أولاً ـ أبو حنيفة ـ النعمان بن ثابت (80 - 150 هـ) مؤسس المذهب الحنفي:
- هو الإمام الأعظم أبو حنيفة، النعمان بن ثابت بن زُوَطَى الكوفي من أبناء فارس الأحرار، ولد عام (80)، وتوفي عام (150 هـ) رحمه الله، عاصر أوج
_________
(1) تاريخ الفقه الإسلامي للسايس: ص86.
(2) إن أفضل مايقرأ عن الأئمة المجتهدين ماكتبه عنهم أستاذنا المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة.

(1/43)


الدولتين الأموية والعباسية. وهو من أتباع التابعين، وقيل: من التابعين، لقي أنس ابن مالك، وروى عنه حديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».
- وهو إمام أهل الرأي، وفقيه أهل العراق، صاحب المذهب الحنفي، قال الشافعي عنه: «الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة»، كان تاجر قماش بالكوفة.
- أخذ علمه في الحديث والفقه عن أكثر أعيان العلماء، وتفقه في مدة ثمانية عشر عاماً بصفة خاصة بحمَّاد بن أبي سليمان، الذي أخذ الفقه عن إبراهيم النخعي، تشدد في قبول الحديث، وتوسع في القياس والاستحسان. وأصول مذهبه: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستحسان. له في علم الكلام كتاب الفقه الأكبر، كما له مسند في الحديث، ولم يؤثرعنه كتاب في الفقه.
- وأشهر تلامذته أربعة:
- 1 ًـ أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم الكوفي (113 - 182هـ): قاضي القضاة في عهد الرشيد، كان له الفضل الأكبر على مذهب أبي حنيفة في تدوين أصوله، ونشر آرائه في أقطار الأرض، وكان مجتهداً مطلقاً.
- 2 ً ــ محمد بن الحسن الشيباني (132 - 189هـ): ولد بواسط، وكان والده من أهل حرستا بدمشق، ونشأ بالكوفة، وعاش في بغداد، وتوفي بالري، تفقه أولاً على أبي حنيفة، ثم أتم تعلمه على أبي يوسف، ولازم مالك بن أنس مدة، وانتهت إليه رياسة الفقه بالعراق بعد أبي يوسف، وكان نابغة من أذكياء العلم ومجتهداً مطلقاً، صنف التصانيف الكثيرة التي حفظ بها فقه أبي حنيفة، فهو صاحب الفضل في تدوين المذهب الحنفي، وكتبه (ظاهر الرواية) هي الحجة المعتمدة عند الحنفية.

(1/44)


3 ً ــ أبو الهذيل، زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي (110 - 158 هـ): ولد في أصبهان، وتوفي بالبصرة، كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، ومهر في القياس، حتى صار أقيس تلامذة أبي حنيفة وأصحابه، وكان مجتهداً مطلقاً.
- 4 ً ــ الحسن بن زياد اللؤلؤي (المتوفى عام 204 هـ): تتلمذ أولاً لأبي حنيفة، ثم للصاحبين: أبي يوسف ومحمد، اشتهر برواية الحديث، وبرواية آراء أبي حنيفة، لكن روايته دون رواية كتب (ظاهر الرواية) للإمام محمد، ولم يبلغ في الفقه درجة أبي حنيفة وصاحبيه.

- ثانياً ــ مالك بن أنس (93 - 179 هـ) مؤسس المذهب المالكي:
- هو الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي (1)، إمام دار الهجرة فقهاً وحديثاً بعد التابعين، ولد في عهد الوليد بن عبد الملك ومات في عهد الرشيد في المدينة رحمه الله، ولم يرحل منها إلى بلد آخر، عاصر كأبي حنيفة الدولتين الأموية والعباسية، لكنه أدرك من الدولة العباسية حظاً أوفر، وقد اتسعت الدولة الإسلامية في عصر هذين الإمامين، فامتدت من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصين شرقاً، ووصلت إلى أواسط أوربا بفتح الأندلس.
- طلب العلم على علماء المدينة، ولازم عبد الرحمن بن هرمز مدة طويلة، وأخذ عن نافع مولى ابن عمر وابن شهاب الزهري، وشيخه في الفقه ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي.
- كان إماماً في الحديث وفي الفقه، وكتابه (الموطأ) كتاب جليل في الحديث
_________
(1) نسبة إلى ذي أصبح: قبيلة من اليمن.

