الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الثَّاني: تكوين الزّواج وفيه مباحث خمسة:
المبحث الأول ـ تعريف الزواج وحكمه في الشرع:
تعريف الزواج (1): النكاح لغة: الضم والجمع، أو عبارة عن الوطء والعقد جميعاً، وهو في الشرع: عقد التزويج، والزواج شرعاً: عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة، بالوطء والمباشرة والتقبيل والضم وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير مَحْرم بنسب أو رضاع أو صهر. أوهو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل. أي أن أثر هذا العقد بالنسبة للرجل يفيد الملك الخاص به فلا يحل لأحد غيره، وأما أثره بالنسبة للمرأة فهو حل الاستمتاع لا الملك الخاص بها، وإنما يجوز أن تتعدد الزوجات فيصبح الملك حقاً مشتركاً بينهن، أي أن تعدد الأزواج ممنوع شرعاً، وتعدد الزوجات جائز شرعاً.
_________
(1) فتح القدير مع العناية: 339/ 2 وما بعدها، تبيين الحقائق: 94/ 4 وما بعدها، اللباب: 3/ 3، الدر المختار: 355/ 2 - 357، الشرح الصغير: 332/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 123/ 3، المغني: 445/ 6، كشاف القناع: 3/ 5.

(9/6513)


وعرفه الحنفية بقولهم: عقد يفيد ملك المتعة قصداً، أي حل استمتاع الرجل من امرأة، لم يمنع من نكاحها مانع شرعي، بالقصد المباشر.
خرج بكلمة (المرأة): الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكورته، وخرج بقوله «ما لم يمنع من نكاحها ما نع شرعي»: المرأة الوثنية، والمحارم، والجنِّية، وإنسان الماء، لاختلاف الجنس؛ لأن قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} [النحل:72/ 16] أوضح المراد من قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء:3/ 4] وهو الأنثى من بنات آدم، فلا يثبت حل غيرها بلا دليل، ولأن الجن يتشكّلون بصور شتى، فقد يكون ذكراً تشكَّل بشكل أنثى.
وخرج بكلمة (قصداً) حل الاستمتاع ضمناً بواسطة شراء أمة للتسري. ووضع بعضهم كلمة (بطريق الأصالة) بدل كلمة (قصداً).
وعرفه أيضاً بعض الحنفية بأنه عقد وضع لتمليك منافع البُضْع، أي الفرج.

هل يراد شرعاً بالنكاح الوطء أو العقد؟ النكاح عند أهل الأصول واللغة حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، فحيث جاء في الكتاب أو السنة مجرداً عن القرائن يراد به الوطء، كما في قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء:22/ 4] فتحرم مزنية الأب على الابن، أي على فروعه، وتكون حرمتها على الفروع ثاتبة بالنص القرآني. وأما حرمة التي عقد عليها عقداً صحيحاً على الفروع فبالإجماع. ولو قال لزوجته: إن نكحتك فأنت طالق، تعلق الشرط بالوطء، وكذا لو أبانها قبل الوطء، ثم تزوجها، تطلق بالوطء، لا بالعقد. أما نكاح المرأة الأجنبية فيراد به العقد؛ لأن وطأها لما حرم عليه شرعاً، كانت الحقيقة مهجورة، فتعين المجاز.

(9/6514)


والنكاح عند الفقهاء ومنهم مشايخ المذاهب الأربعة: حقيقة في العقد، مجاز في الوطء؛ لأنه المشهور في القرآن والأخبار، وقد قال الزمخشري وهو من علماء الحنفية: ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/ 2] لخبر الصحيحين: «حتى تذوقي عسيلته» فالمراد به العقد، والوطء مستفاد من هذا الخبر.

الحكم الشرعي للزواج:
الزواج مشروع بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله الله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4] الآية، وقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور:32/ 24].
وأما السنة: فقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» (1) والباءة: مؤن الزواج وواجباته. وآي قرآنية وأخبار سوى ذلك كثيرة.
وأجمع المسلمون على أن الزواج مشروع.

وحكمة مشروعيته: إعفاف المرء نفسه وزوجه عن الوقوع في الحرام، وحفظ النوع الإنساني من الزوال والانقراض، بالإنجاب والتوالد، وبقاء النسل وحفظ النسب، وإقامة الأسرة التي بها يتم تنظيم المجتمع، وإيجاد التعاون بين أفرادها، فمن المعروف أن الزواج تعاون بين الزوجين لتحمل أعباء الحياة، وعقد
_________
(1) متفق عليه بين البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود (سبل السلام: 109/ 3).

(9/6515)


مودة وتعاضد بين الجماعات، وتقوية روابط الأسر، وبه يتم الاستعانة على المصالح.

وأما نوع أو صفة الزواج شرعا ً بحسب طلب الشارع فعله أو تركه، فيعرف عند الفقهاء بحسب أحوال الناس (1):
1 - الفرضية: يكون الزواج عند عامة الفقهاء فرضاً إذا تيقن الإنسان الوقوع في الزنا لو لم يتزوج، وكان قادراً على نفقات الزواج من مهر ونفقة الزوجة، وحقوق الزواج الشرعية، ولم يستطع الاحتراز عن الوقوع في الفاحشة بالصوم ونحوه؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وطريقه الزواج.
ولا فرق بين الفرضية والوجوب عند الجمهور.
ورأى الحنفية: أن الزواج واجب إذا خاف المرء الوقوع في الفاحشة بعدم الزواج خوفاً دون اليقين، وكان قادراً على مؤن الزواج، من مهر ونفقة، ولايخاف ظلم المرأة ولا التقصير في حقها.

2 - التحريم: يحرم الزواج إذا تيقن الشخص ظلم المرأة والإضرار بها إذا تزوج، بأن كان عاجزاً عن تكاليف الزواج، أو لا يعدل إن تزوج بزوجة أخرى؛ لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
وإذا تعارض ما يجعل الزواج فرضاً وما يجعله حراماً بأن تيقن أنه سيقع في الزنا إن لم يتزوج، وتيقن أيضاً أنه سيظلم زوجته، كان الزواج حراماً؛ لأنه إذا
_________
(1) تبيين الحقائق: 95/ 2، فتح القدير: 342/ 2، الدر المختار: 358/ 2، البدائع: 228/ 2، الشرح الصغير: 330/ 2، القوانين الفقهية: ص 193، بداية المجتهد: 2/ 2، المهذب: 33/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 125/ 3 وما بعدها، المغني: 446/ 6 وما بعدها، كشاف القناع: 4/ 5.

(9/6516)


اجتمع الحلال والحرام، غلب الحرام الحلال، ولقوله تعالى: {وليستعفف الذين لايجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله} [النور:33/ 24] ولحديث «يا معشر الشباب» السابق الذي يرشد إلى الصوم لعصمة النفس من الشهوات. وربما قيل: يفضل الزواج حينئذ؛ لأن الرجل بعد الزواج تلين طباعه، وترتقي معاملته، وتخف قسوته وتزول عُقَده، ولأن في عدم الزواج غلبة الظن في الوقوع بالزنا.

3 - الكراهة: يكره الزواج إذا خاف الشخص الوقوع في الجور والضرر خوفاً لا يصل إلى مرتبة اليقين إن تزوج، لعجزه عن الإنفاق، أوإساءة العشرة، أو فتور الرغبة في النساء. وتكون الكراهة عند الحنفية تحريمية أو تنزيهية بحسب قوة الخوف وضعفه. ويكره عند الشافعية لمن به علة كهرم أو مرض دائم أو تعنين دائم، أو كان ممسوحاً، ويكره أيضاً عندهم نكاح بعد خطبة على خطبة غيره إن عُرِّض فيها بالإجابة، ونكاح المحلل إذا لم يشرط في العقد مايخل بمقصوده، ونكاح الغرور كأن غرر الزوج بإسلام امرأة أو بحريتها أو بنسب معين.
4 - الاستحباب أو الندب في حال الاعتدال: يستحب عند الجمهور غير الشافعي الزواج إذا كان الشخص معتدل المزاج، بحيث لا يخشى الوقوع في الزنا إن لم يتزوج، ولا يخشى أن يظلم زوجته إن تزوج. وحالة الاعتدال هذه هي الغالبة عند أكثر الناس.
ودليل كون الزواج سنة الحديث السابق: «يا معشر الشباب» وحديث الرهط الثلاثة الذين عزموا على أمور، الأول ـ أن يصلي الليل أبداً، والثاني ـ أن يصوم الدهر أبداً، والثالث ـ أن يعتزل النساء فلا يتزوج أبداً، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أما والله، إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني» (1).
_________
(1) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه (جامع الأصول: 201/ 1).

(9/6517)


ويؤيده أن الرسول صلّى الله عليه وسلم تزوج وداوم عليه، وكذلك أصحابه تزوجوا وداوموا عليه، وتابعهم المسلمون في الزواج، والمداومة والمتابعة دليل السنية.
وهذا الرأي هو المختار.
وقال الشافعي: إن الزواج في هذه الحالة مباح، يجوز فعله وتركه، وإن التفرغ للعبادة أو الاشتغال بالعلم أفضل من الزواج؛ لأن الله تعالى مدح يحيى عليه السلام بقوله: {وسيداً وحصوراً} [آل عمران:39/ 3] والحصور: الذي لا يأتي النساء مع القدرة على إتيانهن، فلو كان الزواج أفضل لما مدح بتركه. ورد هذا بأنه شرع من قبلنا، وشريعتنا على خلافه.
وقال الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} [آل عمران:14/ 3] وهذا في معرض الذم.
وإنما لم يجب لقوله تعالى: {فانكحوا ماطاب لكم من النساء} [النساء:3/ 4] إذ الواجب لايتعلق بالاستطابة، ولقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4] ولا يجب العدد بالإجماع، ولقوله: {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء:3/ 4].
ورد السبكي التعليل الأول: بأنه ليس المراد بالآية المستطاب، وإنما المراد الحلال؛ لأن في النساء محرمات بآية {حرمت عليكم أمهاتكم ... } [النساء:23/ 4] الآية.

إعفاف الوالد: تحقيقاً للترغيب الشرعي في الزواج قال الشافعية على المشهور (1): يلزم الولد ذكراً كان أو أنثى إعفاف الأب والأجداد؛ لأنه من وجوه
_________
(1) مغني المحتاج: 211/ 3 - 213.

(9/6518)


حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة، ولئلا يعرضهم للزنا المفضي إلى الهلاك، وذلك لا يليق بحرمة الأبوة، وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها شرعاً، والإعفاف: بأن يعطيه مهر امرأة حرة تعفه، أو يقول: تزوج وأعطيك المهر، أو يزوجه بإذنه ويدفع المهر.
ويجب تجديد الإعفاف إذا ماتت الزوجة، أو انفسخ النكاح برده منها، أو فسخ الزوج النكاح بعيب في الزوجة، وكذا إذ اطلق بعذر في الأصح.
وإنما يجب الإعفاف بشرطين:
الأول ـ لمن كان فاقد المهر في الواقع. ولا يلزم الإعفاف إذا كان الأب قادراً على المهر بالكسب.
الثاني ـ للمحتاج إلى الزواج: بأن تتوق نفسه إلى الوطء، وإن لم يخف الزنا، أو كان عنده من لا تعفه كصغيرة وعجوز شوهاء. ويحرم طلب الزواج ممن لم يضر به العزوبة، ولم يشق عليه الصبر.
ولو احتاج لعقد النكاح لا للتمتع، بل للخدمة لنحو مرض، وجب إعفافه إذا تعينت الحاجة إليه، لكن لا يسمى إعفافاً.

هل الزواج عبادة؟ الزواج عند الشافعية من الأعمال الدنيوية كالبيع ونحوه، وهو ليس بعبادة، بدليل صحته من الكافر، ولو كان عبادة لما صح منه، والقصد منه قضاء شهوة النفس، والعمل بالعبادة عمل لله تعالى، والعمل لله تعالى أفضل من العمل للنفس.
ورد ذلك بأنه إنما صح من الكافر، وإن كان عبادة، لما فيه من عمارة الدنيا، كعمارة المساجد والجوامع، فإن هذه تصح من المسلم، وهي منه عبادة، ومن الكافر

(9/6519)


وليست منه عبادة، ويدل لكونه عبادة أمر النبي صلّى الله عليه وسلم، والعبادة تتلقى من الشرع، فالزواج من قبيل
العبادة، لما يشتمل عليه من المصالح الكثيرة التي منها تحصين النفس وإيجاد النسل، وقال عنه النبي صلّى الله عليه وسلم: «وفي بُضع أحدكم صدقة» (1).
ونظراً لضعف هذه الأدلة التي ذكرت للشافعي، قال الإمام النووي: - وهو من العلماء العزاب - إن لم يتعبد فاقد الحاجة للنكاح، واجد الأهبة (وهي مؤن الزواج من مهر وكسوة ونفقة يومه)، فالنكاح له أفضل من تركه في الأصح، كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش. وقال: النكاح مستحب لمحتاج إليه يجد أهبته، فإن فقدها استحب تركه، ويكسر شهوته بالصوم، فإن لم يحتج كره إن فقد الأهبة، وإلا فلا يكره له لقدرته عليه.
وقال الظاهرية: إن الزواج في حالة الاعتدال هذه فرض، متى كان الإنسان قادراً عليه، وعلى مؤنه المطلوبة، بدليل ظواهر الآيات السابقة: {فانكحوا ما طاب ... } [النساء:3/ 4] {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور:32/ 24] والأحاديث المتقدمة: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» والأمر يفيد الوجوب، فيكون الزواج واجباً. ورد عليهم بأن هذا الوجوب مصروف إلى الندب والاستحباب بدليل قوله: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4] وقوله: {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء:3/ 4] ولأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يحتم الزواج على كل واحد.
ويؤيد هذا الرأي ما رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن عبد البر عن عَكَّاف بن وَدَاعة: «أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال له: ألك زوجة يا عكاف؟ قال: لا، قال: ولا جارية؟ قال: لا، قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم، والحمد لله، فقال: فأنت إذن من إخوان الشياطين: إن كنت من رهبان النصارى، فالحق بهم، وإن
_________
(1) من حديث أبي ذر عند مسلم، ومطلعه: ذهب أهل الدثور بالأجور.

(9/6520)


كنت منا فاصنع كما نصنع، فإن سنتنا النكاح، شراركم عزّابكم، وإن أرذل موتاكم عزابكم» (1).
ورد بأن إيجاب الزواج على شخص لا يستلزم إيجابه على الناس جميعاً؛ لأن سبب وجوبه وجد في حقه، دون غيره من الناس.

المبحث الثاني ـ أركان الزواج:
تمهيد: الركن عند الحنفية: ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون جزءاً داخلاً في حقيقته. والشرط عندهم: ما يتوقف عليه وجود الشيء، ولم يكن جزءاً من حقيقته. والركن عند الجمهور: ما به قوام الشيء ووجوده، فلا يتحقق إلا به، أو ما لا بد منه، وبعبارتهم الشهيرة: هو ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به، أو ما تتوقف عليه حقيقة الشيء، سواء أكان جزءاً منه أم خارجاً عنه.
والشرط عندهم: ما يتوقف عليه وجود الشيء، وليس جزءاً منه.
فالإيجاب والقبول ركن بالاتفاق، لأن بهما يترتبط أحد العاقدين بالآخر، والرضا شرط.
وركن الزواج عند الحنفية: الإيجاب والقبول فقط، وأركان الزواج عند الجمهور أربعة: صيغة (وهي الإيجاب والقبول) وزوجة، وزوج، وولي وهما العاقدان. وأما المعقود عليه فهو الاستمتاع الذي يقصده الزوجان من الزواج. وأما المهر فلا يتوقف عليه العقد، وإنما هو شرط كالشهود، بدليل جواز نكاح التفويض، وأما الشهود فشرط أيضاً. وجعل الشهود والمهر ركناً مجرد اصطلاح لبعض الفقهاء.
_________
(1) قال الهيثمي: وفيه راوً لم يسم، وبقية رجاله ثقات.

(9/6521)


والإيجاب عند الحنفية: ما يصدر أولاً من أحد العاقدين، سواء أكان الزوج أم الزوجة. والقبول عندهم: ما يصدر ثانياً من الطرف الآخر.
والإيجاب عند الجمهور: هو اللفظ الصادر من قبل الولي أو من يقوم مقامه كوكيل؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب، فإذا وجد قبله لم يكن قبولاً لعدم معناه. والقبول: هو اللفظ الدال على الرضا بالزواج الصادر من الزوج.
فإذا قال الرجل للمرأة: زوجيني نفسك، فقالت: قبلت، كان الأول عند الحنفية إيجاباً، والثاني قبولاً. وعند الجمهور بالعكس؛ لأن ولي المرأة هو الذي يملِّك الزوج حق الاستمتاع، فكلامه هو الإيجاب، والرجل يتملك ذلك، فكلامه هو القبول. وقد نص القانون السوري (م 5) على أنه: ينعقد الزواج بإيجاب من أحد العاقدين، وقبول من الآخر.

صيغة الزواج:
أولاً ـ ألفاظ الزواج: الزواج عقد مدني لا شكليات فيه، والعقد: ربط أجزاء التصرف، أي الإيجاب والقبول شرعاً. والمراد بالعقد هنا هو المعنى المصدري وهو الارتباط، والشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول موجودان حساً، يرتبطان ارتباطاً حكمياً.
وكل من الإيجاب والقبول قد يكون لفظاً، وقد يكون كتابة أو إشارة، وألفاظ الإيجاب والقبول، منها ما هو متفق على انعقاد الزواج به، ومنها ما هو متفق على عدم انعقاد الزواج به، ومنها ما هو مختلف فيه (1).
_________
(1) الدر المختار: 361/ 2 - 372، البدائع: 229/ 2 ومابعدها، اللباب: 3/ 3، مواهب الجليل: 419/ 3 - 423، الشرح الكبير: 221/ 2، الشرح الصغير: 334/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص195، مغني المحتاج: 139/ 3، المهذب: 41/ 2، بداية المجتهد: 4/ 2، كشاف القناع: 36/ 5.

(9/6522)


أما الألفاظ التي اتفق الفقهاء على انعقاد الزواج بها: فهي لفظ: أنكحت وزوجت، لورودهما في نص القرآن في قوله تعالى: {زوجناكها} [الأحزاب:37/ 33] وقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} [النساء:22/ 4].
وأما الألفاظ التي اتفق الفقهاء على عدم انعقاد الزواج بها: فهي التي لا تدل على تمليك العين في الحال ولا على بقاء الملك مدة الحياة، وهي: الإباحة والإعارة والإجارة والمتعة والوصية والرهن والوديعة ونحوها.
وأما الألفاظ التي اختلفوا في انعقاد الزواج بها: فهي لفظ البيع، ولفظ الهبة، ولفظ الصدقة، أو العطية ونحوها مما يدل على تمليك العين في الحال، وبقاء الملك مدة الحياة:
1 - قال الحنفية، والمالكية على الراجح: ينعقد الزواج بها بشرط نية أو قرينة تدل على الزواج، كبيان المهر وإحضار الناس، وفهم الشهود المقصود؛ لأن المطلوب التعرف على إرادة العاقدين، وليس للفظ اعتبار، وقد ورد في الشرع ما يدل على الزواج بلفظ الهبة والتمليك.
الأول ـ في قوله تعالى: {وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب:50/ 33] والخصوصية للنبي في صحة الزواج بدون مهر، لا باستعمال لفظ الهبة.
والثاني ـ قول الرسول صلّى الله عليه وسلم لرجل لم يملك مالاً يقدمه مهراً: «قد ملكتكها بما معك من القرآن» (1). وهذا هو الراجح لدي؛ لأن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني.
_________
(1) متفق عليه عن سهل بن سعد (نيل الأوطار: 170/ 6).

(9/6523)


2 - وقال الشافعية والحنابلة: لا ينعقد الزواج بها، ولا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لورودهما في القرآن كما تقدم، فيلزم الاقتصار عليهما، ولا يصح أن ينعقد بغيرهما من الألفاظ؛ لأن الزواج عقد يعتبر فيه النية مع اللفظ الخاص به، وآية: {إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب:50/ 33] من خصوصيات النبي صلّى الله عليه وسلم. وحديث «ملكتكها» إما وهم من الراوي، أو أن الراوي رواه بالمعنى، ظناً منه ترادف هذا اللفظ مع لفظ الزواج، وبتقدير صحة الرواية، فهي معارضة برواية الجمهور: «زوجتكها».
وخلاصة المذاهب ما يأتي:
ينعقد الزواج عند الحنفية (1) بكل لفظ يدل على تمليك الأعيان في الحال، كلفظ الهبة والتمليك والصدقة والعطية والقرض والسلَم والاستئجار (2) والصلح والصرف، والجعل والبيع والشراء، بشرط نية أو قرينة، وفهم الشهود المقصود. ولا ينعقد بقوله: تزوجت نصفك على الأصح احتياطاً، بل لا بد أن يضيفه إلى كلها أو ما يعبر به عن الكل، ومنه الظهر والبطن على الأشبه.
وينعقد عند المالكية (3) بلفظ التزويج والتمليك، وما يجري مجراهما كالبيع والهبة والصدقة والعطية، ولا يشترط ذكر المهر، لانعقاد العقد، وإن كان لا بد منه، فيكون شرطاً لصحة العقد كالشهود، إلا إذا كان بلفظ الهبة، والألفاظ أربعة: الأول ـ ما ينعقد به الزواج مطلقاً سواء سمى العاقد صداقاً أم لا وهو
_________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 364/ 2 - 365، 369 وما بعدها.
(2) بأن جعلت المرأة بدلاً، مثل: استأجرت دارك بنفسي أو ببنتي عند قصد النكاح، بخلاف الإجارة مثل: آجرتك نفسي بكذا.
(3) شرح الرسالة: 26/ 2، الشرح الكبير: 221/ 2، الشرح الصغير: 350/ 2.

(9/6524)


أنكحت وزوجت، والثاني ـ ماينعقد به إن سمى صداقاً وإلا فلا، وهو وهبت فقط، والثالث ـ ما فيه التردد، وهو كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة، مثل: بعت لك ابنتي بصداق قدره كذا، أو ملكتك إياها أو أحللت أو أعطيت أو منحتك إياها. قيل: ينعقد به إن سمى صداقاً، وقيل: لاينعقد به مطلقاً. والرابع ـ ما لا ينعقد به اتفاقاً: وهو كل لفظ لا يقتضي البقاء مدة الحياة كالحبس والوقف والإجارة والإعارة والعمرى أي أعمرتك، وهوالراجح.
وينعقد الزواج عند الشافعية والحنابلة (1) بلفظ التزويج والنكاح فقط، دون ماعداهما كالهبة والتمليك والإجارة، اقتصاراً على المذكور في القرآن.

المعاطاة: اتفق الفقهاء على عدم انعقاد الزواج بالتعاطي، احتراماً لأمر الفروج، وخطورتها وشدة حرمتها (2)، فلا يصح العقد عليها إلا بلفظ صريح أو كناية عند الحنفية والمالكية، وبلفظ صريح عند الشافعية والحنابلة كما تقدم. ولا ينعقد الزواج على المختار عند الحنفية بالإقرار، أي أن الإقرار ليس من صيغ العقد، فلو قالت امرأة: أقر بأنك زوجي، ولم تكن قد حدثت زوجية بينها وبين الرجل، فإنه لا يصح، لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت وليس بإنشاء.
الألفاظ المصحفة (3): لا ينعقد الزواج عند الحنفية بالألفاظ المصحفة، مثل (تجوزت) أو جوزت أوزوزت، بدل «تزوجت» لعدم القصد الصحيح، لكن لو اتفق قوم على النطق بهذه الغلطة، بحيث إنهم يطلبون بها الدلالة على حل الاستمتاع، وتصدر عن قصد واختيار منهم، فينعقد بها الزواج؛ لأنه والحالة هذه
_________
(1) المهذب: 41/ 2، مغني المحتاج: 139/ 3، كشاف القناع: 37/ 5، المغني: 532/ 6.
(2) الدر المختار وابن عابدين: 372/ 2 وما بعدها.
(3) التصحيف: هو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المقصود من الوضع اللغوي.

