الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث الثاني ـ سبب
الزكاة وشروطهاوركنها:
قال الحنفية (4): سبب الزكاة: ملك مقدار النصاب النامي ولو تقديراً بالقدرة
على الاستنماء بشرط حولان الحول القمري لا الشمسي، وبشرط عدم الدين الذي له
مطالب من جهة العباد، وكونه زائداً عن حاجته الأصلية.
_________
(1) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، رواه أحمد والنسائي، وأبو داود
وقال: وشطر ماله، وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها (نيل
الأوطار: 121/ 4 ومابعدها).
(2) هو الأنثى من أولاد المعز، وفي الرواية الأخرى: عقالاً، والمراد
بالعقال عند جماعة: هو زكاة عام، إذ لايجوز القتال على الحل الذي يعقل به
البعير، وقال كثير من المحققين: المراد به الحبل الذي يعقل به البعير، على
سبيل المبالغة.
(3) رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 119/ 4).
(4) الدر المختار: 5/ 2 - 12، فتح القدير: 487/ 1.
(3/1794)
ويلاحظ أن السبب والشرط يتوقف عليهما وجود
الشيء، إلا أن السبب يضاف إليه الوجوب، دون الشرط، فمن لم يملك النصاب لا
زكاة عليه، فلا زكاة في الأوقاف، لعدم الملك، ولا فيما أحرزه العدو في
ديارهم؛ لأنهم ملكوه بالإحراز.
والمقصود بالنصاب: هو ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة من المقادير
الآتية في بحث أموال الزكاة، كمائتي درهم أوعشرين ديناراً.
وبناء عليه لا زكاة على مال اشتراه للتجارة قبل قبضه، لعدم الملك التام،
ولازكاة باتفاق المذاهب على الحوائج الأصلية من ثياب البدن والأمتعة ودور
السكنى (العقارات) وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وسلاح الاستعمال، والكتب
العلمية وإن لم تكن لأهلها إذا لم ينو بها التجارة، وآلات المحترفين؛ لأنها
مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أصلاً.
ولا زكاة عند الحنفية أيضاً لعدم النمو في مال مفقود أوضال وجده بعد سنين،
ولا في ساقط في بحر استخرجه بعد سنين، ولا في مغصوب لابينة عليه، فلو كانت
له بينة تجب الزكاة بعد قبضه من الغاصب لما مضى من السنين، ولا في مدفون
ببرية نسي مكانه ثم تذكره، ولا في وديعة منسية عند غير معارفه، أي عند
الأجانب، فلو كانت منسية عند معارفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير
محله. ولا في دين جحده المديون سنين ولا بينة له عليه، ثم توافرت له بينة
بأن أقر بعدها عند قوم، ولا على ما أخذه مصادرة، أي ظلماً ثم وصل إليه بعد
سنين. أما لو كان الدين على مقر مليء أوعلى معسر أو مفلس (محكوم بإفلاسه)
أو على جاحد عليه بينة، فعليه الزكاة على ما مضى، على المعتمد في حالة
الجاحد، إن وصل إلى ملكه.
(3/1795)
ودليل الحنفية على عدم وجوب الزكاة في هذه
الأحوال: حديث «لا زكاة في مال الضِّمار» (1) أي ما لا يمكن الانتفاع به مع
بقاء الملك.
ولا زكاة بالاتفاق على ما لم يحل عليه الحول، أي يمضي عليه سنة، كما بينت
السنة النبوية الآتي بيانها في الشروط.
ولا زكاة بالاتفاق على سائر الجواهر واللآلئ ونحوها كالياقوت والزبرجد
والفيروزج والمرجان، لعدم ورود ما يوجبها في الشرع، ولأنها معدة للاستعمال،
إلا أن تكون للتجارة.
ولا زكاة عندالجمهور على المواشي العلوفة والعوامل، وإنما الزكاة على
السائمة، وأوجب المالكية الزكاة على المعلوفة والعوامل.
وأما ركن الزكاة: فهو إخراج جزء من
النصاب بإنهاء يد المالك عنه، وتمليكه إلى الفقير وتسليمه إليه أو إلى من
هو نائب عنه وهو الإمام أو المصدِّق (الجابي) (2).
شروط الزكاة: للزكاة شروط وجوب وشروط
صحة، فتجب بالاتفاق على الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصاباً ملكاً
تاماً، وحال عليه الحول، وتصح بالنية المقارنة للأداء اتفاقاً.
_________
(1) نسب إلى علي، وهو غريب ليس بمعروف، وذكره سبط ابن الجوزي في آثار
الإنصاف عن عثمان وابن عمر، ورواه أبو عبيد في الأموال عن الحسن البصري،
ورواه مالك عن عمر بن عبد العزيز، وفيه انقطاع، قال مالك: الضمار: المحبوس
عن صاحبه. والضمار في اللغة: الغائب الذي لا يرجى، وأصله الإضمار أي
التغييب والإخفاء (نصب الراية: 334/ 2، رد المحتار: 12/ 2).