(1/45)


والفقه، قال عنه الشافعي رحمه الله: «مالك أستاذي، وعنه أخذت العلم، وهو الحجة بيني وبين الله تعالى، وما أحد أمنّ علي من مالك، وإذا ذكر العلماء، فمالك النجم الثاقب» بنى مذهبه على أدلة عشرين: خمسة من القرآن، وخمسة مماثلة لها مؤ السنة، وهي نص الكتاب، وظاهره وهو العموم، ودليله وهو مفهوم المخالفة، ومفهومه: وهو مفهوم الموافقة، وتنبيهه وهو التنبيه على العلة، كقوله تعالى: {فإنه رجس، أو فسقاً} [الأنعام:6/ 145] فهذه عشرة.
- والبقية هي: الإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والاستحسان، والحكم بسد الذرائع، ومراعاة الخلاف، فقد كان يراعيه أحياناً، والاستصحاب، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا (1).
- وأهم ما اشتهر به: العمل بالسنة، وعمل أهل المدينة، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي إذا صح سنده، والاستحسان.
- كان من أشهر تلامذته فريق من المصريين، وفريق آخر من شمال إفريقية والأندلس، منهم سبعة مصريون وهم (2):
- 1 ً ــ أبو عبد الله، عبد الرحمن بن القاسم (المتوفى بمصر عام 191 هـ) تفقه على مالك مدة عشرين سنة، وتفقه على الليث بن سعد فقيه مصر المتوفى عام (175 هـ)، كان مجتهداً مطلقاً، قال عنه يحيى بن يحيى: «أعلم الأصحاب بعلم مالك، وآمنهم عليه»، وهو الذي نظر وصحح (المدوَّنة) في مذهب مالك، وهي من أجل الكتب عند المالكية، وعنه أخذ سحنون المغربي الذي رتب المدونة على ترتيب الفقه.
_________
(1) تاريخ الفقه للسايس: ص 105، كتاب مالك لأبي زهرة: ص254 ومابعدها.
(2) الأموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى: ص86 - 89، كتاب مالك: ص233 ومابعدها.

(1/46)


2 ً ــ أبو محمد، عبد الله بن وهب بن مسلم (ولد عام 125 وتوفي سنة 197 هـ) لازم مالكاً عشرين سنة، ونشر فقهه في مصر وكان له أثر في تدوين مذهبه، وكان مالك يكتب إليه: إلى فقيه مصر، وإلى أبي محمد المفتي. وتفقه أيضاً على الليث بن سعد، وكان محدثاً ثقة، وكان يسمى (ديوان العلم).
- 3 ً ــ أشهب بن عبد العزيز القيسي (ولد في السنة التي ولد فيها الشافعي وهي سنة 150هـ، وتوفي سنة 204 هـ) بعد الشافعي بثمانية عشر يوماً، تفقه على مالك والليث بن سعد، انتهت إليه رياسة الفقه بمصر بعد ابن القاسم، وله مدونة روى فيها فقه مالك تسمى (مدونة أشهب) وهي غير مدونة سحنون. قال عنه الشافعي: ما رأيت أفقه من أشهب.
- 4 ً ــ أبو محمد، عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى عام 214 هـ) أعلم أصحاب مالك بمختلف أقواله، وإليه صارت رياسة المالكية بعد أشهب.
- 5 ً ــ أصْبَغ بن الفرج، الأموي ولاءً (المتوفى عام 225هـ) تفقه بابن القاسم وابن وهب وأشهب السابق ذكرهم، كان من أعلم خلق الله بمذهب مالك ومسائله.
- 6 ً ــ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى عام 268هـ)، أخذ الفقه والعلم عن أبيه، ومن عاصره من الفقهاء المالكيين السابق ذكرهم، كما أخذ عن الشافعي، حتى صار علماً في الفقه، وانتهت إليه الرياسة والفُتيا بمصر، والرحلة من بلاد المغرب والأندلس.
- 7 ً ــ محمد بن إبراهيم الاسكندري بن زياد، المعروف بابن الْمَوَّاز، (والمتوفى عام 269هـ)، أخذ الفقه عن علماء عصره، حتى صار راسخاً في الفقه والفتيا، وله كتابه المشهور بالموازية، وهو أجل كتاب ألفه المالكيون، وأصحه مسائل، وأبسطه كلاماً وأوعبه، بنى فيه الفروع على الأصول.

