الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّالث: المحرَّمات من النِّساء
أو الأنكحة المحرَّمة عرفنا في شروط الزواج: أنه يشترط ألا تكون المرأة
محرمة على الرجل الذي يريد الزواج بها، بأن تكون محلاً لورود العقد عليها،
والمحلية نوعان عند الحنفية: أصلية وفرعية، والنوع الأول: شرط في انعقاد
الزواج فإذا لم يتوافر بطل العقد؛ لأن التحريم قطعي، والنوع الثاني: شرط في
صحة الزواج، فإذا فات فسد العقد؛ لأن التحريم ظني.
ومحل عقد الزواج: كل امرأة تحل في الشرع، بوجهين: إما بنكاح أو بملك يمين.
والمحرمات من النساء نوعان: نوع يحرم حرمة مؤبدة، ونوع يحرم حرمة مؤقتة.
والتحريم المؤبد إما من جهة النسب، أو من جهة المصاهرة، أو من جهة الرضاع
(1).
_________
(1) البدائع: 256/ 2 - 272، 2/ 4 - 5، تبيين الحقائق: 101/ 2 - 105، فتح
القدير: 357/ 2 - 390، غاية المنتهى: 30/ 3 - 38، الدر المختار: 380/ 2 -
405، بداية المجتهد: 31/ 2 - 34، 39 - 49، 57 - 59، القوانين الفقهية: ص
204 - 210، مغني المحتاج: 174/ 3 - 190، المهذب: 42/ 2، المغني: 543/ 6،
567 - 650، كشاف القناع: 74/ 5 - 97.
(9/6624)
والنساء المحرمات عند المالكية (48) امرأة،
خمس وعشرون مؤبدات: سبع من النسب: الأم والبنت والخالة والأخت والعمة وبنت
الأخ وبنت الأخت، ومثلهن من الرضاع. وأربع بالصهر: أم الزوجة وبنتها، وزوجة
الأب والابن، ومثلهن من الرضاع. ونساء النبي صلّى الله عليه وسلم،
والملاعنة، والمنكوحة في العدة.
وغير المؤبدات: ثلاث وعشرون: المرتدة، وغير الكتابية، والخامسة، والمتزوجة،
والمعتدة، والمستبرأة، والحامل، والمبتوتة، والأمة المشتركة (1)، والأمة
الكافرة، والأمة المسلمة لواجد الطَّوْل (المهر)، وأمة الابن وأمة نفسه،
وسيدته، وأم سيده، والمحرمة بالحج، والمريضة، وأخت زوجته، وخالتها، وعمتها،
فلا يجوز الجمع بينهما. والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال، والمخطوبة بعد
الركون للغير، واليتيمة غير البالغ.
النوع الأول ـ المحرمات المؤبدة: هي
التي تحرم على الرجل أبداً، لسبب دائم فيها، كالبنوة والأمومة والأخوة،
وتنحصر في ثلاثة أسباب: القرابة، المصاهرة، الرضاع.
1 - حرمة القرابة أو المحرمات بسبب النسب:
المحرمات بسبب النسب على التأبيد: هن اللاتي تحرم على الشخص بالقرابة
النسبية، وهن أربعة أنواع:
أـ أصول الإنسان وإن علون: وهي الأم،
والجدة: أم الأم، وأم الأب، لقوله تعالى: {حرِّمت عليكم أمهاتكم}
[النساء:23/ 4]. والأم لغة: الأصل، فتشمل الأم والجدة.
_________
(1) لا يجوز للرجل أن يتزوج بجاريته التي يملكها ولا بجارية مشتركة بينه
وبين غيره، وكذلك لا يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها ولا العبد المشترك بينها
وبين غيرها.
(9/6625)
ب ـ فروع الإنسان
وإن نزلن: وهي البنت وبنت البنت، وبنت الابن وإن
نزل، لقوله تعالى: {حرمِّت عليكم أمهاتكم وبناتكم} [النساء:23/ 4].
جـ ـ فروع الأبوين أو أحدهما وإن بعدت درجتهن:
وهي الأخوات الشقيقات أو لأب أو لأم، وبناتهن، وبنات أولاد الإخوة والأخوات
وإن نزلن، لقوله تعالى: {وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء:23/ 4].
د ـ الطبقة الأولى أو المباشرة من فروع الأجداد
والجدات: وهن العمات والخالات، سواء كن عمات للشخص نفسه وخالات له،
أم كن عمات وخالات لأبيه أو أمه، أوأحد أجداده وجداته، لقوله تعالى: {حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم} [النساء:23/ 4].
أما الطبقة الثانية أو غير المباشرة من هذه الفروع فلا تحرم، كبنات العمات
والأعمام، وبنات الخال أو الخالة، لدخولهن في مضمون قوله تعالى: {وأحل لكم
ما وراء ذلكم} [النساء:24/ 4] ولقوله سبحانه: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك
أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، وبنات عمك،
وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} [الأحزاب:50/ 33].
ونصت المادة (33) من القانون السوري على هذه المحرمات: «يحرم على الشخص
أصوله وفروعه، وفروع أبويه، والطبقة الأولى من فروع أجداده». وتكون
المحرمات بالقرابة سبع فرق: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات،
والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
وحكمة تحريم الزواج بهؤلاء: إقامة نظام الأسرة على أساس من الود والحب
الخالص الذي لا تشوبه مصلحة، فبالتحريم تنقطع الأطماع، ويتم الاجتماع
(9/6626)
والاختلاط البريء. وفي الزواج بإحدى هؤلاء
إفضاء إلى قطع الرحم بسبب ما يحدث عادة بين الزوجين من نزاع وتخاصم، وقطع
الرحم حرام، والمفضي إلى الحرام حرام، كما قال الكاساني (1).
هذا فضلاً عما يؤدي إليه الزواج بالقريبات من ضعف النسل والمرض، بعكس
الزواج بالأباعد يأتي بنسل قوي، كما ثبت طباً وشرعاً. وفي الأثر: «اغتربوا
لا تَضْووا» أي تزوجوا البعيدة لئلا يأتي النسل ضاوياً، أي هزيلاً ضعيفاً.
2 - حرمة المصاهرة: المحرمات بسبب
المصاهرة على التأبيد أربعة أنواع أيضاً:
أـ زوجة الأصول وإن علوا، عصبة كانوا أم
ذوي أرحام، سواء دخل بها الأصل أم عقد عليها ولم يدخل، كزوجة الأب، والجد
أبي الأب أو أبي الأم، لقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء،
إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً} [النساء:22/ 4] والمراد
بالنكاح في (نكح): العقد، فهو سبب للتحريم سواء دخل بها أم لم يدخل. والأب
يطلق لغة على الجد وإن علا.
والمحرم بهذه الآية هو زوجة الأب فقط، أما بنتها أو أمها فلا تحرم على
الابن، فيجوز أن يتزوج الرجل امرأة، ويتزوج ابنه بنتها أو أمها.
وسبب التحريم: تكريم واحترام الأصول وتحقق صلاح الأسر ومنع الفساد، من تطلع
الابن لزوجة أصله، في حالة الاختلاط التي تحدث عادة بين الأب وابنه
وسكناهما غالباً في مسكن واحد.
_________
(1) البدائع: 257/ 2.
(9/6627)
ب ـ زوجة فروعه
وإن نزلوا، سواء كن عصبات أم ذوي رحم، وسواء دخل بها الفرع أم لم يدخل ولو
بعد أن فارقها بالطلاق أو الوفاة، كزوجة الابن أوابن الابن أو البنت وإن
نزلوا، لقوله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23/ 4]
ويكون العقد عليها باطلاً لا يترتب عليه أي أثر، فإنهم قالوا: تثبت الحرمة
بنفس العقد في منكوحة الأب وحليلة الابن. والحليلة: هي الزوجة، ويتحقق هذا
الوصف بمجرد العقد الصحيح.
وألحق الحنفية بتحريم زوجة الأصل والفروع: موطوءة الأصل أو الفرع بالزنا أو
الزواج الفاسد؛ لأن مجرد الوطء كاف عندهم في التحريم على الرجل.
ولا فرق بين أن يكون الابن من النسب أو الرضاع، فزوجة الابن أو ابن البنت
من الرضاع تحرم على أبيه وجدِّه تحريماً مؤبداً، كما تحرم زوجة الابن من
النسب؛ لأنه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) ولقوله تعالى: {وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23/ 4].
جـ ـ أصول الزوجة وإن علون، سواء دخل
بزوجته أم لم يدخل، كأم الزوجة وجدتها، وسواء أكانت الجدة من جهة الأب أم
من جهة الأم، فمجرد العقد على الزوجة يحرِّم أصولها على الرجل، ويكون العقد
عليها ولو بعد الطلاق أو الموت باطلاً، لقوله تعالى: {وأمهات نسائكم}
[النساء:23/ 4] وهو في آية المحرمات في سورة النساء (23) شروع في بيان
المحرمات من جهة المصاهرة إثر بيان المحرمات من جهة الرضاعة التي لها لحمة
كلحمة النسب.
د ـ فروع الزوجة وإن نزلن أي الربائب،
إذا دخل الرجل بالزوجة، فإن لم
_________
(1) رواه الجماعة عن عائشة، وهذا لفظ ابن ماجه (نيل الأوطار: 317/ 6).
(9/6628)
يدخل بها، ثم فارقها بالطلاق أو الوفاة،
فلا تحرم البنت ولا واحدة من فروعها على الزوج. لقوله تعالى: {وربائبكم (1)
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن،
فلا جناح عليكم} [النساء:4/ 23] سواء أكانت بنت الزوجة ساكنة في بيت زوج
أمها أم لا، وأما القيد المذكور في الآية {في حجوركم} [النساء:4/ 23] فهو
مستمد من الشأن الغالب في الربيبة، وهو أن تكون مع أمها، وسبب التحريم كون
نكاحها مفضياً إلى قطيعة الرحم، سواء أكانت في حجره أم لم تكن.
ويلحق بتحريم أصول الزوجة وفروعها عند الحنفية: أصول الموطوءة وفروعها في
وطء حرام أو فيه شبهة.
ويلاحظ مما سبق في حرمة المصاهرة أن العقد وحده على المرأة يحرم ما عدا
فروع الزوجة، وقد قرر الفقهاء فيه قاعدة مشهورة هي: (العقد على البنات
يحرِّم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرّم البنات) وسبب التفرقة أن الإنسان
يحب ابنه أو بنته كنفسه بعكس حب الأصل، فلا تتألم الأم لو عقد على بنتها
بعد العقد عليها.
وحكمة التحريم بالمصاهرة كما أبان الدهلوي (2): منع التنازع والتصارع الذي
قد يحدث بين الأقارب من هذا النوع إما بفك ارتباط زوجة بزوجها أو بالتنازع
على زوج.
ما يلحق بحرمة المصاهرة: ألحق الحنفية
كما تقدم بالعقد الصحيح أو بالدخول:
_________
(1) الربائب جمع ربيبة: وهي بنت المرأة من رجل آخر، وسميت بذلك لأن زوج
الأم يربها أي يقوم بأمرها ويرعى شؤونها. فالربائب: هن بنات زوجة دخل بها.
(2) حجة الله البالغة: 97/ 2.
(9/6629)
1 ً - حالة
الدخول بالمرأة بعقد فاسد كالزواج بغير شهود.
2 ً - وحالة الدخول بالمرأة بناء على شبهة،
كمن زفت إليه امرأة أخرى غير التي عقد عليها، وقيل له: إنها زوجته، فدخل
بها، بناء عليه، ثم تبين أنها ليست زوجته التي عقد عليها ولم يكن قد رآها،
وهي التي تسمى بالمرأة المزفوفة.
3 ً - وكذلك ألحقوا مع الحنابلة (1) الزنا، ومثله عند الحنفية مقدمات الزنا
من تقبيل ومس بشهوة، فقالوا: تثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمس والنظر بدون
النكاح والملك وشبهته؛ لأن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه
احتياطاً، وألحق الحنابلة اللواط بالزنا، فقالوا: الحرام المحض وهو الزنا
يثبت به التحريم، ولا فرق بين الزنا في القبل والدبر؛ لأنه يتعلق به
التحريم فيما إذا وجد في الزوجة والأمة. وإن تلوط بغلام يتعلق به التحريم
أيضاً، فيحرم على اللائط أمُّ الغلام وابنته، وعلى الغلام أم اللائط
وابنته؛ لأنه وطء في الفرج، فنشر الحرمة كوطء المرأة، ولأنها بنت من وطئه
وأمه، فحرمتا عليه، كما لو كانت الموطوءة أنثى.
ويترتب على هذا الرأي: أنه يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته، وبنت
ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا، وتحرم أمها وجدتها، فمن زنى
بامرأة حرمت عليه بنتها وأمها. ولو زنى الزوج بأم زوجته أو ببنتها، حرمت
عليه زوجته على التأييد.
واستدلوا بدليلين:
الأول ـ ما روي أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني قد زنيت بامرأة في
الجاهلية، أفأنكح ابنتها؟ قال: «لا أرى ذلك، ولا يصلح أن تنكح امرأة تطّلع
من
_________
(1) البدائع: 260/ 2، المغني: 577/ 6 ومابعدها، فتح القدير: 365/ 2 وما
بعدها.
(9/6630)
ابنتها على ما تطلع عليه منها». ولكن هذا
الحديث مرسل ومنقطع كما قال ابن الهمام في فتح القدير.
الثاني ـ إن الزنا سبب للولد، فيثبت به التحريم قياساً على غير الزنا، وكون
الزنا حراماً لا يؤثر، بدليل أن الدخول بالمرأة بناء على عقد فاسد تثبت به
حرمة المصاهرة بالاتفاق، وإن كان الدخول حراماً. ورد عليه بأنه قياس مع
الفارق؛ لأن الزنا يجب به الحد ولا يثبت به النسب، بخلاف الوطء في الزواج،
لذا قال الشافعي لمحمد بن الحسن: «إن الزواج أمر حمدت عليه، والزنا فعل
رجمت عليه، فكيف يشتبهان؟!».
