الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث السادس ـ هل
تجب الزكاة في العمارات والمصانع، وكسب العمل والمهن الحرة؟
أوضحت في بحث زكاة النقود حكم زكاة الأسهم والسندات، ويخصص هذا المبحث
لزكاة الدخل أو المورد الذي يحصل عليه الإنسان من طريق المباني المؤجرة
والمعامل الصناعية، والأعمال والمهن الحرة. وفيه مطلبان:
المطلب الأول ـ زكاة العمارات والمصانع ونحوها:
اتجه رأس المال في الوقت الحاضر لتشغيله في نواحٍ من الاستثمارات غير الأرض
والتجارة، وذلك عن طريق إقامة المباني أو العمارات بقصد الكراء، والمصانع
المعدة للإنتاج، ووسائل النقل من طائرات وبواخر (سفن) وسيارات، ومزارع
الأبقار والدواجن وتشترك كلها في صفة واحدة هي أنها لا تجب الزكاة في عينها
وإنما في ريعها وغلتها أو أرباحها.
وبالرغم من أن جمهور فقهائنا لم ينصوا على وجوب الزكاة في هذا النوع من
المستغلات، وقالوا: لا زكاة في دور السكنى وأثاث المنزل وأدوات الحرفة
ودواب الركوب، كما ذكرت سابقاً، فإني أرى ضرورة الزكاة في غلة العقارات
بشروطها الآتية، لوجود علة وجوب الزكاة فيها وهي النماء، والحكم يدورمع
علته وجوداً وعدماً، ولتوفر حكمة تشريع الزكاة فيها أيضاً وهي التزكية
والتطهير لأرباب المال أنفسهم، ومواساة المحتاجين، والمساهمة في القضاء على
الفقر الذي يشغل أنظمة العالم الحاضرة.
وقد قرر مؤتمر علماء المسلمين الثاني ومؤتمر البحوث الإسلامية الثاني عام
1385هـ /1965 م: أن الأموال النامية التي لم يرد نص ولا رأي فقهي بإيجاب
الزكاة فيها حكمها كالآتي:
(3/1947)
لا تجب الزكاة في أعيان العمائر
الاستغلالية والمصانع والسفن والطائرات وما أشبهها، بل تجب في صافي غلتها
عند توافر شروط النصاب، وحولان الحول.
ومقدار الزكاة: هو ربع العشر في نهاية الحول، أي ربع عشر صافي الغلة في
نهاية الحول (أي 5،2%) كزكاة التجارة والنقود. وفي الشركات لا ينظر إلى
مجموع أرباح الشركات، وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة.
وهذا القرار يتفق مع المروي عن الإمام أحمد الذي يرى أنه تزكى هذه
المستغلات من غلتها وإيرادها، ومع رأي بعض المالكية الذين يرون تزكية فوائد
المستغلات عند
قبضها (1).
ويرى ابن عقيل الحنبلي والهادوية من الزيدية وجوب الزكاة في المستغل من كل
شيء لأجل الاستغلال، فيشمل العقار المعد للكراء، وكل سلعة تؤجر وتعد
للإجارة أي يقوم رأس المال في كل عام ويزكى زكاة التجارة (2).
المطلب الثاني ـ زكاة كسب العمل والمهن الحرة:
العمل: إما حر غير مرتبط بالدولة كعمل الطبيب والمهندس والمحامي والخياط
والنجار وغيرهم من أصحاب المهن الحرة.
وإما مقيد مرتبط بوظيفة تابعة للدولة أو نحوها من المؤسسات والشركات العامة
أو الخاصة، فيعطى الموظف راتباً شهرياً كما هو معروف. والدخل الذي يكسبه كل
من صاحب العمل الحر أو الموظف ينطبق عليه فقهاً وصف «المال المستفاد» (3).
_________
(1) المغني:29/ 3،47، شرح الرسالة:329/ 1.
(2) بدائع الفوائد لابن القيم: 143/ 3، البحر الزخار: 147/ 2.
(3) انظر فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي: 487/ 1 - 250.
(3/1948)
والمقرر في المذاهب الأربعة أنه لا زكاة في المال المستفاد حتى يبلغ نصاباً
ويتم حولاً، ويزكى في رأي غير الشافعية المال المدخر كله ولو من آخر لحظة
قبل انتهاء الحول بعد توفر أصل النصاب.
ويمكن القول بوجوب الزكاة في المال المستفاد بمجرد قبضه، ولو لم يمض عليه
حول، أخذاً برأي بعض الصحابة (ابن عباس وابن مسعود ومعاوية) وبعض التابعين
(الزهري والحسن البصري ومكحول) ورأي عمر بن عبد العزيز، والباقر والصادق
والناصر، وداود الظاهري. ومقدار الواجب: هو ربع العشر، عملاً بعموم النصوص
التي أوجبت الزكاة في النقود وهي ربع العشر، سواء حال عليها الحول، أم كانت
مستفادة. وإذا زكى المسلم كسب العمل أو المهنة عند استفادته أو قبضه
لايزكيه مرة أخرى عند انتهاء الحول.
وبذلك يتساوى أصحاب الدخل المتعاقب مع الفلاح الذي تجب عليه زكاة الزروع
والثمار بمجرد الحصاد والدياس. |