(9/6525)


يكون وضعاً جديداً منهم (1)، أي أن اللفظ أصبح دالاً على الزواج عرفاً، فينعقد به الزواج، فلا يفهم العاقدان والشهود من تلك الألفاظ إلا أنها عبارة عن التزويج، ولا يقصد منها إلا ذلك المعنى بحسب العرف.
وقال الشافعية: ينعقد الزواج بالألفاظ المحرفة مثل: جوزتك موكلتي.

الألفاظ غير العربية: اتفق أكثر الفقهاء على أن الأجنبي غير العربي العاجز عن النطق بالعربية يصح انعقاد زواجه بلغته التي يفهمها ويتكلم بها؛ لأن العبرة في العقود للمعاني، ولأنه عاجز عن العربية، فسقط عنه النطق بالعربية كالأخرس. وعليه أن يأتي بمعنى التزويج أو الإنكاح بلسانه، بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي.
أما إذا كان العاقد يحسن التكلم بالعربية: فيجوز عند الجمهور في الأصح عند الشافعية النطق بكل لغة يمكن التفاهم بها؛ لأن المقصود هو التعبير عن الإرادة، وذلك واقع في كل لغة، ولأنه أتى بلفظه الخاص، فانعقد به، كما ينعقد بلفظ العربية.
وقال الحنابلة: لا يجوز الزواج إلا بالعربية لمن قدر عليها، فمن قدر على لفظ الزواج بالعربية، لم يصح بغيرها؛ لأنه عدل عن لفظي (الإنكاح والتزويج) مع القدرة عليهما، فلم يصح، كما لم يصح بألفاظ الهبة والبيع والإحلال (2).
وقد أخذ القانون السوري (م 6) برأي الجمهور، فنص على أنه: يكون الإيجاب والقبول في الزواج بالألفاظ التي تفيد معناه لغة أو عرفاً.
_________
(1) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: 370/ 2 وما بعدها.
(2) ابن عابدين: 371/ 2، مغني المحتاج: 140/ 3، كشاف القناع: 38/ 5 - 39، المغني: 533/ 6 وما بعدها.

(9/6526)


ثانياً ـ صيغة الفعل: قد تكون صيغة الإيجاب والقبول بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع أو بلفظ الأمر، واتفق الفقهاء على انعقاد الزواج بصيغة الماضي، واختلفوا في المضارع والأمر (1).
أـ ينعقد الزواج بصيغة الفعل الماضي: كأن يقول ولي المرأة للرجل: زوجتك ابنتي فلانة على مهر كذا، فقال الزوج: قبلت أورضيت؛ لأن المقصود بهذه الصيغة إنشاء العقد في الحال، فينعقد بها العقد من غير توقف على نية أو قرينة.
ب ـ وأما العقد بصيغة المضارع: مثل أن يقول الرجل للمرأة في مجلس العقد: أتزوجك على مهر قدره كذا، فقالت: أقبل أو أرضى، صح العقد عند الحنفية والمالكية إذا كانت هناك قرينة تدل على إرادة إنشاء العقد في الحال، لا للوعد في المستقبل، كأن يكون المجلس مهيئاً لإجراء عقد الزواج، فوجود هذه الهيئة ينفي إرادة الوعد أو المساومة، ويدل على إرادة التنجيز؛ لأن الزواج بعكس البيع يكون مسبوقاً بالخطبة.
فإن لم يكن المجلس مهيئاً لإنجاز العقد، ولم توجد قرينة دالة على قصد إنشاء الزواج في الحال، فلا ينعقد العقد.
ولا ينعقد الزواج عند الشافعية والحنابلة بصيغة المضارع، وإنما لا بد عندهم من لفظ بصيغة الماضي مشتق من النكاح أوالزواج، بأن يقول الزوج: تزوجت أو نكحت أو قبلت نكاحها أو تزويجها، ولا يصح بكناية: كأحللتك ابنتي، إذ لا
_________
(1) البدائع: 231/ 2، الدر المختار ورد المحتار: 378/ 2 وما بعدها، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 220/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 139/ 3 - 141، كشاف القناع: 37/ 5، المغني: 532/ 6 - 534.

(9/6527)


اطلاع للشهود على النية. ولو قال ولي المرأة: زوجتك، فقال الزوج: قبلت، لم ينعقد الزواج لدى الشافعية على المذهب، وينعقد عند الجمهور غير الشافعية.
جـ ـ ويصح العقد عند الحنفية والمالكية بصيغة الأمر: كأن يقول الرجل لامرأة: زوجيني نفسك، وقصد بذلك إنشاء الزواج، لا الخطوبة، فقالت المرأة: زوجتك نفسي، تم الزواج بينهما.
وتوجيه ذلك عند الحنفية (1): أن قول الرجل يتضمن توكيل المرأة في أن تزوجه بنفسها، فقولها: زوجتك نفسي، قام مقام الإيجاب والقبول. والتوجيه عند المالكية أن صيغة الأمر تعتبر إيجاباً للعقد عرفاً، ولا تعتبر توكيلاً ضمنياً. وهذا القول أوجه. وعبارة المالكية: ينعقد النكاح بالإيجاب والاستيجاب، أي طلب الإيجاب.
د ـ أما انعقاد الزواج بلفظ الاستفهام مثل قول رجل لآخر: زوجتني ابنتك؟ فقال الآخر: زوجت، أو قال: نعم، فلا يكون عند الحنفية زواجاً، ما لم يقل الموجب بعدئذ: قبلت؛ لأن قوله: زوجتني؟ استفهام أو استخبار، وليس بعقد، بخلاف صيغة الأمر: زوجني، فإنه توكيل ضمني، كما عرفنا.
والخلاصة: لا ينعقد الزواج عند الشافعية إلا بصيغة الماضي، ومن مادة الزواج والنكاح، وينعقد عند المالكية والحنفية بالماضي والمضارع والأمر، إذا دلت القرينة أو دلالة الحال على أنه للإيجاب، لا للوعد.
ولا يشترط عند الجمهور غيرالحنابلة تقديم الإيجاب على القبول، بل يندب،
_________
(1) وهذا مقتضى الاستحسان عندهم الذي تركوا به القياس لما روي «أن بلالاً رضي الله عنه خطب إلى قوم من الأنصار، فأبوا أن يزوجوه، فقال: لولا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمرني أن أخطب إليكم، لما خطبت، فقالوا له: ملكت» ولم ينقل أن بلالاً أعاد القول: ولو فعل لنقل.

(9/6528)


بأن يقول الولي: زوجتك إياها أو أنكحتك. وقال الحنابلة: إذا تقدم القبول على الإيجاب، لم يصح، سواء أكان بلفظ الماضي: تزوجت، أم بلفظ الطلب: زوجني.

ثالثاً ـ انعقاد الزواج بعاقد واحد: قال الحنفية (1): ينعقد الزواج بعاقد واحد إذا كانت له ولاية من الجانبين، سواء أكانت ولايته أصلية كولاية القرابة، أم طارئة كولاية الوكالة:
1ً - بأن كان العاقد ولياً من الجانبين كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة، والأخ إذا زوج بنت أخيه من ابن أخيه الصغير.
2ً - أو كان أصيلاً وولياً كابن العم إذا تزوج بنت عمه من نفسه.
3ً - أو كان وكيلاً من الجانبين.
4ً - أو كان رسولاً من الجانبين.
5ً - أو كان أصيلاً من جانب، ووكيلاً من جانب آخر، كأن توكل امرأة رجلاً ليزوجها من نفسه، أو وكل رجل امرأة لتزوج نفسها منه.
وأجاز الشافعي انعقاد الزواج في الحالة الأولى ـ حالة الولي من الجانبين ـ كالجد يزوج بنت ابنه من ابن ابنه (2).
وأجاز المالكية (3) لابن العم ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه.
_________
(1) البدائع: 231/ 2، 233.
(2) ولا يزوج ابن العم نفسه، بل يزوجه ابن عم في درجته، فإن فقد فالقاضي (مغني المحتاج: 163/ 3).
(3) القوانين الفقهية: ص 200، الشرح الكبير: 233/ 2.

(9/6529)


ولا ينعقد الزواج بعاقد فضولي واحد، ولو بعبارتين؛ لأن تعدد العاقد شرط في كل العقود، سواء أكان التعدد حقيقة بأن يكون هناك شخصان يصدر منهما الإيجاب والقبول، أم حكماً بأن يكون هناك شخص واحد له صفة شرعية وولاية من الجانبين. وينعقد العقد فيما لو قال فضولي: زوجت فلانةمن فلان، وهما غائبان، فقبل فضولي آخر عن الزوج.
وأدلة انعقاد الزواج بعاقد واحد استثناءً من مبدأ تعدد العاقد:
أولاً ـ ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم: أتجعلين أمرك إليَّ؟ قالت: نعم، قال: فقد تزوجتك. فهذا دليل الحالة الأخيرة وهو أن يكون العاقد أصيلاً من جانب ووكيلاً من جانب.
ثانياً ـ ما رواه أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي قال لرجل: «أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم، وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلاناً؟ قالت: نعم فزوج أحدهما صاحبه» فهذا دليل الحالة الثالثة: وهوأن يكون وكيلاً من الجانبين.
ثالثاً: يقاس على المذكور في الحديثين السابقين بقية الحالات، لاشتراكها في المعنى، وهو أن للعاقد في الجميع صفة شرعية عند إجراء العقد، إما الولاية على الغير أو الوكالة عن الغير أو الأصالة عن النفس.

رابعاً ـ انعقاد الزواج بالكتابة والإشارة: ينعقد الزواج أحياناً بالكتابة أو الإشارة على التفصيل الآتي (1):
_________
(1) البدائع: 231/ 2، مغني المحتاج: 141/ 3، المحرر في الفقه الحنبلي: 15/ 2، كشاف القناع: 39/ 5، مواهب الجليل للحطاب: 228/ 4 وما بعدها، قال الدردير في الشرح الصغير: 350/ 2: ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلا لضرورة خرس.

(9/6530)


1ًَ - الناطق في حال الحضور: إن كان العاقدان حاضرين معاً في مجلس العقد وكانا قادرين على النطق: فلا يصح بالاتفاق الزواج بينهما بالكتابةأو الإشارة، ولو كانت الكتابة بينة واضحة، والإشارة مفهمة في الدلالة على إنشاء الزواج، للاستغناء عنها بالنطق، ولأن اللفظ هو الأصل في التعبير عن الإرادة، ولا يلجأ إليه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة هنا، ولأنه لا يتيسر للشهود سماع كلام العاقدين في حال الكتابة.
2ً - الناطق في حال الغيبة: إذا كان أحد العاقدين غائباً عن مجلس العقد: ينعقد الزواج عند الحنفية بالكتابة أو إرسال رسول، إذا حضر شاهدان عند وصول الكتاب أو الرسول؛ لأن الكتاب من الغائب خطابه، قال الحنفية (1): «الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر».
مثال الكتاب: أن يكتب رجل لخطيبته: تزوجتك أو زوجيني نفسك، فقالت المرأة في مجلس وصول الكتاب: قبلت الزواج، بحضور شاهدين، صح الزواج؛ لأن سماع الشاهدين شطري العقد (الإيجاب والقبول) شرط لصحة الزواج.
ومثال إرسال الرسول: أن يرسل الخاطب إلى خطيبته الغائبة عن المجلس شخصاً يبلغها الإيجاب مشافهة، فإذا قبلت في مجلس بلوغ الرسالة بحضور شاهدين، تم الزواج.
وقال المالكية والشافعية والحنابلة: لا ينعقد الزواج بكتابة في غيبة أو حضور؛ لأن الكتابة كناية، فلو قال الولي لغائب: زوجتك ابنتي، أو قال: زوجتها من فلان، ثم كتب، فبلغه الكتاب، أي الخبر، فقال: قبلت، لم يصح العقد.
_________
(1) الفتاوى الخانية: 482/ 1.

(9/6531)


3ً - الأخرس: إذا كان أحد العاقدين أخرس أو معتقل اللسان:
أـ فإن كان قادراً على الكتابة، انعقد الزواج بها كما ينعقد بالإشارة، بالاتفاق حتى عند الشافعية؛ لأنها ضرورة، لكن في الرواية الظاهرة عند الحنفية: لا ينعقد بالإشارة، وإنما ينعقد بالكتابة في حال القدرة عليها؛ لأن الكتابة أقوى في الدلالة على المراد، وأبعد عن الاحتمال من الإشارة. وعلى كل حال: الكتابة بالاتفاق أولى من الإشارة؛ لأنها بمنزلة الصريح في الطلاق والإقرار.
ب ـ وإن كان الأخرس أو نحوه عاجزاً عن الكتابة: انعقد الزواج بالإشارة المفهمة المعلومة بالاتفاق؛ لأنها حينئذ الوسيلة المتعينة للتعبير عن الإرادة.
والخلاصة: ينعقد نكاح الأخرس بكتابته أو إشارته عند الفقهاء وتتعين الكتابة عند الحنفية إذا قدر عليها.
وقد نص القانون السوري (م 7) على أنه: يجوز أن يكون الإيجاب والقبول بالكتابةإذا كان أحد الطرفين غائباً عن المجلس.
ونصت المادة (10) على أنه: يصح الإيجاب أو القبول من العاجز عن النطق بالكتابة إذا كان يكتب، وإلا فبإشارته المفهمة.
وجاء في المادة (128) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بمصر: «إقرار الأخرس يكون بإشارته المعهودة، ولا يعبر إقراره بالإشارة إذا كان يمكنه الإقرار بالكتابة».

المبحث الثالث ـ شروط الزواج:
أنواع الشروط: بينت سابقاً أن الشرط: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجاً عن حقيقته. وشروط كل عقد، ومنها الزواج، أربعة أنواع:

(9/6532)


شروط الانعقاد: وشروط الصحة، وشروط النفاذ، وشروط اللزوم.
وشروط الانعقاد: هي التي يلزم توافرها في أركان العقد، أو في أسسه. وإذا تخلف شرط منها، كان العقد باطلاً بالاتفاق.
وشروط الصحة: هي التي يلزم توافرها لترتب الأثر الشرعي على العقد. فإذا تخلف شرط منها، كان العقد عند الحنفية فاسداً، وعند الجمهور باطلاً.
وشروط النفاذ: هي التي يتوقف عليها ترتب أثر العقد عليه بالفعل، بعد انعقاده وصحته. فإذا تخلف شرط منها، كان العقد عند الحنفية والمالكية موقوفاً.
وشروط اللزوم: هي التي يتوقف عليها استمرار العقد وبقاؤه. فإذا تخلف شرط منها، كان العقد (جائزاً) أو (غير لازم): وهو الذي يجوز لأحد العاقدين أو لغيرهما فسخه.
والعقد الباطل: لا يترتب عليه أي أثر من آثار العقد الصحيح، فالزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج، ولو بعد الدخول، ويعتبر في منزلة العدم. فلا يثبت به النسب من الأب، ولا تجب بعده العدة على المرأة، مثل الزواج بإحدى المحارم كالأخت والبنت، والزواج بالمرأة المتزوجة برجل آخر.
والعقد الفاسد: يثبت له عند الحنفية بعض آثار العقد الصحيح، فالزواج الفاسد يثبت به آثار الدخول بالزوجة، فيثبت به النسب، وتجب بالتفريق أو المتاركة العدة على المرأة، مثل الزواج بغير شهود، والزواج المؤقت، والزواج بالأخت على أختها في عصمة الزوج، أو في أثناء العدة.

(9/6533)


شروط انعقاد الزواج:
يشترط لانعقاد الزواج شروط في العاقدين ـ الرجل والمرأة، وشروط في الصيغة ـ الإيجاب والقبول (1).

أولاً ـ شروط العاقدين: يشترط في عاقدي الزواج شرطان:
1ً - أهلية التصرف: أن يكون العاقد لنفسه أو لغيره أهلاً لمباشرة العقد، وذلك بالتمييز فقط، فإذا كان غير مميز كصبي لم يبلغ السابعة ومجنون، لم ينعقد الزواج؛ ويكون باطلاً؛ لعدم توافر الإرادة والقصد الصحيح المعتبر شرعاً.
ولا يشترط البلوغ لانعقاد الزواج وصحته، وإنما هو شرط لنفاذ العقد عند الحنفية.
وأجاز الشافعية للولي من أب أو جد تزويج صغير مميز ولو أكثر من واحدة إن رآه الولي مصلحة؛ لأن تزويجه بالمصلحة؛ وقد تقتضي ذلك (2). وأجاز الحنابلة (3) أيضاً للأب خاصة تزويج ابنه الصغير أو المجنون ولو كان كبيراً، روى الأثرم: «أن ابن عمر زوج ابنه وهوصغير، فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعاً» وللأب أن يزوج الصغير بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة. وأجاز المالكية (4) للأب والوصي والحاكم تزويج المجنون والصغير لمصلحة كالخوف من الزنا أو الضرر، أو ممن تحفظ له ماله، والصداق على الأب.
_________
(1) البدائع: 232/ 2، الدر المختار ورد المحتار: 366/ 2، 367، 373.
(2) مغني المحتاج: 169/ 3، المهذب: 40/ 2.
(3) كشاف القناع: 43/ 5 - 44.
(4) الشرح الصغير: 396/ 2.

(9/6534)


2ً - سماع كلام الآخر: أن يسمع كل من العاقدين لفظ الآخر، ولو حكماً كالكتاب إلى امرأة غائبة، ويفهم أن المقصود منه إنشاء الزواج، ليتحقق رضاهما به. والأدق أن يعتبر هذا شرطاً في صيغة العقد. ولا يشترط عند الحنفية توافر حقيقة الرضا، فيصح الزواج مع الإكراه والهزل.

ثانياً ـ شروط المرأة: يشترط في المرأة لأجل عقد الزواج شرطان:
1ً - أن تكون أنثى محققة الأنوثة: فلا ينعقد الزواج على الرجل أو الخنثى المشكل: وهو الذي لا يستبين أمره، أهو رجل أم أنثى، ويكون الزواج على خنثى باطلاً.
2ً - ألا تكون محرَّمة على الرجل تحريماً قاطعاً لا شبهة فيه: فلا ينعقد الزواج بالمحارم كالبنت والأخت والعمة والخالة، والمتزوجة بزوج آخر، والمعتدة، والمرأة المسلمة بغير المسلم، والزواج في كل هذه الحالات باطل.

ثالثاً ـ شروط صيغة العقد - الإيجاب والقبول: الصيغة: هي الإيجاب والقبول، ويشترط فيها بالاتفاق أربعة شروط هي ما يأتي:
1 - اتحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضرين: وهو أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، بأن يتحد مجلس الإيجاب والقبول، لا مجلس المتعاقدين؛ لأن شرط الارتباط اتحاد الزمان، فجعل المجلس جامعاً لأطرافه تيسيراً على العاقدين.

(9/6535)


فإن اختلف المجلس، فلا ينعقد العقد، فإذا قالت المرأة: زوجتك نفسي، أو قال الولي: زوجتك ابنتي، فقام الآخر عن المجلس قبل القبول، أو اشتغل بعمل يفيد انصرافه عن المجلس، ثم قال: قبلت بعدئذ، فإنه لا ينعقد العقد عند الحنفية. وهذا يدل على أن مجرد الوقوف بعد القعود يغير المجلس. وكذلك إذا انصرف العاقد الأول عن المجلس بعد الإيجاب، فقبل الآخر وهو في المجلس في غيبة الأول أوبعد عودته، لم ينعقد العقد. ويتغير المجلس عند الحنفية بالسير حال المشي أو الركوب على دابة بأكثر من خطوتين، كما يعد نوم العاقدين مضطجعين، لا جالسين، دليل الإعراض عن القبول. لكن لا يشترط الفور في القبول؛ فينعقد العقد وإن طال المجلس. وينعقد إن كان العاقدان على سفينة سائرة؛ لأن السفينة في حكم مكان واحد.
والمعول عليه في الحقيقة في الحد الفاصل بين اتحاد المجلس واختلافه هوالعرف، فما يعتبر في العرف إعراضاً عن العقد أو فاصلاً بين الإيجاب والقبول يكون مغيراً لمجلس العقد، وما لا يعتبر فيه إعراضاً عن العقد أو فاصلاً بين الإيجاب والقبول لا يكون مغيراً للمجلس.
وعند الجمهور (1): يشترط الفور بألا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل كثير (2)، وعبارة الشافعية: يشترط ألا يطول الفصل في لفظي العاقدين بين الإيجاب والقبول، فإن طال ضر؛ لأن طول الفصل يخرج القبول عن أن يكون جواباً عن الإيجاب. والفصل الطويل: هو ما أشعر بإعراضه عن القبول. ولا يضر الفصل اليسير لعدم إشعاره بالإعراض عن القبول. ويضر تخلل كلام أجنبي
_________
(1) مغني المحتاج: 5/ 2 - 6، كشاف القناع: 136/ 3، حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 356/ 2.
(2) استثنى المالكية من وجوب الفور بين الإيجاب والقبول مسألة: هي أن يقول الرجل في مرضه: إن مت فقد زوجت ابنتي فلانة من فلان، فهذا يصح، طال الأمر أو لا.

(9/6536)


عن العقد، ولو يسيراً بين الإيجاب والقبول، وإن لم يتفرقا عن المجلس؛ لأن فيه إعراضاً عن القبول.
وأما في حال غيبة أحد العاقدين عن الآخر، والتعاقد بطريق الكتابة أو الرسالة، فقال الحنفية: مجلس عقد الزواج: وهو مجلس قراءة الكتاب أمام الشهود، أو سماع رسالة الرسول بحضرة الشهود، فعندئذ يتحد المجلس؛ لأن الكتاب بمنزلة الخطاب من الكاتب، ولأن كلام الرسول كلام المرسل؛ لأنه ينقل عبارة المرسل، فكان قراءة الكتاب، وسماع قول الرسول، وكلام الكاتب معنى، وسماع قول المرسل معنى. فإن لم يقرأ الكتاب أو لم يسمع كلام الرسول لا ينعقد العقد عند أبي حنيفة ومحمد، لاشتراط الشهادة على شطري العقد.
وإن قرأت المرأة الكتاب أو سمعت الرسالة أمام الشهود، ثم قامت من المجلس لقضاء مصلحة أخرى، أو اشتغلت بالحديث في شيء آخر أجنبي عن العقد، ثم قالت: زوجت نفسي من فلان، فلا ينعقد الزواج، لاختلاف المجلس.
لكن لو أعادت المرأة قراءة الكتاب في مجلس آخر، فقبلت أمام الشهود، صح العقد، لبقاء الكتابة، أما لو أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر، فقبلت، لم يصح؛ لأن رسالته انتهت أولاً بخلاف الكتابة لبقائها.
2 - توافق القبول مع الإيجاب ومطابقته له: يتحقق التوافق باتحاد القبول والإيجاب في محل العقد وفي مقدار المهر، فإذا تخالفا فإن كانت المخالفة في محل العقد، مثل قول أبي الفتاة: زوجتك خديجة، فيقول الرجل: قبلت زواج فاطمة، فلا ينعقد الزواج؛ لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه، فلم يصح، كما لو ساومه بثوب، وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري (1). وإن كانت
_________
(1) المغني: 546/ 6 وما بعدها.