وقال المالكية على المشهور والشافعية (1): إن الزنا والنظر والمس لا تثبت
به حرمةالمصاهرة، فمن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها، ولا الزواج بأمها أو
ببنتها، ولا تحرم المزني بها على أصول الزاني وفروعه، ولو زنى الرجل بأم
زوجته أو ببنتها لا تحرم عليه زوجته. وإن لاط بغلام لم تحرم عليه أمه
وابنته، ولكن يكره ذلك كله.
واستدلوا بأدلة أربعة هي:
الأول ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة، فأراد أن
يتزوجها أو يتزوج ابنتها، فقال: «لا يحرم الحرام الحلال، إنما يحرم ما كان
بنكاح» (2) فهذا كما قال الدميري: يدل لمذهب الشافعي أن الزنا لا يثبت حرمة
المصاهرة، حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها.
_________
(1) الشرح الصغير: 347/ 2، مغني المحتاج: 175/ 3، 419.
(2) أخرجه البيهقي عن عائشة وضعفه، وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر.
(9/6631)
ويؤيده أحاديث أخرى منها: «الزاني المجلود
لا ينكح إلا مثله» (1) وقرأ النبي صلّى الله عليه وسلم على رجل يريد أن
يتزوج بزانية: {الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} (2) [النور:3/ 24].
الثاني ـ المصاهرة نعمة؛ لأنها تلحق الأجانب بالأقارب، وفي الحديث:
«المصاهرة لحمة كلحمة النسب» (3)، وأما الزنا فمحظور شرعاً، فلا يكون سبباً
للنعمة.
الثالث ـ القصد من إثبات حرمة المصاهرة قطع الأطماع بين الرجل والمرأة،
لتحقيق الألفة والمودة، والاجتماع البريء من غير ريبة، أما المزني بها فهي
أجنبية عن الرجل ولا تنسب إليه شرعاً، ولا يجري بينهما التوارث، ولا تلزمه
نفقتها، ولا سبيل للقاء معها، فهي كسائر الأجانب، فلا وجه لإثبات الحرمة
بالزنا.
الرابع ـ قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء:24/ 4] يفيد صراحة
حل ما عدا المذكورات قبلها، وليس المزني بها منهن، فتدخل في عموم الحل.
وبالنظر في أدلة الفريقين، وبمعرفة ضعف أدلة الفريق الأول، يتبين لنا ترجيح
رأي الفريق الثاني، تمييزاً بين الحلال المشروع والحرام المحظور.
ونصت المادة (34) من القانون السوري على المحرمات بسبب المصاهرة ونصها:
يحرم على الرجل:
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود، وقال في الفتح: رجاله ثقات.
(2) رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، قال الهيثمى: ورجال أحمد ثقات.
والمرأة يقال لها أم مهزول.
(3) المعروف حديث البخاري عن ابن عباس: «حَرُم من النسب سبع، ومن الصِّهْر
سبع» (جامع الأصول: 144/ 12).
(9/6632)
1 - زوجة أصله أو فرعه أو موطوءة أحدهما.
2 - أصل موطوءته أو فرعها، وأصل زوجته.
وقد اقتصر النص على أصل الزوجة دون فرعها؛ لأنه إن دخل الزوج بالزوجة،
فيشمل فرع الزوجة قوله: «أصل موطوءته وفرعها» وإن لم يدخل بها، فلا يحرم
عليه فرعها وهي الربيبة.
3 - حرمة الرضاع:
المحرمات بسبب الرضاع هن المحرمات بسبب النسب، وهو أربعة أنواع من جهة
النسب، وأربعةأنواع من جهة المصاهرة، فصار المجموع ثمانية. ودليل التحريم:
قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة} [النساء:23/
4] وقوله صلّى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) وكما
تحرم القريبات من الرضاع، تحرم الأصهار من الرضاع أيضاً، قياساً على النسب،
وأخذاً من مفهوم الآية والحديث المتقدمين، فأصبحت القاعدة: يحرم بسبب
الرضاع ما يحرم بسبب النسب وسبب المصاهرة إلا في حالتين سأذكرهما يختلف
فيهما حكم النسب والرضاع.
وأنواع المحرمات بالرضاع الثمانية هي ما
يأتي:
الأول ـ أصول الإنسان من الرضاع مهما علون:
وهي الأم من الرضاعة والجدة أو الجدات، أي أم المرضعة وأم زوج المرضعة.
_________
(1) رواه الجماعة عن عائشة، وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ الآخرين «من الولادة»
بدل «من النسب» وروى أحمد والشيخان اللفظ الأول أيضاً عن ابن عباس، وفي لفظ
«من الرحم» (جامع الأصول: 146/ 12، نيل الأوطار: 317/ 6).
(9/6633)
الثاني ـ الفروع من
الرضاع مهما نزلن: وهي البنت رضاعاً وبنتها، وبنت
الابن رضاعاً وبنتها وإن نزلت؛ لأنهن بنات إخوته وأخواته.
الثالث ـ فروع الأبوين من الرضاع: وهي
الأخوات من الرضاعة، وبنات الإخوة والأخوات مهما نزلن؛ لأنهن بنات الأخ
والأخت.
الرابع ـ الفروع المباشرة للجد والجدة من
الرضاع: وهي العمات والخالات رضاعاً. والعمة من الرضاعة: هي أخت زوج
المرضعة، والخالة من الرضاعة: هي أخت المرضعة. ولا تحرم بنات العمات
والأعمام وبنات الخالات والأخوال من الرضاعة، كما لا تحرم من النسب.
الخامس ـ أم الزوجة وجداتها من الرضاعة مهما
علون، سواء أكان هناك دخول بالزوجة أم لم يكن.
السادس ـ زوجة الأب والجد من الرضاع، وإن علا،
سواء دخل الأب والجد بها أم لم يدخل، كما يحرم عليه زوجة أبيه من النسب.
السابع ـ زوجة الابن وابن ابن البنت من الرضاع،
وإن نزلوا، سواء دخل الابن ونحوه بالزوجة أم لم يدخل، كما يحرم عليه
زوجة أولاده من النسب.
الثامن ـ بنت الزوجة من الرضاعة. وبنات أولادها
مهما نزلن، إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، فإن لم يكن دخول بها، فلا
تحرم فروعها من الرضاع على الزوج، كما في النسب.
ما يختلف فيه حكم الرضاع عن حكم النسب:
استثنى الحنفية (1) حالتين من التحريم بالنسب، لا تحريم فيهما من جهة
الرضاع، وهما:
_________
(1) البدائع: 4/ 3 - 5، اللباب: 33/ 3.
(9/6634)
1 ً - أم الأخ
أو الأخت من الرضاع: فإنه يجوز الزواج بها، ولا يجوز الزواج بأم
الأخ أو الأخت من النسب لأبيه، كأن ترضع امرأة طفلاً، وكان لها ابن من
النسب، فيجوز لهذا الابن أن يتزوج بأم هذا الطفل، وهي أم أخيه من الرضاع.
وذلك لأن أم الأخ أو الأخت من النسب إما أن تكون أمه إن كانا شقيقين أو
أخوين لأم، أو زوجة أبيه إن كانا أخوين لأب، وهذا لم يوجد في الرضاع.
2 ً - أخت الابن أو البنت من الرضاع:
فإنه يحل للأب أن يتزوج بها، ولا يحل له أن يتزوج بأخت ابنه أو بنته من
النسب، كأن ترضع امرأة طفلاً، فلزوج هذه المرأة أن يتزوج بأخت هذا الطفل،
ولأبي هذا الطفل أن يتزوج بنت هذه المرضعة.
وحرمة أخت الابن أو البنت من النسب؛ لأنها إما أن تكون بنته أو بنت زوجته
المدخول بها، وكلتاهما يحرم الزواج بها، وهذا لم يوجد في الرضاع.
أخت الأخ وأم الرضيع والمرضعة:
ذكر الحنفية أيضاً أنه يجوز للرجل الزواج بأخت الأخ من الرضاع، وأخت الأخ
من النسب، وأم الرضيع من النسب، وبالمرضعة. أما أخت الأخ من الرضاع فكأن
يرضع طفل من امرأة، فيجوز لأخي هذا الطفل الذي لم يرضع أن يتزوج بنت هذه
المرأة، وهي أخت أخيه من الرضاع، وهذا معنى قول العوام: افلت رضيعاً وخذ
أخاه. ومثلها أخت أخته من الرضاع.
وأما صورة أخت أخيه من النسب: فكأن يوجد أخوان لأب، ولأحدهما أخت من أمه،
فيحل لأخيه الآخر أن يتزوج بها، وهي أخت أخيه من النسب، إذ لا صلة بين هذه
الأخت وبين الرجل، لا بنسب ولا رضاع، وإنما هي بنت زوجة
(9/6635)
أبيه. وكذلك لو كان هناك أخوان لأم،
ولأحدهما أخت نسبية من الأب، فإنها تحل لأخيه من الأم.
ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم الرضيع من النسب؛ لأن الرضيع ابنه، كما
يجوز أن يتزوج أم ابنه من النسب.
ولأب الرضيع من النسب أن يتزوج المرضعة؛ لأنها أم ابنه من الرضاع، فهي كأم
ابنه من النسب.
موقف القانون من الرضاع:
نصت المادة (1/ 35) من القانون السوري على أصناف المحرمات بالرضاع وهي:
«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه».
ونصت الفقرة (2) من هذه المادة على شروط الرضاع
المحرم: «يشترط في الرضاع للتحريم أن يكون في العامين الأولين، وأن
يبلغ خمس رضعات متفرقات، يكتفي الرضيع في كل منها، قل مقدارها أو كثر».
وهذا يعني أن شروط الرضاع المحرِّم هي ما يأتي:
1 - أن يقع الرضاع خلال العامين الأولين من
حياة الرضيع، فلو رضع بعدهما لا تثبت به الحرمة. وهذا رأي الجمهور
لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» (1)، وضم
الإمام مالك لمدة العامين مدة أقصاها شهران؛ لأن الطفل قد يحتاج لهذه المدة
للتدرج في تحويل غذائه من اللبن إلى الطعام، وذلك إذا لم يفطم عن الرضاع
قبل هذه المدة، فإن فطم وأكل الطعام ثم رضع فلا يكون الرضاع محرِّماً.
_________
(1) رواه الدارقطني عن ابن عباس (نيل الأوطار: 315/ 6).
(9/6636)
وقدر الإمام أبو حنيفة مدة الرضاع بسنتين
ونصف، ليتدرج الطفل في نصف العام على تحويل غذائه من اللبن إلى غيره.
2 - أن يرضع الطفل خمس رضعات متفرقات
بحسب العادة، بحيث يترك الثدي باختياره من غير عارض كتنفس أو استراحة يسيرة
أو شيء يلهيه عن الرضاع فجأة ولا يشترط كونها مشبعات. وهذا مذهب الشافعية
والحنابلة في الراجح عندهم.
آراء العلماء في رضاع الكبير والصغير:
ورد عن السيدة عائشة قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلّى الله
عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن سالماً مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد
بلغ ما يبلغ الرجال «فقال: أرضعيه تحرمي عليه». رواه مسلم (1).
وفي سنن أبي داود «فأرضعيه خمس رضعات» فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة وهو
معارض لذلك.
وهو يدل على أن رضاع الكبير يحرم مع أنه ليس داخلاً تحت الرضاعة من
المجاعة، وبيان القصة أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً وزوجه، وكان سالم
مولى لامرأة من الأنصار فلما أنزل الله {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب:5/ 33]
الآية. كان من له أب معروف نسب إلى أبيه، ومن لا أب له معروفاً، كان مولى
وأخاً في الدين، فعند ذلك جاءت سهلة تذكر ما نصه الحديث.
_________
(1) رواه مسلم في الرضاع، باب: رضاع البالغ، رقم (1453).
(9/6637)
وقد اختلف السلف في هذا الحكم:
1 - ذهبت السيدة عائشة رضي الله عنها، وروي هذا عن علي وعروة وداود
الظاهري: إلى ثبوت حكم التحريم وإن كان الراضع بالغاً عاقلاً بل لقد ورد أن
السيدة عائشة كانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل
عليها من الرجال ـ رواه مالك.
وأما حجتهم فهي:
أـ حديث سهلة هذا وهو حديث صحيح لا شك فيه.
ب ـ قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}
[النساء:23/ 4] فإنه مطلق غير مقيد بوقت.
2 - وقال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء: لا يحرم من الرضاع إلا ما
كان في الصغر مع اختلافهم في تحديد الصغر.
1ً - الجمهور قالوا: مهما
كان في الحولين فإن رضاعه يحرم، ولا يحرم ما كان بعدهما، مستدلين بقوله
تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة:233/ 2].
2ً - وحديث «إنما الرضاعة
من المجاعة» ولا يصدق ذلك إلا على من يشبعه اللبن، ويكون غذاءه لا غير، فلا
يدخل الكبير لاسيما وقد ورد بصيغة الحصر.
3 - قال جماعة: الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام ولم يقدروه بزمان.
4 - وقال الأوزاعي: إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين،
لم يحرم هذا الرضاع شيئاً وإن تمادى رضاعه ولم يفطم فما يرضع وهو في
الحولين حرّم، وما كان بعدهما لا يحرم وإن تمادى إرضاعه.
(9/6638)
5 - وهناك أقوال أخرى عارية عن الاستدلال.
وأجاب الجمهور عن حديث سالم بأنه خاص بقصة سهلة كما يدل له قول أم سلمة
للسيدة عائشة: «لا نرى هذا إلا خاصاً بسالم». ولا ندري لعله رخصه لسالم أو
أنه منسوخ.
