الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

البَاب الثَّامن: الأُضحِية والعَقِيقَة وفيه فصلان:
الفصل الأول ـ في الأضحية الفصل الثاني ـ في العقيقة وأحكام المولود الفصل الأول
الأضحية

(4/2699)


الكلام عن الأضحية في المباحث الستة الآتية:

المبحث الأول ـ تعريف الأضحية ومشروعيتها وحكمها.
المبحث الثاني ـ شروطها (شروط إيجابها أو سنيتها، شروط صحتها، شروط المكلف بها).
المبحث الثالث ـ وقت التضحية.
المبحث الرابع ـ الحيوان المضحى به (نوعه، سنه، ما يجزئ عنه، صفاته).
المبحث الخامس ـ آداب التضحية ـ مندوباتها ومكروهاتها، وما يسن لمريد التضحية.
المبحث السادس ـ أحكام لحوم الضحايا ـ الأكل والتوزيع.

(4/2701)


المبحث الأول ـ تعريف الأضحية ومشروعيتها وحكمها:
وفيه مطلبان:

المطلب الأول ـ تعريف الأضحية ومشروعيتها:
الأضحية لغة: اسم لما يضحى به، أو لما يذبح أيام عيد الأضحى، فالأضحية ما يذبح في يوم الأضحى. وفقهاً: هي ذبح حيوان مخصوص بنية القربة في وقت مخصوص (1). أو هي ما يذبح من النَّعَم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر (2).
وقد شرعت في السنة الثانية من الهجرة كالزكاة وصلاة العيدين، وثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع (3).
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فصلّ لربك وانحر} [الكوثر:2/ 108] (4) {والبدنَ جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج:36/ 22] أي من أعلام دين الله.
وأما السنة فأحاديث، منها حديث عائشة: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من إراقة الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً» (5).
_________
(1) الدر المختار: 219/ 5، تبيين الحقائق: 2/ 6، تكملة الفتح: 66/ 8.
(2) شرح الرسالة: 366/ 1، مغني المحتاج: 282/ 4، حاشية الباجوري على ابن قاسم: 304/ 2، كشاف القناع: 615/ 2.
(3) المغني: 617/ 8، مغني المحتاج: المكان السابق، المهذب: 237/ 1، كشاف القناع: 17/ 3.
(4) أشهر الأقوال: أن المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنحر: الضحايا.
(5) رواه الحاكم وابن ماجه والترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. وجاء في لفظ: «أحب إلى الله من هراقة دم وإنه ليأتي .. » (نيل الأوطار: 108/ 5).

(4/2702)


ومنها حديث أنس قال: «ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، أقرنين، فرأيته واضعاً قدميه على صِفَاحها، يُسمِّي ويكبِّر، فذبحهما بيده» (1).
وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية. ودلت الأحاديث على أنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها، ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض، وإنها سنة إبراهيم لقوله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات:107/ 37].
والحكمة من تشريعها: هو شكر الله على نعمه المتعددة، وعلى بقاء الإنسان من عام لعام، ولتكفير السيئات عنه: إما بارتكاب المخالفة، أو نقص المأمورات، وللتوسعة على أسرة المضحي وغيرهم، فلا يجزئ فيها دفع القيمة، بخلاف صدقة الفطر التي يقصد منها سد حاجة الفقير. ونص الإمام أحمد على أن الأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها.

المطلب الثاني ـ حكم الأضحية:
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية، هل هي واجبة أو هي سنة؟
فقال أبو حنيفة وأصحابه: إنها واجبة مرة في كل عام على المقيمين من أهل الأمصار، وذكر الطحاوي وغيره: أن على قول أبي حنيفة: واجبة، وعلى قول الصاحبين (أبي يوسف ومحمد): سنة مؤكدة (2).
_________
(1) رواه الجماعة، ورواه أحمد أيضاً عن عائشة (نيل الأوطار: 119/ 5، 121)، والأملح: الأبيض الخالص، أو بياضه أغلب من سواده، والأقرن: الذي له قرنان معتدلان. والصفحة: جانب العنق. وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها، فتمنعه من إكمال الذبح، أو تؤذيه.
(2) تكملة فتح القدير: 67/ 8، اللباب شرح الكتاب: 232/ 3، تبيين الحقائق: 2/ 6، البدائع: 62/ 5.

(4/2703)


وقال غير الحنفية (1): إنها سنة مؤكدة غير واجبة، ويكره تركها للقادر عليها. وذلك عند المالكية على المشهور لغير الحاج بمنى. والأكمل عندهم للقادر أن يضحي عن كل شخص عنده أضحية، فإن أراد إنسان أن يضحي بنفسه عن كل من عنده ممن تجب عليه نفقته جاز في المذهب. وهي عند الشافعية سنة عين للمنفرد في العمر مرة، وسنة كفاية إن تعدد أهل البيت، فإذا فعلها واحد من أهل البيت، كفى عن الجميع.
ودليل الحنفية على الوجوب: هو قوله عليه السلام: «من وجد سعة، فلم يضح، فلا يقربن مصلانا» (2) قالوا: ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب، ولأن الأضحية قربة يضاف إليها وقتها، يقال: يوم الأضحى وذلك يؤذن بالوجوب؛ لأن الإضافة للاختصاص، والاختصاص بوجود الأضحية فيه، والوجوب هو المفضي إلى الوجود في الظاهر بالنسبة لمجموع الناس.
واستدل الجمهور على السنية للقادر عليها بأحاديث:
منها حديث أم سلمة: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة: وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره» (3) ففيه تعليق الأضحية بالإرادة، والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب.
ومنها حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ثلاث هن علي
_________
(1) بداية المجتهد: 415/ 1، القوانين الفقهية: ص 186، الشرح الكبير: 118/ 2، مغني المحتاج: 282/ 4 ومابعدها، المهذب: 237/ 1، المغني: 617/ 8، شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني: 366/ 1.
(2) رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 108/ 5).
(3) رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار: 112/ 5).

(4/2704)


فرائض، وهن لكم تطوع: الوتر، والنحر وصلاة الضحى» (1) وروى الترمذي: «أمرت بالنحر وهو سنة لكم».
ويؤيد ذلك أن الأضحية ذبيحة لم يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة كالعقيقة. وضعف أصحاب الحديث حديث الحنفية، أو هو محمول على تأكيد الاستحباب كغسل الجمعة في حديث: «غُسل الجمعة واجب على كل محتلم» (2).
ويرشد إليه الأثر: «أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان، مخافة أن ترى الناس ذلك واجباً (3) والأصل عدم الوجوب».
ودليل الشافعية على أن الأضحية سنة كفاية لكل بيت: حديث مِخْنَف بن سُلَيم قال: «كنا وقوفاً مع النبي صلّى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: يا أيها الناس، على كل أهل بيت في كل عام أضحية .. » (4)، ولأن الصحابة كانوا يضحون في عهده صلّى الله عليه وسلم، والظاهر اطلاعه، فلا يُنكر عليهم (5). وقد ضحى النبي صلّى الله عليه وسلم بكبشين سمينين أقرنين أملحين، أحدهما عن أمته، والثاني عن نفسه وآله (6).
ودليل الشافعية على أن الأضحية سنة عين للمنفرد في العمر مرة هو أن الأمر عندهم لا يقتضي التكرار (7).
_________
(1) رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك، والدارقطني. وسكت عنه الحاكم، وفيه راو ضعيف ضعفه النسائي والدارقطني (نصب الراية: 206/ 4).
(2) رواه السبعة: (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أبي سعيد الخدري (سبل السلام:87/ 1).
(3) رواه البيهقي وغيره بإسناد حسن.
(4) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب (نيل الأوطار: 138/ 5).
(5) ثبت هذا برواية ابن ماجه والترمذي وصححه عن عطاء بن يسار، وبرواية ابن ماجه عن الشعبي (نيل الأوطار: 120/ 5).
(6) رواه ابن ماجه عن عائشة وأبي هريرة (نصب الراية: 215/ 4).
(7) قرر الشافعية في أصولهم: أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا يفيد المرة، وإنما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة، إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به (شرح الإسنوي: 43/ 2).

(4/2705)


حالة تغير حكم الأضحية أو نوعا الأضحية:
الأضحية عند الحنفية نوعان: واجبة وتطوع (1).
أما الواجبة: فهي أولاً ـ المنذورة كأن يقول المرء: لله علي أن أضحي شاة، أو بدنة (ناقة) أو هذه الشاة، أو هذه البدنة، أو جعلت هذه الشاة ضحية أو أضحية، سواء أكان القائل غنياً أم فقيراً.
وثانياً ـ المشتراة للأضحية إذا كان المشتري فقيراً. فإن اشترى فقير شاة بنية الأضحية، صارت واجبة؛ لأن الشراء للأضحية ممن لا أضحية عليه، يجري مجرى الإيجاب، وهو النذر بالتضحية عرفاً.
وثالثاً ـ المطلوبة من الغني دون الفقير في كل عيد، من غير نذر ولا شراء للأضحية، بل شكراً لنعمة الحياة، وإحياء لميراث الخليل عليه السلام حين أمره الله تعالى بذبح الكبش في أيام العيد، فداء عن ولده، ومطية على الصراط (2)، ومغفرة للذنوب، وتكفيراً للخطايا.
وإن ولدت الأضحية ولداً يذبح ولدها مع الأم، وإن باعه يتصدق بثمنه، لأن الأم تعينت للأضحية.
وأما التطوع: فأضحية المسافر، والفقير الذي لم يوجد منه النذر بالتضحية، ولا الشراء للأضحية، لانعدام سبب الوجوب وشرطه.
وقال ابن جزي المالكي (3): تتعين الأضحية وتصبح واجبة بالذبح اتفاقاً،
_________
(1) البدائع: 61/ 5 - 63، 78، الدر المختار: 227/ 5.
(2) ذكر الرافعي وابن الرفعة حديث: «عظموا ضحاياكم، فإنها على الصراط مطاياكم» لكن قال ابن الصلاح: إنه غير ثابت.
(3) القوانين الفقهية: ص 189.

