الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثّالث عشر: الرَّد: تعريفه،
ومذاهب العلماء فيه، وقاعدة الرد (1).
أولاً ـ تعريف الرد: الرد ضد العول؛ لأنه زيادة في الأنصبة، نقص في السهام،
فيرد ما فضل عن فرض ذوي الفروض النسبية عليهم بقدر سهامهم، ولا يرد على
الزوجين.
وأصحاب الفروض النسبية: هم من عدا الزوجين، يرد عليهم بنسبة فروضهم.
الرد عند الفرضيين إذن: هو دفع ما فضل من فروض أصحاب الفروض النسبية إليهم
بقدر حقوقهم، عند عدم العصبة. فهو ضد العول، إذ بالعول يزداد أصل المسألة،
فيدخل النقص على سهام أصحاب الفروض، وبالرد ينقص أصل المسألة، وتزداد
السهام.
ثانياً ـ مذاهب العلماء في الرد: العلماء في أصل الرد فريقان:
1 - فريق يرى عدم الرد، وإنما يكون الباقي من التركة بعد أخذ أصحاب الفروض
فروضهم، ولا عاصب لبيت المال.
وهذا مذهب زيد بن ثابت، وبه أخذ مالك والشافعي، لكن المعتمد عند متأخري
المالكية، والمفتى به عند متأخري الشافعية: إذا لم ينتظم بيت المال يرد
_________
(1) السراجية: ص 128 - 139، الكتاب مع اللباب: 197/ 4، الشرح الصغير: 629/
4 - 630، مغني المحتاج: 6/ 3 - 7، المغني: 201/ 6 - 203، 236، الدر المختار
ورد المحتار: 556/ 5.
(10/7825)
الباقي على أهل الفروض غير الزوجين، بنسبة
فروضهم، فإن لم يكونوا فعلى ذوي الأرحام.
ودليل زيد ومن تابعه: أن الله تعالي قد بيَّن كل وارث بالنص، فلا يجوز
الزيادة عليه بغير دليل، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد نزول آية
المواريث: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا يستحق وارث أكثر من حقه» (1).
2 - ويرى الجمهور من فقهاء الصحابة والتابعين ومنهم الإمام علي: أن يرد على
غير الزوجين من أصحاب الفروض بنسبة فروضهم. وبه أخذ الحنفية والحنابلة
ومتأخرو المالكية والشافعية كما أبنت، لفساد بيت المال، قال الغزالي في
المستصفى: والفتوى اليوم على الرد على غير الزوجين عند عدم المستحق، لعدم
بيت المال، إذ الظلمة لا يصرفونه إلى مصرفه.
وأجاز عثمان رضي الله عنه الرد على جميع أصحاب الفروض حتى الزوجين.
وقال ابن عباس: لا يرد على ثلاثة: الزوجين والجدة؛ لأن ميراث الجدة ثبت
بالسنة طعمة، لحديث «أطعموا الجدات السدس» (2) فلا يزاد عليه، إلا إذا لم
يكن وارث نسبي غيرها.
ودليل الجمهور: قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}
[الأحزاب:6/ 33] فإنه يفيد أن ذوي الأرحام ـ الأقرباء إلى الميت
_________
(1) المعروف حديث «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» أخرجه
أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة (نصب الراية: 403/ 4).
(2) المعروف من حديث المغيرة عند مالك وأحمد وأصحاب السنن: «شهدت النبي
صلّى الله عليه وسلم أعطاها السدس» (نصب الراية: 428/ 4).
(10/7826)
ـ أولى بالتركة ممن عداهم، فيكونون أولى من
بيت المال؛ لأنه لسائر المسلمين، وذو الرحم أحق من الأجانب بالنص. ولا شك
أن أقرب الناس رحماً بالميت هم أصحاب الفروض. ولما كان الزوجان ليسا من
الأقرباء، لم تشملهما الآية، فلا يأخذان بالرد شيئاً، لأن ميراثهما بسبب
آخر غير الرحم والقرابة، وهو الزوجية.
