الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الرَّابع: أنْواع المُلك النَّاقص وبناء عليه يكون الملك الناقص ثلاثة أنواع:
1 - ملك العين فقط:
وهو أن تكون العين (الرقبة) مملوكة لشخص، ومنافعها مملوكة لشخص آخر، كأن يوصي شخص لآخر بسكنى داره أو بزراعة أرضه مدة حياته، أو مدة ثلاث سنوات مثلاً، فإذا مات الموصي وقبل الموصى له، كانت عين الدار ملكاً لورثة الموصي بالإرث، وللموصى له ملك المنفعة مدة حياته أو المدة المحددة. فإذا انتهت المدة صارت المنفعة ملكاً لورثة الموصي، فتعود ملكيتهم تامة.
وفي هذه الحالة: ليس لمالك العين الانتفاع بها ولا التصرف بمنفعتها، أو بالعين، ويجب عليه تسليم العين للمنتفع ليستوفي حقه من منافعها، فإذا امتنع أجبر على ذلك.
وبه يظهر أن ملكية العين فقط تكون دائمة، وتنتهي دائماً إلى ملكية تامة، وملكية المنافع قد تكون مؤقتة لا دائماً؛ لأن المنافع لا تورث عند الحنفية. أو دائمة كالوقف.

(6/4551)


2 - ملك المنفعة الشخصي أو حق الانتفاع (1):
هناك أسباب خمسة لملك المنفعة: وهي الإعارة والإجارة، والوقف والوصية، والإباحة.
أما الإعارة: فهي عند جمهور الحنفية والمالكية: تمليك المنفعة بغير عوض. فللمستعيرأن ينتفع بنفسه، وله إعارة الشيء لغيره، لكن ليس له إجارته؛ لأن الإعارة عقد غير لازم (يجوز الرجوع عنه في أي وقت)، والإجارة عقد لازم، والضعيف لا يتحمل الأقوى منه، وفي إجارة المستعار إضرار بالمالك الأصلي.
وعند الشافعية والحنابلة: هي إباحة المنفعة بلا عوض. فليس للمستعير إعارة المستعار إلى غيره.
وأما الإجارة: فهي تمليك المنفعة بعوض. وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه، أو بغيره مجاناً أو بعوض إذا لم تختلف المنفعة باختلاف المنتفعين، حتى ولو شرط
_________
(1) يرى الحنفية: أنه لافرق بين ملك المنفعة وحق الانتفاع، وهما شيء واحد. فللمنتفع أن ينتفع بنفسه، أو أن يملك غيره المنفعة، إلا إذا وجد مانع صريح من قبل مالك العين، أو وجد مانع يقتضيه العرف والعادة، فمن وقف داره لسكنى الغرباء كان للطالب حق السكنى فقط، وحق الانتفاع بالمرافق العامة كالمدارس والجامعات والمشافي مقيد بالمنتفع فقط، وليس له تمليك غيره. وهذا الرأي هو المعمول به قانوناً. وقال المالكية: هناك فرق بين ملك المنفعة وحق الانتفاع. فملك المنفعة اختصاص يكسب صاحبه أن ينتفع بنفسه، وأن يملكها لغيره بعوض أو بغير عوض. وأما حق الانتفاع: فهو مجرد رخصة بالانتفاع الشخصي بناء على إذن عام كحق الانتفاع بالمنافع العامة كالطرق والأنهار والمدارس والمصحات وغيرها، أو إذن خاص كحق الانتفاع بملك شخص أذن له به، كركوب سيارته، والمبيت في منزله، وقراءة كتبه، ونحو ذلك. فليس للمنتفع أن يملك المنفعة لغيره، فتمليك الانتفاع: هو أن يباشر المنتفع بنفسه، وتمليك المنفعة أعم وأشمل، فيباشر بنفسه ويملك غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالإعارة.
(راجع الفروق للقرافي: 18/ 1، الفرق 30، بدائع الفوائد لابن القيم).

(6/4552)


المؤجر على المستأجر الانتفاع بنفسه. فإن اختلف نوع المنفعة كان لا بد من إذن المالك المؤجر.