(1/47)


ومن أشهر تلامذة مالك المغاربة سبعة وهم:
- 1 ً - أبو الحسن، علي بن زياد التونسي، (المتوفى عام 183هـ)، أخذ عن مالك والليث بن سعد، كان فقيه إفريقية.
- 2 ً - أبو عبد الله، زياد بن عبد الرحمن القرطبي (المتوفى عام 193) يلقب بشبْطون، سمع الموطأ عن مالك، وكان أول من أدخله الأندلس.
- 3 ً - عيسى بن دينار، القرطبي الأندلسي، المتوفي عام (212هـ)، كان فقيه الأندلس.
- 4 ً - أسد بن الفرات بن سنان التونسي، أصله من خراسان من نيسابور (ولد عام 145، وتوفي عام 213هـ) شهيداً بسرقوسة، إذ كان أميرالجيش الذي ذهب لفتح صقلِّية، كان عالماً فقيهاً، مجاهداً يقود الجيوش، وجمع بين فقه المدينة، إذ سمع الموطأ من مالك، وفقه العراق، إذ لقي أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وله كتاب (الأسدية) التي هي الأصل لمدونة سحنون.
- 5 ً - يحيى بن يحيى بن كثير الليثي (المتوفى عام 234 هـ) أندلسي قرطبي، نشر مذهب مالك في الأندلس.
- 6 ً - عبد الملك بن حبيب بن سليمان السُّلَمي (المتوفى عام 238هـ)، انفرد برياسة الفقه المالكي بعد يحيى المذكور آنفاً.
- 7 ً - سَحْنون، عبد السلام بن سعيد التَّنُوخي (المتوفى عام 240هـ) تفقه بعلماء مصر والمدينة، حتى صار فقيه أهل زمانه، وشيخ عصره، وعالم وقته. وهو صاحب (المدونة) في مذهب مالك التي يعتمد عليها المالكية.

(1/48)


ومن أشهر تلامذة مالك الذين نشروا مذهبه في الحجاز والعراق ثلاثة وهم:
- 1 ً - أبو مروان، عبد الملك بن أبي سَلَمة الماجِشون (المتوفى عام 212هـ) كان مفتي المدينة زمانه. وقيل: إنه كتب (موطأ) قبل مالك.
- 2 ً - أحمد بن الْمُعَذَّل بن غيلان العبدي، معاصر ابن الماجشون ومن أصحابه، كان أفقه أصحاب مالك في العراق. ولم يعرف تاريخ وفاته.
- 3 ً - أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق، القاضي (المتوفى عام 282هـ) أصله من البصرة، واستوطن بغداد، تفقه على ابن المعذل، السابق الذكر، نشر مذهب مالك في العراق.

- ثالثاً - محمد بن إدريس الشافعي (150 ـ 204هـ) مؤسس المذهب الشافعي:
- الإمام أبو عبد الله، محمد بن إدريس القرشي الهاشمي الْمُطَّلبي بن العباس بن عثمان بن شافع رحمه الله، يلتقي نسبه مع الرسول صلّى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، ولد في غزة بفلسطين الشام عام (150هـ)، وهو عام وفاة أبي حنيفة، وتوفي في مصر عام (204هـ).
- بعد موت أبيه في غزة وبعد سنتين من ميلاده، حملته أمه إلى مكة موطن آبائه، فنشأ بها يتيماً، وحفظ أشعارهم، ونبغ في العربية والأدب، حتى قال الأصمعي عنه: «وصححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس»، فكان بذلك إماماً في العربية وواضعاً فيها.
- تتلمذ في مكة على مفتيها مسلم بن خالد الزنجي، حتى أذن له بالإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم ارتحل إلى المدينة، فتفقه على مالك بن أنس، وسمع منه

(1/49)


الموطأ، وحفظه في تسع ليال، وروى الحديث أيضاً عن سفيان بن عيينة، والفضيل ابن عياض، وعمه محمد بن شافع وغيرهم.
- وارتحل إلى اليمن، فولي عملاً فيها، ثم ارتحل إلى بغداد عام (183هـ) و (195هـ)، فأخذ عن محمد بن الحسن كتب فقهاء العراق، وكانت له مناظرات معه، سر منها الرشيد.
- ولقيه أحمد بن حنبل في مكة سنة (187هـ)، وفي بغداد سنة (195هـ)، وأخذ عنه فقهه وأصوله، وبيانه ناسخ القرآن ومنسوخه. وفي بغداد صنف كتابه القديم المسمى بالحجة الذي ضمن فيه (مذهبه القديم)، ثم ارتحل إلى مصر عام (200هـ) حيث أنشأ (مذهبه الجديد) وتوفي بها شهيد العلم (1) في آخر رجب يوم الجمعة سنة (204هـ)، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه، رحمه الله.
- ومن مؤلفاته (الرسالة) أول مدون في علم أصول الفقه، وكتاب (الأم) في فقه مذهبه الجديد.
- كان مجتهداً مستقلاً مطلقاً، إماماً في الفقه والحديث والأصول، جمع فقه الحجازيين والعراقيين، قال فيه أحمد: «كان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله» وقال عنه أيضاً: «مامن أحد مسَّ بيده محبرة وقلَماً، إلا وللشافعي في عنقه منَّة» وقال عنه طاش كبري زاده في مفتاح السعادة: «اتفق العلماء من أهل الفقه والأصول والحديث، واللغة والنحو وغير ذلك، على أمانته وعدالته وزهده، وورعه وتقواه وجوده، وحسن سيرته، وعلو قدره، فالمطنب في وصفه مقصر، والمسهب في مدحته مقتصر».
_________
(1) قيل: ضربه أشهب الفقيه المالكي المصري، حين تناظر مع الشافعي، فأفحمه، فضربه بمفتاح في جبهته، فمرض بسبب ذلك أياماً، ثم مات، وكان أشهب يدعو عليه في سجوده، قائلاً: اللهم أمت الشافعي، وإلا ذهب علم مالك. والمشهور أن الضارب له: فتيان المغربي (بجيرمي الخطيب: 49/ 1 ومابعدها).

