الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي البَابُ السَّادس: المِيرَاث
وفيه تسعة عشر فصلاً هي:
الأول ـ تعريف علم الميراث أو علم الفرائض، ومبادئه ومصطلحاته.
الثاني ـ أركان الميراث
الثالث ـ أسباب الإرث
الرابع ـ شروط الإرث
الخامس ـ موانع الإرث
السادس ـ الحقوق المتعلقة بالتركة
السابع ـ أنواع الوارثين وعددهم ومراتبهم وطريقة توريثهم في المذاهب
الثامن ـ أصحاب الفروض
التاسع ـ العصبات
العاشر ـ المسائل الشواذ
(10/7695)
الحادي عشر ـ الحجب
الثاني عشر ـ العول
الثالث عشر ـ الرد على ذوي الفروض
الرابع عشر ـ الحساب: مخارج الفروض وأصول المسائل وتصحيحها
الخامس عشر ـ توريث ذوي الأرحام
السادس عشر ـ ميراث باقي الورثة
السابع عشر ـ أحكام متنوعة
الثامن عشر ـ المناسخة
التاسع عشر ـ التخارج أو المخارجة
(10/7696)
الفَصْلُ الأوّل: تعريف علم الميراث أو علم
الفرائض ومبادئه ومصطلحاته:
الإرث لغة: بقاء شخص بعد موت آخر بحيث
يأخذ الباقي ما يخلفه الميت. وفقهاً: ما خلفه الميت من الأموال والحقوق
التي يستحقها بموته الوارث الشرعي. وعلم الميراث: هو قواعد فقهية وحسابية
يعرف بها نصيب كل وارث من التركة. وعرفه صاحب الدر (1) بقوله: هو علم بأصول
من فقه وحساب، تعرِّف حق كل واحد من الورثة من التركة والحقوق. وعرفه بعضهم
بأنه علم بأصول فقه وحساب يتوصل بهما لمعرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
وهذا أعم من الوارث؛ لأنه يشمل الوصية والدين وغيرهما.
وسمي أيضاً علم الفرائض، أي مسائل قسمة المواريث؛ لأن الفرائض جمع فريضة،
مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير، وفريضة بمعنى: مفروضة أي مقدرة لما فيها من
السهام المقدرة، والفرائض: السهام المقدرة. فغلبت على غيرها. وإنما خص بهذا
الاسم؛ لأن الله تعالى سماه به، فقال بعد القسمة: {فريضة من الله}
[التوبة:60/ 9] وكذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «تعلَّموا الفرائض».
ويدخل فيه الضوابط والقواعد المتعلقة بأحوال الوارث من كونه صاحب فرض أو
تعصيب أو ذا رحم، وما يتعرض له من حجب ورد ومنع من الإرث. فأصبح
علم الفرائض يشتمل على عناصر ثلاثة:
معرفة الوارث وغير الوارث، ومعرفة نصيب كل وارث، والحساب الموصل إليه.
مبادئه (2): عشرة، أما
موضوعه: فهو كيفية قسمة التركة بين المستحقين.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 534/ 5.
(2) إن مبادي كل فن عشرة ..... ..... الحد والموضوع ثم الثمرة
وفضله، ونسبة والواضع ..... ..... والاسم، الاستمداد، حكم الشارع
مسائلٌ، والبعض بالبعض اكتفى ..... ...... ومن درى الجميع حاز الشرفا
(10/7697)
وأما استمداده:
فهو من الكتاب والسنة والإجماع، وليس
للقياس أو الاجتهاد فيه مدخل إلا إذا صار مجمعاً عليه. والواقع أن الفقهاء
استعملوا القياس في بعض مسائل الميراث.
أما الكتاب: فقد جاء في سورة النساء ثلاث آيات:
الأولى (11 من النساء) في ميراث الأولاد والأبوين: {يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت
واحدة فلها النصف .. }.
ثمبينميراثالأبوين: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد،
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه، فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس،
من بعد وصية يُوصي بها أو دين .. } [النساء:11/ 4].