وأما الوقف: فهو حبس العين عن تمليكها لأحد من الناس وصرف منفعتها إلى الموقوف عليه. فالوقف يفيد تمليك المنفعة للموقوف عليه، وله استيفاء المنفعة بنفسه، أو بغيره إن أجاز له الواقف الاستثمار، فإن نص على عدم الاستغلال، أو منعه العرف منه، فليس له الاستغلال.
وأما الوصية بالمنفعة: فهي تفيد ملك المنفعة فقط في الموصى به، وله استيفاء المنفعة بنفسه، أو بغيره بعوض أو بغير عوض إن أجاز له الموصي الاستغلال.
وأما الإباحة: فهي الإذن باستهلاك الشيء أو باستعماله، كالإذن بتناول الطعام أو الثمار، والإذن العام بالانتفاع بالمنافع العامة كالمرور في الطرقات والجلوس في الحدائق ودخول المدارس والمشافي. والإذن الخاص باستعمال ملك شخص معين كركوب سيارته، أو السكن في داره.
وسواءأكانت الإباحة مفيدة ملك الانتفاع بالشيء بالفعل أو بإحرازه كما يرى الحنفية، أم مجرد الانتفاع الشخصي كما يرى المالكية، فإن الفقهاء متفقون على أنه ليس للمنتفع إنابة غيره في الانتفاع بالمباح له، لا بالإعارة ولا بالإباحة لغيره.

والفرق بين الإباحة والملك هو:
أن الملك يكسب صاحبه حق التصرف في الشيء المملوك ما لم يوجد مانع. أما الإباحة: فهي حق الإنسان بأن ينتفع بنفسه بشيء بموجب إذن. والإذن قد يكون من المالك كركوب سيارته، أو من الشرع كالانتفاع بالمرافق العامة، من طرقات وأنهار ومراعٍ ونحوها.

(6/4553)


فالمباح له الشيء لا يملكه ولا يملك منفعته، بعكس المملوك.

خصائص حق المنفعة أو الانتفاع الشخصي:
يتميز الملك الناقص أو حق المنفعة الشخصي بخصائص أهمها مايأتي:
1 - يقبل الملك الناقص التقييد بالزمان والمكان والصفة عند إنشائه، بعكس الملك التام، فيجوز لمن يعير سيارته لغيره أو يوصي بمنفعة داره أن يقيد المنتفع بمدة معينة كشهر مثلاً، وبمكان معين كالركوب في المدينة لا في الصحراء، وأن يركبها بنفسه لا بغيره.
2 - عدم قبول التوارث عند الحنفية خلافاً لجمهور الفقهاء: فلا تورث المنفعة عند الحنفية؛ لأن الإرث يكون للمال الموجود عند الموت، والمنافع لا تعتبر مالاً عندهم كما تقدم.
أما عند غير الحنفية فتورث المنافع في المدة الباقية؛ لأن المنافع عندهم أموال كما أوضحت، فتورث كغيرها من الأموال، فمن أوصى لغيره بسكنى داره مدة معلومة، ثم مات قبل انتهاء هذه المدة، فلورثته الحق بسكنى الدار إلى نهاية المدة. وهذا هو الراجح؛ لأن المنفعة مال.
3 - لصاحب حق المنفعة تسلم العين المنتفع بها ولو جبراً عن مالكها. ومتى تسلمها تكون أمانة في يده، فيحافظ عليها كما يحافظ على ملكه الخاص، وإذا هلكت أو تعيبت لا يضمنها إلا بالتعدي أو بالتقصير في حفظها. وما عدا ذلك لاضمان عليه.
4 - على المنتفع ما تحتاجه العين من نفقات إذا كان انتفاعه بها مجاناً، كما في الإعارة. فإن كان الانتفاع بعوض كما في الإجارة فعلى مالك العين نفقاتها.

(6/4554)


5 - على المنتفع بعد استيفاء منفعته تسليم العين إلى مالكها متى طلبها إلا إذا تضرر المنتفع. كما إذا لم يحن وقت حصاد الزرع في أرض مستأجرة أو مستعارة، فله إبقاء الأرض بيده حتى موسم الحصاد، ولكن بشرط دفع أجر المثل.

