الفقه
على المذاهب الأربعة مباحث المضاربة
تعريفها
-هي في اللغة عبارة عن أن يدفع شخص مالاً لآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح
بينهما على ما شرطا والحسارة على صاحب المال.
وهي مشتقة من الضرب بمعنى السفر لأن الاتجار يستلزم السفر غالباً. قال
تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض} أي سافرتم، وتسمى قراضاً ومقارضة مشتقة من
القرض وهو القطع سميت بذلك لأن المالك قطع قطعة من ماله ليعمل فيه بجزء من
الربح والعامل قطع لرب المال جزءاً من الربح الحاصل بسعيه؛ فالمفاعلة على
بابها.
وأما عند الفقهاء: عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع احدهما للآخر مالاً يملكه
ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو نحوهما مخصوصة.
وظاهر أن هذا المعنى يطابق المعنى اللغوي إلا أنه مقيد بالشروط التي
تجعل العقد صحيحاً أو فاسداً في نظر الشرع.
ومناسبة المضاربة للمساقاة والمزارعة ظاهرة لأنك قد عرفت أنهما عقدان بين
اثنين من جانب أحدهما الأرض أو الشجر، ومن جانب الآخر العمل، ولكل منهما
نصيب في الخارج من الثمر، وكذلك المضاربة فإنها عقد يتضمن أن يكون المال
منة جانب والعمل من جانب آخر ولكل من الجانبين نصيب في الربح، وتسمى
المضاربة قراضاً عند الفقهاء أيضاً ويقال لرب المال مقارض - بكسر الراء -
وللعامل مقارض - بفتحها - أما المضاربة فيقال للعامل فيها مضارب - بكسر
الراء - وليس للمالك اسم مشتق منها.
أركانها وشروطها وأحكامها
-ولها أركان وشروط وأحكام مفصلة في المذاهب (1)
__________
(1) الحنفية: قالوا: عقد المضاربة بالنظر لغرض المتعاقدين يكون شركة في
الربح لأنه دفع من جانب المالك، ويذل عمل من جانب المضارب، بأن يتجر في
المال ليشترك مع صاحبه في ربحه
(3/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
فالغرض من
ذلك العقد هو الاشتراك في الربح ومن أجل ذلك عرفوه بأنه عقد على الشركة في
الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر.
ولكن المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة، ولهذا قالوا: إن حكم
المضاربة بتنويع إلى أنواع:
أحدهما: أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أميناً وحكم
الأمين أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس
عليه الضمان إذا فقد منه.
ثانيهما: أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا وحكم الوكيل أنه يقوم
مقام موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات
المالية المتعلقة بوكالته. ومن أحكامه أنه لا يجبر الوكيل على العمل فيما
وكل فيه إلا في دفع الوديعة، كأن قال رجل لآخر: وكلتتك في دفع هذا الثوب
المودع عندي لفلان فإنه إذا غاب الموكل على دفع الثوب لصاحبه وعقد الوكالة
ليس لازماً فإن لكل منهما أن يتجلى عنه
بدون إذن صاحبه.
ثالثهما: انه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة تاعقود
المالية، وهي أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج الآتية
لأن المفهوم الآتي مشترط فيه أن يدفع كل واحد من الشريكين رأس مال.
رابعهما: إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح
جميعه يكون لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله سواء ربح المال
أو خسر خلاف، والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر له إذا لم
يربح لأنه إذا أخذ أجراً مع عدم الربح الفاسدة
تكون الفاسدة أروج من الصحيحة إذ من الصحيحة إذ ليس له شيء إذا
لم يربح في الصحيحة فكيف يستحق في الفاسدة مع عدم الربح؟
خامسهما: إذا خالف المضارب شرطاً من الشروط يكون غاضباً. وحكم الغاضب أنه
يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب شرطاً من الشروط يكون غاصباً. وحكم الغاصب
أنه يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه وقد اغترض جعل الوجه
الثالث والرابع من أحكام المضاربة وذلك لأن اعتبار المضارب أجيراً للشروط
ومتى خالف فقد نقص العقد فكيف يصح جعل الغضب من أحكامها وقد أجيب بأنهما من
أحكام الفاسدة؟ ولكن هذا الجواب لا ينفع في مسألة الغصب لأن حكم الإجارة
الفاسدة وهو أن يكون للمضارب أجر مثله وليس للغاصب أجر،
على أن الكلام في أحكام المضاربة الصحيحة، فالظاهر أن ذكر هذين الأمرين من
الأحكام مبنى على التسامح.
سادسهما: أنه إذا شرط أن يكون الربح كله للمضارب كان قرضاً فإذا قبض المال
وعمل فيه على هذا الشرط يكون مسؤولاً عنه وحده فله ربحه وعليه خسارته وإذا
فقد منه كان ضامناً له ويجب عليه رده
لصاحبه.
(3/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
سابعهما: إذا شرط أن يكون الربح كله للمالك كان حكمه كحكم هقد البضاعة وهو
أن يوكله في شراء بضاعة بلا أجر فكل ما يشتريه يكون له وعليه نفقات حمل
وليس للمشتري أجر، فهذا هو حكم المضاربة.
واما ركنها: فهو الإيجاب والقبول وذلك يكون بألفاظ تدل على المعنى المقصود
كأن يقول له: خذ هذا المال واعمل فيه مضاربة أو مقارضة أو معاملة، أو خذ
هذا المال مضاربة على ما رزقنا الله من ربح فهو بيننا نصف أو ثلث، فيقول
المضارب: أخذت أو رضيت أو قبلت. ولو قال: خذ هذا المال بالنصف أو على النصف
ولم يرد على هذا فإن ذلك يكون مضاربة صحيحة.
وأما شروط صحتها فهي أمور:
منها: أن يكون رأس المال من النقدين الذهب والفضة المسكوكين باتفاق أهل
المذهب وتصح بالفلوس الرائحة على المفتى به، والمراد بالفلوس الرائحة ما
يتعامل به من غير الذهب والفضة كالقروش الصاغ والتعريفة وغيرهما من النقد
المتخذ من النيكل أو النحاس في جواز المضاربة بالذهب والفضة إذا لم تكن
مضروبة وقد اختلف في جواز المضاربة بالتبر إذا كان رائحاً كالنقد المضروب
فقيل تصح به وقيل لا وكذلك لا تصح المضاربة بعروض التجارة فإذا أعطى رجل
لآخر قطنا أو ثياباً ببمائة جنيه مثلاً وقال له: بعضها مضاربة على أن يكون
الربح بيننا فهي مضاربة فاسدة فإذا باعها وخسر لا يكون العامل مسؤولاً عن
تلك الخسارة حتى لو اصطلح مع رب المال على أن يعطيه كل المال بدون خسارة
فإن ذلك الصلح لا يعمل به. وهل للعامل أجر مثله في حال الخسارة أو لا؟ خلاف
تقدم قريباً فإذا عمل المضارب في الثمن الذي باع به البضاعة عومل بالشرط
الذي تعاقدا عليه لأنه في هذه الحالة يصير مضاربة فالعامل في الأول لم يضمن
لأنه أمين بمقتضى الوكالة فلما عمل في الثمن صار مضارباً بعد ذلك فاستحق
المشروط.
ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً عند العقد كي يقع العاقدان في منازعة.
ومنها: أن يكون رأس المال معيناً حاضراً عند المالك فلا تصح المضاربة
بالدين الذي له عند المضارب فإذا قال له: اعمل قال له: اعمل فيما عندك من
مضاربة على أن يكون لك نصف الربح فإنه لا يصح. فإذا اتجر المديون في مال
الدين الذي عليه وخسر أو ربح كانت الخسارة عليه والربح له وكان الدين
باقياً بحاله وقيل يبرأ المديون من الدين ويكون الربح لصاحب المال والخسارة
عليه وللمضارب أجر مثله، أما إذا كان الدين عند شخص آخر غير المضارب فقال
له صاحبه لي عند فلان مائة جنيه فاقبضها واعمل مضاربة ففعل فإنه يصح مع
الكراهة وكذا إذا قبض بعض المائة وعمل فيه فإنه يصح كذلك أما إذا قال له
اقبض ديني من فلان فاعمل مضاربة أو ثم اعمل فيه مضاربة فقبض بعضه وعمل فيه
مضاربة فإنه لا يصح لأن الفاء وثم تفيد لا يعمل فيه إلا بعد قبضه جميعه.
(3/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وإذا أودع رجل عند آخر مالاً وقال له اعمل فيما عندك مضاربة فإنه يصح. وكذا
إذا أعطى رجل لآخر مالاً يشتري له بضاعة ثم قال له اعمل فيه مضاربة فإنه لا
يصح.
ومنها: أن يكون المال مسلماً للمضارب بحيث يتصرف فيه وحده فإذا شرط أن يعمل
رب المال مع غير المضارب فإن العقد يفسد ولا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب
المال هو الذي تولى صيغة العقد أو غيره
فإذا كان صاحب المال صغيراً وتولى التعاقد وليه شرط أن يعمل الصغير مع
المضارب فسدت، وإذا فسدت يكون للمضارب أجر مثله من مال القاصر. وإذا وكل
شخص آخر في أن يتعاقد مع شخص في ماله مضاربة فاشترط الوكيل أن يعمل مع ذلك
المضارب بجزء من الربح فسد العقد لأن الوكيل يقوم مقام موكله فيما وكل فيه.
وقد عرفت أنه لا يصح أن يشترط صاحب المال العمل مع المضارب فكذلك وكيله.
ومنها: أن يكون نصيب المضارب من الربح معلوماً على وجه شائع كالنصف والثلث
أو نحوهما أما إذا عين عداً مخصوصاً كأن قال له اعمل هذا المال مضاربة ولك
عشرون جنيهاً من الربح فإن العقد يكون فاسداً، وكذلك إذا ضم إلى نصيبه
عدداً معيناً كما قال له اعمل مضاربة ولك نصف الربح وعشرون جنيهاً فوق ذلك
فإنه لا يصح، وكذا إذا شرط له نصف الربح إلا عشرين جنيهاً أو عشرة أو أقل
أو أكثر فإن العقد يفسد، أما إذا شرط أن له ربح نصف المال أو ثلثه بدون
تعيين نصف خاص أو ثلث خاص فإنه لا يصح.
