الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّالث: أسباب الميراث: يتوقف
الإرث على ثلاثة أمور: وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه، ولكل منها مبحث.
أما أسباب الإرث المتفق عليها فهي ثلاثة: وهي القرابة، والزوجية، والوَلاء
(1).
1 - أما القرابة أو النسب الحقيقية ويسمى عند
الحنفية الرحم: فيراد بها القرابة الحقيقية، وهي كل صلة سببها
الولادة، وتشمل فروع الميت وأصوله وفروع أصوله، سواء أكان الإرث بالفرض فقط
كالأم، أم بالفرض مع التعصيب كالأب، أم بالتعصيب فقط كالأخ، أم بالرحم كذوي
الأرحام مثل العم لأم، ويكون الميراث بسبب النسب شاملاً الآتي:
1 - الأولاد وأبناءهم ذكوراً وإناثاً.
2 ـ الآباء وآباءهم والأمهات، أي الأم وأمها وأمهات الآباء.
3 - الإخوة والإخوات.
4 - الأعمام وأبناءهم الذكور فقط.
2 - وأما الزوجية أو النكاح الصحيح:
فيراد به العقد الصحيح، سواء صحبه دخول بالزوجة أم لا. وهو يشمل الزوج
والزوجة.
فإذا مات أحد الزوجين ولو قبل الدخول، ورثه الآخر، لعموم آية
_________
(1) الدر المختار: 538/ 5، الشرح الصغير: 619/ 4، بداية المجتهد: 355/ 2،
مغني المحتاج: 4/ 3، الرحبية: ص16 ومابعدها، كشاف القناع: 448/ 4، المغني:
304/ 6، 326، القوانين الفقهية: ص384.
(10/7704)
التوارث (1) بين الزوجين، ولأن النبي صلّى
الله عليه وسلم قضى في بَرْوع بنت واشق أن لها الميراث، وكان زوجها قد مات
عنها قبل الدخول بها، ولم يكن فرض لها صداقاً.
وترث المرأة من زوجها إذا كانت في العدة مطلقة طلاقاً رجعياً؛ لأن الزوجية
في الطلاق الرجعي قائمة ما دامت في العدة، وهذا متفق عليه فقهاً وقانوناً
(2).
أما المطلقة طلاقاً بائناً فلا ترث ولو كانت في العدة إذا طلقها زوجها في
حال صحته، لعدم اتهامه بالفرار من إرثها. فإن طلقها في مرض موته فراراً من
إرثها منه، وهو ما يسمى طلاق الفرار، فترث منه عند الحنفية إذا مات ما لم
تنقض عدتها معاملة له بنقيض مقصوده. وترث منه عند المالكية ولو انقضت
عدتها، وتزوجت غيره فعلاً لإطلاق الآثار فيها، وترث منه عند الحنابلة ولو
انقضت عدتها، ما لم تتزوج غيره، لقول أبي سلمة رضي الله عنه: إن عبد الرحمن
بن عوف طلق امرأته البتة، وهو مريض، فورَّثها عثمان بن عفان بعد انقضاء
عدتها.
والخلاصة: إن الجمهورـ غير الشافعية يورثون هذه المرأة لقصد الزوج السيء.
ولا ميراث لهذه الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً عند الشافعية، وإن كانت العدة
باقية لمعنى آخر؛ لأن البينونة قطعت الزوجية التي هي سبب الإرث.
ولا توارث في النكاح الفاسد المجمع على فساده، كالنكاح بغير شهود، ولا في
النكاح الباطل، كنكاح المتعة، فليس بنكاح شرعي، ولو أعقبه دخول أو خلوة؛
لأن وجوده كعدمه. واختلفوا في التوارث في النكاح الفاسد المختلف فيه،
_________
(1) وهي الآية 12 من سورة النساء: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} [النساء:12/
4].
(2) انظر المادة 11 من قانون الإرث في مصر رقم 77 لسنة 1943، والمادة 268
من قانون الأحوال الشخصية السوري.
