الفقه على المذاهب الأربعة

مبحث المسابقة بالخيل وغيرها والرمي بالسهم ونحوه
نهت الشريعة الإسلامية عن تعذيب الحيوان بغير الذبح للأكل، فلا يحل إرهاق الحيوان بالأحمال الثقيلة التي لا يطيقها، ولا يحل تعذيبه بدفعه إلى السير الزائد عن قدرته، ولكن يستثنى من هذه القاعدة إباحة المسابقة بين الخيل بعضها مع بعض، أو بينها وبين الجمال، أو بين الجمال بعضها مع بعض، لأن المسابقة عليها مران على الجهاد، ولذا قال بعض الأئمة: إنها تكون فرضاً إذا كانت طريقاً للجهاد والدفاع عن البلاد كما هومفصل في المذاهب (1) .
وكذلك نهت الشريعة نهياً شديداً عن الميسر "القمار" فُحرمته بجميع أنواعه، وسددت في وجه المسلمين سبله ونوافذه، وحذرتهم من الدنو من أي ناحية من نواحيه، ولكنها أباحت أخذ الجعل في المسابقة "الرهان" تغليباً لمنفعتها العامة التي تقتضيها الضرورة في كثير من الأحيان، ذلك لأن الشريعة الإسلامية الكريمة لا غرض لها من التشريع إلا جلب المصلحة ودرء المفسدة على الدوام، وإنما يصح عقد الجعل "الرهان" بشروط مفصلة في المذاهب (2) .
__________
فاسد كالتشبه بأهل الدين فهومذموم، وكذلك يكره صبغها بالبياض كي يظهر بمظهر الشيب ليتوصل بذلك إلى الأغراض المذمومة كتوقيره والاحتفاء به وقبول شهادته وغير ذلك وكما يكره تبييض اللحية بالصبغ فإنه يكره نتف شيبها
(1) المالكية - قالوا: المسابقة تارة تكون واجبة إن توقف عليها الجهاد والدفاع عن البلاد، وتارة تكون مندوبة إن توقفت البراعة في الجهاد عليها، وتارة تكون مباحة إن لم يتوقف عليها شيء.
الشافعية - قالوا: تسن المسابقة للرجال، وإذا توقف عليها الجهاد كانت فرضاً، أما إذا قصد بها عمل محرم فإنها تكون حراماً كقطع الطريق مثلاً، وكذا إذا قصد بها عمل مكروه فإنها تكون مكروهة أما إذا لم يقصد بها شيء أوقصد بها مباح فإنها تكون مباحة.
الحنفية - قالوا: المسابقة مندوبة إذا قصد بها الرياضة والتمرين على الجهاد، وإذا لم يقصد بها شيء فهي مباحة.
الحنابلة - قالوا: تجوز المسابقة بعوض وبغير عوض على التفصيل الآتي بعد
(2) المالكية - قالوا: يشترط لصحة عقد المسابقة أمور:
أولاً: أن يعين المكان الذي يبدأ منه والمكان الذي ينتهي إليه، ولا يشترط المساواة في المسافة، بل يصح أن تكون إحدى المسافتين أقصر من الأخرى.
ثانياً: أن يعين المركب من خيل أو إبل، ولا يكفي الوصف بل لا بد من تعيين ما به السبق.
ثالثاً: أن يكون الجعل معلوماً فلا يصح بالجعل المجهول أو بالجعل الذي لا يصح بيعه كالخمر