ـ وأجاب القائلون بتحريم رضاع الكبير بأن الآية وحديث «إنما الرضاعة من
المجاعة» واردان لبيان الرضاعة الموجبة لنفقة المرضعة، والتي يجبر عليها
الأبوان كما يرشد إلى ذلك آخر الآية: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن
بالمعروف} [البقرة:233/ 2].
وعائشة هي الراوية لحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» وهي التي قالت برضاع
الكبير وأنه يحرم، فدل على أنها فهمت ما ذكرناه في معنى الآية والحديث.
قالوا: ولو كان حديث سالم خاصاً به لذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم
كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذعة من المعز.
وأما القول بأنه منسوخ فيدفعه أن قصة سهلة متأخرة عن نزول آية الحولين فإن
سهلة قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فإن
هذا السؤال منها استنكار لرضاع الكبير دال على أن التحليل بعد اعتقاد
التحريم. وقد دفع ابن تيمية التعارض فقال:
«إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا
يُستغنى عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي
حذيفة، فمثل هذا الكبير الذي أرضعته للحاجة أثَّر رضاعه، وأما من عداه فلا
بد من الصغر».
(9/6639)
وهو جمع بين الأحاديث حسن وإعمال لها من
غير مخالفة لظاهرها بالاختصاص ولا نسخ ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له
الأحاديث (1).
لبن الفحل: الفحل: الرجل المتزوج
بالمرأة المرضعة إذا كان لبنها منه. والحكم المقرر لدى جمهور الصحابة
والتابعين وأئمة الاجتهاد: أن اللبن للفحل فهو الذي يتعلق به التحريم، أي
أنه حق الرجل، وقد حدث بسببه، ولا تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق، فبه
يصبح زوج المرضع أباً للرضيع، وتصبح المرضع به أيضاً أماً للرضيع، ويحرم
الطفل على الرجل وأقاربه، كما يحرم ولده من النسب، ويصير أولاد الزوج كلهم
إخوة الرضيع، سواء أكانوا من تلك الزوجة المرضع، أم من زوجة أخرى غيرها
(2)، أخرج الأئمة الستة عن عائشة، قالت: «دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس،
فاستترت منه، فقال: تستترين مني وأنا عمك؟ قالت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة
أخي، قالت: إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل، فدخل علي رسول الله
صلّى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: إنه عمك، فليلج عليك».
حكمة التحريم بالرضاع:
يحدث التحريم بالرضاع بسبب تكوّن أجزاء البنية الإنسانية من اللبن، فلبن
المرأة ينبت لحم الرضيع، وينشز عظمه أي يكبر حجمه، كما جاء في الحديث: «لا
رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم» (3) فإن إنشاز العظم، وإنبات اللحم،
إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن، وبه تصبح المرضع أما ً للرضيع؛ لأنه جزء
منها حقيقة.
_________
(1) سبل السلام: 213/ 3 - 216.
(2) المغني: 572/ 6، اللباب: 32/ 3، القوانين الفقهية: ص 206، مغني
المحتاج: 418/ 3، المقدمات الممهدات لابن رشد: 492/ 1.
(3) نيل الأوطار: 316/ 6.
(9/6640)
وسأذكر إن شاء الله في بحث الرضاع شروط
الرضاع المحرم عند الفقهاء وطرق إثبات الرضاع.
النوع الثاني ـ المحرمات المؤقتة:
وهن اللاتي يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة لسبب معين، فإذا زال السبب زالت
الحرمة، وتلك خمسة أنواع هي:
المطلقة ثلاثاً، المشغولة بحق زوج آخر بزواج أوعدة، التي لا تدين بدين
سماوي، أخت الزوجة ومن في حكمها، الخامسة لمتزوج بأربع.
واقتصر القانون السوري على أربعة أصناف، ولم يذكر المرأة التي لا تدين بدين
سماوي، فنص في المواد (36 - 39) على ذلك:
م (36 - 1) - لا يجوز أن يتزوج رجل امرأة طلقها ثلاث مرات إلا بعد انقضاء
عدتها من زوج آخر، دخل بها فعلاً.
2 - زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق، ولو كانت دون الثلاث،
فإذا عادت إليه يملك عليها ثلاثاً جديدة.
(م 37) - لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلّق إحدى زوجاته الأربع،
وتنقضي عدتها.
(م 38) - لا يجوز التزوج بزوجة آخر ولا بمعتدته.
(م 39) - لا يجوز الجمع بين امرأتين، لو فرضت كل منهما ذكراً حرمت عليه
الأخرى، فإن ثبت الحل على أحد الفرضين، جاز الجمع بينهما.
وأضاف الحنفية المرأة الملاعنة: وهي التي قذفها زوجها بالفجور، أو نفي
(9/6641)
نسب ولدها إليه، فترافعا إلى القاضي،
وتلاعنا أمامه، ففرق بينهما. فتصبح المرأة حراماً على الرجل، فإن أكذب نفسه
وبرأها مما نسبه إليها، جاز زواجه بها عند أبي حنيفة ومحمد. وقال الجمهور:
التحريم مؤبد،
لما صح في السنة أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً (1).
وأبيّن هنا تباعاً هذه الأنواع ما عدا الملاعنة فمحل بحثها في اللعان.
1 ً - المطلقة ثلاثاً (المبتوتة أو البائن بينونة كبرى) بالنسبة لمن طلقها:
فمن طلق زوجته ثلاث طلقات، فلا يحل له أن يعقد عليها مرة أخرى، إلا إذا
تزوجت بزوج آخر ودخل بها، وانقضت عدتها منه، بأن طلقها باختياره أو مات
عنها، فتعود إلى الزوج الأول بزوجية جديدة، ويملك عليها ثلاث طلقات جديدة
(2)، بعد أن اختبرت المرأة زوجاً آخر، وقامت بتجربة أخرى، وأحس الزوج
بصعوبة الفراق، فيعودان إلى الحياة المشتركة بروح وصفحة جديدة، وتسارع
المرأة في إرضاء زوجها، وتجنب أسباب تصدع الزوجية السابقة. قال تعالى
مبيناً طريق حل المبتوتة: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان}
[البقرة:229/ 2] .. إلى أن قال سبحانه: {فإن طلقها، فلا تحل له من بعد حتى
تنكح زوجاً غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما
حدود الله} [البقرة:230/ 2].
والدليل على اشتراط دخول الزوج الثاني بالمرأة المطلقة ثلاثاً: حديث
العسيلة، قالت عائشة: جاءت امرأة رفاعة القُرَظي إلى النبي صلّى الله عليه
وسلم فقالت: كنت
_________
(1) رواه أبو داود عن سهل بن سعد، وروى الدارقطني ذلك عن سهل بن سعد وابن
عباس وعلي وابن مسعود (نيل الأوطار: 271/ 6).
(2) المحرر في الفقه الحنبلي لابن تيمية: 85/ 2، المغني: 261/ 7 وما بعدها،
274 وما بعدها.
(9/6642)
عند رفاعة، فطلقني، فبتَّ طلاقي، فتزوجت
بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هَدْبة الثوب (1)، فقال: أتريدين
أن ترجعي إلفاعة، لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك (2) فيه دليل على أن
وطء الزوج الثاني لا يكون محللاً ارتجاع الزوج الأول للمرأة، إلا أن كان
حال وطئه منتشراً، فلو لم يكن كذلك، أوكان عنيناً أو طفلاً، لم يكف في
الأصح من قولي أهل العلم.
شروط حل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول: يشترط لحل المطلقة ثلاثاً للزوج
الأول ثلاثة شروط (3):
أحدها: أن تنكح زوجاً غيره، لقوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره}
[البقرة:230/ 2].
الثاني ـ أن يكون النكاح صحيحاً: فإن كان فاسداً لم يحلها الوطء فيه،
باتفاق المذاهب الأربعة، لقوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/
2] وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح.
الثالث ـ أن يطأها في الفرج: فلو وطئها دونه أو في الدبر، لم يحلها؛ لأن
النبي صلّى الله عليه وسلم علق الحل ـ في الحديث المتقدم ـ على ذوق العسيلة
منهما، ولا يحصل ذلك إلا بالوطء في الفرج. وأدناه تغييب الحشفة في الفرج؛
لأن أحكام الوطء تتعلق به. ولو أولج الحشفة من غير انتشار، لم تحل له؛ لأن
الحكم يتعلق بذوق
_________
(1) أي طرف الثوب الذي لم ينسج، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء
وعدم الانتشار.
(2) رواه الجماعة عن عائشة (نيل الأوطار: 253/ 6) وتصغير العسيلة إشارة إلى
أن القدر القليل كاف في تحصيل المطلوب، بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج.
(3) المغني: 275/ 7 وما بعدها.
(9/6643)
العسيلة، ولا تحصل من غير انتشار. ويجزئ
قدر الحشفة من مقطوع الذكر، وتحل بوطء الخصي؛ لأنه يطأ كالفحل، ولم يفقد
إلا الإنزال، وهوغير معتبر في الإحلال. وذكر الحنفية أنها لو تزوجت بمجبوب
(مقطوع الذكر كله) فإنها لا تحل حتى تحبل لوجود الدخول حكماً، حتى إنه
يثبتُ النسب من الثاني.
واشترط الحنابلة والمالكية شرطاً رابعاً: وهو أن يكون الوطء حلالاً، فإن
وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من أحدهما أو منهما، أو وأحدهما صائم فرضاً،
لم تحل؛ لأنه وطء حرام لحق الله تعالى، لم يحصل به الإحلال، كوطء المرتدة،
لا يحلها سواء وطئها في حال ردتهما، أو ردتها.
ولم يشترط الحنفية والشافعية هذا الشرط، قال ابن قدامة الحنبلي: وهذا أصح
إن شاء الله تعالى، لظاهر قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/
2] وهذه قد نكحت زوجاً غيره، وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: «حتى تذوقي
عسيلته، ويذوق عسيلتك» وهذا قد وجد، ولأنه وطء في نكاح صحيح في محل الوطء
على سبيل التمام، فأحلها كالوطء الحلال، وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة،
أو وطئها مريضة يضرها الوطء.
وهل نكاح التحليل المؤقت (1) يحل المطلقة ثلاثاً: قال الحنفية والشافعية
(2): تحل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول بنكاح التحليل، لكن يكره عند الحنفية
تحريماً التزوج الثاني إن كان بشرط التحليل، مثل: تزوجتك
_________
(1) نكاح المحلل ـ كما ذكر الحنابلة ـ هو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلاثاً
على أنه إذا أحلها طلقها، أو فلا نكاح بينهما، أو ينويه الزوج، أو يتفقا
عليه قبله (غاية المنتهى: 40/ 3).
(2) الدر المختار: 738/ 2 - 749، المهذب: 46/ 2، تكملة المجموع: 405/ 15 -
411.
(9/6644)
على أن أحلك. لحديث: «لعن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له» (1)، ويصح الزواج، ويبطل الشرط، فلا
يجبر الثاني على الطلاق. فإن أضمر الزوج الأول والثاني التحليل، أو كان
الثاني مأجوراً لقصد الإصلاح، لا مجرد قضاء الشهوة ونحوها، لا يكره.
وذكر الشافعية أن نكاح المحلل باطل إن نكحها على أنها إذا وطئها فلا نكاح
بينهما، أو أن يتزوجها على أن يحلل للزوج الأول، لما روى هزيل عن عبد الله
قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الواصلة والموصولة، والواشمة
والموشومة، والمحلِّل والمحلَّل له، وآكل الربا ومطعمه» (2) ولأنه نكاح شرط
انقطاعه، دون غايته، فأشبه نكاح المتعة. وأما إن تزوجها واعتقد أنه يطلقها
إذا وطئها، فيكره ذلك، لما روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر: أنه جاء
إليه رجل، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة
ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا، إلا بنكاح رغبة وروى أبو مرزوق
التجيبي مثله عن عثمان، أي إن تزوج على نية التحليل بدون شرط صح النكاح؛
لأن العقد إنما يبطل بما شرط، لا بما قصد.
والخلاصة: إن زواج المحلل بلا شرط، أي بدون شرط صريح في العقد على التطليق،
وإنما بالنية والقصد الباطن صحيح مكروه عند الشافعية؛ لأن العقد استوفى
أركانه وشروطه في الظاهر، ولا يتأثر العقد بالباعث الداخلي أي أنهم لا
يقولون بمبدأ سد الذرائع بالقصد الداخلي.
وقال المالكية والحنابلة (3): إن نكاح المحلل أونكاح التيس المستعار ولو
بلا
_________
(1) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود، ورواه الخمسة إلا
النسائي من حديث علي مثله (نيل الأوطار: 138/ 6).
(2) أخرجه النسائي والترمذي وصححه.
(3) القوانين الفقهية: ص 209، غاية المنتهى: 40/ 3.
(9/6645)
شرط: وهو الذي يتزوجها ليحلها لزوجها حرام
باطل مفسوخ، لا يصح ولا تحل لزوجها الأول، والمعتبر نية المحلل لا نية
المرأة، ولا نية المحلل له.
ودليلهم الحديث السابق عن ابن مسعود: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
المحلِّل والمحلل له» وحديث عقبة بن عامر: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟
قالوا: بلى، يارسول الله، قال: هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له»
(1). فهذا يدل على تحريم التحليل؛ لأن اللعن إنما يكون على ذنب كبير. وهذا
يتفق مع مبدئهم بسد الذرائع، وهو الراجح لدي. وخص الفريق الأول التحريم
والإبطال بما إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها الثاني بانت منه، أو شرط أنه
يطلقها أو نحوذ لك.