(10/7705)
كالنكاح بغير ولي، فبعضهم يجيز التوارث بين
الزوجين، لشبهة الخلاف، وبعضهم يمنع التوارث لمقتضى الفساد.
3 - وأما الولاء: فهو قرابة حكمية
أنشأها الشارع من العتق. وأضاف الحنفية للأسباب الثلاثة المذكورة خلافاً
لغيرهم: ولاء الموالاة.
فولاء العتق: هو العصوبة السببية، أو هو صلة بين السيد وبين من أعتقه،
وتجعل للسيد أو عصبته حق الإرث ممن أعتقه، إذا مات ولا وارث له من قرابته،
وهذا ما يسمى بالنسب الحكمي (1)، وفي الحديث: «الولاء لُحْمة كلحمة النسب،
لا يباع ولا يوهب» (2) فيرث المعتق العتيق ولا عكس، أي لا يرث العتيق
المعتق.
وولاء الموالاة: هو عقد بين اثنين على أن يعقل كل منهما عن الآخر، وأن
يتوارثا.
4 - وأضاف الشافعية والمالكية سبباً رابعاً وهو جهة الإسلام: فإنها الوارثة
كالنسب، فتصرف تركة المسلم أو باقيها لبيت المال إرثاً للمسلمين عصوبة، لا
مصلحة، إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة المتقدمة، أو كان هناك سبب لم
يستغرق التركة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أنا وارث من لا وارث له، أعقل
عنه وأرثه» (3) وهو صلّى الله عليه وسلم لا يرث لنفسه شيئاً، وإنما يصرف
ذلك في مصالح المسلمين.
الإرث بجهتين: إذا كان لوارث جهتا إرث
ورث بهما معاً، كما لو ماتت امرأة عن زوج وأم، وكان زوجها ابن عمها أيضاً،
فتأخذ الأم نصيبها وهو الثلث،
_________
(1) نظام المواريث في الشريعة للأستاذ الشيخ عبد العظيم فياض: ص 19، ط
ثانية.
(2) رواه الشافعي وصححه ابن حبان والحاكم، واللحمة: الرابطة التي تربط بين
شيئين أحدهما بالآخر، أي قرابة كقرابة النسب.
(3) رواه أبو داود وغيره.
(10/7706)
ويأخذ الزوج نصيبه وهو النصف، ثم يأخذ الباقي؛ لأنه عصبة، ولكن يستثنى
الجدات في الميراث لهن السدس بالسوية، سواء أكانت الجدة ذات قرابة أم ذات
قرابتين، ويستثنى أيضاً ذوو الأرحام، فإنهم يرثون بجهة واحدة، ولا يعتبر
تعدد الجهات.
أسباب الإرث في القانون: نص القانون
المصري في المادة (7) على أن أسباب الإرث ثلاثة: الزوجية والقرابة والعصوبة
السببية، أي ولاء العتق، وأما ولاء الموالاة فلم يجعله من أسباب الإرث،
لعدم وجوده من زمن بعيد.
ونصت المادة (11) على إرث الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً إذا مات الزوج وهي
في العدة. أما المطلقة طلاقاً بائناً فتعتبر في حكم الزوجة إذا لم ترض
بالطلاق، ومات المطلق في ذلك المرض، وهي في عدته.
أما قانون الأحوال الشخصية السوري فنص في المادة (263) على أن أسباب الإرث:
الزوجية والقرابة، ولم يعتبر الولاء سبباً في القانون، لإلغاء الرق من
العالم. ونص في المادة (268) على أن للزوجة ولو كانت مطلقة رجعياً إذا مات
الزوج وهي في العدة فرض الربع عند عدم الولد وولد الابن وإن نزل.
ونصت المادة (116) على أن الطلاق البائن في مرض الموت لا يمنع الإرث، إذا
مات الرجل في ذلك المرض والمرأة في العدة، وعد الطلاق طلاقاً تعسفياً. |