الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث الرابع ـ
أعمال الحج والعمرة وصفة حجة النبي وعمرته:
أولاً ـ أعمال الحج: عشرة وهي ما يأت (1):
1 - الإحرام: نية الحج أو العمرة أو هما، بأن يقول: نويت الحج أو العمرة
وأحرمت به أو بها لله تعالى. وإن حج أو اعتمر عن غيره، قال: نويت الحج أو
العمرة عن فلان، وأحرمت به أو بها لله تعالى. ثم يلبي عقيب صلاة ركعتي
الإحرام.
2 - دخول مكة من أعلاها وهي كَدَاء، ثم دخول المسجد الحرام من باب بني
شيبة، ثم طواف القدوم بالابتداء بالركن الأسود.
3 - الطواف: وهو ثلاثة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع.
4 - السعي بين الصفا والمروة.
5 - الوقوف بعرفة وبمنى: يخرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم
التروية (2)، فيصلي فيها الظهر والعصر، ويبيت بها، ثم يروح إلى عرفة بعد
طلوع الشمس، فيجمع في اليوم التاسع بين الظهر والعصر مع الإمام في مسجد
نمرة أو في غيره، ثم يقف بعرفة حيث يقف الناس.
6 - المبيت بمزدلفة: وهي ما بين منى وعرفة، ويجمع الحجاج بالمزدلفة بين
_________
(1) القوانين الفقهية: ص131 - 135.
(2) سمي يوم التروية، لأن إبراهيم عليه السلام لما أمر بذبح ولده، رأى ليلة
التروية، فلما أصبح تروى في نفسه، أي فكر من الصباح إلى الرواح، أمن الله
هذا الحلم أم من الشيطان، فسمي ذلك اليوم يوم التروية، أو لأن الناس
يتزودون فيه بالماء للري في عرفة.
(3/2135)
المغرب والعشاء مقصورة بعد مغيب الشفق في
ليلة العيد. ويصلون الفجر في المشعر الحرام: وهو آخر أرض المزدلفة، ويقفون
للتضرع والدعاء، ثم يدفعون منها قبل طلوع الشمس إلى منى.
7 - رمي الجمار: يرمي الحاج يوم النحر بمنى جمرة العقبة (وهي الجمرة
الكبرى) بعد طلوع الشمس قدر رمح، بسبع حصيات.
ويرمي سائر الجمرات الثلاث في أيام منى: وهي ثاني العيد وثالثه ورابعه، كل
جمرة سبع حصيات، مبتدئاً بالجمرة الأولى (الصغرى) وهي التي تلي مسجد الخيف
من جهة عرفات، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، بين الزوال والغروب.
8 - الحلق أو التقصير، والأول أفضل للرجال. وتقص المرأة ولا تحلق، وتقطع من
جميع شعرها نحو الأنملة، ويدعو عند الحلق، وذلك يوم النحر بعد رمي جمرة
العقبة والذبح إن كان معه هدي. ثم يأتي مكة، فيطوف طواف الإفاضة وهو
المفروض.
9 - الذبح: يذبح بعد رمي الجمرة الكبرى، ويجوز الحلق قبل الذبح، والذبح قبل
الجمرة. ويجوز ذبح الهدي قبل طلوع الشمس.
10 - طواف الوداع: مستحب عند المالكية، واجب عند الجمهور.
ولا يؤمر به أهل مكة ولا من أقام بها من غير أهلها.
وإذا حاضت المرأة بعد الإفاضة خرجت قبل الوداع عند المالكية.
ثانياً ـ أعمال العمرة: أربعة وهي:
الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
(3/2136)
ثالثاً ـ عمرة النبي صلّى الله عليه وسلم:
روى الشيخان وأحمد عن أنس: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر
(1) في ذي القَعْدة إلا التي اعتمر مع حَجَتَّه: عُمرَته من الحُدَيْبِية،
ومن العام المُقْبل، ومن الجِعْرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرته مع حَجته»
فهي أربع عمر: عمرة الحديبية لزيارة البيت الحرام في السنة السادسة من
الهجرة، وعمرة القضاء من السنة السابعة، وعمرة الجعرانة في السنة الثامنة
في وادي حنين بين مكة والطائف، على بعد ثلاث ليال من مكة، والعمرة التي مع
حجة الوداع في السنة التاسعة.
رابعاً ـ حجة النبي صلّى الله عليه وسلم ـ حجة الوداع: روى مسلم وغيره (2)
صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من
الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، وأحكام الفقه التي بلغت نيفاً وخمسين
نوعاً، كما ذكر الإمام النووي رحمه الله عن أبي بكر بن المنذر رحمه الله.
ونص الحديث: قال جعفر بن محمد عن أبيه: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل
عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى
رأسي، فنزع زِرِّي الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثَدْيي، وأنا
يؤمئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك ياابن أخي، سل عما شئت، فسألته: وهو أعمى،
وحَضَر وقت الصلاة، فقام في نَسَاجة (3) ملتحفاً بها كلما وضعها على
مَنْكبه، رجع طرفاها إليه من صغَرها، ورداؤه إلى جَنْبه على المِشْجَب (4)،
_________
(1) ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره (نيل الأوطار:
298/ 4).
(2) رواه أيضاً أبو داود والنسائي والدارمي وابن أبي شيبة (انظر شرح مسلم:
170/ 8 - 195).
(3) هي ثوب مُلفَّق على هيئة الطيلسان.
(4) المشجب: اسم لأعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت.
(3/2137)
فصلى بنا (1) فقلت: أخبرني عن حَجَّة رسول
الله صلّى الله عليه وسلم (2)، فقال بيده، فعقد تِسْعاً فقال:
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس
في العاشرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاجٌّ، فقدِم المدينةَ بشر
كثير، يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله
(3).
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماءُ بنت عُمَيس محمد بن أبي
بكر، فأرسلتْ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كيف أصنع؟ قال: اغتسلي
واستثفري بثوب وأحرمي (4).
فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المسجد (5)، ثم ركب القَصْواء (6)،
حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرتُ إلى مدّ بصري بين يديه من راكب
وماشٍ، وعن يمينه مثلَ ذلك، وعن يساره مثلَ ذلك، ومن خلفه مثلَ ذلك، ورسول
الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله،
وما عمل به من شيء عملنا به. فأهَلَّ بالتوحيد (7): لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد
_________
(1) هذا المقطع ترحيب بالزائر وملاطفة له مما يليق به وتأنيسه.
(2) المراد حجة الوداع.
(3) هذا يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم أحرم
بالحج.
(4) الاستثفار: هو أن تشد المرأة في وسطها شيئاً وتأخذ خرقة عريضة تجعلها
على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها.
(5) فيه استحباب ركعتي الإحرام.
(6) قال ابن قتيبة: كانت للنبي صلّى الله عليه وسلم نوق: القصواء (التي قطع
طرف أذنها) والجدعاء (التي قطع من أذنها أكثر من القصواء) والعضباء (مشقوقة
الأذن)، وقال محمد بن إبراهيم التيمي التابعي وغيره: إن العضباء والقصواء
والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(7) يعني قوله: «لبيك لا شريك لك». والتلبية معناها: إجابة إلى الدعاء،
وإشعار للإقامة عليها.
(3/2138)
والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك. وأهلَّ
الناس بهذا الذي يُهلُّون به، فلم يردَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم
شيئاً منه، ولزم رسول لله صلّى الله عليه وسلم تلبيته (1).
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة (2)، حتى إذا أتينا البيت
معه، استلم الركن (3)، فَرَمل ثلاثاً، ومشى أربعاً (4)، ثم نَفَذ إلى
مَقَام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: {واتخِذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى}
[البقرة:125/ 2]، فجعل المَقَام بينه وبين البيت (5).
فكان أبي يقول ـ ولا أعلم ذكَره إلا عن النبي صلّى الله عليه وسلم ـ كان
يقرأ في الركعتين: {قل: هو الله أحد} [الإخلاص:1/ 112] و {قل: يا أيها
الكافرون} [الكافرون:1/ 109]. ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب
إلى الصفا (6)، فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}
[البقرة:2/ 158]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرَقَى عليه، حتى رأى
البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبَّره، قال: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد، وهوعلى كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده،
أنجز وعده، ونصر عبده،
_________
(1) فيه دليل على استحباب الاقتصار على تلبية رسول الله، كما قال أكثر
العلماء منهم مالك والشافعي. دون زيادة، كقول ابن عمر: لبيك وسعديك والخير
بيديك والرغباء إليك والعمل. وعن أنس: لبيك حقاً تعبداً ورقاً.
(2) فيه دليل لمن قال بترجيح الإفراد.
(3) أي مسح الحجر بيده، في بدء الطواف. وفيه أن يسن لمن دخل مكة قبل الوقوف
بعرفات طواف القدوم.
(4) فيه سنية الرمل في الأشواط الثلاثة الأول والمشي على العادة في الأربع
الأخيرة. والرمل: أسرع المشي مع تقارب الخطا.
(5) فيه سنية صلاة ركعتي الطواف خلف المقام، أو في الحِجْر أو في المسجد،
أو في مكة وسائر الحرم.
(6) فيه استحباب العود بعد صلاة ركعتي الطواف لاستلام الحجر، ثم يخرج من
باب الصفا ليسعى.