وإذا شرط للمضارب أجرة شهرية زيادة عن نصف الربح مثلاً، فإن ذلك الشرط باطل
ولكن العقد صحيح فإذا عمل على ذلك الشرط فإنه لا يستحق إلا نصيبه في الربح
فقط أما إذا دفع له مالاً ليضارب فيه بشرط أن يعطيه منزله ليسكنه، أو أرضاً
ليزرعها، فإن العقد يفسد بذلك.
المالكية - قالوا: المضاربة أو القرض في الشرع عقد توكل صادر من رب المال
لغيره على أن يتجر بخصوص النقدين (الذهب والفضة) المضروبين يعامل به ولا بد
أن يدفع رب المال للعامل القدر الذي يريد أن يتجر فيه عاجلاً.
فقولهم: توكيل يشمل كل توكيل، وقولهم: على أن يتجر بخصوص النقدين اخرج
التوكيل على أن يتجر بعرض تجارة أو حبوب أو حيوان فإنه في هذه الحالة يكون
قراضاً فاسداً فإذا قال له رب المال خذ هذا القطن مثلاً وثمنه مائة جنيه
فبعه ولك نصف ربحه أو أقل أو أكثر ففعل ذلك فإنه لا يأخذ الجزء الذي سماه
من الربه لأن المضاربة فاسدة ولكن للعامل الحق أولاً في أجر مثل بيعه إن
كان له أجر وثانياً له جزء في الربح يعادل الجزء الذي يستحقه العامل الذي
يضارب في مثل
(3/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ذلك المال ويقال له قراض المثل سواء كان ذلك الجزء موافقاً لما سمي أو أقل
أو زيد وينتظر في ذلك للعادة فإن لم يربح شيئاً فلا شيء له. وكذلك إذا قال
له خذ هذا القطن فبعه واعمل بثمنه مضاربة على أن لك كذا من ربحه فإن حكمه
كالأول وبعضهم يقول إن ذلك إنما يكون مضاربة فاسدة إذا كان بيعه محتاجاً
لعناء وله شأن أما إذا كان بيعه هنياً فإن المضاربة تكون صحيحة ولكن
المعتمد المنع مطلقاً فإذا كانت عروض التجارة تحت رجل آخر يتولى بيعها غير
رب المال والعامل ثم قال رب المال للمضارب: خذ ثمن العروض التي يتولى بيعها
فلان واعمل فيها مضاربة بكذا فإنه يجوز وهذا كله إذا لم تكن عادة أهل البلد
الذي وقع فيه العقد أن يتعاملوا بعروض التجارة فقط أما إذا كانت عادتهم هذه
وليس عندهم نقد مضروب فإنه يصح جعل العروض رأس مال المضاربة حينئذ.
وقولهم: مضروب معناه مختوم بختم الحاكم يخرج به التوكل على أن يتجر له بقطع
الذهب أو الفضة غير المضروبة ويشمل ذلك صورتين: الصورة الأولى أن يكون عقد
المضاربة في بلد لا تتعامل بالمضروب بغير المضروب أصلاً. الصورة الثانية أن
يكون في بلد تتعامل بالمضروب وغير المضروب، وفي كلتا الحالتين ينتنع أن
يجعل رأس المال من غير المضروب فإذا وقع العقد وعمل المضارب على ذلك فإنه
يمضي على عمله ويكون له قراض المثل فقط إذا جعل قطع الذهب أو الفضة
أثماناً. أما إذا باعها واتجر بثمنها فإن له مع قراض المثل أجر مثل بيعها
إن كان له أجر في العادة. وقد عرفت أن قراض المثل هو أن يكون له جزء في
الربح يساوي ما يؤخذ عادة من مثل ذلك المال الذي يعمل فيه مضاربة بقطع
النظر على الجزء المسمى عند العقد فإذا لم يربح شيئاً فلا شيء له.
أما إذا كان عقد المضاربة في بلد لا تتعامل إلا بقطع الذهب والفضة ولا تعرف
النقد المضروب فإن عقد المضاربة يكون صحيحاً وليس للعامل إلا
الجزء الذي سمي من الربح ومثل قطع الذهب والفضة الفلوس كالقروش المأخوذة من
النحاس فإنه لا يصح جعلها رأس المال المضاربة فإن جعلت ووقع العقد عليها
كانت قراضاً وعلى العامل ردها عمل فيها فحكم ذلك كالذي قبله وهو أنه إذا
باعها بنقدين وضارب في ثمنها كان له أجر مثل بيعها وقراض مثلها وإذا عمل
بها هي كان له قراض مثلها فقط.
وقولهم: وأن يدفع له عاجلاً القدر الذي يتجر له فيه خرج ما ليس كذلك وهو
يشمل أموراً ثلاثة: الأول: الذين وكذلك بأن يكون لرب المال ديناً على
العامل فقال له: اعمل في الدين الذي عليك مضاربة بثلث ربحه أو نحو ذلك، فإن
ذلك يكون مضاربة فاسدة، فإذا اتجر العمل في ذلك الدين كان له ربحه وعليه
خسارته، والدين باق بحاله وعلى المدين ضمانه.
فإذا وكل رب المال العامل على أن يخلص له ديناً عند آخر ويتجر من ربحه فإن
ذلك يكون مضاربة فاسدة أيضاً فإذا مضى فيها العامل فإنه يكون له أجراً مثل
تخليص الدين إن كان له أجر عادة وله قراض المثل في ربحه أي يأخذ جزءاً من
الربح يساوي الجزء يأخذ المضارب من مثل ذلك المال عادة سواء وافق المسمى أو
لا كما تقدم فإذا أحضر المدين
اتلدين وقبضه صاحبه منه ثم
(3/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
عامله به مضاربة فإنه يصح. وكذلك إذا أحضره ولم يقبضه ولكن يشترط في هذه
الحالة أن يشهد المدين رجلين أو رجلاَ وامرأتين على أنه قد أحضر الدين
وبرأت ذمته منه، وفي هذه الحالة يصح أن يجعل رأس مال مضاربة.
الأمر الثاني: الرهن بأن يكون تحت يد العامل نقود مضروبة مرهونة عنده في
نظير دين له عند رب المال فإنه لا يصح في هذه الحلة أن يقول صاحب المال
المرهون للراهن: اعمل فيه مضاربة بنصف ربحه مثلاَ إلا إذا سد الدين الذي له
عليه، مثال ذالك ما يفعله الملاّك في زماننا مع المستأجرين فإنهم يأخذون
منهم تأميناَ نقدياَ رهناَ على دين إجارتهم فإنه لا يجوز أن يقول صاحب
التأمين لمن هو عنده اعمل فيه مضاربة بنصف الربح الذي يخرج منه أما إذا كان
المرهون عروض تجارة أو حيوان فأن المنع فيها ظاهر لأنه لا يصح أن تجعل رأس
مال المضاربة كما علمت وكذالك إذا كان المرهون في يد أمين فإنه لا يجوز أن
يقول صاحب الرهن للأمين: اعمل فيها مضاربة بجزء من الربح قبل أن يسد الدين
الذي رهنت تحت يد الأمين من أجله.
الأمر الثالث: أن يكون المال وديعة عند العامل فأذا أودع شخص عند شخص آخر
مالاَ فإنه لا يصح أن يقول له أتجر في ذلك المال ولك نصف ربحه أو ثلثه أو
نحو ذلك.
فإذا أحضر الوديعة واستلمها صاحبها فإنه يصح أن يعطيها له ليعمل فيها
مضاربة بعد ذلك وكذلك إذا احضرها ولم يستلمها صاحبها، ولا حاجة الى الإشهاد
في الوديعة وكذلك إذا كانت الوديعة تحت يد شخص غير الشخص الذى أودعت عنده
فإنه لاتصح المضاربة عليها فإذا أودع شخص عند أخر نقوداَ ثم خاف عليها
الشخص الذى أودعت عنده فأودعها شخصاَ آخر فإنه لا يصح أن تجعل رأس مال
المضاربة ابضاً فإذا اتجر فيها من اودعت عنده بإذن صاحبها كان الريح
لصاحبها والخسارة عليه للعامل اجرة مثله والرهن فىذلك كالوديعة. اما إذا
اتجر فيها من غير إذنه فالربح والخسارة على العامل.
ويؤخذ من بيان التعريف على هذا الوجه بعض الشروط الازمة لصحة عقد المضاربة
وجميع شروطه عشرة، احدهما: دفع راس المال للعامل فوراً فإذا كان مؤجلاً فسد
العقد، ثانيها: كون راس المال معلوماً وقدره وقت العقد ككونه مائة جنيه
مصرية مثلاً فلا يصح ان يضاربه على مبلغ غير معين ثالثها: كون رأس المال
غير مضمون فلو شرط رب المال على العامل ان يكون ضامناً لرأس المال إذا فقد
منه قهراً عنه فإن المضاربة تكون فاسدة فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان
له قراض مثل هذا المال في ربحه ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط لأن هذا الشرط
باطل فلا يعمل به أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من
رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح وإذا سلم رب المال للعامل
وطلب منه ضامناً يضمنه فيما تلف من ماله يتعدى العامل فإنه يصح إذا طلب منه
ضامناَ يضمنه مطلقاَ فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم
الشرط.
رابعها: كون رأس المال عيناً يتعامل بها اهل البلد سواء كانت مضروبة أو غير
مضروبة.
(3/39)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
خامسها: ان يبين الجزء الذي يختص به العامل من الربح كالنصف أو الثلث
ونحوهما فإن لم يبينه أصلاً كأن قال له: اعمل فيه ولك نصيب في ربحه أو لك
جزء أو نحو ذلك ثم عمل فيه على هذا الإبهام فإن للعامل قراض مثله فإن كان
للناس عادة في نحو هذا فإنه يعمل بها حتى إذا كانت العادة بإن العامل يأخذ
النصف كان له النصف وإن كانت تقضي بأقل أو أكثر عمل بها.