(2) البدائع: 39/ 2.
(3/1796)
أما شروط وجوب
الزكاة أي فرضيتها، فهي ما يأتي (1):
1 - الحرية: فلا تجب الزكاة اتفاقاً على
العبد؛ لأنه لا يملك، والسيد مالك لما في يد عبده، والمكاتب ونحوه وإن ملك،
إلا أن ملكه ليس تاماً. وإنما تجب الزكاة في رأي الجمهور على سيده لأنه
مالك لمال عبده، فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد الشريك المضارب
والوكيل. وقال المالكية: لا زكاة في مال العبد لا على العبد ولا على سيده؛
لأن ملك العبد ناقص، والزكاة إنما تجب على تام الملك، ولأن السيد لايملك
مال العبد.
2 - الإسلام: فلا زكاة على كافر
بالإجماع؛ لأنها عبادة مطهرة وهو ليس من أهل الطهر.
وأوجب الشافعية خلافاً لغيرهم على المرتد زكاة ماله قبل ردته، أي في حال
الإسلام، ولاتسقط عنه، خلافاً لأبي حنيفة فإنه أسقطها عنه، لأنه يصير
كالكافر الأصلي. وأما زكاة ماله حال الردة، فالأصح عند الشافعية أن حكمها
حكم ماله، وماله موقوف، فإن عاد إلى الإسلام وتبينا بقاء ماله فتجب عليه،
وإلا فلا.
ولم يوجب الفقهاء على الكافر الأصلي الزكاة إلا في حالتين:
إحداهما ـ العشور: قال المالكية والحنابلة والشافعية: يؤخذ العشر من تجار
أهل الذمة والحربيين إذا اتجروا إلى بلد من بلاد المسلمين من غير بلادهم،
وإن تكرر ذلك مراراً في السنة، سواء بلغ ما بأيديهم نصاباً أم لا.
_________
(1) فتح القدير: 481/ 1 - 486، الدر المختار: 4/ 2 ومابعدها، 13، اللباب:
140/ 1، بداية المجتهد: 236/ 1، حاشية الدسوقي: 431/ 1، 459، 463، القوانين
الفقهية: ص98 ومابعدها، الشرح الصغير: 589/ 1 ومابعدها، 629، شرح الرسالة:
317/ 1، الأم: 125/ 4، المهذب: 140/ 1، 143 ومابعدها، المجموع: 293/ 5 -
299، المغني: 621/ 2 - 628، كشاف القناع: 195/ 2، 239 ومابعدها، 283،285،
حاشية الباجوري: 270/ 1 - 275.
(3/1797)
ويؤخذ عند المالكية نصف العشر منهم مما
حملوا إلى مكة والمدينة وقراهما من القمح والزيت خاصة.
واشترط أبو حنيفة فيه النصاب، وقال: إنما يؤخذ من الذمي نصف العشر خاصة،
ومن الحربي العشر، على أساس المجازاة أو المعاملة بالمثل.
وقال الشافعي، لا يؤخذ منهم شيء إلا بالشرط، فإن شرط على الحربي العشر حال
أخذه أخذ وإلا فلا.
والثانية ـ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: تضاعف الزكاة على نصارى بني تغلب
خاصة (1)؛ لأنها بديل عن الجزية، وعملاً بفعل عمر رضي الله عنه.
ولا يحفظ عن مالك في ذلك نص.
3 - البلوغ والعقل: شرط عند الحنفية،
فلا زكاة على صبي ومجنون في مالهما؛ لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة
كالصلاة والصوم.
وقال الجمهور: لا يشترطان، وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويخرجها
الولي من مالهما لحديث «من ولي يتيماً له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى
تأكله الصدقة» وفي رواية: «ابتغوا في مال اليتامى، لا تأكلها الزكاة» (2)،
ولأن الزكاة تراد لثواب المزكي، ومواساة الفقير، والصبي والمجنون من أهل
_________
(1) بنو تغلب: عرب نصارى، همَّ عمر رضي الله عنه أن يضرب عليهم الجزية
فأبوا، وقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا ما يأخذ بعضكم
من بعض، يعني الصدقة، فقال عمر: لا، هذه فرض المسلمين، فقالوا: فزذ ما شئت
بهذا الاسم، لا باسم الجزية، ففعل وتراضى هو وهم أن يضاعف عليهم الصدقة.
وفي رواية: هي جزية سموها ماشئتم (رد المحتار: 37/ 2).
(2) حديث ضعيف رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه الشافعي
والبيهقي بإسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي صلّى الله عليه وسلم
مرسلاً، ورواه البيهقي عن عمر موقوفاً عليه، وقال: إسناده صحيح (المجموع:
5/ 792، نصب الراية: 331/ 2 ومابعدها).