2ً
- المشغولة بحق زوج آخر: وهي التي تعلق
بها حق الغير بزواج أو عدة، وهذا يشمل ما يأتي:
1 ً) ـ المرأة المتزوجة: فلا يحل لأحد
أن يعقد عليها ما دامت متزوجة لتعلق حق الغير بها، سواء أكان الزوج مسلماً
أم غير مسلم؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}
[النساء:24/ 4] أي المتزوجات، واستثنى النص المملوكات بملك اليمين: وهن
المسبيات في حرب مشروعة، فإذا سبيت المرأة، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها
بسبب اختلاف الدار، فيحل الزواج بها. وهذا هو مانع الزوجية من أربعة عشر
مانعاً عند المالكية سأذكرها.
وحكمة تحريم المتزوجة واضحة وهي منع الاعتداء على حق الغير، وحفظ الأنساب
من الاختلاط.
_________
(1) الحديث الأول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، والثاني رواه ابن
ماجه والحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال (نيل الأوطار: 138/ 6 وما
بعدها)
(9/6646)
2 ً) ـ المرأة
المعتدة: وهي التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق، سواء عدة طلاق
أو وفاة. فلا يحل لأحد غير زوجها الأول التزوج بها حتى تنقضي عدتها، ويشمل
ذلك عدة الزواج الفاسد أوبشبهة، لثبوت نسب الولد. لقوله تعالى: {ولا تعزموا
عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} [البقرة:235/ 2] أي لا تعقدوا الزواج
على المعتدة من وفاة حتى تنتهي عدتها. ولقوله سبحانه: {والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة:228/ 2] أي أطهار أو حيضات على رأيين في
التفسير والفقه، أي يجب على المرأة المطلقة الانتظار ثلاثة أطهار أو حيضات،
فلا يحل الزواج بها، وقال علي وابن عباس وعَبيدة السلماني: «ما أجمعت
الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر، وألا تنكح امرأة في عدة
أختها»
وحكمة تحريم المعتدة بقاء آثار الزواج السابق، ورعاية حقوق الزوج القديم،
ومنع اختلاط الأنساب.
وهل يترتب على الدخول بالمعتدة تحريمها على الرجل تحريماً مؤبداً؟
اختلف الفقهاء على رأيين (1)، فقال الجمهور: إن الدخول بالمعتدة لا يحرمها
عليه، بل إذا انقضت عدتها حل له الزواج بها؛ لأن الرجل لو زنى بامرأة لا
يحرم عليه الزواج بها بالاتفاق، فكذلك لو دخل بها وهي في العدة أو بعدها،
لا يحرم عليه الزواج بها بعد انتهاء العدة، ولأن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال: يفرق بينهما، ثم يخطبها بعد العدة إن شاء. وروي مثله عن ابن مسعود
رضي الله عنه.
وقال المالكية: الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريماً مؤبداً، فيفرق
_________
(1) بداية المجتهد: 46/ 2 وما بعدها.
(9/6647)
بينهما ولاتحل له أبداً، بدليل ما روى مالك
عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرق بين
طليحة الأسدية وبين زوجها راشد الثقفي لما تزوَّجها في العدة من زوج ثان،
وقال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها،
فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب،
وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من
الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً. قال ابن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها.
وهذا هو مانع العدة عند المالكية من أربعة عشر مانعاً.
3 ً) - المرأة الحامل من الزنا عند الحنفية،
ومانع الزنا عند المالكية (1):
يحل بالاتفاق للزاني أن يتزوج بالزانية التي زنى بها، فإن جاءت بولد بعد
مضي ستة أشهر من وقت العقد عليها، ثبت نسبه منه، وإن جاءت به لأقل من ستة
أشهر من وقت العقد لا يثبت نسبه منه، إلا إذا قال: إن الولد منه، ولم يصرح
بأنه من الزنا. إن هذا الإقرار بالولد يثبت به نسبه منه لاحتمال عقد سابق
أو دخول بشبهة، حملاً لحال المسلم على الصلاح وستراً على الأعراض.
أما زواج غير الزاني بالمزني بها، فقال قوم كالحسن البصري: إن الزنا يفسخ
النكاح. وقال الجمهور: يجوز الزواج بالمزني بها. ومنشأ الخلاف آية:
{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرِّم ذلك على المؤمنين} [النور:3/
24] الفريق الأول يأخذ بظاهر الآية، والكلام خرج مخرج التحريم. والفريق
الثاني (الجمهور) حملوا الآية على الذم، لا على التحريم، لما روى أبوداود
والنسائي عن ابن عباس قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال:
إن امرأتي لا تمنع يد لامس ـ
_________
(1) بداية المجتهد: 39/ 2 وما بعدها، البدائع: 269/ 2، المهذب: 43/ 2،
المغني: 601/ 6 - 604.
(9/6648)
كناية عن عدم العفة عن الزنا ـ قال:
غرِّبها ـ أي أبعدها ـ قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها» (1)
ولما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة: «لا يحرم الحرام
الحلال».
ثم اختلف الجمهور في التفصيل، فقال الحنفية: إذا كانت المزني بها غير حامل،
صح العقد عليها من غير الزاني، وكذلك إن كانت حاملاً يجوز الزواج بها عند
أبي حنيفة ومحمد، ولكن لا يطؤها، أي لا يدخل بها حتى تضع الحمل، للأدلة
الآتية:
أولاً ـ لم تذكر المزني بها في المحرمات، فتكون مباحة، لقوله تعالى: {وأحل
لكم ما وراء ذلكم} [النساء:24/ 4].
ثانياً ـ لا حرمة لماء الزنا، بدليل أنه لا يثبت به النسب، للحديث السابق:
«الولد للفراش، وللعاهر الحجر» (2)، وإذا لم يكن للزنا حرمة، فلا يكون
مانعاً من جواز النكاح.
وإنما امتنع الدخول بالحامل من الزنا حتى تضع الحمل، فلقوله صلّى الله عليه
وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقين ماءه زرع غيره» (3) يعني
وطء الحوامل من غيره،
وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز العقد على الحامل من الزنا؛ لأن هذا الحمل
يمنع الوطء، فيمنع العقد أيضاً، كما يمنع الحمل الثابت النسب، أي كما لا
يصح العقد على الحامل من غير الزنا، لا يصح العقد على الحامل من الزنا.
_________
(1) نيل الأوطار: 145/ 6، وإسناده صحيح، قال المنذري: ورجال إسناده يحتج
بهم في الصحيحين.
(2) رواه الجماعة إلا أبا داود عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 279/ 6).
(3) رواه الترمذي عن رويفع، وهو حسن، ولكن بلفظ: «ولد غيره» بدل: «زرع
غيره» ورواه أبو داود أيضاً بلفظ: «زرع غيره».
(9/6649)
وقال المالكية: لا يجوز العقد على الزانية
قبل استبرائها من الزنا بحيضات ثلاث أو بمضي ثلاثة أشهر، فإن عقد عليها قبل
الاستبراء، كان العقد فاسداً، ووجب فسخه، سواء ظهر بها حمل أم لا، أما
الأول (ظهور الحمل) فللحديث السابق: «فلا يسقين ماءه زرع غيره» وأما الثاني
فللخوف من اختلاط الأنساب.
وقال الشافعية: إن زنى بامرأة، لم يحرم عليه نكاحها، لقوله تعالى: {وأحل
لكم ما وراء ذلكم} [النساء:24/ 4] ولحديث عائشة السابق: «لا يحرم الحرام
الحلال».
وقال الحنابلة: إذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين:
أحدهما ـ انقضاء عدتها، فإن حملت من الزنا، فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل
نكاحها قبل وضعه، للحديث السابق: «فلا يسقي ماءه زرع غيره» والحديث الصحيح:
«لا توطأ حامل حتى تضع» وهذا رأي مالك.
والثاني ـ أن تتوب من الزنا، للآية السابقة: {وحرِّم ذلك على المؤمنين}
[النور:3/ 24] وهي قبل التوبة في حكم الزنا، فإذا تابت زال التحريم لقول
النبي صلّى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (1). ولم
يشترط باقي الأئمة هذا الشرط.
زنا أحد الزوجين: اتفق عامة أهل العلم
على أنه إن زنت امرأة رجل، أوزنى زوجها، لم ينفسخ النكاح، سواء أكان قبل
الدخول أم بعده؛ لأن دعواه الزنا عليها لا يُبينها، ولو كان الزواج ينفسخ
به، لانفسخ بمجرد دعواه كالرضا، ولأنها معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت
السرقة. أما اللعان فإنه يقتضي الفسخ بدون الزنا
_________
(1) المغني: 603/ 6 وما بعدها.
(9/6650)
بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته، فلم
يثبت زناها، وقد أوجب النبي صلّى الله عليه وسلم الحد على من قذفها، والفسخ
واقع باللعان.
ولكن استحب الإمام أحمد للرجل مفارقة امرأته إذا زنت، وقال: «لا أرى أن
يمسك مثل هذه، وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولداً ليس منه»
وقال أحمد أيضاً: ولا يطؤها الزوج حتى يستبرئها بثلاث حيضات، للحديث
السابق: «فلا يسقى ماءه زرع غيره» يعني إتيان الحبالى، ولأنها ربما تأتي
بولد من الزنا، فينسب إليه. قال ابن قدامة: والأولى أنه يكفي استبراؤها
بالحيضة الواحدة؛ لأنها تكفي في استبراء الإماء (1).
3ً
- المرأة التي لا تدين بدين سماوي (2):
لا يحل للمسلم الزواج بالمرأة المشركة أو الوثنية: وهي التي تعبد مع الله
إلهاً غيره، كالأصنام أو الكواكب أو النار أوا لحيوان، ومثلها المرأة
الملحدة أو المادية: وهي التي تؤمن بالمادة إلهاً، وتنكر وجود الله، ولا
تعترف بالأديان السماوية، مثل الشيوعية والوجودية، والبهائية والقاديانية
والبوذية.
وذلك لقوله تعالى: {ولا تَنْكحوا المشركات، حتى يؤمنَّ، ولأمة مؤمنة خير من
مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة:221/ 2].
وألحق الحنفية والشافعية وغيرهم المرأة المرتدة بالمشركة، فلا يجوز لأحد
أصلاً مسلم أو كافر أن يتزوجها؛ لأنها تركت ملة الإسلام، ولا تقر على
الردة، فإما أن تموت أوتسلم، فكانت الردة في معنى الموت، لكونها سبباً
مفضياً إليه، والميت لا يكون محلاً للزواج.
_________
(1) المغني: 603/ 6 وما بعدها.
(2) الدين السماوي: الدين الذي له كتاب منزل ونبي مرسل.
(9/6651)
والخلاصة: لا يحل بالاتفاق نكاح من لا كتاب
لها كوثنية (وهي عابدة الوثن أو الصنم) ومجوسية (وهي عابدة النار) إذ لا
كتاب بأيدي أهلها الآن، ولم نتيقنه من قبل فنحتاط.
والسبب في تحريم الزواج بالمشركة
ونحوها: عدم تحقق الانسجام والاطمئنان والتعاون بين الزوجين؛ لأن تباين
العقيدة يسبِّب القلق والاضطراب والتنافر بين الزوجين، فلا تستقيم الحياة
الزوجية القائمة على دعائم المودة والرحمة والمحبة، وغايتها الهدوء
والاستقرار. ثم إن عدم الإيمان بدين يسهل على المرأة الخيانة الزوجية
والفساد والشر، ويرفع عنها الأمانة والاستقامة والخير؛ لأنها تؤمن
بالخرافات والأوهام، وتتأثر بالأهواء والطبائع الذاتية غير المهذبة، فلا
دين يردعها، ولا رادع لها من إيمان بالله وباليوم الآخر وبالحساب والبعث.
زواج المسلمة بالكافر: يحرم بالإجماع
زواج المسلمة بالكافر، لقوله تعالى: {ولا تُنْكحوا المشركين حتى يؤمنوا}
[البقرة:221/ 2] وقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات، فلا ترجعوهن إلى
الكفار، لا هن حل لهم، ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة:10/ 60] ولأن في هذا
الزواج خوف وقوع المؤمنة في الكفر؛ لأن الزوج يدعوها عادة إلى دينه،
والنساء في العادة يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال، ويقلدونهم في
الدين، بدليل الإشارة إليه في آخر الآية: {أولئك يَدْعون إلى النار}
[البقرة:221/ 2] أي يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى
النار؛ لأن الكفر يوجب النار، فكان زواج الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى
الحرام، فكان حراماً باطلاً. والنص وإن ورد في المشركين، لكن العلة وهي
الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع، فيتعمم الحكم بعموم العلة.
وعليه لا يجوز زواج الكتابي بالمسلمة، كما لا يجوز زواج الوثني والمجوسي
(9/6652)
بالمسلمة أيضاً؛ لأن الشرع قطع ولاية
الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلاً} [النساء:141/ 4] فلو جاز تزويج الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل،
وهذا لا يجوز.
الزواج بالكتابيات: الكتابية: هي التي
تؤمن بدين سماوي، كاليهودية والنصرانية. وأهل الكتاب: هم أهل التوراة
والإنجيل، لقوله تعالى: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}
[الأنعام:156/ 6].
وقد أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابيات، لقوله تعالى: {اليوم أحل
لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، والمحصنات
من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة:5/ 5]
والمراد بالمحصنات في الآية: العفائف، ويقصد بها حمل الناس على التزوج
بالعفائف، لما فيه من تحقيق الود والألفة بين الزوجين، وإشاعة السكون
والاطمئنان.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا من أهل الذمة، فتزوج عثمان رضي الله عنه
نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية، وأسلمت عنده، وتزوج حذيفة رضي
الله عنه بيهودية من أهل المدائن. وسئل جابر رضي الله عنه عن نكاح المسلم
اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي
وقاص.