(9/6537)


المخالفة في مقدار المهر، مثل: زوجتك ابنتي على ألف درهم، فقال الزوج: قبلت الزواج بثمانمائة، لا ينعقد العقد، إلا إذا كانت المخالفة لخير، بأن قال الزوج: قبلت بألف ومائة، فيصح العقد عند الحنفية.
وسبب عدم انعقاد العقد في المخالفة بمقدار المهر، وإن لم يكن المهر ركناً من أركان العقد: هو أن المهر إذا ذكر في العقد، التحق بالإيجاب وصار جزءاً منه، فيلزم أن يأتي القبول على وفق الإيجاب، حتى ينعقد العقد.
فإن لم يذكر المهر في العقد، أو صرح بأن لا مهر للمرأة، فلا يكون جزءاً من الإيجاب، ولكن يجب في هذه الحالة مهر المثل؛ لأن المهر في الزواج واجب بإيجاب الشرع، فلا يصح إخلاء الزواج منه.
3 - بقاء الموجب على إيجابه: يشترط عدم رجوع الموجب عن الإيجاب قبل قبول العاقد الآخر، فإن رجع بطل الإيجاب، ولم يجد القبول شيئاً يوافقه.
ولا يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلا إذا اتصل به القبول، كما في البيع، فلو وجد الإيجاب من أحد المتعاقدين، كان له أن يرجع قبل قبول الآخر؛ لأن كلاً من الإيجاب والقبول ركن واحد، فكان أحدهما بعض الركن، والمركب من شيئين لا وجود له بأحدهما.
4 - التنجيز في الحال: الزواج كالبيع يشترط فيه كونه في الحال، فلا يجوز في المذاهب الأربعة كونه مضافاً إلى المستقبل، كتزوجتك غداً، أو بعد غد، ولا معلقاً على شرط غير كائن، كتزوجتك إن قدم زيد، أو إن رضي أبي، أو إذا طلعت الشمس فقد زوجتك بنتي؛ لأن عقد الزواج من عقود التمليكات أو المعاوضات، وهي لا تقبل التعليق ولا الإضافة، ولأن الشارع وضع عقد الزواج

(9/6538)


ليفيد حكمه في الحال، والتعليق والإضافة يناقضان الحقيقة الشرعية (1). لكن يصح التعليق بشرط ماض كائن لا محالة، فينعقد العقد في الحال، كأن خطب شخص بنتاً لابنه، فقال أبوها: زوجتها قبلك من فلان، فكذبه، فقال: إن لم أكن زوجتها لفلان، فقد زوجتها لابنك، فقبل، ثم علم كذبه، انعقد العقد، لتعليقه بموجود، وكذا إذا وجد المعلق عليه في المجلس. ومثل: تزوجتك إن كان عمرك عشرين، وكانت في الواقع كذلك. ومثل: تزوجتك إن رضي أبي، وكان أبوها في المجلس فرضي، صح العقد.
وذكر الشافعية: أنه لو قال الولي: زوجتك إن شاء الله، وقصد التعليق أو أطلق، لم يصح العقد، وإن قصد التبرك، أو أن كل شيء بمشيئة الله تعالى، صح. ولو قال: إن كان ما ولد لي من ولد أنثى فقد زوجتها، أو قال: إن كانت بنتي طلقت واعتدت، فقد زوجتها، فالمذهب بطلان الزواج في هذه الصور لوجود صورة التعليق.
والحاصل أنه لا يجوز تعليق الزواج بشرط باتفاق المذاهب، لكن قال ابن القيم: «ونص الإمام أحمد على جواز تعليق النكاح بالشرط» (2) والبيع أولى بالجواز. لكن ذكر ابن قدامة أن تعليق النكاح على شرط يبطله (3). أما القانون فقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري (م 13) على أنه: «لا ينعقد الزواج المضاف إلى المستقبل، ولا المعلق على شرط غير متحقق».

هل يثبت الخيار في عقد الزواج؟ لا يثبت في الزواج خيار باتفاق أكثر
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 367/ 2، 379، 405، مغني المحتاج: 141/ 3.
(2) أعلام الموقعين: 28/ 4، ط محي الدين عبد الحميد.
(3) المغني: 551/ 6.

(9/6539)


الفقهاء (1)، سواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط؛ لأن الحاجة غير داعية إليه، فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو وتفكر، ولأن الزواج ليس بمعاوضة محضة، ولأن ثبوت الخيار يؤدي إلى فسخ الزواج، وفي فسخه بعد العقد ضرر بالمرأة، لكن أثبت المالكية خيار المجلس في الزواج إذا اشتُرِط (2).

مذاهب الفقهاء في الشروط المشترطة في الزواج:
الشروط في الزواج: هي ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض. ويراد بها الشروط المقترنة بالإيجاب أو القبول، أي أن الإيجاب يحصل ولكن يصاحبه شرط من الشروط. وللفقهاء تفصيلات فيها، نذكر رأي كل مذهب فيها على حدة. وهذا بخلاف حالة الإيجاب المعلق على شرط، فإن الإيجاب لا وجود له قبل وجود الشرط.
1 - مذهب الحنفية (3):
أـ إن كان الشرط صحيحاً يلائم مقتضى العقد، ولايتنافى مع أحكام الشرع، وجب الوفاء به، كاشتراط المرأة أن يسكنها وحدها في منزل، لا مع أهله أو مع ضَرَّتها، أو ألا يسافر بها سفراً بعيداً إلا بإذن أهلها.
أو تزوجا على مهر مسمى، وشرط لها شيئاً آخر، بأن تزوجها بألف على ألا يخرجها من بلدها، أو على ألا يتزوج عليها، فإن وفى بالشرط، فلها المهر المسمى؛ لأنه يصلح مهراً، وقد تم رضاها به، وإن لم يف بالشرط، بأن تزوج
_________
(1) المغني: 536/ 6، بداية المجتهد: 7/ 2 ومابعدها.
(2) حاشية الصاوي على الشرح الصغير 351/ 2.
(3) الدر المختار: 405/ 2، تبيين الحقائق: 148/ 2، فتح القدير: 107/ 3 ومابعدها.

(9/6540)


عليها، أو أخرجها، فلها مهر المثل؛ لأنه سمى لها شيئاً لها فيه نفع، فعند فواته يجب لها مهر المثل، لعدم رضاها به.
ومثله الشرط الذي تأمر به الشريعة، كاشتراطها عليه أن يحسن معاملتها أو لا يخرجها إلى النوادي والمراقص ونحوها.
قالوا: ومن الشروط الصحيحة عندهم: لو تزوجها على أن أمرها بيدها، صح. لكن لو قال: زوجني ابنتك على أن أمرك بيدك، لم يكن له الأمر؛ لأنه تفويض قبل النكاح.
ب ـ وأن كان الشرط فاسداً، أي لا يلائم مقتضى العقد، أو لا تجيزه أحكام الشرع، فالعقد صحيح، ويبطل الشرط وحده، مثل اشتراط الخيار لأحد الزوجين أو لكل منهما أن يعدل عن الزواج في مدة معينة، وهذا بخلاف القاعدة العامة: وهي أن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية كالبيع يفسدها.
فإن ورد النهي عن الشرط، كاشتراط طلاق ضرتها، كره الوفاء به، لحديث «لا يحل لامرأة تسأل طلاق ضَرتها».

2 - مذهب المالكية (1):
الشروط التي تقترن بعقد الزواج نوعان: شروط صحيحة، وشروط فاسدة.
أما الشروط الصحيحة: فنوعان: مكروهة وغير مكروهة.
فالشروط الصحيحة غير المكروهة: هي التي تتفق مع مقتضى العقد، كالإنفاق على المرأة أو حسن معاشرتها، أو أن تطيع الرجل أو ألا تخرج من البيت إلا بإذنه.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص218 - 220، الشرح الصغير: 384/ 2 - 386، 595، بداية المجتهد: 58/ 2.

(9/6541)


ومنها اشتراط كون المرأة سليمة من العيوب التي لا تجيز فسخ الزواج، مثل ألا تكون عمياء أو عوراء أو صماء أو خرساء أو أن تكون بكراً أو بيضاء، ونحوها.
والشروط الصحيحة المكروهة: هي التي لا تتعلق بالعقد، أو لا تنافي المقصود من العقد، وإنما فيها تضييق على الر جل، مثل شرط عدم إخراجها من بلدها، أو عدم السفر بها، أو عدم نقلها من مكان كذا، وشرط عدم التزوج عليها، ونحوها، ولا تلزم الزوج إلا أن يكون فيها يمين بعتق أو طلاق، فإن الشرط يلزمه.
وأما الشروط الفاسدة: فهي التي تنافي أو تناقض مقتضى العقد أو المقصود من الزواج، مثل شرط ألا يقسم بينها وبين ضَرَّتها في المبيت، أو أن يُؤْثر عليها ضَرّتها أسبوعاً أو أقل أو أكثر تستقل بها عنها. وشرط المرأة عند زواجها بمحجور عليه أن تكون نفقتها على وليه: أبيه أو سيده، أو على نفسها أو أبيها فإنه شرط مناقض لمقصود الزواج، لأن الأصل أن نفقة الزوجة على زوجها، فشرط خلافه مضر. ومثل اشتراط الخيار في الزواج (1)، أو اشتراط ما يؤثر في جهالة المهر كأن يتزوجها على أن لها من النفقة كذا كل شهر؛ لأنه لا يدري إلى متى تستمر هذه النفقة.
ومثل أن تشترط المرأ ة على الرجل أن يكون أمرها بيدها، تطلق نفسها متى شاءت، أو أن ينفق على ولدها من غيره، أو على أقاربها كأبيها أوأخيها، ونحوها. وحكم هذه الشروط: أنها تبطل العقد ويجب فسخه ما لم يدخل الرجل بالمرأة، فإن دخل بها مضى العقد، وألغي الشرط، وبطل المسمى، ووجب للمرأة مهر المثل. إلا أنه في مسألة جعل المرأة أمرها بيدها قالوا:
_________
(1) اشتراط الخيار: هو أن يكون للزوجين أو لأحدهما حق العدول عن الزواج بعد مدة معينة.

(9/6542)


أـ إن علق أمر الطلاق بيدها على سبب: فإن كان السبب فعلاً يفعله الزوج فهو جائز لازم للزوج، مثل أن يشرط لها أنه متى ضربها أو سافر عنها، فأمرها بيدها أو بيد أبيها أو غيره، ومثله إن كان الالتزام على يمين بطلاق أو عتق كأن حلف ألا يتزوج عليها، على أن يحدد نوع الطلاق المفوض لها، أهو رجعي أو بائن، أو ثلاث، أو أي طلاق شاءت، فحينئذ يلزم الزوج بالشرط.
ب ـ وإن كان سببه فعل غير الزوج لم ينفذ، ولم يلزم الزوج، والنكاح جائز.

3 - مذهب الشافعية (1):
الشروط نوعان: صحيحة وفاسدة.
أـ الشروط الصحيحة الواقعة في الزواج: هي التي وافق الشرط فيها مقتضى عقد النكاح، كشرط النفقة والقسم بين الزوجات، أو لم يوافق مقتضى النكاح ولكنه لم يتعلق به غرض، كشرط ألا تأكل إلا كذا. وحكمها: أن الشرط يلغو، أي لا تأثير له في الصورتين لانتفاء فائدته، ويصح النكاح والمهر، كما هو الحكم في البيع.
ب ـ وأما الشروط الفاسدة: فهي التي تخالف مقتضى عقد النكاح ولم يخل بمقصوده الأصلي: وهو الوطء، كشرط ألا يتزوج عليها، أو ألا نفقة لها أو ألا يسافر بها، أوألا ينقلها من بلدها، وحكمها: أن الزواج يصح لعدم الإخلال بمقصوده وهو الوطء أو الاستمتاع، ويفسد الشرط لأنه يخالف مقتضى العقد، سواء أكان لها كالمثال الأول والثالث والرابع، أم عليها كالمثال الثاني، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» (2)، ويفسد المهر أيضاً؛ لأن الشرط إن
_________
(1) مغني المحتاج: 226/ 3 ومابعدها، المهذب: 47/ 2.
(2) متفق عليه من حديث عائشة في قصة بريرة (نيل الأوطار: 91/ 6).

(9/6543)


كان لها، فلم ترض بالمسمى وحده، وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببدل المسمى إلا عند سلامة ما شرطه.
فإن أخل الشرط بمقصود الزواج الأصلي: كأن شرط ألا يطأها الزوج أصلاً، أوألا يطأها إلا مرة واحدة مثلاً في السنة، أو شرطت المرأة ألا يطأها إلا ليلاً فقط أو إلا نهاراً فقط، أوشرط أن يطلقها ولو بعد الوطء، بطل الزواج؛ لأنه شرط ينافي مقصود العقد فأبطله. فإن شرط الزوج ألا يطأها ليلاً لم يبطل العقد؛ لأن الزوج يملك الوطء ليلاً ونهاراً وله أن يترك، فإن شرط ألا يطأها فقد شرط ترك ما له تركه، وأما المرأة فيستحق عليها الوطء ليلاً ونهاراً، فإذا اشترطت ألا يطأها فقد شرطت منع الزوج من حقه، وهو ينافي مقصود العقد، فبطل.
وكذا لو شرط الرجل أنها لا ترثه، أو أنه لا يرثها، أو أنهما لا يتوارثان، أو أن النفقة على غير الزوج، بطل الزواج أيضاً.

4 - مذهب الحنابلة (1):
الشروط عندهم كالشافعية: إما صحيحة أو فاسدة، وهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول ـ الشروط الصحيحة: وهي التي يقتضيها العقد أو لا يقتضيها العقد ولكن فيها منفعة لأحد العاقدين، ولم يرد في الشرع ما ينهى عنها ما دامت لا تخل بالمقصود من العقد، وحكمها: أنه يلزم الوفاء بها، لما فيها من منفعة وفائدة.
مثل أن تشترط المرأة على الرجل أن ينفق عليها أو أن يحسن معاشرتها، أو ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو ألا يسافر بها.
_________
(1) المغني: 548/ 6 - 552، كشاف القناع: 98/ 5 ومابعدها.

(9/6544)


ومثل أن يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكراً أو جميلة أو متعلمة أو خالية من العيوب التي لا يثبت فيها الخيارفي فسخ الزواج كالعمى والخرس والعرج ونحوها.
ودليل لزوم الوفاء بهذه الشروط: قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» (1) وحديث «المسلمون على شروطهم» (2)، وروى الأثرم بإسناده: «أن رجلاً تزوج امرأة، وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: إذن تطلقينا؟ فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط» ولأنه شرط لها فيه منفعة، ولا يمنع المقصود من الزواج، فكان لازماً، كما لو شرطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» أي ليس في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع.
وأما الشروط غير الصحيحة: فهي التي ورد عن الشرع نهي عنها أو التي تنافي مقتضى العقد، وتشمل النوعين الثاني والثالث.

النوع الثاني ـ ما يبطل الشرط ويصح العقد: مثل أن يشترط الرجل ألا مهر للمرأة، أو ألا ينفق عليها، أو إن أصدقها رجع عليها.
أو تشترط المرأة على الرجل ألا يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قَسمْ صاحبتها أو أكثر، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً.
_________
(1) رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) وسعيد بن منصور عن عقبة بن عامر (نيل الأوطار: 142/ 6).
(2) رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن عوف المزني (سبل السلام: 59/ 3).

(9/6545)


فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح.
ومن هذا النوع: إن شرطت عليه أن يطلق ضرتها، لم يصح الشرط، لنهي الشرع عنه، لما روى أبو هريرة قال: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها» (1) وفي لفظ: «لا تسأل المرأة لتنكح» أو «لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها، فإنما رزقها على الله» والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه وحق امرأته، فلم يصح، كما لو اشترطت عليه فسخ بيعه.

النوع الثالث ـ ما يبطل الزواج من أصله: مثل اشتراط تأقيت الزواج، وهو نكاح المتعة، أو أن يطلقها في وقت بعينه، أو يعلقه على الشرط، مثل أن يقول الولي: زوجتك إن رضيت أمها، أو فلان، أويشترط الخيار في الزواج لهما أو لأحدهما.
هذه شروط باطلة في نفسها، ويبطل بها الزواج، ومنها أن يجعل صداقها تزويج امرأة أخرى، وهو نكاح الشغار. أما إن شرط الخيار في الصداق خاصة، فلا يفسد الزواج؛ لأن الزواج ينفرد عن ذكر الصداق.
والخلاصة: أن الفقهاء اتفقوا على صحة الشروط التي تلائم مقتضى العقد، وعلى بطلان الشروط التي تنافي المقصود من الزواج أو تخالف أحكام الشريعة. واتفق الحنفية والمالكية والحنابلة على صحة الشروط التي يكون فيهاتحقيق وصف مرغوب فيه، أو خلو المرأة من عيب لا يثبت الخيار في فسخ الزواج. واختلفوا في الشروط التي لا تكون من مقتضى العقد، ولكنها لا تنافي حكماً من أحكام
_________
(1) متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 142/ 6).

(9/6546)


الزواج، وفيها منفعة لأحد العاقدين، كاشتراط ألا يتزوج عليها أو ألا يسافر بها، أو ألا يخرجها من دارها أو بلدها ونحوها:
فالحنابلة يقولون: إنها شروط صحيحة يلزم الوفاء بها.
والحنفية يقولون: إنها شروط ملغاة، والعقد صحيح.
والمالكية يقولون: إنها شروط مكروهة لا يلزم الوفاء بها، بل يستحب فقط.
والشافعية يقولون: إنها شروط باطلة، ويصح الزواج بدونها.
ورأي الحنابلة هو الراجح لدي، للأدلة السابقة التي ذكروها، لذا أخذ به القانون السوري.
وأما تأثير الشرط الفاسد على العقد: فعند الحنفية: الشرط الفاسد لا يفسد العقد، وإنما يلغى الشرط وحده، ويصح العقد. والحنابلة يوافقون الحنفية فيما ذكر إلا في بعض الشروط فإنها تبطل العقد، منها توقيت العقد، واشتراط طلاق المرأة في وقت معين، واشتراط الخيار في فسخ الزواج في مدة معينة. وهذا هو النوع الثالث عندهم. وأما عند الشافعية: فإن الشرط الفاسد يفسد العقد إذا أخل بمقصود الزواج الأصلي، وإلا فسد الشرط وحده. لكن قال المالكية: يجب فسخ العقد ما دام الرجل لم يدخل بالمرأة، فإن دخل بها مضى العقد وألغي الشرط، وبطل المسمى، ووجب للمرأة مهر المثل.

موقف القانون من شروط الانعقاد:
نص القانون السوري (م 1/ 11) على أربعة شروط لانعقاد الزواج هي:
1 - أن يتفق الإيجاب والقبول من كل وجه.
2 - أن يتحد مجلس الإيجاب والقبول.

(9/6547)


3 - أن يسمع كل من المتعاقدين كلام الآخر ويفهمه، وقد ذكر في شروط العاقدين.
4 - ألا يوجد من أحد الطرفين قبل القبول ما يبطل الإيجاب، بأن يرجع الموجب عن إيجابه قبل أن يقبل الطرف الآخر.
ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه: يبطل الإيجاب قبل القبول بزوال أهلية الموجب، وبكل ما يفيد الإعراض من أحد الطرفين.
وهناك شرطان آخران للانعقاد، ذكر أحدهما في الأهلية، وذكر الآخر ضمناً في أنواع الزواج، وهما:
1 - أن يكون كل من العاقدين ممن تحققت فيه الأهلية الكاملة لعقد الزواج، وذلك بالعقل والبلوغ، فلا يصح عقد الزواج من مجنون، ولا صبي غير بالغ، وعدم صحة زواج المجنون متفق عليه بين الفقهاء، وأما غير البالغ فقد أخذ فيه القانون برأي ابن شبرمة وعثمان البتّي.
2 - أن يكون الزوج مسلماً بالنسبة إلى المسلمة: فلا ينعقد زواج المسلمة بغير المسلم، بل هو عقد باطل، ولا يترتب عليه أي أثر.

موقف القانون من شروط الزواج غير شروط الانعقاد:
نص قانون الأحوال الشخصية السوري (م 14) على شروط الزوج مراعياً فيها ما اتفق عليه الفقهاء، ومذهب الحنابلة بصفة خاصة، فقسم الشروط ثلاثة أقسام:
1 - شروط صحيحة يلزم الوفاء بها: وهي التي يكون فيها مصلحة مشروعة

(9/6548)


للزوجة، ولا تمس حقوق غيرها، ولا تقيد حرية الزوج في عمله الخاص المشروع، مثل ألا يسافر بها أو ألا ينقلها من بلدها أو دارها. ويحق للزوجة فسخ الزواج إن لم ينفذ الشرط، وهذا مأخوذ من مذهب الحنابلة.
2 - شروط صحيحة لا يلزم الزوج تنفيذها قضاء، وهي ما يأتي من الحالات:
أـ أن تشترط الزوجة ما يقيد حرية الزوج في عمله الخاص المشروع، كشرط ألا يسافر أو ألا يتوظف أو ألا يتزوج عليها.
ب ـ أن تشترط ما يمس حقوق غيرها: كاشتراطها أن يطلق زوجته الأخرى.
الشرط في هاتين الحالتين صحيح، لكن لا يلزم الزوج الوفاء به، فإن لم يف، كان للزوجة طلب فسخ الزواج. وهذا موافق لمذهب الحنابلة إلا في اشتراط تطليق الضرة، فالعقد صحيح والشرط باطل.
3 - شروط باطلة لا يحق الوفاء بها، ويكون العقد معها صحيحاً: وهي أن يقيد الزواج بقيد ينافي في نظامه الشرعي، كاشتراط عدم المهر، أو إنفاق الزوجة على الزوج، أو ينافي مقاصده الشرعية، كاشتراط عدم الاستمتاع الزوجي، أو يكون الشرط محظوراً شرعاً، كاشتراط أن تسافر المرأة وحدها. وهذا موافق للمذاهب بالاتفاق.

(9/6549)


شروط صحة الزواج:
يشترط لصحة الزواج عشرة شروط، بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه (1).
الأول ـ المحلية الفرعية، والثاني ـ التأبيد في صيغة العقد، والثالث ـ الشهادة، والرابع ـ الرضا والاختيار، والخامس ـ تعيين الزوجين، والسادس ـ عدم الإحرام بالحج أو العمرة، والسابع ـ أن يكون بصداق، والثامن ـ عدم التواطؤ على الكتمان، والتاسع ـ ألا يكون أحد الزوجين أو كلاهما في مرض مخوف، والعاشر ـ الولي.

الشرط الأول ـ المحلية الفرعية: ألا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤقتاً، أو تحريماً فيه شبهة، أو خلاف بين الفقهاء، كتزويج المعتدة من طلاق بائن، وتزوج أخت المطلقة التي لا تزال في العدة، والجمع بين اثنتين كلتاهما محرم للأخرى، كتزوج العمة على ابنة أخيها، والخالة على ابنة أختها، فإذا لم تتحقق هذه المحلية الفرعية كان العقد فاسداً عند الحنفية.
أما المحلية الأصلية: وهي ألا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤبداً، كالأخت والبنت والعمة والخالة، فهي شرط لانعقاد الزواج، فإذا لم تتحقق هذه المحلية، كان العقد باطلاً بالاتفاق، ولا يترتب عليه أي أثر من آثار الزواج.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 373/ 2 - 379، 835، البدائع: 351/ 2 - 357، 363 وما بعدها، 385 وما بعدها، تبيين الحقائق: 98/ 2 وما بعدها، الشرح الكبير: 236/ 2 - 240، الشرح الصغير: 335/ 2 - 340، 372 - 382، شرح الرسالة:26/ 2، مغني المحتاج: 144/ 3 - 147، المهذب: 40/ 2، المغني: 450/ 6 - 453، كشاف القناع: 41/ 5 - 74، القوانين الفقهية: ص 197 - 200.

(9/6550)


وعلى هذا إذا كان التحريم قطعياً، كان سبباً من أسباب البطلان، وإذا كان التحريم ظنياً، كان سبباً من أسباب الفساد عند الحنفية.
الزواج في حال انعدام المحلية الفرعية فاسد، يترتب عليه بالدخول بعض الآثار، لكن يحرم الدخول بالمرأة في حال فساد العقد، ويجب فيه التفريق بين الرجل والمرأة جبراً إن لم يتفرقا اختياراً.
وإذا حصل دخول بعد هذا الزواج الفاسد بالرغم من تحريمه وكونه معصية، ووجوب التفريق، فتترتب عليه بعض الآثار، فيجب فيه للمرأة أقل الأمرين من المهر المسمى ومهر المثل، وتجب عليها العدة، ويثبت به نسب الولد إن حدث حمل، ولكن لا يثبت به حق التوارث بين الزوجين.

الشرط الثاني ـ أن تكون صيغة الإيجاب والقبول مؤبدة غير مؤقتة: فإن أقِّت الزواج بمدة بطل، بأن يكون بصيغة التمتع مثل: تمتعت بك إلى شهر كذا، فتقول: قبلت، أو بالتأقيت إلى مدة معلومة أو مجهولة، مثل: تزوجتك إلى شهر أو سنة كذا، أو مدة إقامتي في هذا البلد. والنوع الأول يعرف ب نكاح المتعة، والثاني يعرف بال نكاح المؤقت.
لكن قال المالكية: نكاح المتعة أوالنكاح لأجل سواء عين الأجل أم لا، يعاقب فيه الزوجان، ولا يحدان على المذهب، ويفسخ بلا طلاق، والمضرّ بيان ذلك في العقد للمرأة أو وليها، وأما لو أضمر الزوج في نفسه أن يتزوجها ما دام في هذه البلدة أو مدة سنة ثم يفارقها، فلا يضر، ولو فهمت المرأة من حاله ذلك (1).
وقال الحنفية أيضاً: من تزوج امرأة بنية أن يطلقها إذا مضى سنة لا يكون متعة (2).والمعتمد عند الحنابلة خلافاً لابن قدامة: أن نية الطلاق بعد مدة تبطل العقد كالتصريح بذلك.
_________
(1) الشرح الصغير: 387/ 2.
(2) شرح المجلة للأتاسي: 415/ 2.