(3/1798)
الثواب، ومن أهل المواساة، ولهذا يجب
عليهما نفقة الأقارب. وهذا الرأي أولى لما فيه من تحقيق مصلحة الفقراء، وسد
حاجتهم، وتحصين المال من تطلَّع المحتاجين إليه، وتزكية النفس، وتدريبها
على خلُق المعونة والجود.
4 - كون المال مما تجب فيه الزكاة: وهو
خمسة أصناف: النقدان ولو غير مضروبين وما يحل محلهما من الأوراق النقدية،
والمعدن والركاز، وعروض التجارة، والزروع والثمار، والأنعام الأهلية
السائمة عند الجمهور، وكذا المعلوفة عند المالكية.
ويشترط كون المال نامياً؛ لأن معنى الزكاة وهو النماء لا يحصل إلا من المال
النامي، وليس المقصود حقيقة النماء، وإنما كون المال معداً للاستنماء
بالتجارة أو بالسوم أي الرعي عند الجمهور؛ لأن الإسامة سبب لحصول الدر
والنسل والسمن، والتجارة سبب لحصول الربح، فيقام السبب مقام المسبب.
فلا زكاة في الجواهر واللآلئ والمعادن غير الذهب والفضة، ولا في الأمتعة
وأصول الأملاك والعقارات، ولا في الخيل والبغال والحمير والفهود والكلاب
المعلمة، والعسل والألبان وآلات الصناعة وكتب العلم إلا أن تكون للتجارة.
وأوجب أبو حنيفة الزكاة في الخيل السائمة للتناسل، والمفتى به عدم الزكاة
فيها، وأوجبها الحنفية والحنابلة والظاهرية في العسل، ولم يوجبها فيه
المالكية والشافعية.
5 - كون المال نصاباً أو مقداراً بقيمة نصاب: وهو ما نصبه الشرع علامة على
توفر الغنى ووجوب الزكاة من المقادير الآتية. وسيأتي في بحث أنواع أموال
الزكاة بيان الأنصبة الشرعية، وخلاصتها: نصاب الذهب عشرون مثقالاً أو
ديناراً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الحبوب، والثمار بعد الجفاف عند
(3/1799)
غير الحنفية
خمسة أوسق (653 كغ)، وأول نصاب الغنم أربعون شاة، والإبل خمس، والبقر
ثلاثون.
6 - الملك التام للمال: واختلف الفقهاء
في المراد بالملك، أهو ملك اليد (الحيازة) أم ملك التصرف أم أصل الملك؟
فقال الحنفية (1): المقصود أصل الملك وملك اليد (2)، بأن يكون مملوكاً، فلا
زكاة في سوائم الوقف والخيل الموقوفة، لعدم الملك، ولا تجب الزكاة في المال
الذي استوى عليه العدو وأحرزه بداره؛ لأن الأعداء في رأي الحنفية ملكوه
بالإحراز، فزال ملك المسلم عنه، ولا في الزرع النابت في أرض مباحة لعدم
الملك، ولا على المدين الذي في يده مال للغير لعدم الملك، وإنما زكاة هذا
المال على المالك الأصلي. وأيضاً أن يكون مملوكاً في اليد أي مقبوضاً، فلو
ملك شيئاً ولم يقبضه، كصداق المرأة قبل قبضه، فلا زكاة عليها فيه. ولا زكاة
في المال الضمار: وهو كل مال غير مقدور الانتفاع به، مع قيام أصل الملك،
كالحيوان الضال، والمال المفقود والمال الساقط في البحر، والمال الذي أخذه
السلطان مصادرة، والدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة وحال الحول ثم صار
له بينة، بأن أقر عند الناس، والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك
مكانه، فإن كان مدفوناً في البيت تجب فيه الزكاة بالإجماع. وعلى هذا لا
زكاة في رأي الحنفية على مايقابل الدين من مال المزكي؛ لأن مقدار الدين هو
في الواقع مملوك للدائن لا للمدين.
_________
(1) البدائع: 9/ 2، رد المحتار: 5/ 2.
(2) اعتبر صاحب الكنز هذا شرطاً، واعتبره صاحب الدرر سبباً كما أوضحت، وقال
القرافي: إنه سبب.
(3/1800)
وقال المالكية
(1): المقصود أصل الملك والقدرة على التصرف فيما ملك، فلا زكاة على المرتهن
فيما تحت يده من شيء غير مملوك له، لعدم الملك، ولا زكاة في مال مباح لعموم
الناس، كالزرع النابت وحده في أرض غير مملوكة لأحد، لعدم الملك، ولا زكاة
على غير مالك كغاصب ووديع وملتقط.