(1/50)


وأصول مذهبه: القرآن والسنة، ثم الإجماع، ثم القياس. ولم يأخذ بأقوال الصحابة، لأنها اجتهادات تحتمل الخطأ، وترك العمل بالاستحسان الذي قال به الحنفية والمالكية، وقال: (من استحسن فقد شرع)، ورد المصالح المرسلة، وأنكر الاحتجاج بعمل أهل المدينة، وسماه أهل بغداد (ناصر السنة).
- روى عنه كتابه القديم (الحجة) أربعة من أصحابه العراقيين وهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي، وأنفسهم رواية له: الزعفراني.
- وروى عنه مذهبه الجديد في (الأم) في أبواب الفقه كلها أربعة أيضاً من أصحابه المصريين وهم: المزني، والبويطي، والربيع الجيزي، والربيع بن سليمان المرادي راوي (الأم) وغيرها عن الشافعي. والفتوى على مافي الجديد، دون القديم، فقد رجع الشافعي عنه، وقال: «لاأجعل في حل من رواه عني» إلا في مسائل يسيرة نحو السبع عشرة، يفتى فيها بالقديم إلا إذا اعتضد القديم بحديث صحيح لامعارض له، فإن اعتضد بدليل فهو مذهب الشافعي، فقد صح أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عُرْض الحائط».
- وقد كثر تلاميذه وأتباعه في الحجاز والعراق ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية، وأترجم بصفة خاصة لخمسة مصريين منهم أخذوا عنه مذهبه الجديد وهم (1):
- 1 ً - يوسف بن يحيى البويطي، أبو يعقوب (توفي عام 231هـ) وهو مسجون ببغداد بسبب فتنة القول بخلق القرآن التي أثارها الخليفةالمأمون، استخلفه الشافعي في حلقته، له مختصر مشهور اختصره من كلام الشافعي.
_________
(1) كتاب الشافعي لأستاذنا أبي زهرة: ص149 ومابعدها.

(1/51)


2 ً - أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى المزني (المتوفى عام 264هـ) قال عنه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي»، له في مذهب الشافعي كتب كثيرة، منها المختصر الكبير المسمى المبسوط، والمختصر الصغير. أخذ عنه كثير من علماء خراسان والعراق والشام، وكان عالماً مجتهداً.
- 3 ً - الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد، راوي الكتب، كان مؤذناً بجامع عمرو بن العاص (جامع الفسطاط)، توفي عام (270هـ)، صحب الشافعي طويلاً، حتى صار راوية كتبه، وعن طريقه وصلنا: الرسالة والأم وغيرهما من كتب الإمام. وتقدم روايته على رواية المزني إن تعارضتا.
- 4 ً - حَرْملة بن يحيى بن حرملة (المتوفى سنة 266هـ) روى عن الشافعي من الكتب مالم يروه الربيع، مثل كتاب الشروط (3 أجزاء)، وكتاب السنن (عشرة أجزاء) وكتاب النكاح، وكتاب ألوان الإبل والغنم وصفاتها وأسنانها.
- 5 ً - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى في ذي القعدة سنة 268هـ) كان تلميذ الشافعي وأحد تلامذة مالك، كان أهل مصر لايعدلون به أحداً، وكان الشافعي يُحبه ويوده، ثم ترك مذهبه إلى مذهب مالك؛ لأن الشافعي لم يخلفه في حلقته، ولأنه مذهب أبيه.

- رابعاً ــ أحمد بن حنبل الشيباني (164 - 241 هـ) مؤسس المذهب الحنبلي:
- الإمام أبو عبد الله، أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذُّهلي الشيباني، ولد ببغداد، ونشأ بها، وتوفي فيها في ربيع الأول رحمه الله، وكانت له رحلات إلى مدائن العلم، كالكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة.