(2/46)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
والخنزير والميتة، ويصح بخياطة ثوب، أو عمل معروف، أو عفوعن جناية ونحو ذلك مما فيه معاوضة.
رابعاً: إن كانت المسابقة بالرمي يشترط أن يعين الرامي، وأن يعين عدد إصابة الغرض، وأن يعين نوع الإصابة إن كانت تثقب الهدف وإن لم يثبت فيه السهم أو تثقبه مع ثبوت السهم فيه ونحو ذلك. ولا يشترط تعيين السهم الذي يرمى به رؤية أو وصف، ولا تعيين الوتر، وهوعقد لازم ليس لأحد العاقدين حله، ويشترط فيه ما يشترط في عقد الإجارة من تكليف العاقد ورشده. ولا يشترط تعيين السهام فلكل واحد أن يرمي بما يشاء.
ويشترط أن يجهل كل منهما جري فرس صاحبه، ويشترط أن يكون الجعل من شخص آخر متبرع غير المتسابقين، فإذا عين شخص مالاً أو غيره مكافأة لمن يسبق بفرسه أو جمله فإنه يحل للسابق أخذه، أما الجعل الذي يخرجه أحد المتسابقين دون الآخر كأن يعين أحد المتسابقين مالاً أو غيره ليأخذه الآخر إن سبق ولم يعين الآخر شيئاً، فإن سبق الذي لم يعين شيئاً حل له أخذ الجعل، وإن سبق مخرج الجعل فلا يحل له أخذ ماله الذي أخرجه، بل يأخذه الحاضرون، أما إذا أخرج كل واحد منهما مالاً معيناً يأخذه الثاني إن سبق فإنه لا يصح، لأنه يكون قماراً في هذه الحالة، وإذا أخرج كل من المتسابقين مالاً ليأخذه السابق وكان معهما ثالث لم يخرج شيئاً فلا يخلو: إما أن تكون حالة جري فرسه معلومة وأنه يسبق الاثنين اللذين أخرجا "الرهان" أولم يسبقهما. فإن كان الأول: فلا يصح له أخذ الرهان لحديث: "من أدخل فرساً بين فرسين وهو يعلم أنه يسبقهما فهوقمار، وإن كان الثاني فقد صار مسبوقاً. وأصبح السابق أحد الاثنين اللذين أخرجا الجعل فلايحل له أن يأخذه.
الشافعية - قالوا: يشترط لصحة عقد المسابقة بالعوض "الرهان" شروط عشرة، أولاً: أن تكون المسافة معلومة. وأن يتساويا فيها وفي المبدأ. فلا يجوز تقدم أحدهما في المبدأ، أو تقدم الغرض لأحدهما عين الغرض للآخر إذا كانت المسابقة بالدواب. ثانياً: أن تكون صفة المناضلة معلومة إذا كانت بالسهام، كأن يبين المتناضلان كيفية الرمي الذي يصيب الهدف من كون السهم يثبت فيه أولا يثبت أو يثبت أو يمرق من الجانب الآخر وهكذا. ثالثاً: أن يكون المعقود على المسافة به عدة قتال، وهي الخيل والبغال والجمال والحمير والفيلة، ومحل الحكم بالسبق في الإبل الكتفان لا الأعناق، لأنها ترفعها عند الجري، فلا يمكن تمييز السبق بها، وفي الخيل الأعناق، فالتي يسبق عنقها الأخرى عند وصول الغرض يحكم بسبقها، وهذا في المتلاحقين، أما إذا كان بينهما مسافة واسعة فالأمر واضح. رابعاً: أن يعينا المركوبين في العقد عيناً كأن يقولا: تسابقنا على هذين الفرسين. خامساً: أن يعينا المركوبين صفة في الموصوف في الذمة كأن يقولا: تسابقنا على فرسين صفتهما كذا. سادساً: أن يكون سبق كل منهما للآخر ممكناً، فلوكان أحدهما ضعيفاً بحيث يقطع بتخلفه وكان أحدهما قوياً بحيث يقطع بسبقه لا يصح. سابعاً: أن يركب المتسابقان فإن أرسلاهما بدون ركوب لا يصح. ثامناً: أن تكون المسافة معقولة بحيث يمكن قطعها بلا انقطاع ولا تعب. تاسعاً: أن يكون العوض "الرهان"