وتجب الزكاة على المرأة في صداقها بعد قبضه ومضي حول عليه، وتجب الزكاة على
الواقف في ملكه إن بلغ نصاباً، أو نقص عن النصاب وكان عند الواقف ما يكمل
به النصاب، إن تولى المالك القيام به بأن كان النبات تحت يد الواقف يزرعه
ويعالجه حتى يثمر ثم يفرقه؛ لأن الوقف لا يخرج العين عندهم عن الملك. وتجب
الزكاة في المغصوب والمسروق والمجحود والمدفون في محل والضال (الضائع)،
وإذا قبضه زكاة لحول واحد، أما الوديعة إذا مكثت أعواماً عند الوديع، فتزكى
بعد قبضها لكل عام مضى مدة إقامتها عند الأمين. وتجب الزكاة على المدين في
مال النقود الذي بيده لغيره، متى مضى حول عليه، إن كان عنده ما يمكنه أن
يوفي الدين منه من عقار أو غيره؛ لأنه بالقدرة على دفع قيمته صار مملوكاً
له. فإن كان المال الذي عنده حرثاً (زرعاً أو ثمراً) أو ماشية أو معدناً،
فتجب عليه زكاته، ولو لم يكن عنده ما يوفي به الدين.
وقال الشافعية (2): المطلوب توافر أصل
الملك التام والقدرة على التصرف، فلا زكاة على السيد في مال المكاتب؛ لأنه
لا يملك التصرف فيه، فهو كمال الأجنبي، ولا زكاة في الأوقاف؛ لأنها في
الأصح على ملك الله تعالى، ولا على المال المباح لعموم ملك الناس كزرع نبت
بفلاة وحده، دون أن يستنبته أحد؛ لعدم الملك الخاص.
_________
(1) الشرح الكبير: 431/ 1، 457، 484 ومابعدها، الشرح الصغير: 588/ 1، 622
ومابعدها، 647.
(2) المجموع: 308/ 5 - 318، المهذب: 141/ 1 ومابعدها، الأم 42/ 1 - 43.
(3/1801)
وتجب الزكاة على المستأجر لأرض الوقف
المأجورة، مع أجرة الأرض، وعلى الموقوف عليه المعين في ثمار الأشجار
الموقوفة من نخل وعنب. وفي الجديد تجب الزكاة في المال المغصوب والضال،
واللقطة في السنة الأولى، والمسروق والساقط في البحر والمال الغائب والشيء
المودع بعد عود المال إلى يد المالك؛ لأنه مال مملوك لصاحبه يملك المطالبة
به، ويجبر الغاصب على تسليمه إليه، كالمال الذي في يد وكيله.
والصحيح أنه تجب الزكاة على الملتقط إذا مضى عليه حول من حين ملك اللقطة؛
لأنه ملك مضى عليه حول في يد مالكه.
والأصح أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين
يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر، كوجود الدين وأرش الجناية. ويؤيده ما
رواه مالك في الموطأ: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول: «هذا شهر
زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤدّ زكاته، حتى تحْصُلَ أموالكم، فتؤدون منه
الزكاة».
ويجب على المرأة زكاة صداقها وتخرجها بعد قبضه؛ لأنه في يد زوجها قبيل
الدين.
وعلى المدين زكاة المال الذي استدانه من غيره: إذا حال عليه الحول وهو في
ملكه؛ لأنه ملكه بالاستقراض ملكاً تاماً.
وقال الحنابلة (1): لا بد من توافر أصل
الملك والقدرة على التصرف حسب اختياره. فلا تجب الزكاة في الموقوف على غير
معين كالمساجد والمدارس والمساكين
_________
(1) المغني: 48/ 3 - 53.
(3/1802)
ونحوها، وتجب الزكاة في الموقوف على معين
كأرض أو شجر. وتجب على الراجح في المغصوب والمسروق والمجحود والضال إذا
قبضه كالدين. وتجب في اللقطة على الملتقط إذ صارت بعد الحول كسائر أمواله،
إذا مضى عليها حول بعد تعريفها. والمرأة إذا قبضت صداقها زكته لما مضى؛
لأنه دين، وحكمه كزكاة الديون على مامضى، فإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضى
عليه حول، فزكته، ثم طلقها الزوج قبل الدخول، رجع فيها بنصفه، وكانت الزكاة
من النصف الباقي لها.
7 - مضي عام أو حَوَلان حول قمري على ملك النصاب: لقوله صلّى الله عليه
وسلم: «لازكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (1) ولإجماع التابعين والفقهاء.
وحول الزكاة قمري لا شمسي بالاتفاق كباقي أحكام الإسلام من صوم وحج.
ولفقهاء المذاهب آراء متقاربة في حولان الحول.
فقال الحنفية (2): يشترط كون النصاب
كاملاً في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه كاملاً أم لا، فإذا ملك إنسان
نصاباً في بدء الحول، ثم استمر كاملاً لنهاية الحول، من غير أن ينقطع
تماماً في الأثناء، أو يذهب كله في أثناء العام، وجبت الزكاة، وتجب أيضاً
إن نقص في أثناء الحول، ثم تم في آخره؛ فنقصان النصاب في الحول لا يضر إن
كمل في طرفيه.