(1/52)


تفقه على الشافعي حين قدم بغداد، ثم أصبح مجتهداً مستقلاً، وتجاوز عدد شيوخه المئة، وأكبَّ على السُّنة يجمعها ويحفظها، حتى صار إمام المحدثين في عصره، بفضل شيخه: هشيم بن بشير بن أبي خازم البخاري الأصل (104 - 183هـ).
- كان إماماً في الحديث والسنة والفقه، قال عنه إبراهيم الحَرْبي: «رأيت أحمد، كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين» وقال عنه الشافعي حين ارتحل إلى مصر: «خرجت من بغداد، وماخلَّفت بها أتقى ولاأفقه من ابن حنبل».
- وقد امتحن أحمد بالضرب والحبس في فتنة خلق القرآن في زمن المأمون والمعتصم والواثق، فصبر صبر الأنبياء، قال عنه ابن المديني: «إن الله أعز الإسلام برجلين: أبي بكر يوم الردة، وابن حنبل يوم المحنة». وقال عنه بشر الحافي: «إن أحمد قام مقام الأنبياء».
- وأصول مذهبه في الاجتهاد قريبة من أصول الشافعي؛ لأنه تفقه عليه، فهو يأخذ بالقرآن والسنة وفتوى الصحابي والإجماع والقياس، والاستصحاب، والمصالح المرسلة، والذرائع.
- لم يؤلف الإمام أحمد في الفقه كتاباً، وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك.
- وله كتاب (المسند) في الحديث، حوى نيفاً وأربعين ألف حديث، وكان ذا حافظة قوية جداً. ويعمل بالحديث المرسل (وهو مارواه غير الصحابي مسقطاً منه أحد الرواة) وبالحديث الضعيف الذي يرتفع إلى درجة الحديث الحسن، لاالباطل ولاالمنكر، مرجحاً العمل بالمرسل أو الضعيف على القياس.

(1/53)


وكان من أشهر تلامذته الذين نشروا علمه الآتي ذكرهم (1):
- 1 ً - صالح بن أحمد بن حنبل المتوفى سنة (266هـ): وهو أكبر أولاد الإمام أحمد، تلقى الفقه والحديث عن أبيه، وعن غيره من معاصريه، قال فيه أبو بكر الخلال راوي الفقه الحنبلي: «سمع من أبيه مسائل كثيرة، وكان الناس يكتبون إليه من خراسان، يسأل لهم ـ أي أباه ـ عن المسائل».
- 2 ً - عبد الله بن أحمد بن حنبل (213 - 290هـ): اشتغل برواية الحديث عن أبيه. أما أخوه صالح فقد عني بنقل فقه أبيه ومسائله.
- 3 ً - الأثرم، أبو بكر، أحمد بن محمد بن هانئ الخراساني البغدادي (المتوفى سنة 273هـ) روى عن أحمد مسائل في الفقه، وروى عنه حديثاً كثيراً، له كتاب (السنن في الفقه) على مذهب أحمد وشواهده من الحديث، كان من الفقهاء الحفاظ الأعلام.
- 4 ً - عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني (المتوفى سنة 274هـ) صحب أحمد أكثر من عشرين سنة، وكان جليل القدر في أصحاب أحمد، وكان أبو بكر الخلال معجباً بنقله عن أحمد أشد الإعجاب.
- 5 ً - أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو بكر المرّوذي (المتوفى عام 274هـ) كان أخص أصحاب أحمد به، وأقربهم إليه، وإماماً في الفقه والحديث، كثير التصانيف. وإذا أطلق الحنابلة كلمة (أبو بكر) يراد به المرّوذي.
- 6 ً - حرب بن إسماعيل الحنظلي الكرماني (المتوفى سنة 280هـ) أخذ عن أحمد فقهاً كثيراً، وكان المروذي، مع عظيم صلته بأحمد، ينقل عنه ماكتب عن أحمد.
_________
(1) ابن حنبل لأستاذنا المرحوم أبي زهرة: ص176 - 188.

(1/54)


7 ً - إبراهيم بن إسحاق الحربي، أبو إسحاق، (المتوفى عام 285هـ)، كان تبحره في الحديث أكثر من الفقه، وكان عالماً باللغة.
- ثم جاء أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الخلال (المتوفى سنة 311هـ) فجمع عن أصحاب أحمد فقهه، حتى عُدَّ أنه (جامع الفقه الحنبلي) أو ناقله أو راويه. وقد صحب الخلال أبا بكر المروذي حتى مات، ويظهر أنه هو الذي حبب إليه رواية فقه أحمد.
- ثم لخص ماجمعه الخلال اثنان شهيران هما:
- أبو القاسم، عمر بن الحسين الخرقي البغدادي (المتوفى عام 334هـ) ودفن في دمشق، له كتب كثيرة في المذهب، منها مختصره المشهور، الذي شرحه ابن قدامة في كتابه (المغني) وكان له أكثر من ثلاث مئة شرح.
- أبو بكر، عبد العزيز بن جعفر، المعروف بغلام الخلال (المتوفى سنة 363هـ) كان قريناً للخرقي الآنف الذكر، وأشد تلاميذ الخلال اتباعاً له، وقد يرجح روايات وأقوالاً رجح الخلال غيرها.

