ومنها: أن يرسل الكلب ونحوه ليصيد له
بكيفية مفصله في المذاهب (1) ومنها أن ينوي
__________
حال الذبح وأن يكون الذبح عقب التسمية قبل تبدل المجلس، فإن اشتغلوا
بأكل أو شراب فإن طال لم يحل الذبح، "وحد الطول ما يستكثره الناظر"،
وأن لا يقصد بالتسمية شيئاً آخر كالتبرك في ابتداء الفعل، فإن فعل ذلك
فإن ذبيحته لاتحل، وقد تقدم ذلك في كتاب الذكاة.
الشافعية - قالوا: إن التسمية ليست شرطاً كما تقدم وإنما هي سنة،
ويشترط أن يذكر مع اسم الله تعالى بدون أن يقرن به اسم غيره، فإن قال:
بسم الله واسم محمد مثلاً فإن أراد أن يشرك مع الله غيره فقد كفر وحرمت
ذبيحته، وإن لم يرد أن يشرك مع الله غيره حلت الذبيحة ولكن يكره إن قصد
التبرك بذكر غير الله، ويحرم إن أطلق ولم يقصد شيئاً لإيهام التشريك
بالله كما تقدم في باب الذكاة.
المالكية - قالوا: يشترط التسمية عند إرسال الجارحة ونحوها، وعند تذكية
الحيوان والنحر، وإنما تشترط في حَق المسلم؛ أما الكتابي فلا تشترط
التسمية في حقه، والمراد بالتسمية ذكر الله تعالى لا خصوص بسم الله،
ولكن الأفضل أن يقول: بسم الله الله أكبر.
الحنابلة - قالوا: يشترط أن يقول: بسم الله عند إرسال السهم والجارحة،
وعند حركة يده بالذبح أو النحر أو العقر، ولا يقوم مقام التسمية شيء بل
لا بد من ذكرها بخصوصها، والأفضل أن يقول: بسم الله والله أكبر كما
تقدم، ولا يضر أن يقدمها أو يؤخرها بزمن يسير، وإذا أرسل الجارحة ولم
يسم عند إرسالها وتأخر كثيراً ثم سمى وزجر الجارحة فانزجرت؛ فإن صيده
يحل، ولا يضر هذا التأخر، وإذا ترك التسمية عمداً حرم صيده وذبيحته،
أما إذا تركها سهواً أو جهلاً فإن ذبيحته تحل دون صيده، لأن الذبيحة
تكثر ويكثر فيها النسيان، بخلاف الصيد فإنه لا يتسامح فيه، وإذا سمى
على صيد وأصاب غيره حل، أما إذا ترك رمي السهم عليه ورمى سهماً آخر لم
يسم عليه فإن صيده لا يؤكل؛ لأن التسمية في الذبيحة على الحيوان، وفي
الصيد على الآلة
(1) المالكية - لهم رأيان قويان في كيفية إرسال الجارحة للصيد. أحدهما
أن يكون الصائد ماسكاً لها بيده أو متعلقة به؛ كأن كانت تحت قدمه أو في
حزامه أما إذا لم تكن معلقة به بل مفلوتة فأرسلها فإن صيدها لا يؤكل.
ثانيهما أنه لا يشترط ذلك بل لوكانت الجارحة مفلوتة فأرسلها فإن صيدها
يؤكل وإذا كانت الجارحة في يد خادمه فأمره بإرسالها فأرسلها فإن صيدها
يؤكل لأن يد الخادم كيد سيده في ذلك، وتكفي نية الآمر وتسميته في ذلك،
ولا يشترط في الخادم أن يكون مسلماً حينئذ لأن نيته غير لازمة اكتفاء
بنية الآمر وهوسيده، فالإرسال منه حكماً، وسيأتي الكلام على النية
قريباً.
الحنفية - قالوا: يشترط أن يوجد الإرسال للجارحة من الصائد ولو كانت
مفلوتة، فإذا انفلت الكلب ونحوه من صاحبه بدون أن يرسله فأخذ صيداً
أوقتله فإنه لا يؤكل، أما إذا انفلت منه فزجره بصوته فانزجر به بأن
اشتد عدوه وطلبه للصيد فإن صيده يؤكل. أما إذا لم يزجره أو زجره فلم
ينزجر فإن صيده لا يؤكل لعدم تحقق شرط الإرسال؛ وكذا إذا انبعث وحده
ولم يزجره صاحبه بل زجره مسلم فانزجر بصوته فإن صيده يحل استحساناً؛
أما إذا لم ينزجر أو زجره مجوسي فإن صيده لا يحل.
الحنابلة - قالوا: يشترط أن يوجد الإرسال من الصائد؛ فإذا انبعث الكلب
ونحوه بنفسه فقتل صيداً لم يحل.
الشافعية - قالوا: إذا انبعثت الجارحة وحدها بدون أن يرسلها صاحبها
فقتلت صيداً فإنه لا يحل؛ وإذا انبعثت وحدها فزجرها ليستوقفها فوقفت ثم
أغراها بعد الوقوف فانطلقت وقتلت صيداً فإنه يحل بلا خلاف، أما إذا
استرسلت ولم تقف فإن صيدها لا يؤكل؛ سواء زاد عدوها بزجره أولا؛ وكذا
إذا لم يزجرها لتقف بل أغراها فإن لم يزد عدوها بإغرائه فإن صيدها لا
يحل قطعاً؛ وإن زاد عدوها بإغرائه فقولان: والصحيح أنه لا يحل؛ وإذا
زجرها لتقف فلم تطعه فأغراها فإنه لا يحل
(2/27)
الصائد أو الذابح حل الحيوان؛ فإذا لم
ينوكأن ضرب حيواناً بآلة فأصابت منحره فمات فإنه لا يحل. لأنه لم يقصد
حله بهذه الضربة، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) المالكية - قالوا: إن كان الصائد أو الذابح مسلماً فإنه يشترط في
حقه أن ينوي حل أكل الحيوان الذي يذبحه أو يصيده إما حقيقة وإما حكماً،
والنية الحكمية: هي أن يقصد الذكاة الشرعية وإن لم يلاحظ حل الأكل؛ فإن
هذا القصد في حكم قصد حل الأكل؛ إذ لا معنى لكون الذكاة شرعية إلا
كونها سبباً لحل أكل الحيوان، وهذا كاف في الجزم بنية التحليل حتى لوشك
في إباحة الصيد فإنه لا يحل. أما إذا كان كتابياً فإنه يكفي منه قصد
الفعل وإن لم ينو التحليل في قلبه، لأنه إذا اعتقد حل الميتة أكلت
ذبيحته إذا كانت بحضرة مسلم عارف بأحكام الذبح كما تقدم، وذلك لأن
النية بمعنى اعتقاد الحل بالذبح لا تشترط في الكتابي. ويحرم على المكلف
أن يصطاد بغير نية الذكاة كأن لم ينو شيئاً أصلاً أو ينو اللهو واللعب،
أما إذا نوى اقتناء الصيد لغرض شرعي كتعليمه إرسال الكلب أو الاتجار
فيه توسعة على نفسه وعياله ولوفي الأمور الكمالية كأكل الفاكهة فإنه
جائز. أما صيد الحيوان للفرجة عليه واتخاذ ذلك حرفة يعيش منها فقولان:
فبعضهم يقول بالجواز، وبعضهم يقول بالمنع.
الحنفية - قالوا: التسمية شرط بالنص، وإنما تتحقق بالقصد فلا بد من
النية. ولذا لا تصح ذكاة المجنون المستغرق الذي لا قصد له، أما المعتوه
الذي يتأتى منه القصد ويعقل لفظ التسمية ويضبط فعل الذبح الشرعي فإن
ذبيحته تحل ولولم يأت بالتسمية لعدم علمه بشرطيتها، فإن الجاهل بها
كالناسي، ومثل المعتوه الصبي والسكران في ذلك، وإذا قال: بسم الله ولم
تحضره النية فإن ذبيحته تحل حملاً على ظاهر حاله من أنه قصد التسمية
على الذبيحة، أما إذا قال: الحمد لله أو سبحان الله أولا إله إلا الله
فإنه لا بد من قصد التسمية، لأن هذا كنى به عن التسمية، والكناية لا بد
فيها من النية.
الشافعية - قالوا: يشترط أن يقصد الصائد أو الذابح إيقاع الفعل على
العين التي يريدها وإن أخطأ في ظنه أو يقصد إيقاع الفعل على واحد من
الجنس وإن أخطأ الإصابة، مثال الأول أن يرمى شيئاً يظنه جماداً فيظهر
أنه حيوان مات برميته فإنه يؤكل، لأنه كان يقصد عيناً وإن أخطأ في ظنه.