والمستفاد ولو بهبة أو إرث في وسط الحول يضم إلى أصل المال، وتجب فيه
_________
(1) روي من حديث علي عند أبي داود وهو حسن، ومن حديث ابن عمر وأنس عند
الدارقطني وهو إما ضعيف أو موقوف، ومن حديث عائشة عند ابن ماجه وهو ضعيف
(نصب الراية: 328/ 2 ومابعدها).
(2) مراقي الفلاح: ص121، الدر المختار: 31/ 2،72، فتح القدير: 510/ 1،
البدائع: 51/ 2
(3/1803)
الزكاة؛ لأنه يعسر مراعاة وضبط الحول لكل
مستفاد، وفي ذلك حرج لا سيما إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة يستفيد كل
يوم درهماً أو درهمين، والحول ما شرط إلا تيسيراً للمزكي.
وحولان الحول شرط في غير زكاة الزرع والثمار، أما فيهما فتجب الزكاة عند
ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد إذا بلغت حداً ينتفع بها، وإن لم يستحق
الحصاد.
وقال المالكية (1): حولان الحول شرط في
العين (الذهب والفضة) والتجارة، والأنعام، وليس بشرط في المعدن والركاز
والحرث (2) (الزرع والثمار)، وإنما تجب في ذلك بطيبه (3) ولو لم يحل الحول.
أما المال المستفاد في أثناء الحول غير ماتجدد من الحيوان: فإن كان من هبة
أو ميراث، أو من بيع أو غير ذلك، لم تجب عليه زكاة حتى يحول عليه الحول.
وإن كان ربح مال أو تجارة، زكاة لحول أصله، سواء أكان الأصل نصاباً، أم
دونه إذا أتم نصاباً بربحه؛ لأن ربح المال مضموم إلى أصله، فإذا نقص النصاب
من الذهب أو الفضة في أثناء الحول ثم ربح فيه أو اتجر فربح، وجبت الزكاة،
وخلاصة القاعدة عندهم: أن حول ربح المال حول أصله، وكذلك حول نسل الأنعام
حول الأمهات.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص99، 101، الشرح الصغير: 590/ 1، بداية المجتهد:
261/ 1 - 263، شرح الرسالة: 326/ 1.
(2) سمي حرثاً: لأنه تحرث الأرض لأجله غالباً، والحرث: الحبوب وذوات الزيوت
الأربع، والتمر والزبيب.
(3) تجب الزكاة بإفراك الحب: وهو طيبه وبلوغه حد الأكل منه واستغناؤه عن
السقي لا باليبس والحصاد ولا بالتصفية، وطيب الثمر: هو الزهو في بلح النخل،
وظهور الحلاوة في العنب (الشرح الصغير: 615/ 1) هذا ما ذكره الدردير، وجاء
في الرسالة (318/ 1) أن الوجوب يتعلق بيوم الحصاد والجداد وهو المشهور.
(3/1804)
ويشترط أيضاً مجيء الساعي مع الحول في
الماشية، فلا تجب الزكاة فيها قبل مجيئه.
وقال الشافعية (1): مثل المالكية: حولان
الحول شرط في زكاة الأثمان (النقود) وعروض التجارة والماشية، وليس بشرط في
الثمار والزرع والمعادن والركاز. ويشترط مضي حول كامل متوال، فلو نقص
النصاب في أثناء الحول ولو لحظة لم تجب الزكاة إلا في نتاج الماشية، فيتبع
الأمهات في الحول وإلا في ربح التجارة فيزكى على حول أصله إذا كان الأصل
نصاباً، فمتى تخلل زوال الملك أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها كالبيع والهبة،
استأنف الحول، وإذا كان النصاب كاملاً في بدء الحول ثم نقص في أثنائه، ثم
كمل بعد ذلك، لم تجب الزكاة إلا مضي حول كامل من يوم التمام.
وأما المستفاد في أثناء الحول بالبيع أو الهبة أو الإرث أوالوقت ونحوها مما
يستفاد لا من نفس المال، فله حول جديد مستقل عن الأصل أي في غير النتاج
وربح التجارة كما تقدم، فيستأنف له الحول لتجدد الملك، ولا يجمع إلى ما
عنده في الحول.
ويكره، وقيل: يحرم وعليه كثيرون أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد
رفع وجوب الزكاة؛ لأنه فرار من القربة.
وقال الحنابلة (2): يشترط حولان الحول
في زكاة الأثمان (الذهب والفضة) والمواشي وعروض التجارة، ولايشترط في غيرها
من الثمار والزروع والمعادن والركاز. والمعتبر وجود النصاب في جميع الحول،
ولا يضر النقص اليسير كنصف
_________
(1) المهذب: 143/ 1، المجموع: 328/ 5 ومابعدها، الحضرمية: ص99.
(2) المغني: 625/ 2 - 629.
(3/1805)
يوم أو ساعات. فلو نقص النصاب في أثناء
الحول وجب بدء حول جديد إلا في النتاج وأرباح التجارة، فإنها تضم إلى
أصلها؛ هأنها تبع له ومتولدة منه، والأرباح تكثر وتتكرر في الأيام
والساعات، ويعسر ضبطها، وكذلك النتاج، وقد يوجد ولا يشعر به، فالمشقة أتم
لكثرة تكرره.