(9/6551)


اتفقت المذاهب الأربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل، وكونه باطلاً عند الحنفية بالرغم من أن هذا الشرط من شروط الصحة؛ لأنه منصوص على حكمه في السنة، إلا أن الإمام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحاً وشرط التأقيت فاسداً أو باطلاً، أي لا عبرة بالتأقيت ويكون الزواج صحيحاً مؤبداً؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ.
وقال الشيعة الإمامية (1): يجوز زواج المتعة أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة أو الكتابية، ويكره بالزانية، بشرط ذكر المهر، وتحديد الأجل أي المدة، وينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة: وهي زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك. ولا يشترط الشهود ولا الولي لهذا العقد. وأحكامه هي:
1 - الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد، وذكر المهر من دون الأجل يقلبه دائماً.
2 - لا حكم للشروط قبل العقد، ويلزم لو ذكرت فيه.
3 - يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهاراً وألا يطأها في الفرج، والعزل من دون إذنها، ويلحق الولد بالأب وإن عزل، لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان.
4 - لا يقع بالمتعة طلاق بإجماع الشيعة، ولا لعان على الأظهر، ويقع الظهار على تردد.
5 - لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين، وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير خلاف.
_________
(1) المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 205 - 207، الروضة البهية: 103/ 2 وما بعدها.

(9/6552)


6 - إذا انقضى الأجل المتفق عليه، فالعدة حيضتان على الأشهر. وعدة غير الحائض خمسة وأربعون يوماً، وعدة الوفاة لو مات عنها في أشبه الروايتين أربعة أشهر وعشرة أيام.
7 - لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.

الأدلة:
أدلة الإمامية: استدل الإمامية على مشروعية النكاح المنقطع أو المتعة بما يلي:
1ً - بقول الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء:24/ 4] فإنه عبر بالاستمتاع دون الزواج، وبالأجور دون المهور، مما يدل على جواز المتعة، فالاستمتاع والتمتع بمعنى واحد، وإيتاء الأجر بعد الاستمتاع يكون في عقد الإجارة، والمتعة هو عقد الإجارة على منفعة البضع. أما المهر فإنه يجب بنفس عقد النكاح قبل الاستمتاع.
2ً - ثبت في السنة جواز المتعة في بعض الغزوات منها عام أوطاس، وفي عمرة القضاء، وفي خيبر، وعام الفتح، وفي تبوك (1)، قال ابن مسعود: «كنا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (أي ابن مسعود): {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة:87/ 5] (2)، الآية.
_________
(1) نيل الأوطار: 136/ 6 - 137.
(2) رواه البخاري ومسلم وأحمد (نيل الأوطار: 133/ 6).

(9/6553)


وفي صحيح مسلم عن جابر: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... وأبي بكر، حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث» (1).
وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف، منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر، وجابر وابن مسعود ومعاوية وعمرو بن حريث، وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف) ومنهم بعض التابعين (طاوس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج).
وأجاز المتعة الإمام المهدي، وحكاه عن الباقر والصادق والإمامية (2). وأما الشيعة الزيدية فيقولون كالجمهور بتحريم نكاح المتعة، ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله (3).

وأجيب عن هذه الأدلة بما يأتي (4):
1 - إن المراد بالاستمتاع في آية {فما استمتعتم} [النساء:24/ 4]: النكاح؛ لأنه هو المذكور في أول الآية وآخرها، حيث بدئت بقول تعالى: {ولا تنكحوا مانكح آباؤكم} [النساء:22/ 4] وختمت بقوله سبحانه: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء:25/ 4] فدل على أن المراد بالاستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح، وليس المراد به المتعة المحرمة شرعاً.
وأما التعبير بالأجر: فإن المهر في النكاح يسمى في اللغة أجراً، لقوله تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن، وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء:25/ 4] أي
_________
(1) نصب الراية: 181/ 3.
(2) نيل الأوطار: 135/ 6 وما بعدها.
(3) البحر الزخار: 22/ 3.
(4) الأحوال الشخصية للدكتور مصطفى السباعي: 83/ 1 وما بعدها.

(9/6554)


مهورهن، وقوله سبحانه: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} [الأحزاب:50/ 33] أي مهورهن.
وأما الأمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع، والمهر يؤخذ قبل الاستمتاع، فهذا على طريقة في اللغة من تقديم وتأخير، والتقدير: فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن، أي إذا أردتم الاستمتاع بهن، مثل قوله تعالى: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن} [الطلاق:1/ 65] أي إذا أردتم الطلاق، ومثل {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة:6/ 5] أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
2 - وأما الإذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات، فكان للضرورة القاهرة في الحرب، وبسبب العُزْبة في حال السفر، ثم حرمها الرسول صلّى الله عليه وسلم تحريماً أبدياً إلى يوم القيامة، بدليل الأحاديث الكثيرة، منها:
أـ «يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً» (1).
ب ـ قال سلمة بن الأكوع: «رخص لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها» (2).
جـ ـ قال سَبْرة بن معبد: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة» (3).
_________
(1) رواه مسلم وأحمد عن سَبْرة بن معبد الجهني.
(2) رواه مسلم وأحمد.
(3) رواه أحمد وأبو داود.

(9/6555)


د ـ عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحُمر الأهلية زمن خيبر (1).
وأما ابن عباس: فكان يجيز المتعة للمضطر فقط، روى عنه سعيد بن جبير أنه قال: سبحان الله، ما بهذا أفتيت، وإنما هي كالميتة لا تحل إلا للمضطر. وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عاماً للمضطر وغيره، وللمقيم والمسافر.
ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة، مما يجعل رأيه شاذاً تفرد به، فقد أنكر عليه علي رضي الله عنه قائلاً له: إنك امرؤ تائه (2)؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحُمر الإنسية، وأنكر عليه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، روى مسلم عنه أنه قام بمكة فقال: «إن إناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرِّض برجل هو عبد الله بن العباس ـ فناداه ابن عباس، فقال له: إنك لجِلْف (3) جاف، فلعمري، لقد كانت المتعة تفعل في عهد أمير المتقين ـ أي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ـ فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لو فعلتها لأرجمنك بأحجارك».
ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله، روى الترمذي عنه أنه قال: «إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر مايرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت هذه الآية: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون:
_________
(1) رواه أحمد والشيخان (راجع نيل الأوطار: 134/ 6، نصب الراية: 177/ 3، في كل هذه الأحاديث).
(2) أي حائر حائد عن الطريق المستقيم.
(3) الجلف: الغليظ الطبع القليل الفهم.

(9/6556)


6/ 23]، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام».
وروى البيهقي أيضاً وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس (1).
والقول برجوعه هو الأصح لدى كثير من العلماء، ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد، ومن المستبعد أن يخالفهم، روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد الله قال: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جاءت نسوة، فذكرنا تمتعنا، وهن تطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنظر إليهن، وقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يارسول الله، نسوة تمتعنا منهن، قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى احمرَّت وجنتاه، وتمعَّر وجهه، وقام فينا خطيباً، فحمد لله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد، ولا نعود لها أبداً، فبها سميت يومئذ: ثنية الوداع» (2).
وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة: اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة، بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشرة حديثاً أنه لا بأس بها (3).
كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة، ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل الناسخ. فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه، أو يقال: إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها، ثم ورد النص القاطع بالتحريم.
_________
(1) نيل الأوطار: 135/ 6.
(2) نصب الراية: 179/ 3.
(3) نيل الأوطار: 136/ 6.

(9/6557)


أدلة الجمهور:
استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول:
1ً - أما القرآن: فقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم، أو ماملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون:5/ 23 - 6] هذه الآىة حرمت الاستمتاع بالنساء إلا من طريقين: الزواج وملك اليمين، وليست المتعة زواجاً صحيحاً، ولا ملك يمين، فتكون محرمة، ودليل أنها ليست زواجاً أنها ترتفع من غير طلاق، ولا نفقة فيها، ولا يثبت بها التوارث.
2ً - وأما السنة: فالأحاديث الكثيرة السابقة المتفق عليها التي ذكرتها عن علي وسَبْرة الجهني وسلمة بن الأكوع وغيرهم رضي الله عنهم، والمتضمنة النهي الصريح عن نكاح المتعة عام خيبر، وبعد فتح مكة بخمسة عشر يوماً، وفي حجة الوداع.
3ً - وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة إلا الإمامية على الامتناع عن زواج المتعة، ولو كان جائراً لأفتوا به. قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها، إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها، إلا الروافض (1).
4ً - أما المعقول: فإن الزواج إنما شرع مؤبداً لأغراض ومقاصد اجتماعية، مثل سكن النفس وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة، وليس في المتعة إلا قضاء الشهوة بنحو مؤقت، فهو كالزنا تماماً، فلا معنى لتحريمه مع إباحة المتعة.
_________
(1) نيل الأوطار: 136/ 6.

(9/6558)


وبه يتبين رجحان أدلة الجمهور والقول بتحريم المتعة وبطلان زواجها وبطلان الزواج المؤقت، وهذا ما يتقبله المنطق وروح الشريعة، ولا يمكن لأي إنسان متجرد محايد إلا إنكار المتعة والامتنا ع عنها نهائياً.

الشرط الثالث ـ الشهادة:
الكلام عن هذا الشرط في أربعة مواضع: آراء الفقهاء في اشتراط الشهادة على الزواج، وقت الشهادة، حكمتها، شروط الشهود.

أولاً ـ آراء الفقهاء في اشتراط الشهادة: اتفقت المذاهب الأربعة (1) على أن الشهادة شرط في صحة الزواج، فلا يصح بلا شهادة اثنين غير الولي، لقوله صلّى الله عليه وسلم فيما روته عائشة: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (2) وروى الدارقطني حديثاً عن عائشة أيضاً: «لا بد في النكاح من أربعة: الولي، والزوج، والشاهدين» وروى الترمذي عن ابن عباس من قوله عليه الصلاة والسلام: «البغايا: اللاتي يَنْكحن أنفسهن بغير بينة» (3).
ولأن في الشهادة حفاظاً على حقوق الزوجة والولد، لئلا يجحده أبوه، فيضيع نسبه، وفيها درء التهمة عن الزوجين، وبيان خطورة الزواج وأهميته.

نكاح السر: تأكيداً لشرط الشهادة قال المالكية (4): يفسخ نكاح السر (وهو
_________
(1) هذا هو المعتمد في مذهب المالكية، بخلاف ما تنقله بعض الكتب القديمة والحديثة من أنه لا يشترط الإشهاد عند مالك، بل يكفي الإعلان ولو بالدف. وهذا هو المشهور عن أحمد أنه لا ينعقد النكاح إلا بشاهدين.
(2) رواه الدارقطني وابن حبان في صحيحه.
(3) لم يرفعه غير عبد الأعلى وهو ثقة (نيل الأوطار: 125/ 6).
(4) الشرح الكبير مع الدسوقي: 236/ 2، الشرح الصغير: 336/ 2 وما بعدها.

(9/6559)


الذي يوصي فيه الزوج الشهود بكتمه عن امرأته، أو عن جماعة ولو أهل منزل) بطلقة بائنة إن دخل الزوجان، كما يتعين فسخ النكاح بدخول الزوجين بلا إشهاد، ويحدان معاً حد الزنا جلداً أو رجماً إن حدث وطء وأقرَّا به، أو ثبت الوطء بأربعة شهود كالزنا، ولا يعذران بجهل.
ولكن لا يجب الحد عليهما إن فشا النكاح وظهر بنحو ضرب دُفّ أو وليمة، أو بشاهد واحد غير الولي، أو بشاهدين فاسقين ونحو ذلك للشبهة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات» (1).
وقال الحنابلة: لا يبطل العقد بتواص بكتمانه، فلو كتمه ولي وشهود وزوجان، صح وكره (2).
وهناك قول شاذ لابن أبي ليلى وأبي ثور وأبي بكر الأصم: لا تشترط الشهادة في الزواج ولا تلزم؛ لأن الآيات الواردة في شأن الزواج لا تشترط الإشهاد، مثل {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء:3/ 4] {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور:32/ 24] فيعمل بها على إطلاقها، والأحاديث الواردة لا تصلح مقيدة.
وهذا هو مذهب الشيعة الإمامية (3)، فإنهم قالوا: يستحب الإعلان والإظهار في النكاح الدائم والإشهاد، وليس الإشهاد شرطاً في صحة العقد عند علمائنا أجمع.
_________
(1) رواه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس، ورواه أبو مسلم الكجي وابن السمعاني عن عمر بن عبد العزيز مرسلاً، ورواه مسدد في مسنده عن ابن مسعود موقوفاً (الجامع الصغير) ..
(2) غاية المنتهى: 27/ 3.
(3) المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 194.

(9/6560)


وهذا القول باطل لا يعول عليه؛ لأن أحاديث الإشهاد على الزواج مشهورة، فيصح أن يقيد بها مطلق الكتاب.

ثانياً ـ وقت الشهادة:
يرى الجمهور غير المالكية: أن الشهادة تلزم حين إجراء العقد، ليسمع الشهود الإيجاب والقبول عند صدورهما من المتعاقدين. فإن تم العقد بدون الشهادة وقع فاسداً، للحديث السابق: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» وظاهره عند النكاح، وبه تتحقق حكمة الشهادة، ولأن الشهادة ـ كما قال الحنفية ـ شرط ركن العقد، فيشترط وجودها عند الركن.
ويرى المالكية: أن الشهادة شرط لصحة الزواج، سواء أكانت عند إبرام العقد، أم بعد العقد وقبل الدخول، ويستحب فقط كونها عند العقد، فإن لم تصح الشهادة وقت العقد أو قبل الدخول، كان العقد فاسداً، والدخول بالمرأة معصية، ويتعين فسخه كما بينت، فالشهادة عندهم شرط في جواز الدخول بالمرأة، لا في صحة العقد، وهذا محل الخلاف بين المالكية وغيرهم.

ثالثاً ـ حكمة الإشهاد:
الحكمة من اشتراط الإشهاد على الزواج بيان خطورته وأهميته، وإظهار أمره بين الناس لدفع الظِّنة والتهمة عن الزوجين.
ولأن بالشهادة على الزواج التمييز بين الحلال والحرام، فشأن الحلال الإظهار، وشأن الحرام التستر عليه عادة. ويتحقق بالشهادة التوثق لأمر الزواج والاحتياط لإثباته عند الحاجة إليه.

(9/6561)


لهذا كله ندب الشرع إلى إعلان النكاح والدعوة إلى وليمته، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح» «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغِربال» أي الدُّف، «أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، فإذا خطب أحدكم امرأة وقد خَضِب بالسواد، فليُعْلمها لا يَغرُّها» (1).

رابعاً ـ شروط الشهود: ينبغي توافر أوصاف معينة في الشهود وهي أولاً ـ أن يكونوا أهلاً لتحمل الشهادة وذلك بالبلوغ والعقل، وثانياً ـ أن يتحقق بحضورهم معنى الإعلان، وثالثاً ـ أن يكونوا أهلاً لتكريم الزواج بحضورهم.
أما الأهلية: فتشترط في الشهود على الزواج بالاتفاق الأهلية الكاملة، وسماع كلام العاقدين وفهم المراد منهم، وتكون شروط الشهود هي ما يأتي:
1ً - العقل: فلا تصح شهادة المجنون على عقد الزواج، إذ لا تتحقق الغاية من الشهادة وهي الإعلان وإثبات الزواج في المستقبل عند الجحود والإنكار.
2ً - البلوغ: فلا تصح شهادة الصبي ولو كان مميزاً، لأنه لا يتحقق بحضور الصبيان الإعلان والتكريم، ولا يتناسب حضورهم مع خطورة الزواج.
وهذان الشرطان متفق عليهما بين الفقهاء، ويمكن جمعهما بشرط واحد وهو كون الشاهدين مكلفين، واختلفوا في شروط أخرى بحسب المقصود من الشهادة، أهو الإعلان فقط كما قال الحنفية، أم صيانة العقد من الجحود والإنكار كما قال الشافعية.
_________
(1) الحديث الأول رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير، والثاني أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة، وفي رواته ضعيف، والثالث أخرجه الترمذي أيضاً من حديث عائشة، وقال: حسن غريب. قال الصنعاني: الأحاديث في إعلان النكاح واسعة وإن كان في كل منها مقال، إلا أنها يعضد بعضها بعضاً (سبل السلام: 116/ 3 ومابعدها).

(9/6562)


3ً - التعدد: شرط باتفاق الفقهاء، فلا ينعقد النكاح بشاهد واحد، للحديث السابق: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».
وذكر الحنفية (1): أن من أمر رجلاً بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بشهادة رجل واحد سواهما، جاز النكاح؛ لأن الأب يجعل مباشراً للعقد لاتحاد المجلس، ويكون الوكيل سفيراً ومعبراً، فيبقى المزوج شاهداً.
وإن كان الأب غائباً لم يجز الزواج؛ لأن المجلس مختلف، فلا يمكن أن يجعل الأب مباشراً.
وإذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد: إن كانت حاضرة جاز، وإن كانت غائبة لم يجز.
4ً - الذكورة: شرط عند الجمهور غير الحنفية، بأن يكون الشاهدان رجلين، فلا يصح الزواج بشهادة النساء وحدهن ولا بشهادة رجل وامرأتين، لخطورة الزواج وأهميته، بخلاف الشهادة في الأموال والمعاملات المالية، قال الزهري: «مضت السنّة ألا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق» (2) ولأنه عقد ليس بمال، ولا يقصد منه المال، ويحضره الرجال في غالب الأحوال، فلا يثبت بشهادة النساء كالحدود.
وقال الحنفية: تجوز شهادة رجل وامرأتين في عقد الزواج، كالشهادة في الأموال؛ لأن المرأة أهل لتحمل الشهادة وأدائها، وإنما لم تقبل شهادتها في الحدود والقصاص فللشبهة فيها بسبب احتمال النسيان والغفلة وعدم التثبت، والحدود تدرأ بالشبهات.
_________
(1) فتح القدير: 356/ 2.
(2) رواه أبو عبيد في الأموال. والمقصود بالسنة: سنة النبي صلّى الله عليه وسلم.

(9/6563)


5ً - الحرية: شرط عند الجمهور غير الحنابلة، بأن يكون الشاهدان حرين، فلا يصح الزواج بشهادة عبدين، لخطورة عقد الزواج، ولأن العبد لا ولاية له على نفسه، ولا شهادة له لعدم الولاية، فلا تكون له ولاية على غيره، والشهادة من قبيل الولايات.
وقال الحنابلة: ينعقد الزواج بشهادة عبدين؛ لأن شهادة العبيد مقبولة عندهم في سائر الحقوق، ولم يثبت نفيها في كتاب أو سنة أو إجماع، قال أنس بن مالك: ما علمت أحداً رد شهادة العبد، والله يقبلها على الأمم يوم القيامة، فكيف لا تقبل هنا؟ وتقبل روايته في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم إذا كان عدلاً ثقة، فكيف لا تقبل فيما دون ذلك؟ والمعول عليه في الشهادة الثقة بخبر الشاهد، فإذا كان العبد ثقة عدلاً فتقبل شهادته.
6ً - العدالة ولو ظاهرة: أي الاستقامة واتباع تعاليم الدين، ولو في الظاهر بأن يكون مستور الحال غير مجاهر بالفسق والانحراف. وهي شرط عند الجمهور في أرجح الروايتين عن أحمد، وفي الصحيح عند الشافعية، فلا يصح الزواج بشهادة الفاسق، للحديث السابق: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ولأن الشهادة من باب الكرامة لتكريم الزواج وإظهار شأنه، والفاسق من أهل الإهانة فلا يكرم العقد به، وهذا هو الراجح.
وقال الحنفية: العدالة ليست بشرط في الشهود، فيصح العقد بشهادة العدول وغير العدول من الفساق؛ لأن هذه الشهادة تحمّل، فصحت من الفاسق كسائر التحملات، وهو من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة. وهذا رأي الشيعة

(9/6564)


الإمامية أيضاً؛ لأن الشهادة عندهم ليست شرطاً لصحة العقد، بل هي مندوب إليها (1).
7ً - الإسلام: شرط بالاتفاق، بأن يكون الشاهدان مسلمين يقيناً، ولا يكفي مستور الإسلام، واشتراطه إذا كان الزوجان مسلمين، واكتفى الحنفية بهذا الشرط إذا كانت الزوجة مسلمة. فإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عندهم؛ لأن شهادة الكتابي على مثله جائزة، ولا يصح عند غيرهم؛ لأن الزوج مسلم، ولا بد من معرفة الزواج في أوساط المسلمين.
والسبب في اشتراط إسلام الشهود في نكاح المسلمين: أن لهذا العقد خطورة واعتباراً دينياً، فلا بد من أن يشهده مسلم، لينشر خبره بين المسلمين.
وأما إن كان الزوجان غير مسلمين، فتقبل شهادة الكتابيين عند الحنفية.
8ً - البصر: شرط عند الشافعية في الأصح، فلا تقبل شهادة الأعمى؛ لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة كالسماع، وهو لا يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه.
وليس البصر بشرط عند الجمهور، فتصح شهادة الأعمى إذا سمع كلام العاقدين وميز صوتهما على وجه لا يشك فيهما؛ لأنه أهل للشهادة، وهذه شهادة على قول، فتصح كما تصح في المعاملات.
9ً - سماع الشهود كلام العاقدين وفهم المراد منه: شرط عند أكثر الفقهاء، فلا ينعقد بشهادة نائمين أو أصمين؛ لأن الغرض من الشهادة لا يتحقق بأمثالهما.
_________
(1) قالوا: لا يشترط حضور شاهدين ولا ولي إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الأصح، وإنما يستحب الإشهاد والإعلان والإظهار في النكاح الدائم (المختصر النافع: ص 194).

(9/6565)


كذلك لا يصح بشهادة السكران الذي لا يعي ما يسمع ولا يتذكره بعد الصحو.
ولا يصح أيضاً بشهادة غير عربي في عقد بالعربية إذا كان لا يعرف اللغة العربية؛ لأن القصد من الشهادة فهم كلام العاقدين، وأداء الشهادة عند اللزوم والاختلاف. وهذا هو المذهب الراجح عند الحنفية.
ولا يصح الزواج بشهادة الله ورسوله، بل قيل: إنه يكفر؛ لأنه اعتقد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عالم الغيب.
هذا ولا يشترط في الشهود أن يكونوا ممن لا ترد شهادتهم للزوجين في القضاء، فيصح الزواج بشهادة ابني الزوجين أوابني أحدهما إلا عند الحنابلة فلا يصح، وبشهادة عدويهما؛ لأن الولد والعدو من أهل الشهادة. ويصح بشهادة الحواشي والأعمام إذا كان الولي عند غير الحنفية غيرهم، فالولي عند الجمهور شرط كالشهود، والشهود غير الولي.
وقد وضع الحنفية ضابطاً لمن تقبل شهادته في الزواج ومن لا تقبل، فقالوا: كل من صلح أن يكون ولياً في الزواج بولاية نفسه (1)، صلح أن يكون شاهداً فيه.
وكما يشترط الإشهاد على صحة الزواج، يستحب أيضاً عند الجمهور غير الحنفية على رضا المرأة بالزواج، بأن قالت: رضيت أو أذنت فيه، حيث يعتبر رضاها بأن كانت غير مجبرة، وذلك احتياطاً ليؤمن إنكارها.

موقف القانون من الشهادة: أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري (م12)
_________
(1) هذا القيد لإخراج المكاتب، فإنه وإن ملك تزويج أمته، لكن لا بولاية نفسه، بل بما استفاده من المولى. قال ابن عابدين: وهذا يقتضي عدم انعقاده بالمحجور عليه، ولم أره.