انتهاء حق المنفعة:
حق المنفعة حق مؤقت كما عرفنا، فينتهي بأحد الأمور التالية:
1 - انتهاء مدة الانتفاع المحددة.
2 - هلاك العين المنتفع بها أو تعيبها بعيب لا يمكن فيه معه استيفاء المنفعة. كانهدام دار السكنى، أو صيرورة أرض الزراعة سبخة أو ملحة. فإن حصل ذلك بتعدي مالك العين ضمن عيناً أخرى، كالموصى له بركوب سيارة ثم عطلها، فعليه تقديم سيارة أخرى.
3 - وفاة المنتفع عند الحنفية؛ لأن المنافع لا تورث عندهم.
4 - وفاة مالك العين إذا كانت المنفعة من طريق الإعارة أو الإجارة؛ لأن الإعارة عقد تبرع، وهو ينتهي بموت المتبرع، ولأن ملكية المأجور تنتقل إلى ورثة المؤجر، وهذا عند الحنفية، وقال الشافعية والحنابلة: الإعارة عقد غير لازم فيجوز للمعير أو لورثته الرجوع عنها، سواء أكانت مطلقة أم مؤقتة. وقال المالكية: الإعارة المؤقتة عقد لازم، فمن أعار دابة إلى موضع كذا، لم يجز له أخذها قبل ذلك، وإلا لزمه إبقاؤها قدر ما ينتفع بالمستعار الانتفاع المعتاد.
وبه يتبين أن الجمهور يقولون: إن الإعارة لا تنتهي بموت المعير أو المستعير، وكذلك الإجارة لا تنتهي بموت أحد العاقدين؛ لأنها عقد لازم كالبيع.

(6/4555)


أما إذا كانت المنفعة من طريق الوصية أو الوقف، فلا ينتهي حق المنفعة بموت الموصي؛ لأن الوصية تبدأ بعد موته، ولا بموت الواقف؛ لأن الوقف إما مؤبد، أو مؤقت فيتقيد بانتهاء مدته. 4670

3 - ملك المنفعة العيني أو حق الارتفاق:
حق الارتفاق: هو حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر، مملوك لغير مالك العقار الأول. وهو حق دائم يبقى ما بقي العقاران، دون نظر إلى المالك، مثل حق الشِّرب، وحق المجرى، وحق المسيل، وحق المرور، وحق الجوار، وحق العلو.
أما حق الشّرب: فهو النصيب المستحق من الماء لسقي الزرع والشجر، أو نوبة الانتفاع بالماء لمدة معينة لسقي الأرض.
ويلحق به حق الشَّفَة: وهو حق شرب الإنسان والدواب والاستعمال المنزلي. وسمي بذلك؛ لأن الشرب يكون عادة بالشفة.
والماء بالنسبة لهذا الحق أربعة أنواع (1):
آـ ماء الأنهار العامة كالنيل ودجلة والفرات ونحوها من الأنهار العظيمة: لكل واحد الانتفاع به، لنفسه ودوابه وأراضيه، بشرط عدم الإضرار بالغير لحديث: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» وحديث: «لا ضرر ولا ضرار».

ب ـ ماء الجداول والأنهار الخاصة، المملوكة لشخص: لكل إنسان حق الشفة منه، لنفسه ودوابه، وليس لغير مالكه سقي أراضيه إلا بإذن مالك المجرى.
_________
(1) البدائع: 188/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 144/ 8، القوانين الفقهية: ص 339، نهاية المحتاج: 255/ 4، المغني: 531/ 5.

(6/4556)


جـ ـ ماء العيون والآبار والحياض ونحوها المملوكة لشخص: يثبت فيها كالنوع الثاني حق الشفة دون حق الشرب. فإن أبى صاحب الماء، ومنع الناس من الاستقاء لأنفسهم ودوابهم، كان لهم قتاله حتى ينالوا حاجتهم، إذ لم يجدوا ماء قريباً آخر.
د ـ الماء المحرز في أوان خاصة: كالجرار والصهاريج، لا يثبت لأحد حق الانتفاع به بأي وجه إلا برضا صاحب الماء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه. لكن المضطر إلى هذا الماء الذي يخاف على نفسه الهلاك من العطش، له أخذ ما يحتاجه منه، ولو بالقوة ليدفع عن نفسه الهلاك، ولكن مع دفع قيمته؛ لأن «الاضطرار لا يبطل حق الغير».