(3/2139)
وهزم الأحزاب وحده (1)، ثم دعا بين ذلك،
قال مثلَ هذا ثلاثَ مرات.
ثم نزل إلى المَرْوة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى، حتى إذا
صعدتا، مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا (2).
فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرتُ، لم أسق الهدي (3)، وجعلتها
عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْي، فلَيحِلَّ وليَجْعلْها عمرة.
فقام سراقة بن مالك بن جُعْشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟
فشبَّك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت
العمرة في الحج (4) ـ مرتين، لا بل لأبد أبد.
وقدم علي من اليمن ببُدْن النبي صلّى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن
حَلَّ، ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها (5). فقالت: إن أبي
أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلّى الله
عليه وسلم مُحَرِّشاً على فاطمة، للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله صلّى الله
عليه وسلم فيما ذَكَرت عنه، فأخبرتُه أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: صَدقَتْ
صدقت، ماذا قلتَ حين فَرَضْتَ الحج (6)؟ قال: قلتُ: اللهم إني أُهِلُّ بما
أَهَلَّ به رسولك (7)،قال: فإن معي الهدي، فلا تحِلَّ.
_________
(1) معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا بسبب من جهتهم. والأحزاب: الذين
تحزبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق في شوال سنة أربع
هجرية.
(2) فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثلما يسن على الصفا.
(3) أي لو علمت آخراً ما علمت أولاً لما سقت الهدي.
(4) معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، فأبطل ذلك
عادة العرب وزعمهم أن العمرة في أشهر الحج ممنوعة (شرح مسلم: 166/ 8
ومابعدها).
(5) فيه جواز إنكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها، لأنه ظن
أن ذلك لا يجوز فأنكره.
(6) أي أوجبته على نفسك، والمقصود: ماذا نويت؟
(7) فيه جواز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان.
(3/2140)
قال: فكان جماعةُ الهدي الذي قدم به علي من
اليمن، والذي أتى به النبي صلّى الله عليه وسلم مئةً، قال: فحلَّ الناس
كلُّهم، وقصَّروا (1)، إلا النبي صلّى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.
فلما كان يوم التروية (2)، توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحج (3)، وركب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فصلَّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والفجر (4)، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقُبَّة من شَعَر تضرب له
بنمِرة (5).
فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر
الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية (6)، فأجاز رسول الله صلّى الله
عليه وسلم (7) حتى أتى عرفة (8)، فوجد القبَّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها
(9)، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحِلَت له (10)، فأتى بطن الوادي
(11)، فخطب الناس (12) وقال:
_________
(1) كلهم أي معظمهم؛ لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي. والتقصير مع
أن الحلق أفضل لإبقاء شعر يحلق في الحج.
(2) هو اليوم الثامن من ذي الحجة.
(3) فيه أن الأفضل لمن كان بمكة وأراد الإحرام بالحج أن يحرم يوم التروية،
وهومذهب الشافعي وموافقيه.
(4) فيه سنية أداء الصلوات الخمس بمنى.
(5) نمرة: موضع بجنب عرفات وليست من عرفات.
(6) معناه أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف في المشعر الحرام: وهو جبل في
المزدلفة، يقال له: قزح؛ لأن المزدلفة من الحرم.
(7) أي جاوز المزدلفة، ولم يقف بها، وتوجه إلى عرفات.
(8) أي قارب عرفات، بدليل إقامة القبة له في نمرة.
(9) أي بنمرة، وفيه أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جمعاً خلاف
السنة.
(10) أي جعل عليها الرحل بعد زوال الشمس أي دخول وقت الظهر.
(11) هو وادي عُرَنة، ليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء إلا مالكاً فقال:
هي من عرفات.
(12) فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة
باتفاق جماهير العلماء إلا المالكية.
(3/2141)
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم
هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا (1)، ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي
موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضَع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن
الحارث، كان مُسْتَرضَعاً في بني هُذَيل، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية
موضوع، وأول ربا أضع ربانا ـ ربا عبَّاس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله
(2).
فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله (3)، واستحللتم فروجهن
بكلمة الله (4)، ولكم عليهن ألا يُوطئن فُرُشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن
ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح (5)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف
(6).
وقد تركت فيكم ما لَنْ تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتابُ الله، وأنتم
تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحت.
فقال بإصبِعَه السبَّابة يرفعها إلى السماء، وينكُتُها إلى الناس (7):
اللهم اشهد، ثلاث مرات.
ثم أذَّن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً
(8).
_________
(1) معناه متأكدة التحريم شديدته.
(2) فيه إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض. وقوله عليه
السلام: «تحت قدمي» إشارة إلى إبطاله. وكون الربا موضوع كله: معناه الزائد
على رأس المال باطل يرد إلى أصحابه، فالوضع: الرد والإبطال.
(3) فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف.
(4) أي بإباحة الله، والكلمة: قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}
[النساء:3/ 4].
(5) المراد ألا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء
أكان أجنبياً أم أحداً من محارم الزوجة أو امرأة. والضرب غير المبرح أي
الذي ليس بشديد ولا شاق.
(6) فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها.
(7) أي يقلبها ويرددها إلى الناس، مشيراً إليهم.
(8) فيه مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بإجماع الأمة في ذلك اليوم، وهو
إما بسبب النسك عند أبي حنيفة أو بسبب السفر عند الشافعي.
(3/2142)
ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى
أتى الموقف (1)، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخَرَات (2)، وجعل حَبْل
المشاة بين يديه، واستقبل القبلة (3)، فلم يَزَل واقفاً حتى غَرَبت الشمسه
(4)، وذهبت الصُّفْرة قليلاً حتى غاب القُرْص، وأردف أسامة خلفه (5)، ودفَع
رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد شَنَق للقصواء الزِّمام، حتى إن رأسها
ليُصيب مَوْرِك رَحْله (6)، ويقول بيده اليمنى:
أيها الناس، السكينةَ السكينةَ، كلما أتى حَبْلاً من الحبال (7)، أرخى لها
قليلاً حتى تَصْعَد.
حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبِّح
بينهما شيئاً (8).
ثم اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (9)، وصلى الفجر حتى
تبيَّن له الصبح بأذان وإقامة.
_________
(1) أي مكان الوقوف بعرفة مقابل الصخرات أمام الجبل.
(2) يستحب أن يقف عند الصخرات المفترشات في أسفل جبل الرحمة: وهو الجبل
الذي بوسط أرض عرفات، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل
وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء
من أرض عرفات.
(3) فيه استحباب استقبال الكعبة في الوقوف. وحبل المشاة: أي مجتمعهم.
(4) يندب الوقوف إلى ما بعد المغرب، وهو مذهب الجمهور، وقال مالك: لا يصح
الوقوف في النهار منفرداً، بل لا بد من الليل وحده.
(5) فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة.
(6) شنق: ضم وضيق. ومورك الرحل: هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام
واسطة الرحل إذا مل من الركوب. وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب
بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة.
(7) أي ألزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة. ففيه أن السكينة في الدفع من
عرفات سنة، فإذا وجد فرجة أسرع، كما في الحديث الآخر. والحبل: التل اللطيف
من الرمل الضخم.
(8) فيه استحباب جمع التأخير بين المغرب والعشاء، وهو عند أبي حنيفة بسبب
النسك فيجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم، وعند الشافعية بسبب السفر فلا
يجوز إلا لمسافر مسافة مرحلتين. ومعنى «لم يسبح» لم يصل بينهما نافلة،
والنافلة تسمى سبحة لاشتمالها على التسبيح.
(9) فيه أن المبيت بالمزدلفة نسكٌ واجب، والسنة أن يبقى بالمزدلفة حتى يصلي
بها الصبح إلا الضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر.
(3/2143)
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام (1)،
فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره وهلَّله ووحدَّه، فلم يزل واقفاً حتى أسفر
(2) جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبَّاس، وكان رجلاً حسن
الشَّعْر أبيض وسيماً (3)، فلما دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مرَّت
به ظُعُن (4) يجرين، فطفِق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يده على وجه الفضل (5)، فحوَّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر،
فحوَّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل،
يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر (6)، فحرَّك قليلاً.
ثم سلك الطريق الوسطى (7) التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة
التي عند الشجرة (8). فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى
الخَذْف (9)، رمى من بطن الوادي.
ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً، فنحر ما
_________
(1) هو جبل معروف في المزدلفة وهو قُزَح، وقال جمهور المفسرين وأهل السير
والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة.
(2) يعود الضمير إلى الفجر ومعناه إسفاراً بليغاً.
(3) أي حسناً والمقصود أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه.
(4) الظعن جمع ظعينة، وأصل الظعينة، البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به
المرأة مجازاً لملابستها البعير.
(5) فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات وغضهن عن الرجال الأجانب.
(6) سمي بذلك لأن فيه أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيا وكل.
(7) فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة.
(8) الجمرة الكبرى: هي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة، وفيه أن السنة
البدء بهذه الجمرة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها.