أما إذا قال هل: اعمل والربح مشترك فإن ذلك معين لإن معناه متساوي
في الربح عرفاً فللعامل في هذه الصورة نصف الربح.
سادسها: أن لا يختص أحدهما بشيء معين سوى الجزء الذي له فلا يصح أن يضاف
لأحدهما عشر جنيهات أو خمس مثلاً على ثلث الربح أو
نصفه، نعم للعامل أن يأخذ ما يضطر إلى إنفاقه في سبيل التجارة وما يلزمه من
مؤونة السعر ونحوها بقدر الضرورة.
سابعها: أن يكون الجزء المعين في الربح مشاعة كالنصف والثلث ونحو ذلك فلا
يصح ان يكون مقدراً بعدد كأن يقول له لك عشرون جنيهاً في الربح كما لا يصح
أن يكون مبنياً بحالة معروفة كأن يقول له: اعمل مضاربة ولك في الربح مثل ما
أخذ فلان وهل يصح أن يشترط الربح كله للعامل أو لرب المال أو لا؟
والجواب أنه يجوز ولكن لا يكون داخلاً في تعريف المضاربة لأنك قد عرفت أنها
عقد على أن يتجر العامل بمال المالك وله جزء من ربحه.
ثامنها: أن يخص العامل بالعامل فلا يصح أن يشترط مشاركة رب المال
أو غيره معه وإلا فسد العقد.
تاسعها: أن لا يحجر على العامل في عمله كأن يقول: لا تتجر إلا في الصيف فقط
أو في موسم القطن او القمح او نحو ذلك مما عين فيه زمن العمل فإن العقد في
هذه الحالة يقع فاسداً وللعامل أجرة مثله على رب المال الخسارة وله الربح.
عاشرها: ان لا يضرب له أجلاً فإذا ضرب له أجلاً كأن قال له: اعمل فيه سنة
أو اعمل به بعد شهرين فإنه يكون مضاربة فاسدة وللعامل في هذا القراض المثل
لا أجر المثل لأنه اخف مما قبله فإن الذي قبله فيه حجر شديد على العامل
بخلاف ذلك فإن الأمر أمامه كما يجب في المدة التي حددها له.
أما حكمه فهو الجواز، وأما أركانه فهي رأس المال والعمل والربح والعاقدان
والصيغة. وحيث أنك قد عرفت انه عقد توكل فلا بد فيه من الللفظ كأن يقول:
اعمل في هذا المال ولك كذا من ربحه فيقول قبلت. وذلك لأن التوكل لا بد فيه
من اللفظ فلا تكفي فيه المعاطاة كان يسلمه المال فيأخذه العامل ويعمل فيه
بدون لفظ وبعضهم يقول أنه عقد إجارة للعامل وعلى هذا لا يشترط فيه اللفظ
لأن الإجارة تكفي في المعاطاة كالبيع متى وجدت قرينة تدل عليه.
الحنابلة - قالوا: المضاربة عبارة عن أن يدفع صاحب المال قدراً معيناً من
ماله إلى من يتجر فيه
(3/40)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
بجزء مشاع معلوم من ربحه ولا بد من ذلك المال من أن يكون نقداً مضروباً
ويقوم مقام دفع المال أن يكون قد أودع عند شخص مالا ثم قال له: اعمل في هذا
الماللا المودع مضاربة فتصبح المضاربة عندهم بالوديعة.
وحكم المضاربة يختلف باختلاف الأحوال فهي في أول الأمر أمانة ووكالة لأن
العامل يتصرف بإن رب المال فهو وكيله في التصرف - والمال تحت يده أمانة -
فإذا ربح العامل في المال كان عقد المضاربة شركة لاشتراكهما في الربح وإذا
فسدت المضاربة كان إجارة لأن العامل يأخذ أجر مثله.
وإذ خالف العامل ما أمره به صاحب المال تكون غصباً فعليه أن يرد المال
وربحه ولا شيء له نظير عمله لأن حكم الغاصب كذلك.
وركنها: الإيجاب والقبول بكل لفظ يؤدي معنى المضاربة أو القراض أو المعاملة
أو نحو ذلك لأن المقصود المعنى وهو يحصل بكل ما يدل عليه
وتكفي فيها المعاطاة فإذا أخذ العامل المال وباشر العمل فيه من غير أن
يقول: قبلت فإنه يصح فلا يشترط فيها اللفظ كما يشترط في التوكل.
ويشترط لصحة المضاربة شروط:
منها: أن يبين نصيب العامل من نصف أو ثلث أو نحوهما لأنه لا يستحقه إلا
بالشروط فإذا لم يبين أصلاً بأن يقال: خذ المال مضاربة ولم يذكر نصيب
العامل في الربح أو بينه على وجه العامل على هذا كان الربح لرب المال
والخسارة عليه وللعامل أجرة مثله. وإذا شرط المالك أن يكون الربح كله لم
تكن مضاربة وإنما تكون إضاعاً له (توكيل على عمل بدون أجر) .
فالربح كله لرب المال ولا شيء للعامل لأنه يكون في هذه الحالة وكيلاً
متبرعاً، فلو شرط رب المال أن يكون ضمان ماله على العامل لا ينفذ ذلك الشرط
لأن هذا العقد يقتضي كون المال أمانة غير مضمونة ما لم يتعد العامل أو يفرط
فإنه يضمن حينئذ.
وإذا شرط أن يكون الربح كله للعامل كان قرضاً ليس للمالك شيء من ربحه ولا
شيء عليه من خسارته وعلى العامل ضمانه حتى لة قال صاحبه: لا ضمان عليك لا
ينفذ ذلك الشرط لأن عقد القرض يقتضي أن يضمنه المقترض فإذا فقد منه شيء أو
فقد كله لزمه.
ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً فلا تصح المضاربة بصرة فيها جنيهات من
غير عد وبيان لما في ذلك من الغرر المفضي إلى النزاع في الربح لجهله حينئذ.
ومنها أن يكون رأس المال حاضراً فلا تصح بالمال الغائب أو المال الذي في
الذمة فإذا كان لشخص مال عند آخر لم يحن موعده فإنه لا يصح أن يضاربه به
عليه. نعم إذا قال له: اقبض ديني من فلان أو منك واتجر فيه مضاربة فإنه
يصح، وكذا إذا قال له: اقبض وديعتي من فلان أو منك واعمل فيها
(3/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
مضاربة فإنه يصح، لأنه في هذه الحال يكون قد وكله في قبض الدين أو الوديعة
وعلق عقد المضاربة على قبضها وتعلبق المضاربة صحيح.
ومنها: أن يكون رأس المال ذهباً أو فضة مضروبين مختومين بختم الملك فلا تصح
إذا كان رأس المال قطع ذهب أو فضة لم تضرب كما لا تصح إذا كان فلوساً (عملة
من غير الذهب والفضة) كالنحاس ونحوه سواء كانت رائحة يتعامل بها أو كاسدة.
وكذلك لا يصح أن يكون رأس المال عرض تجارة فإذا قال شخص لآخر: خذ هذه
الثياب أو هذا البر أو هذه الغم وهي بمائة جنيه مثلاً وبعها مضاربة بجزء
معين من الربح فإنه لا تصح إذ ربما ارتفع سعرها فربحت قبل ان يعمل فيها
المضارب عملاً فيأخذ نصيباً من ذلك الربح بدون عامل وذلك غبن لصاحب السلعة
كذلك لا يصح ان يقول له بعها ولك نصف الربح ما يزيد على قيمتها لأن قيمتها
قد ترتفع فتستغرق كل الربح الذي حصل عليه العامل فلا ينال شيء وكل ذلك موجب
للنزاع نعم يصح أن يقول له: خذ هذا القطن وبعه
واعمل بثمنه مضاربة لأنه في هذه الحالة يكون قد وكله في بيعه وعلى المضاربة
على قبضة للثمن فأشبه الوديعة وتعليق المضاربة جائز اما إذا قال له: ضاربتك
على ثمن هذه السلعة قبل بيعها فإنه لا يصح لأن ثمنها معلوم قبل بيعها فلا
تصح المضاربة به فعلاً.
ومنها: أن يكون نصيب كل منهما مشاعاً في كل المال بأن يقدر النصف أو الثلث
أو نحو ذلك فإذا عين لواحد منهما مخصوص كعشرة جنيهات أو خمسة أو نحو ذلك
فسدت. وإذا اشترط أن يكون الربح بينهما فإنه يصح ويكون لكل واحد نصفه.
وإذا فسدت بالمضاربة كان الربح كله لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجر
مثله خسر المال أو ربح.
وهناك شروط لا تفسد العقد، ولكنها هي باطلة لا يعمل بها، منها: أن يشترط
عليه أن يكون نصيبه من الخسارة أكثر من نصيبه في الربح او شرط عليه ان
ينتفع بالسلعة التى يشتريها العامل او ان تبقى الشركة بينهما مدة معينة
اولا يشترى إلا من فلان، فهذه كلها شروط فاسدة لاتنفذ ولا يعمل بها ولكن
العقد لا يفسد بها فيستمر على حاله ويصح ان تؤقت المضاربة بوقت معين كان
يقول له: خذ هذه الجنيهات واتجر مضاربة مدة سنة فإذا مضت السنة فلا تيع ولا
تشتري فإن ذلك يصح.
الشافعيةـ قالوا: المضاربة او القراض عقد يقتضى أن يدفع شخص لاخر مالاً
ليتجر فيه على ان يكون لكل منهما نصيب فى الربح بشروط مخصوصة.