ومثال الثاني أن يرمي قطيع ظباء فيصيب واحدة فإن أكلها يحل، لأن قصد
الجنس فأخطأ الإصابة، وكذا إذا
(2/28)
الشروط المتعلقة
بآلة الصيد
تنقسم آلة الصيد إلى قسمين: جماد، وحيوان. فالأولى كالسهم يرمي به
الصائد صيده والثاني الجوارح وهي كلاب الصيد ونحوها من الحيوانات
المفترسة كالنمر والفهد والأسد إذا تعلمت الصيد، ومثلها سباع الطير
كالشواهين.
فأما القسم الأول فإنه يشترط له شروط: منها أن يصيب الحيوان بحده أو
بنصله، فإذا رماه بسكين أو سيف أو حربة أو سهم فأصابه بحدها أو نصلها
فقتله فإنه يحل، أما إذا أصابه بعرضها فقتله ثقلها ولم يدركه حياً
ويذبحه فإنه لا يحل، ومثل ذلك ما إذا رماه بعصا أو خشبة أو حجر لاحد له
فأماته فإنه لا يحل، وكذلك إذا نصب له شبكة أو شركاً فاختنق بها ومات
قبل أن يذبحه فإنه لا يحل، وكذا إذا رماه برصاص البنادق أو رشها فأماته
فإنه لا يحل (1) فإذا احتمل
__________
قصد واحدة فأصاب غيرها، فإذا لم يقصد العين أو الجنس لا يحل الحيوان،
كما إذا وقعت منه السكين فأصابت حيواناً فذبح فإنه لا يحل، ولا يشترط
قصد الذبح بل الشرط قصد الفعل كما ذكر، فإذا صال حيوان على شخص فضربه
بسيفه فقتله فإنه يحل، وإن لم يقصد ذبحه لأن المعتبر قصد الفعل وقد
حصل.
الحنابلة - قالوا: يجب قصد التذكية، فإذا وقع سيف على مذبح حيوان
فأماته لا يؤكل لعدم القصد، ولا تشترط إرادة الأكل اكتفاء بإرادة
التذكية.
(1) المالكية - قالوا: إنه لم يوجد نص من المتقدمين في الصيد برصاص
البنادق ولكن كثيراً من المتأخرين يوثق بهم قالوا: يحل أكل ما يصطاد به
ويميته لأنه يريق الدم ويسرع في القتل أكثر من غيره، والغرض من الذكاة
الشرعية إنما هو الإجهاز السريع على الحيوان كي يستريح من التعذيب
فكلما كان أسرع في الإجهاز عليه كان استعماله أحسن، ولا يشترط أن يكون
الجرح بالشق بل يصح أن يكون بالخرق أيضاً.
الحنفية - قالوا: إن الأصل في ذلك أن يكون شك، شك في أن موت الصيد كان
بسبب الجرح لا بسبب الثقل فإذا تحقق أنه مات بالثقل أو شك في ذلك، فإنه
لا يحل أكله ما لم يدركه وفيه حياة مستقرة ويذبحه كما تقدم بيانه.
فالصيد الذي يرمى برصاص البنادق فإنه وإن كان الرصاص يريق ويخرق الجسم
ولكنه يشك في أن الحيوان هل مات بثقل اندفاع الرصاص أو بالجرح الناشئ
من الإصابة؟ فإذا وجد هذا الشك فإنه لا يحل، أما إذا تحقق أنه مات
بالجرح لا بالثقل فإنه يحل.
ومثل الرصاص الرش، فإنه إذا رمي به حيوان كبير لا يتصور أن يموت بثقل
اندفاع الرش فإنه يحل، لأن موته بسبب الجرح من غير شك، أما إذا رمي به
حيوان صغير ضعيف كالعصافير الضعيفة
(2/29)
الحيوان الرمية كأن كان كبيراً وأدركه وفيه
حياة مستقرة وذبحه فإنه يحل. فالاصطياد بالبنادق جائز إذا كان الرامي
حاذقاً وكان الحيوان يحتمل الضربة فيقع بها حياً.
ومنها أن تجرح آلة الصيد الحيوان وتريق دمه (1) في أي موضع من بدنه
ولوأذنه. ومنها أن يتحقق من أن السهم ونحوه هو الذي قتل الحيوان وحده
بدون أن يشترك معه سبب آخر فإذا رخى الصيد بسهم فأصابه إصابة يمكن أن
يعيش بعدها ثم وقع وهوحي في ماء يغرقه ويميته عادة ومات فإنه لا يحل
لاحتمال أن يكون قد مات بسبب الماء، فقد اجتمع على قتله سببان: مبيح
لأكله وهو الجراحة بالسهم، ومانع وهو الغرق بالماء، فيقدم السبب المانع
احتياطاً، ومثل ذلك ما إذا رماه فوقع على جبل أو ربوة ثم تردى من فوقها
وكان يقتل مثله بذلك عادة فإنه لا يحل، أما إذا نفذ السهم في عضوعن
أعضائه الرئيسية ومزقه وثبت قتله بهذه الرمية بحيث لم يبق فيه بعدها
سوى حركة المذبوح ثم سقط بعذ ذلك في الماء، أو تردى من مرتفع يميته
عادة فإنه يحل (2) .
ويستثنى من ذلك ما لا يمكن الاحتراز عنه إذا رماه وهو يطير في الهواء
فسقط على الأرض أو على آجرة مطروحة على الأرض فإنه يحل بدون نظر إلى
احتمال أن سقوطه كان سبباً في قتله، إذ لواعتبر ذلك لما حل صيد أبداً،
ومثل ذلك ما كان يطير في هواء البحر أو على وجه الماء ورمي فوقع في
الماء فإنه يحل (3) ما لم يغمس في الماء وتكون الرمية غير قاضية على
حياته وحدها لاحتمال أن يكون قد مات بالغرق حينئذ.
__________
التي يتصور أن تموت بثقل اندفاع الرش فإنها لا تحل إلا بتحقق أنها ماتت
بسبب الجرح لا بسبب الثقل
(1) الحنفية - قالوا: اختلفوا في إراقة دم الصيد فقال بعضهم: إنها
تشترط مطلقاً سواء أكان الجرح صغيراً أم كبيراً، وقال بعضهم: إن إراقة
الدم لا تشترط مطلقاً ويكفي الجرح ولوصغيراً، وفصل بعضهم فقال: إن كان
الجرح كبيراً لا تشترط إراقة الدم، وإن كان صغيراً فلا بد من الإراقة
(2) المالكية - قالوا: إن إراقة الدم شرط في حل الصيد حتى ولولم يشق
الجلد إلا إذا كان الحيوان مريضاً، فإن إراقة الدم لا تشترط، وإنما
الذي يشترط فيه هو الشافعية قالوا: الجلد، فإذا لم يشق جلده فإنه لا
يحل
(3) الحنابلة - قالوا: إذا رمي الصيد فوقع في ماء يغرقه ويميته عادة ثم
مات فإنه لا يحل على أي حال، ولو كانت الرمية قد مزقت أعضاءه الرئيسية
إلا إذا كان يطير على الماء فإنه يعفى عن سقوطه حينئذ كما يعفى عن
سقوطه على الأرض من الهواء، وكذا إذا سقط في الماء بجسمه وكان رأسه
خارج الماء فإنه يحل على أي حال
(2/30)
وإذا رمى صيداً فقطعه نصفين فإنه يؤكل
بجميع أجزائه، وكذا لورماه فقطع رأسه وحدها أوقطع نصفها أوقطعها مع جزء
من جسمه لا يتصور أن يعيش معه الحيوان فإنه يحل أكله وأكل ما قطع منه،
أما إذا قطع منه عضواً يتصور أن يعيش بدونه كاليد والرجل والفخذ والثلث
الذي يلي العجز ثم مات الحيوان (1) بذلك أو أدركه حياً وذكاه فإنه يحل
اكل الحيوان ويحرم أكل ذلك العضوالذي قطع منه لأن الجزء الذي ينفصل من
الحي ميتة إلاّ أن يكون قد قطع ولكنه لم ينفصل منه تمام الانفصال، بأن
كان متعلقاً بلحمه بحيث يمكن التئامه ورجوعه إلى حالته لوكان حياً فإنه
في هذه الحالة تصبح تذكية الحيوان تذكية لذلك العضو المتصل به، بخلاف
ما إذا كان متعلقاً به تعلقاً يسيراً، كأن يكون متصلاً بجلده (2) أو
بعرق منه بحيث لا يتصور التئامه ورجوعه إلى هيئته الأولى.
وأما الشروط المتعلقة بالجوارح فهي مفصلة في المذاهب (3) .
