الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّالث: صَدَقَةُ التَّطوّع
الكلام عن أحكام صدقة التطوع: يشمل استحبابها، الإسرار بها، التصدق بجميع
المال، الأولى في الصدقة، المتصدق عليه (الغني، الكافر، القريب، صاحب
الحاجة الشديدة، الصدقة على الميت) صدقة المديون ومن عليه نفقة، نية جميع
المؤمنين، التصدق من المال الحرام، كراهة استرداد الصدقة بشراء أو غيره،
وحرمة السؤال لغير حاجة، وكراهة السؤال بوجه الله تعالى.
أولاً ـ حكم صدقة التطوع: صدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات، وسنة بدليل
الكتاب والسنة (1). أما الكتاب: فقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً
حسناً، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} [البقرة:245/ 2] وأمر الله سبحانه
بالصدقة في آيات كثيرة. وأما السنة: فأحاديث عديدة منها قوله صلّى الله
عليه وسلم: «من أطعم جائعاً أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على
ظمأ، سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً
عارياً، كساه الله من خُضْر الجنة» (2).
_________
(1) مغني المحتاج: 120/ 3، المغني: 81/ 3.
(2) رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد، وخضر الجنة بضم الخاء وإسكان
الضاد: ثيابها الخضر.
(3/2051)
ومنها قوله عليه السلام: «إن العبد إذا
تصدَّق من طيِّب، تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه، فرباها كما يُربِّي
مُهْره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق بالُّلقْمة فتربُو في يد الله، أو في كف
الله، حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا» (1) وقد تصبح الصدقة حراماً: كأن يعلم
أن آخذها يصرفها في معصية. وقد تجب الصدقة: كأن وجد مضطراً، ومعه ما يطعمه
فاضلاً عن حاجته.
ثانياً ـ الإسرار بها ودفعها في رمضان: صدقة السر أفضل من صدقة العلانية أو
الجهر، فالأفضل الإسرار بصدقة التطوع بخلاف الزكاة، لقوله تعالى: {إن تبدوا
الصدقات فنعمَّا هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم
من سيئاتكم} [البقرة:271/ 2]، ولما في الصحيحين عن أبي هريرة في خبر السبعة
الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة،
فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وروى الطبراني في الصغير: «صدقة
السر تطفئ غضب الرب».
ودفعها في رمضان أفضل من دفعها في غيره، لما رواه الترمذي عن أنس رضي الله
عنه: «سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في
رمضان» ولأن الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم، ولأن الحسنات
تضاعف فيه.
وتتأكد في الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وكذا في الأماكن
_________
(1) رواه ابن خزيمة عن أبي هريرة، ورواية البخاري ومسلم والنسائي والترمذي
وابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ «من تصدَّق بعِدْل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل
الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربِّيها، لصاحبها، كما يربِّي
أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل» وعدل: مقدار، والأخذ باليمين معناه
القبول والرضا، والمهر: هو الفلو، والفصيل: هو ولد الناقة إذا فطم. والله
طيب: أي منزه عن النقائض.
(3/2052)
الشريفة كمكة والمدينة، وفي الجهاد والحج،
وعند الأمور المهمة كالكسوف والمرض والسفر.
وتتأكد الصدقة بالماء إن كان الاحتياج إليه أكثر من الطعام؛ لخبر أبي داود:
«أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء»، فإن كانت الحاجة إلى الطعام فهو أفضل،
وتتأكد أيضاً بالمنيحة: وهي الشاة اللبون ونحوها يعطيها المحتاج يشرب لبنها
ما دامت لبوناً ثم يردها إليه، لما في ذلك من مزيد البر والإحسان.
ويستحب الإكثار من الصدقة في أوقات الحاجات، لقوله تعالى: {أو إطعام في يوم
ذي مسغبة} [البلد:14/ 90].
ويسن التصدق عقب كل معصية، وتسن التسمية عند التصدق؛ لأن الصدقة عبادة (1).