(2/47)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
معيناً جنساً وقدراً وصفة، فلا يصح أن يكون الرهان مالاً مجهولاً كأن يقولا: تسابقنا على شيء من المال فإنه لا يصح. عاشراً: أن لا يذكر شرطاً مفسداً كأن يقول: إن سبقتني فلك هذا المال بشرط أن تطعمه لأصحابك، ولا يشترط تعيين السهمين أو القوسين في الرمي، فإن عين شيء من ذلك جاز إبداله بمثله من نوعه، ولوشرطا عدم إبداله فسد العقد.
وعقد المسابقة إذا استكمل الشروط لازم يجبر على تنفيذه، وإنما يصح أخذ الجعل "الرهان" إذا كان من جانب واحد بأن يقول أحدهما: لك كذا من المال إن سبقتني، أما إن سبقتك لم آخذ منك شيئاً، فإن سبق الذي لم يخرج المال أخذ ما شرط له، وإن سبق الذي أخرجه استرد ماله، فإذا أخرج كل منهما مالاً على أن يأخذه من يسبق فإنه لا يحل إلا إذا دخل معهما شخص آخر في المسابقة ويسمى محللاً، فإن سبق المحلل أخذ العوض الذي أخرجاه، أما إذا سبقاه فإنه لا يعطهما شيئاً، ثم إن سبقاه وجاءا معاً فلا شيء لأحدهما وتوسط المحلل بينهما فمال الأول لنفسه ويأخذ مال المتأخر، ولا شيء للمحلل، وكذا إذا جاء المحلل مع المتأخر.
الحنفية - قالوا: عقد المسابقة بالعوض ليس من العقود اللازمة على المشهور؛ وإنما يبيح أخذ المال إذا استكمل الشروط، وإذا امتنع عن الدفع لا يجبر. وقيل هوعقد لازم يجبر على تنفيذه.
ويشترط لحل أخذ رهان المسابقة أن يخرج المال أحد المتسابقين فقط بأن يقول أحدهما: إن سبقتني أعطيتك كذا، وإن سبقتك لم آخذ منك شيئاً، أو يتبرع أجنبي عنهما بأن يقول: من يسبق صاحبه أعطيه كذا، أما إذا أخرج المال كل واحد منهما فإنه لا يحل، لأنه يكون قماراً حينئذ، نعم إذا دخل بينهما ثالث ويسمى محللاً جاز ذلك بشرطين:
أولاً: أن يكون فرسه كفئاً لفرسيهما بحيث يتوهم أن يسبقهما.
ثانياً: أن يقولا له: إن سبق هويأخذ مال الاثنين، وإن سبقاه لا يأخذان منه شيئاً، وفيما بينهما أيهما سبق بأخذ من صاحبه، فإن سبقهما يأخذ منهما ما اشترطاه، وإن لم يسبق لم يعطهما شيئاً، وإن سبق كل منهما الآخر أخذ من صاحبه ما شرطه، وإن سبقاه وجاء معاً فلا شيء لأحدهما على صاحبه، وإن سبق المحلل مع أحدهما ثم جاء الآخر فلا شيء على من جاء مع المحلل، بل له ما شرطه الآخر له، وكذا إذا سبق أحدهما ثم جاء الآخر، فإن الأخير يدفع للسابق، ولا شيء للمحلل، ويشترط في غاية المسافة أن تكون مما تحتمله الفرس، وأن يكون في كل من الفرسين احتمال السبق. وإن كانت المسابقة في الإبل، فالاعتبار في السبق بالكتف، وإن كانت في الخيل فبالعنق.
الحنابلة - قالوا: تصح المسابقة بالعوض "الرهان" وهي عقد جائز لكل واحد من المتعاقدين فسخه ولو بعد الشروع فيها إلا إذا ظهر لأحدهما فضل على صاحبه، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه، فإنه في هذه الحالة لا يجوز للمفضول فسخ العقد وإنما يجوز

(2/48)