وجاء في السنة: أن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول
الله، إني تصدقت على أمي بجارية، فماتت وبقيت الجارية، فقال: «وجب أجرك،
ورجعت إليك الجارية في الميراث» فجعل حقها في الجارية كلها، ولولا الرد
لوجب لها نصفها فقط.
موقف القانون:
فصل القانون المصري (م 30) والسوري (م 288) في شأن الرد على الزوجين، فأجاز
الرد على غير الزوجين من أصحاب الفروض بنسبة فروضهم، إذا لم يوجد عصبة. كما
أنه أجاز الرد على أحد الزوجين إذا لم يوجد عصبة من النسب، أو أحد أصحاب
الفروض النسبية، أوأحد ذوي الأرحام، فيكون الرد على الزوجين مؤخراً في
القانون عن ميراث ذوي الأرحام.
وهذا التفصيل لم يقل به الفقهاء، وإنما اعتمد على المصلحة أحياناً، ففي
حالة عدم وجود العصبة النسبية أجيز الرد على غير الزوجين، وهذا رأي
الجمهور، أما في حالة الرد على أحد الزوجين إذا لم يوجد ذوو الأرحام، فيتفق
مع مذهب عثمان بن عفان الذي أجاز الرد على جميع ذوي الفروض.
ويتفق أيضاً مع ما أفتى به متأخرو الحنفية من الرد على الزوجين: «إذا لم
يكن من الأقارب سواهما، لفساد الإمام وظلم الحكام في هذه الأيام» (1).
_________
(1) حاشية ابن عابدين: 556/ 5، ط الحلبي.
(10/7827)
وسبب الرد على أحد الزوجين بعد توريث ذوي
الأرحام: أن صلة الزوجين في الحياة تقضي بأن يكون لأحدهما في هذه الحالة
الحق في مال الآخر، بدلاً من المستحقين الآخرين.
ويمكن القول: أخذ القانون برأي الجمهور في الرد على غير الزوجين، واستثنى
حالة واحدة أخذ فيها برأي عثمان وهي على أحد الزوجين عند عدم ذوي الأرحام.
ثالثاً ـ قاعدة الردة:
مسائل الرد أربعة أقسام؛ لأن الموجود في المسألة إما صنف واحد ممن يرد عليه
أو أكثر، وعلى كلا التقديرين: إما أن يكون في المسألة أحد ممن لا يرد عليه،
أو لا يكون، فكانت الأقسام أربعة:
الأول ـ أن يكون الموجود في المسألة صنفاً واحداً ممن يرد عليه، وليس معهم
من لا يرد عليه من أحد الزوجين:
فيجعل أصل المسألة بقدر عدد رؤوسهم؛ لأن جميع المال لهم بالفرض والرد معاً،
فيقسم على عدد الرؤوس.
مثل: من مات عن: بنتين أوأختين أو جدتين، فإن أصل المسألة من اثنين (2)
فتعطى كل واحد منهما النصف فرضاً ورداً، لتساويهما في الاستحقاق. ومن مات
عن بنت فلها كل التركة فرضاً ورداً، ومن مات عن 3 شقيقات، فلهن كل التركة
فرضاً ورداً، لكل واحد ثلث.
الثاني ـ أن يكون الموجود في المسألة أكثر من
صنف واحد ممن يرد عليه، وليس معهم من لا يرد عليه:
(10/7828)
فيجعل أصل المسألة هو مجموع سهام الفروض
للمجتمعين المأخوذة من مخرج المسألة:
ففي جدة وأخت لأم لكل منهما السدس: يجعل أصل المسألة من اثنين؛ لأنهما
مجموع سهامهما؛ إذ أصل المسألة من (6): مخرج السدسين، للجدة السدس وهو سهم،
وللأخت لأم السدس، وهو سهم أيضاً، فيكون مجموع سهامهما اثنين، ويهمل أصل
المسألة، ويجعل مجموع السهام أصلاً لها.