ثالثاً ـ التصدق بجميع المال: إن كان الرجل وحده، أو كان مسؤولاً عمن يمون
كفايتهم، فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب، أو كان واثقاً من نفسه
بحسن التوكل، والصبر على الفقر، والتعفف عن المسألة، فهو حسن، وإلا فلا
يجوز بل يكره (2)؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم سئل: «أي الصدقة أفضل؟
قال: سرّ إلى فقير أو جَهْد من مُقلّ» (3)، وروي عن عمر رضي الله عنه قال:
أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي،
فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئته بنصف مالي، فقال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم مثله، فأتاه أبو بكر
بكل
_________
(1) مغني المحتاج: 121/ 3، 123، المغني: 82/ 3، المجموع: 258/ 6 - 260.
(2) الدر المختار: 96/ 2، مغني المحتاج: 122/ 3، المغني: 83/ 3.
(3) رواه أحمد والطبراني عن أبي أمامة، وفي إسناده علي بن يزيد (الترغيب
والترهيب: 32/ 2).
(3/2053)
ماعنده، فقال له: ما أبقيت لأهلك؟ قال:
الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء بعده أبداً (1). فهذا كان فضيلة في
حق أبي بكر رضي الله عنه، لقوة يقينه وكمال إيمانه، وكان أيضاً تاجراً ذا
مكسب.
رابعاً ـ الأولى في الصدقة: الأولى أن يتصدق المرء من الفاضل عن كفايته
وكفاية من يمونه على الدوام، وإن تصدق بما ينقص من مؤنة من يمونه أثم (2)،
لقوله صلّى الله عليه وسلم في الأولى: «خير الصدقة: ما كان عن ظهر غنى،
وابدأ بمن تعول» (3) أي عن غنى النفس وصبرها على الفقر، ولقوله عليه السلام
في حالة الإثم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» (4).
خامساً ـ استحباب التصدق بما فضل عن الحاجة: يستحب أن يتصدق بما فضل عما
يلزمه من النفقات (5)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «ليتصدق الرجل من
ديناره، وليتصدق من درهمه، وليتصدق من صاع بره، وليتصدق من صاع تمره» (6).
_________
(1) رواه الترمذي وصححه.
(2) المجموع: 253/ 6، ومابعدها، المهذب: 175/ 1، الدر، ومغني المحتاج،
المغني: المكان السابق.
(3) متفق عليه، وروى القسم الأول منه أبو داود وصححه الحاكم.
(4) حديث حسن رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة، والقوت: مايقوم به بدن
الإنسان من الطعام.
(5) المجموع: 255/ 6 ومابعدها، المهذب: 175/ 1.
(6) حديث صحيح رواه مسلم عن جرير بن عبد الله.
(3/2054)
سادساً ـ التصدق بما تيسر: يستحب أن يتصد ق
بما تيسر، ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة به لقلته وحقارته، فإن قليل
الخير كثير عند الله تعالى، وما قبله الله تعالى وبارك فيه، فليس هو بقليل
(1)، قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} [الزلزلة:7/ 99]، وفي
الصحيحين عن عدي بن حاتم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» وفي الصحيحين أيضاً
عن أبي هريرة: «يا نساء المسلمات لا تحقرِنَّ جارة أن تهدي لجارتها ولو
فِرْسن شاة» والفرسن من البعير والشاة كالحافر من غيرهما. وروى النسائي
وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة: «سَبَق درهم مئة ألف درهم، فقال رجل:
وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عُرْضه - جانبه- مئة
ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدق به».
سابعاً ـ التصدق على الصلحاء: يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء، وأهل الخير
والمروءات والحاجات (2).
ثامناً ـ المتصدق عليه (3):
أـ الأقارب: الأفضل أن يخص بالصدقة
الأقارب، ثم الجيران، فهم أولى من الأجانب، لقوله تعالى: {يتيماً ذا مقربة}
[البلد:15/ 90] ولقوله صلّى الله عليه وسلم لزينب
_________
(1) المجموع: 261/ 6.
(2) المجموع: 261/ 6.
(3) المجموع: 258/ 6 - 262، المهذب:176/ 1، مغني المحتاج: 120/ 3 ومابعدها،
المغني: 82/ 3.
(3/2055)
امرأة عبد الله بن مسعود: «زوجك وولدك أحق
من تصدقت عليهم» (1)، ولقوله عليه السلام في حديث حسن رواه أحمد وابن ماجه
والترمذي: «الصدقةعلى المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة»»
ولخبر البخاري عن عائشة: «إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما
منك باباً» وهكذا الحكم في الزكوات والكفارات والنذور والوصايا والأوقاف
وسائر جهات البر، يستحب فيها تقديم الأقارب إذا كانوا مستحقين. ويستحب أن
يقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة ليتألف قلبه ويرده إلى المحبة
والألفة.