وحق المجرى: هو حق صاحب الأرض البعيدة عن مجرى الماء في إجرائه من ملك جاره إلى أرضه لسقيها. وليس للجار أن يمنع مرور الماء لأرض جاره، وإلا كان له إجراؤه جبراً عنه، دفعاً للضرر عنه.
وحق المسيل: هو مجرى على سطح الأرض، أو أنابيب تنشأ لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة، أو غير الصالحة حتى تصل إلى مصرف عام أو مستودع، كمصارف الأراضي الزراعية أو مياه الأمطار أو الماء المستعمل في المنازل. والفرق بين المسيل والمجرى: أن المجرى لجلب المياه الصالحة للأرض، والمسيل لصرف الماء غير الصالح عن الأرض أو عن الدار. وحكمه مثل حق المجرى، ليس لأحد منعه إلا إذا حدث ضرر بيِّن.
وحق المرور: وهو حق صاحب عقار داخلي بالوصول إلى عقاره من طريق يمر فيه، سواء أكان الطريق عاماً غير مملوك لأحد، أم خاصاً مملوكاً للغير. فالطريق العام يحق لكل إنسان المرور فيه. والطريق الخاص: يحق لأصحابه المرور فيه وفتح الأبوب والنوافذ عليه، وليس لهم سده أمام العامة للالتجاء إليه.

(6/4557)


وحق الجوار: الجوار نوعان: علوي وجانبي. وفيه حقان:
1 ً - حق التعلي: وهو الثابت لصاحب العلو على صاحب السفل.
2 ً ـ حق الجوار الجانبي: وهو الثابت لكل من الجارين على الآخر.
ولصاحب حق التعلي حق القرار على الطبقة السفلى، وهو حق ثابت دائماً لصاحب العلو، لا يزول بهدم العقار كله أو انهدام السفل، وله ولورثته إعادة بنائه حين يريد، وليس لصاحب العلو أو السفل أن يتصرف في بنائه تصرفاً يضر بالآخر. وإذا انهدم السفل وجب على صاحبه إعادة بنائه، فإن امتنع أجبر على ذلك قضاء، فإن رفض كان لصاحب العلو البناء ويرجع على الآخر بالنفقات، إذا بني بإذن القاضي أو إذن صاحب السفل. فإن بنى من غير إذن رجع بقيمة البناء وقت تمامه، لا بما أنفق؛ لأنه لم يكن وكيلاً بالإنفاق.
وليس لصاحب الجوار الجانبي إلا حق واحد: وهو ألا يضر أحدهما بصاحبه ضرراً فاحشاً بيناً: وهو كل ما يمنع المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يكون سبباً لهدم البناء أو وهن فيه.
فالضرر في كل أنواع الجوار ممنوع، أما التصرفات التي يشكل أمرها في الجوار العلوي فلا يعلم، أيحصل منها ضرر أم لا، كفتح باب ونافذة في الطابق الأسفل، أو وضع متاع ثقيل في الطابق الأعلى قد يؤثر في السقف، فهذه مختلف في منعها (1): فقال أبو حنيفة: يمنع هذا التصرف إلا بإذن الجار؛ لأن الأصل في تصرفات المالك في ملكه، التي يتعلق بها حق الغير: هو المنع والحظر؛ لأن ملكه
_________
(1) فتح القدير: 503/ 5، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين: 373/ 4، ط البابي الحلبي: البدائع: 264/ 6، البحر الرائق: 32/ 7، تبيين الحقائق للزيلعي: 196/ 4.