ولا تصح (1) المسابقة بجعل "رهان" في غير الخيل والجمال والرمي، أما بغير رهان فتصح كالسفن والجري على الأقدام وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب
(2) .
__________
فسخه للذي فضل، ويشترط لصحة العقد شروط خمسة أولاً: تعيين المركوبين بالرؤية وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه وتعيين الرماة، ثانياً: أن يكون المركوبان والفرسان من نوع واحد، فلا تصح المسابقة بين فرس عربي وهجين وهوما أبوه عربي فقط، ولا تصح المناضلة بين قوس عربية وهي النبل وبين قوس فارسية وهي النشاب. ثالثاً: تحديد المسافة والغاية بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها، لأن أحدهما قد يكون متأخراً في ابتداء عدوه سريعاً في آخره، فلا بد من تحديد المسافة في الرمي، ويعرف بالعادة أو يقدر بالأذرع، ولا تصح المناضلة على أن يكون السبق لأبعدهما رمياً. رابعاً: كون العوض معلوماً بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة، ويجوز أن يكون العوض حالاً ومؤجلاً بشرط أن يكون مباحاً، فلا تصح المسابقة أو المناضلة على خمر أو خنزير. خامساً: الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج المال جميع المتسابقين بل يخرجه أحدهم، فإن أخرج الجعل الحاكم من بيت المال جاز، لأن فيه مصلحة وحثاً على تعليم الجهاد ونفعاً للمسلمين، وكذا إذا تبرع به أجنبي فإنه يصح، فإذا أخرج المال جميع المتسابقين فإنه لا يحل إلا إذا دخل معهم شخص آخر لم يخرج شيئاً ويسمى محللاً. وحينئذ لأحد المتسابقين أخذ المال وإنما ينفع المحلل بشروط: أن يكون كفئاً لهما في الرمي إن كانت المسابقة فيه، أو فرسه كفئاً لفرسيهما أو بعيره كذلك إن كانت المسابقة في الحيوان.
فإن سبق المحلل أخذ ما أخرجاه من الرهان. وإن سبقاه معاً لم يدفع أحدهما لصاحبه شيئاً ولا شيء للمحلل لأنه لم يسبق ولا شيء عليه أيضاً.
وإن سبق أحد المخرجين للرهان أخذ السبقين ولا شيء للمحلل، وإن سبق المحلل مع أحدهما لا يخرج السابق شيئاً ويدفع المسبوق ما شرط، بحيث يقسم بين المحلل والسابق، لأنهما قد اشتركا في السبق فيشتركان في "الرهان" وإن وصلوا جميعاً ولم يسبق منهم أحد لا يأخذ واحد منهم شيئاً.
ويشترط أيضاً إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة. ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما، وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلف في ذلك، ويحصل السبق بالرأس في متماثل العنق كالخيل، وأما في مختلف العنق كالمسابقة بين الخيل والجمال فإنها تحصل بالكتف وإن شرط أحد المتسابقين السبق بأقدام معلومة لم يصح ويحرم أن يجنب أحد المتسابقين مع فرسه فرساً أخرى أو يرسل فرساً خلف فرسه تحرضه على سرعة العدو، ويحرم أن يصيح وقت سباقه
(1) الشافعية - قالوا: تصح المسابقة بالرهان أيضاً على البغال والحمير والفيلة على المعتمد
(2) المالكية - قالوا: تحل المسابقة بالسفن ونحوها، وكذا تحل بالجري على الأقدام وبالطير لإيصال الأخبار بسرعة، وكذا تحل المصارعة وحمل الأثقال ونحو ذلك. وكل ذلك مشروط بشرطين:

(2/49)


ويحرم نطاح الكباش وصراع البقر ومهارشة الديكة "مضاربتها" ونحو ذلك مما فيه تعذيب للحيوان وضياع للوقت بدون فائدة تعود على الإنسان، ومن اتخذ ذلك وسيلة لكسب المال من ضعاف العقول، وفاسدي الأمزجة كان كسبه خبيثاً.
وكل ما يحل فإن الفرجة عليه تحل، أما ما لا يحل فإنه يحرم مشاهدته والتفرج عليه.