ب ـ صاحب الحاجة الشديدة: تستحب الصدقة
على من اشتدت حاجته لقول الله تعالى: {أو مسكيناً ذا متربة} [البلد:16/
90].
جـ ـ الغني والهاشمي والكافر والفاسق:
تحل الصدقة لغني ولو من ذوي القربى، لقول جعفر بن محمد عن أبيه: أنه كان
يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: «إنما
حرَّم الله علينا الصدقة المفروضة» (2)، وأقر النبي صلّى الله عليه وسلم في
حديث الصحيحين عن أبي هريرة صدقة رجل على سارق وزانية وغني، وفيه: «أما
صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن
زناها، وأما الغني فلعله يعتبر، وينفق مما آتاه الله تعالى». لكن يستحب
للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لأخذها.
_________
(1) رواه البخاري ومسلم، وفيه جواب عن وضع الصدقة في زوجها وبني أخ لها
يتامى: «نعم لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة» (نيل الأوطار:176/ 4).
(2) رواه الشافعي والبيهقي.
(3/2056)
وأما الصدقة على الهاشمي: فقد عرفنا في
الزكاة جوازها في رأي أكثرية العلماء، فهي تحل للهاشميين دونه صلّى الله
عليه وسلم تشريفاً له.
وتحل الصدقة أيضاً على فاسق، وكافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي، ذمي أو
حربي، لقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}
[الإنسان:8/ 76] ومعلوم أن الأسير حربي. ولقوله صلّى الله عليه وسلم في
الصحيحين عن أبي هريرة فيمن سقى الكلب العطشان: «في كل كبد رطبة أجر» وأما
حديث: «لا يأكل طعامك إلا تقي» فأريد به الأولى.
د ـ الصدقة على الميت: ينفع الميت ـ كما
قدمنا في الجنائز ـ صدقة عليه من أكل أو شرب أو كسوة أو درهم أو دينار،
وينفعه أيضاً دعاء له بنحو: «اللهم اغفر له» «اللهم ارحمه» بالإجماع، ولا
يتصدق عليه بالأعمال البدنية كأن تهب له ثواب صلاة أو صوم (1)، وأما قراءة
القرآن كالفاتحة، فقال مالك والشافعي، لا ينتفع بها، ورأي الأكثرين: أنه
ينتفع.
تاسعاً ـ صدقة المديون ومن عليه نفقة (2):
يستحب ألا يتصدق من عليه دين، أو من تلزمه نفقة لنفسه أو عياله، حتى يؤدي
ما عليه. والأصح عند الشافعية تحريم الصدقة من مدين لا يجد لدينه وفاء، أو
من ملزم بنفقة بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه
وليلته؛ لأنه
_________
(1) الشرح الصغير: 580/ 1.
(2) الدر المختار 96/ 2، مغني المحتاج: 122/ 3، المجموع: 253/ 6، المهذب:
175/ 1.
(3/2057)
حق واجب، فلم يجز تركه بصدقة التطوع، فيقدم
الدين لأن أداءه واجب، فيتقدم على المسنون، فإن رجا له وفاء من جهة أخرى
ظاهرة، فلا بأس بالتصدق به، إلا إن حصل بذلك تأخير، وكان الواجب وفاء الدين
على الفور بمطالبة أو غيرها. وأما تقديم ما يحتاجه للنفقة، فللحديث السابق:
«كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت،
وابدأ بمن تعول» (1)، ولأن كفاية العيال فرض، وهو مقدم على النفل، والضيافة
كالصدقة.
وأما خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف، فأطعمه قوته وقوت صبيانه، فمحمول على
أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حاجة شديدة حينئذ إلى الأكل. وأما الرجل
والمرأة فتبرعا بحقهما، وكانا صابرين، وإنما قال فيه لأمّهم: نوميهم خوفاً
من أن يطلبوا الأكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة.
عاشراً ـ نية جميع المؤمنين: الأفضل أن ينوي بالصدقة النافلة جميع المؤمنين
والمؤمنات؛ لأنها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء (2).