(6/4558)


ليس خالصاً، فلا يباح له إلا ما يتعين فيه عدم الضرر، ويتوقف ماعداه على إذن صاحب الحق ورضاه. وهذا الرأي هو المفتى به عند الحنفية.
وقال الصاحبان: الأصل في تصرف الجار الإباحة؛ لأن صاحب العلو تصرف في ملكه، والمالك حر التصرف في ملكه ما لم يكن فيه ضرر لغيره بيقين، فيمنع منه حينئذ، ويبقى ما عداه على الإباحة، وهذا الرأي في تقديري هو المعقول الواجب الاتباع. فيصبح حكم الجوار الجانبي والعلوي واحداً وهو إباحة التصرف في الملك ما لم يترتب على التصرف ضرر فاحش بالجار، فإن وقع الضرر، وجب على المتعدي ضمانه، سواء أكان الضرر مباشراً أم بالتسبب. وهو رأي المالكية وباقي المذاهب أيضاً (1).

أمور ثلاثة متعلقة بحقوق الارتفاق:
الأول ـ الفرق بين حق الارتفاق وحق الانتفاع الشخصي:
يفترق حق الارتفاق عن حق الانتفاع من نواح تالية:
1 - حق الارتفاق يكون دائماً مقرراً على عقار، فتنقص به قيمة العقار المقرر عليه. أما حق الانتفاع الشخصي فقد يتعلق بعقار كوقف العقار أو الوصية به أو إجارته أو إعارته. وقد يتعلق بمنقول كإعارة الكتاب وإجارة السيارة.
2 - حق الارتفاق مقرر لعقار إلا حق الجوار فقد يكون لشخص أو لعقار. أما حق الانتفاع فإنه دائماً مقرر لشخص معين باسمه أو بوصفه.
_________
(1) المنتقى على الموطأ: 40/ 6 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 341، نيل الأوطار: 261/ 5، ط العثمانية.

(6/4559)


3 - حق الارتفاق حق دائم يتبع العقار وإن تعدد الملاك. وحق الانتفاع الشخصي مؤقت ينتهي بأحوال معينة كما تقدم.
4 - حق الارتفاق يورث حتى عند الحنفية الذين لا يعتبرونه مالاً؛ لأنه تابع للعقار. وأما حق الانتفاع فمختلف في إرثه بين الفقهاء كما سبق بيانه.

الثاني ـ خصائص حقوق الارتفاق:
لحقوق الارتفاق أحكام عامة وخاصة.
فأحكامها العامة أنها إذا ثبتت تبقى مالم يترتب على بقائها ضرر بالغير، فإن ترتب عليها ضرر أو أذى وجب إزالتها، فيزال السيل القذر في الطريق العام، ويمنع حق الشرب إذا أضر بالمنتفعين، ويمنع سير السيارة في الشارع العام إذا ترتب عليها ضرر كالسير بسرعة فائقة، أو في الاتجاه المعاكس، عملاً بالحديث النبوي: «لا ضرر ولا ضرار» ولأن المرور في الطريق العام مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه (1)، ولأن «الضرر لا يكون قديماً».
وأما الأحكام الخاصة فسوف أذكرها في بحث حقوق الارتفاق المخصص لكل نوع منها.

الثالث ـ أسباب حقوق الارتفاق:
تنشأ حقوق الارتفاق بأسباب متعددة منها:
1 - الاشتراك العام: كالمرافق العامة من طرقات وأنهار ومصارف عامة، يثبت الحق فيها لكل عقار قريب منها، بالمرور والسقي وصرف المياه الزائدة عن
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 427/ 5.

(6/4560)


الحاجة؛ لأن هذه المنافع شركة بين الناس فيباح لهم الانتفاع بها، بشرط عدم الإضرار بالآخرين.
2 - الاشتراط في العقود: كاشتراط البائع على المشتري أن يكون له حق مرور بها، أو حق شرب لأرض أخرى مملوكة له. فيثبت هذان الحقان بهذا الشرط.
3 - التقادم: أن يثبت حق ارتفاق لعقار من زمن قديم لا يعلم الناس وقت ثبوته، كإرث أرض زراعية لها حق المجرى أو المسيل على أرض أخرى؛ لأن الظاهر أنه ثبت بسبب مشروع حملاً لأحوال الناس على الصلاح، حتى يثبت العكس.

(6/4561)