__________
(1) الشافعية - قالوا: إذا قطع يده أو رجله أو جزءاً منه يمكنه أن يعيش
بدونه ولكنه قد مات الحيوان بهذه الرمية فإنه يؤكل هووما انفصل منه من
يد أو رجل بشرط أن يكون الجرح مسرعاً للموت ولم يدركه وبه حياة مستقرة
ولم يجرحه جرحاً آخر مات بسببه الخ - أما إذا لم يمت بهذه الرمية فقتله
برمية أخرى أكل ما بقي ثابتاً من أعضائه، ولم يؤكل العضوالذي انفصل منه
وفيه الحياة وكذا لوأدركه وفيه حياة مستقرة وذبحه
(2) الحنابلة - قالوا: إذا بقي العضو متعلقاً بجلده فيباح أكله بإباحة
أكل الحيوان الذي تعلق به، ويصبح كسائر أجزائه
(3) الحنابلة - قالوا: الجوارح نوعان، أحدهما: ما يصيد بنابه كالكلب
والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به. ثانيهما: ذوالمخلب - بكسر الميم -
كالبازي والصقر والعقاب والشاهين وغيرها، ويشترط في إباحة الصيد
بالنوعين كونها متعلمة، كما قال تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين
تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم} وتعليم النوع الأول
منها أي الكلب وغيره يكون بثلاثة أشياء، الأول: أن يطيع صاحبه إذا
أرسله، والثاني: أن ينزجر إذا زجره صاحبه، سواء في حال مشاهدته الصيد
أولا، الثالث: أن لا يأكل مما يصيد. على أن هذه الشروط إنما هي في
الكلب خاصة، أما الفهد وغيره فيكفي فيه ترك الأكل لتعذر انزجاره بزجر
صاحبه، ولا يلزم تكرار ترك الأكل، بل يجزئ تركه مرة واحدة، فإذا تناول
من صيد فيحرم أكل هذا الصيد الذي تناول منه، ولا يخرج بذلك عن كونه
متعلماً، فلواصطاد بعدها ولم يأكل حل صيده. وإن شرب الكلب دم الصيد ولم
يأكل منه فلا يحرم. أما تعليم النوع الثاني فهوبأمرين، أحدهما: أن يطيع
إذا أرسل، ويرجع إذا دعي؛ أما ترك الأكل فليس شرطاً في حقه، فما اصطاده
حلال ولوأكل منه، ويشترط في ذي المخلب أن يجرح الصيد فلوقتله بعد رميه
أو خنقه لم يبح.
(2/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وهم يقولون بحرمة صيد الكلب الأسود البهيم كما يحرم اقتناؤه لحديث صحيح
عملوا بظاهره كما لا يحل صيد الخنزير.
الشافعية - قالوا: يشترط لتحقق كونه معلماً أربعة شروط، أحدها: أن
ينزجر بزجر صاحبه في ابتداء إرساله، فلوزجره فلم يطعه فلا يعد معلماً،
وكذا زجره بعد أن يعدوويشتد عدوه فلولم يطعه فلا يعد معلماً على
الصحيح. الثاني: أن يسترسل بإرساله بأن يهيج لوأغراه بالصيد. أن يمسك
الصيد فيحبسه على صاحبه ولا يخليه. الرابع: أن لا يأكل منه. وهذه
الشروط الأربعة في الطلب وما في معناه من جوارح السباع. وأما جوارح
الطير فيشترط فيها أن تهيج لوأغراها بالصيد، وأن تترك الأكل من الصيد
على المعتمد، أما انزجارها بعد أن تطير فليس بشرط، وكذلك منعها عن
الطيران في ابتداء أمرها فليس بشرط، ويشترط تكرار حصول هذه الشروط حتى
يغلب على الظن أن الجارحة صارت معلمة، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة
بالجوارح، فمتى قالوا: إنها صارت معلمة فإن صيدها يؤكل، فلا يقدر
حصولها بمرة أو مرتين على المعتمد، فلوفقد شرط من هذه الشروط فإن الصيد
يحرم إلا إذا أدركه حياً فذبحه فيحل حينئذ، ولا يشترط في الجارحة أن
تجرح الصيد الذي تضطاده، فلوقتلته بثقلها عليه، أو ضربته في جدار
فأماتته، أو صدمته في حجر، أو ضربته بالأرض ونحو ذلك فيحل؛ ولوظهر كون
الكلب معلماً ثم أكل صيداً لم يحل ذلك الصيد على أظهر قولي الشافعي،
ويشترط تعليم جديد، ولا يضر في كونها معلمة لعق الدم، ومحل عض الكلب
يجب غسله بماء وتراب - على الراجح - كجميع النجاسات الكلبية، وقيل يجب
تقويره وطرحه، وقيل يعفى عنه فلا يجب غسله، وقيل بطهارته.
الحنفية - قالوا: يشترط لتحقق كون الجارح معلماً أن يمسك الصيد ويحبسه
على المالك، وأن يترك الأكل منه، وأن يجيبه إذا دعاه، وأن يجيبه إذا
أرسله إلى الصيد، ولا يصبح معلماً إلا إذا حصل ذلك منه ثلاث مرات على
الصحيح، ثم يباح الأكل في الرابعة، وقيل يباح في الثالثة أيضاً، هذا في
الكلب ونحوه من جوارح السباع. وأما جوارح الطير كالشاهين والصقر
والبازي فلا يشترط فيه ترك الأكل، وإنما يعتبر معلماً إذا أجاب صاحبه
عند دعوته، فمتى أجابه عند الدعوة الثالثة من غير أن يطمع في اللحم صار
معلماً. أما إذا أجابه طمعاً في اللحم فلا يعتبر معلماً، ولا يضر إذا
دعاه فلم يجبه في المرة الأولى والثانية، أما لودعاه في الثالثة فلم
يجبه فلا يعتبر معلماً.
ويشترط في الجوارح أن تجرح الصيد على المعتمد، فلوخنقت الجارحة الطير
أوقتلته بثقلها ونحو ذلك فلا يؤكل. ويستثنى من الجارحة البازي والصقر
فإنهما لا يشترط فيهما أن يجرحا الصيد، ويباح أكله لوقتلاه خنقاً أو
بثقلهما باتفاق. وفي إراقة الدم الخلاف المتقدم في الصيد بالآلة.
المالكية - قالوا: الجارحة المعلمة هي التي متى أرسلت أطاعت، ومتى زجرت
انزجرت، إلا البازي فإنه لا ينزجر، وعصيان المعلم مرة لا يخرجه عن كونه
معلماً كما يكون المعلم معلماً بطاعته مرة، إنما المعتبر في التعليم
وعدمه العرف.
(2/32)
الوليمة
تعريفها في اللغة: اسم لطعام العرس خاصة فلا تطلق على غيره حقيقة،
والعرس - بضم العين - يطلق على العقد وعلى الدخول، ولكن الفقهاء يريدون
منه الدخول، فالمراد بوليمة العرس عندهم الدعوة إلى الطعام الذي يعمل
عند الدخول على المرأة والبناء بها، أما الأطعمة الأخرى التي تصنع عند
حادث السرور ويدعى إليها الناس عادة فلها أسماء أخرى غير الوليمة، فلا
تسمى وليمة تسمية حقيقية.
وأنواعها كثيرة، منه: الطعام الذي يصنع عند العقد على الزوجة ويسمى
طعام الإملاك - بكسر الهمزة - والإملاك: التزويج، ويقال له أيضاً شندخ
- بضم الشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال - مأخوذ من قولهم: فرس
مشندخ، أي يتقدم غيره، فسمي بذلك هذا الطعام لأنه يتقدم على العقد وعلى
الدخول، ومنها: الطعام الذي يصنع عند الختان ويسمى إعذاراً - بكسر
الهمزة -، ومنها: الطعام الذي يعمل لسلامة المرأة من الطلق والولادة
ويسمى خرساً - بضم الخاء وسكون الراء، ومنها: الطعام الذي يصنع للقدوم
من السفر ويسمى نقيعة، مأخوذة من النقع، وهو الغبار، ومنها: الطعام
الذي يصنع للصبي عند ختم القرآن ونحوه، ويسمى حذاقاً - بكسر الخاء
وتخفيف الذال - مشتق من الحذق لأنه يشير إلى حدق الصبي، ومنها: الطعام
الذي يصنع للمآتم ويسمى وضيمة، ومنها: الطعام الذي يصنع لبناء الدار
ويسمى وكيرة، ومنها: طعام العقيقة.