(9) هو نحو حبة الباقلاء، وينبغي ألا تكون أكبر ولا أصغر، بشرط كونها حجراً
وهو رأي الجمهور، جوز أبو حنيفة الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض ولو من
المعادن.
(3/2144)
غبرَ (1)، وأشركه في هَدْيه (2)، ثم أمَر
من كل بَدَنة بِبضْعة، فجعلت في قِدْر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من
مَرَقها (3).
ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت (4)، فصلى بمكة
الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: انزِعوا بني عبد المطلب
(5)، فلولا أن يغلِبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم (6)، فناولوه دَلْواً
فشرب منه (7).
خامساً ـ أحكام أعمال الحج عند الفقهاء: للحج عند الفقهاء: أركان وواجبات
وسنن، أذكرها هنا بإيجاز ثم أعقبها بجدول مقارن بين المذاهب.
_________
(1) أي ما بقي، وفيه استحباب تكثير الهدي، واستحباب ذبح المهدي بنفسه،
وجواز الاستنابة فيه، وذلك جائز بالإجماع إذا كان النائب مسلماً. ويجوز عند
الشافعية كون النائب كتابياً بشرط نية المهدي عند الدفع إليه أو عند ذبحه.
والظاهر أن النبي صلّى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة،
وأعطى علياً البدن التي جاءت معه من اليمن.
(2) ظاهره أنه أشركه في نفس الهدي، وقال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن
تشريكاً حقيقة، بل أعطاه قدراً يذبحه.
(3) البضعة: القطعة من اللحم، وفيه استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته.
(4) هذا طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين، وأول وقته
عند الشافعية: من نصف ليلة النحر.
(5) أي استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء (الحبل)، ويسقون على زمزم: معناه
يغرفون بالدلاء ويصبونه في الحياض ونحوها ويسبِّلونه للناس. وزمزم: البئر
المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة ثمانية وثلاثون ذراعاً.
(6) معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث
يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم.
(7) فيه استحباب شرب ماء زمزم.
(3/2145)
المذهب الأول ـ قال
الحنفية (1):
ركن الحج نوعان: الوقوف بعرفة، وهو
الركن الأصلي للحج، وطواف الإفاضة (الزيارة). وفوت الركن يوجب الفساد
والبطلان، والركن أو الفرض: هو ما ثبت بدليل مقطوع به. أما الواجب: فهو ما
ثبت بدليل ظني، فإن تركه لعذر فلا شيء عليه، وإن تركه لغير عذر لزمه دم.
وواجبات الحج كثيرة أهمها خمسة: السعي
بين الصفا والمروة، والوقوف بمزدلفة ولو بمقدار لحظة في النصف الثاني من
الليل، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير، وطواف الصَّدَر (الوداع). علماً
بأن الحلق والطواف بالبيت بعد الذبح، والذبح يختص بأيام النحر لا يجوز
قبلها.
وسنن الحج: غسل الإحرام والتطيب له (2)،
والنطق بما نوى بأن يقول المفرد: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني،
ويقول المعتمر: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي، وتقبلها مني، ويقول
القارن: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني.
والتلبية عقب كل صلاة فريضة أو نافلة بأن يقول: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا
شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» وهي تلبية رسول
الله صلّى الله عليه وسلم.
ودخول مكة ليلاً أو نهاراً، ثم دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، والقول
عند رؤية الكعبة في الخفاء: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، اللهم هذا بيتك عظمته وشرفته وكرمته فزده تعظيماً وتشريفاً
وتكريماً».
_________
(1) البدائع: 125/ 2، 133، 143 ومابعدها، 148.
(2) البقاء على التطيب لا يسمى تطيباً فلا يكره.
(3/2146)
ويبدأ غير المكي المفرد أو القارن بطواف
القدوم من الحجر الأسود، مستقبلاً له، مكبراً رافعاً يديه كما يرفعهما في
الصلاة، حذو منكبيه، والأفضل أن يقبله اتباعاً للنبي صلّى الله عليه وسلم
إن أمكنه من غير أن يؤذي أحداً، وإلا استقبله وكبر وهلل وحمد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلم كما يصلي عليه في الصلاة.
ثم يطوف سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول، ويمشي على هيئته في الأربعة
الباقية، ويستلم الحجر في كل شوط يفتتح به إن استطاع من غير أن يؤذي أحداً،
ولَيس استلام الركن اليماني سنة، لكن إن استلمه فحسن، أي فهو مستحب وليس
بسنة عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد.
ثم يصلي ركعتين في نهاية المطاف عند مقام إبراهيم أو حيث تيسر عليه من
المسجد، وركعتا الطواف صلاة واجبة عند الحنفية خلافاً لغيرهم.
ومن السنن: خطبة الإمام في ثلاثة مواضع: في اليوم السابع قبل يوم التروية،
ويوم عرفة، وفي اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وهي خطبة واحدة بعد صلاة
الظهر إلا خطبة عرفة فهي خطبتان بعد الزوال قبل الصلاة.
وصفة الخطبة: هي أن يحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويكبر ويهلل، ويعظ الناس،
فيأمرهم بما أمر الله عز وجل وينهاهم عما نهاهم الله عنه، ويعلمهم مناسك
الحج من الوقوف بعرفة والإفاضة منها والوقوف بمزدلفة.
ثم يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم بأذان
واحد وإقامتين، ولم يتنفل قبلهما ولا بعدهما، كما فعل النبي صلّى الله عليه
وسلم. ويخفي الإمام القراءة فيهما بخلاف الجمعة والعيدين، فإنه يجهر فيهما
بالقراءة، وذلك سواء المكي المحرم وغيره.
(3/2147)
ثم يروح الإمام والناس إلى عرفات، عقيب
الصلاة، يقفون فيها حتى غروب الشمس، يكبرون ويهللون ويحمدون الله تعالى
ويثنون عليه ويصلون على النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسألون الله تعالى
حوائجهم ويتضرعون إليه بالدعاء.
ومن السنن: البقاء في المزدلفة حتى يسفر ضوء النهار.
ومنها المبيت بمنى ليلة الثامن من ذي الحجة (يوم عرفة) وأداء خمس صلوات
فيها، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع. وكذلك المبيت بمنى
ليلتين: ليلة الأول من أيام التشريق والثاني من أيام الرمي، ويكره أن يبيت
في غير منى من أيام منى، فإن فعل لا شيء عليه، ويكون مسيئاً؛ لأنه البيتوتة
بمنى ليست واجبة، بل هي سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم أرخص للعباس أن
يبيت بمكة للسقاية (1).
والسنة أن يرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر قبل الزوال بسبع
حصيات مثل حصى الخذف، بوضع كل حصاة على السبابة والإبهام، كأنه يخذف بها.
وترمى الجمرات الثلاث بعد الزوال من اليوم الثاني والثالث، ويكبر مع كل
حصاة، مبتدئاً بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم الكبرى
جمرة العقبة، فإذا فرغ منها عند كل جمرة يقف عندها فيكبر ويهلل ويحمد الله
تعالى، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى
حوائجه.
وتؤخذ الجمار من مزدلفة أو من الطريق، اتباعاً لفعل النبي صلّى الله عليه
وسلم، وإن رمى بحصاة أخذها من الجمرة أجزأه وقد أساء، لقوله صلّى الله عليه
وسلم ـ فيما يرويه البخاري ومسلم ـ «ارم ولا حرج» مطلقاً.
_________
(1) حديث متفق عليه عن ابن عباس (نيل الأوطار: 79/ 5).
(3/2148)
وتقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة
العقبة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها
جمرة العقبة (1).
ومن السنن: التحصيب: وهو النزول بوادي المحصب أو الأبطح، وهو موضع بين منى
ومكة عند مدخل مكة بين الجبلين، إلى المقبرة المسماة بالحجون، ينزل به
ساعة، فإنه سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي
الله عنهم نزلوا بالأبطح (2).
أعمال العمرة: وأما العمرة عند الحنفية
(3): فركنها الطواف، لقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج:29/ 22].
وواجباتها اثنان: السعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
وسنتها: أن يقطع التلبية إذا استلم الحجر عند أول شوط من الطواف.
المذهب الثاني ـ مذهب المالكية (4):
للحج أركان وواجبات وسنن ومندوبات. والركن أو الفرض: هو ما لاتحصل حقيقة
الحج أو العمرة إلا به، والواجب: ما يحرم تركه اختياراً لغير ضرورة، ولا
يفسد النسك بتركه وينجبر بالدم.
_________
(1) مفهوم من حديث جابر الطويل في حجة الوداع، ورواه البيهقي صراحة عن ابن
مسعود (نصب الراية: 79/ 2).
(2) أخرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر
كانوا ينزلون بالأبطح (المرج السابق: ص88) ورواه الزهري عن سالم، ولكن ورد
عن عائشة: «نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلّى الله عليه
وسلم؛ لأنه كان أسمحَ لخروجه إذا خرج» (نيل الأوطار: 83/ 5 - 84).
(3) البدائع: 226/ 2 ومابعدها.
(4) الشرح الصغير: 16/ 2، 39، 53، 60، 72، ومابعدها، القوانين الفقهية:
ص131 - 134.
(3/2149)
أركان الحج أربعة:
1 - الإحرام: وهو النية المقترنة بقول أو فعل متعلق بالحج، كالتلبية
والتوجه إلى الطريق. والأرجح أنه ينعقد بمجرد النية.