(9/6566)


بمذهب الحنفية في الشهادة، فنص على أنه: «يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين، مسلمين عاقلين بالغين، سامعين الإيجاب والقبول، فاهمين المقصود بهما»، أي أن هذا في الزواج بين مسلمين، أما بين كتابيين فيصح بشهادة شاهدين من أهل الكتاب، ولو كانا مخالفين لدين الزوجة، كشهادة نصرانيين على الزواج بيهودية.

الشرط الرابع ـ الرضا والاختيار من العاقدين أو عدم الإكراه:
هو شرط عند الجمهور غير الحنفية، فلا يصح الزواج بغير رضا العاقدين، فإن أكره أحدهما على الزواج بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس المديد، كان العقد فاسداً، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1). وأخرج النسائي عن عائشة: «أن فتاة ـ هي الخنساء ابنة خِدَام الأنصارية ـ دخلت عليها، فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته (2)، وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته، فأرسل إلى أبيها، فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء» (3) والمراد بنفي الأمر عن الآباء نفي التزويج. فدل الحديثان على أن الرضا شرط لصحة الزواج، والإكراه يعدم الرضا، فلا يصح معه الزواج. وهذا هو الراجح؛ لأن التراضي أصل في العقود، والعقد للزوجين، فاعتبر تراضيهما به كالبيع.
وقال الحنفية: حقيقة الرضا ليس شرطاً لصحة النكاح، فيصح الزواج ومثله
_________
(1) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس.
(2) الخسيس: الدنيء، يقال: رفعت خسيسته: إذا فعلت به فعلاً يكون فيه رفعته.
(3) سبل السلام: 122/ 3 وما بعدها.

(9/6567)


الطلاق مع الإكراه والهزل؛ لأن المستكره قاصد عقد الزواج، لكنه غير راض بالحكم الذي يترتب عليه، فهو مثل الهازل، والهزل لا يمنع صحة الزواج، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «ثلاث جِدهن جد، وهَزْلهن جِد: النكاح، والطلاق، والرجعة» (1). لكن هذا القياس يصادم الثابت في السنة.

الشرط الخامس ـ تعيين الزوجين:
ذكر الشافعية والحنابلة هذا الشرط، فلا يصح العقد إلا على زوجين معينين؛ لأن المقصود في النكاح أعيانهما أو التعيين، فلم يصح بدون تعيينهما، فلو قال الولي: زوجتك ابنتي، لم يصح حتى يعينها بالاسم أو بالصفة أو بالإشارة، فإن سماها باسم يخصها، أو وصفها بما تتميز به عن غيرها، بأن تكون الصفة لا يشركها فيها غيرها من أخواتها، كبنتي الكبرى أو الصغرى أو الوسطى أو البيضاء ونحوه، أوأشار إليها بأن قال: هذه، صح العقد، ولو سماها الولي في حال الإشارة، بغير اسمها، أو لم يكن له إلا بنت واحدة صح أيضاً؛ لأن مع التعيين بالإشارة لا حكم للاسم، فلو قال: زوجتك بنتي فاطمة هذه، وأشار إلى خديجة، فيصح العقد على خديجة؛ لأن الإشارة أقوى. وفي حال انفرادها عنده لا جهالة؛ لأن عدم التعيين إنما جاء من التعدد، ولا تعدد هنا. فإن حدث خطأ في الإيجاب والقبول بأن نوى الولي البنت الكبيرة، ونوى الزوج البنت الصغيرة، لم يصح العقد، كما تقدم؛ لأن الإيجاب في امرأة، والقبول في أخرى.
_________
(1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه (كشف الخفا: 389/ 1).

(9/6568)


الشرط السادس ـ عدم الإحرام بالحج أو العمرة من أحد الزوجين أو الولي:
هو شرط عند الجمهور غير الحنفية، فلا يصح الزواج إذا كان أحد العاقدين محرماً بحج أو عمرة، ولايجوز نكاح المحرم ولا إنكاحه لقوله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه عثمان: «لايَنْكح المُحْرِم،
ولايُنْكح» (1) وفي رواية لمسلم: «ولا يخطُب» أي لنفسه أو لغيره. فهذا نهي صريح للمحرم بحج أو عمرة أن يتزوج أو يزوج غيره، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، ولأن الإحرام انقطاع للعبادة، والزواج سبيل إلى المتعة، فيتنافى مع الإحرام، فيمنع أثناءه.
وأضاف المالكية أنه يفسخ وإن دخل الزوج وولدت، وفسخه بغير طلاق.
وقال الحنفية: ليس هذا شرطاً لصحة الزواج، فيصح مع الإحرام، سواء أكان المحرم هو الزوج أم الزوجة أم الولي، أي يجوز نكاح المحرم وإنكاحه، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس تزوج ميمونة بنت الحارث، وهو محرم (2).
والحق رجحان الرأي الأول، لورود رواية أخرى من طرق شتى عن ميمونة نفسها: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال» (3) فإذا تعارض الخبران رجحت رواية الكثرة، فيكون الوهم إلى الواحد أقرب منه إلى الجماعة، وحديث عثمان صحيح في منع المحرم، فهو المعتمد. وقد تؤول حديث ابن عباس بأن معنى (وهو محرم) أي داخل في الحرم، أو في الأشهر الحرم (4).
_________
(1) رواه مسلم عن عثمان رضي الله عنه.
(2) متفق عليه عن ابن عباس.
(3) رواه مسلم عن ميمونة نفسها (انظر سبل السلام: 124/ 3) في الأحاديث الثلاثة.
(4) سبل السلام: 14/ 3، وقد جزم بهذا التأويل ابن حبان في صحيحه، لكن قيل عنه: هو تأويل بعيد لا تساعد عليه ألفاظ الحديث.

(9/6569)


الشرط السابع ـ أن يكون الزواج بصداق:
هذا الشرط والشرطان الآتيان بعده مما اشترطه المالكية، وهو أن يكون الزواج بصداق (مهر)، فإن لم يذكر حال العقد، فلا بد من ذكره عند الدخول، أو يتقرر صداق المثل بالدخول.

الشرط عندهم وجود الصداق، فلا يصح الزواج بدونه، لكن لا يشترط ذكره عند العقد، بل يستحب فقط، لما فيه من اطمئنان النفس، ودفع توهم الاختلاف في المستقبل. فإن لم يذكر المهر حين العقد صح الزواج، ويسمى الزواج حينئذ زواج التفويض.
زواج التفويض: هو عقد بلا ذكر ـ أي تسمية ـ مهر ولا إسقاطه (1)، وهو جائز عند المالكية، أما لو تزوج رجل امرأة، وتراضيا على الزواج بدون مهر، أو اشترطا عدم المهر أو سميا شيئاً لا يصلح مهراً كالخمر والخنزير، فلا يصح الزواج، ويجب فسخه قبل الدخول، وإن دخل الرجل بالمرأة ثبت العقد، ووجب للزوجة مهر المثل (2)، أي إن حدث الدخول على إسقاط المهر، فليس من التفويض، بل هو نكاح فاسد.
وقال الجمهور (3): لا يفسد العقد بالزواج بدون مهر، أو باشتراط عدم المهر، أو بتسمية شيء لا يصلح مهراً؛ لأن المهر ليس ركناً في العقد ولا شرطاً له، بل هو حكم من أحكامه، فالخلل فيه لا تأثير له على العقد. وهذا هو الراجح، إذ
_________
(1) قال المالكية: جاز بلا خلاف نكاح التفويض، ونكاح التحكيم.
(2) الشرح الكبير: 313/ 2، القوانين الفقهية: ص 203، الشرح الصغير: 449/ 2.
(3) مغني المحتاج: 229/ 3، المهذب: 60/ 2، المغني: 716/ 6، كشاف القناع: 174/ 5، فتح القدير: 434/ 3، رد المحتار لابن عابدين: 461/ 2.

(9/6570)


لو كان المهر شرطاً في العقد لوجب ذكره حين العقد، وهو لا يجب أن يذكر حين العقد لكن يجب مهر المثل.
لهذا كان زواج التفويض (وهوإخلاء النكاح عن المهر) صحيحاً بالاتفاق (1).

الشرط الثامن ـ عدم تواطؤ الزوج مع الشهود على كتمان الزواج:
هو شرط أيضاً عند المالكية، فإذا حدث التواطؤ بين الزوج والشهود على كتمان الزواج عن الناس أو عن جماعة، بطل الزواج. وهذا ما يعرف ـ كما تقدم ـ بنكاح السر: وهو ما أوصى فيه الزوج الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة، وأهل منزل، أو زوجة قديمة، إذا لم يكن الكتم خوفاً من ظالم أو نحوه. وحكمه: أنه يجب فسخه إلا إذا دخل بالمرأة.
فإن كان الإيصاء للشهود بالكتمان من الولي فقط، أو الزوجة فقط، دون الزوج، أو اتفق الزوجان والولي على الكتم دون إيصاء الشهود، أو أوصى الزوج الولي والزوجة معاً، أو أحدهما على الكتم، لم يضر، ولم يبطل العقد (2).
وقال الجمهور: ليس هذا شرطاً لصحة العقد، فلو اتفق الزوج مع الشهود على كتمان الزواج عن كل الناس أو عن بعضهم، لم يفسد العقد؛ لأن إعلان الزواج يتحقق بمجرد حضور الشاهدين.

الشرط التاسع ـ ألا يكون أحد الزوجين مريضاً مرضاً مخوفاً: هو شرط أيضاً عند المالكية، فلا يصح نكاح المريض والمريضة المخوف
_________
(1) مغني المحتاج: 229/ 3، المهذب: 60/ 2، المغني: 716/ 6، كشاف القناع: 174/ 5، فتح القدير: 434/ 3، رد المحتار لابن عابدين: 461/ 2.
(2) الشرح الكبير مع الدسوقي: 236/ 2 - 237.

(9/6571)


عليهما، على المشهور، والمرض المخوف: هو ما يتوقع منه الموت عادة، ويفسخ الزواج إن وقع ولو بعد الدخول، إلا إن صح المريض قبل الفسخ، فإن لم يدخل الزوج فليس للمرأة صداق، وإن دخل فلها الصداق المسمى. ولو مات أحدهما قبل الفسخ ولو بعد الدخول لا يرثه الآخر؛ لأن سبب فساده إدخال وارث في التركة لم يكن موجوداً قبل المرض. لكن إن مات الزوج قبل فسخ الزواج بعد الدخول، فللزوجة الأقل من ثلث التركة ومن المسمى ومن مهر المثل؛ لأن الزواج في المرض
المخوف تبرع، وتبرع المريض مرض الموت لا ينفذ إلا من الثلث (1).

الشرط العاشر ـ حضور الولي:
هو شرط عند الجمهور غير الحنفية، فلا يصح الزواج إلا بولي، لقوله تعالى: {فلا تعضُلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة:232/ 2] قال الشافعي: هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى. ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» (2) وهو لنفي الحقيقة الشرعية، بدليل حديث عائشة: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» (3).
ولا يصح حمل الحديث الأول على نفي الكمال؛ لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية، أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي.
_________
(1) الشرح الكبير: 240/ 2، الشرح الصغير: 382/ 3.
(2) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن أبي موسى الأشعري، وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان وأعله بإرساله (سبل السلام: 117/ 3).
(3) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه الترمذي وأبو عوانة، وابن حبان والحاكم، وابن معين وغيره من الحفاظ (سبل السلام: 127/ 3 وما بعدها).

(9/6572)


ولا يفهم من الحديث الثاني صحة الزواج بإذن الولي؛ لأنه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له؛ لأن الغالب أن المرأة إنما تزوج نفسها بغير إذن وليها.
ويؤكده حديث ثالث: «لا تزوج المرأة ُ المرأة َ، ولا تزوج المرأة نفسها» (1) فإنه يدل على أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجاباً ولا قبولاً، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيرها، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة، ولا تقبل النكاح بولاية ولا وكالة. والخلاصة: أن الجمهور يقولون: لا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلاً، فلو زوجت امرأة نفسها، أو غيرها، أو وكلت غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها، لم يصح نكاحها لعدم وجود شرطه وهو الولي.
وقال الحنفية في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: للمرأة العاقلة البالغة تزويج نفسها وابنتها الصغيرة، وتتوكل عن الغير، ولكن لو وضعت نفسها عند غير كفء، فلأوليائها الاعتراض. وعبارتهم: ينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي، بكراً كانت أم ثيباً، عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في ظاهر الرواية، والولاية مندوبة مستحبة فقط. وعند محمد: ينعقد موقوفاً (2).
ودليلهم من القرآن: إسناد النكاح إلى المرأة في آيات ثلاث هي: {فإن طلقها فلا تحل له مِنْ بَعْدُ حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/ 2]، {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضُلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة:232/ 2] فالخطاب للأزواج، لا للأولياء كما قال الجمهور، وآية: {فإذا بلغن أجلهن فلا
_________
(1) رواه ابن ماجه والدارقطني ورجاله ثقات، عن أبي هريرة (سبل السلام: 129/ 3 وما بعدها).
(2) فتح القدير: 391/ 2 وما بعدها، البدائع: 237/ 2 - 247.

(9/6573)


جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} [البقرة:234/ 2] هذه الآيات صريحة في أن زواج المرأة يصدر عنها.
ودليلهم من السنة: حديث «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها» (1) وفي رواية «لا تنكح الأيم ـ التي فارقت زوجها بطلاق أو موت ـ حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت» (2) الحديث صريح في جعل الحق للمرأة الثيب في زواجها، والبكر مثلها، ولكن نظراً لغلبة حيائها اكتفى الشرع باستئذانها بما يدل على رضاها، وليس معناه سلب حق مباشرتها العقد، بما لها من الأهلية العامة.
وهناك رأي وسط للفقيه أبي ثور من الشافعية (3): وهو أنه لا بد في الزواج من رضا المرأة ووليها معاً، وليس لأحدهما أن يستقل بالزواج بدون إذن الآخر ورضاه، ومتى رضيا فلكل واحد إجراء العقد؛ لأن المرأة كاملة الأهلية في التصرفات.

شروط النفاذ:
اشترط الحنفية لنفاذ عقد الزواج وترتب آثاره عليه بالفعل بعد انعقاده صحيحاً الشروط الخمسة التالية (4):
1ً - أن يكون كل من الزوجين كامل الأهلية إذا تولى عقد الزواج بنفسه، أو
_________
(1) رواه مسلم عن ابن عباس (سبل السلام: 119/ 3).
(2) متفق عليه عن أبي هريرة (سبل السلام: 118/ 3).
(3) المهذب: 35/ 2.
(4) البدائع: 233/ 2 وما بعدها، الدر المختار: 379/ 2، الشرح الصغير: 391/ 2، الشرح الكبير: 241/ 2.

(9/6574)


بوكيل عنه، وكمال الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية، فمتى كان كل من الزوجين عاقلاً بالغاً حراً، نفذ العقد وترتبت آثاره عليه، من حل الدخول ووجوب المهر وغيرهما، وقال محمد كما تقدم: إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة نفسها بدون ولي، كان زواجها موقوفاً على إجازة الولي.
أما إن باشر عقد الزواج صبي مميز أو عبد، فيتوقف العقد عند الحنفية والمالكية على إجازة الولي من أب ونحوه، أو سيد. وإن باشره مجنون أوغير مميز فلا ينعقد أصلاً.
وعند الشافعية والحنابلة: لا تنعقد تصرفات العبد والصبي المميز وغير المميز أصلاً، بل هي باطلة.
2ً - أن يكون الزوج رشيداً، إذا تولى الزواج بنفسه: هذا شرط عند المالكية، فإن كان سفيهاً غير رشيد: وهو الذي لا يحسن التصرف في ماله، وتزوج بدون إذن الولي، توقف عقد زواجه عند المالكية على إجازة وليه (1).
وقال الشافعية والحنابلة (2): الرشد شرط لصحة الزواج، فلو تزوج السفيه بغير إذن وليه، كان الزواج باطلاً؛ لأنه تصرف يجب به مال، وفي الزواج ودفع المهر والنفقة إتلاف للمال أو مظنة إتلافه.
وقال الحنفية (3): ليس الرشد شرطاً لصحة الزواج ولا لنفاذه، فإن تزوج السفيه امرأة جاز زواجه؛ لأنه من حوائجه الأصلية وتصرفاته الشخصية، والحجر
_________
(1) الشرح الصغير: 387/ 3، الشرح الكبير والدسوقي: 231/ 3، 294 - 297، القوانين الفقهية: ص197.
(2) مغني المحتاج: 171/ 2، كشاف القناع: 441/ 3.
(3) الكتاب مع اللباب: 70/ 2.

(9/6575)


إنما هو على التصرفات المالية المحضة. والقاعدة عندهم: أن كل ما لا يؤثر فيه الهزل كالعتق والنكاح، لا يؤثر فيه الحجر، لكن لا يثبت للمرأة أكثر من مهر المثل إذا كان السفيه هو الزوج، ويثبت فيه مهر المثل على الأقل إذا كانت الزوجة هي السفيهة.
3ً - ألا يكون العاقد ولياً أبعد مع وجود الولي الأقرب المقدم عليه: شرط نفاذ عند الحنفية، فإن زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب منه، كان العقد موقوفاً على إجازة الولي الأقرب.
وهو شرط صحة عند الشافعية والحنابلة (1)، فلا يصح زواج الولي الأبعد مع وجود الأقرب إلا إذا كان هناك مانع كالجنون واختلال النظر بهرم أو خَبَل (فساد في العقل)، والصغر، والحجر بسفه، والعضل (أي المنع من الزواج بغير حق).
وقال المالكية (2): إن كان الولي الأقرب غير مجبر كالابن والأخ والجد والعم، كان العقد صحيحاً مكروهاً. وإن كان الأقرب ولياً مجبراً (وهو الأب) فسخ العقد أبداً، إلا إذا أجازه الولي الأقرب، وكان الذي تولاه مفوضاً إلىه الأمر بالبينة.
4ً - ألا يخالف الوكيل موكله فيما وكله به: فإذا وكل شخص غيره ليزوجه فتاة معينة أو بمهر معين، فزوجه فتاة غيرها، أوزوجه بمهر أكثر، لم ينفذ العقد، وكان موقوفاً على إجازة الموكل. فلو لم يعلم حتى دخل بقي الخيار له بين إجازته وفسخه، ويكون للمرأة عند الحنفية الأقل من المسمى ومهر المثل؛ لأن الموقوف كالفاسد.
_________
(1) مغني المحتاج: 154/ 3.
(2) الشرح الصغير: 358/ 2، 363 وما بعدها.

(9/6576)


5ً - ألا يكون العاقد فضولياً: والفضولي: هو من لا يكون له ولاية التزويج وقت العقد. وهو شرط نفاذ عند الحنفية والمالكية. فإذا زوج شخص امرأة لرجل وقبل عنه، دون ولاية ولا وكالة عنه وقت العقد، كان الزواج موقوفاً على إجازة الزوج عندهم.
وأما عند الشافعية والحنابلة فتصرف الفضولي من بيع وزواج باطل.

شروط اللزوم:
معنى لزوم العقد: ألا يكون لأحد العاقدين أو لغيرهما حق فسخه بعد انعقاده، بأن يخلو العقد من الخيار. ويشترط للزوم الزواج أربعة شروط هي (1):
1ً - أن يكون الولي المزوج لفاقد الأهلية كالمجنون والمعتوه، أو ناقصها وهو الصغير والصغيرة: هو الأب أو الجد، وهو شرط عند أبي حنيفة ومحمد. فلو كان المزوج لهما غيرهما كالأخ والعم، كان لكل منهما حق فسخ العقد عند زوال المانع أي الإفاقة من الجنون أو العته، والبلوغ بعد الصغر، حتى ولو كان الزواج بالكفء وبمهر المثل (2)؛ لأن قرابة غير الأصل والفرع قرابة حواشي، فلا يساوون الأصل والفرع بالشفقة، فيقدر زواجهم بالمصلحة الظاهرة، ويعطى المتزوج خيار الفسخ.
ودليل أبي حنيفة ومحمد: ما روي أن قدامة بن مظعون زوَّج بنت أخيه:
_________
(1) البدائع: 315/ 2 - 322، المهذب: 39/ 2، كشاف القناع: 71/ 5، القوانين الفقهية: ص 197، الشرح الصغير: 399/ 2 وما بعدها.
(2) الكفء لغة: المساوي لغيره والمماثل له، واصطلاحاً: أن يساوي الرجل زوجته في أمور الدين والحرية والمال والحرفة. ومهر المثل: هو المهر الذي تتزوج به امرأة من أقارب أبي الزوجة، وتماثلها وقت العقد في صفات مخصوصة.

(9/6577)


عثمان بن مظعون، من عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فخيرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد البلوغ، فاختارت نفسها، حتى روي أن ابن عمر قال: إنها انتزعت مني بعد ما ملكتها.
وقال أبو يوسف: ليس هذا بشرط، ويلزم نكاح غير الأب والجد من الأولياء، فلا يثبت الخيار للمولى عليه؛ لأن هذا النكاح صدر من ولي، فيلزم، كما إذا صدر عن الأب والجد، لأن ولاية التزويج ولاية نظر في حق المولى عليه، وقد اجتهد الولي في تحقيق المصلحة، ونظر فيما هو الأولى والأصلح.
فإذا زوج الحاكم فاقد الأهلية أو ناقصها، فلا خيار للمولى عليه في رأي أبي حنيفة خلافاً لمحمد؛ لأن ولاية الحاكم أعم من ولاية الأخ والعم؛ لأنه يملك التصرف في النفس والمال، فكانت ولايته شبيهة بولاية الأب والجد، وولايتهما ملزمة، فتلزم ولاية الحاكم.
2ً - أن يكون الزوج كفئاً للزوجة إذا زوجت المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الأولياء بمهر مثلها، وكان لها ولي عاصب (1) لم يرض بهذا الزواج، فلهذا الولي طلب فسخ الزواج من القاضي. وهذا شرط عند الحنفية في ظاهر الرواية.
وكذلك قال أئمة بقية المذاهب: الكفاءة في الزوج شرط للزوم الزواج، لا لصحته، فيصح النكاح مع فقدها، وهي حق للمرأة والأولياء كلهم القريب والبعيد، لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة، فلو زوجت المرأة بغير كفء، فلمن لم يرض بالنكاح الفسخ، فوراً أو تراخياً، سواء من المرأة أو الأولياء
_________
(1) الولي العاصب: هو القريب الذي لا تكون قرابته للمرأة بواسطة الأنثى وحدها، كالأب والجد وأبي الأب، والأخ والعم وابن العم.

(9/6578)


جميعهم؛ لأنه خيار لنقص في المعقود عليه كخيار البيع، ويملكه الأبعد من الأولياء مع رضا الأقرب منهم به، ومع رضا الزوجة، دفعاً لما يلحقه من لحوق العار.
والدليل على أن الكفاءة شرط لزوم لا شرط صحة أنه صلّى الله عليه وسلم: «أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه، فنكحها بأمره» (1) وروت عائشة «أن أبا حذيفة ابن عقبة بن ربيعة تبنى سالماً، وأنكحه ابنة أخيه: الوليد بن عقبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار» (2) وعن أبي حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: «رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال» (3).
3ً - أن يكون المهر بالغاً مهر المثل إذا زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها من غير كفء، بغير رضا الأولياء، وألا يقل عن مهر المثل إذا زوجت المرأة نفسها من كفء. وهذا عند أبي حنيفة، فللأولياء حق الاعتراض وطلب فسخ الزواج، إلا إذا قبل الزوج زيادة المهر إلى مهر المثل، فلا يكون للولي حينئذ حق الفسخ، وبناء عليه إما أن يزيد الزوج إلى مهر المثل أو يفرق بينهما.
وعند أبي يوسف ومحمد: ليس هذا بشرط، ويلزم النكاح بدونه.
4ً - خلو الزوج عن عيب الجب والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما.
هذه هي شروط الزواج الشرعية، أما الشروط القانونية الموضوعة لإجراء عقد الزواج رسمياً ولسماع دعوى الزوجية، لمنع الناس من تزويج الصغار، ومحاولة ادعاء الزوجية زوراً، فهي مجرد قيود قانونية.
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري وأبو داود والنسائي.
(3) رواه الدارقطني.