حكم الوليمة وغيرها
أما الوليمة، وهي طعام العرس الذي يدعى إليه الناس كما عرفت، فإنه سنة
(1) مؤكدة، فيسن عند الدخول بالمرأة أن يولم الزوج بما تطيب به نفسه
ويقدر عليه مثله، فإذا كان يقدر على أن يذبح لهم، فيسن أن لا ينقص عن
شاة لأنها أقل ما يطلب من القادر لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد
الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة" من حديث رواه البخاري، أما إذا لم يقدر
فإنه يكتفي منه بما يستطيع، فقد روى البخاري أيضاً أن النبي صلى الله
عليه وسلم "أولم على بعض نسائه بمدين من شعير".
__________
ويشترط في الجارحة أن تجرح الصيد وتريق دمه، إلا أن يكون المصيد مريضاً
فإنه يكتفى بشق جلده وإن لم يرق دمه كما تقدم، فلوقتل الصيد بجسمه أو
بضربه بالأرض أو نحو ذلك فلا يحل
(1) المالكية - قالوا: الوليمة مندوبة لا واجبة ولا سنة على الصحيح
(2/33)
أما غير الوليمة من الأطعمة التي تصنع عند
حادث السرور وهي التي ذكرت أسماؤها آنفاً فإن في حكمها تفصيلاً في
المذاهب (1) .
وقتها
وفي وقت وليمة العرس المذكور تفصيل في المذاهب (2) .
__________
(1) الشافعية - قالوا: يسن صنع الطعام والدعوة إليه عند كل حادث سرور،
سواء كان للعرس أوللختان أوللقدوم من السفر إلى غير ذلك مما ذكر، فليست
السنة خاصة بوليمة الطعام وكما أن الوليمة تصدق على طعام العرس، فكذلك
تصدق على غيره، ولكن صدقها على وليمة العرس أكثر. وإنما يسن عمل الطعام
عند القدوم من السفر إذا كان السفر طويلاً عرفاً في بعض النواحي
البعيدة، فإن كان يسيراً أو كان في ناحية قريبة فإنه لا يسن. أما
الوضيمة وهي الطعام الذي يعمل عند الموت فإنه يسن أن يكون من جيران
الميت.
الحنفية - قالوا: السنة هي وليمة العرس، وهي أن الرجل إذا بنى بامرأته
فإنه يسن أن يدعو الأقارب والجيران والأصدقاء ويصنع لهم طعاماً ويذبح
لهم. أما الدعوة إلى طعام غير العرس كالدعوة إلى طعام الختان ونحوه مما
ذكر، فإنها جائزة متى كانت خالية من محظور ديني، أما الطعام الذي يصنع
للمأتم فإنه يجوز أن يصنعه لأهل الميت غيرهم ويحمله إليهم ويأكل معهم
في اليوم الأول لأنهم مشغولون، أما في اليوم الثاني وما بعده فإنه
مكروه. ولا تباح الضيافة ثلاثة أيام في أيام المصيبة، وإذا فعل فلا بأس
من الأكل منه. وإن عمل طعام للفقراء كان حسناً بشرط أن لا يكون من مال
القاصر.
المالكية - قالوا: إن المندوب هووليمة العرس فقط كما تقدم، وأما غيره
كطعام الختان فإنه جائز ليس بواجب ولا مستحب.
الحنابلة - قالوا: إن المسنون هو الدعوة إلى طعام العرس خاصة، أما
غيرها من الأنواع التي ذكرت فإن الدعوة إليه جائزة ما عدا الدعوة إلى
طعام المأتم فإنها مكروهة، وفي الدعوة إلى الختان قولان: فقيل مكروهة،
وقيل جائزة. أما الدعوة إلى طعام العقيقة فإنها سنة
(2) المالكية - قالوا: وقت وليمة العرس عند الدخول بالزوجة سواء كان
قبله أو بعده، واستحب بعضهم أن تكون قبل الدخول، لأن الغرض منها إشهار
النكاح، فيناسب إشهاره قبل الدخول، وما روي عن مالك من أنها تكون بعد
البناء، فإن المراد منه ما إذا فاتته قبل البناء. وتكرارها، فالمندوب
هو الدعوة إلى أكلة واحدة، ويصح تكرار المائدة في أوقات مختلفة إذا كان
المدعو أولاً غير المدعو ثانياً.
الحنفية - قالوا: وقت وليمة العرس حين البناء، وتستمر الدعوة إلى
الطعام بعد البناء واليوم الذي بعده ثم ينقطع العرس والوليمة.
(2/34)
إجابة الدعوة إلى
الوليمة وغيرها
إجابة الدعوة إلى الوليمة وهي "طعام العرس خاصة" كما تقدم فرض (1) ،
فلا يحل لمن دعي إليها أن يتخلف عنها، أما إجابة الدعوة إلى غير
الوليمة من الأطعمة التي ذكرت آنفاً كطعام الختان، والقدوم من السفر
وغيرهما فإنها (2) سنة. وإنما تجب الإجابة أو تسن بشروط: منها أن لا
يكون الداعي فاسقاً مجاهراً أو ظالماً وله غرض فاسد كالمباهاة
والمفاخرة أو التأثير على المدعو ليستخدمه في معصية كدعوة القاضي ليحول
بينه وبين الحكم بالحق. ومنها أن يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي يتيح
له التخلف عن الجماعة كمرض ونحوه، وأن يكون معيناً بالدعوة، فلوقال
الداعي للناس: هلموا إلى الطعام بدون تعيين فإن الإجابة لا تجب. ومنها
أن لا تكون الوليمة مشتملة على محرم أو مكروه؛ فإذا لم تستوف الشروط
فإن الإجابة لا تفرض ولا تسن، وفي شروط الإجابة تفصيل في المذاهب
(3) .
__________
الحنابلة - قالوا: وقت استحباب وليمة الطعام موسع فإنه يكون من بعد
حصول عقد النكاح إلى انتهاء العرس بدون تقرير، فلا مانع مما جرت به
العادة من أن تكون الوليمة قبل الدخول بزمن يسير.
فإذا شرع في الوليمة فإنها تستمر يومين، اليوم الأول واليوم الثاني،
أما اليوم الثالث فإنها تكون مكروهة لقوله عليه الصلاة والسلام:
"الوليمة أول يوم حَق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة". رواه
أبوداود وابن ماجة وغيرهما.
الشافعية - قالوا: وقت وليمة العرس سدخل بالعقد ولا يفوت بطول الزمن،
وقال بعضهم: تستمر الوليمة إلى سبعة أيام في البكر، وثلاثة في الثيب،
وبعدها تكون قضاء، والأفضل فعلَها بعد الدخول
(1) الحنفية - قالوا: لهم رأيان في ذلك: "أحدهما" أن الإجابة سنة
مؤكدة، سواء كانت الدعوة إلى وليمة أو غيرها متى استكملت الشروط.
"ثانيهما" أن الإجابة سنة مؤكدة قريبة من الواجب في وليمة النكاح وهو
المشهور. أما الإجابة إلى غير الوليمة فهي أفضل من عدم الإجابة. وبعضهم
يقول: إن الإجابة إلى وليمة النكاح واجبة لا يجوز تركها
(2) المالكية - قالوا: إجابة الدعوة إلى الطعام تنقسم إلى خمسة أقسام،
الأول: واجبة وهي إجابة الدعوة إلى طعام وليمة النكاح، والثاني: مستحبة
وهي الإجابة إلى المأدبة "بضم الدال وفتحها" وهي الطعام الذي يصنع
للوداد. الثالث: مباحة وهي الإجابة إلى الطعام الذي يصنع بقصد حسن غير
مذموم كالعقيقة للمولود، والنقيعة للقادم من السفر، والولكيرة لبناء
الدار، والخرس للنفاس، والإعذار للختان ونحو ذلك. الرابع: مكروهة وهي
الإجابة إلى طعام يعمل بقصد الفخر والمحمدة. الخامس: محرمة وهي الإجابة
إلى طعام يفعله الرجل لمن يحرم عليه هديته كأحد الخصمين للقاضي
(3) الحنابلة - قالوا: يشترط لإجابة الدعوة شروط:
(2/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أحدها: أن يكون المدعو معيناً بشخصه فلودعي ضمن أناس كأن قال الداعي
لجماعة يا أيها الناس هلموا إلى الطعام فإنه لا تجب الإجابة على واحد
منهم، كما إذا قال لرسوله: ادع من شئت أو من لقيته؛ فإن الإجابة لا تجب
في هذه الحالة.
ثانياً: أن يكون الداعي مسلماً يحرم هجره، فإذا دعاه ذمي فإن إجابته
تكره، وكذا إذا دعاه ظالم أو فاسق أو مبتدع أو متفاخر بها، فإن إجابته
لا تلزم بل تكره.
ثالثاً: أن يكون كسب الداعي طيباً، فإن كان كسبه كله خبيثاً فإنه لا
تلزم الإجابة بل تحرم وإن كان بعض ماله حلالاً والبعض حراماً ففي إجابة
الدعوة والأكل منه أقوال: أحدها الكراهة ورجحه بعضهم. ثانيها الحرمة.