[السلام]
إفشاء السلام
السلام معناه السلامة. فالذي يلقي السلام على غيره كأنه يقول: ألقيت إليك سلامة وأماناً من كل ما يضيرك. وبديهي أن إفشاء السلام من السنن الإسلامية الجليلة، لما فيه من إعلان الأمن بين الناس. والأمن من ضروريات الإنسان ومميزاته التي يمتاز بها عن الحيوان
__________
الأول أن يكون مجاناً بلا "رهان". الثاني: أن يكون الغرض منه تمرين البدن على الرياضة وتقويته على أداء الواجب والجهاد، أما إذا كان الغرض منه المغالبة والتلهي فإنه حرام، ويحرم اللعب بالنرد والشطرنج ولو بغير عوض.
الشافعية - قالوا: يجوز المسابقة بغير عوض بالبقر والكلاب والطيور، ولا يجوز في السفن الشراعين، وأما غيرها من السفن البخارية والسيارات والغواصات والطائرات فإنه تجوز المسابقة بها إذ القاعدة عند الشافعية جواز المسابقة بكل نافع في الحرب. وتحل المصارعة والمسابقة في السباحة "العوم في الماء". والمشي بالأقدام. والوقوف على رجل واحدة. ولعب الشطرنج والكرة. وحمل الأثقال. والمشابكة بالأصابع. فكل هذا يحل بدون عوض.
وتحل المسابقة بعوض في بندق الرصاص فإنه كالرمي بالسهام.
الحنفية - قالوا: تحل المسابقة بدون عوض في كل ما ذكر عند الشافعية إلا الشطرنج فإنه حرام عندهم، لأنه يشغل صاحبه بالانكباب عليه. وفي المسابقة بالطير عندهم خلاف أما الرمي بالبندق والحجر فهوكالرمي بالسهم عند الحنفية أيضاً. وإنما يجوز كل ذلك بشرط قصد الرياضة وتقوية البدن، لا بقصد التسلية وقطع الوقت.
الحنابلة - قالوا: تجوز المسابقة بلا عوض "رهان" بالمشي على الأقدام. وبين سائر الحيوانات من إبل وخيل وبغال وحمير وفيلة، وتجوز أيضاً بالطيور حتى بالحمام على الصحيح، وتجوز بين السفن برمي الأحجار باليد والمقاليع، وتجوز المصارعة ورفع الأحجار لمعرفة الأشد، وكل ما فيه رياضة للبدن وتقوية على الجهاد لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وصح من حديث ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "سابق بين الخيل المضمرة" والمضمرة هي المعلوفة القوت بعد السمن.
ويكره الرقص ومجالس الشعر وكل ما يسمى لعباً كاللعب بالطاب والنقيلة "المنقلة" والنرد والشطرنج، وكل ما أفضى إلى محرم فهو حرام إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة

(2/50)


المفترس الذي لاهم له إلا قضاء شهوته والفتك لفريسته. فالسلام عهد إسلامي يعاهد به الناس بعضهم بعضاً على أن يكف كل واحد منهم عن التعرض لدم أخيه وعرضه وماله بدون حَق. وفي إفشائه بين الناس إيذان بأن الأشرار خارجون على ما تقتضيه قواعد الإسلام، وتتطلبه أحكامه الكريمة من المودة والإخاء والتحابب والتآزر، وضرورة استقرار الأمن بينهم. والسلامة من شرور بعهم بعضاً.
فلهذا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث. فمن ذلك ما رواه عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقال عليه الصلاة والسلام: "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتمون تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم وغيره.