2 - السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط: وهو كما ذكر الأجهوري أفضل من
الوقوف بعرفة، لقربه من البيت، وتبعيته للطواف الأفضل من الوقوف، لتعلقه
بالبيت المقصود بالحج.
3 - الحضور بعرفة ليلة النحر، ولو بالمرور بها، إن علم أنه عرفة ونوى
الحضور الركن.
4 - طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت.
وأركان العمرة ثلاثة:
إحرام من المواقيت أو من الحل، وطواف بالبيت سبعاً، وسعي بين الصفا والمروة
سبعاً. وأما حلق الرأس فهو واجب، ويكره تكرارها في العام الواحد.
وللإحرام واجبات وسنن ومندوبات، علماً
بأنه لا دم في ترك السنن:
أما واجباته: فهي التجرد من المخيط وكشف الرأس للذكر، والتلبية، ووصلها
بالإحرام، فمن تركها رأساً أو فصل بينها وبين الإحرام بفاصل طويل، فعليه
دم.
وسنن الإحرام: غسل متصل به، ولبس إزار
وسطه، ورداء على كتفيه، ونعلين في رجليه، فلو التحف برداء أو كساء أجزأ
وخالف السنة.
ويسن ركعتان بعد الغسل وقبل الإحرام، ويجزئ عنهما الفرض، وفاته الأفضل.
(3/2150)
ويندب للراكب الإحرام إذا استوى على ظهر
دابته، وللماشي إذا مشى.
ويندب للمحرم إزالة شعثه قبل الغسل، بأن يقص أظفاره وشاربه ويحلق عانته،
وينتف شعر إبطه، ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إذا كان من أهل الحلق، ليستريح
بذلك من ضررها، وهو محرم.
ويندب الاقتصار على تلبية الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهي «لبيك اللهم
لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك»
(1).
ويندب تجديدها لتغير حال، كقيام وقعود وصعود وهبوط ورحيل وحط ويقظة من نوم
أو غفلة، وخلف صلاة ولو نافلة، وعند ملاقاة رفاق.
وندب توسط في علو صوته، فلا يسرُّها، ولا يرفع صوته جداً.
وندب توسط في تردادها، فلا يترك حتى تفوته الشعيرة، ولا يوالي حتى يلحقه
الضجر.
ويلبي المحرم من مكة في المكان الذي أحرم منه، سواء في المسجد أم في غيره.
ويلبي الآفاقي المعتمر من الميقات وكذا المعتمر الذي فاته الحج لإحصار أو
مرض إلى أن يصل إلى الحرم المكي العام.
ويلبي المعتمر من دون الميقات كالجعرانة إلى أن يصل لبيوت مكة.
_________
(1) رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ومعناه: إجابة بعد
إجابة، أي أجبتك الآن كما أجبتك حين أذن إبراهيم به في الناس، وحين خاطبت
الأرواح بـ «ألست بربكم» والأحسن ما قاله النووي في المجموع: معنى لبيك:
إجابة لك بعد إجابة، في جميع أمرك وكل خطاباتك.
(3/2151)
ويلبي المحرم من الميقات بالحج ولو قارناً
حتى يصل لبيوت مكة أو حتى يبدأ بطواف القدوم.
وواجب السعي: أن يسعى بعد طواف واجب
كالقدوم والإفاضة. وأن يقدمه على الوقوف بعرفة إن وجب عليه طواف القدوم،
وإلا أخره عقب طواف الإفاضة.
ويجب طواف القدوم بشروط ثلاثة: على المفرد أو القارن المحرم من الحِلّ، إذا
لم يزاحمه الوقت وخشي فوات الحج لو اشتغل به، ولم يردف الحج على العمرة
بحرم، أي لم ينو الحج بعد الإحرام بالعمرة قبل الشروع في طوافها. ويعذر
الحائض والنفساء والمغمى عليه والمجنون في ترك طواف القدوم، كما في
حالةالخوف من فوات الحج.
وواجب الطواف: ركعتان بعد الفراغ منه،
يقرأ فيهما ندباً بعد الفاتحة بالكافرون في الركعة الأولى، وبالإخلاص في
الثانية. وندب إيقاع الركعتين في مقام إبراهيم.
ويجب ابتداء الطواف من الحجر الأسود، والمشي لقادر عليه كالسعي، وإلا لزمه
دم.
وندب دعاء بعد تمام الطواف قبل الركعتين بالملتزم: حائط البيت بين الحجر
الأسود وباب البيت، يضع صدره عليه، ويفرش ذراعيه عليه، ويدعو بما شاء،
ويسمى الحطيم أيضاً.
وندب كثرة شرب ماء زمزم، لأنه بركة، بنية حسنة، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«ماء زمزم لما شرب له» (1)، وندب نقله إلى بلده وأهله للتبرك به.
_________
(1) رواه عن جابر: احمد وابن ماجة والبيهقي وابن أبي شيبة.
[التعليق]
(^*^)
( بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك،
واتباعاً لسنة نبيك محمد)
1 - رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ
{أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ: إذَا اسْتَلَمْنَا؟ قَالَ:
قُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ،
وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ}، قُلْت: وَهُوَ فِي الْأُمِّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالدُّعَاءِ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ قَالَ:
بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَى
الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ
يَسْتَلِمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك،
وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ
فِي الْمَغَازِي مَرْفُوعًا.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالدُّعَاءِ
عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا مَرَّ
بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَرَأَى عَلَيْهِ زِحَامًا، اسْتَقْبَلَهُ،
وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك، وَتَصْدِيقًا
بِكِتَابِك، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير 1026 - 1026 - (19) (3/
199)
2 - عن علي أن كان إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك
واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحارث وهو ضعيف وقد وثق.
وعن نافع قال كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانا بك وتصديقا
بكتابك وسنة نبيك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في الاوسط ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد: (3/ 240)
(^*^) أبو أكرم الحلبي عضو في ملتقى أهل الحديث.
(3/2152)
وسنن الطواف:
1 - تقبيل الحجر، بلا صوت، ندباً، أوله قبل الشروع فيه إذا لم تكن زحمة،
وإلا لمس باليد أو بالعود، ووضعا على الفم، ويندب أن يكبر مع كل تقبيل
ونحوه قائلاً: (بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك،
ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد) ص (^*^).
2 - واستلام الركن اليماني أول شوط، بأن يضع يده اليمنى عليه، ويضعها على
فمه.
3 - ورمَل ذَكَر ولوغير بالغ في الأشواط الثلاثة الأول فقط في غير زحمة،
لمن أحرم من الميقات، والرمل: الإسراع في المشي دون الجري، وذلك في طواف
القدوم وطواف العمرة إن أحرم من الميقات. فإن لم يحرم من الميقات فيندب
الرمل في طواف الإفاضة لمن لم يطف طواف القدوم لعذر أو نسيان.
4 - الدعاء بما يحب من طلب عافية وعلم وتوفيق وسعة رزق بما يفتح عليه، دون
تحديد في ذلك. والأولى الدعاء بقوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة:201/ 2] وبالمأثور مثل «اللهم إني
آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لي ما قدمت وماأخرت»
(1).
وسنن السعي أربع:
1ً - تقبيل الحجر الأسود
قبل الخروج له وبعد صلاة ركعتي الطواف.
2ً - الصعود على الصفا
والمروة. وتصعد المرأة إن خلا الموضع من الرجال.
_________
(1) رواه البخاري.
(3/2153)
3ً - الإسراع بين
الميلين الأخضرين فوق الرمَل ودون الجري، في الذهاب إلى المروة، وفي العودة
إلى الصفا.
4ً - الدعاء على الصفا
والمروة، سواء رقي أو لم يرقَ، قام أو جلس.
ومندوبات الطواف: رمل في الثلاثة الأول
لمحرم من دون المواقيت كالتنعيم والجعرانة، في طواف الإفاضة إن لم يطف طواف
القدوم لعذر أو نسيان. وتقبيل الحجر الأسود واستلام الركن اليماني في غير
الشوط الأول.
ومندوبات السعي: شروط الصلاة من طهارة وستر عورة، ووقوف على الصفا والمروة،
والجلوس مكروه أو خلاف الأولى.
وواجب الوقوف بعرفة: طمأنينة، أي استقرار بقدر الجلسة بين السجدتين، قائماً
أو جالساً أو راكباً، والركوب أفضل.
وسنن الوقوف بعرفة:
1 ً - خطبتان كالجمعة بعد الزوال بمسجد نمرة، يعلمهم الخطيب بهما بعد الحمد
والشهادتين ما عليهم من المناسك، قبل الأذان للظهر، من جمع وقصر ورمي
الجمار وطواف الإفاضة والتقاط الجمرات من المزدلفة والمبيت بها وصلاة الصبح
فيها، والنفر إلى الوقوف بالمشعر الحرام إلى قرب طلوع الفجر، ثم السير لمنى
لرمي جمرة العقبة، والإسراع ببطن محسر، ثم الحلق أو التقصير، والذبح أو نحر
الهدايا.
2ً - الجمع بين الصلاتين
جمع تقديم بين الظهر والعصر في نمرة وقصرهما ما عدا أهل عرفة فيتمون.
والجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة وقصرهما إلا أهل مزدلفة،
فيتمون.