ومن هذا تعلم ان المضاربة قائمة على ستة أركان: مالك المال هو الذى يدفع
والعامل الذى يتجر به، والعقد الذى هو الصيغة اعنى الأيجاب والقبول. فلا
تتحقق المضاربة إلا الصيغة فإنها ذكرت ضمناً فى قوله عقد لان العقود لابد
فيها من
(3/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الصيغة والمراد بالركن ما يتوقف على ذكره تحقق العقد فلا يرا أن العمل فى
الربح يوجدان العقد فكيف يكونان ركناً له يتوقف وجوده عليهما لان الغرض ان
وجوده يتوقف على ذكرهما إذا لم يذكرا في العقد يكون فاسداً وهذا لا ينافى
أن وجودهما فى الخارج يكون بعد تحقق صحة العقد وقد عرفت فى اركان البيع أن
الركن منقسم إلى قسمين: اصلى وهو ماكان داخلاً فى حقيقة الشيء وذلك هو
الإيجاب والقبول، وغير أصلي وهو ما يتوقف وجود الشيء
فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط. ومن نظر إلى
الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية، وذلك النظر مطرود في كل
العقود منه على ذكر.
أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان، فأما العامل
والمالك فتشترط فيهما معاً أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود
فلا يصح عقد المضاربة من أعمى، ولكن يوكل من يقبض عنه.
ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلاً بالعمل منفرداً فلو اشترط أن يعمل
معه غيره فسد العقد، ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه
يجوز ولكن بشروط ثلاثة:
أحدهما: أن يكون الغلام معروفاً للعامل بالمشاهدة أو الوصف.
ثانيهما: أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام.
ثالثهما: أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب
المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم
معذرته في الأعمال والتفريط، والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال
وموجب لفتح باب النزاع. وأما العمل فيشترط فيه شرط، الأول: أن يكون عملاً
في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي، كأن يضارب نساجاً
على أن يشتري قطناً ثم ينسخه ويبيعه منسوجاً، او يضارب خبازاً على أن يشتري
قمحاً ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضاً، وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه
عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت
للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل
مجهولة وقد يكون رب المال عاجزاً عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع
من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل
المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره
بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط.
فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحاً وطحنه وخبزه
فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامناً له إذا تلف
لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما
يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها
وطيّها وقياسها بالذراع ونحوه
(3/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
كلما دعت الحاجة، وإن كان يتجر في مكيل أو موزون كالحنطة والسكر
فإن عليه أن يزن أو بكيل ونحو هذا مما تستلزمه التجارة، أما إنه يخبز أو
ينسج فهذه ليست أعمالاً تجارية وإنما هي أعمال صناعية فليست من وظيفته.
الشرط الثاني من الشروط المتعلقة بالعمل: أن يكون العامل حراً في عمله فلا
يصح لرب المال أن يضيق عليع والتضييق عليه يكون على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يشترط عليه شراء سلعة معينة كأن يقول له: لا تشتر إلا
حللاً هندية. فإن شرط عليه ذلك فسد العقد. نعم له أن يمنعه من شراء سسلعة
معينة ويعمل بذلك الشرط
الوجه الثاني: أن يشترط عليه شراء شيء ينذره وجوده كأن يقول له: اشتر فاكهة
الشتاء في زمن الصيف أو لا تشتر إلا الخيل المضمرة البلق إلا إذا كان في
محل يكثر وجود ذلك أو لا تبع إلا لفلان فإن ذلك يفسد العقد.
أما إذا قال له: لا تشتر من فلان ولا تبع لفلان فإن له ذلك. وإذا شرط أن
يشتري من حانوت (دكان) مخصوص فإن العقد يفسد أما إذا اشترط من سوق معين
فإنه يصح.
ولا يضر أن يعين المالك جنس التجارة أو نوعها كأن يقول له: اشتري قمحاً
هندياً فإن ذلك يصح إذا لم يندر وجوده إذا لم يندر وجوده كما تقدم
الشرط الثالث: أن لا يكون العمل مؤقتاً بمدة معلومة فإذا قال له: قارضتك
لمدة سنة فسد العقد سواء صرح بمنعه من التصرف بعد تلك المدة بأن قال:
قارضتك سنة ولا تبع بعدها أو لا تشتر بعدها أو لم يصرح بشيء
بل قال له: قارضتك لمدة سنة وسكت فإن العقد فاسد على أي حال لأن التأقيت
ينافي الغرض من الربح. نعم إذا قال: قارضتك ولا تشتري بعد سنة فإنه يصح
لأنه لم يقيض المقارضة بالمدة ولكن منعه من الشراء فقط بعد سنة وذلك لا يضر
إلا إذا لم يمنعه عن بيع ما يكون قد اشتراه ولم يفيده بمدة يحجر عليه فيها
يحرمه من الربح على انه إنما يصح إذا كانت المدة واسعة كما ذكر. أما إذا
كانت ضيقة لا يأتي فيها شراء شيء لغرض الربح عادة فإنه لا يصح على أي حال
وأما الربح فيشترط له أمور:
الأول: أن يكون مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يجعل لغيرهما جزء منه إلا
لعبيديهما فما شرط لأحدهما يضم ما شرط لسيده.
الثاني: أن يكون الربح مبيناً بالجزئية والتعيين كالنصف أو الثلث أو نحوهما
لو قال له: قارضتك على أن يكون لك نصيب أو جزء من الربح فسد. أما إذا قال
له: قارضتك والربح بيننا فإنه يصح
(3/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ويكون لكل واحد منهما النصف وقيل: لا يصح ولكن المعتمد الأول ولا بد من
بيان نصيب العمل فلو قال له: قارضتك ولي نصف الربح فسد على الأصح لأنه لم
يبين نصيب العامل فيحتمل أن يقول أنه أراد يكون النصف له والنصف الآخر
يتصرف فيه كما يحب وليس للعامل شيء.
أما إذا بين نصيب العامل بأن قال: قارضتك ولك نصف الربح فإنه يصح على
المعتمد لأن النصف الباقي يكون لصاحب المال من غير شبهة وبعضهم يقول: لإنه
لا بد من بيان نصيب المالك أيضاً
الثالث: أن يكون الربح مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يدخل معهما فيه آخر إلا
إذا كان مملوكاً لأحدهما فيصح أن يبشترط له شيء من الربح مضاف من ملك سيده
إذا اشترط أن يكون الربح كله للعامل فقيل: إن عقد المضاربة يفسد وقيل: لا
أما إذا اشترط الربح كله للمالك فقيل: يفسد فللمالك الربح وعليه الخسارة
وللعامل أجرة مثله كما هو الشأن في سائر صور المضاربة الفاسدة وقيل يكون
إيضاعاً (توكيل بلا جعل) وهو الأصح رضي أن يعمل مجاناً. ولا يصح أن يشترط
لأحدهما شيء معدود الربح كعشرة جنيهات والباقي بينهما لأنه قد لا يربح
سواهما فيحرم الشريك الآخر من الربح. وكذلك لا يصح أن يخص أحدهما بربح نوع
مخصوص.
وأما الصيغة فهي الإيجاب والقبول فإنها تحقق بقوبول المالك ضاربتك وعاملتك
ونحوهما فيقول العمل قبلت أو رضيت. وإذا كان الإيجاب بلفظ الماضي كما في
ضاربتك وعاملتك المذكورين فلا بد أن يكون القبول رفضاً فلا يصح أن يأخذا
العمل المال ويعمل فيه دون تصريح بالقبول أما إذا كانت الصيغة بلفظ الأمر
كأن يقول المالك: خذ هذا الألف مثلاً واتجر فيه على أن يكون الربح بيننا
نصفين وقيل لا بد فيه من القبول لفظاَ أيضاً كغيره من سائر العقود وقيل
يكفي فيه الشروع في العمل فإذا أخذ وعمل فيه بدون قول صح العقد، ومثل ذلك
ما إذا قال له: خذه وبع فيه واشتر على أنا يكون الربح بيننا ويشترط لصحة
الصيغة أن يذكر فيها الربح نصاً، فإن لم ينص على الربح فسد العقد كما تقدم.
وأما المال فلا يشترط له شروط. وأحدها أن يكون نقداً مضروباً (ذهباً أو فضة
مختومين بختم الحاكم ليتعامل بهما) فلا تصح بالتبر (كسارة الذهب والفضة إذا
أخذ من معدهما قبل تنقيتهما من ترابهما) ولا بقطع الذهب التي لم تضرب ضرباً
يتعامل به كالحلي من أسورة والخلاخل ونحوهما فلو أعطت امرأة حليها لشخص على
أن يتجر فيه بجزء من الربح فإنه لا يصح وكذلك لا يصح بعرض التجارة كالنحاس
والقطن والقماش ونحو ذلك.
ومن عروض التجارة الفلوس (العملة المأخوذة من غير الذهب والفضة) فلا تصح
المضاربة بها
(3/45)
دليل المضاربة وحكمة
تشريعها
-دليل المضاربة الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز ذلك النوع من المعاملة
ولم يخالف فيه أحد وقد كان معروفاً في الجاهلية فأقره الإسلام لما فيه من
المصلحة وذلك شأنه في كل تشريعة فهو دائماً يبحث عن المصلحة ليقرها ويحث
على تحصيلها ويحذر من المفسدة والدنو منها.
حتى يعيش المجتمع عيشه راضية يستعين بعض أفراده فيما يعود عليهم جميعاً
بالخير والسعادة.