ثالثها التفصيل، وهو: إن كان الحرام أكثر حرم الأكل وإلا فلا. رابعها
أن لا يكون المدعوغير قادر على الحضور كأن كان مريضاً أو ممرضاً لغيره
أو مشغولاً بحفظ مال نفسه أو غيره، أو كان في شدة حر أو برد أو مطر يبل
الثياب أو وحل، فإن الإجابة في كل هذه الأحوال لا تجب، لأنها أعذار
تبيح ترك الجماعة، فكذلك تبيح ترك إجابة الدعوة للوليمة.
خامساً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على منكر كأن يكون فيها مضحك بفحش
أو كلام كاذب، أو يكون فيها مومسات يتهتكن بالرقص ونحوه، أو كانت
المائدة مشتملة على خمر أوآنية من ذهب أو فضة أو عود أو مزمار ونحوها،
فإن الإجابة في كل ذلك لا تجب بل تحرم، إلا إذا كان قادراً على إزالة
المنكر فإنه يجب عليه الحضور والإنكار وبذلك يؤدي واجبين: واجب إزالة
المنكر، وواجب إجابة الدعوة، فإذا لم يعلم بهذه المحظورات وحضر وشاهد
المنكر فإنه يجب عليه إزالته إن قدر، فإن لم يقدر فإنه يجب عليه
الانصراف. أما إذا علم بالمنكر ولم يره بعينه فإن له الجلوس والأكل،
وله الانصراف.
سادساً: أن يدعوه في اليوم الأول، فإذا دعاه في اليوم الثاني فإن
الإجابة لا تجب بل تستحب وإذا دعاه في اليوم الثالث فإن الإجابة تكره.
المالكية - قالوا: تفترض إجابة الدعوة إلى وليمة النكاح بشرط:
أولاً: أن يكون المدعو معيناً بشخصه صريحاً أو ضمناً، ومثال الأول: أن
يدعوه صاحب الوليمة بنفسه أو برسوله ولو كان غلاماً، ومثال الثاني: أن
يرسل رسولاً ليدعو أهل محل كذا وهم محصورون، فإن كان كل واحد منهم يكون
معيناً ضمناً، أما إذا لم يعين المدعو لا صراحة ولا ضمناً كأن يقول
لرسوله: ادع من لقيت أوادع الفقراء وهم غير محصورين فإنه لا تجب الدعوة
بذلك.
ثانياً: أن يكون في الوليمة من يتأذى بالاجتماع معه من الأرذال
والسفلة، كأن يخاف على مروءته ودينه، أو يخشى أن يلحقه أذى منهم، أما
إذا كان يتأذى بمجرد رؤية أحد يكرهه لحظ نفسي فإن الإجابة لا تسقط عنه
بذلك.
ثالثاً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على منكر شرعاً، كفرش حرير يجلس
هوعليه أو يرى من
(2/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
يجلس عليه ولو فوق حائل، أو تكون مشتملة على آنية من ذهب أو فضة أو
مشتملة على ما يحرم سماعه من الأغاني المشتملة على ما لا يجوز، فإن كان
المنكر في محل آخر ولم يسمعه أو يره فإنه لا يبيح له التخلف وإلا
أباحه. لأن سماع المعصية حرام كرؤيتها.
رابعاً: أن لا يكون منصوباً في مكان الوليمة صورة حيوان أو إنسان مجسدة
كاملة الأعضاء الظاهرة التي لا يمكن أن يعيش بدونها ولها ظلّ، فإن لم
تكن كاملة الأعضاء التي لا يعيش بدونها ولا ظل لها كأن كانت مبنية في
وسط الحائط فإنها لا تضر، لأن الذي يحرم تصويره من الحيوان العاقل
وغيره: وهوما استوفى هذه الشروط، وسيأتي الكلام في ذلك مفصلاً، هذا وقد
رخص بعضهم في حضور الوليمة المشتملة على محرم شرعاً إذا كان صاحبها ذا
سطوة وسلطان يخشى من شره.
خامساً: أن لا يكون هناك زحام كثير.
سادساً: أن لا يغلق الباب دونه ولو للمشاورة عليه، أما إذا أغلق الباب
لمنع الطفيلية أولحفظ النظام فإن إغلاقه لا يبيح له التخلف.
سابعاً: أن يكون الداعي مسلماً وأن لا يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي
مبيح له التخلف كمرض ونحوه، وأن لا يكون الداعي فاسقاً أو شريراً أو
مفاخراً أو تكون امرأة غير حرم أو من تخشى من إجابته ريبة.
الحنفية - قالوا: لا يسن إجابة الدعوة إلا بشروط:
أولاً: أن لا يكون الداعي فاسقاً مجاهراً بالفسق، فلا تسن إجابة الفاسق
والظالم بل تكون خلاف الأولى، لأنه ينبغي أن يتورع عن أكل طعام الظلمة
وإن كان يحل.
ثانياً: أن لا يكون غالب ماله حراماً فإن علم بذلك فإنه لا تجب عليه
الإجابة؛ ولا يأكل ما لم يخبره بأن المال الذي صنع منه الطعام حلال
أصابه بالوراثة ونحوها، فإن كان غالب ماله حلالاً فإنه لا بأس بالإجابة
والأكل.
ثالثاً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على معصية كخمر ونحوه.
فمن دعي إلى وليمة فإن الإجابة لا تسن في حقه إذا علم أنها مشتملة على
معصية؛ فإن لم يعلم بها فإن الإجابة لا تسقط عنه؛ فإذا ذهب وهو يعلم
ووجد المعصية كشرب الخمر والتماثيل؛ فإن كانت على المائدة فإنه يجب
عليه أن لا يجلس بليخرج معرضاً، أما إذا كانت المعصية في مكان بعيد عن
المائدة وهو يسمعها أو يراها، فإن قدر على إزالتها وجب عليه أن يفعل،
وإن لم يقدر فإن كان ممن يقتدى به فإنه يجب عليه أن يخرج أيضاً؛ وإلا
فلا بأس بأن يقعد ويأكل؛ أما إذا كان عالماً قبل أن يذهب فإنه لا يحل
له الذهاب إلا إذا كان له تأثير على أنفسهم فيتركون المنكر من أجله،
فإنه في هذه الحالة تجب عليه الإجابة، ويجب عليه الذهاب لإزالة المنكر،
ولا بأس بإجابة دعوة النصارى
(2/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
واليهود، لأنه لا بأس بالأكل من طعامهم كله، سواء أكان ذبيحة أم غيرها
أما المجوس فإنه يحل أكل طعامهم ما عدا الذبيحة فإنها حرام.
رابعاً: أن لا يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي كمرض ونحوه.
خامساً: أن يعينه الداعي بشخصه صريحاً أو ضمناً.
سادساً: أن تكون الدعوة في وقت الوليمة المشروع.
الشافعية - قالوا: يشترط لوجوب إجابة الدعوة في وليمة النكاح وسنيتها
في غيرها شروط:
أولاً: أن لا يخص الداعي الأغنياء بدعوته بل يدعوهم والفقراء، وليس
الغرض من هذا أن يدعوالناس جميعاً، بل الغرض أن لا يقصر دعوته على
الأغنياء ملقاً ونفاقاً ومفاخرة ورياء لأن هذه حالة لا يقرها الدين فمن
قامت به لا يكون له الحنفية قالوا: على غيره، أما إذا دعا الأغنياء
صدفة واتفاقاً كأن كانوا جيراناً له أو أهل حرفته فإنه لا يضر.
ثانياً: أن تكون الدعوة في اليوم الأول من أيام الوليمة، فإن أولم
ثلاثة أيام أو أكثر كسبعة لم تجب الإجابة إلا في اليوم الأول وتكون
مستحبة في اليوم الثاني، وتكره فيما بعد ذلك.
ثالثاً: أن يكون الداعي مسلماً، فإن كان كافراً فإن الإجابة لا تجب،
ولكن تسن إجابة الذمي سنة غير موكدة.
رابعاً: أن يكون الداعي له مطلق التصرف، فإن كان محجوراً عليه تحرم
الإجابة إن كانت الوليمة من ماله، أما إذا فعلها وليه من مال نفسه فإن
الإجابة إليها تكون واجبة.
خامساً: أن يعين الداعي من يدعوه بنفسه أو برسوله.
سادساً: أن لا يدعوه لخوف منه أولطمع في جاهه أو إعانته على باطل.
سابعاً: أن لا يعتذر المدعو للداعي ويرضى بتخلفه عن طيب نفس لا عن حياء
ويعرف ذلك بالقرائن.