(3/2154)
والحاصل أن أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفة
يتمون الصلاة في محلهم ويقصر غيرهم.
ومندوبات الوقوف بعرفة:
1 ً - الوقوف بجبل الرحمة: مكان معلوم شرقي عرفة عند الصخرات العظام.
2ً - الوقوف مع الناس؛ لأن
في جمعهم مزيد الرحمة والقبول.
3ً - الركوب حال الوقوف، ثم
القيام على القدمين إلا لتعب فيجلس.
4ً - الدعاء بما أحب من
خيري الدنيا والآخرة، والتضرع إلى الله، أي الخشوع والابتهال، حتى الغروب؛
لأنه أقرب للإجابة.
أما الوقوف بالمزدلفة فواجب بقدر حط
الرحال وصلاة العشاءين، وتناول شيء فيها من أكل أو شرب، فإن لم ينزل فدم.
ومندوباته:
1 - المبيت بها، وارتحاله منها بعد صلاة الصبح فيها بغلس قبل أن تتعارف
الوجوه.
2 - والوقوف بالمشعر الحرم (محل يلي مزدلفة جهة منى) للدعاء بالمغفرة
وغيرها والثناء على الله للإسفار مستقبلاً للبيت جهة المغرب؛ لأن هذه
الأماكن كلها شرقي مكة.
3 - والإسراع ببطن مُحَسِّر (واد بين المشعر الحرام ومنى، بقدر رمية الحجر
بالمقلاع من قويّ).
(3/2155)
ومندوبات الرمي
بمنى وما بعده:
1 - رمي العقبة ولو راكباً بمجرد الوصول لها أول يوم النحر من طلوع الشمس
إلى الزوال، بسبع حصيات يلتقطها من المزدلفة مثل حصى الخذف، ورمي غير
العقبة إثر الزوال قبل صلاة الظهر متوضئاً، مبتدئاً بالجمرة الأولى التي
تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم العقبة، فإن خالف هذا الترتيب لم يصح الرمي.
2 - مشي الرامي في غير جمرة العقبة يوم النحر.
3 - التكبير بأن يقول: (الله أكبر) أو (بسم الله، الله أكبر، رغماً للشيطان
وحزبه، ورضاء الرحمن) مع رمي كل حصاة من العقبة أوغيرها، والوقوف على يسار
الجمرة الوسطى والدعاء والثناء على الله مستقبلاً القبلة قدر قراءة سورة
البقرة إثر رمي الجمرتين الأولى والوسطى، والانصراف بعد جمرة العقبةلضيق
محلها.
4 - تتابع الحصيات بالرمي: فلا يفصل بينهما شاغل من كلام أو غيره.
5 - التقاط الحصى بنفسه أو غيره من أي مكان، إلا حصى العقبة فمن المزدلفة.
6 - ذبح الهدي والحلق قبل الزوال إن أمكن.
7 - تأخير الحلق أو التقصير عن الذبح. أما التقصير بقدر الأنملة فللمرأة من
جميع شعرها، ويجزئ الرجل إما قريباً من أصل الشعر، أو من الأطراف، بنحو
الأنملة. ولا يجزئ حلق بعض شعر الرأس للذكر، ولا تقصير البعض للأنثى.
8 - التحصيب: نزول غير المتعجل بعد رمي جمار اليوم الثالث بالمحصب (بطحاء
خارج مكة) ليصلي فيه أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كما فعل
النبي صلّى الله عليه وسلم، وأما المتعجل فلا يندب له ذلك.
(3/2156)
فإذا رمى العقبة ونحر وحلق أو قصر، نزل من
منى لمكة لطواف الإفاضة. ولا تسن صلاة العيد بمنى ولا بالمسجد الحرام؛ لأن
الحاج لا عيد له. وما يقع الآن من صلاة العيد بالمسجد الحرام بعد رمي جمرة
العقبة، فعلى غير مذهب المالكية.
واجبان في رمي العقبة: الواجب تقديم رمي
العقبة على الحلق؛ لأنه إذا لم يرمها لم يحصل له تحلل، فلا يجوز له حلق ولا
غيره من محرمات الإحرام.
ويجب تقديم الرمي المذكور أيضاً على طواف الإفاضة. فإن أخر الرمي عن الحلق
أو على الإفاضة فعليه دم. أما تقديم الرمي على النحر، وتقديم النحر أو
الحلق على الإفاضة، فليس بواجب بل مندوب.
والحاصل أن الذي يفعل يوم النحر أربعة: الرمي، فالنحر، فالحلق، فالإفاضة.
ومندوبات طواف الإفاضة:
أن يفعل في ثوبي إحرامه، ليكون جميع أركان الحج بهما.
وأن يفعل عقب الحلق بلا تأخير إلا بقدر قضاء حاجته.
المذهب الثالث ـ مذهب الشافعية (1):
أعمال الحج ثلاثة أنواع: أركان وواجبات وسنن. أما الأركان: فلا يتم الحج
ولا يجزئ حتى يأتي بجميعها، ولا يحل من إحرامه مهما بقي منها شيء، حتى لو
أتى بالأركان كلها إلا أنه ترك طوفة من السبع، أو مرة من السعي، لم يصح
الحج،
_________
(1) حاشية الباجوري: 323/ 1 - 334، كتاب الإيضاح للنووي: ص69 - 70، مغني
المحتاج: 513/ 1.
(3/2157)
ولم يحصل التحلل الثاني، وكذا لو حلق
شعرتين لم يتم حجه، ولا يحل حتى يحلق أو يقصر شعرة ثالثة. ولا يجبر شيء من
الأركان بدم ولا غيره، بل لا بد من
فعلها.
والطواف والسعي والحلق: لا آخر لوقتها، بل لا تفوت مادام حياً، ولا يختص
الحلق بمنى والحرم، بل يجوز في الوطن وغيره.
والترتيب بين الأركان واجب، فيقدم الإحرام على جميعها، والوقوف على طواف
الإفاضة والحلق، ويشترط كون السعي بعد طواف صحيح، ويصح السعي بعد طواف
القدوم. ولا يجب الترتيب بين الطواف والحلق.
وأما الواجبات: فمن ترك شيئاً منها لزمه
دم، ويصح الحج بدونه، سواء تركها عمداً أوسهواً، لكن يأثم العامد.
وأما السنن: فمن تركها لا شيء عليه، لا
إثم ولا دم ولا غيره، لكن فاته الكمال والفضيلة وعظيم ثوابها.
1 - الأركان: أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي،
والحلق أو التقصير (1).
وأركان العمرة أربعة: الإحرام والطواف
والسعي والحلق أو التقصير.
2 - الواجبات: واجبات الحج خمسة: أولها
ـ الإحرام من الميقات الزماني والمكاني، فميقات الحج الزماني: (شوال وذو
القعدة وعشر ليال من ذي الحجة)، وميقات العمرة: جميع السنة، فإن كل أجزاء
العام وقت لإحرامها. والميقات
_________
(1) اعتبار الحلق ركناً عند الشافعية هو القو ل المشهور والمعتمد في
المذهب، فلا يجبر تركه بدم كالطواف، ويتوقف التحلل عليه.
(3/2158)
المكاني للحج: مكة نفسها للمقيم بها مكياً
كان أو آفاقياً، وأما غير المقيم فيحرم من أحد المواقيت الخمسة السابق
ذكرها (ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم
لأهل اليمن، وقَرْن المنازل لأهل نجد، وذات عِرْق لأهل المشرق).
وثانيها ـ رمي الجمار الثلاث: يبدأ بالأولى الصغرى (1) وهي التي تلي مسجد
الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة (وهي التي تلي مكة)، في كل يوم من أيام
التشريق. ورمي جمرة العقبة فقط يوم النحر.
وثالثها ـ المبيت في المزدلفة، وهذا على الراجح في المذهب أنه واجب لا سنة.
رابعها ـ المبيت بمنى، وهذا على الراجح في المذهب.
خامسها ـ طواف الوداع عند إرادة الخروج من مكة لسفر، حاجاً كان أو لا،
طويلاً كان السفر أو قصيراً، والقول بوجوبه هو الأظهر.
3 - السنن: سنن الحج العامة ثمانٍ أو
أكثر: وهي كل ما عدا الأركان والواجبات:
أحدها ـ الإفراد: وهو تقديم الحج على العمرة، بأن يحرم أولاً بالحج من
ميقاته ثم يفرغ منه، ثم يحرم بالعمرة من أدنى الحل، وأفضل بقاعه ـ كما تقدم
ـ الجعرانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية.
ثانيها ـ التلبية: ولفظها: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن
_________
(1) يلاحظ أن الجمرة الكبرى هي جمرة العقبة، وورد في بعض كتب الشافعية
والحنابلة خطأ أن الأولى هي الكبرى.
(3/2159)
الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) (1)
ومن لا يحسنها بالعربية يأتي بها بغيرها، وتجوز الترجمة عنها بغير العربية،
مع القدرة على العربية، على الأوجه. ويسن الإكثار منها في أثناء الإحرام،
ويرفع الرجل صوته بها.
وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلّى الله عليه وسلم، وسأل الله الجنة
ورضوانه، واستعاذ به من النار.
ثالثها ـ طواف القدوم: للحاج الذي دخل مكة قبل الوقوف بعرفة. أما المعتمر
إذا طاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم.