(4/2706)


وبالنية قبله على خلاف في المذهب، وبالنذر إن عينها له اتفاقاً، فإذا قال: جعلت هذه أضحية، تعينت على أحد قولين، فإن ماتت فلا شيء عليه على كلا القولين، وإن باعها لزمه أن يشتري بثمنها كله أخرى.
لكن قال الدردير والدسوقي المالكيان (1): المعتمد المشهور في المذهب: أن الأضحية لاتجب إلا بالذبح فقط، ولاتجب بالنذر. وقالا أيضاً: يندب ولايجب على المعتمد ذبح ولد الأضحية الذي ولد قبل ذبح أمه؛ لأن الأضحية لاتتعين عندهم إلا بالذبح، ولاتتعين بالنذر.
وقال الشافعية في الصحيح والحنابلة (2): إن نوى الشراء للأضحية ولم يتلفظ بذلك لاتصير به أضحية؛ لأن إزالة الملك على سبيل القربة لاتحصل بذلك، وإنما تجب الأضحية إما بالنذر، مثل لله علي، أو علي أن أضحي بهذه الشاة، أو بالتعيين بأن يقول: هذه أضحية أو جعلتها أضحية، لزوال ملكه عنها بذلك. والجعل بمعنى النذر، فتصير واجبة، ويحرم حينئذ الأكل منها، ولايقبل القول بإرادة التطوع بها. فإن قال: أضحية إن شاء الله لم تتعين ولم تجب. وإشارة الأخرس المفهمة كنطق الناطق. ولايجوز تأخيرها للعام القابل، وتعين ذبحها وقت الأضحية.
وإن ولدت الأضحية المعينة أو المنذورة، فولدها تابع لها، يذبح معها، وحكمه حكمها، سواء أكان حملاً عند التعيين أم حدث بعده. ولايشرب صاحبها من لبنها إلا الفاضل عن ولدها، فإن لم يفضل عنه شيء لم يكن له أخذه.
_________
(1) الشرح الكبير وحاشيته: 122/ 2، 125.
(2) مغني المحتاج: 283/ 4، 288، 291، المهذب: 240/ 1 ومابعدها، حاشية الباجوري: 305/ 2، المغني: 627/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 8/ 3.

(4/2707)


المبحث الثاني ــ شروط الأضحية:
وفيه مطالب ثلاثة:

المطلب الأول ـ شروط إيجاب الأضحية أو سنيتها:
يشترط لإيجاب الأضحية عند الحنفية، أو سنيتها عند الأئمة الآخرين: القدرة عليها، فلا تطلب من العاجز عنهافي أيام عيد الأضحى.
والمقصود بالقدرة عند الحنفية، هو اليسار أي يسار الفطرة (1)، وهو أن يكون مالكاً مئتي درهم الذي هو نصاب الزكاة، أو متاعاً يساوي هذا المقدار زائداً عن مسكنه ولباسه، أو حاجته وكفايته هو ومن تجب عليه نفقتهم.
والقادر عليها عند المالكية (2): هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه. ولو استطاع أن يستدين استدان.
والمستطيع عليها عند الشافعية (3): هو من يملك ثمنها زائداً عن حاجته وحاجة من يعوله يوم العيد وأيام التشريق، لأن ذلك وقتها، مثل زكاة الفطر، فإنهم اشترطوا فيها أن تكون فاضلة عن حاجته مَمونة يوم العيد وليلته فقط.
والقادر عليها عند الحنابلة (4): هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدين، إذا كان يقدر على وفاء دينه.
_________
(1) الدر المختار: /222، اللباب: 232/ 3، تبيين الحقائق: 3/ 6.
(2) شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني: 367/ 1.
(3) حاشية الباجوري: 304/ 2.
(4) كشاف القناع: 18/ 3.

(4/2708)


المطلب الثاني ـ شروط صحة الأضحية:
يشترط لصحة الأضحية ما يأتي (1):
1 - سلامة الحيوان المضحى به من العيوب الفاحشة التي تؤدي عادة إلى نقص اللحم أو تضر بالصحة، كالعيوب الأربعة المتفق على كونها مانعة من الضحية، وهي: العور البين، والمرض البين، والعرج، والعَجَف (الهُزال)، فلا تجزئ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعُها، والعجفاء (أو الكسير) التي لا تُنْقي، بنص الحديث (2).
وسيأتي مزيد بيان للعيوب المانعة في المذاهب في مبحث الحيوان المضحى به.
2 - كون التضحية في وقت مخصوص: وهو عند الحنفية: أيام النحر ولياليها وهما ليلتان: ليلة اليوم الثاني: وهي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وليلة يوم الثالث: وهي ليلة الثاني عشر، ولا تصح التضحية في ليلة عيد الأضحى: وهي ليلة العاشر من ذي الحجة، ولا في ليلة اليوم الرابع، لقول جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم: أيام النحر ثلاثة. وذكر الأيام يشمل ذكر الليالي لغة. ولكن يكره تنزيهاً الذبح ليلاً.
_________
(1) البدائع: 73/ 5 - 75، الشرح الصغير للدردير: 141/ 2 - 144، القوانين الفقهية: ص186، مغني المحتاج: 286/ 4 ومابعدها، المغني: 623/ 8، 636 ومابعدها.
(2) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن البراء بن عازب وصححه الترمذي، ولفظ العجفاء عنده: وهي التي اشتد هزالها بحيث ذهب مخ أي دهن العظم. وعند غيره: الكسير، والضلع: هو العرج، ولا تنقي: أي لا نقْي لها أي لا مخ. قال النووي: وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء، وهي المرض والعجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها، أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه (نيل الأوطار: 115/ 5 - 117).

(4/2709)


وسأوضح وقت الذبح في مبحث (وقت التضحية).
واشترط المالكية أن يكون الذبح نهاراً، فلو ذبح ليلاً لم تصح أضحيته. والنهار بطلوع الفجر في غير اليوم الأول.
وأضاف المالكية شرطين آخرين هما (1):
1 - إسلام الذابح: فلا تصح بذبح كافر، أنابه صاحب الأضحية فيه، ولو كان كتابياً، وإن جاز أكلها. ويستحب عند غير المالكية (2) ألا يذبح الأضحية إلا مسلم، ويكره أن يذبحها الذمي الكتابي، لأنها عمل هو قربة، وهو ليس من أهلها، فلو ذبحها بالنيابة عن المسلم جاز مع الكراهة.
2 - وعدم الاشتراك في ثمن الأضحية، فإن اشترك جماعة بالثمن أو كانت مملوكة شركة بينهم، فذبحوها ضحية عنهم، لم تجز عن واحد منهم. ويصح التشريك في الثواب قبل الذبح لا بعده، بين سبعة في بدنة أو بقرة لا شاة، بشروط ثلاثة على المشهور عندهم:
أن يكون قريباً له كابنه وأخيه وابن عمه، ويلحق به الزوجة.
وأن يكون ممن ينفق عليه، سواء أكانت النفقة واجبة عليه كأب وابن فقيرين، أم غير واجبة كالأخ وابن العم.
وأن يكون ساكناً معه في دار واحدة.
ويصح عند غير المالكية (3) الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو
_________
(1) الشرح الصغير: 141/ 2 ومابعدها.
(2) الباب شرح الكتاب: 236/ 3، المهذب: 239/ 1، المغني: 640/ 8.
(3) تبيين الحقائق: 2/ 6 - 3، مغني المحتاج: 285/ 4، كشاف القناع: 618/ 2، المغني: 619/ 8.

(4/2710)


البقر، فيصح اشتراك سبعة في بقرة أو ناقة إذا ساهم كل واحد منهم بالسُبع. ولا يصح أكثر من سبعة، ولا المساهمة بأقل من السُبع.

المطلب الثالث ـ شروط المكلف بالأضحية:
اتفق الفقهاء (1) على أن المطالب بالأضحية هو المسلم الحر البالغ العاقل المقيم المستطيع، واختلفوا في مطالبة المسافر والصغير بها.
أما المسافر: فقال الحنفية (2): ليس عليه أضحية؛ لأن أبا بكر وعمر كانا لايضحيان إذا كانا مسافرين. وقال علي: «ليس على المسافر جمعة ولا أضحية» (3)، ولأن أداءها يختص بأسباب تشق على المسافر، وتفوت بمضي الوقت، فلا تجب عليه لدفع الحرج عنه، كالجمعة.
وقال المالكية (4): تسن الأضحية لغيرالحاج، لأن سنته الهدي (5)، وغير الحاج تسن له الضحية مطلقاً، حاضراً في بلده أو مسافراً.
وقال الشافعية والحنابلة (6): تسن الأضحية لكل مسلم، مسافر أو حاج أو غيرهما، «لأنه صلّى الله عليه وسلم ضحى في منى عن نسائه بالبقر» رواه الشيخان. وبه يرد على القائل بأن الأضحية لا تسن للحاج بمنى، وإن الذي ينحره بها هدي، لا أضحية.
_________
(1) اللباب: 232/ 3، تكملة الفتح: 67/ 8، القوانين الفقهية: ص 186، الشرح الكبير: 118/ 2، مغني المحتاج: 283/ 4، كشاف القناع: 17/ 3.
(2) تكملة الفتح: 71/ 8، تبيين الحقائق: 3/ 6، الدر المختار: 222/ 5.
(3) قال الزيلعي عن كل من الأثرين: غريب (نصب الراية: 211/ 4).
(4) الشرح الكبير: 118/ 2، القوانين الفقهية: ص 186، بداية المجتهد: 415/ 1.
(5) الهدي: ما يهدى إلى الحرام من النعم وغيرها، سمي بذلك لأنه يهدى إلى الله تعالى.
(6) مغني المحتاج: 283/ 4، كشاف القناع: 17/ 3.

(4/2711)


والخلاصة أن غير الحنفية يقولون: تسن الأضحية للمسافر وغيره، وعند الحنفية: ليس عليه أضحية.