أحد عشر ـ التصدق من المال الحرام:
قال الحنفية (3): إذا تصدق بالمال الحرام القطعي، أو بنى من الحرام بعينه
مسجداً ونحوه مما يرجو به التقرب، مع رجاء الثواب الناشئ عن استحلاله، كفر؛
لأن استحلال المعصية كفر، والحرام لا ثواب فيه. ولا يكفر إذا أخذ ظلماً من
إنسان مئة، ومن آخر مئة، وخلطهما، ثم تصدق به؛ لأنه ليس بحرام بعينه قطعاً
لاستهلاكه بالخلط، ولأنه ملكه بالخلط، ثم يضمنه. والخلاصة: أن شرط الكفر
_________
(1) رواه أبو داود بإسناد صحيح، ورواه مسلم بمعناه.
(2) الدر المختار ورد المحتار: 97/ 2.
(3) المرجع السابق: 35/ 2.
(3/2058)
شيئان: قطعية الدليل، وكونه حراماً لعينه
مثل لحم الميتة، أما مال الغير فهو حرام لغيره، لا لعينه، فلا يكون أخذه
عند الحنفية حراماً محضاً، وإن كان لا يباح الانتفاع به قبل أداء البدل.
اثنا عشر ـ ما يحرم وما يكره وما يستحب في
الصدقة:
يحرم السؤال على الغني بمال أو كسب، ويحرم عليه إظهار الفاقة وإن لم يسأل
(1)، وعلى هذا المعنى الأخير حملوا خبر الذي مات من أهل الصُّفة، وترك
دينارين، فقال صلّى الله عليه وسلم: «كيَّتان من نار».
والمن بالصدقة يحبطها، أي يمنع ثوابها، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة:264/ 2].
ويكره تعمد الصدقة بالرديء، لقول الله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون} [البقرة:267/ 2]، ويستحب تعمد أجود ماله وأحبه إليه (2)، لقوله
سبحانه: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران:92/ 3].
وتكره الصدقة بما فيه شبهة، ويستحب أن يختار أجل ماله وأبعده عن الحرام
والشبهة (3)، لحديث أبي هريرة المتقدم في الصحيحين: «من تصدق بعِدْل تمرة
من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربِّيها
لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل».
ويستحب أن تكون الصدقة مقرونة بطيب نفس وبشر، لما فيه من تكثير الأجر وجبر
القلب. وتسن التسمية عند الرفع إلى المتصدق عليه؛ لأنها عبادة، قال
_________
(1) مغني المحتاج: 120/ 3، الحضرمية: ص109.
(2) المجموع: 262/ 6.
(3) المرجع والمكان السابق.
(3/2059)
العلماء: ولا يطمع المتصدق في الدعاء من
المتصدق عليه، لئلا ينقص أجر الصدقة، فإن دعا له استحب أن يرد عليه مثلها
لتسلم له صدقته (1).
ويكره لمن تصدق بصدقةأو دفع لغيره زكاة أو كفارة أو عن نذر وغيرها من وجوه
الطاعات: أن يأخذ صدقته أو يتملك ممن أعطاه ببيع أو معاوضة أو هبة، أو
غيره، ولا يكره تملكه منه بالإرث، ولا يكره أيضاً أن يتملكه من غيره إذا
انتقل إليه، لحديث عمر السابق في الصحيحين: «حَمَلتُ على فرس في سبيل الله،
فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت
النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم، فإن
العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه».
ويلاحظ أن من دفع إلى وكيله أو ولده أوغلامه أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل أو
غيره صدقة تطوع، لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه، فإن لم يدفعه إلى
من عينه، استحب له ألا يعود فيه، بل يتصدق به على غيره، فإن استرده وتصرف
فيه، جاز؛ لأنه باق على ملكه (2).
ويكره للإنسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وأن يمنع من سأل بالله، وتشفع
به (3)، لخبر «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة» (4) وخبر: «من استعاذ بالله
فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن صنع إليكم
معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له، حتى تعلموا أن قد كافأتموه» (5)
أي جازيتموه.
_________
(1) مغني المحتاج: 123/ 3، الحضرمية: ص109.
(2) المجموع: 263/ 6.
(3) مغني المحتاج:122/ 3.
(4) رواه أبو داود والضياء في المختارة عن جابر بن عبد الله، وهو صحيح.
(5) رواه أبو داود، والنسائي واللفظ له، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال:
صحيح على شرطهما، من حديث عبد الله بن عمرو.
(3/2060)
|