رابعها ـ ركعتا الطواف بعد الفراغ منه، خلف المقام، يسر بالقراءة فيهما
نهاراً، ويجهر بهما ليلاً. فإذا لم يصلهما خلف المقام ففي الحِجْر (حجر
إسماعيل)، وإلا ففي المسجد، وإلا ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره.
خامسها ـ التجرد عند إرادة الإحرام (2) عن المخيط من الثياب وعن منسوجها
ومعقودها ولو بعضو من أعضاء البدن، وعن غير الثياب من خف ونعل ساتر أصابع
الرجلين، بخلاف ما لا يستر ذلك. ثم لبس إزار ورداء أبيضين جديدين وإلا
فنظيفين، لخبر «البسوا من ثيابكم البياض» وخبر أبي عوانة في صحيحه: «ليحرم
أحدكم في إزار ورداء ونعلين».
سادسها ـ إلقاء الإمام أربع خطب (3): الأولى ـ يوم السابع من ذي الحجة،
يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر. والثانية ـ يوم عرفات ببطن عرنة، وتحدث
_________
(1) المعنى: أنا مقيم على إجابتك حيث دعوتنا للحج، إجابة بعد الإجابة،
وإقامة بعد إقامة.
(2) يلاحظ أن التجرد عن المخيط ونحوه حالة الإحرام واجب على المعتمد، أما
السنية فهي عند إرادة الإحرام.
(3) شرح مسلم للنووي: 182/ 8، مغني المحتاج: 495/ 1 وما بعدها.
(3/2160)
عادة في مسجد نمرة، والثالثة ـ يوم النحر.
والرابعة ـ في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد صلاة الظهر، يعلمهم فيها
فيها جواز النفر وما بعدها من طواف الوداع وغيره، ويودعهم ويحثهم على طاعة
الله تعالى، وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة، والثبات على طاعة الله تعالى،
وأن يكونوا بعد الحج خيراً منهم قبله، وألا ينسوا ما عاهدوا الله عليه من
خير. ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى.
وكل هذه الخطب أفراد أي خطبة واحدة، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات،
فإنها خطبتان قبل الصلاة.
سابعها ـ الأغسال المسنونة في الحج وهي سبعة:
يسن الغسل لأحد أمور سبعة: 1 - للإحرام (1)، فإن عجز مريد الإحرام عن الغسل
لفقد الماء أو عدم قدرته على استعماله تيمم. 2، 3 - ولدخول الحرم ولدخول
مكة ولو حلالاً (2). 4 - وللوقوف بعرفة، والأفضل كونه بنمرة. 5 - وللوقوف
بمزدلفة عند المشعر الحرام بعد فجر يوم النحر. 6 - ولكل يوم من أيام
التشريق الثلاثة بعد الزوال للرمي لآثار وردت فيها، ولأنها مواضع اجتماع
كغسل الجمعة. 7 - ولدخول المدينة.
ثامنها ـ شرب ماء زمزم ولو لغير حاج ومعتمر، والتضلع منه واستقبال القبلة
عند شربه، وأن يقول: (اللهم إنه بلغني عن نبيك صلّى الله عليه وسلم أن ماء
زمزم لما شرب له، وأنا أشربه لسعادة الدنيا والآخرة، اللهم فافعل).
_________
(1) أي عند إرادة الإحرام بحج أو عمرة أو بهما، من رجل أو امرأة ولو حائضاً
أو نفساء، رواه الترمذي، وحسنه.
(2) رواه الشيخان في المحرم، والشافعي في الحلال.
(3/2161)
وكان ابن عباس إذا شرب يقول: «اللهم إني
أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء» (1) ويسن أن يسمي
الله تعالى ويشرب ويتنفس ثلاثاً، وأن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره.
وهناك سنن أخرى خاصة في كل عمل من أعمال الحج:
أولاً ـ سنن الإحرام (2):
يسن الغسل له كما تقدم، وتطييب البدن، وكذا الثوب في الأصح، وأن تخضِّب
المرأة يديها، وأن يصلي ركعتين للإحرام قبله، اتباعاً لفعل النبي صلّى الله
عليه وسلم كما روى الشيخان، يقرأ في الأولى «الكافرون» وفي الثانية
الإخلاص، والأفضل أن يحرم الشخص بمجرد التحرك بسير الدابة ونحوها إذا كان
راكباً، وببدء المشي إذا كان ماشياً، والإكثار من التلبية ورفع الصوت بها
وعند تغاير الأحوال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رُفْقة. ويسن عند
الشافعيةاستقبال القبلة عند بدء الإحرام، ويقول: (اللهم أحرم لك شعري وبشري
ولحمي ودمي).
ثانياً ـ سنن الطواف (3):
أن يطوف ماشياً ولو امرأة اتباعاً للسنة كما روى مسلم، ويستلم أول طوافه
وفي كل طوفة الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبّله ويضع جبهته عليه، اتباعاً
للسنة كما روى الشيخان، فإن عجز أشار إليه بيده. ولا يستلم الركنين
الشاميين (وهما اللذان عند الحِجْر) ولا يقبلهما، لما في الصحيحين عن ابن
عمر: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجَر والركن اليماني»
ويستلم بيده الركن اليماني ولا يقبله؛ لأنه لم ينقل.
_________
(1) قال الحاكم: صحيح الإسناد.
(2) مغني المحتاج: 478/ 1 - 483.
(3) مغني المحتاج: 487/ 1 - 492.
(3/2162)
ويقول عند بدء الطواف مقابل الحجَر: (بسم
الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك،
واتباعاً لسنة نبيك محمد صلّى الله عليه وسلم).
ويقول قبالة باب الكعبة: (اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك.
وهذا مقام العائذ بك من النار) أي هذا الملتجئ المستعيذ بك من النار.
ويقول بين الركنين اليمانيين، أي اليماني وركن الحجَر: «اللهم آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
ويدعو في جميع طوافه بما شاء، ومأثور الدعاء أفضل من غير المأثور، والقرآن
أفضل الذكر.
ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى في كل طواف يعقبه سعي، بأن يسرع الطائف
مشيه مقارباً خطاه، ويمشي في الباقي من طوافه على هينته، لما روى الشيخان
عن ابن عمر: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت طواف الأول
خبَّ ثلاثا، ومشى أربعاً» وليقل أثناء الرمل: «اللهم اجعله حجاً مبروراً،
وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً».
ويضطبع الذَّكَر ولو صبياً في الطواف، والسعي على الصحيح اتباعاً للسنة كما
رواه أبو داود: وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر. ولا
ترمل المرأة ولا تضطبع.
ويوالي بين الطوفات السبع خروجاً من خلاف من أوجبها، فيكره التفريق بلا
عذر، ومن الأعذار: إقامة الجماعة وعروض حاجة لا بد منها، ويكره قطع الطواف
المفروض لصلاة جنازة أو سنة راتبة.
ويقرب من البيت لشرفه، ولأنه أيسر في الاستلام والتقبيل. والقرب من البيت
بلا رمَل عند الزحمة أولى من البعد عنه، والرمل مع البعد أولى من القرب.
(3/2163)
ويصلي بعد الطواف ركعتين خلف المقام، لما
ثبت في الصحيحين «أنه صلّى الله عليه وسلم صلاهما خلف المقام، وقال: خذوا
عني مناسككم» يقرأ في الركعة الأولى «الكافرون» وفي الثانية «الإخلاص»
ويجهر ليلاً بهما.
ويكثر من دخول الحِجْر والصلاة فيه والدعاء. وتسن النية في طواف النسك،
وتجب في طواف لم يشمله نسك وفي طواف الوداع.
ثالثاً ـ سنن السعي: يسن أن يستلم الساعي بيده الحجر الأسود بعد انتهاء
الطواف وصلاة ركعتيه (1)، ثم يخرج من باب الصفا للسعي بين الصفا والمروة
(2).
ويستحب أن يرقى الذكَر على الصفا والمروة قدر قامة إنسان معتدل، وأن يشاهد
البيت؛ لأنه «صلّى الله عليه وسلم رقى على كل منهما حتى رأى البيت» (3).
فإذا رقى قال: (الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا،
والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير) (لا إله إلا الله
وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد
إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون).
ثم يدعو بما يشاء ديناً ودنيا، ويعيد الذِّكْر والدعاء السابقين، ثانياً
وثالثاً (4).
_________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم. وباب الصفا: هو الباب المقابل لما بين الركنين اليمانيين.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه مسلم.
(3/2164)
ويسن أن يمشي أول السعي وآخره، ويعدو
الذكَر (يسعى سعياً شديداً فوق الرمل) في الوسط الذي بين الصفا والمروة بين
الميلين الأخضرين (1).
ويقول الذكر في عدوه: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز
الأكرم).
رابعاً ـ سنن الوقوف بعرفة (2):
يسن أن يخطب الإمام بعد زوال اليوم التاسع (أي بعد الظهر) خطبتين، ثم يصلي
بالناس الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم اتباعاً للسنة كما رواه مسلم.
ويسن الوقوف إلى الغروب (3)، والأفضل كونه بعد الغروب حتى تزول الصفرة
قليلاً.