حكم البدء بالسلام ورده
البدء بالسلام (1) سنة عين للمنفرد، وسنة كفاية للجماعة، فإذا سلم واحد منهم سقط عن الباقين، ولكن الأفضل أن يكون السلام منهم جميعاً ليحصل لكل واحد ثواب السنة. وللبدء بالسلام صيغتان: إحداهما السلام عليكم، والأخرى سلام عليكم، والأفضل أن يكون بالصيغة الأولى، ويكره أن يبدأ بقوله عليك السلام، أو سلام الله عليك، لأن ذلك تحية الأموات لا الأحياء، فالسنة في إقراء السلام لا تحصل إلا بقول السلام عليكم (2) وسلام عليكم. سواء كان المسلم عليه واحداً أو جماعة.
أما رد السلام فهوفرد عين على المنفرد، وفرض كفاية على الجماعة؛ فإذا رد واحد منهم أجزأ عن الباقين، ويجب أن يكون الرد فوراً. فلوأخره لغير عذر يأثم. وأن يكون مسموعاً لمن ألقى السلام، فإذا لم يسمعه لا يسقط الفرض. فإن كان أصم فإنه يجب أن يرد عليه بما يفهم من إشارة وتحريك شفة ونحو ذلك، والأفضل في صيغة الرد أن يقول وعليكم السلام، فيأتي بالواو وميم الجماعة. ويصح أن يقول: سلام عليكم.
__________
(1) الحنفية - قالوا: قد يكون البدء بالسلام فرضاً وذلك فيما إذا التقى راكب بماش في مفازة فإنه يفترض على الراكب أن يبدأ بالسلام للأمان
(2) المالكية - قالوا: سنة السلام تحصل إلا بقول السلام عليكم، فلوقال: في البدء بالسلام وسلام عليكم لم يكن مسلماً على المعتمد.
الحنابلة - قالوا: تحصل سنة السلام أيضاً بقول السلام عليكم

(2/51)


ويسن للمسلم أن يبدأ من لقيه بالسلام قبل كل كلام. فإذا التقى اثنان ونطق كل منهما بالسلام وجب الرد على كل واحد منهما لصاحبه، وأن يرفع صوته به حتى يسمعه من سلم عليهم سماعاً محققاً. ويسن أن يسلم الرجل على أهل بيته كلما دخل عليهم، وإذا دخل داراً خالياً من الناس فإنه يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويسن أن يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير، وإذا حصل عكس ذلك حصلت سنة السلام ووجب الرد، ولكن تفوت أفضلية الترتيب.
وإذا أرسل غائب سلامه لآخر فإنه يجب عليه أن يرد السلام، ويستحب أن يبدأ في رده بالرسول المبلغ فيقول: وعليك وعليه السلام، وكذا يجب الرد إذا أرسل له سلاماً في كتاب، ويكره (1) للرجل أن يسلم على امرأة أجنبية إلا إذا كانت عجوزاً أو شابة دميمة لا تشتهى، أما المحارم فإنه يسن له أن يسلم عليهن كما يسلم على أهله. ويكره السلام في الحمام، وعلى العاري. وعلى كل مشغول بأمر قد يصرفه عن الإجابة حتى لا يقع في الإثم بترك الرد. فيكره السلام عند تلاوة القرآن جهراً (2) وعند استذكار العلم، وحال الأذان (3) والإقامة، وعلى القاضي في مجلس القضاء، وعلى الواعظ حال إلقاء عظته، ولا يجب عليهم الرد إذا سلم عليهم أحد. وإذا خص واحداً بعينه بالسلام من بين الجماعة كأن يقول: السلام عليك يامحمد مثلاً، فإن وقع ذلك فإنه يفترض على محمد المسلم عليه أن يرد السلام بنفسه، فلورد أحد الحاضرين لم يسقط عنه الفرض. أما إذا قال: السلام عليك وأشار إلى محمد بدون تسميته فرد أحد الحاضرين فإن الفرض يسقط لأن الإشارة تحتمل أن تكون لهم جميعاً وكذا إذا قال: السلام عليك بدون إشارة. فإنه إذا رد واحد سقط عن الباقين، لأنه يصح أن يخاطب الجماعة
__________
(1) الشافعية - قالوا: إذا كانت الشابة منفردة في مكان وحدها فإنه يكره أن يلقي عليها الرجل سلاماً كما يحرم عليها أن تجيب أو تلقي سلاماً، سواء كانت دميمة تشتهي أولا، وإنما العجوز هي التي في حكم الرجل، أما إذا كانت المرأة مع غيرها رجالاً أو نساء فإن حكمها كحكم الرجل في السلام والرد
(2) الشافعية والمالكية - قالوا: لا يسن السلام على قارئ القرآن مطلقاً، وكذا المشتغل بالذكر والدعاء والصلاة والأكل والشرب
(3) الشافعية - قالوا: لا يكره السلام حال الأذان والإقامة، ولا على القاضي في مجلس القضاء، ولا غيرهم ممن ذكروا، ولم يستثنوا أحداً من الذين يسن في حقهم البدء بالسلام سوى ما تقدم من الشابة المنفردة، فإنه يحرم السلام منها وعليها، وكما يحرم على الرجل وكذلك الفاسق المجاهر؛ فإنه يحرم بدؤه بالسلام؛ ومثل الشابة: الخنثى المعروف؛ ومن يسمع الخطيب فإن السلام يكره عليه؛ وإذا سلم عليه، فإنه يجب عليه الرد