(9/6579)


خلاصة شروط الزواج في كل مذهب على حدة:
الحنفية: للزو اج شروط في الصيغة وفي العاقدين وفي الشهود:
أما شروط الصيغة: (وهي الإيجاب والقبول) فهي:
1 - أن تكون بألفاظ مخصوصة: وهي إما صريحة وإما كناية، فالصريحة: هي ما كانت بلفظ التزويج والإنكاح وما اشتق منهما، سواء بلفظ الماضي، أم بلفظ المضارع بقرينة تدل على الحال، لا طلب الوعد، أم بلفظ الأمر: زوجني. والكناية: هي التي تحتاج إلى نية وأن تقوم قرينة على هذه النية، وهي ألفاظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل، والبيع والشراء، مع نية معنى الزواج. ولا ينعقد بلفظ الإجارة والوصية، ولا بلفظ الإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع والإقالة والخلع.
2 - أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد.
3 - ألا يخالف القبول الإيجاب.
4 - أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين.
5 - ألا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت كشهر، وهونكاح المتعة.

وأما شروط العاقدين وهما الزوج والزوجة فهي:
1 - العقل: وهو شرط في انعقاد الزواج، فلا ينعقد زواج المجنون والصبي غير المميز.
2 - البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ.

(9/6580)


3 - أن يضاف الزواج إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة. فلا ينعقد الزواج بقوله: زوجني نصفها أو يدها أو رجلها.
وأما الشهادة: فهي شرط لصحة الزواج، وتكون بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، ولو كانا محرمين بالنسك، وشروط الشهود خمسة:
1 - 3 - العقل والبلوغ والحرية: فلا يصح بشهادة مجنون أو صبي أو عبد.
4 - الإسلام في أنكحة المسلمين: فلا يصح زواج المسلمين بشهادة الذميين، إلا إذا كانت المرأة ذمية، والرجل مسلماً، فيصح زواجها بشهادة ذميين. وإذا كان الزوجان غير مسلمين صح الزواج بشهادة غير المسلمين، سواء أكان الشاهدان موافقين للزوجين في الملة أم مخالفين.
5 - أن يسمع الشهود كلام العاقدين معاً، فلا يصح بشهادة نائمين. وتصح شهادة الأخرس وفاقد النطق إذا كان يسمع ويفهم، ولا يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه، وإنما يشترط أن يعلموا أن هذا اللفظ ينعقد به الزواج. فإذا تزوج عربي بحضرة أعجميين، صح الزواج إذا عرفا أن الإيجاب والقبول ينعقد بهما الزواج، وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به الزواج.
ولا تشترط العدالة، فيصح الزواج بشهادة عدول أو غير عدول أو محدودين في القذف.
ولا يشترط في الزواج اختيار العاقدين، فلو أكره أحدهما على النكاح انعقد، ومثله الطلاق والعتق؛ لأن هذه الثلاثة تنعقد في حال الجد والهزل.

المالكية:
يشترط في الصيغة ما يلي:

(9/6581)


1 - أن تكون بألفاظ مخصوصة: وهي أن يقول الولي: زوجت أو أنكحت، أو يقول الزوج: زوجني فلانة. ويكفي في القبول أن يقول: قبلت أو رضيت أو نفذت أو أتممت.
2 - الفور: ألا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل طويل، ولا يضر الفاصل اليسير.
3 ـ ألا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت: وهذا هو نكاح المتعة.
4 - ألا يكون مشتملاً على الخيار، أو على شرط يناقض العقد، ويشترط في الزواج أن يكون بصداق، فإن لم يذكر حال العقد، فلا بد من ذكره عند الدخول. وأن يكون الصداق مما يملك شرعاً، فلا يصح بخمر أو خنزير أو ميتة، أو مما لا يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية.
وتشترط الشهادة، ولكن لا يلزم أن يحضر الشهود عند العقد، بل يندب ذلك فقط.

ويشترط في الزوجين: الخلو من الموانع كالإحرام، وألا تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه، وألا يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
ويشترط في الزوج لصحة الزواج أربعة شروط وهي:
الإسلام في نكاح مسلمة، والعقل، والتمييز، وتحقق الذكورة، تحرزاً من الخنثى المشكل فإنه لا يَنْكح ولا يُنكَح.
ويشترط في الزوج لاستقرار الزواج خمسة شروط وهي:

(9/6582)


الحرية، والبلوغ، والرشد، والصحة، والكفاءة. وإذا أكره أحد الزوجين على الزواج، لم يلزم، وليس للمكرَه أن يجيزه؛ لأنه غير منعقد (1).

الشافعية:
اشترطوا شروطاً في الصيغة وفي الزوجين وفي الشهود:

أما شروط الصيغة: فهي ثلاثة عشر شرطاً تشترط في العقود وهي ما يأتي:
1 - الخطاب: بأن يخاطب كل من العاقدين صاحبه.
2 - أن يكون الخطاب واقعاً على جملة المخاطب، فلا يصح على جزئه.
3 - أن يذكر المبتدئ بأحد شرطي العقد العوض والمعوض عنه كالثمن والمثمن.
4 - أن يقصد العاقد معنى اللفظ الذي ينطق به. فإن جرى على لسانه فلا يصح.
5 - ألا يتخلل الإيجاب والقبول كلام أجنبي.
6 - ألا يتخلل الإيجاب والقبول سكوت طويل: وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول.
7 - ألا يتغير كلام البادئ قبل قبول الآخر.
8 - أن يكون كلام كل واحد من العاقدين مسموعاً لصاحبه ولمن يقرب منه من الحاضرين. فإن لم يسمعه من كان قريباً لا يكفي، وإن سمعه العاقد.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 197 وما بعدها.

(9/6583)


9 - أن يتوافق القبول مع الإيجاب معنى.
10 - ألا يعلق الصيغة بشيء لا يقتضيه العقد، مثل إن شاء فلان أو إن شاء الله.
11 - ألا يؤقت كلامه بوقت.
12 - أن يكون القبول ممن وجه له الخطاب لا غيره.
13 - أن تستمر أهلية المتكلمين بالصيغة إلى أن يتم القبول، فلو جُنَّ أحدهما مثلاً قبل قبول الآخر بطل العقد.
يظهر من هذه الشروط: أنه يشترط في الزواج عدم التعليق مثل: زوجتك ابنتي إن بعتني الأرض الفلانية. ويشترط فيه عدم التأقيت، مثل زوجيني نفسك مدة شهر، وهو نكاح المتعة.
ويضاف إلى هذه الشروط: أن صيغة الزواج مقيدة بلفظي التزويج والإنكاح دون غيرهما، في الإيجاب والقبول. ولا بد من أن تكون الصيغة بلفظ الماضي، ولا يصح بلفظ المضارع؛ لأنه يحتمل الوعد ما لم يقل: الآن. ويصح العقد بالألفاظ المحرفة مثل: جوزتك موكلتي، حتى ولو لم تكن لغته على المعتمد، ويصح بلفظ الأمر: زوجني ابنتك، فيقول له: زوجتك، كما يصح بقول الولي: تزوج بنتي، فيقول له: تزوجت.

وأما شروط الزوج: فهي أن يكون غير مَحْرم للمرأة، كأخ أو خال، من نسب أو رضاع أو مصاهرة. وأن يكون مختاراً غير مكره، وأن يكون معيناً فلا يصح نكاح المجهول، وألا يكون جاهلاً حِلَّ المرأة له، فلا يجوز أن يتقدم لنكاح امرأة وهو جاهل بحلها.

(9/6584)


وأما شروط الزوجة: فهي ألا تكون محرماً للزوج، وأن تكون معينة، وأن تخلو من الموانع الشرعية كالمتزوجة والمعتدة.

وأما شروط الشهود: فهي الحرية والذكورة والعدالة والسمع والبصر، وكون الشاهد غير ولي متعين في الزواج، فلا يصح الزواج بشهادة عبد أو امرأة أو فاسق أو أصم أو أعمى أو خنثى مشكل، أو ولي يباشر العقد، فلا يكون الولي شاهداً، كالزوج ووكيله، فلا تصح شهادته مع وجود وكيله. وينعقد النكاح بابني الزوجين وأبويهما وعدويهما لثبوت النكاح بهما، وبمستوري العدالة.
والشهود والولي ركنان في عقد الزواج.

الحنابلة:
للزواج خمسة شروط:
1ً - تعيين الزوجين؛ لأن النكاح عقد معاوضة، أشبه تعيين المبيع في البيع، ولأن المقصود في النكاح التعيين، فلم يصح بدونه. ويشترط في الصيغة أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج، لكن يكفي في القبول، كما قال المالكية، وخلافاً للشافعية أن يقول: قبلت أو رضيت، ولا يشترط فيه أن يقول: قبلت زواجها أو نكاحها. ولا يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب، ويشترط الفور، فإن تأخر القبول عن الإيجاب حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفاً فإنه لا يصح. ولا يشترط أن يكون اللفظ عربياً، فيصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى الإيجاب والقبول بلفظ التزويج أو النكاح. ولا يصح النكاح بالكتابة ولا بالإشارة إلا من الأخرس، فيصح منه بإشارته المفهمة.

(9/6585)


2ً - الرضا والاختيار من الزوجين أو من يقوم مقامهما، فإن لم يرضيا لم يصح النكاح، فلا يصح زواج المكره.
3ً - الولي: فلا يصح نكاح إلا بولي.
4ً - الشهادة على النكاح: فلا يصح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما ظاهراً، ولو رقيقين. وأن يكونا متكلمين مسلمين سميعين، فلا تصح بشهادة الأصم والكافر، وتصح شهادة الأعمى، وشهادة عدوي الزوجين، ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما، فلا تصح شهادة أبي الزوجة أو الزوج أو أبنائهما؛ لأن شهادتهما لا تقبل.
5ً - خلو الزوجين أوأحدهما من مانع المحرمية بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو مانع اختلاف الدين بأن يكون مسلماً وهي مجوسية ونحوه، أو كون المرأة في عدة ونحو ذلك، كأن يكون أحدهما محرماً بحج أو عمرة.

المبحث الرابع ـ أنواع الزواج وحكم كل نوع:
يتنوع الزواج بحسب اختلاف المذاهب في شروط الزواج، فهو عند الحنفية خمسة أنواع:
وهي الزواج الصحيح اللازم، والصحيح غير اللازم، والموقوف، والفاسد، والباطل. وعند المالكية أربعة أنواع: وهي الزواج اللازم، وغير اللازم، والموقوف، والفاسد أو الباطل.

(9/6586)


وعند الشافعية والحنابلة ثلاثة أنواع: وهي الزواج اللازم، وغير اللازم، والفاسد أو الباطل. وأما الزواج المكروه فهو بالاتفاق من أنواع الزواج الصحيح اللازم. والمقصود بالزواج اللازم: هو الذي استوفى أركانه وشروط صحته ونفاذه ولزومه.
والزواج غير اللازم: هو ما استوفى أركانه وشروط صحته ونفاذه وفقد شرطاً من شروط اللزوم.
والزواج الموقوف: هو الذي استكمل أركانه وشروط صحته، وفقد شرطاً من شروط النفاذ.
والزواج الباطل عند الجمهور: هو ما فقد ركناً من أركانه أو شرطاً من شروط صحته. وأما عند الحنفية: فهو ما فقد ركناًمن أركانه أوشرطاً من شروط انعقاده.
والزواج الفاسد عند الحنفية: هو ما استوفى أركانه وشروط انعقاده وتخلف فيه شرط من شروط الصحة.
ولا فرق عند الجمهور بين الفاسد والباطل.
والمقصود بحكم الزواج هنا: الأثر المترتب على العقد، تبعاً لاستيفاء أركانه وشرائطه الشرعية وعدم استيفائه، وأبين هنا حكم كل نوع من أنواع الزواج السابقة.

أنواع الزواج وحكمها في القانون:
نص قانون الأحوال الشخصية السوري على أنواع الزواج وحكم كل نوع منها. ففي المادة (47) نص على الزواج الصحيح: «إذا توافرت في عقد الزواج أركانه وسائر شرائط انعقاده، كان صحيحاً».

(9/6587)


ونصت المادة (49) على آثار الزواج الصحيح وهي:
«الزواج الصحيح النافذ تترتب علىه جميع آثاره من الحقوق الزوجية كالمهر ونفقة الزوجة ووجوب المتابعة وتوارث الزوجين، ومن حقوق الأسرة كنسب الأولاد وحرمة المصاهرة» أي أنه تثبت أحكام ستة بمجرد عقد الزواج الصحيح: وهي وجوب المهر، واستحقاق النفقة الزوجية، ومتابعة الزوجة لزوجها، واستحقاق الإرث، وثبوت نسب الأولاد من الأب، وحرمة المصاهرة.
وفي المادة (50) نص على أثر الزواج الباطل:
«الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح، ولو حصل فيه دخول».
«ونصت المادة 2/ 48 على أن: زواج المسلمة بغير المسلم باطل».
ونصت الفقرة (1) من هذه المادة على الزواج الفاسد: «كل زواج تم ركنه بالإيجاب والقبول واختل بعض شرائطه، فهو فاسد».
ونصت المادة (51) على آثار الزواج الفاسد:
1 - الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
2 - ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية:
أـ المهر في الحد الأقل من مهر المثل والمسمى.
ب ـ نسب الأولاد بنتائجه المبينة في المادة (133) من هذا القانون.
جـ ـ حرمة المصاهرة.

(9/6588)


د ـ عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج، ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين.
3 - تستحق الزوجة النفقة الزوجية مادامت جاهلة فساد النكاح.
ونصت المادة (52) على حكم الزواج الموقوف قبل الإجازة:
الزواج الموقوف حكمه قبل الإجازة كالفاسد.
ولم ينص هذا القانون على أحكام الزواج غير اللازم، إلا ما ذكر في بحث الكفاءة، حيث نصت المادة (27) على أن للولي حق الفسخ إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير كفء.
ونصت المادة (30) على أن المرأة إذا حملت يسقط حق الفسخ لعدم الكفاءة.

أحكام الزواج عند الفقهاء:
حكم الزواج الصحيح اللازم:
للزواج اللازم أو التام الذي استوفى أركانه وشروطه كلها آثار هي (1):

1 - حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على النحو المأذون فيه شرعا ً، ما لم يمنع منه مانع. والمأذون فيه شرعاً، ما لم يمنع منه مانع. والمأذون فيه ما يأتي:
أـ حل الوطء في القبل لا الدبر: ولا يحل الوطء في حالة الحيض والنفاس، والإحرام، وفي الظهار قبل التكفير (إخراج الكفارة) لقوله سبحانه: {والذين هم
_________
(1) البدائع: 331/ 2 - 334.

(9/6589)


لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين} [المؤمنون:23/ 5 - 6] ولقوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل: هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة:222/ 2] والنفاس أخو الحيض. وقوله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة:223/ 2] أي في أي وقت وكيفية شئتم في المكان المعروف وهو القبُل (1). وقول سبحانه: {والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة:58/ 3].
وقوله صلّى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأة في دُبُرها» (2) «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدَّقه، فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم» (3) وقوله أيضاً: «واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوانٍ (4)، لا يملكن لأنفسهن شيئاً ... وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل» (5) وكلمة الله المذكورة في كتابه العزيز: لفظة الإنكاح والتزويج.
لكن لا تطلق المرأة بالوطء في دبرها، وإنما يحق لها طلب الطلاق من القاضي بسبب الأذى والضرر.
_________
(1) يعني مقبلات ومدبرات ومستلقيات في موضع إنجاب الولد، جاء في رواية مسلم: «إن شاء مُجَبِّية ـ أي باركة ـ وإن شاء غير مجبِّية، غير أن ذلك في صِمام واحد» والتجبية: الانكباب على الوجه (نيل الأوطار: 203/ 6 - 204).
(2) رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 200/ 6).
(3) رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وقال: فقد برئ مما أنزل، من حديث أبي هريرة (المرجع السابق).
(4) أي أسيرات، من عنا: إذا ذل وخضع.
(5) رواه أحمد عن أبي حرة الرقاشي، وثقة أبو داود، وفيه علي بن زيد وفيه كلام (مجمع الزوائد: 265/ 3 - 266).

(9/6590)


ما يقتضيه وطء الحائض في القبل: يلاحظ أن الوطء في الدبر حرام في أثناء الحيض وغيره، ويسن لمن وطئ الحائض أو النفساء في قبلها إذا كان عامدا عالماً بالتحريم بالحيض أن يتصدق بدينار إن وطئها في إقبال الدم، وبنصف دينار إن وطئها في إدباره (1)، لخبر: «إذا واقع الرجل أهله، وهي حائض، إن كان دماً أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر، فليتصدق بنصف دينار» (2).
ب ـ حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها في حال الحياة؛ لأن إحلال الوطء إحلال للمس والنظر من طريق الأولى. وأما بعد الموت فلا يحل له المس والنظر عند الحنفية، ويحل عند الجمهور.
جـ ـ ملك المتعة: وهو اختصاص الزوج بمنافع بُضع الزوجة وسائر أعضائها استمتاعاً. وهو عوض عن المهر، والمهر على الرجل، فيكون هذا الحكم على الزوجة خاصاً بالزوج.

2 - ملك الحبس والقيد: أي صيرورة المرأة ممنوعة عن الخروج إلا بإذن الزوج، لقوله تعالى: {أسكنوهن} [الطلاق:65/ 6] والأمر بالإسكان نهي عن الخروج، وقوله عز وجل: {وقَرْن في بيوتكن} [الأحزاب:33/ 33] وقوله سبحانه: {لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن} [الطلاق:56/ 1].
3 - وجوب المهر المسمى على الزوج للزوجة: فهو حكم أصلي للزواج لا وجود له بدونه شرعاً؛ لأن المهر عوض عن ملك المتعة.
4 - وجوب النفقة بأنواعها الثلاثة: وهي الطعام والكسوة والسكنى، مالم
_________
(1) تحفة الطلاب بشرح متن تحرير تنقيح اللباب للشيخ زكريا الأنصاري: ص 227.
(2) رواه أبو داود والحاكم وصححه.

(9/6591)


تمتنع الزوجة عن طاعة زوجها بغير حق، فإن امتنعت سقطت نفقتها. ودليل الإلزام بالنفقة قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة:2/ 233] وقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته، ومن قُدر عليه رزقه، فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق:7/ 65] وقوله عز وجل: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدكم} [الطلاق:65/ 6] والأمر بالإسكان أمر بالإنفاق؛ لأنها لا تمكَّن من الخروج للكسب، لكونها عاجزة بأصل الخلقة لضعف بنيتها.

5 - ثبوت حرمة المصاهرة: وهي حرمة الزوجة على أصول الزوج وفروعه، وحرمة أصول الزوجة وفروعها على الزوج، لكن تثبت الحرمة في بعض الحالات بنفس عقد الزواج، وفي بعضها يشترط الدخول.
6 - ثبوت نسب الأولاد من الزوج: بمجرد وجود الزواج في الظاهر، لقوله صلّى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (1) وفي لفظ للبخاري: «لصاحب الفراش».
7 - ثبوت حق الإرث بين الزوجين: إذا مات أحد الزوجين أثناء الزوجية أو في العدة من طلاق رجعي، بالاتفاق، أو من طلاق بائن في مرض الموت عند الجمهور غير الشافعية، حتى ولو بعد العدة عند المالكية والحنابلة. والدليل قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم .. } [النساء:4/ 12] إلى قوله عز وجل: {ولهن الثمُن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} [النساء:4/ 12].
_________
(1) رواه الجماعة إلا أبا داود عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 279/ 6).

(9/6592)


8 - وجوب العدل بين النساء في حقوقهن عند التعدد (1):
إذا كان للرجل أكثر من امرأة، فعليه عند الجمهور غير الشافعية العدل بينهن في حقوقهن من البيتوتة والنفقة (المشروب والملبوس) والكسوة والسكنى، أي التسوية بينهن فيما ذكر. فقد ندب سبحانه وتعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة، فدل على أن العدل بينهن في القَسْم (وهو توزيع الزمان ليلاً ونهاراً إلا لحاجة على زوجاته إن كن اثنتين فأكثر) والنفقة واجبة، قال تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} [النساء:3/ 4] أي إن خفتم ألا تعدلوا في القسم والنفقة في نكاح المثنى والثلاث والرباع، فواحدة، وقال تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء:3/ 4] أي تجوروا، والجور حرام، فكان العدل واجباً ضرورة.
وقالت عائشة: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك» (2) قال الترمذي: يعني به الحب والمودة، وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} [النساء:4/ 129] قال: في الحب والجماع.
وعن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان، يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة، يجرُّ أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً» (3).
والبداءة في القسم وفي مقدار الدور إلى الزوج، ويطوف إلى نسائه في
_________
(1) البدائع: 332/ 2 وما بعدها، تبيين الحقائق: 179/ 2 وما بعدها، فتح القدير: 516/ 2 - 519، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 546/ 2 - 553، القوانين الفقهية: ص 212، الشرح الصغير: 505/ 2 - 511، المهذب: 67/ 2 - 69، مغني المحتاج: 251/ 3 - 256، كشاف القناع: 213/ 5 - 233.
(2) رواه الخمسة إلا أحمد (نيل الأوطار: 217/ 6).
(3) رواه الخمسة عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 216/ 6).

(9/6593)


منازلهم اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويمنع جمع المرأتين مع الرجل في فراش واحد، وإن بدون وطء، فلو كان عمل الزوج ليلاً كالحارس، ذكر الشافعية أنه يقسم نهاراً، قال الحنفية: وهو حسن.

حال المرض: والمريض في وجوب القسم عليه كالصحيح البالغ العاقل ولو مجبوباً؛ لأن «رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها» (1).
لكن قال المالكية: إن لم يقدر مريض على القسم لشدة مرضه، فعند من شاء منهن، بلا تعيين.

نوع القسم: ولا يجب القسم في الوطء، وإنما في المبيت إلا إذا أراد إضرار امرأة، فيجب عليه ترك الضرر، فعماد القسم الليل، لقوله عز وجل: {وجعلنا الليل لباساً} [النبأ:78/ 10] قيل في التفسير: الإيواء إلى المساكن، ولأن النهار للمعيشة، والليل للسكون. لكن يستحب القسم في الاستمتاع؛ لأنه أكمل في العدل.
القسم في السفر: قال الحنفية: لا قسم على الزوج إذا سافر، ولا يجب عليه أن يبيت عند الأخرى مقابل أيام السفر؛ لأن مدة السفر ضائعة، لكن الأفضل أن يقرع بينهن، فيخرج بمن خرجت قرعتها تطييباً لقلوبهن دفعاً لتهمة الميل عن نفسه، قالت عائشة: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه» (2).
_________
(1) متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق: ص 217).
(2) متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق).

(9/6594)


ورأى المالكية كالحنفية أن الزوج إذا أراد سفراً اختار منهن للسفر معه من شاء، إلا إذا أراد السفر في قُرْبة أي عبادة كحج، فيُقرع بينهما أو بينهن. والحاصل أن الحنفية والمالكية لا يوجبون القرعة؛ لأنها من باب الخطر والقمار.
لكن الحنابلة والشافعية قالوا: إنه لا يجوز للزوج اصطحاب إحداهن معه بغير قرعة، فإذا أراد السفر أقرع بينهن، فمن خرجت عليها القرعة، سافر بها؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم: «كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فمن خرج سهمها خرج بها معه» (1).

أثر سفر المرأة على القسم: إن سافرت المرأة بغير إذن الزوج، سقط حقها من القسم والنفقة؛ لأن القسم للأنس، والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت ذلك بالسفر. فإن سافرت بإذن الزوج، قال الشافعية في الجديد: إن كان لغرضه يقضي لها، وإن كان لغرضها لا يقضي.
وكذلك قال الحنابلة: يسقط حق المرأة في القسم والنفقة إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أوغيرها، أو امتنعت من المبيت عنده، أو سافرت بإذنه لحاجتها. ولا يسقط حقها من نفقة ولا قسم إن بعثها الزوج لحاجته، أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه. وقالوا أيضاً: لو سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة، سقط حقها من القسم والوطء، وإن طال سفره للعذر.

هبة المرأة حقها: اتفق الفقهاء على أن للمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان، وفي بعضه، لبعض ضرائرها، وعلى أنه إن رضيت بترك قسمها، جاز؛ لأنه حق ثبت لها، فلها أن تستوفي، ولها أن تترك، فقد ثبت أن سودة بنت زَمْعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (2).
_________
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق: ص 218).