والسبب في إباحة الزواج بالكتابية بعكس المشركة:
هو أنها تلتقي مع المسلم في الإيمان ببعض المبادئ الأساسية، من الاعتراف
بإله، والإيمان بالرسل وباليوم الآخر، وما فيه من حساب وعقاب. فوجود نواحي
الالتقاء وجسور الاتصال على هذه الأسس يضمن توفير حياة زوجية مستقيمة
غالباً، ويرجى إسلامها؛ لأنها تؤمن بكتب الأنبياء والرسل في الجملة.
(9/6653)
والحكمة في أن المسلم يتزوج باليهودية
والنصرانية، دون العكس: هي أن المسلم يؤمن بكل الرسل، وبالأديان في أصولها
الصحيحة الأولى، فلا خطر منه على الزوجة في عقيدتها أو مشاعرها، أما غير
المسلم فلا يؤمن بالإسلام فيكون هناك خطر محقق بحمل زوجته على التأثر
بدينه، والمرأة عادة سريعة التأثر والانقياد، وفي زواجها إيذاء لشعورها
وعقيدتها.
كراهة الزواج بالكتابيات: يكره ـ عند
الحنفية والشافعية، وعند المالكية في رأي ـ للمسلم الزواج بالكتابية
الذمية، وقال الحنابلة: زواجه بها خلاف الأولى؛ لأن عمر قال للذين تزوجوا
من نساء أهل الكتاب: «طِّلقوهن» فطلقوهن إلا حذيفة، فقال له عمر: «طلقها»
قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي خمرة، طلقها، قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي
خمرة، قال: قد علمت أنها خمرة، ولكنها لي حلال. فلما كان بعد، طلقها، فقيل
له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا
ينبغي لي. ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته، وربما كان بينهما ولد، فيميل
إليها.
أما الحربية: فيحرم تزوجها عند الحنفية
إذا كانت في دار الحرب؛ لأن تزوجها فتح لباب الفتنة، وتكره عند الشافعية،
وعند المالكية، والزواج بها خلاف الأولى عند الحنابلة.
والواقع، في الزواج بالكتابيات وبالأولى الحربيات: مضار اجتماعية ووطنية
ودينية، فقد ينقلن لبلادهن أخبار المسلمين، وقد يرغبن الأولاد في عقائد
وعادات غير المسلمين، وقد يؤدي الزواج بهن إلى إلحاق ضرر بالمسلمات
بالإعراض عنهن، وقد تكون الكتابية منحرفة السلوك، بدليل ما يأتي:
روى الجصاص في تفسيره: أن حذيفة بن اليمان تزوج بيهودية، فكتب إليه
(9/6654)
عمر: أن خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أحرام
هي؟ فكتب إليه عمر: لا، ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن، يعني
العواهر. وروى الإمام محمد هذا الأثر في كتابه «الآثار» على النحو الآتي:
إن حذيفة تزوج بيهودية بالمدائن، فكتب إليه عمر: أن خلِّ سبيلها، فكتب
إليه: أحرام يا أمير المؤمنين؟ فكتب إليه عمر: أعزم عليك ألا تضع كتابي
هذا، حتى تخلي سبيلها، فإني أخاف أن يقتدي بك المسلمون، فيختارون نساء أهل
الذمة لجمالهن، وكنَّ بذلك فتنة لنساء المسلمين.
يتبين من ذلك أن عمر رضي الله عنه منع حذيفة من الزواج بالكتابية، لما فيه
من الضرر، وهو إما الوقوع في زواج المومسات منهن، أو تتابع المسلمين في
زواج الكتابيات، وترك المسلمات بلا زواج.
رأي الشافعية في زواج الكتابية: هذا هو
حكم الزواج بالكتابيات، يجوز عند الجمهور بلا شرط، لكن قيد الشافعية الزواج
بالكتابية بقيد، فقالوا (1):
تحل كتابية، لكن تكره حربية، وكذا ذمية على الصحيح، لما في الميل إليها من
خوف الفتنة، والكتابية: يهودية أو نصرانية، لا متمسكة بالزبور وغيره كصحف
شيث وإدريس وإبراهيم عليه السلام.
فإن كانت الكتابية إسرائيلية: فيحل الزواج بها إذا لم يعلم دخول أول من
تدين من آبائها في دين اليهودية بعد نسخه وتحريفه، أو شك فيها، لتمسكهم
بذلك الدين حين كان حقاً، وإلا فلا تحل لسقوط فضيلة ذلك الدين.
_________
(1) مغني المحتاج: 187/ 3 وما بعدها، المهذب: 44/ 2.
(9/6655)
وإن كانت النصرانية: فالأظهر حلها للمسلم
إن علم دخول قومها، أي آبائها أي أول من تدين منهم في ذلك الدين ـ أي دين
عيسى عليه السلام، قبل نسخه وتحريفه، لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقاً. فإن
دخلوافيه بعد التحريف فالأصح المنع، وإن تمسكوا بغير المحرف فتحل في
الأظهر.
والراجح لدي هو قول الجمهور، لإطلاق الأدلة القاضية بجواز الزواج
بالكتابيات، دون تقييد بشيء.
الزواج بالمجوسيات: قال أكثر الفقهاء
(1): ليس المجوس أهل كتاب، للآية المتقدمة {أن تقولوا: إنما أنزل الكتاب
على طائفتين من قبلنا} [الأنعام:156/ 6] فأخبر تعالى: أن أهل الكتاب
طائفتان، فلو كان المجوس أهل كتاب لكانوا ثلاث طوائف.
وأيضاً إن المجوس لا ينتحلون شيئاً في كتب الله المنزلة على أنبيائه وإنما
يقرؤون كتاب زرادشت، وكان متنبياً كذاباً، فليسوا إذن أهل كتاب.
ويدل له: أن عمر ذكر المجوس بالنسبة لأخذ الجزية منهم، فقال: ما أدري كيف
أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يقول: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» رواه الشافعي، وهو دليل على
أنهم ليسوا من أهل الكتاب (2).
السامرة والصابئة: السامرة: طائفة من
اليهود، والصابئة: طائفة من النصارى.
_________
(1) أحكام القرآن للجصاص: 327/ 2، المغني: 591/ 6، البدائع: 271/ 2.
(2) نيل الأوطار: 56/ 8، وروى سفيان عن الحسن بن محمد، قال: كتب النبي صلّى
الله عليه وسلم إلى مجوس هَجَر يدعوهم إلى الإسلام، قال: فإن أسلمتم فلكم
ما لنا، وعليكم ما علينا، ومن أبى فعليه الجزية غير أكل ذبائحهم ولا نكاح
نسائهم.
(9/6656)
قال أبو حنيفة والحنابلة: إنهم أهل كتاب،
فيجوز للمسلم الزواج بالصابئات؛ لأن الصابئة قوم يؤمنون بكتاب، فإنهم
يقرؤون الزبور، ولا يعبدون الكواكب، ولكن يعظمونها كتعظيم المسلمين الكعبة
في الاستقبال إليها، ولكنهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم،
وهذا لا يمنع الزواج كاليهود مع النصارى.
وقال الصاحبان: لا يجوز الزواج بهن؛ لأن الصابئة قوم يعبدون الكواكب، وعابد
الكواكب كعابد الوثن، فلا يجوز للمسلمين مناكحتهم.
وقيل: ليس هذا باختلاف في الحقيقة، وإنما الاختلاف لاشتباه مذهبهم. لذا من
اعتبر الصابئة من عبدة الأوثان: وهم الذين يعبدون الكواكب، حرم مناكحتهم.
ومن فهم أن منا كحتهم حلال، فهم أن لهم كتاباً يؤمنون به.
وهذا هو الحق ويتفق مع رأي الشافعية القائلين: إن خالفت السامرة اليهود،
والصابئون النصارى في أصل دينهم، حَرُمن، وإلا فلا، أي إن وافقت السامرة
اليهود، والصابئة النصارى في أصل دينهم حلت. وهذا هو ما قرره القدوري في
الكتاب، وهو حجة لدى الحنفية، فقال: يجوز تزوج الصابئيات إذا كانوا يؤمنون
بنبي ويقرون بكتاب، وإن كانوا يعبدون الكواكب، ولا كتاب لهم، لم تجز
مناكحتهم (1).
المتولد من وثني وكتابية: إذا كان أحد
أبوي الكافرة كتابياً والآخر وثنياً، لم يحل نكاحها؛ لأنها ليست كتابية
خالصة، ولأنها مولودة بين من يحل وبين من لا يحل، فلم تحل، تغليباً
للتحريم؛ لأنه إذا اجتمع الحلال والحرام، غلب الحرام الحلال (2).
_________
(1) اللباب: 7/ 3.
(2) مغني المحتاج: 189/ 3، المغني: 592/ 6، المهذب: 44/ 2.
(9/6657)
تغيير الكتابي دينه
إلى دين آخر: إذا انتقل الكتابي أو المجوسي إلى دين
آخر غير دين أهل الكتاب كالوثنية، أي توثن، لم يقر عليه، ويقتل في أحد
الرأيين إن لم يرجع، لعموم الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» (1) وفي رأي آخر:
لا يقتل، بل يكره على العودة إلى دينه السابق بالضرب والحبس.
وإذا انتقلت امرأة المسلم الذمية إلى دين غير دين أهل الكتاب، فهي
كالمرتدة، ينفسخ نكاحها مع المسلم إن لم تعد إلى دينها في أثناء العدة عند
الشافعية والحنابلة.
وأما إذا انتقل الكتابي إلى دين كتابي آخر، كأن تهود النصراني أو تنصر
اليهودي، لم يقر بالجزية ولا يقبل منه إلا الإسلام في الأظهر عند الشافعية،
وفي رواية عن أحمد، لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً، فلن يقبل
منه} [آل عمران:85/ 3] وقد أحدث ديناً باطلاً بعد اعترافه ببطلانه، فلا يقر
عليه، كما لو ارتد المسلم.
ويقر عليه في قول أبي حنيفة ومالك، وفي الراجح من الروايتين عند الحنابلة؛
لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلا نتعرض له. وأما حديث «من بدل دينه
فاقتلوه» فهو محمول على دين الإسلام، إذ هو الدين المعتبر شرعاً.
ولو تهود وثني أو تنصر، لم يقر عند الشافعية، ويتعين الإسلام في حقه، كمسلم
ارتد، فإنه يتعين في حقه الإسلام. ويقر عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة في
الراجح (2)، لأن الكفر كله ملة واحدة. إذ هو تكذيب الرب تعالى فيما أنزل
على رسله عليهم السلام.
_________
(1) رواه الجماعة إلا مسلماً عن ابن عباس (نيل الأوطار: 190/ 7).
(2) البدائع: 271/ 2 - 272، اللباب: 26/ 3 - 28، العناية على فتح القدير:
396/ 4، الشرح الصغير: 422/ 2، الشرح الكبير: 301/ 4، مغني المحتاج: 189/ 3
- 191، المغني: 189/ 3 - 191، المغني: 593/ 6 وما بعدها، 130/ 8، المهذب:
52/ 2.
(9/6658)
ارتداد الزوجين
أوأحدهما: قال الشافعية، والحنابلة والمالكية: لو
ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول تنجزت الفُرْقة، أي انفسخ النكاح في
الحال. وإن كانت الردة بعد الدخول، توقفت الفرقة أو الفسخ على انقضاء
العدة، فإن جمعهما الإسلام في العدة، دام النكاح، وإن لم يجمعهما في العدة
انفسخ النكاح من وقت الردة، لكن لو وطئ الزوج لا حد عليه للشبهة، وهي بقاء
أحكام النكاح، وتجب العدة منه. وإذا أسلمت المرأة قبل الرجل فأسلم في
عدتها، أو أسلما معاً، فتتقرر الزوجية بينهما، وإن أسلم أحدهما ولم يتبعه
الآخر في العدة، انفسخ زواجهما. وكذلك
قال الحنفية: تقع الفرقة بين الزوجين إذا حكم بصحة الارتداد (1)، وقد صح أن
رجلاً من بني تغلب وكانوا من النصارى، أسلمت زوجته، وأبى هو، ففرق عمر
بينهما، وقال ابن عباس: «إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها، فهي أملك لنفسها».
أنكحة الكفار غير المرتدين: هل عقود
زواج غير المسلمين بعضهم مع بعض صحيحة أو فاسدة؟
للفقهاء رأيان: فقال المالكية (2): أنكحة غير المسلمين فاسدة؛ لأن للزواج
في الإسلام شرائط لا يراعونها، فلا يحكم بصحة أنكحتهم.
وقال الجمهور (3): أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة يقرون عليها، إذا
أسلموا، أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة عند الشافعية والحنابلة ممن يجوز
ابتداء الزواج بها، بأن لم تكن من المحارم، فنقرهم على ما نقرهم عليه لو
أسلموا،
_________
(1) المراجع السابقة.
(2) الشرح الصغير: 422/ 2.
(3) البدائع: 272/ 2، الدر المختار: 506/ 2، 530 وما بعدها، مغني المحتاج:
193/ 3 - 195، المغني: 613/ 6.
(9/6659)
ونبطل ما لا نقر، والأصح عند الحنفية أن كل
نكاح حرم لحرمة المحل كمحارم، يقع جائزاً. واتفق هؤلاء الجمهور على أنه لا
يعتبر فيه صفة عقدهم وكيفيته، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي
والشهود وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك، فيجوز في حقهم ما اعتقدوه،
ويقرون عليه بعد الإسلام.
وينبني على رأي الجمهور أن تثبت أحكام الزواج المقررة كالمسلمين من وجوب
النفقة ووقوع الطلاق ونحوهما من عدة ونسب وتوارث بزواج صحيح، وحرمة مطلقة
ثلاثاً. ويجوز نكاح أهل الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم؛ لأن الكفر
كله ملة واحدة.