ثامناً: أن لا يكون الداعي فاسقاً أو شريراً أو مفاخراً.
تاسعاً: أن لا يكون أكثر مال الداعي حراماً فإن كان كذلك فإن إجابته
تكره فلوعلم أن عين الطعام الذي يأكل منه مال حرام يحرم أن يأكل منه،
لأن المال المحرم يحرم الأكل منه إلا إذا عم فإنه يجوز استعمال ما
يحتاج إليه منه بدون أن يتوقف ذلك على ضرورة فإذا لم يكن أكثر مال
الداعي حراماً لكن فيه شبهة لم تجب الإجابة ولم تسن بل تكون مباحة.
عاشراً: أن لا يكون الداعي امرأة أجنبية من غير حصور محرم لها خشية من
الخلوة المحرمة وإن لم تقع الخلوة بالفعل.
الحادي عشر: أن تكون الدعوة في وقت الوليمة وهو من حين العقد كما تقدم.
(2/38)
ومتى أجاب الدعوة فقد أدى الفرض أو السنة،
فلا يكلف بالأكل من الطعام، وإنما الأكل مستحب (1) فإذا دعي وهوصائم
فعليه أن يذهب إلى محل الوليمة ويخبر الداعي بأنه صائم ويدعوله ثم
ينصرف، فإن كان يشق ذلك على صاحب الوليمة ويؤلمه عدم الأكل، فإن كان
الصيام نفلاً فإنه يستحب للمدعوأن يفطر (2) ، لأن ثواب إدخال السرور
على أخيه المسلم وعدم كسر قلبه أكبر من صيام التطوع، أما إن كان الصيام
فرضاً فإنه لا يصح له الفطر على أي حال، هذا ومن الأدب أن يقبل الداعي
عذره ولا يلح عليه في الأكل.
أحكام التصوير
ويتعلق بإجابة الدعوى إلى الوليمة مسألة التصوير، فهل تسقط الإجابة إذا
علم المدعوأنها مشتملة على صورة أولا تسقط؟ والجواب أنها لا تسقط إلا
إذا كانت الصورة محرمة لا يباح التفرج عليها شرعاً، أما إذا كانت جائزة
لا تسقط بوجودها في محل الوليمة.
وذلك لأن الصورة إما أن تكون صورة لغير حيوان كشمس وقمر وشجر ومسجد، أو
تكون صورة حيوان عاقل أو غير عاقل والقسم الأول جائز لا كلام فيه. وأما
القسم الثاني فإن فيه
__________
الثاني عشر: أن لا يكون المدعو قاضياً أو ما في معناه من كل ذي ولاية
فإنه لا تجب عليه الدعوة في محل ولايته خصوصاً إذا كان الداعي له خصومة
ينظر فيها فإن إجابته تحرم.
الثالث عشر: أن لا يكون المدعو معذوراً بعذر يبيح له ترك الجماعة كمرض.
الرابع عشر: أن لا يكون المدعوة امرأة أوغلاماً أمرد يخشى منهما الفتنة
أو الطعن على الداعي في عرضه.
الخامس عشر: أن لا يتعدد الداعي، فإن تعدد قدم الأسبق ثم الأقرب رحماً
ثم الأقرب داراً، هذا عند المقارنة في الدعوة، وعند الاستواء يقرع بين
الداعين
(1) المالكية - قالوا: لهم في ذلك قولان: أحدهما أن الأكل من الطعام
ليس بواجب، وإنما الواجب هو الإجابة وهو الراجح. ثانيهما: أن الأكل
واجب لغير الصائم
(2) الحنفية - قالوا: إن كان يثق من نفسه بقضاء اليوم يفطر دفعاً للأذى
عن أخيه المسلم، وإن كان لا يثق من نفسه بالقضاء فإنه لا يفطر وإن كان
فيه أذى للداعي، وهذا إذا كان الإفطار قبل الزوال فإنه لا يحل الفطر
إلا إذا ترتب على الصيام عقوق الوالدين.
المالكية - قالوا: لا يجوز الفطر ولو كان الصيام تطوعاً، إلا إذا طلب
ذلك والد. أب أو أم، حتى ولوحلف عليه بالطلاق الثلاث، إلا إذا ترتب على
الحنث فتنة شرعية كأن يكون قلب الحالف معلقاً بامرأته ويخشى من الاتصال
بها وهي طالق منه، فإن المدعوفي هذه الحالة يفطر ولا قضاء عليه
(2/39)
تفصيل المذاهب (1) ، على أن المحرم منه
إنما حرم في نظر الشارع إذا كان لغرض فاسد كالتماثيل التي تصنع لتعبد
من دون الله. فإن فاعل هذا له أسوأ الجزاء. وكذلك إذا ترتب عليها تشبه
بالتماثيل أو تذكر لشهوات فاسدة، فإنها في هذه الحالة تكون كبيرة من
الكبائر، فلا يحل عملها ولا بقاءها ولا التفرج عليها. أما إذا كانت
لغرض صحيح كتعلم وتعليم فإنها تكون مباحة لا إثم فيها، ولهذا استثنى
بعض المذاهب لعب البنات "العرائس" الصغيرة الدمى، فإن صنعها جائز،
وكذلك بيعها وشراؤها. لأن الغرض من ذلك إنما هو تدريب البنات الصغار
على تربية الأولاد، وهذا الغرض كافٍ في إباحتها. وكذلك إذا كانت الصورة
مرسومة على ثوب مفروش أو بساط أو مخدة فإنها جائزة، لأنها في هذه
الحالة تكون ممتهنة فتكون بعيدة الشبه بالأصنام، وبالجملة فإن غرض
الشريعة الإسلامية إنما هو القضاء على الوثنية ومحوآثارها من جميع
الجهات، فكل ما يدني منها أو يثير ذكراها فهومحرم، وما عدا ذلك فهوجائز
يرشدك إلى ذلك ما ذكرناه لك في أسفل الصحيفة من تفاصيل المذاهب (2) .
__________
(1) المالكية - قالوا: إنما يحرم التصوير بشروط أربعة:
أحدها: أن تكون الصورة لحيوان سواء كان عاقلاً أو غير عاقل، أما تصوير
غير الحيوان كسفينة وجامع ومئذنة فإنه مباح مطلقاً.
ثانيها: أن تكون مجسدة سواء كانت مأخوذة من مادة تبقى كالخشب والحديد
والعجين والسكر أولا كقشر البطيخ مثلاً فإنه إذا ترك يذبل ويجف ولا
يبقى. وقال بعضهم: إذا صنعت من مادة لا تبقى فإنها تجوز، أما إذا لم
تكن مجسدة كصورة الحيوان والإنسان التي ترسم على الورق والثياب
والحيطان والسقف ونحو ذلك ففيها خلاف. فبعضهم يقول: إنها مباحة مطلقاً
بلا تفصيل وبعضهم يقول: إنها مباحة إذا كانت على الثياب والبسط
ونحوهما، وممتنعة إذا كانت على الجدران وبعضهم يرى إباحتها إذا كانت
على الثياب التي تستعمل فرشاً، وامتناعها إذا كانت على غيرها وعلى كل
حال فالأمر فيها سهل.
ثالثها: أن تكون كاملة الأعضاء الظاهرة التي لا يمكن أن يعيش الحيوان
أو الإنسان بدونها فإن ثقبت بطنها أو رأسها أو نحو ذلك فإنها لا تحرم.
رابعها: أن يكون لها ظل، فإن كانت مجسدة ولكن لا ظل لها بأن بنيت في
الحائط ولم يظهر منها سوى شيء لا ظل له فإنها لا تحرم، ويستثنى من ذلك
كله لعب البنات الصغار "العرائس" الصغيرة الدمى، فإنه يجوز تصويرها
وبيعها ولو كانت مجسدة، لأن الغرض منها إنما هو تدريب البنات وتعليمهن
تربية الأولاد، ومن هذا تعلم أن الغرض من التحريم إنما هو القضاء على
ما يشبه الوثنية في جميع الأحوال
(2) الشافعية - قالوا: يجوز تصوير غير الحيوان كالأشجار والسفن والشمس
والقمر، أما الحيوان فإنه لا يحل تصويره سواء كان عاقلاً أو غير عاقل
ولكن إذا صوره أحد فلا يخلو إما أن يكون غير مجسد أو مجسد فإن كان غير
مجسد فإنه يحل التفرج
(2/40)
حكم الغناء
مقدمة: ومما يتعلق بالوليمة الغناء "بكسر الغين والمد" والسماع. فهل
تسقط إجابة الدعوى إلى الوليمة إذا كانت مشتملة على غناء ولعب مما جرت
به عادة الناس؟ والجواب أن الإجابة لا تسقط إلا إذا كان الغناء أو
اللعب غير مباح شرعاً، أما اللعب الخفيف والغناء المباح فإنهما لا
يسقطان الإجابة.