أما المستفاد في أثناء الحول من غير ربح مال التجارة ونتاج السائمة بالبيع
أو الهبة أو الميراث أو الاغتنام ونحو ذلك، فله حول مستقل، لا تجب زكاته
إلا بمضي حول تام عليه، لأنه يندر ولا يتكرر، فلا يشق ضبط حول له، فإن شق
فهو دون المشقة في النتاج والأرباح، فيمتنع قياسه عليها.
والخلاصة: إن حولان الحول شرط متفق عليه، وأن نتاج الماشية وأرباح التجارة
تضم إلى أصل النصاب بالاتفاق، أما المستفاد في أثناء الحول من جنس المال
غير النتاج والأرباح فيضم إليه ويزكى معه عند الحنفية، تيسيراً على المزكي،
ودفعاً للمشقة والعسر عنه، إذ يعسر حساب الحول لكل مستفاد، والحول ما شرط
إلا تيسيراً على الناس في إخراج الزكاة.
ويحسب لكل مستفاد حول جديد عند الجمهور، لأنه مقتضى العدل، ولتجدد الملك،
فيشترط له الحول كالمستفاد من غير جنس المال الأصلي الذي بدئ به النصاب،
ولحديث: «من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول» (1).
8 - عدم الدين: شرط عند
الحنفية في زكاة ماعدا الحرث (الزروع
والثمار)، وعند الحنابلة في كل الأموال، وعند المالكية في زكاة العين
(الذهب والفضة) دون
_________
(1) حديث موقوف على ابن عمر، رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي (نصب
الراية: 330/ 2).
(3/1806)
زكاة الحرث والماشية والمعادن. وليس بشرط
عند الشافعية (1). وتفصيل الآراء فيما يأتي:
قال الحنفية: الدين الذي له مطالب من جهة العباد يمنع وجوب الزكاة سواء
أكان لله كزكاة وخراج (ضريبة الأرض)، أم كان لإنسان، ولو دين كفالة؛ لأن
للدائن المكفول له أخذ الدين من أيهم شاء من المدين أو الكفيل، ولو ديناً
مؤجلاً، ولو صداق زوجته المؤجل للفراق، أو كان نفقة لزمته بقضاء القاضي أو
بالتراضي.
أما الدين الذي ليس له مطالب من جهة العباد كدين النذر والكفارة والحج، فلا
يمنع وجوب الزكاة.
ولا يمنع الدين وجوب العشر (زكاة الزروع والثمار) والخراج، والكفارة، أي أن
الدين لا يمنع وجوب التكفير بالمال على الأصح.
وقال الحنابلة: الدين يمنع وجوب الزكاة
في الأموال الباطنة وهي الأثمان (النقود) وعروض التجارة، لقول عثمان بن
عفان: «هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤده، حتى تخرجوا زكاة
أموالكم» (2) وفي رواية: «فمن كان عليه دين، فليقض دينه، وليترك بقية ماله»
قال ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكروه، فدل على اتفاقهم عليه.
وكذلك يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة: وهي الأنعام السائمة والحبوب
والثمار، فيبتدئ بالدين فيقضيه، ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة،
فيزكي ما بقي، لما ذكر في الأموال الباطنة.
_________
(1) الدر المختار: 6/ 2 ومابعدها، الشرح الصغير: 647/ 1 - 649، القوانين
الفقهية: ص99، المهذب: 142/ 1، المجموع: 313/ 5 ومابعدها، المغني: 41/ 3
ومابعدها.
(2) رواه أبو عبيد في الأموال.
(3/1807)
ويمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب
أو ينقصه، ولا يجد ما يقضيه سوى النصاب، أو ما لا يستغني عنه، مثل أن يكون
عليه عشرون مثقالاً، وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب إذا
قضاه به، ولا يجد قضاء له من غير النصاب. فإن كان له ثلاثون مثقالاً وعليه
عشرة، فعليه زكاة العشرين، وإن كان عليه أكثر من عشرة، فلا زكاة عليه، أي
أن مقدار الدين لا يمنع الزكاة إذا زاد ماله عن الدين، فإن كان الدين
مساوياً نصاب الزكاة أو ينقصه، فهذا هو الذي يمنع الزكاة.
وقال المالكية: الدين يسقط زكاة العين
(الذهب والفضة) إذا لم يكن عروض تفي به، ولو كان الدين مؤجلاً، أو كان
مهراً عليه لامرأته، أو مؤخراً، أو مقدماً، أو نفقة متجمدة عليه لزوجة أو
أب أو ابن، أو دين زكاة عليه، لا دين كفارة ليمين أو ظهار أو صوم، ولا دين
هدي وجب عليه في حج أو عمرة، فلا يسقطان زكاة العين.