- خامساً ــ أبو سليمان، داود بن علي الأصفهاني الظاهري (المولود بالكوفة سنة202هـ، المتوفى في بغداد عام 270هـ) مؤسس المذهب الظاهري:
- هو شيخ أهل الظاهر، وواضع أساس هذا المذهب، الذي انتصر له وأشاده من بعده أبو محمد، علي بن سعيد بن حزم الأندلسي (384 - 456هـ) وذلك بما ألف من كتب، من أهمها (المحلى) في الفقه، و (الإحكام في أصول الأحكام) في أصول الفقه.
- كان داود من حفاظ الحديث، فقيهاً مجتهداً، صاحب مذهب مستقل، بعد أن كان شافعياً في بغداد.

(1/55)


وأساس المذهب الظاهري: العمل بظاهر القرآن والسنة، مادام لم يقم دليل على إرادة غير الظاهر، ثم عند عدم النص، يأخذ بالإجماع، بشرط أن يكون إجماع علماء الأمة قاطبة، وقد أخذ الظاهرية بإجماع الصحابة فقط، فإن لم يوجد النص أو الإجماع أخذوا بالاستصحاب: وهو الإباحة الأصلية.
- أما القياس والرأي والاستحسان والذرائع وتعليل نصوص الأحكام بالاجتهاد، فمرفوض، ولا يعتبر دليلاً من أدلة الأحكام، كما أنهم يرفضون التقليد.
- من أمثلته الفقهية: قصر تحريم استعمال آنية الذهب والفضة على الشرب منها، وقصر تحريم الربا على الأصناف الستة المذكورة في الحديث، وأن الجمعة تصلى في مسجد العشائر، كقول أبي ثور أحد أصحاب المذاهب المندثرة، وأن الزوجة الغنية تكلف بالإنفاق على زوجها المعسر وعلى نفسها.
- انتشر هذا المذهب في الأندلس، وأخذ في الاضمحلال في القرن الخامس، ثم انقرض تماماً في القرن الثامن.

- سادساً ــ زيد بن علي زين العابدين بن الحسين المتوفى سنة (122هـ) ــ إمام الشيعة الزيدية، الذي يعد مذهباً خامساً بجانب المذاهب الأربعة:
- كان إماماً في عصره وشخصية علمية متعددة النواحي، لمعرفته بعلوم القرآن والقراءات وأبواب الفقه، وكان يسمى (حليف القرآن) وله أقدم كتاب فقهي هو (المجموع) في الفقه، مطبوع في إيطاليا، وشرحه العلامة شرف الدين الحسين بن الحَيْمي اليمني الصنعاني المتوفى (عام 1221هـ) في كتاب (الروض النضير، شرح مجموع الفقه الكبير) في أربعة أجزاء. وأبو خالد الواسطي هو راوي

(1/56)


أحاديث المجموع وجامع فقه زيد. ويقال: إن كتبه (15) كتاباً، منها (المجموع) في الحديث. لكن نسبة هذه الكتب إليه مشكوك فيها.
- والزيدية: هم الذين جعلوا الإمامة بعد علي زين العابدين إلى ابنه زيد مؤسس هذا المذهب. وقد بويع لزيد بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك، فقاتله يوسف بن عمر، حتى قتل.
- وكان زيد يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور، وقد أنكر على من طعن على أبي بكر وعمر من أتباعه، فتفرق عنه الذين بايعوه، فقال لهم: رفضتموني، فسموا (الرافضة) لقول زيد لهم: (رفضتموني). ثم خرج ابنه يحيى بعده في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فقتل أيضاً.
- ومن أهم المؤلفات المطبوعة حالياً في هذا المذهب (كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) للإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى المتوفى عام (840هـ) في أربعة أجزاء، وهو جامع لآراء الفقهاء واختلافاتهم.
- ويميل هذا الفقه إلى فقه أهل العراق مهد التشيع والأئمة، ولايختلف كثيراً في عهد ظهور الزيدية الأولى عن فقه أهل السنة، ويخالفون في مسائل معروفة، منها: عدم مشروعية المسح على الخفين، وتحريم ذبيحة غير المسلم، وتحريم الزواج بالكتابيات، لقوله تعالى: {ولاتمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة:10/ 60]، وخالفوا الشيعة الإمامية في إباحة زواج المتعة، فلا يجيزونه، ويزيدون في الأذان: (حي على خير العمل) ويكبرون خمس تكبيرات في الجنازة. والمذهب الفعلي في اليمن هو مذهب الهادوية أتباع الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين.