وأما الصغير: فتجب عليه الأضحية من ماله على الأصح، في رأي الشيخين: أبي حنيفة وأبي يوسف، ويضحي عنه أبوه أو وصيه، ويأكل الصغير من أضحيته ما أمكنه، ويبتاع مما بقي ما ينتفع بعينه كالغربال والمنخل، لا ما يستهلك. ويذبح الولي عن كل واحد من أولاده الصغار شاة، أو يذبح ناقة أو بقرة عن سبعة، كما في صدقة الفطر.
وقال محمد وزفر: يضحي الولي من مال نفسه، لا من مال الصغير.
وفي ظاهر الرواية عند الحنفية، وهو الأظهر لدى بعضهم وعليه الفتوى (1): إن الأضحية تستحب ولا تجب عن الولد الصغير، وليس للأب أن يفعله من مال الصغير؛ لأنها قربة محضة، والأصل في العبادات ألا تجب على أحد بسبب غيره، بخلاف صدقة الفطر؛ لأن فيها معنى المؤونة (2)، والسبب فيها رأس يمونه (ينفق عليه) ويلي عليه. وهذا أرجح الآراء.
وكذلك قال المالكية (3): تسن الأضحية للصغير.
_________
(1) الدر المختار: 222/ 5، تبيين الحقائق: 2/ 6 - 3، تكملة الفتح: 67/ 8، 70، اللباب:232/ 3 ومابعدها.
(2) المؤونة: هي الضريبة التي تؤدي إلى المحافظة على ما تؤدى عنه من نفس أو مال. فصدقة الفطر عبادة فيها معنى المؤونة، أما إنها عبادة فلأنها تقرب إلى الله بالتصدق على المحتاجين، وأما إنها مؤونة فلوجوبها عند الحنفية على المكلف بسبب غيره ممن يعوله، وله ولاية عليه كخادمه وابنه الصغير، كما تجب عليه نفقتها (أصول الفقه لنا: 153/ 1، ط دار الفكر).
(3) الشرح الكبير: 118/ 2.

(4/2712)


وقال الشافعية والحنابلة (1): لا تسن الأضحية للصغير.
والخلاصة: إن الأضحية للصغير من مال وليه تستحب عند الحنفية والمالكية، ولا تستحب عند الشافعية والحنابلة.

ويشترط لجواز إقامة التضحية على المكلف بها (2): نية الأضحية، فلا تجزئ الأضحية بدونها، لأن الذبح قد يكون للحم، وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربة بدون النية، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (3) وقوله: «لا عمل لمن لا نية له».
قال الكاساني: والمراد منه عمل هو قربة، فلا تتعين الأضحية إلا بالنية. واشترط الشافعية والحنابلة: أن تكون النية عند ذبح الأضحية؛ لأن الذبح قربة في نفسه. ويكفيه أن ينوي بقلبه، ولا يشترط أن يتلفظـ بالنية بلسانه؛ لأن النية عمل القلب، والذكر باللسان دليل عليها.
واشترط الحنفية أيضاً: ألا يشارك المضحي فيما يصح فيه الشركة من لايريد القربة رأساً، وإنما أراد اللحم، فلو اشترك سبعة في بعير أو بقرة كلهم يريد القربة إلا واحداً منهم يريد اللحم، لا تجزئ الأضحية عن الجميع، لأن القربة في إراقة الدم، وذلك لا يتجزأ، لأنها فعل أو ذبح واحد.
وأجاز الشافعية (4) هذا الاشتراك، وللشركاء قسمة اللحم، لأنها قسمة إفراز على الأصح.
_________
(1) مغني المحتاج: 283/ 4، كشاف القناع: 17/ 3، قليوبي وعميرة على المحلي على المنهاج: 249/ 4.
(2) البدائع: 71/ 5، القوانين الفقهية: ص 187، مغني المحتاج: 289/ 4، كشاف القناع: 6/ 3.
(3) رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل رواه الجماعة عنه.
(4) مغني المحتاج: 285/ 4.

(4/2713)


المبحث الثالث ـ وقت التضحية:
للفقهاء خلافات جزئية في أول وقت التضحية وآخره، وفي كراهية التضحية في ليالي العيد.
لكنهم اتفقوا على أن أفضل وقت التضحية هو اليوم الأول قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن أول مانبدأ به يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع، فننحر، فمن فعل ذلك، فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النُسُك في شيء» (1). إنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة، أو في ليلة العيد لا يجوز عملاً بالحديث السابق.
وأذكر آراء الفقهاء فيما اختلفوا فيه:

1 - قال الحنفية (2): يدخل وقت التضحية عند طلوع فجر يوم الأضحى، ويستمر إلى قبيل غروب شمس اليوم الثالث، إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار المطالبين بصلاة العيد الذبح في اليوم الأول إلا بعد أداء صلاة العيد، ولو قبل الخطبة، أو بعد مضي مقدار وقت الصلاة في حال تركها لعذر. وأما أهل القرى الذين ليس عليهم صلاة العيد، فيذبحون بعد فجر اليوم الأول.
وإن ضلت الشاة أو سرقت، فاشترى أخرى ثم وجدها فالأفضل ذبحهما، وإن ذبح الأولى جاز، وكذا الثانية لو قيمتها كالأولى أو أكثر.
_________
(1) رواه البخاري ومسلم (نصب الراية: 212/ 4).
(2) البدائع: 73/ 5 - 75، تكملة فتح القدير: 72/ 8 وما بعدها، تبيين الحقائق: 4/ 6 ومابعدها، الدر المختار: 222/ 5 - 225، اللباب شرح الكتاب: 233/ 3 ومابعدها.

(4/2714)


وإذا أخطأ الناس في تعيين يوم العيد، فصلوا وضحوا، ثم بان لهم أنه يوم عرفة (الوقفة)، أجزأتهم الصلاة والتضحية، لأنه لا يمكن التحرز عن مثل هذا الخطأ، فيحكم بالجواز، صيانة لجميع المسلمين.
وأيام الذبح ثلاثة: يوم العيد (النحر) ويومان بعده.
ويكره تنزيهاً الذبح ليلاً، لاحتمال الغلط في الذبح في ظلمة الليل، وذلك في الليلتين المتوسطتين: الثانية والثالثة، لا الأولى ولا الرابعة؛ لأنه لا تصح فيهما الأضحية أصلاً.
ولو تركت التضحية حتى مضى وقتها، تصدق بها صاحبها حية إن كانت منذورة أوجبها على نفسه، أو مشتراة من فقير أو غني للأضحية؛ لأنها في حكم المنذورة عرفاً. وأما الغني إذا لم يشتر الأضحية، فيتصدق بقيمة شاة على الصحيح، كما في البدائع، وهو قول الإمام وصاحبيه؛ لأن الأضحية واجبة على الغني، وتجب على الفقير بالشراء بنية الأضحية.
ودليل الحنفية على جواز الذبح بعد الصلاة ولو قبل الخطبة: حديث البراء بن عازب المتقدم: «من ضحى قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين» وحديث أنس عند البخاري: «من ذبح قبل الصلاة، فليُعد، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تم نُسكُه، وأصاب سُنة المسلمين» فقد رتب النبي صلّى الله عليه وسلم الذبح على الصلاة، لا على الخطبة، فدل على أن العبرة للصلاة، لا للخطبة.
وأما دليلهم على تحديد الوقت بثلاثة أيام، فهو ما روي عن عمر وعلي وابن

(4/2715)


عباس أنهم قالوا: «أيام النحر ثلاثة، أفضلها أولها» (1). وكان ابن عمر يقول: «الأضحى يومان بعد يوم الأضحى» (2).

2 - وقال المالكية (3): يبتدئ وقت التضحية لإمام صلاة العيد بعد الصلاة والخطبة، فلو ذبح قبلها لم يجز. وغير الإمام يذبح في اليوم الأول، بعد ذبح الإمام، أو مضي زمن قدر ذبح الإمام أضحيته إن لم يذبح الإمام، فإن ذبح أحد قبل الإمام متعمداً لم يجزئه، ويعيد ذبح أضحية أخرى، وعليه فلا جزئ الذبح قبل الصلاة، ولا قبل ذبح الإمام، إلا من تحرى أقرب إمام ولم يبرز أضحيته وظن أنه ذبح فسبقه، أجزأه ذلك. وإن تأخر الإمام بعذر شرعي انتظره إلى قرب الزوال بحيث يبقى قدر ما يذبح قبله لئلا يفوته الوقت الأفضل.
ودليلهم أن النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث جابر (4) أمر من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي، مما يدل على أنه لا ذبح قبل ذبح الإمام.
ودل حديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي (5) على أن الذبح يكون بعد الصلاة: «من كان ذبح قبل أن يصلي، فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح، حتى صلينا، فليذبح باسم الله» وفي غير اليوم الأول ـ وهو الثاني والثالث يدخل وقت الذبح بطلوع الفجر، لكن يندب التأخير لارتفاع الشمس. وإذا لم يضح المسلم قبل زوال الشمس يوم النحر، الأفضل أن يضحي بقية النهار، وإن فاته ذلك في
_________
(1) قال الزيلعي عنه: غريب جداً (نصب الراية: 213/ 4).
(2) رواه مالك في الموطأ. وفيه أيضاً أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول مثل ذلك (المرجع السابق).
(3) الشرح الكبير: 120/ 2،122، بداية المجتهد: 421/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 186 وما بعدها.
(4) رواه أحمد ومسلم.
(5) متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الأوطار: 123/ 5).

(4/2716)


اليوم الثاني فالأفضل أن يؤخر إلى ضحى اليوم الثالث، وإن فاته التضحية في اليوم الثالث، فيضحي بعد الزوال، لأنه ليس له وقت ينتظر.
ويستمر وقت الذبح لآخر (أي مغيب شمس) اليوم الثالث من أيام النحر، أي كما قال الحنفية، وهو رأي الحنابلة أيضاً كما سيأتي؛ لأن المشهور في تفسير (الأيام المعلومات): أنها يوم النحر ويومان بعده، في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:28/ 22].

3 - وقال الشافعية (1): يدخل وقت التضحية بمضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات بعد طلوع شمس يوم النحر، ثم ارتفاعها في الأفق كرمح (2) على الأفضل وهو بدء وقت صلاة الضحى، فإن ذبح قبل ذلك لم تقع أضحية لخبر الصحيحين عن البراء بن عازب المتقدم: «أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي، ثم نرجع، فننحر .. » ويستثنى من ذلك ما لو وقف الحجاج بعرفة في الثامن غلطاً، وذبحوا في التاسع، ثم بان الخطأ، أجزأهم في رأي ضعيف تبعاً للحج (3).
ويمتد وقت الذبح ليلاً ونهاراً إلى آخر أيام التشريق، وهي ثلاثة عند الشافعي رحمه الله بعد العاشر، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «عرفة كلها موقف، وأيام التشريق كلها منحر» (4) وفي رواية لابن حبان: «في كل أيام التشريق ذبح» (5).
_________
(1) مغني المحتاج: 287/ 4 وما بعدها، المهذب: 237/ 1، المحلي على المنهاج: 252/ 4 ومابعدها، نهاية المحتاج: 6/ 8.
(2) الرمح: عود طويل في رأسه حربة.
(3) هذا إنما يأتي على رأي مرجوح عند الشافعية، وهو أن الحج يجزئ، والأصح أنه لا يجزئ، فكذا الأضحية.
(4) رواه البيهقي، وصححه ابن حبان.
(5) ورواه أحمد والدارقطني: «كل أيام التشريق ذبح» وهو دليل على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر، وثلاثة أيام بعده (نيل الأوطار: 125/ 5) وقال الأئمة الثلاثة غير الشافعية: يومان بعده.