فالمضاربة عقد قد يكون فيه مصلحة ضرورية للناس وعند ذلك يكون داخلاً في
القاعدة العامة وهي الحث على عمل فيه المصلحة ويكون له حكم الفائدة
المترتبة عليه فكلنا عظمت فائدة المضاربة كلما كان طلبها مؤكداً في نظر
الشرع ولهذا قال بعضهم انها سنة ولا حاجة إلى تأويل
قوله هذا بأنها ثبت بالسنة لا أن حكمها السنية لأنها نوع من المعاملة
الاختيارية فهي جائزة لأنه يمكن حمل قول هذا القائل على أنها سنة حقيقة من
حيث أنها قد يترتب عليها استثمار المال ومنعه الفقير بل قد يتأكد إذا كانت
الحاجة ماسة كما إذا كان فيها تقليل العاطلين وتنشيط حركة التجارة ورواحها
بين الأمة فإذا كان مع شخص مال ولمنه عاجز عن تنميته واستثماره وإلى جانبيه
شخص لا مال وهو قادر على استثمار المال أفلا يكون من السنة في هذه الحالة
أن ينتفع المالك باستثمار ماله وينتفع الفقير العاطل بالجد والعمل وينتفع
غيرهما ممن يتداول بينهما النقود وسلع التجارة من بقية أفراد الأمة؟
لا شك في أن ذلك من الأمور التي تحث الشريعة الإسلامية عليها وترغب فيها
ولكن بشرط أن تتأكد الأمانة وحسن التصرف والصدق والإخلاص فإن ذلك أساس
اطمئنان أرباب
__________
لأنها مأخوزة من النحاس والبرونز وهما من عروض النجارة وبعضهم يقول إن
الفلوس يتعامل بها كالنقدين فهي من النقد لا من عروض التجارة فيصبح جعلها
رأس مال المضارية.
ثانيها: أن تكون معلومة القدر والجنس كمائة جنيه مصري أو ألف ريال مصرية
فلا تصح بالمجهول لما فيه من الغرر المفضي للتنازع.
ثالثها: أن يكون معيناً فلا يصح أن يقول له: ضاربتك على أحدى هاتين الصرتين
المتساويتين فإن قال له ذلك ولم يعين إحداهما في مجلس العقد فسد، وإذا قال
المالك: قارضتك على مائة جنيه في ذمتي ذم بينهما في مجلس العقد فإنه يصح
لأن الواقع في مجلس العقد مثل الواقع في نفس العقد. أما إذاكان له دين في
ذمة العامل أو في شخص آخر أجنبي عنهما فإنه لاتصح المضاربة عليه وكذلك
لاتصح المضاربة على المنفعة كأن يقول له: خذ هذه الدار وقم على تأجيرها
كلما خلت ولك نصف ما زاد على أجر مثلها.
(3/46)
الأموال ونجاح العمال فمن قال إنها سنة فقد
فرض أن التشريع إنما هو لجماعة المسلمين والمسلم الصحيح هو الامين الذي لا
يخون. الصادق الذي لا يكذب المخلص الذي لا يضمر لصاحبه سوءاً. وذلك الذي
يرتاح له صاحب المال معه من حفظ ماله واستثماره. فإذا لم يوجد ذلك المعنى
كان منهياً عنه فإن الإنسان لا يصح له أن يعطي ماله لخائن أو منذر أو سيئ
التصرف لأن المحافظة على المال واجبة وإضاعته منهي عنها، وبالجملة فغرض
الشارع الحث على المصلحة حيث كانت والتحذير من المفسدة أين وجدت ولهذا
الكلام بقية في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
وأول قراض وقع في الإسلام هو قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب
رضي الله عنهم وحاصل ما ورد من ذلك أن عبد الله وأخيه
خرجا في جيش العراق وكان أبو موسى الأشعري يومئذ أمير البصرة فنزلا عنده
فرحب بهما فرحب وأكرمهما وقال لهما إني أحب أن أعمل لكما عملاً ينفعكما لو
أقدر على ذلك ثم قال لهما إن عندي مالاً من قال الله أريد أن أبعث به إلى
أمير المؤمنين فخذاه سلفاً واشتريا به تجارة من العراق تبيعانها بالمدينة
ةتدفعان رأس المال إلى أمير المؤمنين وتنتفعان بريحه فرضيا بذلك وفعلا،
باعا فربحا فلما دفعا إلى أمير المؤمنين سألهما: هل أسلف أبو موسى كل الجيش
أو اختصكما أنتما به؟ فقالا بل اختصنا، فقال إنه قد فعل معكما ذلك لأنكما
ابنا أمير المؤمنين يريد أنه قد حاباهما وطلب منهما أن يدفعا رأس المال
وربحه إلى بيت المال فسكت عبد الله أما عبيد الله فقال له هذا لا ينبغي لك
يا أمير المؤمنين لأن المال كان في ضماننا ولو هلك لألزمتنا به قرض مضمون
وليس للمقرض أن يأخذ فائدة من المستقرض فلم يلتفت عمر إلى قوله
وأعاد ما قاله، فطلب منهما تسليم المال وربحه فرد عليه عبيد الله ثانياً
فقال رجل من الحاضرين لو جعلته قراضاً يا أمير المؤمنين، أي لبيت المال نصف
الربح ولهما نصفه، فقال: أجعله قراضاً وفعل ذلك.
مبحث في بيان ما يختص به كل من رب المال
والعامل
-يختص كل منهما بأمور لا يجوز له أن يتعداها وهي مفصلة في المذاهب (1)
__________
(1) الشافعية - قالوا: يختص العامل بما يأتي:
-1 - التصرف في البيع والشراء ولكن ينبغي له أن يتصرف تصرفا حسنا فلا يصح
أن يشتري سلعة بالثمن الذي يطن أنها تباع به بل لا بد من أن يترجح عنده أنه
سيربح فيها، لأن ذلك هو الغرض من المضاربة. وكذلك لا يصح له أن يبيع السلع
بثمن مؤجل غير مقبوض لأنه قد يضيع عند المدين
(3/47)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وفي ذلك ضرر على رب المال فله منعه عن البيع في هذه الحالة، أما إذا منعه
من البيع بثمن مقبوض فإن العقد يفسد وللعامل أن يبيع بثمن غير مقبوض بإذن
المالك فإذا أذنه المالك فإنه يصح بشرط أن يشهد على البيع أو يكتب الدين
فإن لم يفعل ذلك كان ضامناً لما باع به بحيث لو هلك لومه دفعه لرب المال.
وله أيضاً أن يشتري سلعة مؤجلة (سلماً) بإذن رب المال كأن يشتري عشرين
إردَبّاً من الحنطة ويستلمها في شهر كذا.
-2 - للعامل أن يبيع بعرض تجارة فإذا اشترى عشرين قنطاراً من القطن وأراد
بيعها بثياب منسوجة فإنه يصح لأن ذلك وسيلة للربح والعامل مختص بكل ما من
شأنه أن يفضي إلى الربح.
-3 - عليه أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد بها عيناً وكانت المصلحة في
ردها وليس للمالك أن يرضي بالعيب ويمنعه من الرد لأن له حقاً في المال
بعمله إلا إذا كانت المصلحة تقتضي إمساك السلعة لأن البيع لم ينقص فائدة
ربحها.
وفي هذه الحالة لا يكون للعامل الحق في ردها على المعتمد. نعم قد يقال إن
العمل كالوكيل المكلف بشراء سلعة فمتى وجد بها عيباً له الحق في ردها
مطلقاً فيصح أن يقال ذلك هنا ويكون ييعامل الحق في رد السلعة المعيبة سواء
كان عيبها يمنع الربح أولاً، ولكن الصحيح أن هناك فرقاً بين الأمرين لن
الغرض في المضاربة إنما هو الربح وحيث كان الربح غير ضار بالربح فلا يحق
للعامل ردها خلاف الوكيل في شراء سلعة فإنه مكلف بشراءها خالية من العيوب
فله الرد مطلقة.
ومن هذا يتضح لك أن المداتر على المصلحة فإذا كانت الصلحة تقتضي الرد وأراد
العامل إمساكها وأراد رب المال ردها نفذت إرادت رد المال فإذا لم تعرف
المصلحة بأن كانت الحالة مستوية الرد والإمساك فإن القول للعامل حينئذ لأنه
مباشر للعمل.
وليس له أن يعامل رب المال بأن يبيعه شيئاً من تجارة القراض، وليس له ان
يشتري بأكثر من رأس المال إلا بإذن صاحب المال فإن زاد بدون إذن كان ذلك
على حسابه فلا يحسب من مال القراض وليس للعامل أن يسافر بالنال بدون إذن
المالك فإن فعل كان عليه ضمانه وإن إذن له بالسفر فلا يصح له أن يسافر في
البحر الملح إلا بنص عليه اتقاء للخطر وليس له الحق في أن ينفق على سفره من
رأس المال على الأصح وقيل يصح الإنفاق بقدر ما يزيد على نفقاته كالكراء
والباس اللازم للسفر ونحو ذلك مما يقتضيه السفر في العرف ويحسب من الربح
فإن لم يحصل الربح فيعتبر خسارة. وهذا القول وإن كان ضعيفاً فإنه أقرب إلى
عرف التجار وأسهل في عمل التجارة، فلو شرطت نفقات السفر في العقد وعلى
العامل فعل ما يعتاد كطي الثوب ونشره ووزن الأشياء الخفيفة كالمسك والذهب
أما الأشياء الثقيلة كالقطن والحبوب ونحوهما فليس عليه وزنها وإنما يستأجر
على ذلك بحسب العرف ويدفع الأجرة من مال المضاربة.
أما الذي يفعله بنفسه فإنه لا أجر له عليه وإن استأجر عليه لزمته. أما
المالك فقد عرفت ما يختص به مما تقدم ومنه:
(3/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
-1 - أن له منع العامل من شراء متاع فإذا أراد أن يشتري بالمال قطناً مثلاً
فللمالك منعه ولكن الذي يمنع منه المالك إنما هو أن يشترط على العامل شراء
سلعة نعينة كما مرّ.
-2 - للمالك منعه من السفر.
-3 - للمالك منعه من البيع بثمن غير مقبوض.
-4 - للمالك منعه من معاملة شخص معين وليس له أن يشترط عليه معاملة شخص
معين.
وإذا فسدت المضاربة فلا تخلو إما أن يكون الفساد بسبب عدم أهلية المالك وفي
هذه الحالة لا ينفذ شيء من تصرفات العامل أصلاً. وإما أن يكون الفساد بسبب
فوات شرط من الشروط التي تقدمت وفي هذه الحالة ينفذ تصرف العامل لأن المالك
قد أذنه بالتصرف ويكون الربح جميعه للمالك وعليه للعامل أجرة المثل وإذا
اشترط المالك أن يكون الربح جميعه له وقبل العامل ذلك الشرط فإنه لا يكون
له أجرة في هذه الحالة.