وذلك لأن أغراض الشريعة السمحة ومقاصدها في تشريعها تنحصر في تهذيب
الأخلاق وتطهير النفوس من أدران الشهوات الفاسدة وأوزارها، فأي عمل من
الأعمال يترتب عليه اقتراف منكر فهو حرام مهما كان في ذاته حسناً،
فالتغني من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه، ولكن قد
يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً ومثله اللعب، فيمتنع الغناء إذا
ترتب عليه فتنة بامرأة لا تحل أو بغلام أمرد، كما يمتنع إذا ترتب عليه
تهيج لشرب الخمر أو تضييع للوقت وانصراف عن أداء الواجبات، أما إذا لم
يترتب عليه شيء من ذلك فإنه يكون مباحاً.
فلا يحل التغني بالألفاظ التي تشتمل على وصف امرأة معينة باقية على قيد
الحياة، لأن ذلك يهيج الشهوة إليها ويبعث على الافتنان بها، فإن كانت
قد ماتت فإن وصفها لا يضر لليأس من لقائها ومثلها في ذلك الغلام
الأمرد. ولا يحل التغني بالألفاظ الدالة على وصف الخمرة
__________
عليه إذا كان مصوراً على أرض أو بساط يداس عليه أو مصوراً على وسادة
"مخدة" يتكأ عليها لما في ذلك من الإشعار بتعظيم الصور المقربة من
الشبة بالوثنية. وإن كان مجسداً فإنه يحل التفرج عليه إذا كان على هيئة
لا يعيش بها، كأن كان مقطوع الرأس أو الوسط أو ببطنه ثقب، ومن هذا يعلم
جواز التفرج على خيال الظل "السينما" إذا لم يشتمل على محرم آخر لأنها
صورة ناقصة. ويستثنى من ذلك لعب البنات فإنه يجوز تصويرها وشراؤها،
وقيده بعضهم بما إذا كانت ناقصة.
الحنابلة - قالوا: يجوز تصوير غير الحيوان من أشجار ونحوها، أما تصوير
الحيوان فإنه لا يحل سواء كان عاقلاً أو غير عاقل، إلا إذا كان موضوعاً
على ثوب يفرش ويداس عليه، أو موضوعاً على مخدة يتكأ عليهأ، فإذا كان
مجسداً ولكن أزيل منه ما لا تبقى معه الحياة كالرأس ونحوها فإنه مباح.
الحنفية - قالوا: تصوير غير الحيوان من شجر ونحوه جائز. أما تصوير
الحيوان فإن كان على بساط أو وسادة أو ثوب مفروش أو ورق فإنه جائز لأن
الصورة في هذه الحالة تكون ممتهنة، وكذلك يجوز إذا كانت الصورة ناقصة
عضواً لا يمكن أن تعيش بدونه كالرأس ونحوها أما إذا كانت موضوعه في
مكان محترم أو كانت كاملة الأعضاء فإنها لا تحل
(2/41)
المرغبة فيها لأن ذلك يهيج إلى شرابها
وحضور مجالسها، وذلك جريمة في نظر الشريعة. ولا يحل التغني بالألفاظ
الدالة على هجاء الناس مسلمين كانوا أو ذميين، لأن ذلك محرم في نظر
الدين فلا يحل التغني به ولا سماعه.
أما التغني بالألفاظ المشتملة على الحكم والمواعظ، والمشتملة على وصف
الأزهار والرياحين والخضر والألوان والماء ونحو ذلك، أو المشتملة على
وصف جمال إنسان غير معين إذا لم يترتب عليه فتنة محرمة فإنه مباح لا
ضرر فيه.
وأما اللعب فإن المباح منه ما كان خالياً من التكلم بالفحش والكذب،
وكشف العورة والاستهزاء بالناس، ورقص النساء بحضرة رجال لا يحلون لهن
كما جرت عادة بعض السفهاء من إحضار المومسات ليرقصن في ولائمهم، فإن
كان مشتملاً على شيء من ذلك كان محرماً لا يحل التفرج عليه ولا إجابة
الدعوة للوليمة المشتملة عليه، هذا الذي ذكرناه لك هوما تقتضيه قواعد
الدين، ويؤخذ من عبارات كثير من العلماء المفكرين الذين أولوا عبارات
الأئمة بذلك التأويل، فلنذكر لك نصوصهم في أسفل الصحيفة (1) .
__________
(1) الشافعية - قالوا: قال الإمام الغزالي في الإحياء: النصوص تدل على
إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى
رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور قياساً على يوم العيد فإنه وقت
سرور. وفي معناه العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من
السفر، وسائر أسباب الفرح، وهوكل ما يجوز به الفرح شرعاً، ويجوز الفرح
بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام
فهوأيضاً مظنة السماع انتهى. على أنه قسم الغناء إلى أقسام كثيرة فذكر
منها ما يترتب عليه فتنة أو محظور ديني، أو كان بألفاظ مستهجنة في نظر
الدين وقال: إن القسم وهو الحرام، فمراده بالرقص الحركات التي يفعلها
الرجال الذين لا يتصور فيهم شهوة أمام مثلهم، أما رقص النساء أمام من
لا يحل لهن فإنه حرام بالإجماع لما يترتب عليه من إثارة الشهوة
والافتتنان وما فيه من التهتك والمجون، ومثلهن الغلمان المرد أمام من
يشتهيهم ويفتن بهم، وقد استدل الاستاذ الغزالي على إباحة الرقص: برقص
الحبشة والزنوج في المسجد النبوي يوم عيد حيث أقرهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وأباح لزوجه السيدة عائشة رضي الله عنه أن تتفرج عليهم وهي
مستترة به صلى الله عليه وسلم، وهوكما تعلم لا يثير أي شهوة، فالنوع
المباح من الرقص هو الذي لا يثير شهوة فاسدة.
ونقل في الإحياء أيضاً أن الشافعي قال: لا أعلم أحداً من علماء الحجاز
كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف، فأما الحداء وذكر الأطلال
والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح. وقال إن الذي نقل عن
الإمام الشافعي: من أن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل لا ينافي إباحته،
لأنه إنما يريد القسم الممنوع منه، على أن مراده باللهو العبث، والعبث
ليس بحرام إلا إذا ترتب عليه محظور شرعي، وكذلك ما يشبه الباطل، وقد
أطال في الاستدلال على إباحة الغناء فارجع إليه إن شئت.
(2/42)
[الشعر]
حكم إزالة الشعر وقص الأظافر
في حكم إزالة الشعر وقص الأظافر تفصيل المذاهب (1)
__________
الحنفية - قالوا: التغني المحرم ما كان مشتملاً على ألفاظ لا تحل كوصف
الغلمان، والمرأة المعينة التي على قيد الحياة، ووصف الخمر المهيج لها،
ووصف الحانات، وهجاء المسلم أو الذمي إذا كان غرض المتكلم الهجاء، أما
إذا كان غرضه الاستشهاد أو معرفة ما فيه من الفصاحة والبلاغة فإنه ليس
بحرام، وكذا إذا اشتمل على وصف الزهريات المتضمنة وصف الرياحين
والأزهار، أواشتمل على وصف المياه والجبال والسحاب ونحو ذلك فإنه لا
وجه لمنعه، انتهى من شهادات فتح القدير.
فما نقل عن أبي حنيفة من أنه كان يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب،
فهومحمول على النوع المحرم منه، ويكره تحريماً عند الحنفية اللعب
بالنرد والشطرنج وضرب الأوتار من الطنبور والرباب والقانون والمزمار
والبوق ونحو ذلك كما يأتي في المسابقة.
