الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

المبحث الثالث ـ وقت وجوب الزكاة ووقت أدائها:
وفيه مطالب أربعة:

المطلب الأول ـ وقت وجوب الزكاة:
اتفق الفقهاء (2) في المفتى به عند الحنفية (3) على وجوب الزكاة فوراً بعد استيفاء شروطها من ملك النصاب وحولان الحول ونحوهما، فمن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها، ويأثم بالتأخير بلا عذر، وترد شهادته عند الحنفية، لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي توجهت المطالبة بالدفع إليه، والأمر بالصرف إلى الفقير ومن معه قرينه الفور؛ لأنها لدفع حاجته، فإذا لم
_________
(1) شرح الرسالة: 317/ 1، القوانين الفقهية: ص99.
(2) الدر المختار: 16/ 2 وما بعدها، شرح الرسالة: 317/ 1، القوانين الفقهية: ص99، بجيرمي الخطيب: 320/ 2، المجموع: 302/ 5، 305، المهذب: 140/ 1، كشاف القناع: 192/ 2، المغني: 684/ 2.
(3) لكن يذكر الأصوليون من الحنفية في بحث دلالة الأمر على الفور أو التراخي: أن أداء الزكاة والحج على التراخي على المعتمد (أصول السرخسي 26/ 1، مسلّم الثبوت 318/ 1، كتابي في أصول الفقه 229/ 1 - 232).

(3/1813)


تجب معجلة لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام. والإخراج على الفور بشرطين:
أولاً ـ أن يتمكن من إخراجها، بأن كان المال حاضراً عنده، ثانياً ـ أن يحضر الأصناف المستحقون لها أو نوابهم أو الإمام أو وكيله الساعي.
فإن أخرها وهو قادر على أدائها ضمنها؛ لأنه أخر ما وجب عليه مع إمكان الأداء، كالوديعة إذا طالب بها صاحبها، ويأثم بالتأخير، لحبسه مال الفقراء عنده بغير حق، وهو حرام، إلا إذا أخر في رأي الشافعية لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج من الحاضرين، بشرط ألا يتضرر الحاضرون بالتأخير ضرراً بليغاً. وعليه لايجوز للجمعيات الخيرية تأخير صرف الزكاة كرصيد مدور لحساب الجمعية؛ لأن دفع الزكاة واجب على الفور.

المطلب الثاني ـ وقت أداء الزكاة:
تؤدى الزكاة بحسب نوع المال الذي تجب فيه.
أـ فزكاة الأموال من النقدين (الذهب والفضة) وعروض التجارة (1)، والسوائم تدفع منها بعد تمام الحول مرة واحدة في كل عام.
ب ـ وزكاة الزروع والثمار تدفع من غلاتها عند تكرر الإنتاج ولو تكرر مراراً في العام الواحد، فلا يشترط حولان الحول، ولا بلوغ النصاب عند الحنفية، ويشترط النصاب عند الجمهور.
أما وقت وجوب العشر في الثمار فمختلف فيه:
_________
(1) أي البضائع التجارية على اختلاف أنواعها.

(3/1814)


قال أبو حنيفة وزفر (1): يجب عند ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حداً ينتفع بها (2).
وقال الدردير المالكي (3): وجوب الزكاة بإفراك الحب، أي طيبه وبلوغه حد الأكل منه واستغنائه عن السقي، لا باليبس ولا بالحصاد ولا بالتصفية؛ وبطيب الثمر: وهو الزهو في بلح النحل، وظهور الحلاوة في العنب.
وقال الشافعية (4): تجب الزكاة ببدو صلاح الثمر، واشتداد الحب؛ لأن الثمر حينئذ ثمرة كاملة، وهو قبل ذلك حصرم وبلح، والحب حينئذ طعام وهو قبل ذلك بَقْل أي طري. وليس المر اد بوجوب الزكاة بما ذكر وجوب إخراجها في الحال، بل انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب والحب المصفى عند الصيرورة كذلك. علماً بأن مؤنة الجفاف والتصفية والجذاذ والدياس والحمل وغيرها مما يحتاج إلى مؤنة على المالك ليست من مال الزكاة.
والحنابلة (5) كالشافعية: تجب الزكاة عند اشتداد الحب في الحبوب، وعند بدو صالح الثمرة التي تجب فيها الزكاة.
جـ ـ تجب زكاة العسل في رأي الحنفية والحنابلة عند حصول ما تجب فيه، وزكاة المعادن عند استخراج ما تجب فيه. وزكاة الفطر في رأي غير الحنفية عند غروب الشمس من ليلة الفطر.
_________
(1) رد المحتار: 72/ 2.
(2) وقال أبو يوسف: عند استحقاق الحصاد، وقال محمد: إذا حصدت وصارت في الجرين (بيدر الحب).
(3) الشرح الصغير: 615/ 1، وقال في (شرح الرسالة: 318/ 1): الوجوب يتعلق بيوم استحقاق الحصاد والجداد وهو المشهور، فتجب يوم الاستحقاق، وتخرج بحسب الإمكان.
(4) مغني المحتاج: 386/ 1.
(5) كشاف القناع: 192/ 2.

(3/1815)


المطلب الثالث ـ تعجيل الزكاة قبل الحول:
اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب؛ لأنه لم يوجد سبب وجوبها، فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع، والدية قبل القتل (1).
أما تعجيل الزكاة متى وجد سبب وجوب الزكاة، وهو النصاب الكامل، ففيه رأيان للفقهاء.
1 - قال الجمهور (2): يجوز تطوعاً تقديم الزكاة على الحول، وهو مالك للنصاب، لأنه أدي بعد سبب الوجوب، ولما روى علي كرم الله وجهه أن العباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليعجل زكاة ماله قبل محلها، فرخص له في ذلك (3)، ولأنه حق مال أجِّل للرفق، فجاز تعجيله قبل أجله أو محله، كالدين المؤجل ودية الخطأ، فهي تشبه الحقوق المالية المؤجلة.
وذكر الشافعية أن شرط إجزاء المعجل: أن يبقى المالك أهلاً للوجوب إلى آخر الحول في الحول، ودخول شوال في الفطرة، وأن يكون القابض في آخر الحول أو عند دخول شوال مستحقاً. وإذا لم يجزئه المعجل لفوات أحد هذين الشرطين، استرد من القابض إن علم القابض أنها زكاة معجلة. وإن مات المالك أو القابض قبل ذلك أو ارتد القابض أو غاب أو استغنى بمال غير المعجل كزكاة أخرى ولو معجلة، أو نقص النصاب أو زال عن ملكه وليس مال تجارة، لم يجزئه المعجل لخروجه عن الأهلية عند الوجوب.
_________
(1) المهذب: 166/ 1، المغني: 631/ 2.
(2) فتح القدير: 516/ 1، البدائع: 50/ 2 ومابعدها، المجموع: 139/ 6 ومابعدها، المهذب: 166/ 1 ومابعدها، الحضرمية: ص150، المغني: 629/ 2 ومابعدها، كشاف القناع: 310/ 2 ومابعدها.
(3) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي بإسناد حسن، وذكر أبو داود أنه روي عن الحسن بن مسلم مرسلاً وأنه أصح (نيل الأوطار: 149/ 4).

(3/1816)


2 - وقال الظاهرية والمالكية (1): لا يجوز إخراج الزكاة قبل الحول؛ لأنها عبادة تشبه الصلاة، فلم يجز إخراجها قبل الوقت (2)، ولأن الحول أحد شرطي الزكاة، فلم يجز تقديم الزكاة عليه، كالنصاب.