(4/2717)


لكن يكره الذبح والتضحية ليلاً للنهي عنه، إما خوفاً من الخطأ في المذبح، أو لأن الفقراء لا يحضرون للأضحية بالليل، كحضورهم بالنهار.
ومن نذر أضحية معينة، فقال: لله علي أن أضحي بهذه البقرة مثلاً، لزمه ذبحها وقت الأضحية المذكور هنا، ولا يجوز تأخيرها للعام القابل، فإن تلفت قبل وقت الأضحية أو فيه قبل التمكن من ذبحها، فلا شيء عليه لعدم تقصيره وهي في يده أمانة. وإن أتلفها لزمه أن يشتري بقيمتها مثلها ويذبحها فيه، أي وقت التضحية المذكور.

4 - وقال الحنابلة (1): يبدأ وقت الذبح من نهار الأضحى بعد مضي قدر صلاة العيد والخطبتين في أخف ما يكون كما قال الشافعية، والأفضل أن يكون الذبح بعد الصلاة وبعد الخطبة وذبح الإمام إن كان، خروجاً من الخلاف، لا فرق في هذا بين أهل المصر وغيرهم، فإن فاتت صلاة العيد بالزوال، لعذر أو غيره، ضحى المضحي عند الزوال، فما بعده، لفوات التبعية بخروج وقت الصلاة.
وإن ذبح قبل الصلاة لم يجزئه، ولزمه في الأضحية الواجبة بنذر أو تعيين البدل، لأنها نسيكة واجبة ذبحها قبل وقتها، فلزمه بدلها. والذبح في اليوم الثاني في أول النهار؛ لأن الصلاة فيه غير واجبة.
ويستمر وقت الذبح إلى آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، أي أن أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، كما قال الحنفية والمالكية.
والأفضل الذبح في النهار، ويجوز في الليل مع الكراهة، للخروج من
_________
(1) المغني: 636/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 6/ 3.

(4/2718)


الخلاف، روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن الذبح بالليل» (1) ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، فلا يفرق طازجاً طرياً، فيفوت بعض المقصود.
وإذا فات وقت الذبح، ذبح الواجب قضاء، وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته. وهو مخير في التطوع، فإن فرق اللحم، كانت القربة بذلك دون الذبح؛ لأنها شاة لحم، وليست أضحية.
وإذا وجبت الأضحية بإيجاب صاحبها، فضلَّت أو سرقت بغير تفريط منه، فلا ضمان عليه؛ لأنها أمانة في يده، فإن عادت إليه، ذبحها، سواء أكان في زمن الذبح، أم فيما بعده.

المبحث الرابع ـ الحيوان المضحى به:
وفيه مطالب أربعة:

المطلب الأول ـ نوع الحيوان المضحى به:
اتفق العلماء على أن الأضحية لا تصح إلا من نَعم: إبل وبقر (ومنها الجاموس) وغنم (ومنها المعز) بسائر أنواعها، فيشمل الذكروالأنثى، والخصي والفحل، فلا يجزئ غير النعم من بقر الوحش وغيره، والظباء وغيرها، لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:34/ 22] ولم ينقل عنه صلّى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه التضحية بغيرها،
_________
(1) أخرجه الطبراني عن ابن عباس، وفي إسناده متروك، ورواه البيهقي مرسلاً عن الحسن (نيل الأوطار:126/ 5).

(4/2719)


ولأن التضحية عبادة تتعلق بالحيوان، فتختص بالنَّعَم كالزكاة (1).
والمولود من الأنعام وغيرها، كالمتولد من الأهلي والوحشي يتبع الأم؛ لأنها هي الأصل في التبعية، هذا رأي الحنفية والمالكية.
وقال الشافعية: المتولد بين جنسين من النعم يجزئ في الأضحية، ويعتبر أعلى الأبوين سناً، فلا بد من بلوغه سنتين إذا كان متولداً بين الضأن والمعز. وقال الحنابلة: لا يجزئ المتولد من أهلي ووحشي.
واختلف الفقهاء في الأفضل من أنواع الحيوان على رأيين:
فقال المالكية: الأفضل الضأن، ثم البقر، ثم الإبل، نظراً لطيب اللحم، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، ولا يفعل إلا الأفضل، ولو علم الله خيراً منه لفدى إسحاق (أو إسماعيل) به.
وعكس الشافعية والحنابلة فقالوا: أفضل الأضاحي: الإبل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم المعز. نظراً لكثرة اللحم، ولقصد التوسعة على الفقراء، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشاً أقرن .. » (2).
ورأي الحنفية: الأكثر لحماً هو الأفضل.
_________
(1) البدائع: 69/ 5، اللباب: 235/ 3، الدر المختار: 226/ 5، تبيين الحقائق: 7/ 6، تكملة الفتح: 76/ 8، الشرح الكبير: 118/ 2 ومابعدها، بداية المجتهد: 416/ 1، مغني المحتاج: 284/ 4، المغني: 619/ 8 ومابعدها، 623، كشاف القناع: 615/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 188، المهذب: 238/ 1.
(2) رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 237/ 3).

(4/2720)


وتفصيل عبارات المذاهب ما يأتي:
قال الحنفية (1): «الأصل أنه إذا استويا في اللحم والقيمة، فأطيبهما لحماً أفضل. وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى» فالشاة أفضل من سبع البقرة إذا استويا في القيمة واللحم، وإن كان سبع البقرة أكثر لحماً فهو أفضل. والكبش أفضل من النعجة إذا استويا فيهما، وإلا فهي أفضل، والأنثى من المعز أفضل من التيس إذا استويا قيمةولم يكن خصياً (2). والأنثى من الإبل والبقر أفضل إذا استويا؛ لأن لحمها أطيب. وعلى هذا فالذكر الخصي أفضل، وإلا فالأنثى، والأبيض الأقرن أفضل من غيره.
وقال المالكية (3): الأفضل الغنم: فحله، فخصيه، فأنثاه، ثم المعز، ثم البقر، ثم الإبل، لطيب اللحم. فالذكور عندهم أفضل من الإناث مطلقاً، والأبيض أفضل من الأسود، ويوافقهم الشافعية والحنابلة في تفضيل الأبيض على الأسود.
وعبارة الشافعية والحنابلة (4): أفضل الأضاحي: البعير أو البدنة لأنه أكثر لحماً، ثم بقرة؛ لأن لحم البدنة أكثر من لحم البقرة غالباً، ثم ضأن، ثم معز، لطيب الضأن على المعز، وبعد المعز: المشاركة في بقرة أو بدنة، فسبع شياه أفضل من
_________
(1) الدر المختار وحاشيته: 226/ 5 ومابعدها، 233، البدائع: 80/ 5.
(2) فإن كان خصياً أي موجوءاً ـ مرضوض الأنثيين: مدقوقهما، فالذكر في الضأن والمعز أفضل. وقد ثبت في رواية أحمد عن أبي رافع قال: «ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين خصيين» والموجوء: منزوع الأنثيين (نيل الأوطار: 119/ 5) وقال الزيلعي في نصب الراية: 215/ 4: روي أيضاً من حديث جابر وعائشة وأبي هريرة وأبي الدرداء.
(3) الشرح الكبير: 121/ 2، القوانين الفقهية: ص 188.
(4) مغني المحتاج: 285/ 4 ومابعدها، المهذب: 238/ 1، المغني: 621/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 615/ 2 ومابعدها.

(4/2721)


بعير أو بقرة؛ لأن لحم الغنم أطيب، وشاة أفضل من مشاركة في بعير إذا تساويا في القدر، للانفراد بإراقة الدم وطيب اللحم. فإن كان سبع البعير أكثر قدراً، كان أفضل.
والكبش أفضل الغنم، لأنه أضحية النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو أطيب لحماً (1)، وجذع الضأن أفضل من ثني المعز، لطيب اللحم، ولأنه يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «نعم أو نعمت الأضحية: الجَذَع من الضأن» (2) أي قبل الثني.
والذكر عند الشافعية أفضل على الأصح من الأنثى؛ لأن لحمه أطيب، والخصي أفضل من النعجة عند الحنابلة؛ لأن لحمه أوفر وأطيب. والفحل في المذهبين أفضل من الخصي.
والسمينة أفضل من غير السمينة، لقول الله عز وجل: {ومن يعظم شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب} [الحج:32/ 22] قال ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها. وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، والأملح: الأبيض. وبه يكون ترتيب الألوان في مذهبي الشافعية والحنابلة ما يأتي، وهو متفق عليه بين الفقهاء:
البيضاء أفضل، ثم الصفراء، ثم العفراء (وهي التي لايصفو بياضها أوليس بناصع)، ثم الحمراء ثم البلقاء (مختلط البياض والسواد) ثم السوداء (3)، روى أحمد والحاكم خبر أبي هريرة: «دم ُعفراءَ أحب إلى الله من دم سوداوين».
_________
(1) وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «خير الأضحية الكبش الأقرن».
(2) حديث غريب رواه الترمذي وأحمد عن أبي هريرة (نصب الراية: 216/ 4) والجذع لولد الشاة في السنة الثانية، ولولد البقرة والحافر في السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة.
(3) والترجيح بين الألوان: قيل: للتعهد، وقيل لحسن المنظر، وقيل: لطيب اللحم.