(9/6595)


ولكن لا تجوز الهبة بغير رضا الزوج، فإذا رضيت الواهبة ورضي الزوج، جاز بلا خلاف؛ لأن الحق لا يخرج عنهما. ولا يلزم الزوج الرضا بالهبة؛ لأنها لا تملك إسقاط حقه من الاستمتاع، فله أن يبيت عندها في ليلتها.
وإذا أخذت الواهبة مالاً على ترك نوبتها، لم يجز أخذه، ويلزمها رده إلى من أخذته منه، وعلى الزوج أن يقضي لها زمن هبتها؛ لأنها تركته بشرط العوض، ولم يسلم العوض لها، فترجع بالمعوض؛ لأن هذا معاوضة القسم بالمال، فيكون في معنى البيع، ولا يجوز هذا البيع.

حق البكر والثيب والجديدة والقديمة: قال الحنفية: البكر والثيب، والجديدة والقديمة، والمسلمة والكتابية سواء في القسم، لإطلاق الآيات، وهي قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل} [النساء:129/ 4] أي لن تستطيعوا أن تعدلوا في المحبة، فلا تميلوا في القسم، كما قال ابن عباس. وقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19/ 4] وغايته القسم، وقوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا} [النساء:3/ 4] ولإطلاق أحاديث النهي عن الميل وعدم القسم، ولأن القسم من حقوق الزواج، ولا تفاوت بين النساء في الحقوق.
وأما ما روي من نحو: «للبكر سبع وللثيب ثلاث» فيحتمل أن المراد التفضيل في البداءة دون الزيادة، فوجب تقديم الدليل القطعي، وهو الآيات.
وقال الجمهور: تختص وجوباً البكر الجديدة عند الزفاف بسبع ليال متوالية، بلا قضاء للباقيات. وتختص وجوباً الزوجة الثيب بثلاث ليال متوالية، بلا قضاء، ثم يقسم بعدئذ، لخبر ابن حبان في صحيحه: «سبع للبكر، وثلاث للثيب» (1)،
_________
(1) ورواه الدارقطني أيضاً (نيل الأوطار: 214/ 6) بلفظ: «للبكر سبعة أيام، وللثيب ثلاث، ثم يعود إلى نسائه».

(9/6596)


وعن أبي قلابة عن أنس قال: «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعاً، ثم قَسَم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً، ثم قسم» قال أبو قلابة: «ولو شئتُ لقلت: إن أنساً رفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم» (1).

9 - وجوب طاعة الزوجة لزوجها إذا دعاها إلى الفراش، لقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228/ 2] قيل: لها المهر والنفقة وعليها أن تطيعه في نفسها، وتحفظ غيبته. وقد أمر الشرع في قوله تعالى: {فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء:34/ 4] بتأديبهن بالهجر والضرب غير المبرح (غير المؤذي) عند عدم طاعتهن، ثم قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً} [النساء:34/ 4] فدل على لزوم إطاعتهن الأزواج.
10 - ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته: بأن نشزت، أو خرجت بلا إذن، أو تركت حقوق الله كالطهارة والصلاة، أوأغلقت الباب دونه، أو خانته في نفسها أو ماله. ويبدأ بالترتيب بما يلي:
الوعظ والنصح بالرفق واللين: وهوذكر ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته من الأمر والنهي برفق، ثم الهجر والاعتزال وترك الجماع والمضاجعة، ثم الضرب غير المبرح ولا الشائن: وهو الضرب بالسواك ونحوه فقط. والدليل قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع، واضربوهن} [النساء:34/ 4] فظاهر الآية، وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق، لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب، والواو تحتمل الترتيب.
_________
(1) متفق عليه (المرجع السابق).

(9/6597)


فإن نفع الضرب، وإلا رفع الأمر، لبعث حكمين أحدهما من أهله، والآخر من أهلها، كما قال تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكماً من أهله، وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما} [النساء:35/ 4].

11 - المعاشرة بالمعروف من كف الأذى وإيفاء الحقوق وحسن المعاملة: وهو أمر مندوب إليه، لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19/ 4] ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (1) وقوله: «استوصوا بالنساء خيراً» (2) والمرأة أيضاً مندوبة إلى المعاشرة الجميلة مع زوجها بالإحسان، واللطف في الكلام، والقول المعروف الذي يطيب به نفس الزوج.
ومن العشرة بالمعروف: بذل الحق من غير مطل، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «مَطْل الغني ظلم» (3).
ومن العشرة الطيبة: ألا يجمع بين امرأتين في مسكن إلا برضاهما؛ لأنه ليس من العشرة بالمعروف، ولأنه يؤدي إلى الخصومة. ومنها ألا يطأ إحداهما بحضرة الأخرى؛ لأنه دناءة وسوء عشرة. ومنها ألا يستمتع بها إلا بالمعروف، فإن كانت نِضْو الخلق (هزيلة) ولم تحتمل الوطء، لم يجز وطؤها لما فيه من الإضرار.
_________
(1) رواه الترمذي عن عائشة، وابن ماجه عن ابن عباس، والطبراني عن معاوية، وهو حديث صحيح (نيل الأوطار: 206/ 6).
(2) متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 205/ 6).
(3) رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) وابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة (نصب الراية: 59/ 4).

(9/6598)


حكم الاستمتاع أو هل الوطء واجب؟ قال الحنفية (1): للزوجة أن تطالب زوجها بالوطء؛ لأن حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج.
وقال المالكية (2): الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر.
وقال الشافعية (3): ولا يجب عليه الاستمتاع إلا مرة؛ لأنه حق له، فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولأن الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة، فلا يمكن إيجابه، والمستحب ألا يعطلها، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: «أتصوم النهار؟ قلت: نعم، قال: وتقوم الليل؟ قلت: نعم، قال: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمسّ النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (4) ولأنه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقع الشقاق.
وقال الحنابلة (5): يجب على الزوج أن يطأ الزوجة في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر؛ لأنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين (أي يمين الإيلاء) على تركه واجباً كسائر ما لا يجب، ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة، كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقاً لهما جميعاً، ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل. فإن أبى الرجل الوطء بعد انقضاء الأربعة الأشهر، أو أبى
_________
(1) البدائع: 331/ 2.
(2) القوانين الفقهية: ص 211.
(3) المهذب: 66/ 2، تكملة المجموع: 568/ 15.
(4) رواه أبو داود الطيالسي عن ابن عمرو، والبزار عن ابن عباس، وفيه ضعيف، ووثقه بعضهم.
(5) كشاف القناع: 214/ 5.

(9/6599)


البيتوتة في ليلة من أربع ليال للحرة، حتى مضت الأربعة الأشهر بلا عذر لأحدهما، فرِّق بينهما بطلبهما، كمن حلف يمين الإيلاء، وكما لو منع النفقة وتعذرت عليها من قبله، ولو كان ذلك قبل الدخول بالمرأة.
والخلاصة: أن الجمهور يوجبون الوطء على الرجل وإعفاف المرأة، والشافعية لا يوجبونه إلا مرة واحدة، والرأي الأول أرجح.

العزل: وهو الإنزال خارج الفرج بعد النزع منه، لا مطلقاً. ومن المعاشرة الطيبة: ألا يعزل عن امرأته الحرة بغير إذنها، فيكره العزل بالاتفاق بغير رضاها؛ لأن الوطء عن إنزال سبب لحصول الولد، ولها في الولد حق، وبالعزل يفوت الولد (1).
ودليل جواز العزل قول جابر: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم والقرآن ينزل» (2) ولمسلم: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك، فلم ينهنا».
ودليل كراهية العزل: حديث جُذَامة بنت وهب الأسدية بلفظ: «حضرت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم شيئاً، ثم سألوه عن العزل، فقال: ذلك الوأد الخفي، وهي: وإذا الموءودة سئلت» (3).
_________
(1) البدائع: 234/ 2، الدر المختار: 521/ 2 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 212، المهذب: 66/ 2، تكملة المجموع: 578/ 15، كشاف القناع، المكان السابق.
(2) متفق عليه عن جابر (نيل الأوطار: 195/ 6).
(3) رواه أحمد ومسلم، والمراد بالغيلة: أن يجامع امرأته وهي مرضع، وقال ابن السكّيت: هي أن ترضع المرأة وهي حامل، وذلك لما يحصل للرضيع من الضرر بالحمل حال إرضاعه (نيل الأوطار: 196/ 6).

(9/6600)


وقال متأخرو الحنفية (1): يجوز العزل بغير إذن المرأة لعذر، كأن يكون في سفر بعيد، أو في دار الحرب، فخاف على الولد، أو كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها، فخاف أن تحبل.

الإسقاط: وقالوا أيضاً: يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر، ولو بلا إذن الزوج.
وقال المالكية (2): إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل نفس إجماعاً.
هذا ... وقد نصت المادة (49) من القانون السوري على أحكام الزواج الصحيح: «الزواج الصحيح النافذ تترتب عليه جميع آثاره من الحقوق الزوجية كالمهر ونفقة الزوجة ووجوب المتابعة وتوارث الزوجين، ومن حقوق الأسرة كنسب الأولاد وحرمة المصاهرة».

حكم الزواج غير اللازم:
حكم الزواج غير اللازم مثل حكم الزواج اللازم إلا أنه يثبت فيه الحق للزوج أو الزوجة بالفسخ، ويكون الزواج قابلاً للفسخ.

حكم الزواج الموقوف:
الزواج الموقوف مع كونه صحيحاً لا يترتب عليه أي أثر من آثار الزواج قبل إجازته ممن له حق الإجازة، فلا يحل فيه الدخول بالزوجة، ولا تجب فيه نفقة
_________
(1) الدر المختار ورد المختار: 522/ 2.
(2) القوانين الفقهية: ص 212.

(9/6601)


ولا طاعة، ولا يثبت به حق التوارث بموت أحد الزوجين. فإن أجيز صار نافذاً وترتبت عليه أحكام الزواج اللازم، عملاً بالقاعدة الفقهية: (الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة). ومثاله نكاح الفضولي: الذي يعقد لغيره من غير ولاية تامة عليه ولا وكالة عنه. ومثل تزوج الصغير والصغيرة المميزين بدون إذن الولي. وقال محمد: تزوج العاقلة بنفسها أو بوكيلها من غير إذن وليها يكون موقوفاً.
وإن حصل دخول قبل الإجازة، كان معصية، ولكن تترتب عليه عند الحنفية آثار الزواج الفاسد الآتية، فيسقط الحد ويثبت النسب، ويجب الأقل من المسمى ومهر المثل، لكن لا عدة في زواج موقوف قبل الإجازة، ولا في باطل. وقد نص القانون السوري (م 52) على أحكام هذا النوع: «الزواج الموقوف حكمه قبل الإجازة كالفاسد».

حكم الزواج الفاسد وأنواعه عند الحنفية (1):
الزواج الفاسد عند الحنفية: هو مافقد شرطاً من شروط الصحة، وأنواعه: هي الزواج بغير شهود، والزواج المؤقت، وجمع خمس في عقد، والجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها، وزواج امرأة الغير بلا علم بأنها متزوجة، ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل: فاسد عند أبي حنيفة، وباطل عند الصاحبين، وهو الراجح.
وليس للزواج الفاسد حكم قبل الدخول، فلا يترتب عليه شيء من آثار الزوجية، فلا يحل فيه الدخول بالمرأة، ولا يجب فيه للمرأة مهر ولا نفقة، ولا تجب فيه العدة، ولا تثبت به حرمة المصاهرة، ولا يثبت به النسب، ولا التوارث.
_________
(1) البدائع:335/ 2، الدر المختار ورد المحتار: 481/ 2 - 484، 835، مختصر الطحاوي: ص174.

(9/6602)


ويجب على الزوجين أن يتفرقا بأنفسهما، وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليحكم بالتفريق بينهما، ويجوز فيه دعوى الحسبة لإزالة المنكر من غير أن يكون للمدعي مصلحة شخصية، ويثبت لكل واحد منهما فسخه، ولو بغير حضور صاحبه، دخل بها أو لا في الأصح، خروجاً عن المعصية، وهذا لا ينافي وجوب التفريق بينهما من قبل القاضي.
وإذا حصل دخول بالمرأة، كان الدخول معصية، ووجب التفريق بينهما، ولكن لا يقام عليهما حد الزنا، وإنما يعزرهما القاضي بمايراه زاجراً لهما، لوجود شبهة العقد، والحدود تدرأ بالشبهات. لكن يجب الحد في الدخول بالمحارم عند الصاحبين، ورأيهما هو الراجح؛ لأن التزوج في كل وطء حرام على التأبيد لايوجب شبهة، وما ليس بحرام على التأبيد كالمحرم بالصهرية كالأخت والعمة والنكاح بغير شهود، يكون العقد فيه شبهة. ولكن لو وطئها بعد التفريق يلزمه الحد، ولو دخلته شبهة.
وكذلك يجب الحد بالدخول في نكاح منكوحة الغير ومعتدته، مع العلم بالحرمة، لكونه زنا.
وبالرغم من كون الدخول في الزواج الفاسد معصية، فإنه عند الحنفية تترتب عليه ـ أي بالوطء في القبل لا بغيره كالخلوة (1) ـ الأحكام التالية:
1 - وجوب المهر: يجب فيه ولو تكرر الوطء عند جمهور الحنفية ما عدا زفرالأقل من مهر المثل ومن المسمى، فإن لم يكن المهر مسمى في العقد، وجب مهر المثل مهما بلغ، لفساد التسمية. ووجوب المهر في الزواج الفاسد وإن كان في
_________
(1) عبارة مشايخ الحنفية: الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح.

(9/6603)


الأصل لا يجب لأنه ليس بنكاح حقيقة، إلا أنه قد وجب بسبب الدخول، والقاعدة الفقهية: (كل وطء (وقاع) في دار الإسلام، لا يخلو عن عَقْر أي حد، أوعُقْر أي مهر) وبما أن الحد قد انتفى لشبهة العقد، فيكون الواجب هو المهر. وكون المهر لا يزيد عن المسمى فلأن المرأة رضيت بذلك القدر، والعاقدان لم يقوِّما المنافع بأكثر من المسمى، فلا تتقوم بأكثر من المسمى. وكون الواجب هو الأقل من المهرين فلأن الأصل وجوب مهر المثل بسبب فساد العقد، ويجب فيه عند زفر مهر المثل بالغاً ما بلغ.
2 - ثبوت نسب الولد من الرجل إن وجد، احتياطاً لإحياء الولد وعدم ضياعه.
3 - وجوب العدة على المرأة من حين التفريق بينهما عند جمهور الحنفية وهو الصواب في المذهب؛ لأن النكاح الفاسد بعد الوطء منعقد في حق الفراش، والفراش لا يزول قبل التفريق. وعليه تجب العدة بعد الوطء لا الخلوة، للطلاق لا للموت من وقت التفريق أو متاركة الزوج وإن لم تعلم الزوجة بالمتاركة في الأصح.
وقال زفر: يبدأ وقت وجوب العدة من آخر وطء وطئها؛ لأن العدة تجب بالوطء، وتطلب لمعرفة استبراء الرحم، والحمل يكون بالوطء. ولا عدة في نكاح المحارم ومنكوحة الغير ومعتدته، إن علم أنها للغير؛ لأنه لم يقل أحد بجوازه، فلم ينعقد أصلاً، كما أن نكاح المحارم باطل على الأظهر.
4 - ثبوت حرمة المصاهرة: فيحرم على الرجل الزواج بأصول المرأة وفروعها، وتحرم المرأة على أصول الرجل وفروعه.

(9/6604)


ولا تترتب على الزواج الفاسد أحكام أخرى، فلا تجب به نفقة ولا طاعة، ولا يثبت به حق التوارث بين الرجل والمرأة.

وقد نص القانون السوري (م 51) على أحكام الزواج الفاسد:
1 - الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
2 - ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية: أـ المهر في الحد الأقل من مهر المثل والمسمى. ب ـ نسب الأولاد بنتائجه المبينة في المادة (133) من هذا القانون. جـ ـ حرمة المصاهرة. د ـ عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج، ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين.
3 - تستحق الزوجة النفقة الزوجية ما دامت جاهلة فساد النكاح.

حكم الزواج الباطل وأنواعه:
1 - حكم الزواج الباطل عند الحنفية:
الزواج الباطل عند الحنفية: هو ـ كما تقدم ـ الذي حصل خلل في ركنه أو في شرط من شروط انعقاده، كزواج الصبي غير المميز والزواج بصيغة تدل على المستقبل، والزواج بالمحارم كالأخت والعمة على الرأي الراجح، والمرأة المتزوجة برجل آخر مع العلم بأنها متزوجة، وزواج المسلمة بغير المسلم، وزواج المسلم بغير الكتابية كالمجوسية والوثنية، ونحوها.
وحكم الزواج الباطل: أنه لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح، فلا يحل فيه الدخول بالمرأة، ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا طاعة، ولا يثبت به توارث ولا مصاهرة، ويجب عدم التمكين من الدخول بينهما، فإن دخلا فرَّق القاضي بينهما جبراً، ولا عدة فيه بعد التفريق كالموقوف قبل إجازته.

(9/6605)


وقد نص القانون السوري (م 2/ 48) علي ما يلي: زواج المسلمة بغير المسلم باطل، ونصت المادة (50) على أحكام الزواج الباطل: الزواج الباطل لا يترتب علىه شيء من آثار الزواج الصحيح، ولو حصل فيه دخول.

2 - حكم الزواج الباطل وأنواعه عند المالكية:
الباطل والفاسد بمعنى واحد عند الجمهور غير الحنفية، فالزواج الباطل أو الفاسد عند المالكية: هو ما حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته، وهو ينقسم إلى نوعين:
أـ زواج اتفق الفقهاء على فساده: كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة.
ب ـ وزواج اختلف الفقهاء في فساده: وهوما يكون فاسداً عند المالكية وصحيحاً عند بعض الفقهاء بشرط أن يكون الخلاف قوياً، كزواج المريض فإنه لا يجوز، على المشهور عند مالك.
فإن كان الخلاف ضعيفاً كزواج المتعة، وزواج المرأة الخامسة، كان من المجمع على فساده.
وللزواج الفاسد أو الباطل أحكام هي ما يأتي (1):
1 - التحريم ووجوب فسخه في الحال: رفعاً للمعصية، فإن تم الفسخ فليس للمرأة شيء، سواء أكان العقد متفقاً على فساده أم مختلفاً في فساده؛ لأن القاعدة الكلية تقول: «كل نكاح فسخ قبل الدخول، فلا شيء فيه، كان متفقاً على فساده
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 204 - 211، بداية المجتهد: 31/ 2 - 49، 57 - 59، الشرح الكبير: 236/ 2 - 241، الشرح الصغير: 382/ 2 - 391.

(9/6606)


أو مختلفاً فيه، كان الفساد لعقده أو لصداقة أو لهما» فليس الفسخ قبل الدخول مثل الطلاق قبل الدخول في الزواج الصحيح. فلا شيء من الصداق بالفسخ قبل الدخول، إلا في نكاح الدرهمين، أو ما قل عن الصداق الشرعي إذا امتنع الزوج من إتمامه، ففسخ قبل الدخول، ففيه نصفهما على قول، وإلا في حال ادعاء الزوج الرضاع مع المرأة، ولم يدخل بها، ففسخ لإقراره بالرضاع، فيلزمه نصف المسمى، لاتهامه أنه قصد فراقها بلا شيء.
فإن دخل الرجل بالمرأة فهل يفسخ العقد أو لا؟ العقد الفاسد بالنسبة لاستحقاق الفسخ بعد الدخول ثلاثة أنواع:
أـ نوع يجب فسخه أبداً وإن طال الزمان بعد الدخول: وهو ما يكون الفساد فيه لخلل في الصيغة أو في العاقدين أو في محل العقد، كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وزواج المتعة، والزواج بأكثر من أربع زوجات، والزواج بغير ولي أو بغير شهود، وزواج مريض الموت، فنكاح المريض لا يجوز في المشهور عن مالك، ويفسخ وإن صح.
ب ـ ونوع لا يجب فسخه بل يبقى: وهو ما كان الفساد فيه بسبب فساد الصداق، كالزواج بدون صداق، أو بصداق مجهول، أو كان الفساد بسبب اقتران العقد بشرط يناقض المقصود من الزواج، مثل الزواج بشرط ألا يعاشرها ليلاً أو نهاراً، أو ألا ينفق عليها، أو ألا يقسم لها مع زوجته الثانية.
جـ ـ ونوع يجب فسخه إن لم يطل الزمان بعد الدخول، ولا يفسخ إن طال الزمن، وهو محصور في ثلاثة عقود هي:
زواج الصغيرة اليتيمة إذا زوّجت مع فقد شرط من شروطها، وزواج الشريفة

(9/6607)


بالولاية العامة مع وجود الولي الخاص، وزواج السر (1)، لكن الطول في اليتيمة والشريفة يكون بمرور ثلاث سنوات فأكثر أو ولادة ولدين في بطنين، والطول في زواج السر يكون بحسب العرف: وهو ما يحصل فيه الاشتهار والظهور بين الخاص والعام عادة.
والفسخ قبل الدخول أو بعده طلاق، فإن أعاد العقد بعده صحيحاً بقي له طلقتان فقط، وإن أعاده صحيحاً قبله، استمر على ما هو عليه.
2 - وجوب المهر بالدخول، لا بمجرد الخلوة: سواء أكان متفقاً على فساده، أم مختلفاً في فساده.
والمهر المستحق: هو المسمى إن كان مسمى، أو مهر المثل إن لم يسم تسمية صحيحة، أو كان الفساد بسبب شرط يناقض المقصود من الزواج.
3 - ثبوت النسب للولد بأبيه إن كان العقد مختلفاً في فساده، وكذا إن كان متفقاً على فساده، ولم يعتبر الوطء زنا، إذا لم يكن الرجل عالماً بالحرمة. فإن كان عالماً بالحرمة اعتبر زنا ووجب الحد، ولا يثبت النسب.
وعليه يندرئ الحد عن الواطئ في نكاح المعتدة، وذات الرحم المحرم والرضاع إن كان غير عالم بالحرمة، فإن علم بأنها ذات محرم أو ذات رضاع أو أنها معتدة أو أنها خامسة، حَدَّ، إلا المعتدة أي العالم بأنها معتدة، ففي حده قولان.
ولا حد في الوطء بناء على عقد اختلف فيه العلماء، كنكاح المحرم بحج أو عمرة، والشغار، وتزويج المرأة نفسها بدون ولي.
_________
(1) وهو ما أوصى فيه الزوج الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة، ولو أهل منزل، إذا لم يكن الكتم خوفاً من ظالم أو نحوه.

(9/6608)


4 - ثبوت الإرث بين الرجل والمرأة في حال الفساد المختلف فيه: فلو مات أحدهما قبل فسخ العقد ورثه الآخر، دخل الرجل بالمرأة أو لم يدخل، وذلك إلا زواج المريض مرض الموت، فإنه لا يجوز عند المالكية خلافاً للجمهور فإنه صحيح؛ لأن سبب فساده هو إدخال وارث في التركة لم يكن موجوداً عند المرض، فلو ثبت به الإرث، لفات الغرض الذي من أجله حكم بفساد العقد.
ولا يثبت حق التوارث في حالة الفساد المتفق عليه؛ لأنه زواج غير منعقد أصلاً.
5 - ثبوت حرمة المصاهرة (1) بالدخول (الوطء) (2) أو مقدماته، إذا كان العقد مختلفاً في فساده. وكذلك تثبت بهما إذا كان العقد متفقاً على فساده، بشرط ألا يعتبر الوطء زنا موجباً للحد، فإن اعتبر زنا موجباً للحد لا تثبت به حرمة المصاهرة به على المعتمد.
وكذلك مجرد العقد الفاسد المختلف فيه يحرِّم المرأة على أصول الرجل وفروعه، ويحِّرم على الرجل أصولها؛ لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، ولا يحرم عليه فروعها؛ لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات، فإذا دخل بالأم حرمت البنت أيضاً.
6 - وجوب العدة إذا دخل الرجل بالمرأة أو اختلى بها خلوة يتمكن فيها من الاتصال الجنسي، ثم فسخ العقد، سواء أكان العقد متفقاً على فساده أم مختلفاً فيه، وتبدأ العدة من وقت الفرقة بينهما بعد الفسخ.
_________
(1) وهي تحريم المرأة على أصول الرجل وفروعه، وتحريم أصول المرأة وفروعها على الرجل.
(2) المراد بالوطء: ما يشمل إرخاء الستور، ولو تقارروا على عدم الوطء، ومثل الوطء مقدماته.