فإن كانت له عروض تفي بدينه، لم تسقط الزكاة عنه، ويجعل ذلك في نظير الدين
الذي عليه، ويزكي ما عليه من العين.
ولا تسقط عنه الزكاة إلا بشرطين:
أولهما ـ إن حال حول العرض عنده:
والثاني ـ أن يكون العرض مما يباع على المفلس، كثياب ونحاس وماشية ولو دابة
ركوب أو ثياب جمعة أو كتب فقه، فإن كان ثوب جسده أو دار سكناه فلا يباع،
إلا أن يكون ذلك فاضلاً عن حاجته الضرورية. وتعتبر قيمة العرض وقت وجوب
الزكاة آخر الحول.
(3/1808)
وإن كان له دين مرجو الحصول ولو مؤجلاً،
فإنه يجعله فيما عليه، ويزكي ماعنده من العين. أما إن كان غير مرجو، كما لو
كان على معسر أو ظالم لا تناله الأحكام فلا يجعل بدلاً عن الدين الواجب
عليه.
ولا يسقط الدين زكاة الحرث (الزرع والثمر) والماشية والمعدن؛ لأن الزكاة
تجب في أعيانها.
ولو وُهب الدين للمدين أو أبرأه الدائن (صاحب الدين) منه، فلا زكاة في
الموهوب حتى يحول عليه الحول في يد الموهوب له؛ لأن الهبة إنشاء لملك
النصاب الذي بيده، فلا تجب الزكاة فيه إلا إذا استأنف حولاً من الهبة.
وقال الشافعي في الجديد: الدين الذي
يستغرق أموال الزكاة أو ينقص المال عن النصاب لا يمنع وجوب الزكاة، فتجب
الزكاة على مالك المال؛ لأن الزكاة تتعلق بالعين، والدين يتعلق بالذمة، فلا
يمنع أحدهما الآخر كالدين وأرش الجناية.
9 - الزيادة عن الحاجات الأصلية: اشترط
الحنفية (1) كون المال الواجب فيه الزكاة فارغاً عن الدين وعن الحاجة
الأصلية لمالكه؛ لأن المشغول بها كالمعدوم، وفسر ابن ملك الحاجة الأصلية:
بأنها ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقاً كالنفقة ودار السكنى وآلات الحرب
والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد، أو تقديراً كالدين، فإن المديون
محتاج إلى قضاء دينه بما في يده من النصاب، دفعاً عن نفسه الحبس الذي هو
كالهلاك، وكآلات الحرفة وأثاث المنزل، ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها؛ فإن
الجهل عندهم كالهلاك، فإذا كانت له دراهم مستحقة بصرفها
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 7/ 2 - 8
(3/1809)
إلى تلك الحوائج، صارت كالمعدومة، كما أن
الماء المستحق صرفه إلى العطش، كان كالمعدوم، وجاز عنده التيمم.
شروط صحة أداء الزكاة:
1 ً - النية: اتفق الفقهاء (1) على أن
النية شرط في أداء الزكاة، تمييزاً لها عن الكفارات وبقية الصدقات، لقول
النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» وأداؤها عمل، ولأنها
عبادة كالصلاة فتحتاج إلى نية لتمييز الفرض عن النفل. وللفقهاء تفصيلات في
النية.
قال الحنفية: لا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء إلى الفقير، ولو
حكماً، كما لو دفع بلا نية ثم نوى، والمال في يد الفقير، أو نوى عند الدفع
للوكيل، ثم دفع الوكيل بلا نية، أو مقارنة لعزل مقدار الواجب؛ لأن الزكاة
عبادة، فكان من شرطها النية، والأصل فيها الاقتران بالأداء، إلا أن الدفع
للفقراء يتفرق فاكتفي بوجودها حالة العزل، تيسيراً على المزكي، كتقديم
النية في الصوم. فلو عزل الزكاة ثم ضاعت أو سرقت أو تلفت، لم تسقط عنه،
ويغرم بدلها؛ لأنه يمكن إخراج الزكاة من بقية المال، ولو مات ورثت عنه
وأخرجت.
ومن تصدق بجميع ماله، لا ينوي الزكاة، سقط فرضها عنه استحساناً، بشرط ألا
ينوي بها واجباً آخر من نذر أوغيره؛ لأن الواجب جزء منه، فكان متعيناً فيه،
فلا حاجة إلى التعيين، وعلى هذا لو كان له دين على فقير، فأبرأه عنه، سقط
زكاة المبلغ المبرأ عنه، سواء نوى به عن الزكاة أو لم ينو، لأنه كالهلاك.
_________
(1) فتح القدير: 493/ 1، الدر المختار: 4/ 2، 14 - 15، البدائع: 40/ 2،
الكتاب: 140/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص99، المهذب: 170/ 1، المجموع:
182/ 6 ومابعدها، الحضرمية: ص150، المغني: 638/ 2 ومابعدها، الشرح الصغير:
666/ 1 ومابعدها، 670 ومابعدها.