ويسن أن يذكر الحجاج الله تعالى ويدعونه، وأن يكثروا التهليل لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون
قبلي: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل
شيء قدير» (4) وزاد البيهقي: «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً،
وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري».
ويسن الإكثار من الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا يتكلف السجع في
الدعاء، ولا بأس بالسجع إذا كان محفوظاً، أو كان من غير قصد له.
_________
(1) رواه مسلم.
(2) مغني المحتاج: 496/ 1 ومابعدها.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو.
(3/2165)
ويسن قراءة القرآن. ويستحب أن يكثر من
قراءة سورة الحشر في عرفة، وقراءة سورة الإخلاص، لقوله صلّى الله عليه
وسلم: «من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة يوم عرفة، أُعطي ماسأل» (1).
ويسن رفع اليدين في الدعاء (2)، وأن يقف مستقبل القبلة متطهراً، ولا يُفرط
في الجهر بالدعاء أو غيره.
والأفضل للرجل أن يقف راكباً، على الأظهر.
ولا فضيلة في صعود جبل الرحمة.
ومن أدعية عرفة المختار: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا
عذاب النار، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت،
فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم انقلني من ذلّ المعصية إلى عز الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك،
وأغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واهدني وأعذني من الشر كله، واجمع
لي الخير، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى).
وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم
اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» (3).
_________
(1) من كتاب الدعوات للمستغفري عن ابن عباس مرفوعاً. قال الحسن البصري:
الدعاء مستجاب في مواضع: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي
البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، والمزدلفة،
وعند الجمرات.
(2) لخبر: «ترفع الأيدي في سبعة مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال البيت،
والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين».
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(3/2166)
يجب المبيت بمزدلفة بعد الدفع من عرفة
اتباعاً للسنة (1)، فإن لم يكن بها في النصف الثاني أراق دماً، ويسن جمع
المغرب والعشاء فيها جمع تأخير (2) اتباعاً للسنة (3).
خامساً ـ سنن الوقوف بمزدلفة: ويسن تقديم النساء والضَّعَفة بعد نصف الليل
إلى منى، ويبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مُغلِّسين، اتباعاً للسنة (4)، ثم
يدفعون إلى منى، ويأخذون من مزدلفة حصى الجمار وهي سبعون حصاة، لما روى
النسائي والبيهقي بإسناد صحيح عن الفضل بن العباس: «أن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم قال له غداة يوم النحر: التقط لي حصى، قال: فلقطت له حصيات مثل
حصى الخذف»، ولأن بها جبلاً في أحجاره رخاوة، ولأن السنة أنه إذا أتى إلى
منى لا يعرج على غير الرمي، فسنَّ له أن يأخذ الحصى من مزدلفة، حتى لا
يشغله عنه.
ويسن الوقوف عند المشعر الحرام في الطريق إلى منى، مع ذكر الله تعالى،
والدعاء إلى الإسفار مستقبلين القبلة للاتباع (5)، ويكثرون من قولهم:
(اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ويضيف
له: (اللهم كما أوقفتنا فيه وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر
لنا وارحمنا كما
_________
(1) رواه مسلم.
(2) مغني المحتاج: 498/ 1 - 501.
(3) رواه الشيخان.
(4) تقديم الضعفة رواه الشيخان عن عائشة، وقال ابن عباس: «أنا ممن قدم
النبيُ صلّى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله». والتغليس رواه
الشيخان أيضاً، وهو مستحب كل يوم وليس خاصاً بمزدلفة. والتغليس: السير بغلس
ـ وهو ظلمة آخر الليل.
(5) رواه مسلم.
(3/2167)
وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فإذا أفضتم من
عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام، واذكروه كما هداكم، وإن كنتم من
قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله، إن الله
غفور رحيم} [البقرة:198/ 2 - 199]).
ويقول أيضاً: (الله أكبر ـ ثلاثاً ـ لا إله إلا الله والله أكبر ولله
الحمد).
ثم يسير الحجاج قبل طلوع الشمس بسكينة ووقار، وشعارهم التلبية والذكر،
ويكره تأخير السير حتى تطلع الشمس.
ويسرعون في وادي مُحَسِّر (1) سواء أكان الحاج ماشياً أم راكباً.
سادساً ـ سنن الرمي في منى: يرمي كل شخص بعد طلوع شمس يوم النحر سبع حصيات
جمرة العقبة (الجمرة الكبرى) (2). ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي، وهذا
الرمي تحية منى، فلا يبتدئ فيها بغيره.
والسنة لرامي هذه الجمرة أن يستقبلها، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه،
كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلم، ويكبر مع كل حصاة بدل التلبية (3)،
فيقول:
(الله أكبر ـ ثلاثاً ـ لا إله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد).
ويسن أن يرمي بيده اليمنى رافعاً لها حتى يرى بياض إبطيه، ولا ترفع المرأة،
ولا يقف الرامي للدعاء عند هذه الجمرة.
_________
(1) وادي محسر: خمس مئة ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً وهو موضع فاصل بين
مزدلفة ومنى، والإسراع فيه رواه مسلم، لنزول العذاب فيه على أصحاب الفيل
القاصدين هدم البيت، وسمي به لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيا.
(2) للاتباع، رواه مسلم، وهذه الجمرة ليست من منى، بل حد منى من الجانب
الغربي جهة مكة.
(3) للاتباع رواه مسلم.
(3/2168)
ويسن الترتيب في يوم العيد بين هذه الأمور
الأربعة: الرمي للعقبة، ثم الذبح (ذبح الهدي)، ثم الحلق أو التقصير، ثم
طواف الإفاضة، ويدخل وقت هذه الأمور بنصف ليلةالنحر، ويبقى وقت الرمي إلى
آخر يوم النحر. ويختص الذبح بوقت الأضحية. ولا آخر لوقت الحلق والطواف
والسعي.
ويرمي الحاج أيضاً الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصيات في أيام التشريق
الثلاثة، وهي حادي عشر الحجة وتالياه (1)، بعد زوال الشمس من كل يوم إلى
الغروب، مبتدئاً بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، التي هي ليست من منى،
بل منى تنتهي إليها.
والسنة أن يرمي بقدر حصى الخذف: وهو دون الأنملة طولاً وعرضاً في قدر
الباقلاء، فلو رمى بأكبر منه أو بأصغر، كره، وأجزأه.
المذهب الرابع ـ مذهب الحنابلة (2):
أركان الحج أربعة:
1 - إحرام وينعقد بمجرد النية 2 - ووقوف بعرفة 3 - وطواف زيارة، فلو تركه
وخرج من مكة، رجع معتمراً 4 - وسعي بين الصفاة والمروة.
وأركان العمرة ثلاثة: 1 - إحرام، 2 -
وطواف، 3 - وسعي.
فمن ترك ركناً لم يصح الحج أو العمرة أو لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك
الإحرام لم ينعقد نسكه.
_________
(1) للاتباع المعلوم من الأخبار الصحيحة، مع خبر «خذوا عني مناسككم».
(2) كشاف القناع: 605/ 2، غاية المنتهى: 421/ 1 وما بعدها، المحرر في الفقه
الحنبلي لابن تيمية: ص 242 - 245.
(3/2169)
وواجبات الحج
سبعة:
إحرام من الميقات، ووقوف بعرفة نهاراً للغروب، ومبيت بمزدلفة لبعد نصف
الليل إن وافاها قبله، ومبيت بمنى، ورمي الجمرات مرتباً يبدأ بالأولى، ثم
الثانية (الوسطى) ثم الثالثة (جمرة العقبة)، وحلق أو تقصير، وطواف وداع
(وهو طواف الصَّدر) (1).
وواجبات العمرة: شيئان:
حلق أو تقصير، وإحرام من الحل أو الميقات.
فمن ترك واجباً ولو سهواً أو جهلاً، فعليه دم، فإن عجز عنه صام عشرة أيام
كالمتمتع.
والسنن:
كمبيت بمنى ليلة عرفة، وطواف قدوم، ورمل، واضطباع، وتلبية، واستلام الركنين
(الأسود واليماني)، وتقبيل الحجر، ومشي وسعي في مواضعهما، وخطب وأذكار،
ودعاء، ورقي بصفا ومروة، واغتسال، وتطيب في بدن، وصلاة ركعتين قبل الإحرام،
وعقب طواف، واستقبال قبلة عند رمي.
ولا شيء في ترك ذلك كله، ويجب بالنذر.
وسنن الإحرام (2):
الغسل، أو التيمم عند العجز أو العذر كما ذكر في غاية المنتهى، وأخذ الشعر
_________
(1) سمي بذلك، لأن الصدر رجوع المسافر من مقصده، ولأنه يفعل بعده.
(2) غاية المنتهى: 365/ 1 ومابعدها، 371، كشاف القناع: 488/ 2 ومابعدها.
(3/2170)
والظفر وقطع الرائحة الكريهة، وتطيب بنحو
مسك وعود وماء ورد، وخضاب للمرأة بحناء.
ولبس إزار ورداء أبيضين نظيفين، ونعلين، بعد تجرد الذكَر عن المخيط،
والإحرام بعد صلاة فرض أو ركعتين نفلاً.