ودليلهم قوله عز وجل: {وقالت امرأة فرعون} [القصص:9/ 28] وقوله سبحانه:
{وامرأته حمَّالة الحطب} [المسد:4/ 111] ولو كانت أنكحتهم فاسدة، لم تكن
امرأته حقيقة، ولأن النكاح سنة آدم عليه السلام، فهم على شريعته، وقال
النبي عليه الصلاة والسلام: «ولدت من
نكاح، لا من سفاح» (1) أي لا من زنا، والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية
من أن المرأة تسافح رجلاً مدة ثم يتزوجها، فإنه صلّى الله عليه وسلم سمى ما
وجد قبل الإسلام من أنكحة الجاهلية نكاحاً، ولو قلنا بفساد أنكحتهم لأدى
إلى أمر قبيح هو الطعن في نسب كثر من الأنبياء.
ولحديث غيلان الثقفي وغيره ممن أسلم وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن
معه، فأمره صلّى الله عليه وسلم باختيار أربع منهن، ومفارقة الباقي (2)،
ولم يسأل عن شرائط النكاح، فلا يجب البحث عن شرائط أنكحتهم، فإنه صلّى الله
عليه وسلم أقرهم عليها، وهو لا يقر أحداً على باطل.
_________
(1) رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم وابن عساكر عن علي بلفظ «خرجت من
النكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي» تكلم في راو
من رواته وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد: 214/ 8).
(2) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر (نيل الأوطار: 159/ 6 وما
بعدها).
(9/6660)
4ً
- أخت الزوجة ومحارمها (الجمع بين الأخت
وعمتها أو خالتها أوغيرها من المحارم) (1): يحرم على الرجل أن يجمع بين
الأختين، أو بين المرأة وعمتها أو خالتها أو كل من كان مَحْرماً لها: وهي
كل امرأة لو فرضت ذكراً حرمت عليها الأخرى. وذلك سواء أكانت المحرم شقيقة،
أم لأب، أم لأم.
لقوله تعالى في بيان محرَّمات النساء: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد
سلف} [النساء:23/ 4] ولأن الجمع بين ذوات الأرحام يفضي إلى قطيعة الرحم،
بسبب ما يكون عادة بين الضرتين من غَيْرة موجبة للتحاسد والتباغض والعداوة،
وقطيعة الرحم حرام، فما أدى إليه فهو حرام.
والجمع بين المرأة وابنتها حرام أيضاً، كالجمع بين الأختين، بل هوأولى؛ لأن
قرابة الولادة أقوى من قرابة الأخوة، فالنص الوارد في الجمع بين الأختين
وارد هنا من طريق أولى.
وكذلك الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها حرام أيضاً كالجمع بين الأختين؛
لأن العمة بمنزلة الأم لبنت أخيها، والخالة بمنزلة الأم لبنت أختها. وصرحت
السنة بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، عن أبي هريرة قال: «نهى
النبي صلّى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها» (2) وفي
رواية الترمذي وغيره: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها،
ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، لا الكبرى على الصغرى،
ولا الصغرى على الكبرى» ولا يخفى أن هذا الحديث خصص عموم قوله تعالى:
{وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء:
_________
(1) الجمع بين الزوجات نوعان: جمع بين ذوات الأرحام، وجمع بين الأجنبيات
بأكثر من أربع.
(2) رواه الجماعة (سبل السلام: 124/ 3، نيل الأوطار: 146/ 6) ..
(9/6661)
24/ 4] (1)، ولأن الجمع بين ذواتي محرم في
النكاح سبب لقطيعة الرحم؛ لأن الضرتين يتنازعان ولا يختلفان ولا يأتلفان
عرفاً وعادة، وهو يفضي إلى قطع الرحم، وإنه حرام، والنكاح سبب لذاك فيحرم،
حتى لا يؤدي إليه. وقد أشار النبي صلّى الله عليه وسلم إلى علة النهي في
رواية ابن حبان وغيره: «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
قاعدة الجمع بين المحارم: استنبط
الفقهاء من النصين: القرآني والنبوي قاعدة لتحريم الجمع بين المحارم هي:
«يحرم الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً، لا يجوز له نكاح الأخرى من
الجانبين جميعاً» أو «يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قدِّرت ذكراً، حرمت
عليه الأخرى» (2)
لا يحل الجمع بين الأختين؛ لأننا لو فرضنا كل واحدة منهما رجلاً، لم يجز له
التزوج بالأخرى؛ لأنها أخته. ولا يحل الجمع بين المرأة وعمتها؛ لأن كل
واحدة لو فرضت رجلاً، كان عماً للأخرى، ولا يجوز للرجل أن يتزوج بعمته.
وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وخالتها، إذ لو فرضنا كل واحدة منهما رجلاً
كان خالاً للأخرى، ولا يصح للرجل أن يتزوج بنت أخته.
فإن فرض كون كل منهما رجلاً، وجاز له أن يتزوج بالأخرى كالمرأة وابنة عمها،
جاز الجمع بينهما، لأنها تكون ابنة عمه، وللرجل أن يتزوج بابنة عمه.
_________
(1) قيل: ويلزم الحنفية أن يجوزوا الجمع بين من ذكر؛ لأن أصولهم تقديم عموم
الكتاب على أخبار الآحاد، إلا أنه أجاب صاحب الهداية بأنه حديث مشهور،
والمشهور له حكم القطعي سيما مع الإجماع من الأمة، وعدم الاعتداد بالمخالف.
ووصفه صاحب البدائع بأنه حديث مشهور.
(2) البدائع: 262/ 2، الدر المختار: 391/ 2، مغني المحتاج: 180/ 3، اللباب:
6/ 3، المهذب: 43/ 2، بداية المجتهد: 40/ 2 - 42، المغني: 574/ 6، كشاف
القناع: 80/ 5.
(9/6662)
وإن كان تحريم الزوج على فرض واحد من أحد
الجانبين دون الآخر، فلا يحرم الجمع بينهما، كالمرأة وابنة زوج كان لها من
قبل من غيرها، وكالمرأة وزوجة كانت لأبيها؛ لأنه لا رحم بينهما، فلم يوجد
الجمع بين ذواتي رحم، إذ لو فرضنا في المثال الأول البنت رجلاً، لم يجز له
أن يتزوج بهذه المرأة؛ لأنها زوجة أبيه، أما عند فرض المرأة: زوجة الأب
رجلاً، فتزول عنه صفة زوجة الأب، فيجوز له الزواج بالبنت، إذ هي أجنبية
عنه. وقد جمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بين زوجة عمه علي، وهي ليلى بنت
مسعود النهشلية، وبين ابنته من غيرها وهي أم كلثوم بنت السيدة فاطمة رضي
الله عنها، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
ويجوز الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال أو الخالة من عمين أو خالين أو
خالتين بالاتفاق، لعدم النص فيهما بالتحريم، ودخولهما في عموم قوله تعالى:
{وأحل لكم ماوراء ذلكم} [النساء:24/ 4] ولأن إحداهما تحل لها الأخرى لو
كانت ذكراً. وفي كراهة زواجهما رأيان: رأي بالكراهة خوف قطيعة الرحم، وهو
مروي عن ابن مسعود والحسن البصري، وأحمد في رواية عنه، ورأي بعدم الكراهة؛
إذ ليست بينهما قرابة تحرم الجمع، وهو منقول عن الشافعي والأوزاعي.
حكم العقد الواحد أو العقدين على الأختين
ونحوهما:
إذا تزوج رجل امرأتين بينهما محرمية كالأختين وكالبنت وخالتها، والبنت
وعمتها، ففي حكم الزواج تفصيل (1):
أـ إن تزوجهما معاً في عقد واحد، فسد زواجهما معاً ولم يبطل؛ لأن إحداهما
ليست أولى بفساد الزواج من الأخرى، فيفرق بينه وبينهما، ثم إنه إن
_________
(1) البدائع: 263/ 2، اللباب مع الكتاب: 22/ 3.
(9/6663)
كان التفريق قبل الدخول فلا شيء لهما، أي
لا مهر لهما، لا عدة فيهما؛ لأن الزواج الفاسد لا حكم له قبل الدخول، وكذلك
بعد الخلوة.
وإن كان قد دخل بهما، فلكل واحدة منهما عند الحنفية مهر المثل على ألا يزيد
عن المسمى، لرضاها به، كما هو حكم الزواج الفاسد، وعليهما العدة؛ لأن هذا
هو حكم الدخول في الزواج الفاسد.
ب ـ وإن تزوج كلاً منهما بعقد مستقل، الواحدة بعد الأخرى، صح زواج الأولى
وفسد زواج الثانية؛ لأن الجمع حصل بزواج الثانية، فاقتصر الفساد عليه،
ويفرق بينه وبين الثانية. فإن تم التفريق قبل الدخول فلا شيء لها ولا عدة
عليها، وإن تم التفرق بعد الدخول، وجب لها مهر المثل على ألا يزيد عن
المسمى لرضاها به؛ لأن «الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن عَقْر ـ أي حد
زاجر ـ أو عُقْر ـ أي مهر جابر» وقد سقط الحد بشبهة العقد، فيجب مهر المثل
دون زيادة على المسمى. وعليها العدة.
ويحرم على الزوج أن يطأ الأولى، أي قربان زوجته الأولى حتى تنقضي عدة
الثانية، لئلا يكون جامعاً بينهما، والجمع بين المحارم حرام.
جـ ـ وإن تزوج كلاً منهما بعقدين لا يدري أيهما الأول، يفرق بينه وبينهما؛
لأن زواج إحداهما فاسد بيقين، وهي مجهولة، ولا يتصور حصول مقاصد الزواج من
المجهولة، فلا بد من التفريق. فإن ادعت كل واحدة منهما أنها هي الأولى ولا
بينة لها، يقضى لها بنصف المهر؛ لأن الزواج الصحيح أحدهما، وقد حصلت الفرقة
قبل الدخول، لا بسبب المرأة، فكان الواجب نصف المهر، ويكون بينهما لعدم
الترجيح، إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى.
(9/6664)
وقال الجمهور: إن جمع بين الأختين ونحوهما
من رضاع أو نسب بعقد واحد بطل نكاحهما، وإن كان مرتباً بطل الثاني، ولمن
دخل بها مهر المثل عند الشافعية والحنابلة. وصداقها المسمى عند المالكية
(1).
الجمع بين الأختين ونحوهما في العدة
(2):
اتفق الفقهاء على أنه يجوز الجمع بين المرأة ومحارمها بعد الفرقة بسب وفاة
إحداهما، فلو ماتت زوجة رجل، جاز له أن يتزوج بأختها أو عمتها مثلاً من غير
انتظار مدة بعد الوفاة.
واتفقوا أيضاً على عدم جواز الجمع بين المرأة ومحارمها في أثناء العدة من
طلاق رجعي، فلو طلق زوجته طلاقاً رجعياً، لم يجز له الزواج بواحدة من
قريباتها المحارم إلا بعد انقضاء العدة؛ لأنها باقية في حكم الزواج السابق.
واختلفوا في الجمع بين المحارم إذا كانت إحداهن معتدة من طلاق بائن. فقال
الحنفية والحنابلة: يحرم الجمع بين الأختين ومن في حكمهما إذا كانت واحدة
منهما في أثناء العدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى؛ لقوله صلّى الله
عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجمع ماءه في رحم أختين»
(3)، ولأن البائن ممنوعة من الزواج في العدة لحق الزوج، فأشبهت الرجعية،
ولأن الزواج بالأخت ونحوها من المحارم في العدة يؤدي إلى قطيعة الرحم، التي
أمر الله بوصلها. وهذا الرأي هو الراجح.
_________
(1) مغني المحتاج: 180/ 3، القوانين الفقهية: ص 209، كشاف القناع: 81/ 5،
المقدمات الممهدات: 458/ 1.
(2) الدر المختار: 390/ 2، اللباب: 6/ 3، القوانين الفقهية: ص 209، المهذب:
43/ 2، كشاف القناع: 81/ 5 - 82.
(3) كشاف القناع: 81/ 5.
(9/6665)
وقال المالكية والشافعية: يصح الزواج بأخت
المطلقة ومن في حكمها من المحارم في أثناء العدة من طلاق بائن بينونة صغرى
أو كبرى، لانقطاع أثر الزواج السابق، فلا تحل لمن طلقها إلا بعقد جديد،
وحينئذ لا تجتمع المرأتان في حكم فراش واحد.
وذكر الحنابلة (1): أنه لو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية، أو انفسخ النكاح
بين الزوجين بخلع أو رضاع، أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره، لم يكن له أن
يتزوج أحداً ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته، حتى تنقضي عدتها.
وإن أسلمت زوجته، فتزوج أختها في عدتها، ثم أسلما في عدة الأولى، اختار
منهما واحدة، كما لو تزوجهما معاً. وإن أسلم الرجل بعد انقضاء عدة الأولى،
بانت منه، وثبت نكاح الثانية.
وإن زنى الرجل بامرأة، فليس له أن يتزوج بأختها، حتى تنقضي عدتها. وحكم
العدة من الزنا، والعدة من وطء الشبهة، كحكم العدة من النكاح.
فإن زنى بأخت امرأته، فقال أحمد: يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض المزني بها
ثلاث حيضات. وقد ذكر عن أحمد في المزني بها: أنها تستبرأ بحيضة واحدة؛ لأنه
وطء من غير نكاح، ولا أحكامه أحكام النكاح.
وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها
فيها، وكذبته، أبيح له نكاح أختها، وأربع سواها في الظاهر. أما في الباطن
فيبني على صدقه في ذلك؛ لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى، فيقبل قوله
فيه.
_________
(1) المغني: 544/ 6 وما بعدها.