والثانية (12 من النساء) في ميراث الزوج والزوجة: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم
إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد، فلكم الربع مما تركن، من بعد وصية
يوصين بها أو دين. ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم
ولد، فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أود ين} [النساء:12/ 4].
ثم بيَّن ميراث الكلالة (وهو من لا والد له ولا ولد) وله إخوة لأم: {وإن
كان رجل يورث كلالةً، أو امرأةٌ وله أخ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس، فإن
كانوا أكثر من ذلك، فهم شركاء في الثلث، من بعد وصية يوصى بها أو دين .. }
[النساء:12/ 4].
وفي الآية الثالثة (176 من النساء) ذكر ميراث الكلالة وله أخت أوأختان:
{يستفتونك، قل: الله يفتيكم في الكلالة: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت،
(10/7698)
فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها
ولد. فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك}.
وفي الآية:75من سورة الأنفال بيان ميراث أولي الأرحام: {وأولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، إن الله بكل شيء عليم}.
وأما السنة النبوية: فقد ورد فيها طائفة
من الأحاديث أختار منها مايلي:
1ً - حديث ابن عباس:
«ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر» (1).
2ً - وحديث أسامة بن زيد:
«لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» (2).
وحديث عبد الله بن عمرو: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» (3).
3ً - حديث عبادة بن الصامت:
«أن النبي صلّى الله عليه وسلم قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما» (4).
4ً - حديث ابن مسعود في بنت
وبنت ابن وأخت: «قضى النبي صلّى الله عليه وسلم للابنة النصف، ولابنة الابن
السدس، تكملة للثلثين، وما بقي فللأخت» (5) فدل على أن الأخت مع البنت عصبة
تأخذ الباقي بعد فرضها.
5ً - حديث المقدام بن معْدِ
يَكْرِب في ذوي الأرحام: «من ترك مالاً فلورثته،
_________
(1) متفق عليه (نيل الأوطار: 55/ 6).
(2) رواه الجماعة إلا النسائي (نيل الأوطار: 73/ 6).
(3) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (المرجع والمكان السابق).
(4) رواه عبد الله بن أحمد في المسند (نيل الأوطار: 59/ 6).
(5) رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي (نيل الأوطار: 58/ 6).
(10/7699)
وأنا وارث من لا وارث له، أعْقِل ُ عنه
وأرِثُ، والخال وارث من لا وارث له، يَعْقِل عنه ويرثه» (1).
6ً - حديث عائشة في الميراث
بالولاء: «الوَلاء لمن أعتق» (2).
وأما الإجماع: فهو إجماع الصحابة
والتابعين على أن فرض الجدة الواحدة السدس، وكذلك فرض الجدتين والثلاث، كما
حكى البيهقي عن محمد بن نصر من أصحاب الشافعي. لكن الشافعية والمالكية لا
يورثون إلا جدتين.
وفضل هذا العلم عظيم، فقد قيل: إنه نصف
العلم، لتعلقه بحال الإنسان بعد موته، كما تتعلق سائر المعاملات به في
حياته، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها
نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيء يُنْزَع من أمتي» (3).
وواضعه: الشارع الذي أنشأ الشرع وهو
الله سبحانه وتعالى.
ونسبته لسائر العلوم: كونه بعض علم
الفقه، وأخص منه ومن الحساب، ومباين لغيرهما. ومن المعلوم أن موضوع علم
الفقه عمل المكلفين، وقسمة التركة من أعمالهم.
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (نيل الأوطار: 62/ 6).
(2) رواه البخاري ومسلم (نيل الأوطار: 180/ 5، 68/ 6).
(3) رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وفيه متروك (نيل الأوطار: 53/ 6)
ويؤيده حديث ابن مسعود فيما رواه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم: «تعلموا
القرآن وعلِّموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها، فإني امرؤ مقبوض، والعلم
مرفوع، ويوشك أن يختلف الناس في الفريضة والمسألة، فلا يجدان أحداً
يخبرهما» وفيه انقطاع (المرجع السابق) لكن قال الحاكم: صحيح الإسناد، وفي
روايته «من يقضي بها».