والتلبية عقب الإحرام على الأصح، والإكثار منها (1) في الارتفاع والهبوط
ودبر الصلوات المكتوبات، وعند إقبال الليل وإدبار النهار، ولقاء الرفقة،
ورفع الصوت بها (2)، ولكن لا يجهد نفسه في رفعه زيادة عن الطاقة خشية ضرر
يصيبه. ويسن الدعاء بعد التلبية، فيسأل الله الجنة، ويعوذ به من النار (3)،
ويدعو بما أحب، ويسن عقبها الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه
موضع يشرع فيه ذكر الله تعالى، فشرعت فيه الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم
كالصلاة، ولا يرفع صوته بالدعاء والصلاة على النبي عقب التلبية، لعدم
وروده. وكره لأنثى الجهر بها بأكثر مما تسمع رفيقتها، ولطائف بالبيت.
وصفة التلبية بالإجماع: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ولا تستحب الزيادة عليها، اتباعاً لفعل
النبي صلّى الله عليه وسلم.
ولا تشرع التلبية بغير العربية لقادر على العربية، لأنه ذكر مشروع، فإن عجز
عن العربية، لبى بلغته كالتكبير في الصلاة.
_________
(1) لخبر سهل بن سعد: «ما من مسلم يلبي إلا لبّى ما عن يمينه وشماله، من
شجر أو حجر، أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا» رواه الترمذي بإسناد
جيد، وابن ماجه.
(2) لقول أنس: «سمعتهم يصرخون بها صراخاً» رواه البخاري.
(3) لما رواه الدارقطني عن خزيمة بن ثابت: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم
كان إذا فرغ من تلبيته، سأل الله مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من
النار».
(3/2171)
وسنن الطواف
(1):
استلام الحجر بيده اليمنى، وتقبيله ونحوه، واضطباع، ورمل في الأشواط
الثلاثة الأولى (وهو سرعة المشي ومقاربة الخطا)، ومشي في مواضعه ودعاء وذكر
ودنو من البيت، وصلاة ركعتين بعده. والرمل أولى من الدنو للبيت، ولا يسن
رمل ولا اضطباع في غير طواف الإفاضة.
فإن شق تقبيل الحجر استلمه بيده اليمنى وقبلها، فإن شق الاستلام أشار إليه
بيده أو بشيء ولا يقبله.
ويسن استقبال الحجر بوجهه، ويقول: «بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك
وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلّى الله عليه
وسلم» يقول ذلك كلما استلمه، وزاد جماعة «الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد».
ويقرب طائف جانبه الأيسر للبيت.
ويستلم الركن اليماني (2) ولا يقبله، وذلك في كل شوط، ولا يستلم الشامي
والغربي.
ويقول بين الركنين اليماني والأسود: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة
حسنة، وقنا عذاب النار} [البقرة:201/ 2].
ويقول في بقية طوافه: (اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً
مغفوراً، ربنا اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم، وأنت
الأعز الأكرم)، ويذكر ويدعو بما أحب، وسن قراءة فيه.
_________
(1) غاية المنتهى: 399/ 1 - 402.
(2) الطائف عن يسار البيت أول ركن يمر به يسمى الشامي والعراقي (وهو جهة
الشام)، ثم يليه الركن الغربي (وهو جهة الغرب)، ثم اليماني (جهة اليمن).
(3/2172)
وسنن السعي
(1):
كما ذكر عند الشافعية، يخرج للسعي من باب الصفا (وهو طرف جبل أبي قبيس)
ويرقى الذكَرالصفا ليرى البيت، فيستقبله، ويكبر ثلاثاً، ويقول ثلاثاً:
(الحمد لله على ما هدانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. إلخ) المذكور
سابقاً ويدعو بما أحب، ثم ينزل من الصفا، ويمشي ثم يرمل بين الميلين
الأخضرين. ثم يرقى المروة، ويقول عليها ما قال على الصفا. ولا ترقى المرأة
ولا ترمل.
وخلاصة سننه: طهارة حدث وخبث وستر عورة، وذكر ودعاء، وإسراع ومشي بمواضعه،
ورقي، وموالاة بينه وبين طواف. فإن طاف بيوم، وسعى في آخر، فلا بأس.
وسنن الوقوف بعرفة (2):
كالمذكور عند الشافعية أيضاً، وأهمها خطبة الإمام بنمرة (قبيل عرفة) خطبة
قصيرة (3) مفتتحة بالتكبير، يعلمهم فيها الوقوف بعرفة ووقته، والدفع منه،
والمبيت بمزدلفة ونحوه، والجمع تقديماً بين الظهر والعصر.
ويسن الوقوف راكباً بخلاف سائر المناسك، مستقبل القبلة عند الصخرات الكبار
المفترشة أسفل جبل الرحمة، ولا يشرع صعوده.
ويكثر من الدعاء مع رفع الأيدي، والاستغفار، والتضرع، والخشوع، وإظهار
الضعف، والافتقار، والإلحاح في الدعاء، وتكرار الدعاء ثلاثاً. ويكثر من
قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. إلخ» المذكور عند الشافعية.
_________
(1) غاية المنتهى: 404/ 1 - 406.
(2) المرجع السابق: 407/ 1 ومابعدها، 412، 415.
(3) يخطب الإمام أيضاً بمنى يوم النحر، وفي ثاني أيام التشريق. ويدعو بما
أحب، ويكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات، وتقال العثرات.
(3/2173)
وسنن الوقوف
بمزدلفة (1):
الدفع إليها بعد غروب اليوم التاسع بسكينة واستغفار، علماً بأنه يجب المبيت
بها لنصف الليل، وجمع العشاءين بها جمع تأخير، وصلاة الصبح بها بغلس، ثم
إتيان المشعر الحرام (2)، فيرقى عليه أو يقف عنده مع حمد الله وتكبيره،
والدعاء إليه إلى الإسفار جداً، كما ذكر عند الشافعية: (اللهم كما وقفتنا
فيه وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا .. إلخ).
والإسراع في وادي محسِّر، ماشياً أو راكباً.
ويأخذ الحاج من المزدلفة سبعين حصاة أكبر من الحمص ودون البندق، كحصى
الخَذْف، ويكره أخذ الحصى من منى وسائر الحرم. ولا يسن غسل غير نجس، وتجزئ
حصاة نجسة مع الكراهة.
وسنن الرمي في منى (3):
البدء برمي جمرة العقبة بسبع حصيات وهو تحية منى، بعد نصف ليلة النحر
كالطواف. ويندب الرمي بعد الشروق، وأن يكبر مع كل حصاة قائلاً:
(اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً) وأن يستبطن
الوادي، ويستقبل القبلة، ويرمي على جانبه الأيمن، ويرفع يده حتى يرى بياض
_________
(1) غاية المنتهى: 409/ 1 ومابعدها.
(2) جبل صغير بالمزدلفة، هو جبل قزح، وتسمى المزدلفة كلها مشعراً.
(3) غاية المنتهى: 410/ 1 ومابعدها، 414 ومابعدها.
(3/2174)
إبطه، ولا يقف عندها، بل يرميها ماشياً،
وله رميها من فوقها، ويقطع التلبية عند أول الرمي.
ويسن الحلق بعد ذبح الهدي، والحلق أفضل من التقصير، والسنة ترتيب أربعة
أمور يوم النحر: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، كما وصف جابر في حج
النبي صلّى الله عليه وسلم (1)، فإن أخل بترتيبها ناسياً أو جاهلاً بالسنة،
فلا شيء عليه في قول أكثر العلماء، خلافاً لأبي حنيفة، فإنه يوجب الدم إن
قدم الحلق على الرمي، أو على النحر.
ويسن أخذ ظفر وشارب وشعر إبط وأنف وعانة، وتطيب عند تحلل من الحج.
وتسن الخطبة يوم عرفة.
ويندب أن يخطب الإمام بمنى يوم النحر خطبة يفتتحها بالتكبير ويعلمهم فيها
النحر والإفاضة والرمي.
ويسن رمي الجمرات في أيام التشريق قبل أداء صلاة الظهر، مع وجوب البدء
بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف وأبعدهن عن مكة، فيجعلها عن يساره
مستقبلاً القبلة، ويرمي، ثم يتقدم قليلاً، لئلا يصيبه حصى.
ثم يقف يدعو دعاء طويلاً رافعاً يديه.
ثم يرجم الجمرة الوسطى، فيجعلها عن يمينه مستقبلاً القبلة، ثم يقف عندهم
فيدعو. ثم يرجم جمرة العقبة ويجعلها عن يمينه مستقبلاً القبلة، ويستبطن
الوادي، ولا يقف عندها. وترتيب رجمها شرط.
_________
(1) المغني: 446/ 3.
(3/2175)
ويندب أن يخطب الإمام ثاني أيام التشريق،
خطبة يعلمهم حكم التعجيل والتأخير، وتوديعهم، ويحثهم.
ويجوز لغير الإمام التعجيل في اليوم الثاني، وهو النفر الأول، فإن غربت
الشمس وهو في منى لزمه مبيت ورمي من غد. ويسقط رمي اليوم الثالث عن متعجل،
ويدفن حصاه في المرمى.
ويسن إذا نفر من منى النزول بالأبطح (وهو المحصَّب: وهو مابين الجبلين إلى
المقبرة) فيصلي به الظهرين والعشاءين، ويهجع يسيراً، ثم يدخل مكة.
(3/2176)
|