(9/6666)
5 ً - المرأة
الخامسة لمتزوج بأربع سواها (الجمع بين الأجنبيات): لا يجوز للرجل
في مذهب أهل السنة أن يتزوج أكثر من أربع زوجات في عصمته في وقت واحد ولو
في عدة مطلقة، فإن أراد أن يتزوج بخامسة، فعليه أن يطلق إحدى زوجاته
الأربع، وينتظر حتى تنقضي عدتها، ثم يتزوج بمن أراد؛ لأن النص القرآني لا
يبيح للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع في وقت واحد، وهو قوله تعالى:
{وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث
ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً، أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا
تعولوا} [لنساء:3/ 4] والمعنى: إن علمتم الوقوع في ظلم اليتامى، فلم تعدلوا
في مهورهن أو في نكاحهن، أو تحرجتم من الولاية عليهم، فخافوا أيضاً من ظلم
النساء عامة، وقللوا عدد الزوجات، واقتصروا على أربع منهن، وإن خفتم الجور
في الزيادة على الواحدة، فاقتصروا على زوجة واح، ويلاحظ أن لفظ «مثنى»
معدول به عن اثنين اثنين، تقول: جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين. وهكذا
ثلاث ورباع، بياناً لأنواع الزيجات وفئات الناس وما يباح لهم أثناء تعدد
الزوجات، فالعطف بالواو للتخيير لا للجمع.
ويوضح مدلول الآية حديث ابن عمر، قال: «أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة
في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلم أن يختار منهن
أربعاً» (1).
وروى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثمانُ نسوة،
فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: اختر منهن أربعاً.
_________
(1) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر (نيل الأوطار: 159/ 6
ومابعدها).
(9/6667)
وروى الشافعي عن نوفل بن معاوية أنه أسلم
وتحته خمس نسوة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: أمسك أربعاً، وفارق
الأخرى (1).
ولم ينقل عن أحد من السلف في عهد الصحابة والتابعين أنه جمع في عصمته أكثر
من أربع، فدل العمل على وفق السنة على أنه لا يجوز الزواج بأكثر من أربع
نسوة، ولأحاديث في مجموعها لا تقتصر عن رتبة الحسن لغيره، فتنتهض بمجموعها
للاحتجاج، وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال، كما ذكر الشوكاني.
وذهب بعض المتأولين الشذاذ إلى أنه يجوز للرجل أن يتزوج تسعاً، أخذاً بظاهر
الآية: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4] لأن الواو للجمع لا للتخيير، أي
يكون المجموع تسعاً. وأجيب عن ذلك بأن الآية محمولة على عادة العرب في خطاب
الناس على طريق المجموعات، وأريد بها التخيير بين الزواج باثنتين وثلاث
وأربع، كما في قوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث
ورباع} [فاطر:1/ 35] أي أنهم فئات، فمنهم ذو الجناحين، ومنهم ذو الثلاثة
أجنحة، ومنه ذو الأربعة أجنحة؛ لأن المثنى ليس عبارة عن الاثنين، بل أدنى
ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد، وأدنى ما يراد بالثلاث ثلاث مرات من
العدد، وكذا الرباع.
السبب في الاقتصار على أربع: إن إباحة
الزواج بأربع فقط قد يتفق في رأينا مع مبدأ تحقيق أقصى قدرات وغايات بعض
الرجال، وتلبية رغباتهم وتطلعاتهم مع مرور كل شهر، بسبب طروء دورة العادة
الشهرية بمقدار أسبوع لكل واحدة
_________
(1) راجع الحديثين في نيل الأوطار: 149/ 6، لكن في حديث قيس ضعيف. وفي
إسناد حديث نوفل رجل مجهول.
(9/6668)
منهن، ففي المشروع غنى وكفاية، وسد للباب
أمام الانحرافات، أوما قد يتخذه بعض الرجال من عشيقات أو خدينات أو وصيفات،
ثم إن في الزيادة على الأربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن؛
لأن الظاهر أن الرجل لايقدر على الوفاء بحقوقهن، وإلى هذا أشار القرآن
الكريم بقوله عز وجل: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} [النساء:3/ 4] أي لا
تعدلوا في القَسْم والجماع والنفقة في زواج المثنى، والثلاث، والرباع،
فواحدة، فهوأقرب إلى عدم الوقوع في الظلم (1).
وهكذا فإن الاقتصار على أربع عدل وتوسط، وحماية للنساء من ظلم يقع بهن من
جراء الزيادة، وهو بخلاف ما كان عليه العرب في الجاهلية والشعوب القديمة
حيث لا حد لعدد الزوجات وإهمال بعضهن.
وهذه الإباحة أضحت أمراً استثنائياً نادراً، فلا تعني أن كل مسلم يتزوج
أكثر من واحدة، بل أصبح مبدأ وحدة الزوجة هو الغالب الأعظم.
قيود إباحة التعدد:
اشترطت الشريعة لإباحة التعدد شرطين جوهريين هما:
1 - توفير العدل بين الزوجات: أي العدل
الذي يستطيعه الإنسان، ويقدر عليه، وهو التسوية بين الزوجات في النواحي
المادية من نفقة وحسن معاشرة ومبيت، لقوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء:3/ 4] فإنه
تعالى أمر بالاقتصار على واحدة إذا خاف الإنسان الجور ومجافاة العدل بين
الزوجات.
_________
(1) البدائع: 266/ 2.
(9/6669)
وليس المراد بالعدل ـ كما بان في أحكام
الزواج الصحيح ـ هو التسوية في العاطفة والمحبة والميل القلبي، فهوغير
مراد؛ لأنه غير مستطاع ولا مقدور لأحد، والشرع إنما يكلف بما هو مقدور
للإنسان، فلا تكليف بالأمور الجبلِّية الفطرية التي لا تخضع للإرادة مثل
الحب والبغض.
ولكن خشية سيطرة الحب على القلب أمر متوقع، لذا حذر منه الشرع في الآية
الكريمة: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، ولو حرصتم، فلا تميلوا كل
الميل، فتذروها كالمعلقة} [النساء:129/ 4] وهو كله لتأكيد شرط العدل، وعدم
الوقوع في جور النساء، بترك الواحدة كالمعلقة، فلا هي زوجة تتمتع بحقوق
الزوجية، ولا هي مطلقة. والعاقل: من قدَّر الأمور قبل وقوعها، وحسب
للاحتمالات والظروف حسابها، والآية تنبيه على خطر البواعث والعواطف
الداخلية، وليست كما زعم بعضهم لتقرير أن العدل غير مستطاع، فلا يجوز
التعدد، لاستحالة تحقق شرط إباحته.
2 - القدرة على الإنفاق: لا يحل شرعاً
الإقدام على الزواج، سواء من واحدة أو من أكثر إلا بتوافر القدرة على مؤن
الزواج وتكاليفه، والاستمرار في أداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج،
لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة
فليتزوج ... » والباءة: مؤنة النكاح.
حكمة تعدد الزوجات:
إن نظام وحدة الزوجة هو الأفضل وهو الغالب وهو الأصل شرعاً، وأما تعدد
الزوجات فهو أمر نادر استثنائي وخلاف الأصل، لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة
الملحة، ولم توجبه الشريعة على أحد، بل ولم ترغب فيه، وإنما أباحته الشريعة
لأسباب عامة وخاصة.
(9/6670)
أما الأسباب
العامة: فمنها معالجة حالة قلة الرجال وكثرة النساء، سواء في
الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء، كشمال أوربا، أم في أعقاب الحروب، كما
حد ث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت نسبة النساء للرجال
واحداً إلى أربعة أو إلى ستة، فقامت النساء الألمانيات بمظاهرات يطالبن
بالأخذ بنظام تعدد الزوجات، بعد أن قتلت الحرب معظم رجال ألمانيا، وبعد أن
كثر اللقطاء في الشوارع والحدائق العامة.
وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة اجتماعية وأخلاقية، تقتضيها المصلحة
والرحمة، وصيانة النساء عن التبذل والانحراف، والإصابة بالأمراض الخطيرة
مثل مرض فقد المناعة (الإيدز)، والإيواء في ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه
المرأة الراحة والطمأنينة، بدلاً من البحث عن الأصحاب الوقتيين، أو حمل
لافتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في الاتصال الجنسي، أو
العرض الرخيص في واجهات بعض المحلات في الشوارع العامة كما في ألمانيا
وغيرها.
ومن هذه الأسباب: احتياج الأمة أحياناً إلى زيادة النسل، لخوض الحروب
والمعارك ضد الأعداء، أو للمعونة في أعمال الزراعة والصناعة وغيرها.
وقد أباحت اليهودية تعدد الزوجات، ولم يرد في المسيحية نص يمنع التعدد،
وأذنت به الكنيسة في عصرنا للأفارقة المسيحيين.
ومن هذه الأسباب: الحاجة الاجتماعية إلى إيجاد قرابات ومصاهرات لنشر الدعوة
الإسلامية كما حدث للنبي صلّى الله عليه وسلم، فإنه عدد زوجاته التسع في سن
الرابعة والخمسين من أجل نشر دعوته وكسب الأنصار لدين الله الجديد. وبقي
إلى هذه السن على زوجة واحدة هي السيدة خديجة رضي الله عنها.
(9/6671)
وأما الأسباب
الخاصة فكثيرة منها:
1 - عقم المرأة أو مرضها، أو عدم توافق طباعها
مع طباع الزوج:
قد تكون المرأة عقيماً لا تلد، أو أن بها مرضاً منفراً يحول بينها وبين
تحقيق رغبات الزوج، أو أن طبعها لم ينسجم مع طبع الزوج، فيكون من الأفضل
والأرحم ومن المروءة أن تظل هذه الزوجة في رباط الزوجية؛ لأنه أكرم لها
وأحب إلى نفسها، وتعطى الفرصة للرجل بالزواج من ثانية تحقق له السعادة
بإنجاب الأولاد، وإرواء غريزة حب الأولاد. وقد يزول مرض المرأة، وتتحسن
طبائعها وأخلاقها مع مرور الزمن ونضوج العقل، فتجد في زوجها الأمل، وتنأى
به عن الحرمان واليأس والعُقَد النفسية، وذلك في حدود أربع نسوة تتناسب مع
طاقة الرجل وقدرته في عيشه على تحمل أعباء الحياة الزوجية.
وقد بينت أن سبب الاقتصار على أربع هو كونه أقرب إلى تحقيق العدل والرحمة
بالمرأة التي ينقطع عنها زوجها ثلاث ليال ثم يعود إليها.
أما ما قد يؤدي إليه التعدد من فساد الأسرة بسبب التحاسد والتنافر بين
الضرائر، أوتشرد الأولاد، فهو ناشئ غالباً من ضعف شخصية الرجل، وعدم
التزامه بقواعد الشرع وما يوجبه عليه من عدل وقَسْم في المبيت، وعناية
بالأولاد، وإحساس كبير بمطالب الحياة الزوجية، فإذا عدل الرجل بين زوجاته،
وسوّى بين أولاده في التربية والتعليم والنفقة، ووضع حداً لكل زوجة لا
تتجاوزه، فإنه يساهم إلى حد كبير في استئصال كل بذور الفتنة والسوء،
والضغينة والبغضاء بين أفراد أسرته، وهو خير كبير له، فيريح فكره من الهموم
وحل المشكلات، ويتفرغ لواجباته المعيشية وأعماله خارج المنزل.
فإن بقي بعدئذ شيء في نفس المرأة والأولاد من الغيرة الطبيعية الذاتية، فهو
(9/6672)
شيء عادي لا تخلو عنه كل المجتمعات
الصغيرة، ويمكن التغلب على آثاره بالحكمة والعدل وعدم الإصغاء لتدخلات
الجيران والمعارف.
أما منع تعدد الأزواج: ففيه توفير مصلحة المرأة نفسها، إذ تكون عادة مبعث
نزاع حاد بين الرجال، وتنافس وتزاحم بين الشركاء يلحق بها ضرراً ومتاعب،
وفي هذا التعدد ضرر اجتماعي، وفساد كبير، بسبب ضياع الأنساب، واختلاط أصول
الأولاد، وضياعهم في نهاية الأمر، إذ قد يتخلى كل هؤلاء الرجال عن إعالتهم،
بحجة أنهم أبناء الآخرين.
2 - اشتداد كراهية الرجل للمرأة في بعض الأوقات:
قد ينشأ نزاع عائلي بين الزوج وأقارب زوجته، أو بينه وبين زوجته، وتستعصي
الحلول، وتتأزم المواقف، ويتصلب الطرفان، فإما فراق نهائي يأكل كبد المرأة
للأبد، وإما صبر وقتي من الرجل، تتطلبه الأخلاق والوفاء، والحكمة والعقل،
ولا شك أن اتخاذ الموقف الثاني بإبقاء الزوجة في عصمة زوجها مع زوجة أخرى
أهون بكثير من الطلاق: «أبغض الحلال إلى الله».
3 - ازدياد القدرة الجنسية لبعض الرجال:
قد يكون بعض الناس ذا طاقة جنسية كبيرة، تجعله غير مكتفٍ بزوجة واحدة، إما
لكبر سنها، أو لكراهيتها الاتصال الجنسي، أو لطول عادتها الشهرية ومدة
نفاسها، فيكون الحل لمثل هذه الظروف ومقتضى الدين الذي يتطلب التمسك بالعفة
والشرف هو تعدد الزوجات، بدلاً من البحث عن اتصالات غير مشروعة، بما فيها
من سخط الله عز وجل، وضرر شخصي واجتماعي عام مؤكد الحصول بشيوع الفاحشة أو
الزنا.
والخلاصة: أن إباحة تعدد الزوجات مقيد بحالة الضرورة أو الحاجة أو العذر،
أو المصلحة المقبولة شرعاً.