وفي (3 بنات) وأم: يجعل أصل المسألة خمسة، فتأخذ البنات 5/ 4، والأم 5/ 1.
وفي أم وأخوين لأم: يجعل أصل المسألة من ثلاثة (3)؛ لأنها مجموع السهام؛ إذ
الأصل الأساسي هو (6): للأم السدس: سهم، وللأخوين الثلث: سهمان، فيترك
الأصل، ويجعل مجموع السهام أصلاً.
وفي أخت شقيقة وأخت لأب: يجعل أصل المسألة مجموع السهام وهو أربعة؛ لأن
الأصل الأول هو (6) للشقيقة النصف وهو ثلاثة أسهم، وللأخت لأب السدس وهو
سهم، فيترك الأصل، ويجعل مجموع السهام أصلاً، وهكذا، فجميع مسائل الرد التي
ليس فيها أحد الزوجين تكون من ستة، وتنتهي إلى أقل من ذلك، وقد تحتاج إلى
تصحيح.
فإذا استقامت القسمة على الورثة، كما في الأمثلة المتقدمة، فذاك، وإن لم
تستقم على الورثة، كما إذا ترك الميت: بنتاً وثلاث بنات ابن. فالمسألة من
ستة، وترد إلى أربعة: للبنت (3) ثلاثة، ولبنات الابن (1) واحد، وهو غير
مقسوم عليهن، فيضرب عدد رؤوسهن وهو (3) في أصل المسألة الردي وهو (4)، تبلغ
(12)، ومنها تصح.
(10/7829)
الثالث ـ أن يكون في
المسألة مع الصنف الواحد الذي يرد عليه أحد ممن لا يرد عليه، أي أحد
الزوجين:
فيجعل أصل المسألة مخرج نصيب من لا يرد عليه، ويعطى فرضه منه، ثم يقسم
الباقي على من يرد عليهم بعدد رؤوسهم. فإن أمكن قسمة السهام الباقية على
عدد الرؤوس برقم صحيح غير مكسور، فلا إشكال، وإن لم يمكن، فإنه تصحح
السهام، بضرب أصل المسألة في أقل عدد يقبل القسمة على رؤوس من يرد عليهم.
ففي زوج وثلاث بنات: يكون أصل المسألة مخرج نصيب الزوج وهو أربعة (4):
للزوج سهم منها، والباقي وهو ثلاثة أسهم يكون للبنات الثلاث فرضاً ورداً.
وهنا لا حاجة إلى التصحيح أو الضرب؛ لأن عدد السهام يقبل القسمة على عدد
الرؤوس برقم صحيح.
وفي زوجة وثلاث أخوات شقيقات: يكون أصل المسألة من مخرج نصيب الزوجة وهو
أربعة، للزوجة الربع، وهو سهم، وللأخوات الباقي فرضاً ورداً، وهوثلاثة
أسهم، وعدد السهام يقبل القسمة على عدد الرؤوس برقم صحيح أيضاً.
وفي زوجة وأربع بنات: يكون أصل المسألة من (8) للزوجة الثمن، وهو سهم،
وللبنات الباقي فرضاً ورداً، وهو سبعة أسهم. ولكن مجموع السهام لا يقبل
القسمة بغير كسر على عدد رؤوس من يرد عليهم، فتصح المسألة بضرب أصل المسألة
وهو (8) في أقل عدد يقبل القسمة على رؤوس البنات وهو أربعة (4) فيبلغ
الحاصل (32) سهماً، تأخذ الزوجة منها الثمن أربعة أسهم، ويقسم الباقي على
البنات، لكل واحدة سبعة سهام.