وإذا اشترى العمل بغير مال القراض كأن أخذ سلعاً بثمن مؤجل في ذمته بذلك أن
يشتري لنفسه كان الربح له للمالك منه ولا أجر عليه.
الحنفية - قالوا: يختص المالك بأمور:
أولاً: له أن يقيد المضاربة بالومان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل المضارب
إلا في موسم البصل أو القطن أو لا يعمل إلا في الشتاء أو الصيف أو لا يعمل
إلا مدة سنة أو نحو ذلك.
ثانياً له أن يقيدها بالمكان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل إلا في مصر أو
اسكندرية أو نحوهما من البلدان.
ثالثاً: له أن يقيدها بالنوع فيصح له أن يشترط على المضارب أن لا يتجر إلا
في نوع القطن أو الحبوب أو الغنم أو نحو ذلك.
رابعاً: له أن يقيدها بالشيء فيصح له أن يشترط على المضارب ألا يعامل إلا
شخصاً معيناً فلا يبيع إلا لفلان ولا يشتري إلا من فلان.
وفي هذه الأحوال لا يصح للمضارب أن يخالف مما تقدم قيد به المالك فإن خالف
يعتبر غاصباً فإذا اشترى شيئاً بمال المضاربة يكون على حسابه ولا شك لرب
المال وعليه ضمان المال ولا أجرة له وإذا خالف شرطاً يمكن فيه الرجوع فيه
على المخالفة ثم رجع عادت المضاربة كما كانت. وذلك كما إذا اشترى من بلد
غير البلد الذي اشترطه رب المال فإنه إذا عاد واشترى من البلد المشروط عادت
المضاربة صحيحة.
وليس للمالك أن يشترط غير مفيد كما إذا نهاه عن البيع بثمن مقبوض فإن ذلك
الشرط لا يعمل به لأن فيه إضراراً بالربح والعامل شريك فيه نعم إذا كان
بيعه مؤجل مضموناً وفيه زيادة عن الثمن المقبوض فإن للمالك الحق في نهيه عن
البيع بالثمن المقبوض الناقص فإن فيه فائدة حينئذ. وإذا
(3/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
اشترط عليه شرطاً فائدته يسيره كما إذا شرط عليه أن يعمل في سوق من أسواق
مصر كأن قال له: اعمل في سوق روض الفرج مثلاً أو سوق مصر القديمة فإن هذا
القيد لا يعمل به إلا إذا نهاه عن العمل في غيره كأن قال له: لا تعمل في
سوق كذا لأن المالك له الولاية على ماله فإذا نهى العامل عن شيء لزمه تنفيذ
نهيه.
فإذا لم يقيد المالك المضاربة بالزمان والمكان أو غيرهما مما ذكر - وتسمى
هذه بالمضاربة المطلقة - فإن تصرفات العامل تنقسم فيها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن له الحق في عمل أشياء في مال المضاربة بجرد العقد من غير
توقف على تفويض المالك بأن يقول: اعمل برأيك ولا على إذن
صريح وهي أمور منها:
حق البيع والشراء لكل احد حتى ولو كان مما لا تقبل شهادته بالنسبة له بسبب
القرابة أو الزوجية والملك فيجوز أن يبيع لولده وزوجه ووالديه إلا أنه لا
يصح أن يبيع بغبن كبير لا لقريب ولا أجنبي فإن فعل ذلك كان مخالفاً حتى لو
قال له المالك: اعمل برأيك. وقد عرفت حكم من خالف شرطاً فإنه يعامل معاملة
المغصوب أما البيع والشراء بالغبن اليسير الذي يقع عادة منم الناس ولا يمكن
الاحتراز عنه وقيل يصح وقيل يمنع أيضاً.
ومنه أن يبيع ما اشتراه من عروض التجارة لرب المال ولكن رب المال في هذه
الحالة يكون مخير بين أن يدفع الثمن وتستمر المضاربة وبين أن لا يدفعه
ويحسبه من رأس ماله وتنقطع المضاربة أما إذا اشتر عرض تجارة من رب المال
بمال المضاربة فإنها تفسد.
ومنها أن يبيع بثمن حال ومؤجل إلى أجل متعارف بين الناس وفي مثل ذلك فإذا
باع بأجل طويل فقيل يصح وقيل لا.
ومنها: إذا باع لأحد سلعة فظهر للمشتري أن بها عيباً فإن للمضارب أن يحط
عنه من ثمنها ما يقابل مثل ذلك العيب عادة فإذا انقص له من ثمنها نقصاً
كثيرة لا يتناسب مع ذلك العيب كان على حساب المضارب نفسه ولا تفسد به
المضاربة.
ومنها: له أن يشتري عن مال المضاربة دابة لاستعمالها في شؤون التجارة ةليس
له أن يشتري سفينة مثلاً بالإذن.
ومنها أن يستأجر أرضاً ويشتري بذر من مال المضاربة كي يزرعها أو يغرس فيها
نخلاً فإذا فعل ذلك فإنه يصح والربح بينهما على حسب الشرط أما إذا اخذ
شجراً أو نخلاً لسعمل فيه مساقاتة من مال المضاربة فإنه لا يصح ويضمن
المضارب المال الذي أنفقه على ذلك حتى ولو تعرض له المالك.
ومنها أن له أن يسافر من مال المضاربة براً وبحراً وليس له أن يسافر سفراً
مخوفا يتحاما الناس عنه على المعتمد.
ومنها أن المضارب أن يوكل عنه غيره في البيع والشراء. ومنها أن له أن يدفع
مال المضارب
(3/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
بضاعة بأن يعطيه لمن يشتري بع عروض التجارة متبرعاً. وإذا أعطى المال
لصاحبه بضاعة وعمل فيه بالبيع والشراء فإنه يصح ويعتبر معيناً للمضارب
والشرط على حاله لا فرق
في ذلك بين أن يكون المال نقداً أو عروض تجارة، وإذا أخذ رب المال من منزل
المضارب بدون إذنه فإن كان نقداً فإن المضاربة تبطل. وإن كان عروض تجارة
المضاربة لا تبطل ولكن رأس المال ألفاً وباع رب المال عروض التجارة بالغبن
ثم اشترى (رب المال) بالألفين عرضاً يساوي أربعة آلاف فإنه يكون له وعليه
للعامل خمسمائة وهي نصف الربح الذي ربحه في بيع العرض الأول. وإذا دفع
المضارب المال لمالكه
مضاربة فإن المضاربة الثانية تفسد والمضاربة الأولى باقية على حالها فالربح
بينهما على ما شرطاً في المضاربة الأولى.
ومنها أن يدفع أن يودع مال المضارب عند من يجب. ومنها أن له أن يرهن مال
المضاربة ويرتهن به.
ومنها أن له قبول الحوالة بالثمن على المعسر لأن كل ذلك من لوازم التجارة
وصنيع التجارة.
القسم الثاني: أن له الحق في عمل أشياء بتفويض المالك بأن يقول له:
اعمل برأيك وهي أمور:
منها أن يتعاقد مع غيره مضاربة. ومنها أن يشترك مع شخص آخر.
ومنها أن يخلط مال المضاربة بمال نفسه أو بمال غيره إلا إذا كانت العدة في
تلك البلاد أن يخلط المضاربون أموالهم بأموال المضاربة وأرباب الأموال
يرضون بذلك فإنه يصح الخلط في الخلط في هذه ولو لم يقل له المالك: اعمل
برأيك أما إذا قال ذلك فإنه يصح له أن يعمل كل هذه الأمور.
القسم الثالث: أن له الحق في عمل أمور بإذن المالك الصريح بها. منها أن
المضارب ربما يملك أمرين بالإذن الصريح والاستدانة فلا يملكها بمجرد
المضاربة كله ثم يشتري غيرها ديناً وليس عنده من مال المضاربة شيء من جنس
الثمن الذي به ومثل ذلك ما اشترى تجارة بجميع المال ثم استدان لإصلاحها
فإذا اشترى ثياباً بمال المضاربة ثم استدان نصفها أو قتلها أو حملها كان
متطوعاً إذا أذنه المالك بذلك.
ومنها الإقراض فلا يصح له أن يقرض مال المضاربة إلا بإذن صريح من المالك.
المالكية - قالوا: الأعمال والشروط التي تصدر من المالك والعامل إلى ثلاثة
أقسام:
الأول: ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل في الربح إن وجد ربح فإن لم
يوجد ربح فلا شيء له. الثاني ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل المدكور
مضافاً إليه أجر المثل إن كان قد عمل عملاً زائداً على التجارة ولمثل ذلك
العمل أجر الثالث: ما يفسد العقد وللعامل أجر المثل
سواء خسر المال أو ربح.
(3/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لكل من المالك والعمل حدوداً لا يصح له أن يتعداها
فإذا خالفها وكانت من القسم الأول أو الثاني فإن المخالفة إذا عرفت أثناء
العمل لا يفسخ العقد ولا يوقف العمل بل يستمر العامل في عمله وله قراض مثله
مع أجرة عمله في غير التجارة إن كان قد عمل على الوجه المتقدم اما إذا كانت
المخالفة من القسم الثالث ثم عرفت أثناء العمل فإن العقد يفسخ ويوقف العقد
ويأخذ العامل أجر مثله فيما عمله سواء ربح أو خسر.
فاختصاص العامل الذي ليس للمالك أن ينقصه هو أمور:
منها أن له الحق في الاتجار بدون توقيت العمل بمدة كأن يقول امالك اعمل به
سنة أو اعمل به تبتدئ من الآن ولكن لا تعمل إلا بعد شهر فإن
شرط عليه ذلك وعمل فله قراض المثل بخلاف ما إذا حدد له وقت العمل كأن قال:
لا تشتر إلا في الصيف أو لا تبع إلا في الشتاء فإن ذلك يفسد والعقد وللعامل
أجر مثله وسيأتي.