(9/6673)
الدعوة إلى جعل تعدد
الزوجات بإذن القاضي:
ظهرت دعوات جديدة في عصرنا تمنع تعدد الزوجات إلا بإذن القاضي، ليتأكد من
تحقق ما شرطه الشرع لإباحة التعدد، وهو العدل بين الزوجات والقدرة على
الإنفاق؛ لأن الناس وخصوصاً الجهلة أساؤوا استعمال رخصة التعدد المأذون بها
شرعاً لغايات إنسانية كريمة. لكن تولى المخلصون دحض مثل هذه الدعوات لأسباب
معقولة هي ما يأتي (1):
1 - إن الله سبحانه وتعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد،
فهو الذي يقدر الخوف من عدم العدل، لقوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا،
فواحدة} [النساء:3/ 4] فإن الخطاب فيه لنفس الراغب في الزواج، لا لأحد
سواه، من قاض أوغيره، فيكون تقدير مثل هذا الخوف من قبل غير الزوج مخالفاً
لهذا النص. وكذلك البحث في توافر القدرة على الإنفاق، فإنه منوط بالراغب في
الزواج، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج .. » فهو خطاب للأزواج، لا لغيرهم.
2 - إن إشراف القاضي على الأمور الشخصية أمر عبث، إذ قد لا يطلع على السبب
الحقيقي، ويخفي الناس عادة عنه ذلك السبب، فإن اطلع على الحقائق، كان
اطلاعه فضحاً لأسرار الحياة الزوجية، وتدخلاً في حريات الناس، وإهداراً
لإرادة الإنسان، وخوضاً في قضايا ينبغي توفير وقت القضاة لغيرها، ومنعاً
وأمراً في غير محله، فالزواج أمر شخصي بحت، يتفق فيه الزوجان مع أولياء
المرأة، لا يستطيع أحد تغيير وجهته، وتبديل قيمه. وإن أسرار البيت المغلقة
لا يعلم بها أحد غير الزوجين.
_________
(1) الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية، للأستاذ الشيخ زكي الدين شعبان: ص
196 وما بعدها.
(9/6674)
3 - إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة
المخيفة، وإنما هو على العكس محدود ونادر لا يتجاوز نسبة 4% في مصر وليبيا
في الخمسينات، وفي سورية بنسبة 1%، ومثل هذه النسب لا تستوجب إصدارقوانين
خاصة بها، بل إنه إذا صدرت القوانين فلن يتغير من الأمر شيء؛ لأن هذه
القضايا تحتاج لضوابط وكوابح داخلية هي الدين والوجدان والأخلاق.
4 - ليس تعدد الزوجات هو السبب في تشرد الأطفال، كما يزعمون، وإنما السبب
يكمن في إهمال الأب تربية النشء، وإدمان الخمر، وتعاطي المخدرات، والانصراف
في إرواء اللذات طيشاً وعبثاً، وفعل الميسر وارتياد المقاهي، وإهمال شأن
الأسرة، وغيرها من الأسباب. وكانت نسبة المتشردين بسبب تعدد الزوجات لا
تزيد في مصر في الخمسينات عن (3%)، ويرجع التشرد في الحقيقة إلى الفقر في
الدرجة الأولى. وعلاج مساوئ التعدد يكون بأمرين:
أولاً ـ تربية الجيل تربية دينية وخلقية حصينة، بحيث يدرك الزوجان خطورة
رابطة الزوجية المقدسة، وارتكازها على أساس الود والرحمة، كما قال تعالى:
{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة
ورحمة} [الروم:21/ 30].
ثانياً ـ معاقبة من يظلم زوجته، أو يقصر في حقوقها، أو يهمل تربية أحد
أولاده، فمن فرط في واجبه يؤاخذ في الدنيا والآخرة.
خلاصة موانع الزواج الشرعية كما ذكرها المالكية:
يحسن تلخيص الموانع الشرعية للزواج في فقه المالكية، لتصنيفها البديع
لديهم، فإنهم قسموا كغيرهم هذه الموانع إلى موانع مؤبدة وموانع
غير مؤبدة.
(9/6675)
والموانع
المؤبدة تنقسم إلى متفق عليها، ومختلف فيها، فالمتفق عليها ثلاثة:
نسب وصهر ورضاع. والمختلف فيها: الزنا واللعان.
وغير مؤبدة تنقسم إلى تسعة:
أحدها: مانع العدد، والثاني: مانع الجمع، والثالث: مانع الرق، والرابع:
مانع الكفر، والخامس: مانع الإحرام، والسادس: مانع المرض، والسابع: مانع
العدة، على اختلاف في عدم تأبيده، والثامن: مانع التطليق ثلاثاً للمطلق.
والتاسع: مانع الزوجية. وتكون الموانع الشرعية أربعة عشر مانعاً (1).
1 - أما مانع النسب: فاتفق الفقهاء على
أن النساء المحرمات من قبل النسل: السبع المذكورات في القرآن، وهن الأمهات
والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ، وبنات الأخت. والأم: كل
أنثى لها عليك ولادة، من جهة الأم أو من جهة الأب. والبنت: كل أنثى لك
عليها ولادة من قبل الابن أو من قبل البنت أو مباشرة. والأخت: كل أنثى
شاركتك في أحد أصليك، أو في مجموعهما أي الأب أو الأم، أو في كليهما.
والعمة: كل أنثى هي أخت لأبيك أو لكل ذكر له عليك ولادة. والخالة: أخت أمك،
أوأخت كل أنثى لها عليك ولادة. وبنات الأخ: كل أنثى لأخيك عليها ولادة من
قبل أمها أو من قبل أبيها أو مباشرة. وبنات الأخت: كل أنثى لأختك عليها
ولادة مباشرة، أو من قبل أمها أو من قبل أبيها.
2 - وأما مانع المصاهرة: فيحرم أربع
بالمصاهرة: زوجات الآباء، وزوجات الأبناء، وأمهات النساء، وبنات الزوجات
(الربائب)، واتفقوا على أن اثنين منهن يحرمن بنفس العقد: وهو تحريم زوجات
الآباء والأبناء، وواحدة تحرم بالدخول
_________
(1) بداية المجتهد: 31/ 2 - 49، القوانين الفقهية: ص 204 - 210، الشرح
الصغير: 402/ 2 - 428.
(9/6676)
وهي ابنة الزوجة، وأما أم الزوجة فتحرم عند
الجمهور بالعقد على البنت، دخل بها أو لم يدخل. وفي رأي ضعيف أم الأم إلا
بالدخول على البنت، كالحال في البنت، وهو مروي عن علي وابن عباس رضي الله
عنهما من طرق ضعيفة.
3 - وأما مانع الرضاع: فاتفقوا على أنه
يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، أي أن المرضعة تنزَّل منزل الأم، فتحرم على
المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب.
واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن لبن الفحل يحرِّم، أي يصير الرجل الذي
له اللبن، وهو زوج المرأة أباً للمرضع، فيحرم بينهما ومن جهتها ما يحرم من
الآباء والأبناء الذين من النسب.
4 - وأما مانع الزنا أي زواج الزانية:
فأجازه الجمهور، ومنعه قوم، ومنشأ اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى:
{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} [النور:3/
24] هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟
5 - وأما مانع العدد: فاتفق المسلمون
على جواز نكاح أربعة من النساء، ورأى الجمهور أنه لا تجوز الخامسة، لقوله
تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4]
ولقوله عليه الصلاة والسلام لغيلان لما أسلم وتحته عشر نسوة: «أمسك أربعاً،
وفارق سائرهن» وقال الشيعة والظاهرية: يجوز تسع، ومذهبهم مذهب الجمع، أي
جمع الأعداد في قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3/ 4].
6 - وأما مانع الجمع: فاتفقوا على أنه
لا يجمع بين الأختين بعقد زواج، لقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}
[النساء:23/ 4] واتفقوا أيضاً على أنه
(9/6677)
يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة
وخالتها، لحديث أبي هريرة المتواتر كما قال ابن رشد، أو المشهور كما قال
الحنفية: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها».
والعمة: هي كل أنثى هي أخت لذكر له عليك ولادة، إما بنفسك، وأما بواسطة ذكر
آخر. والخالة: هي كل أنثى هي أخت لكل أنثى لها عليك ولادة، إما بنفسها،
وإما بتوسط أنثى غيرها، وهن المحرمات من قبل الأم.
7 - وأما مانع الرق: فاتفقوا على أنه
يجوز للعبد أن ينكح الأمة، وللحرة أن تنكح العبد إذا رضيت به هي وأولياؤها.
ولا يجوز نكاح الحر الأمة إلا بشرطين عند الجمهور غير ابن القاسم المالكي:
وهما الخوف على نفسه العَنت أي الزنا، والعجز عن طَوْل الحرة أو الكتابية،
أي المهر الذي يتزوجها به من عين أو عرض، لقوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم
طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}
... {ذلك لمن خشي العَنت منكم} [النساء:4/ 25]. وهذا هو الراجح كما في شروح
خليل، ولكن قال ابن رشد: رأي ابن القاسم هو المشهور من مذهب مالك وهو أنه
يجوز زواج الحر من الأمة بإطلاق.
8 - وأما مانع الكفر: فاتفقوا على أنه
لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية، لقوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}
[الممتحنة:10/ 60]، واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابيةالحرة إلا ما روي
في ذلك عن ابن عمر. وقال الشيعة الإمامية (1) في الأظهر من القولين: لا
يجوز نكاح الكتابية غبطة، ويجوز متعة.
9 - وأما مانع الإحرام: فلا يجوز عند
الجمهور نكاح المحرم، فلا يَنْكح
_________
(1) المختصر النافع: ص 203.
(9/6678)
المحرم ولا يُنكح، فإن فعل فالنكاح باطل.
وقال أبو حنيفة: لا بأس بذلك، لتعارض حديثين: حديث ابن عباس أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم، وحديث ميمونة أن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. وإذا قلنا: تعارض الفعل فسقط الاستدلال
به، فيرجح القول، وهو حديث «لا ينكح المحرم ولا ينكح».
10 ـ وأما مانع المرض: فقال مالك في
المشهور عنه: لا يجوز نكاح المريض مرض الموت، وقال الجمهور: إنه يجوز، وسبب
اختلافهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة؛ لأنه لا تجوز هبة المريض إلا
من الثلث، ويجوز بيعه. ولاختلافهم أيضاً سبب آخر: وهل هو يتهم في إضرار
الورثة بإدخال وارث زائد، أو لا يتهم؟
11 - وأما مانع العدة: فاتفقوا على أن
النكاح لا يجوز في العدة، سواء أكانت عدة حيض أم عدة حمل، أم عدة أشهر،
وسواء من نكاح أم شبهة نكاح. واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها ودخل بها،
فقال مالك والأوزاعي والليث: يفرق بينهما، ولا تحل له أبداً، وقال أبو
حنيفة والشافعي والثوري وأحمد: يفرق بينهما، وإذا انقضت العدة، فلا بأس في
تزوجه إياها مرة ثانية. وسبب اختلافهم اختلاف أقوال الصحابة، فالفريق الأول
أخذ بقول عمر رضي الله عنه حينما فرق بين طليحة الأسدية وبين زوجها راشد
الثقفي، لما تزوجها في العدة من زوج ثان، وقال: «أيما امرأة نكحت في عدتها،
فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرِّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها
من الأول، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب، وإن كان دخل بها، فرِّق بينهما
ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً».
واحتج الفريق الثاني بقول علي وابن مسعود رضي الله عنهما، خلافاً لرأي عمر
رضي الله عنه، فلم يقضيا بتحريمها عليه.
(9/6679)
12 - وأما مانع
الزوجية: فإنهم اتفقوا على أن الزوجية بين المسلمين
مانعة، وكذا بين الذميين، لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم} [النساء:24/ 4].
13 - وأما مانع اللعان: فتقع به عند
الجمهور غير الحنفية الفرقة المؤبدة، فلا تحل له أبداً، وإن أكذب نفسه.
والفرقة عند أبي حنيفة تنتهي إذا أكذب نفسه.
14 - وأما مانع التطليق ثلاثاً للمطلق: فاتفقوا على أنه لا يجوز للمطلق أن
يعقد عليها مرة أخرى حتى تتزوج زواجاً طبيعياً بزوج آخر، ثم يطلقها بنحو
طبيعي، ثم تنقضي عدتها من الثاني، لقوله تعالى: {فإن طلقها، فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/ 2].
المحارم من النساء في القانون السوري:
أـ الحرمات المؤبدة:
المادة (33) - يحرم على الشخص أصوله وفروعه وفروع أبويه والطبقة الأولى من
فروع أجداده.
المادة (34) - يحرم على الرجل:
1 - زوجة أصله أو فرعه وموطوءة أحدهما.
2 - أصل موطوءته وفرعها وأصل زوجته.
المادة (35) - «1 يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما قرر فقهاء
الحنفية استثناءه.
(9/6680)
2 - يشترط في الرضاع للتحريم أن يكون في
العامين الأولين، وأن يبلغ خمس رضعات متفرقات، يكتفي الرضيع في كل منها، قل
مقدارها أو كثر».
ب ـ الحرمات المؤقتة:
المادة (36) - «1 - لا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة طلقها ثلاث مرات إلا بعد
انقضاء عدتها من زوج آخر دخل بها فعلاً.
2 - زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق، ولو كانت دون الثلاث،
فإذا عادت إليه يملك عليها ثلاثاً جديدة».
المادة (37) - لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربع،
وتنقضي عدتها.
المادة (38) - لا يجوز التزوج بزوجة آخر ولا بمعتدته.
المادة (39) - لا يجوز الجمع بين امرأتين لو فرضت كل منهما ذكراً، حرمت
عليه الأخرى، فإن ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما.
(9/6681)
|