الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ العَاشِر: المفقود الكلام فيه عن معنى المفقود، وكيفية اعتبار حاله، وما يقوم به القاضي نحو ماله وأهله ووقت الحكم بموته وأثر ذلك (1).
من المفقود؟ هو الشخص الذي غاب عن بلده بحيث لا يعرف أثره، ومضى على فقده زمان بحيث لا يعرف أنه حي أو ميت.
كيف نعتبر حال المفقود حياة أو موتاً؟ يعتبر المفقود حياً في حق نفسه، ميتاً في حق غيره، فتثبت له عند الحنفية الحقوق السلبية دون الإيجابية، فبالنسبة له لا يورث ماله، ولا تبين منه امرأته، كأنه حي. وبالنسبة لغيره: لا يرث أحداً من أقاربه كأنه ميت، وكذلك لو أوصى أحد للمفقود ومات الموصي لا يستحق الموصى به، وإنما يوقف نصيبه من الإرث أو الوصية إلى أن يظهر حاله أنه حي أو ميت. ووافقهم الشافعية في أن الزوجة لا يحق لها فسخ الزواج، وتنتظر حتى يعلم موت زوجها.
وقال الإمامان مالك وأحمد: إذا مضى أربع سنوات يفرق القاضي بين المفقود وبين امرأته، وتعتد عدة الوفاة، ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك في مفقود.
_________
(1) راجع البدائع: 196/ 6،فتح القدير: 440/ 4، تبيين الحقائق: 310/ 3، الدر المختار: 360/ 3، الشرح الصغير: 694/ 2 وما بعدها، المهذب: 146/ 2، كشاف القناع: 487/ 5 ومابعدها.

(6/4873)


صلاحيات القاضي في مال المفقود وأهله: للقاضي صلاحيات على مال المفقود وأهله وهي عند الحنفية ما يلي:
1 - يعين القاضي أميناً يحفظ مال المفقود، ويشرف على شؤونه ويستثمره، ويستوفي حقوقه العائدة إليه، كالقيِّم على مال الصبي والمجنون.
2 - يبيع من ماله ما يتسارع إليه الفساد ويحفظ ثمنه؛ لأن البيع من مقتضيات الحفظ. وإذا كان له ودائع يتركها في يد الوديع ليحفظها؛ لأن يده يد نيابة عن المفقود في الحفظ.
3 - ينفق من مال المفقود على زوجته إن كان يعلم بقاء الزوجية، وكذا ينفق من ماله على أولاده الصغار الذكور والإناث، وعلى أولاده الفقراء الزمنى من الذكور والإناث.
وإن لم يكن له مال وله ودائع، فإنه ينفق منها، إذا كانت من الطعام والثياب والدراهم والدنانير.
فإن كان مال المفقود من غير الدراهم والدنانير أو الطعام والثياب، كأن كان له عروض تجارة أو عقارات، فلا ينفق منه القاضي على هؤلاء؛ لأنه لا يمكن الإنفاق إلا بالبيع، وليس للقاضي أن يبيع العقار والعروض على الغائب؛ ولكن للأب أن يبيع العروض في نفقته؛ لأن للأب ولاية التصرف في مال الابن في الجملة، بخلاف القاضي، أما العقار فليس للأب أن يبيعه في نفقة الغائب إلا بإذن القاضي.

متى يحكم بموت المفقود وما أثر ذلك؟ إذا مضت مدة طويلة على المفقود من وقت ولادته، بحيث لا يعيش مثله إلى تلك المدة يقيناً أو غائباً، يحكم بموته،

(6/4874)


وتقع الفرقة بينه وبين نسائه، ويقسم ماله بين ورثته الأحياء، ولا يرث هو من أحد.
والمدة التي نقدرها لحياة المفقود ليس في ظاهر الرواية تقدير محدد فيها، وإنما يقدر بموت الأقران. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قدر تلك المدة بمئة وعشرين سنة من وقت الولادة. والأرفق أن يقدر بتسعين عاماً.

(6/4875)