(10/7700)
وثمرته أو
فائدته: أن تحصل لمتعلمه ملكة يكون له بها قدرة على قسمة التركة بين
المستحقين بالوجه الشرعي. ويسمى صاحب تلك الملكة العالم به: فَرَضي وفارض
وفرَّاض. واصطلاحاً: فرائضي.
وغايته: إيصال كل ذي حق حقه من التركة.
ومسائله: قضاياه وفروعه المستخرجة من
قواعده، ككون النصف للبنت.
وحسابه: قسمته؛ لأنها بعض علم الفرائض
المتوقف عليها، والمراد بالحساب: تأصل المسائل والتصحيح وما يتبع ذلك.
مصطلحاته: وأما أهم مصطلحات الفرائض فهي
ما يأتي:
1 - الفرض: هو النصيب المقدر شرعاً
للوارث، أي الحظ المقدر صريحاً من التركة بنص أو إجماع، كالثمن والربع،
بحيث لايزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول.
2 - السهم: يراد به الجزء المعطى لكل
وارث من أصل المسألة الذي هو مخرج فرض الورثة، أو عدد رؤوسهم مثل اثنين من
ستة. وقد يطلق على النصيب مع قرينة من القرائن.
3 - التركة: ما يتركه الميت مما كان
يملكه من الأموال النقدية والعينية والحقوق. فلا يدخل في التركة الأمانات
ونحوها مما لم يكن يملكه.
4 - النسب: هو البنوة والأبوة والإدلاء
بأحدهما، عن طريق تغليب الأبوة على الأمومة.
5 - الجمع والعدد: يراد به في الميراث
كل ما زاد على الواحد، فالبنتان والبنات جمع.
(10/7701)
6 - الفرع:
إذا أطلق الفرع في الميراث يراد به ابن الميت وبنته، وابن ابنه وبنت ابنه
وإن نزل أبوها. فإذا قيل (الفرع الوارث) يراد به الابن والبنت، وابن الابن
وبنت الابن وإن نزل. ويلاحظ أن ابن الابن بمثابة الابن، أما ابن الأخ فليس
بمثابة الأخ.
وفرع الأب: يراد به الإخوة والأخوات وبنو الأخ الشقيق أو الأب.
وفرع الجد: يراد به العم الشقيق والعم لأب وبنوهما.
7 - الأصل: إذا أطلق يراد به الأبوان
والأجداد الصحاح (من جهة الأب) والجدات الصحيحات (من جهة الأب) وإن علوا.
فإذا قيل: الأصل الذكر يراد به الأب والجد.
8 - الولد: من ولده الإنسان قبل موته
مباشرة، سواء الذكر والأنثى.
9 - الوارث: من يستحق حصته من التركة،
وإن لم يأخذها بالفعل كالمحروم والمحجوب.
10 - الأخ والعم: إذا أطلق الأخ يعم
الأخ الشقيق أو لأب أو لأم؛ لأنه وارث. أما العم فلا يعم العم لأم؛ لأنه من
ذوي الأرحام.
11 - العَصَبة: من لم يكن له نصيب مقدرصريحاً. والعصبة بالنفس: هو كل ذكر
لا تدخل في نسبته إلى الميت أنثى.
12 - الإدلاء: هو الاتصال بالميت: إما
مباشرة بالنفس كأبي الميت وأمه وابنه وبنته، أوبواسطة كإدلاء ابن الابن
بالابن، وبنت الابن بالابن.
والإدلاء بالعصبة: هو العصبة بنفسه: وهو كل ذكر لا تدخل في نسبته إلى
(10/7702)
الميت أنثى وحدها، سواء أكان الميت ذكراً أم أنثى، مثل ابن الابن، وابن ابن
الابن، وابن البنت.
13 - الميْت: بسكون الياء: من خرجت روحه من جسده من العقلاء. والميِّت ـ
بتشديد الياء: من كانت حالته كحالة الأموات من الأحياء. والميتة: من زهقت
روحها من سائر الحيوانات بغير ذكاة شرعية. |