ومنها أن له الحق في شراء النوع الذي يستمر وجوده في الأسواق فبيس للمالك
أن يشترط عليه شراء شيء يوجد تارة ويعدم تارة أخرى فإذا فعل ذلك وعمل
المضارب في التجارة فإن العقد يفسد وللعامل قراض المثل في الربح سواء اشتر
ما طلبه أو اشترى غيره على المعتمد،
وبعضهم يقول: إذا اشتر ما اشترطه عليه فلا يفسد العقد أما إذا اشترط عليه
شراء شيء يقل وجوده ولكنه موجود دائماً فإنه يصح.
ومنها أن للعامل الحق في أن يشتري السلعة التي يتجر فيها من مال القرض
بالنقد كما أن له الحق في بيعها كذلك بالنقد فليس لرب المال أن يشترط عليه
شراءها أو بيعها بالدين فإذا اشترط عليه ذلك فسد العقد وللعامل قراض المثل
في الربح أما الخسارة فإنها على العامل في هذه الحالة فإذا خسر المال أيضاً
وليس للعامل أن يبيع السلعة بالدين من غير إذن كما سيأتي من اختصاص رب
المال.
ومنها أن للعامل الحق في القيام على بيع السلع التي يشتريها بمال
القراضفإذا باع رب المال سلعة منها بدون إذن العامل لا ينفذ بيعها وللعامل
رده لأنه هو المباشر لحركة التجارة وهو الذي يقدر الظروف التي يربح فيها
منة بيع السلعة ومنها أن للعامل الحق في أخذ اللمال بدون ضامن فإذا شرط
المالك ضامناً يضمنه إذا هلك المال بلا تفريط فإن العقد يفسد وللعامل قراض
المثل في الربح.
أما إذا طلب ضامناً يضمنه فقد المال بسبب إهماله أو بتعديه فإنه لا يضر كما
تقدم.
وإذا تطوع العمل بالضامن فقيل يصح وقيل لا. فهذه الحقوق التي للعامل إذا
خولفت يفسد العقد وللعامل قراض المثل فقط. ويزاد عليها ما إذا اختلف
العاقدان (المالك والمضارب) في الربح بعد العمل وكانت مسافة الخلف بينهما
واسعة كأن قال أحدهما لي الثلثان فقال الآخر بل لك الثمن فإن في هذه الحالة
يكون للعامل قراض المثل دفعاً للنزاع وإن كان العقد صحيحاً على حاله. أما
إذا
(3/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
كانت مسافة يبنهما ضيقة بأن ادعى كل واحد منهما زيادة محتملة فإنه يعمل
بقول المضارب وإذا ادعى المالك فقط زيادة يعمل بقوله. كما إذا ادعى العامل
فقط. أما إذا كان الاختلاف قبل العمل فالقول للمالك على أي حال لأن العامل
لم يشرع في العمل بعد والعقد غير لازم فللمالك الحق في تعيين النصيب كما
يحب.
أما المسائل التي فيها المثل مع أجر المثل فهي متعلقة برأس المال وقد تقدمت
موضحة في مجترزات التعريف قريباً فارجع إليها إن شئت.
وأما الحقوق التي للعامل ويترتب على مخالفتها فساد العقد وفسخه بمعرفتها
أثناء العمل ويكون للعامل في هذه الحالة أجر المثل سواء ربح المال أو خسر،
فهي أمور:
منها أن يكون العامل منفرداً بالعمل فلا يصح للمالك أن يشترط وضع يده على
العامل فإذا اشترط ذلك وعمل العامل كان له أجر المثل وفسخ العقد أثناء
العمل، ومثل ذلك ما إذا اشترط العامل على رب المال أن يعمل معه.
ويستثنى من ذلك أن يشترط رب المال أن يعمل مع العامل خادم بنصيب من الربح
من غير أن يكون رقيباً على العامل بشرط أن يكون النصيب للخادم لا لسيده
وإلا فسد العقد.
ومنها أن يكون له الحق في أن لا يعمل شيئاً لم تجر به العادة كخياطة ثياب
التجارة وخرز الجلود المشتراة له ونحو ذلك فإذا وقع ذلك الشرط فسد العقد
وللعامل أجر المثل ومثل ذلك ما إذا اشترط عليه أن يزرع بمال القراض لأن
الزرع غير التجارة بخلاف ما إذا كلفه أن ينفق المال على الزرع فإنه يصح أما
الذي علىى العامل من ذلك فإنه هو ما جرت به العادة من الأشياء الخفيفة التي
لا تستلزم عناء كنشر الثياب للمشتري
وطيها، فإذا استأجر العامل على ذلك كانت الأجرة في ماله.
ومنها أن من حق العامل أن لا يشارك معه غيره في مال المضاربة فإذا اشترط
عليه المالك مشاركة الغير فسد العقد وللعامل أجر المثل.
ومنها أن من حق العامل أن لا يخلط مال المضاربة بماله فإذا اشترط عليه
المالك ذلك فسد العقد وله أجر مثله، أما إذا خلطه العامل بدون شرط فإنه
يجوز بشروط: أحدهما أن يكون المال مثلياً لا قيماً وقد يقدم بيانها في
مباحث البيع وأن يكون في الخلط مصلحة غير متيقنة وأن يكون الخلط قبل أن
يشتغل بأحدهما.
ومنها أن له الحق في الشراء والبيع في مكان أراد فإذا اشترط عليه المالك أن
لا يشتري إلا إذا وصل إلى بلد كذا وبعد بلوغه، يكون له التصرف في أي محل،
فسد العقد وللعامل أجر مثله.
ومنها أن له الحق في التصرف بدون مشاورة المالك فإذا اشترط عليه ذلك فسد
وله أجر المثل.
(3/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ومنها أن له الحق في الشراء من أي شخص فإذا اشترط المالك عليه أن يشتري من
شخص معين كأن قال له: لا تشتر إلا من فلان أولا تبع بفلان فسد العقد
وللعامل أجر المثل.
ومنها أن له الحق في بيع ويشتري في أي زمان فإن اشترط على العامل أن لا
يسافر بالبحر وأن لا ينزل منخفضاً كترعة وأن لا يسافر ليلاً. فإذا خالف
العامل واحداً من هذه الأمور الثلاثة فإن عليه ضمان المال بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون قادراً على التنفيذ فإذا كان في جهة وتعين عليه
النزول إلى المنخفض أو للسفر في البحر أو ليلاً مع الركب فإنه لاضمان في
هذه الحالة.
الشرط الثاني: أنه يضمن إذا تلف المال بسبب غير النهب والغرق فإذا نهب أو
غرق في البحر لا يضمن وكذلك إذا اجتاحته جائحة سماوية. أما إذا تلف بغير
ذلك كأن أصابه البلل من البحر فأفسده أو سقط عليه منه نازل من المنخفض
فتلف، أو اصطدم بشجرة لم يرها ليلاً فكسر فإن عليه ضمانه في هذه الحالة.
الشرط الثالث: أن يقع ذلك التلف وقت المخالفة فإذا تلف نعد الخروج من البحر
أو بعد الصعود من المنخفض أو بعدها انقضاء الليل الذي منع من السفر فإنه لا
يضمن وإذا تنازع العامل ورب المال في أن التلف وقع زمن المخالفة أو بعدها
فإن القول يكون للعامل فيصدق في ذلك.
ثانياً: له أن يشترط على العامل أن لا يشتري سلعة بعينها لقلة ربحها أو
لأنها تخسر وفي هذه الحالة يجب على العامل التنفيذ فإذا خالف كان عليه ضمان
المال مطلقاً حتى ولو نهب منه أو غرق في البحر أو اجتاحه جائحة سماوية.
ومنها أن للمالك منعه من السفر بماله قبل أن يشغل فيه فإذا منعه قبل ذلك
وسافر عليه ضممان المال.
ومنها أن له الحق في أن يشتري من العامل شيئاً من مال القراض بشرط أن يشتري
منه كما يشتري من الربح للمالك حقاً فيه.
ومنها أن الحق في منع العامل عن أن يشارك غيره بمال المضاربة فإذا شارك
العامل شخصاً آخر إذن المالك فسد العقد وعلى العامل ضمان المال إذا تلف.
ومنها أن له الحق أن يمنعه عن أن يبيع السلعة بثمن مؤجل فإذا فعل العامل
ذلك بدون إذن فسد العقد وعلى العامل ضمان المال وكذلك للمالك الحق في منع
العامل من أن يتعاقد مع غيره مضاربة في رأس مال المضاربة فإن فعل ذلك بدون
إذن رب المال فسد العقد وله أجر المثل.
ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أن يستعمل مال المضاربة في الإنفاق
على زرع بمكان
(3/54)
مبحث إذا ضارب
المضارب غيره
-إذا أعطى محمد مالاً لخالد ليتجر فيه مضاربة فأعطاه خالد لشخص ليتجر فيه
مضاربة بجزء من الربح فإن في ذلك تفصيلاً في المذاهب (1)
__________
ليست له فيه حرمة ولا جاه أو في الإنفاق على
مساقاة نخل بمكان ليست له فيه حرمة ولا جاه فإذا خالف العامل ذلك بأن اشترى
بذراً وآلة حرث وايتأجر أرضاً من مال اللمضاربة وزرعها فسد العقد وإذا فسد
العقد وإذا نهب الزرع أو سرق كان على العامل ضمانه.
أما إذا زرع في مكان له فيه جاه فإنه لاضمان عليه إذا سرق الزرع أو نهب
ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أخذ مال آخر من غيره مضاربة إن كان
يشغله عن العمل في مال له.
هذا ولا يجوز للعامل أن يشتري سلعاً للقراض بثمن مؤجل حتى ولو أذنه رب
المال فإن فعل كان ضامناً للمال الذي اشترى به وله ربحه وعليه خسارته ويكره
أن يشتري العامل من رب المال عروض تجارة حتى لا يكون ذلك احتيالاً على جعل
رأس المال عروض تجارة.