(1/57)


ومايزال هذا المذهب مذهب دولة الزيدية في اليمن منذ (عام 288هـ). وهم أقرب المذاهب الشيعية إلى مذهب أهل السنة، ومذهبهم في العقيدة هو مذهب المعتزلة. وهم يعتمدون في استنباط الأحكام على القرآن والحديث والاجتهاد بالرأي، والأخذ بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب.
- والخلاصة: أن الزيدية منسوبة لزيد، لقولهم بإمامته، وإن لم يكونوا على مذهبه في الفروع الفقهية، بخلاف الحنفية والشافعية مثلاً، فهم يتابعون الإمام في الفروع.

- سابعاً ــ الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق (80 - 148 هـ= 699 - 765م) بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط مؤسس مذهب الإمامية. وأما أبو جعفر، محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفار الأعرج القُمِّي المتوفى (سنة 290هـ)، فهو ناشر مذهب الشيعة الإمامية في الفقه.
- والإمامية يقولون بإمامة اثني عشر إماماً معصوماً، أولهم الإمام أبو الحسن علي المرتضى، وآخرهم محمد المهدي الحجة، الذين زعموا أنه مستور وأنه هو الإمام القائم.
- وابن فرّوخ هو الناشر الفعال لفقه الشيعة الإمامية في فارس في كتابه (بشائر الدرجات في علوم آل محمد، وماخصهم الله به) طبع سنة (1285هـ).
- وقد تقدمه أول كتاب للإمامية في الفقه وهو رسالة الحلال والحرام لإبراهيم ابن محمد أبي يحيى المدني الأسلمي التي رواها عن الإمام جعفر الصادق.
- ثم كتب ابنه علي الرضا كتاب (فقه الرضا) طبع عام (1274هـ) في طهران.
- ثم جاء بعد ابن فرّوخ الأعرج في القرن الرابع: محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيني الرازي، شيخ الشيعة، المتوفى (سنة 328هـ)، فألف كتابه «الكافي في علم الدين» وفيه (16099) ستة عشر ألفاً وتسعة وتسعون حديثاً من

(1/58)


طرق آل البيت، وهو رقم يزيد على ماجاء في كتب الصحاح الستة (البخاري ومسلم ... ).
- وبه تكون عمدة مذهب الإمامية: الكافي، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق القمي، وتهذيب الأحكام للطوسي، والاستبصار للطوسي، وهم كالزيدية لايعتمدون غالباً في الفقه بعد القرآن إلا على الأحاديث التي رواها أئمتهم من آل البيت، كما أنهم يرون فتح باب الاجتهاد، ويرفضون القياس غير المنصوص العلة، وينكرون الإجماع إلا إذا كان الإمام داخلاً فيه. ومرجع الأحكام الشرعية هم الأئمة دائماً لاغيرهم.
- وفقه الإمامية وإن كان أقرب إلى المذهب الشافعي، فهو لايختلف في الأمور المشهورة عن فقه أهل السنة إلا في سبع عشرة مسألة تقريباً، من أهمها إباحة نكاح المتعة، فاختلافهم لايزيد عن اختلاف المذاهب الفقهية كالحنفية والشافعية مثلاً. وينتشر هذا المذهب إلى الآن في إيران والعراق. والحقيقة أن اختلافهم مع أهل السنة لايرجع إلى العقيدة أو إلى الفقه، وإنما يرجع لناحية الحكومة والإمامة. ولعل أفضل ماأعلنت عنه ثورة الخميني في إيران عام (1979م)، هو تجاوز الخلاف مع أهل السنة، واعتبار المسلمين جميعاً أمة واحدة، راجين تحقيق ذلك.
- ومن أهم المسائل الفقهية التي افترقوا بها عن أهل السنة: القول بإباحة الزواج المؤقت أو زواج المتعة، وإيجاب الإشهاد على الطلاق، وتحريمهم كالزيدية ذبيحة الكتابي والزواج بالنصرانية أو اليهودية، وتقديمهم في الميراث ابن العم الشقيق على العم لأب، وعدم مشروعية المسح على الخفين، ومسح الرجلين في الوضوء، وفي أذانهم: (أشهد أن علياً ولي الله)، (حي على خير العمل)، وتكرار جملة: (لا إله إلا الله).