(9/6609)


أنواع الأنكحة الفاسدة المختلف فيها:
هناك أنكحة فاسدة أربعة، ورد النهي فيها صراحة، وهي نكاح الشغار، ونكاح المتعة، والخطبة على خطبة أخيه، ونكاح المحلِّل (1).
أما نكاح الشغار: فهو أن يُنكح موليته: بنته أوأخته، على أن ينكحه الآخر موليته،،ولا صداق بينهما إلا بُضْع هذه ببضع الأخرى. اتفق العلمآء على معناه هذا، وعلى أنه نكاح غير جائز لثبوت النهي عنه، لخلوه عن المهر. واختلفوا إذا وقع، هل يصحح بمهر المثل أو لا؟
فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يصحح ويفسخ أبداً قبل الدخول وبعده، لما روى ابن عمر: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن الشغار» (2)، والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق.
وقال أبو حنيفة: يصح نكاح الشغار بفرض صداق المثل. أما النهي عنه في السنة فمحمول على الكراهة، والكراهة لا توجب فساد العقد، فيكون الشرع أوجب فيه أمرين: الكراهة ومهر المثل.
ومنشأ الخلاف: هل النهي عن الشغار معلل بعدم العوض أو غير معلل؟ فإن قلنا: غير معلل، لزم الفسخ على الإطلاق. وإن قلنا: العلة عدم الصداق، صح بفرض صداق المثل، مثل العقد على خمر أو خنزير.
والخلاصة: أن نكاح الشغار باطل عند الجمهور، صحيح مكروه تحريماً عند
_________
(1) بداية المجتهد: 57/ 2 وما بعدها، الدر المختار: 457/ 2 وما بعدها، الشرح الكبير: 239/ 2، الشرح الصغير: 388/ 2، 446، القوانين الفقهية: ص 204، المهذب: 46/ 2، مغني المحتاج: 142/ 3، المغني: 641/ 6 - 648، اللباب: 20/ 3، مختصر الطحاوي: ص 181.
(2) رواه الجماعة عن نافع عن ابن عمر (نيل الأوطار: 140/ 6).

(9/6610)


الحنفية، فإن وقع فسخ النكاح عند الجمهور قبل الدخول وبعده، على المشهور عند المالكية، ويدفع الرجل لمن دخل بها مهر المثل، وتقع به حرمة المصاهرة، والوراثة، وإن وقع جاز عند الحنفية بمهر المثل.

وأما نكاح المتعة (وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك لمدة كذا) والنكاح المؤقت (وهو أن يتزوج امرأة عشرة أيام مثلاً) فهو باطل، أما الأول فبالإجماع ما عدا الشيعة عملاً عندهم برأي ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين، وأما الثاني فبطلانه عند الجمهور؛ لأنه أتى بمعنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني، وأجازه زفر والشيعة، وقول زفر: هو أنه صحيح لازم؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. وقد سبق تفصيل الكلام فيه.
وأما الخطبة على خطبة الغير: فعند الجمهور يعد الزواج حينئذ صحيحاً، ولا يفرق بين الزوجين؛ لأن النهي ليس متوجهاً إلى نفس العقد، بل إلى أمر خارج عن حقيقته، فلا يقتضي بطلان العقد، كالتوضؤ بماء مغصوب، وعند مالك على المعتمد، يجب الفسخ قبل الدخول بطلقة بائنة.
وأما نكاح المحلِّل: (وهو الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثاً لزوجها الذي طلقها) فهو حرام باطل مفسوخ، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لعن الله المحلِّل والمحلَّل له» (1). وهو نكاح صحيح وإن كان موجباً للإثم عند أبي حنيفة والشافعية؛ لأن العقد في الظاهر قد استكمل أركانه وشروطه الشرعية.
وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم الحديث السابق «لعن الله المحلل» فمن فهم من اللعن: التأثيم فقط، قال: النكاح صحيح. ومن فهم من التأثيم فساد العقد، تشبيهاً بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه، قال: النكاح فاسد.
_________
(1) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

(9/6611)


3 - أنواع الأنكحة الباطلة عند الشافعية:
الباطل: ما اختل ركنه، والفاسد: ما اختل شرطه، وطرأ له الفساد بعد انعقاده، وحكمهما عند الشافعية واحد غالباً، وهو أنه لا يترتب على واحد منهما أي أثر من آثار الزواج الصحيح، فلا مهر ولا نفقة ولا حرمة مصاهرة ولا نسب ولا عدة. والأنكحة الباطلة للنهي عنها كثيرة، أهمها تسعة (1):

1ً - نكاح الشغار: كأن يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وبُضْع (2) كلٍ منهما صداق الأخرى، وإن سميا مع ذلك مهراً في الأصح لوجود التشريك المذكور، فإن لم يجعلا البضع مهراً بأن سكتا عنه، صح في الأصح لعدم التشريك المذكور، ولكل واحدة مهر المثل. وبطلانه للنهي عنه في حديث ابن عمر السابق وغيره، مثل «لا شغار في الإسلام» (3) والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
2ً - نكاح المتعة: وهو النكاح إلى أجل. وإن تزوج بشرط الخيار بطل العقد؛ لأنه عقد يبطله التوقيت، فبطل بالخيار كالبيع.
3 ً - نكاح المُحْرم: فلا يصح النكاح في إحرام أحد العاقدين أو الزوجة، بحج أو عمرة، أو بهما، أو مطلقاً صحيحاً أو فاسداً، وإن عقده الإمام، أو كان بين التحللين، للخبر السابق: «لا يَنكح المحرم ولا يُنكح».
لكن يجوز في الإحرام الرجعة والشهادة على الزواج؛ لأن الرجعة استدامة
_________
(1) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب لزكريا الأنصاري: 233/ 2 - 248، مغني المحتاج: 142/ 3، المهذب: 46/ 2 - 47.
(2) البضع يطلق على عقد النكاح والجماع معاً، وعلى الفرج (النهاية لابن الأثير: 133/ 1).
(3) رواه مسلم عن ابن عمر، وروى أحمد ومسلم حديثاً آخر عن أبي هريرة «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الشغار (نيل الأوطار: 140/ 6).

(9/6612)


لا ابتداء عقد، ولأن ارتباط النكاح بالشهادة ارتباط توثق، وارتباطه بغيرها من الولاية، وكونه عاقداً أو معقوداً عليه ارتباط مباشرة.

4ً - تعدد الأزواج: وهو إنكاح وليين امرأة زوجين، ولم يعرف سبق أحدهما معيناً. فإن دخل بها أحدهما لزمه مهر مثلها، وإن دخلا بها فلها على كل منهما مهر مثلها. فإن عرف عين السابق فهو الصحيح.
5ً - نكاح المعتدة والمستبرأة من غيره ولو من وطء شبهة، فإن دخل بها حُدّ حَد الزنا، إلا إن ادعى الجهل بحرمة النكاح في العدة والاستبراء من غيره، فلا حد عليه. ويعذر الجاهل إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيداً عن العلماء.
6ً - نكاح المرتابة بالحمل قبل انقضاء عدتها: يحرم نكاحها حتى تزول الريبة، وإن انقضت الأقراء (الأطهار)، للتردد في انقضاء عدتها. فلو نكحها رجل أو من ظنها معتدة أو مستبرأة، أو مُحْرمة بحج أو عمرة، أو مَحْرماً، ثم بان خلافه، فالنكاح باطل، للتردد في الحل.
7 - نكاح المسلم كافرة غير كتابية أصلا ً كوثنية ومجوسية وعابدة شمس أو قمر، ومرتدة، أوغير كتابية خالصة كمتولدة بين كتابي ومجوسية وعكسه، لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة:221/ 2] وتغليباً للتحريم في المتولدة بين كتابي ومجوسية.
أما الكتابية: فإن كانت إسرائيلية، حل زواجها إن لم تدخل أصولها في اليهودية بعد نسخها، أو شك في ذلك.
وإن كانت غير إسرائيلية وهي النصرانية، حل زواجها إن علم دخول أصولها في دين النصرانية قبل نسخه، ولو بعد تبديله إن تجنبوا المبدَّل.

(9/6613)


ودليل إباحة الزواج باليهودية والنصرانية بالشرط المذكور قوله تعالى: {والمحصَنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة:5/ 5] أي حِلّ لكم، والمراد من الكتاب: التوراة والإنجيل دون سائر الكتب قبلهما كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام.

8 - المنتقلة من دين إلى آخر: لا يحل نكاحها، ولا يقبل منها إلا الإسلام.
9 - زواج المسلمة بكافر، وزواج المرتدة: فلا تحل مسلمة لكافر بالإجماع، لقوله تعالى: {ولا تُنكحوا المشركين} [البقرة:221/ 2] ولا تحل مرتدة لأحد، لا لمسلم؛ لأنها كافرة لا تقر على ردتها، ولا لكافر لبقاء تعلق الإسلام بها.
وإن ارتد أحد الزوجين أو كلاهما قبل الدخول، بطل النكاح، وإن كان بعد الدخول ينتظر: فإن جمعهما الإسلام في العدة دام النكاح، وإن لم يجمعهما الإسلام في العدة، فلا يدوم النكاح.
هذا وهناك أنكحة مكروهة مثل النكاح بعد الخطبة على الخطبة، ونكاح المحلل بنية التحليل دون الاشتراط في العقد، فإن تزوجها بشرط أنه إذا وطئها طلقها، بطل النكاح، ومثل نكاح المغرر بحرية المرأة أو نسبها.

4 - أنواع النكاح الفاسد عند الحنابلة:
الزواج الفاسد نوعان (1):

النوع الأول ـ يبطل النكاح من أصله، وهو أربعة عقود:
1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوجه وليَّته، على أن يزوجه الآخر وليته، ولا
_________
(1) غاية المنتهى: 42/ 3، المغني: 455/ 6 وما بعدها.

(9/6614)


مهر بينهما، أو يجعل بُضْع كل واحدة مع دراهم معلومة مهراً للأخرى. فإن سموا مهراً مستقلاً ولو قل صح، وإن سمي لأحدهما صح نكاحها فقط.

2 - نكاح المحلل: وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها، أو فلا نكاح بينهما، أو ينويه الزوج، أو يتفقا عليه قبله، فيحرم النكاح، ولا يصح ولا تحل لزوجها الأول.
3 - نكاح المتعة: وهو أن يتزوجها إلى مدة، أو يشترط طلاقها فيه بوقت، أو ينويه بقلبه، أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج، أو يقول: أمتعيني نفسك، فتقول: أمتعتك بلا ولي ولا شهود. فمن تعاطى ماذكر، عزر ولحقه النسب.
4 - النكاح المعلَّق: كزوجتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضيت أمها، أو إن وضعت زوجتي بنتاً فقد زوجتكها، ويصح بقوله: زوجتكها إن كانت بنتي، أو كنت وليها، أو إن انقضت عدتها، وهما يعلمان ذلك، أو شئت، فقال: شئت، وقبلت مثل زوجت، وقبلت إن شاء الله تعالى.
ومن الأنكحة الباطلة: نكاح المرأة المتزوجة أو المعتدة، أو شبهه، فإذا علم الزوجان التحريم، فهما زانيان، وعليهما الحد، ولا يلحق النسب به.
وأما الزواج الفاسد المختلف في إباحته كالنكاح بغير شهود أو بغير ولي، فلا يجب به الحد، سواء اعتقد حله أم حرمته؛ لأنه مختلف في إباحته، ولأن الحد يدرأ بالشبهات، والاختلاف فيه أقوى الشبهات.

النوع الثاني ـ يصح النكاح دون الشرط:
كما إذا شرط ألا مهر أو لا نفقة، أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل، أو إن شرط كلاهما أو أحدهما عدم وطء أو دواعيه، أو أن تعطيه شيئاً أو أن تنفق

(9/6615)


عليه، أوإن فارق رجع بما أنفق، أو شرط كلاهما أو أحدهما خياراً في عقد أو مهر، أو إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلافلا نكاح بينهما، أوأن يسافر بها، أو أن تستدعيه لوطء عند إرادتها، أو ألا تسلم نفسها إلى مدة كذا، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو يعزل عنها، أو يسكن بها حيث شاءت أو شاء أبوها ونحوه.
وإن شرطها مسلمة، فبانت كتابية، أو شرط بكراً أو جميلة أو نسيبة، أو شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح، فبانت بخلافه، فله الخيار، ويرجع بعد الدخول على من غرّه (الغار).
وإن شرط صفة، فبانت أعلى ككتابية، فبانت مسلمة، فلا خيار.

المبحث الخامس ـ مندوبات عقد الزواج أو ما يستحب له:
يستحب للزواج ما يأتي (1):

1 - أن يخطب الزوج قبل العقد عند التماس التزويج خُطبة (2) مبدوءة بالحمد لله والشهادتين، والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مشتملة على آية فيها أمر بالتقوى وذكر المقصود، عملاً بخطبة ابن مسعود، قال: «علَّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، وخطبة الحاجة: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله» ويقرأ ثلاث آيات، فسرها سفيان الثوري:
_________
(1) الشرح الصغير: 338/ 2 وما بعدها، 499 - 503، مغني المحتاج: 137/ 3، المهذب: 41/ 2، 63 - 65، المغني: 536/ 6 وما بعدها، كشاف القناع: 30/ 5 وما بعدها، تكملة المجموع: 548/ 15 - 559، غاية المنتهى: 76/ 3.
(2) الخُطبة: هي الكلام المفتتح بحمد الله والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المختتم بالوصية والدعاء، لخبر أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم».

(9/6616)


{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران:102/ 3].
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء:1/ 4].
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ... } الآية (1) [الأحزاب:70/ 33 - 71].
ثم يقول: وبعد: فإن الله أمر بالنكاح، ونهى عن السفاح، فقال مخبراً وآمراً: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم .. } [النور:32/ 24] لآية.
ويجزئ عن ذلك أن يحمد الله، ويتشهد ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال: الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد، إن فلاناً يخطب إليكم فلانة، فإن أنكحتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله.
والمستحب خطبة واحدة، لما تقدم، لا خطبتان اثنتان: إحداهما من العاقد، والأخرى من الزوج قبل قبوله؛ لأن المنقول عنه صلّى الله عليه وسلم وعن السلف خطبة واحدة، وهوأولى ما اتبع.
ويبين الزوج قصده بنحو: قد قصدنا الانضمام إليكم ومصاهرتكم والدخول في خدمتكم ونحوه، ويقول الولي: قد قبلناك ورضينا أن تكون منا وفينا، وما في معناه.
_________
(1) رواه الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي.

(9/6617)


فإن عقد الزواج من غير خطبة جاز، فالخطبة مستحبة غير واجبة، لما روى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال للذي خطب الواهبة نفسها للنبي صلّى الله عليه وسلم: «زوجتكها بما معك من القرآن» (1) ولم يذكر خطبة، وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بني سليم قال: «خطبت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحني من غير أن يتشهد» ولأن الزواج عقد معاوضة، فلم تجب فيه خطبة كالبيع.

2 - أن يدعى للزوجين بعد العقد، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير (2). وأن يهنَّأ الزوجان بنحو: مبارك إن شاء الله، ويوم مبارك ونحو ذلك.
3 - أن يعقد النكاح يوم الجمعة مساء، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: «أمسوا بالمِلاَك، فإنه أعظم بركة» (3)، ولأن الجمعة يوم شريف ويوم عيد، والبركة في النكاح مطلوبة، فاستحب له أشرف الأيام طلباً للبركة، والإمساء به؛ لأن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الإجابة.
4 - إعلان الزواج والضرب فيه بالدف، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح» (4) وفي رواية الترمذي عن عائشة: «أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغِرْبال» أي بالدف، وعند النسائي: «فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح».
_________
(1) متفق عليه بين أحمد والشيخين: البخاري ومسلم.
(2) رواه أبو داود والترمذي وصححه وحسنه وابن ماجه.
(3) رواه أبو حفص. والأصح لغة: الإملاك أي التزويج، وليس المِلاَك: يقال: أملكنا فلاناً فلانة، أي زوجناه إياها.
(4) رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير. وأما حديث عائشة عن الترمذي ففيه ضعيف (سبل السلام: 116/ 3).

(9/6618)


ولا بأس بالغناء المباح أو الغزل البريء غير المخصص بشخص ما، في العرس، لما روى ابن ماجه عن عائشة: أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار، وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها، قالت، فلما رجعنا، قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما قلتم يا عائشة؟ قالت: سلّمنا ودعونا بالبركة، ثم انصرفنا، فقال: إن الأنصار قوم فيهم غَزَل، ألا قلتم يا عائشة: أتيناكم أتيناكم، فحيَّانا وحيَّاكم؟».
والمالكية الذين لم يشترطوا الإشهاد عند العقد، قالوا: يندب الإشهاد عند العقد، للخروج من الخلاف، إذ كثير من الأئمة لا يرى صحته إلا بالشهادة حال العقد، وهم يرون وقوعه صحيحاً في نفسه، وإن لم تحصل الشهادة حال العقد كالبيع، ولكن لا تتقرر صحته، ولا تترتب ثمرته من حل التمتع إلا بحصولها قبل البناء، فجاز أن يعقد فيهما سراً، ثم يخبرا به عدلين، كأن يقولا لهما: قد حل منا العقد، فلان على فلانة. أو أن الولي يخبر عدلين، والزوج يخبر عدلين غيرهما، ولا يكفي أن يخبر أحدهما عدلاً، والثاني عدلاً غيره؛ لأنهما حينئذ بمنزلة الواحد.

5 - ذكر الصداق أي تسميته عند العقد، لما فيه من اطمئنان النفس، ودفع توهم الاختلاف في المستقبل، وندب أيضاً كون المهر حالاً، بلا تأجيل لبعضه.
6 - الوليمة (وهي طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها): وهي سنة مستحبة مؤكدة عند جماهير العلماء وهو مشهور مذهبي المالكية والحنابلة، ورأي بعض الشافعية؛ لأنه طعام لحادث سرور، فلم تجب كسائر الولائم.
وفي قول مالك، والمنصوص في الأم للشافعي ورأي الظاهرية: أن الوليمة واجبة، لقوله صلّى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» (1) وظاهر الأمر الوجوب.
_________
(1) متفق عليه عن أنس (نيل الأوطار: 175/ 6).

(9/6619)


وقد اختلف السلف في وقت الوليمة، هل هو عند العقد، أوعقبه، أوعند الدخول أو عقبه أو من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟
قال النووي: اختلفوا، فحكى القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول، وعن جماعة منهم: عند العقد، وعند ابن جندب: عند العقد وبعد الدخول. قال السبكي: والمنقول من فعل النبي صلّى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول. وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله: أصبح عروساً بزينب، فدعا القوم (1). وهذا هو المعتمد عند المالكية. وقال الحنابلة: تسن بعقد، وجرت العادة بفعلها قبل الدخول بيسير.

وأما النُثار (ما ينثر من السكر واللوز والجوز في النكاح أو غيره) فيكره عند الشافعي والمالكية؛ لأن التقاطه دناءة وسخف، ولأنه يأخذه قوم دون قوم، وتركه أحب.
وأما الإجابة: فتسن عند الحنفية إجابة الدعوة.
وقال الجمهور: الإجابة إلى الوليمة واجبة وجوباً عينياً عند المالكية والشافعية على المذهب، والحنابلة، حيث لا عذر من نحو برد وحر وشغل، لحديث «من دعي إلى وليمة ولم يجب، فقد عصى أبا القاسم» (2) وحديث «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليأتها» (3).
والإجابة واجبة حتى على الصائم، لكن لا يلزمه الأكل، لما رواه أحمد
_________
(1) نيل الأوطار: 176/ 6.
(2) نص الحديث عند مسلم عن أبي هريرة: «شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويدعى عليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله».
(3) رواه مسلم وأحمد.

(9/6620)


ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل، وإن كان مفطراً فليطعم».

أما الأعذار: فقال الشافعية: إن دعي الشخص إلى موضع فيه منكر من زمر أو طبل أو خمر: فإن قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة، ولإزالته المنكر، وإن لم يقدر على إزالته، لم يحضر، لما روي «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر» (1).
وقال الحنابلة: تكره إجابة من في ماله حرام كأكله منه، ومعاملته وقبوله هديته وهبته وصدقته، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلّته. ويستحب بالاتفاق أكله ولو صائماً صوماً غير واجب؛ لأنه يدخل السرور على من دعاه. ومن دعاه أكثر من واحد، أجاب الكل إن أمكنه، وإلا أجاب الأسبق قولاً، فالأدين فالأقرب رحماً، فجواراً، ثم أقرع، أي لجأ إلى القرعة.

وقال المالكية: تجب الإجابة على من عيّن للوليمة بالشخص، إن لم يكن في المجلس من يُتأذى منه لأمر ديني، كمن شأنه الخوض في أعراض الناس، أو من يؤذيه، أو كان في المجلس منكر كفرش حرير يجلس عليه، وآنية ذهب أو فضة لأكل أو شرب أو تبخير أو نحوها، أو كان هناك سماع غانية ورقص نساء وآلة لهو غير دف وزمارة وبوق، وصور حيوان كاملة لها ظل، لا منقوشة بحائط أو فرش؛ لأن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعاً إن كانت كاملة لها ظل مما يطول استمراره، بخلاف ناقص عضو لا يعيش به لو كان حيواناً، وبخلاف ما لا ظل له، كنقش في ورق أو جدار. والنظر إلى الحرام حرام، وتصوير غير الحيوان كالسفن والأشجار لا حرمة فيه.
_________
(1) رواه أبو داود عن ابن عمر بلفظ «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الجلوس على مائدة عليها الخمر .. ».

(9/6621)


ومن الأعذار المسقطة لوجوب الإجابة: كثرة زحام، أو إغلاق باب دونه إذا قدم، وإن لمشاورة.
ومنها: العذر الذي يبيح التخلف عن الجمعة: من كثرة مطر، أو وحل أو خوف على مال أو مرض أو تمريض قريب ونحوها.

حكم آلات اللهو عند المالكية: قالوا: تكره الزُّمارة والبوق إذا لم يكثر جداً حتى يلهي كل اللهو، وإلا حرم كآلات الملاهي وذوات الأوتار، والغناء المشتمل على فحش القول، أو الهذيان.
ولايكره الغربال أو الدُّف إذا لم يكن فيه صراصير، وإلا حرم، ولا يكره الكُبَر أي الطبل الكبير المدور، المغش من الجهتين.
قال العز بن عبد السلام: أما العود والآلات المعروفة ذوات الأوتار كالربابة والقانون، فالمشهور من المذاهب الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام، والأصح أنه من الصغائر. وذهبت طائفة من الصحابة والتابعين ومن الأئمة المجتهدين إلى جوازه. قال الغزالي (1): وقد دل النص والقياس جميعاً على إباحة سماع الغناء والآلات كالقضيب والطبل والدف وغيره، ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها (2) لا للذتها، إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان.

وأما الرقص: فاختلف فيه الفقهاء: فذهبت طائفة إلى الكراهة، وطائفة إلى الإباحة، وطائفة إلى التفريق بين أرباب الأحوال وغيرهم، فيجوز لأرباب
_________
(1) الإحياء: 238/ 2 وما بعدها، 109/ 3.
(2) روى البخاري تعليقاً عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والمعازف» والمعازف: الملاهي.

(9/6622)


الأحوال ويكره لغيرهم، قال العز بن عبد السلام: وهذا القول هو المرتضى، وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء. وقد أبنت سابقاً أنه حرام مع التثني والتكسر.

7 - أن يقول الزوج إذ ازفت إليه عروسه ما ثبت في السنة وهو ما يأتي:
أـ روى صالح بن أحمد عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: «تزوج، فحضر عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة، فقدموه، وهو مملوك، فصلى بهم، ثم قالوا له: إذا دخلت على أهلك، فصل ركعتين، ثم خذ برأس أهلك فقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي في، وارزقهم مني، وارزقني منهم، ثم شأنك وشأن أهلك».
ب ـ وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا تزوج أحدكم امرأة، أواشترى خادماً، فليقل: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه، وليقل مثل ذلك»، وهذا يقال عند شراء السيارة والدار ونحوهما.

(9/6623)