المالكية - قالوا: إن آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه
خاصة كالدف "الطبل" والغربال "الطار" إذا لم تكن فيه صلاصل، والزمارة
والبوق إذا لم يترتب عليهما لهوكثير؛ ويباح ذلك للرجال والنساء. وقال
بعضهم: إنه يباح خاصة، وبعضهم يقول: إنه يجوز ذلك في العرص وعند العقد
وفي كل سرور حادث فلايختص بوليمة النكاح. أما الغناء فإن الذي يجوز منه
هو الرجز الذي يشبه ما جاء في غناء جواري الأنصار:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم
الحنابلة - قالوا: لا يحل شيء من العود والزمر والطبل والرباب ونحو ذلك
كما لا يحل النرد والشطرنج ونحوهما، إذا اشتملت الوليمة على شيء منه
فإنه لا يحل الإجابة إليها، أما الغناء فإن تحسين الصوت والترنم في
ذاته مباح، بل قالوا: إنه مستحب عند تلاوة القرآن إذا لم يفض إلى تغيير
حرف منه أو إلى زيادة لفظه، وإلا حرم. فالترنم وتحسين الصوت بعبارات
الوعظ والحكم ونحوها كذلك. وقالوا: إن قراءة القرآن باللحان مكروهة،
وإن السماع مكروه
(1) (الشافعية - قالوا: من السنن المطلوبة يوم الجمعة قص الشارب حتى
تظهر حمرة الشفة، ومعنى ذلك أنه يبالغ في قصه إلى أن يخف شعره ويظهر ما
تحته، ولكنه يكره استئصاله بالقص كما يكره حلقه جميعه، وإذا قص بعضه
وحلق بعضه فإنه جائز، أما اللحية فإنه يكره حلقها والمبالغة في قصها،
فإذا زادت على القبضة فإن الأمر فيه سهل خصوصاً إذا ترتب عليه تسوية
للخفة أو تعريض به ونحو ذلك. ومن السنن المطلوبة يوم الجمعة نتف شعر
الابطين، ويكره للقادر على النتف أن يحلقه، أما
(2/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الذي يتألم من النتف فإنه لا يكره له الحلق. وكذلك من السنن المطلوبة
يوم الجمعة حلق شعر العانة للرجل ونتفها للمرأة، ويتعين على المرأة
إزالتها عند أمر الزوج لها. ويكره نتف شعر الأنف، بل يسن قصه إن طال،
وأن يتركه لما فيه من المنفعة الصحية، أما شعر الرأس فإن حلقه مباح،
ولا بأس بتركه لمن يتعهده بالنظافة، إلا إذا كان الغرض من تركه التشبه
بفئة مخصوصة لِيُلَبّس على الناس، فإن تركه لا يجوز حينئذ.
ومن السنن المطلوبة يوم الجمعة قص الأظافير لغير المحرم متى طالت. ومثل
يوم الجمعة الخميس والاثنين. والمعتمد في كيفية قص الأظافير أن يبدأ في
اليدين بسبابة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها ثم خنصر يساره إلى
إبهامها، ويبدأ في الرجلين بخنصر الرجل اليمنى إلى خنصر الرجل اليسرى
على التوالي.
الحنفية - قالوا: يحرم حلق لحية الرجل، ويسن ألا تزيد في طولها على
القبضة، فما زاد على القبضة يقص، ولا بأس بأخذ أطراف اللحية وحلق الشعر
الذي تحت الإبطين ونتف الشيب، وتسن المبالغة في قص الشارب حتى يوازي
الحرف الأعلى من الشفة العليا. وقال بعضهم: إن السنة حلق الشارب، ونسب
ذلك إلى أبي حنيفة وصاحبيه. ويستحب إزالة شعر عانة الرجل بالحلق أو
بالنورة. أما عانة المرأة فتسن إزالتها بالنتف. وتسن إزالة شعر الإبطين
بالحلق والنتف، والنتف أولى، وأما حلق شعر الظهر والصدر فهوخلاف الأدب.
ويكره تحريماً ترك قص الأظافير وقص الشارب ونتف الإبط أكثر من أربعين
ليلة.
واختلف في شعر رأس الرجل، فقيل: يسن حلقها لغير المحرم كل جمعة، وقيل:
يجوز حلقها وتركها، وإذا تركها فالسنة أن يفرقها، ولا بأس أن يحلق وسط
الرأس ويترك الباقي من غير أن يفتله، لأن فتله مكروه، أما شعر المرأة
فيحرم حلقه لغير ضرورة ولو أذن الزوج في ذلك، لأنه لا يحل أن تتمثل
المرأة بالرجل، كما لا يحل للرجل أن يتمثل بالمرأة، ولهذا حرم عليه حلق
لحيته.
ويستحب قلم أظافيره بغير أسنانه إذا لم يكن محرماً، ولم يثبت في كيفيته
شيء ولا في تعيين يوم له، ويستحب أن يدفن الظفر والشعر والدم وخرقة
الحيض، ولا يخفى ما في هذا كله من الأدب والنظافة.
المالكية - قالوا: يحرم حلق اللحية. ويسن قص الشارب؛ وليس المراد قصه
جميعه، بل السنة أن يقص منه طرف الشعر المستدير النازل على الشفة
العليا، فيؤخذ منه حتى يظهر طرف الشفة، وما عدا ذلك فهومكروه، ويسن نتف
شعر الإبطين وهو أحسن من الحلق ومن الإزالة بالنورة ونحوها، ويبدأ
بالإبط الأيمن، ويسن أن يغسل يديه بعد نتفهما. ويسن حلق شعر العانة أو
إزالته بالنورة للرجال والنساء، ويكره نتفه للرجال والنساء، ويباح حلق
جميع الشعر الذي على البدن كشعر الصدر واليدين والألية والشعر الذي على
حلقة الدبر، أما شعر الرأس فإنه يكره لغير المتعمم، ويباح للمتعمم على
(2/44)
حكم صباغة الشعر
في حكم صباغة الشعر تفصيل المذاهب (1) .
__________
المشهور، ويجب على المرأة أن تزيل كل ما ينافي الجمال، فيجب عليها
إزالة ما على بدنها من الشعر إن كان لا يرغب فيه الزوج. كما يجب عليها
حلق شعر اللحية إن نبتت لها لحية، وكذلك يجب عليها ترك ما فيه الجمال
من الشعر، فيحرم عليها إزالة شعر الرأس.
ويسن للرجل والمرأة قص الأظافير إلا في زمن الإحرام. وأقل زمن قصه
الجمعة، ويكره قطعها بالأسنان ولا يتعين فيه زمن خاص، كما لا يتعين فيه
كيفية مخصوصة.
الحنابلة - قالوا: يحرم حلق اللحية. ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة،
فلا يكره قصه كما لا يكره تركه، وكذا لا يكره أخذ ما تحت حلقة الدبر من
الشعر، ويكره نتف الشيب.
وتسن المبالغة في قص الشارب. ويسن ترك شعر الراس إذا أمكن أن يتعهده
بالنظافة، فإذا تركه فإنه يسن له أن يتعهده بالغسل والتسريح مبتدئاً
بشقه الأيمن وبفرقه، فإذا طال حتى نزل عن منكبيه فإنه يجعله ضفيرة،
ويكره حلق رأس المرأة أو قصه من غير عذر كقروح برأسها أما حلق رأسها
لمصيبة فإنه حرام، ويسن إزالة شعر العانة بالحلق أو القص أو النورة،
ويسن نتف الإبط فإن الشافعية قالوا: عليه حلقه. ولا يكره أخذ شيء من
شعر عارضه وحاجبيه.
ويسن تقليم الأظفار لغيره بأي حال، ولم يثبت ما ورد من كونها على كيفية
مخصوصة، ويكره ترك تقليم الأظفار وحلق العانة أكثر من أربعين يوماً) .
(1) المالكية - قالوا: يكره تنزيهاً للرجل صباغة شيبه بالسواد، ومحل
الكراهة إذا لم يكن ذلك لغرض شرعي كإرهاب عدوفإنه لا حرج فيه، بل يثاب
عليه، وأما إذا كان لغرض فاسد كأن يغش امرأة يريد زواجها فإنه يحرم،
ولا يكره صباغة الشعر بما يجعله أصفر وذلك كالحناء، فإنه يجوز للرجل
صباغة شعر رأسه ولحيته بالحناء ونحوها، ولا يجوز له استعمالها في يديه
أو رجليه بدون ضرورة، لأن النساء يستعملنها للزينة، ولا يجوز للرجال أن
يتشبهوا بالنساء.
الحنفية - قالوا: يستحب للرجل أن يخضب لحيته ورأسه، ويكره له أن يخضب
يديه ورجليه لما فيه من التشبة بالنساء، وكذا يكره له صباغة شعره
بالسواد لغير غرض شرعي، فإن كان لغرض شرعي كأن يكون أهيب في نظر
العدوفإنه محمود، فإن فعل للتزين للنساء فقيل: مكروه، وقيل: لا. وقال
أبويوسف: كما يعجبها أن أتزين لها.
الحنابلة - قالوا: يسن الخضاب الحناء ونحوها كالزعفران، أما الصباغة
بالسواد فإنه مكروه ما لم يكن لغرض شرعي فإنه لا يكره، أما إذا كان
لغرض فاسد كالتدليس على امرأة يريد زواجها فإنه يحرم.
الشافعية - قالوا: يكره صباغة اللحية والشعر بالسواد، إلا الخضاب
بالصفرة والحمرة فإنه جائز إذا كان لغرض شرعي كالظهور بمظهر الشجاع
أمام الأعداء في الغزو ونحوه. فإذا كان لغرض
(2/45)