(2/52)


بخطاب الواحد، ويكره أن يسلم على المشتغل بالتدريس أواستماع العلم. وإذا وجد قوماً يأكلون فإنه يسلم عليهم على تفصيل المذاهب (1) .
ولا يكره السلام على الصبيان، بل الأفضل أن يسلم عليهم ليعلمهم الأدب، ولا يجب عليهم الرد؛ لأنهم غير مكلفين، أما إذا سلم صبي على مكلف فإنه يجب عليه الرد إذا كان الصبي مميزاً وإذا سلم على مكلفين بينهم صبي فإنه لا يجزئ على الصحيح، بل لا بد من رد أحد المكلفين.
ويكره السلام على المجنون والسكران والنائم ومن يلبي، ونهاية السلام عند قوله وبركاته. فيكره للمسلم والمجيب أن يزيد عليها.

تشميت العاطس
التشميت بالشين والسين معناه الدعاء بالخير والبركة، وهوأن يقال للعاطس "يرحمك الله" ولا يخفى ما في ذلك من الحكم الإسلامية الجليلة، لأن الغرض من ذلك إنما هوإعلان المودة بين الناس، وتثبيت علائق الألفة والإخاء، وإظهار حرض كل واحد على إيصال الخير لأخيه، وتجنب العداوة والبغضاء والحقد والحسد إلى غير ذلك من المكارم التي يحث عليها الإسلام في عظائم الأمور وصغائرها.
أما حكم تشميت العاطس فهوأنه فرض كفاية (2) كرد السلام، وإنما يفترض بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن يقول العاطس الحمد لله، أو الحمد لله رب العالمين. أو الحمد لله على كل حال، فإذا لم يقل ذلك فإنه لا يستحق التشميت، ويندب للعاطس أن يحمد الله. الشرط
__________
(1) الحنفية - قالوا: إذا وجد من يأكل فإن كان محتاجاً للأكل معه وعلم أنه يدعوه إذا سلم فإنه يسلم، وإلا فلا يسلم.
الشافعية - قالوا: إنه يسلم ولا تجب الإجابة إذا كان الآكل لا يستطيع الإجابة لوجود اللقمة في فيه.
المالكية - قالوا: يسلم على الآكل مطلقاً كما تقدم.
الحنابلة - قالوا في المسألة قولان: أحدهما الكراهة لأنه مشغول بالأكل، والمشغول لا يبدأ بالسلام عندهم. ثانيهما عدم الكراهة.
الشافعية - قالوا: لا يكره السلام على هؤلاء ولا على غيرهم إلا ما استثني فيما تقدم

(2) الشافعية - قالوا: تشميت العاطس سنة

(2/53)


الثاني: أن يسمعه يحمد الله، فإذا لم يسمعه فإنه لا يجب عليه تشميته. وكما يجب على السامع أن يشمت العاطس فإنه يجب على العاطس أن يرد بقوله: "يغفر الله لي ولكم" أو بقوله: "يهديكم الله ويصلح بالكم". وإذا تكرر العطاس فإنه يشمت في الأولى والثانية والثالثة، وما زاد على ذلك فلا يجب فيه التشميت. وحكم المرأة في العطاس كحكمها في السلام، فإن كانت أجنبية أو شابة تشتهى فلا تشمت، كما لا يرد سلامها. وإن كانت عجوزاً أو شابة فلا تشتهى فإنها تشمت أما النساء المحارم فإنهن يشمتن كالرجال وكذا يشمت بعضهن بعضاً.

(2/54)