(10/7830)
وفي زوج وخمس بنات: مسألة الرد من أربعة،
للزوج منها الربع وهو سهم، والباقي لا ينقسم على البنات، لتباين سهامهن
وعدد رؤوسهن، فيضرب عدد الرؤوس وهو خمسة في الأصل الردي وهو (4) فيصبح (20)
ومنها تصح.
وفي زوج وست بنات: للزوج الربع هو سهم، والباقي ثلاثة للبنات الست، وبينها
وبين عدد رؤوس البنات موافقة بالثلث، فيرد عدد البنات إلى (2) ويضرب هذا
العدد في أصل المسألة الردي، فيكون المجموع (8): للزوج (2) وللبنات (6) لكل
واحدة سهم.
الرابع ـ أن يكون مع الصنفين فأكثر ممن يرد
عليه أحد ممن لا يرد عليه:
فيجعل أصل المسألة مخرج فرض من لا يرد عليه، ويعطى نصيبه منه، ثم يقسم
الباقي على من يرد عليهم بنسبة أنصبائهم، ويصحح منها ما يحتاج إلى تصحيح.
ففي زوجة، وأم، وأخوين لأم: يكون أصل المسألة من أربعة، للزوجة الربع، وهو
سهم، والباقي وهو (3) يقسم بين الأم والأخوين لأم بنسبة سدس إلى ثلث، أي
واحد إلى اثنين، وهنا يمكن قسمة السهام من غير كسر، فيكون للأم سهم،
وللأخوين لأم سهمان، لكل واحد منهما سهم.
وفي زوجة، وبنتين، وأم: للزوجة الثلثان، وللأم السدس، وأصل المسألة من (8):
للزوجة سهم واحد منها، والباقي وهو (7) يقسم على البنتين والأم، بنسبة
ثلثين إلى سدس أي (4 إلى 1)، فيكون المجموع خمسة، والسبعة لا تنقسم عليها
بدون كسر، فيصح أصل المسألة، وذلك بضربه في أقل عدد يقبل القسمة على الخمسة
برقم صحيح، فيصبح الحاصل (8 × 5=40)، ومنه تصح، للزوجة الثمن خمسة سهام،
ويقسم الباقي وهو (35) سهماً بين البنتين والأم، بنسبة
(10/7831)
(4 إلى 1)، أي يكون للبنتين (28) سهماً، لكل واحدة (14) سهماً، وللأم (7)
سهام.
وهذا التقسيم تماماً ينطبق على مثال آخر هو: (4) زوجات، (9) بنات، (6)
جدات، للزوجة الثمن وهو أصل المسألة، وللبنات الثلثان، وللجدات السدس. فإذا
كانت التركة (1440) ديناراً تقسم على (40) فيكون (36)، يضرب بسهم الزوجة أو
الزوجات وهو (5) فتكون الحصة (180)، ويضرب بـ (28) نصيب البنات حصتهن
(1008) ويضرب بـ (7) نصيب الأم أو الجدات، فتكون الحصة (252).
وفي زوجة، و (3) جدات، و (5) أخوات لأم: يجعل أصل المسألة (4)، وهو مخرج
فرض الزوجة، فتأخذ (1) والباقي يقسم بنسبة (2 إلى 1)، أي بنسبة الثلث فرض
الأخوات، إلى السدس فرض الجدات، ويحتاج الأمر إلى تصحيح، لوجود التباين بين
(1) وعدد الجدات (3)، وبين (2) وعدد الأخوات (5)، فنضرب عدد رؤوس الجدات
(3) بعدد رؤوس الأخوات وهو (5)، فيكون الحاصل (15)، نضربه بأصل المسألة وهو
(4)، فيكون الحاصل (60)، يعطى للزوجة الربع وهو (15)، والباقي (45) يقسم
أثلاثاً: للجدات ثلثه وهو (15)، لكل واحدة 5 أسهم، وللأخوات لأم الثلثان
وهو (30)، لكل أخت (6). |