(3/1810)
ولو تصدق ببعض النصاب لم تسقط زكاة ما تصدق
به عند أبي يوسف وهو المختار عند صاحب الهداية، فتجب زكاته وزكاة الباقي؛
لأن البعض المؤدى لم يتعين لأداء الواجب. وقال محمد: تسقط زكاة الجزء
المؤدى، كما في حالة التصدق بكل المال، للتيقن بإخراج الجزء الذي هو
الزكاة.
وقال المالكية: تشترط النية لأداء الزكاة عند الدفع، ويكفي عند عزلها،
والصحيح أنها تجزئ من دفعها كرهاً عنه كالصبي والمجنون، وتجزئ نية الإمام
أو من يقوم مقامه عن نية المزكي.
وقال الشافعية: تجب النية بالقلب، ولا يشترط النطق بها، فينوي: «هذا زكاة
مالي» ولو بدون ذكر الفرض؛ لأن الزكاة لا تكون إلا فرضاً، ونحو ذلك، كهذا
فرض صدقة مالي أو صدقة مالي المفروضة، أو الصدقة المفروضة، أو فرض الصدقة.
ويجوز تقديم النية على الدفع بشرط أن تقارن عزل الزكاة، أو إعطاءها للوكيل
أو بعده، وقبل التفرقة، كما تجزئ بعد العزل وقبل التفرقة وإن لم تقارن
أحدهما، ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها بأن يكون مسلماً مكلفاً لأن
الزكاة حق مالي، ويجوز التوكيل في أداء الحقوق المالية، كالتوكيل في دفع
الديون والأثمان، وإعادة الودائع والعواري إلى أصحابها، أما نحو الصبي
والكافر فيجوز توكيله في أدائها، لكن بشرط أن يعين له المدفوع إليه. وتجب
نية الولي في زكاة الصبي والمجنون والسفيه وإلا ضمنها لتقصيره. ولو دفعها
المزكي للإمام بلا نية لم تجزئه نية الإمام في الأظهر. وإذا أخذت قهراً من
المزكي نوى عند الأخذ منه، وإلا وجب على الآخذ النية.
فإذا لم تتوافر النية عند دفع الزكاة، لم تفد نية الإمام الذي جباها، ولا
يعتبر المال المدفوع للفقراء مجزئاً عن الزكاة، وإنما هو صدقة عادية.
(3/1811)
وكذلك قال الحنابلة: النية أن يعتقد أنها
زكاته، أو زكاة ما يخرج عنه كالصبي والمجنون، ومحلها القلب؛ لأن محل
الاعتقادات كلها القلب. ويجوز تقديم النية على الأداء بالزمن اليسير كسائر
العبادات، وإن دفع الزكاة إلى وكيله ونوى هو دون الوكيل، جاز، إذا لم تتقدم
نيته الدفع بزمن طويل. فإن تقدمت النية بزمن طويل لم يجز، إلا إذا نوى حال
الدفع إلى الوكيل، ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق.
لكن إن أخذ الإمام الزكاة قهراً أجزأت من غير نية؛ لأن تعذر النية في حقه
أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون.
ولو تصدق الإنسان بجميع ماله تطوعاً، ولم ينو به الزكاة، لم يجزئه عند
الجمهور غير الحنفية؛ لأنه لم ينو به الفرض، كما لو تصدق ببعضه، وكما لو
صلى مئة ركعة، ولم ينو الفرض بها. وقال الحنفية: تسقط عنه الزكاة استحساناً
خلافاً للقياس.
2 - التمليك: يشترط التمليك لصحة أداء
الزكاة (1) بأن تعطى للمستحقين، فلا يكفي فيها الإباحة أو الإطعام إلا
بطريق التمليك، ولا تصرف عند الحنفية إلى مجنون وصبي غير مراهق (مميز) إلا
إذا قبض لهما من يجوز له قبضه كالأب والوصي وغيرهما. وذلك لقوله تعالى:
{وآتوا الزكاة} [البقرة:43/ 2] والإيتاء هو التمليك، وسمى الله تعالى
الزكاة صدقة بقوله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة:60/ 9] والتصدق
تمليك، واللام في كلمة «للفقراء» ـ كما قال الشافعية ـ لام التمليك، كما
يقال: «هذا المال لزيد».
_________
(1) البدائع: 39/ 2، الدر المختار: 85/ 2، أحكام القرآن لابن العربي: 947/
2، المهذب: 171/ 1، المغني: 665/ 2 - 667.
(3/1812)
واشترط المالكية (1) لأداء الزكاة شروطاً ثلاثة أخرى:
1 - إخراجها بعد وجوبها بالحول أو الطيب أو مجيء الساعي، فإن أخرجها قبل
وقتها، لم تجزه خلافاً لجمهور الفقهاء. وتأخيرها بعد وقتها مع التمكن من
إخراجها سبب للضمان والعصيان.
2 - دفعها لمن يستحقها لا لغيره.
3 - كونها من عين ما وجبت فيه. |