(4/2722)


المطلب الثاني - سن الحيوان المضحى به:
اتفق الفقهاء على جواز التضحية بالثَّنِيّ فما فوقه من الإبل والبقر والغنم. واختلفوا في الجَذَع (1) من الضأن، فقال الحنفية والحنابلة (2): يجزئ الجذع العظيم أو السمين من الغنم ابن ستة أشهر ودخل في السابع، وهو رأي بعض المالكية (3)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يجزئ الجذع من الضأن أضحية» (4). وبيَّن الحنفية حالة سمنه بما إذا خلط بالثنايا يشتبه على الناظر من بعيد، فلا يمكن تمييزه مما له سنة.
والفرق بين جذع الضأن والمعز: أن جذع الضأن ينزو، فيلقح، بخلاف الجذع من المعز. ويعرف كونه قد أجذع بنمو الصوف على ظهره.
وقال الشافعية والمالكية على الراجح عندهم (5): يجزئ الجذع من الضأن إذا أتم السنة الأولى، ودخل في الثانية، لخبر أحمد وغيره: «ضحوا بالجذع من الضأن، فإنه جائز» (6).
وأما أسنان بقية الأنعام المجزئة في الأضحية عند الفقهاء فهي ما يأتي (7):
_________
(1) الجذع قبل الثني: وهو الشاب الحدث، يقال لولد الشاة في السنة الثانية، ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة. والثني: الذي يلقي ثنيته. ويكون ذلك في البقر والحافر في السنة الثالثة، وفي الإبل في السنة السادسة.
(2) البدائع:70/ 5، كشاف القناع: 616/ 2، المغني: 623/ 8.
(3) القوانين الفقهية: ص 188.
(4) رواه ابن ماجه وأحمد عن أم بلال بنت هلال عن أبيها (نيل الأوطار: 114/ 5).
(5) الشرح الكبير: 119/ 2، بداية المجتهد: 419/ 1، مغني المحتاج: 284/ 4، المهذب: 238/ 1.
(6) روى النسائي عن عقبة بن عامر أنه ضحى مع الرسول بالجذع من الضأن، وروى أحمد والشيخان أنه أذن لعقبة بن عامر بالأضحية بالجذع (نيل الأوطار: 114/ 5).
(7) المراجع السابقة في هذا المطلب لكل مذهب.

(4/2723)


قال الحنفية: المعز: ما أتم سنة وطعن (دخل في الثانية)، والبقر والجاموس ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، والإبل: ما أتم خمس سنوات، ودخل في السادسة.
وقال المالكية: المعز: ابن سنة عربية ودخل في الثانية دخولاً بيناً كشهر، بخلاف الضأن، فيكفي فيه مجرد الدخول. والبقر والجاموس: ابن ثلاث سنين، ودخل في الرابعة مجرد دخول، والإبل ابن خمس سنوات ودخل في السادسة.
وقال الشافعية: شرط إبل أن يطعن في السنة السادسة، وبقر ومعز في السنة الثالثة، وضأن في السنة الثانية.
وقال الحنابلة: المعز ابن سنة كاملة، والبقر ما له سنتان كاملتان، والإبل: ماكمل خمس سنين.
وبه يظهر لدينا أن فقهاء المذاهب اتفقوا على تحديد سن الإبل بخمس، واختلفوا في البقر على رأيين، فعند الحنفية والحنابلة والشافعية: ما له سنتان. وعند المالكية: ما له ثلاث سنين. كما اختلفوا في المعز: فعند غير الشافعية: ما له سنة كاملة. وعند الشافعية: ما له سنتان كاملتان.

المطلب الثالث - قدر الحيوان المضحى أو مايجزئ عنه:
اتفق الفقهاء (1) على أن الشاة والمعز لا تجوز أضحيتهما إلا عن واحد، وتجزئ البدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص، لحديث جابر: «نحرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالحديبية: البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» (2). وفي لفظ مسلم: «خرجنا مع
_________
(1) البدائع:70/ 5، تبيين الحقائق: 3/ 6، تكملة الفتح: 76/ 8، الدر المختار: 222/ 5، القوانين الفقهية: ص 186، بداية المجتهد: 420/ 1، الشرح الكبير: 119/ 2، مغني المحتاج: 285/ 4، 292، المهذب: 238/ 1، المغني: 619/ 8 وما بعدها، كشاف القناع: 617/ 2.
(2) أخرجه الجماعة (نصب الراية: 209/ 4).

(4/2724)


رسول الله صلّى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل، والبقر، كل سبعة منا في بدنة» (1).
وأجاز الحنابلة أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة، أو بقرة، أو بدنة، عملاً بما رواه مسلم عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلم ضحى بكبش عن محمد وآل محمد، وضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن محمد وأمته (2)، وروى ابن ماجه والترمذي وصححه عن أبي أيوب: «كان الرجل في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه، وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون ... ».
وكذلك أجاز المالكية أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضحياً، عن نفسه وعن أهل بيته، ولو زادوا عن سبعة إذا كان الاشتراك في الثواب قبل الذبح بشروط ثلاثة: أن يكون قريباً له، ينفق عليه، وساكناً معه، وقد بينتها في شروط صحة الأضحية.
وقال الشافعية أيضاً: تضحية واحد من أهل البيت تحصل به سنة الكفاية، وإن لم يصدر من بقيتهم إذن.

المطلب الرابع ـ أوصاف الحيوان المضحى:
صفات الحيوان المضحى به أو الأضحية ثلاثة أنواع: مستحبة، ومانعة الإجزاء، ومكروهة.
_________
(1) استنبط الشافعية من هذا الحديث خلافاً للحنفية كما بينت جواز الاشتراك بين من يريد القربة ومن لا يريدها، فقالوا: وظاهره أنهم لم يكونوا من أهل بيت واحد، وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا كما إذا قصد بعضهم التضحية، وبعضهم الهدي، وبعضهم اللحم، ولهم قسمة اللحم، لأن قسمته قسمة إفراز على الأصح.
(2) رواه أبو داود.

(4/2725)


فأما الصفات المستحبة في الأضحية باتفاق الفقهاء (1): فهي أن تكون كبشاً سميناً أقرن أملح (أبيض) فحلاً ـ هو أفضل من الخصي عند الجمهور، أو خصياً (موجوءاً) هو أفضل من الفحل عند الحنفية؛ لأن الكبش كما تقدم هو أفضل أجناس الغنم. وهذا الاستحباب عند الشافعية والحنابلة هو في حالة تفضيل الكبش عن سبع البدنة أو البقرة.
والسبب في استحباب هذه الصفات هو أنها صفات أضحية النبي صلّى الله عليه وسلم، كما ثبت في أحاديث جابر وعائشة وأبي هريرة وأبي رافع، وأبي الدرداء الدالة على جواز التضحية بالخصي، وهي دليل الأفضل عند الحنفية، وحديث أبي سعيد الدال على التضحية بالفحل (2)، ونصه: «ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل، يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد» (3) وهو دليل الأفضل عند الجمهور.

وأما الصفات المانعة الإجزاء: فهي ـ كما تقدم في بحث الشروط ـ أربعة باتفاق الفقهاء: وهي العور البيِّن، والمرض البين، والعرج، والعجف (الهزال). ودليلهم حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عَوَرُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ضَلَعها، والكسير (أو العجفاء) التي لا تُنْقي» (4).
_________
(1) البدائع: 80/ 5، القوانين الفقهية: ص 188، مغني المحتاج: 285/ 4 ومابعدها، المغني: 621/ 8، كشاف القناع: 617/ 2.
(2) راجع نصب الراية: 215/ 4 وما بعدها، نيل الأوطار: 118/ 5 وما بعدها.
(3) رواه أحمد وصححه والترمذي وابن حبان، وهو على شرط مسلم، ومعناه: أن فمه أسود، وقوائمه وحول عينيه سواد (نيل الأوطار، المكان السابق).
(4) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) وصححه الترمذي، وفيه دليل على أن متبينة العور والعرج (الضلع) والمرض لا يجوز التضحية بها، إلا ما كان من ذلك يسيراً غير بيِّن، وكذلك الكسير التي لا نقي لها (أي لا مخ لها)، وفي رواية الترمذي والنسائي «والعجفاء) بدل «الكسير» (نيل الأوطار:115/ 5 - 117) فالعجفاء: هي المهزولة التي لا مخ في عظامها.

(4/2726)


وأضاف الفقهاء عيوباً أخرى بالقياس على هذه الأربعة، هي في معناها، أو أقبح منها، كالعمى وقطع الرجل، لما يترتب على ذلك من نقص اللحم، ويكون الحديث من باب الخاص الذي أريد به العموم.

فصارت العيوب عند الحنفية (1) ما يأتي:
لا يضحى بالعمياء (الذاهبة العينين)، والعوراء (الذاهبة عيناً)، والعرجاء (العاطلة إحدى القوائم، وهي التي لا تمشي إلى المذبح)، والعجفاء (المهزولة التي لا مخ في عظامها)، والهتماء (التي لا أسنان لها، ويكفي بقاء الأكثر)، والسَّكاء (التي لا أذن لها خلقة، فلو كان لها أذن صغيرة خلقة أجزأت)، والجَذَّاء (مقطوعة رؤوس ضرعها، أو يابستها)، والجَدْعاء (مقطوعة الأنف)، والمصرَّمة حلمات الضرع (التي عولجت حتى انقطع لبنها)، والتي لا ألية لها، والخنثى (لأن لحمها لا ينضج)، والجلاَّلة (التي تأكل العذرة ـ الغائط ـ دون غيرها)، ومقطوعة أكثر من ثلث الأذن أو الذنَب أو الألْية، أو التي ذهب أكثر نور عينها (لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهاباً، فيكفي بقاء الأكثر، ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه، فجعل عفواً). وهذه العيوب تمنع من صحة الأضحية إذا كانت قائمة وقت الشراء. أما لو اشتراها سليمة ثم تعيبت، بعيب مانع: فإن كان غنياً غيّرها، وإن كان فقيراً تجزئه. وكذلك تجزئه لو كانت معيبة وقت الشراء لعدم وجوبها عليه، بخلاف الغني.
ويجوز أن يُضحَّى بالجَمَّاء (وهي التي لا قرن لها، أو مكسورة القرن؛ لأن القرن لا يتعلق به مقصود)، والخَصي (لأن لحمه أطيب)، والجَرْباء السمينة (لأن
_________
(1) البدائع: 75/ 5، الدر المختار: 227/ 5، تكملة الفتح: 74/ 8 وما بعدها، تبيين الحقائق: 5/ 6، اللباب: 234/ 3 ومابعدها.

(4/2727)


الجرب يكون في جلدها، ولا نقصان في لحمها، بخلاف المهزولة، لأن الهزال يكون في لحمها) والثَّوْلاء (1) (المجنونة) إذا كان ترعى، فإن امتنعت من الرعي، لم تجزئ.