- ثامنا ً ـ أبو الشّعثاء التابعي جابر بن زيد (المتوفى سنة 93هـ / 711م) مؤسس مذهب الإباضية، الذي ينسب عادة إلى عبد الله بن إباض التميمي (المتوفى عام 80 هـ).

(1/59)


كان جابر بن زيد من العلماء التابعين العاملين بالقرآن والسنة، تتلمذ على ابن عباس رضي الله عنهما، وأصول فقه الإباضية كأصول المذاهب الأخرى المعتمدة على القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستدلال أو الاستنباط بجميع طرقه من الاستحسان والاستصلاح (المصالح المرسلة) والاستصحاب وقول الصحابي وغيرها. والمعتمد عندهم أن الإلهام من غير النبي صلّى الله عليه وسلم ليس بحجة في الأحكام الشرعية على غير الملهَم، وأما المجتهد الملهم فليس الإلهام في حقه حجة إلا في قضية لايوجد لحكمها دليل متفق عليه، وكأنه الاستحسان المعروف. وهم يتبرؤون من تسميتهم الخوارج أو الخوامس، وكانوا يعرفون بأهل الدعوة، وأهل الاستقامة، وجماعة المسلمين.
- وقد اشتهرت الإباضية بالقول بالمسائل الفقهية التالية (1):
-
1ً - عدم جواز المسح على الخفين كالشيعة الإمامية.
-
2ً - عدم رفع الأيدي في تكبيرة الإحرام، أما إسبال الأيدي في الصلاة والاقتصار على تسليمة واحدة فهم موافقون المذهب المالكي والزيدي.
-
3ً - القول بإفطار من أصبح جنباً في رمضان عملاً بحديث أبي هريرة ورأي بعض التابعين.
-
4ً - تحريم ذبائح أهل الكتاب الذين لايعطون الجزية أو الحربيين غير المعاهدين، والإمامية لايجيزون أكل هذه الذبائح مطلقاً.
-
5ً - تحريم نكاح الصبي والصبية في قول جابر بن زيد، والعمل في المذهب بخلافه.
_________
(1) بحث (دور المدرسة الإباضية في الفقه والحضارة الإسلامية) للدكتور إبراهيم عبد العزيز بدوي ص18، مع تعديلات وتصحيحات لنا.

(1/60)


- 6ً - كراهة الجمع بين بنات العم خوف القطيعة، وهي كراهة تنزيه.
-
7ً - الوصية واجبة للأقربين غير الوارثين عملاً بالأحاديث التي تحث على الإيصاء، وتجوز الوصية لأولاد الابن مع وجود الأولاد، لقول الله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إن ترك خيراً الوصيةُ للوالدين والأقربين} [البقرة:180/ 2] ونسخت الوصية للوالدين بآية المواريث وبحديث (لاوصية لوارث).
-
8ً - المكاتب حر من وقت الكتابة، والمدبَّر حر بعد موت المدبِّر كبقية المذاهب، أو بعد انقضاء الأجل الذي أجل إليه، ولايجوز بيعه إلا في الدَّيْن عند أكثر علماء المذهب.
-
9ً - تحريم التبغ على أنه من الخبائث.
- ومن كتبهم في العقيدة: (مشارق الأنوار) للشيخ نور الدين السالمي، وفي الأصول (طلعة الشمس) للشيخ نور الدين السالمي، وفي الفقه (شرح النيل وشفاء العليل) للشيخ محمد بن يوسف بن أطَّفَيِّش، (17) جزءا، و (قاموس الشريعة) للسعدي، (90 جزءاً)، و (المصنَّف) للشيخ أحمد بن عبد الله الكندي، (42 جزءًا)، و «منهج الطالبين» للشيخ الشقعبي، (20 جزءاً)، و «الإيضاح» للشيخ الشمَّاخي، (8 أجزاء)، و (جوهر النظام) للشيخ السالمي، و (الجامع) لابن بركة في جزأين.
- ومايزال مذهبهم قائماً في سلطنة عمان وفي شرق أفريقيا والجزائر وليبيا وتونس.
- وهم في العقائد يقولون بتخليد أصحاب الكبائر في النار إن لم يتوبوا، وبالولاية والبراءة (ولاية الطائع والبراءة من العاصي) وبجواز التَّقيَّة في الأقوال لا في الأفعال، وبأن صفات الله تعالى هي عين الذات، أي أن صفاته قائمة بذاته

(1/61)


وليست مغايرة له، فهم يقصدون تعظيم الله وتنزيهه، كما أنهم كالشيعة بنفيهم رؤية الله عز وجل في الآخرة يقصدون التعظيم والتنزيه، ولكنهم لايقولون كالمعتزلة بالتحسين والتقبيح العقليين، ولا بوجوب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى (1).