وعند المالكية (2): لا تجزئ العيوب المذكورة في الحديث وهي العوراء والعرجاء والمريضة والعجفاء، ولا العمياء والمجنونة جنوناً دائماً، ولا مقطوعة جزء من أجزائها الأصلية أو الزائدة كيد أو رجل، غير خُصْية (بيضة) لأنه يجزئ الخصي، ولا الجرباء والهَرِمة والبشْماء إذا كثر الجَرَب والهَرَم والتُّخَمة، ولا البَكْماء (فاقدة الصوت إلا لعارض كالناقة بعد أشهر من الحمل) والصَّماء (التي لا تسمع) والبَخْراء (منتنة رائحة الفم)، والصَمْعاء (صغيرة الأذنين جداً، كأنها خلقت بلا أذن، والبَتْراء (التي لا ذنب لها)، ويابسة الضرع جميعه ومكسورة قرن لم يبرأ، وفاقدة أكثر من سن بسبب ضرب أو مرض، لا بسبب كبر أو إثغار (تبديل أو تغيير في الصغر)، ومقطوعة ثلث ذنب فصاعدا، أو أكثر من ثلث أذن، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابَلة، ولا مدابَرَة، ولا شَرْقاء (3) ولا خَرْقاء».
وتصح الأضحية بالجَمَّاء (المخلوقة بدون قرن)، وبالمُقْعدة (العاجزة عن القيام) لشحم كثر عليها، ومكسورة قرن من أصله، أو طرفه إن برئ.
_________
(1) الثَّوَل: استرخاء في أعضاء الشاة خاصة، أو كالجنون يصيبها، فلا تتبع الغنم وتستدبر في مرتعها.
(2) الشرح الكبير: 119/ 2 ومابعدها، الشرح الصغير: 143/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 188 ومابعدها، بداية المجتهد: 417/ 1 - 419.
(3) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) وصححه الترمذي. ومعناه أن نشرف على الأذن والعين ونتأملهما، كيلا يقع فيهما نقص وعيب. والمقابلة: شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة، والمدابرة: التي قطعت أذنها من جانب، والشرقاء: مشقوقة الأذن طولا، والخرقاء: التي في أذنها خرق مستدير.

(4/2728)


وعند الشافعية (1): لا تجزئ أيضاً العيوب المنصوص عليها في الحديث وهي العجفاء (أي ذاهبة المخ من شدة هزالها، والمخ: دهن العظام)، وذات العرج والعور والمرض البين، ومثلها ذات الجرب ولو كان يسيراً. ولا يضر اليسير في العيوب الأربعة الأولى لعدم تأثيره في اللحم. ولا تجزئ أيضاً العمياء والمجنونة (وهي التولاء التي تدور في المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل)، ولا مقطوعة بعض الأذن أو بعض اللسان، ولو كان يسيراً لذهاب جزء مأكول، وهو نقص في اللحم. وشلل الأذن كفقدها. ولا تجزئ مقطوعة الألية قطعاً غير خلقة.
ويجوز التضحية بالخصي لأنه «صلّى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين لله» (2) أي خصيين، لكن الفحل أفضل منه إن لم يحصل منه ضراب. ولا يضرفقد قرن خلقة، وتسمى الجلحاء، ولا كسره ما لم يعب اللحم، وإن دمى بالكسر، لأن القرن لا يتعلق به كبير غرض، فإن عِيب اللحم ضر كالجرب وغيره. لكن ذات القرن أولى لخبر «خير الأضحية الكبش الأقرن» (3)، ولأنها أحسن منظراَ، بل يكره غيرها. ولا يضر ذهاب بعض الأسنان أو أكثرها، ويجزئ مكسور سن أو سنين؛ لأنه لا يؤثر في الاعتلاف ونقص اللحم، فلو ذهب الكل، ضر، لأنه يؤثر في ذلك.
وكذا لا يضر شق أذن ولا خرقها، ولا ثقبها في الأصح بشرط ألا يسقط من الأذن شي بذلك، لأنه لا ينقص به من لحمها شيء.
والخلاصة: إن كل ما ينقص اللحم لا يجوز، وما لا ينقص اللحم يجوز.
_________
(1) مغني المحتاج: 286/ 4 ومابعدها، المهذب: 238/ 1.
(2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي رافع وعائشة وأبي هريرة (نيل الأوطار: 119/ 5).
(3) رواه الحاكم وصحح إسناده.

(4/2729)


وعند الحنابلة (1): لا تصح الأضحية بالعجفاء والعوراء البين عورها، والعمياء، والعرجاء البين عرجها، والمريضة التي لا يرجى برؤها بمرض مفسد للحمها كجرب أو غيره، والعضباء (وهي التي ذهب أكثر من نصف الأذن أو القرن) (2)، ومثلها التي ذهب أكثر من نصف أليتها. ولا تجزئ الكسيرة كالمريضة، ولا الجداء أو الجدباء (جافة الضرع) ولا الهتماء (التي ذهبت ثناياها من أصلها)، ولا العَصماء (التي انكسر غلاف قرنها).
ويجزئ الخصي (الذي قطعت خصيتاه أو سلتا، أو رضتا) لفعل النبي عليه السلام، ولايجزئ مقطوع الذكر مع قطع الخصيتين، وتجزئ الجماء (وهي التي خلقت بلا قرن)، والصمعاء (وهي الصغيرة الأذن، أو خلقت بلا أذن)، والبتراء (التي لا ذنب لها خلقة، أو كان مقطوعاً) لأن ذلك لايخل بالمقصود، وتجزئ التي بعينها بياض لايمنع النظر، لعدم فوات المقصود من البصر. وتجزئ الحامل من الإبل والبقر والغنم كالحائل.
والخلاصة: إن هناك عيوباً متفقاً على كونها مانعة الإجزاء، وعيوباً خَلْقية غير مانعة، وعيوبا مختلفا فيها كمقطوعة بعض الأذن، فالمالكية والحنفية: لايجيزون مقطوعة الأكثر من الثلث، والحنابلة: الأكثر من النصف، والشافعية: لايجيزون قطع البعض وإن كان يسيرا. ومثل مكسورة القرن: تجزئ عند الحنفية مالم يصل الكسر إلى المخ أي رأس العظم، وعند المالكية: تجزئ إن برئ ولو كسر كله. وعند الشافعية: تجزئ مالم ينقص اللحم، وعند الحنابلة: تجزئ إن ذهب أقل من النصف.
_________
(1) المغني: 623/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 3/ 3.
(2) لما روى علي رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يضحي بأعضب القرن والأذن» قال قتادة: «فسألت سعيد بن المسيب، فقال نعم، العضب: النصف فأكثر من ذلك» رواه الشافعي وابن ماجه وأحمد وبقية أصحاب السنن (نيل الأوطار: 115/ 5).

(4/2730)


والأفضل: ما كان كامل الخلقة، دون أي نقص فيه.
وإذا أوجب المرء أضحية صحيحة سليمة من العيوب، ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء، ذبحها، وأجزأته عند غير الحنفية (1)، لما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد قال: «ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته، فسألنا النبي صلّى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به» فالعيب المانع إذن هو القديم لا الطارئ، وعند الحنفية إن كان المضحي غنياً غيَّرها.

وأما الصفات المكروهة في الحيوان المضحى به: فهي ما يأتي عند الفقهاء: قال الحنفية (2): تكره التضحية بالشرقاء (المشقوقة الأذن)، والخرقاء (التي يخرق أذنها الوسم) والمدابَرة (التي يقطع شيء من مؤخر أذنها) والمقابَلة (التي يقطع شيء من مقدم أذنها)، لحديث علي المتقدم، وفيه: «وألا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء ولا شَرقاء» والنهي فيها محمول على الندب، وفي الخرقاء على الكثير.
وتكره المجزوزة (التي جز صوفها قبل الذبح لينتفع به)، والحَولاء (التي في عينها حول).
وقال المالكية (3): تكره الشرقاء وما ذكر معها في الحديث السابق، وكل عيوب الأذن الأخرى، وهي السَّكاء (المخلوقة بغير أذن)، والجَذعاء (المقطوعة جزءاً يسيراً من أذنها) كما تكره عيوب القرن كالعضباء (وهي الناقصة الخلقة في قول، أو المكسورة القرن). وتكره ساقطة بعض الأسنان لكبر ونحوه.
وفي
_________
(1) المغني: 626/ 8 ومابعدها.
(2) تبيين الحقائق: 5/ 6، 9، البدائع: 76/ 5، 87، الدر المختار: 231/ 5.
(3) الشرح الكبير: 121/ 2، القوانين الفقهية: ص 189.

(4/2731)


الجملة: يندب الجيد من أعلى النعم، والسالم من العيوب التي تجزئ معها، كخفيف مرض، وكسر قرن بريء.
وقال الشافعية (1): يكره تنزيهاً المذكور في الحديث السابق بسبب شق الأذن أو خرقها أو ثقبها في الأصح؛ وتكره التضحية بالجلحاء (وهي التي لم يخلق لها قرن) وبالقصماء (وهي التي انكسر غلاف قرنها)، وبالعضباء (وهي التي انكسر قرنها)؛ لأن كل ذلك يشينها، وقد قال ابن عباس عن الأضاحي: تعظيمها استحسانها.
وكذلك قال الحنابلة (2): تكره المشقوقة الأذن، والمثقوبة، وما قطع شيء منها، لحديث علي المنهي فيه عن تلك العيوب. وهذا نهي تنزيه، ويحصل الإجزاء بها، ولا خلاف في ذلك ما عدا الظاهرية، ولأن اشتراط السلامة من أي عيب يشق، إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله.

المبحث الخامس - مندوبات الأضحية ومكروهاتها وما يسن لمريد التضحية:
هناك اتفاق بين الفقهاء في أغلب مواضع هذا المبحث.

1 ـ قال الحنفية (3) يستحب للمضحي قبل التضحية: ربط الأضحية قبل أيام النحر بأيام، لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها، فيكون له فيه أجر وثواب، وأن يقلدها (4) ويجللها كالهدي، ليشعر بتعظيمها، لقوله تعالى: {ومن
_________
(1) مغني المحتاج: 287/ 4، المهذب: 238/ 1 - 239.
(2) المغني: 626/ 8.
(3) البدائع: 78/ 5 - 80، الدر المختار: 231/ 5.
(4) تقليد البدنة مثلاً: أن يعلَّق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي.

(4/2732)


يعظم شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب} [الحج:32/ 22] وأن يسوقها إلى المذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً، وألا يجرها برجلها.
ويكره لمن اشترى أضحية أن يحلبها أو يجز صوفها، أو ينتفع بها، ركوباً أو حملاً، أو ينتفع بلحمها إذا ذبحها قبل وقتها؛ لأنه عينها للقربة، والانتفاع بها يوجب نقصاً فيها. وإن كان في ضرعها لبن، وهو يخاف عليها الهلاك إن لم يحلبها، نضح ضرعها بالماء البارد، حتى يتقلص اللبن. وإن حلبها تصدق باللبن؛ لأنه جزء من شاة متعينة للقربة. وإن ذبحها أو جزها تصدق باللحم أو بقيمته، وبالصوف والشعر والوبر.
ويكره له بيعها لتعينها قربة بالشراء، وإن باعها، جاز عند أبي حنيفة ومحمد، وعليه مثلها أو أرفع منها (1)؛ لأنه بيع مال مملوك مقدور التسليم. ولم يجز البيع عند أبي يوسف، لأنها بمنزلة الوقف، ولا يجوز بيع الموقوف.
وإن ولدت الأضحية ولداً، ذبح ولدها مع الأم. وإن باعه تصدق بثمنه، لأن الأم تعينت للأضحية، فيتبعها الولد.

وفي حال التضحية: يستحب لمريد التضحية: أن يذبح بنفسه، إن قدر عليه، لأنه قربة، فمباشرتها بنفسه أفضل من توليتها غيره، كسائر القربات. بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلم ساق مئة بدنة هدية للحرم، فنحر منها نيفا وستين بيده الشريفة، ثم أعطى المُدية سيدنا علياً رضي الله عنه، فنحر الباقي (2).
فإن لم يكن المضحي يحسن الذبح أناب عنه غيره مسلماً، لا كتابياً؛ لأن ذبح
_________
(1) وإن اشترى دونها، فعليه أن يتصدق بفضل مابين القيمتين.
(2) رواه أحمد ومسلم من حديث جابر في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلم (نيل الأوطار: 105/ 5).

(4/2733)


الكتابي مكروه ولأن الأضحيةقربة، وهو ليس من أهلها، لكن لو ذبح بالنيابة عن المسلم جاز؛ لأنه أهل للذكاة. وأما المجوسي فيحرم ذبحه لأنه ليس من أهله.
ويستحب أن يتوجه الذابح إلى القبلة، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث أنس المتقدم الذي رواه الجماعة، وأن يضجع الذبيحة على جنبها الأيسر.
ويستحب أن يحضر المضحي الذبح، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم لفاطمة: «قومي إلى أضحيتك، فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه ... » (1).
ويدعو المضحي، فيقول: اللهم منك، ولك صلاتي، ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، لما ثبت في حديث فاطمة السابق. ثم يقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني، لحديث جابر: قال: «صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف، أتي بكبش، فذبحه، فقال: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا عني، وعمن لم يضح من أمتي» (2).
والمستحب في الأضحية، كما تقدم أن تكون أسمنها وأحسنها وأعظمها؛ لأنها مطية الآخرة.
وأفضل الشاء: أن يكون كبشاً أملح أقرن، موجوءاً: خصياً، لحديث جابر السابق.
_________
(1) روي من حديث عمران بن حصين عند الحاكم والبيهقي والطبراني، ومن حديث أبي سعيد الخدري عند الحاكم أيضاً، والبزار، ومن حديث علي عند أبي القاسم الأصبهاني، وفي إسناد الأولين مقال (نصب الراية: 219/ 4).
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (نيل الأوطار: 109/ 5).

(4/2734)


ويستحب أن تكون آلة الذبح حادة من الحديد.
والمستحب بعد الذبح الانتظار قدر مايبرد الذبيح وتسكن جميع أعضائه، فلا يسلخ قبل أن يبرد.

2 - وقال المالكية والشافعية وجماعة من الحنابلة (1): المستحب لمريد التضحية إذا دخل عليه عشر ذي الحجة ألا يحلق شعره، ولا يقلم أظفاره، حتى يضحي، بل يكره له ذلك. وقال بعض الحنابلة: يحرم عليه ذلك. بدليل حديث أم سلمة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره» (2). ولا شك بأن هذا الرأي هو الأرجح لصحة الحديث. والدليل على عدم حرمة المذكور قول عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له، حتى ينحر الهدي» (3).
ولم ير الحنفية كراهة ما ذكر؛ لأن المضحي لا يحرم عليه الوطء واللباس، فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار، كما لو لم يرد أن يضحي (4).
_________
(1) الشرح الكبير: 12/ 2، الشرح الصغير: 144/ 2، القوانين الفقهية: ص 190، بداية المجتهد: 424/ 1، مغني المحتاج: 283/ 3 ومابعدها، 290، المهذب: 238/ 1 ومابعدها، المغني:618//8، 640 ومابعدها، كشاف القناع: 5/ 3، حاشية الباجوري على ابن قاسم: 309/ 2.
(2) رواه الجماعة إلا البخاري، ولفظ أبي داود، وهو لمسلم والنسائي أيضاً: «من كان له ذِبْح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره وأظفاره حتى يضحي» (نيل الأوطار: 112/ 5). والحكمة في النهي: أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل: للتشبه بالمحرم في الحج. والوجه الثاني غلط عند بعض الشافعية، لأن المضحي لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم.
(3) متفق عليه.
(4) المغني: 619/ 8.

(4/2735)


وأضاف الجمهور كالحنفية: أنه يندب توجيه الذبيحة إلى القبلة على جنبها الأيسر إن كانت من البقر والغنم، ويقول الذابح: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك» لما روى ابن عمر: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين، ثم قال حين وجهها: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي (1) ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين، بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك» (2) فإن قال بعدئذ: «اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك» فحسن. وإن اقتصر على التسمية فقد ترك الأفضل.
وقد عدد الشافعية خمسة أشياء تستحب عند الذبح وهي: التسمية بالبسملة كلها أو بسم الله، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، واستقبال القبلة بالذبيحة، والتكبير قبل التسمية أو بعدها، والدعاء بالقبول فيقول الذابح: اللهم هذه منك وإليك، أي نعمة صادرة منك، تقربت بها إليك.
والأفضل أن يذبح الرجل بنفسه إن أحسن الذبح، اتباعاً لفعل النبي صلّى الله عليه وسلم (3). والسنة للمرأة أن توكل عنها. وأن يحضر المضحي أضحيته بنفسه، عملاً بالسنة وطلباً للمغفرة، والمستحب أن يذبحها مسلم، لأنها قربة، فلا يليها غير أهل القربة، قال جابر: «لا يذبح النسك إلا مسلم». ويجوز توكيل مسلم بالذبح، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم وكل علياً رضي الله عنه بذبح ما بقي من المئة بدنة. ويكره استنابة ذمي (كتابي) وصبي وأعمى. وإن وكل ذمياً فذبح، جاز؛ لأنه يجوز للكافر أن يتولى ما كان قربة للمسلم كبناء المساجد والقناطر.
_________
(1) النسك: العبادة.
(2) رواه أبو داود، ويقول غير النبي: وأنا من المسلمين لمناسبة المعنى.
(3) رواه الشيخان.

(4/2736)


وليس على الوكيل أن يقول عند الذبح عمن؛ لأن النية تجزئ، وإن ذكر من يضحي عنه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم حينما ضحى، قال: «اللهم تقبل من محمد وآل محمد، وأمة محمد، ثم ضحى» (1) وقال الحسن: يقول: «بسم الله والله أكبر، هذا منك ولك، تقبل من فلان».
وقال الحنفية: يكره أن يذكر الذابح اسم غير الله، لقوله تعالى: {وما أهلَّ لغير الله به} [المائدة:3/ 5].
وإن عين الشخص أضحية، فذبحها فضولي غيره بغير إذنه، أجزأت عن صاحبها، ولا ضمان عليه عند غير المالكية، لأنه فعل لا يفتقر إلى النية، فإذا فعله غير الصاحب أجزأ عنه، كغسل ثوبه من النجاسة. وقال مالك: هي شاة لحم، لصاحبها أرشها أي قيمتها، وعليه بدلها؛ لأن الذبح عبادة، فإذا فعلها غير صاحبها عنه، بغير إذنه، لم تقع الموقع كالزكاة (2).
ويكره عند المالكية (3): جز صوف الأضحية قبل الذبح إلا إذا تضررت ببقاء الصوف لحر ونحوه، وشرب لبنها، لأنه نواها لله، والإنسان لا يعود في قربته. ويكره للإمام عدم إبراز الأضحية للمصلى، ولغيره يندب؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى (4): وهو مكان صلاة العيد، والحكمة فيه أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية.
_________
(1) رواه مسلم.
(2) المغني: 642/ 8، كشاف القناع: 11/ 3، الكتاب مع اللباب: 237/ 3، مغني المحتاج: 290/ 4، الشرح الكبير: 123/ 2 ومابعدها.
(3) الشرح الكبير: 122/ 2، الشرح الصغير: 146/ 2.
(4) رواه البخاري وأصحاب السنن إلا الترمذي عن ابن عمر.

(4/2737)


وفصل الشافعية والحنابلة (1) في الأمر فقالوا: لا يشرب المضحى من لبن الأضحية المعينة إلا الفاضل عن ولدها، فإن لم يفضل عنه شيء، أو كان الحلب يضرّ بها، أو ينقص لحمها، لم يكن له أخذه. وإن لم يكن كذلك فله حلب اللبن والانتفاع به؛ لأن بقاء اللبن معها يضرها. ولو تصدق به كان أفضل، خروجاً من الخلاف. ودليل جواز الانتفاع، قول علي: «لا يحلبها إلا ما فضل عن تيسير ولدها» ولأنه انتفاع لا يضر بها ولا بولدها.
ويجوز لصاحب الأضحية المعينة الركوب عليها لحاجة فقط، بلا ضرر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «اركبها بالمعروف، إذا ألجئت إليها، حتى تجد ظهراً» (2)، ولأنه تعلق بها حق المساكين، فلم يجز ركوبها من غير ضرورة أو حاجة كملكهم. فإن تضررت بالركوب لم يجز؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، ويضمن النقص الحاصل بركوبه، لتعلق حق غيره بها.
وأما صوفها: فإن كان جزه أنفع لها، كأن كان في وقت الصيف أو الربيع، وبقي إلى وقت النحر مدة طويلة، جاز جزه؛ لأنها تخف بجزه وتسمن، ويتصدق به وهو الأفضل، أو ينتفع به كاللبن. وإن كان لا يضر بها الصوف لقرب مدة الذبح، أو كان بقاؤه أنفع لها، كما في وقت الشتاء، لاحتياجها له للدفء، لم يجز جزه ولا أخذه؛ لأن الحيوان ينتفع به، في دفع البرد عنه، وينتفع به المساكين عند الذبح.
_________
(1) مغني المحتاج: 292/ 4، المهذب: 236/ 1، 241، المغني: 629/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 9/ 3 ومابعدها.
(2) رواه أبو داود.

(4/2738)


المبحث السادس ـ أحكام لحوم الضحايا:
يتحقق المقصود من الأضحية، وهو القربة بإراقة الدم (1)، وأما الأكل منها وتوزيعها ونحوهما ففيه خلاف يسير بين الفقهاء، الجمهور في جانب، والشافعية في جانب آخر، ورأي الجمهور أولى لاتفاقه مع ظاهر السنة النبوية.

1 - قال جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) (2):
يجوز الأكل من الأضحية المتطوع بها، أما المنذورة، أو الواجبة بالشراء عند الحنفية فيحرم الأكل منها، كما يحرم الأكل من ولد الأضحية التي تلده قبل الذبح، أو من المشتركة بين سبعة نوى أحدهم بحصته القضاء عن الماضي. أما عند المالكية والحنابلة فيجوز الأكل من المنذورة كالمتطوع بها. والمستحب أن يجمع المضحي في حالة التطوع، أو في حالة النذر عند المالكية والحنابلة بين الأكل منها، والتصدق، والإهداء، ولو أكل الكل بنفسه أو ادخره لنفسه فوق ثلاثة أيام، جاز مع الكراهة عند الحنفية والمالكية. وجاز أكل الأكثر عند الحنابلة، فإن أكل الكل ضمن أقل ما يطلق عليه اسم اللحم كالأوقية. وليس للجمع بين الأمور الثلاثة في المشهور عند المالكية حد مقدر في ذلك بثلث ولاغيره.
والمستحب عند الحنفية والحنابلة أن تكون نسبة التوزيع أثلاثاً، فيأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها لأقاربه وأصدقائه ولو أغنياء، ويتصد ق بثلثها على
_________
(1) مغني المحتتاج: 291/ 4.
(2) البدائع:80/ 5 ومابعدها، الدر المختار: 230/ 5، تبيين الحقائق: 8/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 76/ 8 ومابعدها، اللباب: 236/ 3، بداية المجتهد: 424/ 1، الشرح الكبير والدسوقي: 122/ 2، 126، القوانين الفقهية: ص 190 ومابعدها. المغني: 632/ 8 - 635،كشاف القناع: 10/ 3، 16، 18 ومابعدها، شرح العلامة زروق على رسالة القيرواني: 377/ 1.

(4/2739)


المساكين، ودليلهم عليه: قوله تعالى:
{فكلوا منها، وأطعموا القانع، والمعتر} (1) [الحج:36/ 22]، {وأطعموا البائس الفقير} [الحج:28/ 22] وأوجب الحنابلة الإطعام عملاً بالآيتين؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب.
ودليل نسبة التوزيع أثلاثاً عند غير المالكية: ما روى ابن عباس في صفة أضحية النبي صلّى الله عليه وسلم: «ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السُؤَّال بالثلث» (2). وجهات التوزيع ثلاثة: الأكل، والادخار، لما ثبت في الحديث، والإطعام لما ثبت في الآية، فانقسم عليها ثلاثاً.
ودليل المالكية على عدم وجود نسبة للتوزيع، وأنها مطلقة: أحاديث عائشة وجابر، وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد وبريدة وغيرهم، التي ورد فيها: «كلوا، وادخروا، وتصدقوا» أو: «كلوا وأطعموا، وادخروا» (3).
والدليل على جواز ادخار لحوم الأضاحي عدا المذكور: قوله صلّى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الدافَّة (4)، وقد جاء الله بالسعة، فادخروا ما بدا لكم» (5).
ويحرم بيع جلد الأضحية وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحها، واجبة كانت أو تطوعاً؛ لأن
_________
(1) القانع: السائل الفقير، والمعتر الذي يعتريك أو يتعرض لك بالسؤال لتطعمه، ولا يسأل.
(2) رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن. وهو قول ابن مسعود وابن عمر، بدون مخالف من الصحابة.
(3) انظر نيل الأوطار: 126/ 5 ومابعدها.
(4) الدافة: جماعة من الأعراب، كانوا قد دخلوا المدينة طلباً للزاد، لأن السنة أهلكتهم في البادية.
(5) رواه مسلم، وفي حديث عائشة: «إنما نهيتكم من أجل الدافّة، فكلوا، وادخروا وتصدقوا» متفق عليه.

(4/2740)


النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بقسم جلودها ونهى عن بيعها، فقال: «من باع جلد أضحيته، فلا أضحية له» (1).
ولا يجوز إعطاء الجزار أو الذابح جلدها أو شيئاً منها كأجرة للذبح، لما روى علي رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدْنه (أي عند نحرها)، وأن أقسم جلودها، وجلالها (2)، وألا أعطي الجازر شيئاً منها» وقال: «نحن نعطيه من عندنا» (3).
فإن أعطي الجزار شيئاً من الأضحية لفقره، أو على سبيل الهدية، فلا بأس؛ لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره، بل هو أولى، لأنه باشرها، وتاقت نفسه إليها.
وللمضحي أن ينتفع بجلد الأضحية لاستعماله في البيت كجراب وسقاء وفرو وغربال ونحوها، ولكن له استحساناً عند الحنفية خلافاً لغيرهم: أن يشتري به ما ينتفع بعينه مع بقائه أي مبادلته بعروض (أمتعة) أخرى؛ لأن للبدل حكم المبدل، والمعاوضة بالعروض من باب الانتفاع. ولا يجوز أن يشتري به شيئاً استهلاكياً كالدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات، أي فلا يجوز البيع بالنقود أو السلع الاستهلاكية.
ودليل جواز الانتفاع بالجلد: أن عائشة رضي الله عنها اتخذت من جلد أضحيتها سقاء.
_________
(1) رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه البيهقي أيضاً (نصب الراية: 218/ 4) وروى أحمد أيضاً حديثاً عن أبي سعيد، وفيه: «ولا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي» (نيل الأوطار: 129/ 5).
(2) الجلال: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه، ويجمع أيضاً على: أجلة، ومفرده: جلال بضم الجيم.
(3) متفق عليه.

(4/2741)


ويكره عند المالكية أن يطعم منها يهودياً أو نصرانياً.
وأجاز الحنابلة إهداء الكافر من أضحية التطوع، أما الواجبة فلا يجوز إهداء الكافر منها شيئاً (1).
أما نقلها إلى بلد آخر: فقال الحنفية: يكره نقلها كالزكاة من بلد إلى بلد إلا أن ينقلها إلى قرابته أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه مع الكراهة. وقال المالكية: ولا يجوز نقلها إلى مسافة قصر فأكثر إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم، وتفرقة الأقل على أهله. وقال الحنابلة والشافعية كالمالكية: يجوز نقلها لأقل من مسافة القصر، من البلد الذي فيه المال، ويحرم نقلها كالزكاة إلى مسافة القصر وتجزئه ..

2 - وقال الشافعية (2): الأضحية الواجبة ـ المنذورة أو المعينة بقوله مثلاً: «هذه أضحية» أو «جعلتها أضحية»: لا يجوز الأكل منها، لا المضحي ولا من تلزمه نفقته. ويتصدق بجميعها وجوباً. ويذبح ولد الأضحية المعينة كأمه، لكن يجوز للمضحي أكله كله قياساً على اللبن، إذ أن له شرب فاضل لبنها عن ولدها مع الكراهة.
وأما الأضحية التطوع: فالمستحب للمضحي بها عن نفسه الأكل منها، أي أن الأفضل له تناول لقم يتبرك بأكلها، لقوله تعالى: {فكلوا منها، وأطعموا البائس الفقير} [الحج:28/ 22] وعند البيهقي: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته». وإنما لا يجب الأكل منها ـ كما قال الظاهرية عملاً بظاهر الآية ـ لقوله
_________
(1) كشاف القناع: 19/ 3.
(2) مغني المحتاج: 290/ 4 ومابعدها، المهذب: 240/ 1.

(4/2742)


تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج:36/ 22] فجعلها لنا، وما جعل للإنسان فهو مخير بين تركه وأكله.
وللمضحي أيضاً إطعام الأغنياء، لا تمليكهم منها شيئاً، بل يرسل إليهم على سبيل الهدية، دون أن يتصرفوا فيه بالبيع وغيره.
والمضحي يأكل ثلثاً على المذهب الجديد، وفي قول قديم: يأكل نصفاً ويتصدق بالنصف الآخر.
والأصح وجوباً التصدق ببعض الأضحية، ولو جزءاً يسيراً من لحمها، بحيث ينطلق عليه الاسم، على الفقراء المسلمين ولوواحداً. والأفضل التصدق بالكل إلا لقماً يتبرك بأكلها، كما تقدم.
ويتصدق المضحي في أضحية التطوع بجلدها، أو ينتفع به، كما يجوز له الانتفاع بها، والتصدق به أفضل. أما الواجبة: فيجب التصدق بجلدها.
ولا يجوز نقل الأضحية من بلدها لمسافة القصر فأكثر كما هو المقرر في نقل الزكاة.

الأضحية عن الغير: قال الشافعية (1): لا يضحى عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها، لقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم:39/ 53] فإن أوصى بها جاز، وبإيصائه تقع له. ويجب التصدق بجميعها على الفقراء، وليس لمضحيها ولا لغيره من الأغنياء الأكل منها، لتعذر إذن الميت في الأكل.
_________
(1) مغني المحتاج: 292/ 4، المحلي على المنهاج: 255/ 4.

(4/2743)


وقال المالكية (1): وكره فعلها عن ميت إن لم يكن عينها قبل موته، فإن عينها بغير النذر، ندب للوارث إنفاذها. وقال الحنفية والحنابلة (2): تذبح الأضحية عن ميت، ويفعل بها كعن حي من التصدق والأكل، والأجر للميت، لكن يحرم عند الحنفية الأكل من الأضحية التي ضحى بها عن الميت بأمره.
_________
(1) الشرح الكبير: 122/ 2.
(2) رد المحتار والدر المختار: 229/ 5، كشاف القناع: 18/ 3.

(4/2744)