الحنابلة - قالوا: للمضارب الحق في أن يبيع ويشتري بجميع أنواع البيع
المتقدمة فيصح له أن يبيع مرابحه ومساومة ونحوهما وله الحق في المطالبة
بالدين واقتضاءه بالمخاصمة فيه وأن يحيل من له عليه دين على آخر عنده من
المضاربة وأن يقبل إحالة الغير عليه وأن يستأجر عيناً يستغلها من ذلك
المال. وله أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد فيها عيباً وله الإيداع
والرهن والارتهان، وله حق السفر مع أمن البلد والطريق فإذا سافر إلى جهة
يغلب فيها السلامة ضمن المال إذا كان يعلم بذلك، أما إذا لم يكن لديه علم
فإنه لا يضمن. وله أن يقر بالثمن أو ببعضه وبالنفقات اللازمة للتجارة كأجرة
الحمالين. وله أن يبيع بثمن مؤجل وإذا ضاع لا ضمان عليه إلا إذا باع لشخص
غير موثوق به أو إلى شخص لا يعرفه فإنه في هذه الحالة يكون مفرطاً فعليه
ضمان ما ضاع.
وليس له أن يضارب برأس مال المضاربة ولا أن يشارك فيه أحداً وليس كذلك أن
يخلط مال المضاربة أو بمال غيره وكذلك ليس له أن يبضع (والإبضاع هو أن يدفع
من مال المضاربة جزء إلى شخص يتجر فيه متبرعاً على أن لا يكون لذلك الشخص
شيء من الربح بل الربح للمضارب ورب المال) وليس له أن يقرض مال المضاربة
ويجب على المضارب أن يفعل ما جرت العادة به كنشر الثياب وطيها وختم النقود
ونحو ذلك.
وليس للمضارب أن يأخذ شيئاً من الربح إلا إذا سلم رأس المال لصاحبه، فإذا
اشترى سلعتين ربح في إحداهما وخسر في الأخرى ضم الربح إلى الخسارة.
(1) (الحنفية - قالوا: إذا ضارب العامل شخصاً فلا يخلو إما أن يكون ذلك
بإذن رب المال أو لا فإذا لم يكن بإذنه فسد العقد ولكن لا يضمن العامل إلا
إذا عمل فيه المضارب الثاني ففي المثال المذكور إذا أعطى خالد المال لشخص
ليعمل فيه المضاربة فهلك المال في يد ذلك الشخص قبل
(3/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أن يعمل فيه فإن خالداً لا يضمنه لأن دفع المال إيداع والمضارب يملك إيداع
المال فإذا عمل ذلك الشخص بالفعل تأكد كونه مضاربة وليس للعامل أن يضارب
غيره بدون المالك.
أما إذا عقد خالد مع غيره مضاربة فإنه لا ضمان عليه إذا هلك المال في يد
الشخص الثاني الذي تعاقد نعه وذلك لأن فساد العقد يجعل العامل أجيراً
والمضارب يملك من يعمل له في التجارة ويكون لذلك الشخص الثاني على خالد
أجرا مثله ولخالد نصيبه المشروط في الربح مع المالك ولو غصب المال من
المضارب الثاني كان الضمان على الغاصب وإذا استهلكه الثاني أو وهبه كان
الضمان عليه فقط.
أما إذا ضارب بإذن المالك بأن استأذن خالد محمداً في أن يعطي رأس مال
المضاربة أو بعضه لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فأذن له فإنه يصح ثم
إن كان محمد ضارب خالداً بقوله: ان ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا
بالنصف وضارب خالد الشخص الآخر بالثلث كان لرب المال الذي شرطه وللشخص
الثاني الثلث الذي شرطه له خالد ولخالد السدس فقط أما إذا قال له ما رزقك
الله بكاف الخطاب فإنه يكون للشخص الثاني الذي تعاقد معه خالد الثلث الذي
شرطه والباقي يقسم بين خالد وبين محمد نصفين وبين فيكون لكل منهما الثلث
ومثل ذلك ما إذا ما قال له ما ربحت من شيء فهو بيننا أو ما كان لك فيه من
ربح فأعطاه لغيره مضاربة فإن المضارب الثاني بأخذ الثلث المشروط وما بقي
يقسم بين المضارب الأول وهو خالد ورب المال نصفين فيكون لكل واحد من
الثلاثة الثلث وإذا قال يقسم لخالد: ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا
نصفين فأعطى خالد رأس المال لغيره مضاربة بنصف الربح أخذ المالك النصف
والمضارب الثاني النصف ولا شيء لخالد مطلقاً.
الشافعية - قالوا: أعطى العامل رأس مال المضاربة لشخص آخر ليتجر فيه مضاربة
فلا يخلو إما أن يكون ذلك بدون المالك أو يكون بإذنه فإن كان بإذن المالك
فهو على وجهين أحدهما: أن يكون المضارب الأول قد تعاقد مع الثاني على أن
يكون شريكه في العمل والربح وفي ذلك قولان قول بالفساد وهو الأول من الربح
بل يأخذه المالك وعليه أجر المثل للعامل الثاني للعامل الثاني لأنه عمل
بإذنه أما إذا عملا معاً فللأول من الربح بنسبة ما عمل والباقي للمالك وعلى
الأول للثاني أجر المثل فإذا
قصد الثاني إعانة الأول فلا شيء.
ثانيهما أن يكون المضارب الأول تعاقد مع الثاني على أن يعمل الثاني وحده
وفي هذه الحالة يكون العقد صحيحاً وينعزل المضارب الأول ولكن يشترط لصحة
العقد حينئذ أن يكون رأس المال مستوفياً للشروط التي تصح بها المضاربة كأن
يقول: نقداً لا عروض تجارة إلى آخر ما تقدم. أما إذا تعاقد العامل مع شخص
آخر مضاربة بدون إذن المالك فإن العقد الثاني يكون فاسداً.
فإذا اشترى الثاني شيئاً بمال المضارية أو باع أو نحو ذلك من العقود التي
يتولاها تقع
(3/56)
مبحث قسمة الربح في
المضاربة
-إذا ربح العامل في مال المضاربة شيئاً فإن قسمته بينه وبين رب المال
تفصيلاً في المذاهب (1) .
__________
باطلة لأنه فضولي لا لأن ثلثها على المال ويضمن ما تصرف فيه لأنه كالغاصب
وللعامل الأول نزع المال الذي أعطاه للثاني والعمل فيه بالعقد الأول بينه
وبين المالك صحيح.
أما إذا اشترى شيئاً ولم يدفع ثمنه من مال بل بثمن مؤجل في ذمته وكان ذلك
الشرط للعامل الأول فإن يكون للعامل الثاني أجر المثل على العامل الأول أما
إذا اشترى لنفسه فإن له الربح فإن الربح ولا شيء له على العامل الأول.
المالكية - قالوا: إذا تعاقد مع شخص آخر مضاربة فإن كان ذلك بإذن رب المال
فهو صحيح وإن لم يكن بإذنه فهو فاسد فإذا أعطى محمد لخالد مالاً ليتجر فيه
بجزء من ربحه فأعطاه خالد لشخص آخر ليعمل فيه مضاربة بدون إذن محمد كان
ضامن المال على خالد فإذا هلك المال أو خسر كان عليه أن يرده لصاحبه أما
إذا ربح المال فإنه لا شيء لخالد أيضاً وإنما الربح يكون بين العامل الثاني
وبين رب المال وإذا تعاقد خالد مع محمد على أن يكون له النصف في الربح ثم
تعاقد مع شخص آخر بدون إذن محمد على أن يكون له الثلثان فإن الربح يكون
العامل الثاني وبين رب المال مناصفة ويضمن خالد للعامل الثاني ما بقي من
الربح الذي اشترطه فعليه أن يكمل له النصف إلا الثلثين حسب الشرط. وإذا
تعاقد الشخص مع ذلك الشخص بأقل مما له كأن جعل له الثلث مع أن له النصف لا
يستحق خالد شيئاً بل يكون الربح للعامل ورب المال فيأخذ العامل الثاني الذي
شرطه له والثلثان يأخذهما رب المال ولا شيء الأول وهو خالد.
فإذا لم يربح المال فلا شيء للعامل الثاني مطلقاً لأن القاعدة أن العامل لا
يستحق إلا في الربح فإذا انعدم الربح فلا شيء له.
الحنابلة - قالوا للعامل أن يضارب في المال إذن رب المال فإذا فعل فسد
العقد أما أذنه يجوز له أن يضارب به ويقع تصرفه المضارب الثاني صحيحاً) .
(1) (الحنفية - قالوا: لاتصح قسمة الربح قبل أن يقبض صاحب المال رأس ماله
فإذا قسم الربح قبل ذلك وقعت القسمة موقوفة فإن قبض المالك رأس المال صحت
وإلا بطلت القسمة، فإذا عمل المضارب في رأس المال فربح مائة فأعطى لرب
المال خمسين وهو قد أخذ خمسين كانت القسمة موقوفة فإذا قبض رب المال من رأس
ماله صحت وإلا كانت القسمة باطلة ويحسب مبلغ الخمسين الذي أخذه رب المال من
رأس ماله ويلزم العامل أن يدفع له الخمسين التي أخذ على أنها من رأس المال
فإن تصرف فيها وأضاعها فعليه أن يرد مثلها حتى يتم لرب المال رأس ماله
والمال الذي
(3/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
يبقى في يد المضارب وهو الربح فيقتسمانه وإذا هلك في يد أو نقص المضارب لا
يضمن لأنه أمين على الاثنين كما تقدم.
وإذا قسم الربح وبقي رأس المال في يد المضارب ففسخ عقد المضاربة ثم جدد عقد
مضاربته آخر فإن الربح الذي قسم تنفذ قسمته ولا يرد بعد ذلك.
وإذا أنكر المضارب رأس المال ثم أقر بعد ذلك بمائة كان عليه ضمان المال
وإذا اشترى بعد الإقرار فاقياس أن يكون مشترياً لنفسه والاستحسان أن تكون
المضاربة باقية ولا ضمان على العامل.
الشافعية - قالوا: يصح قسمة الربح قبل أن يقبض رأس المال إلا أن الربح إذا
قسم قبل بيع جميع السلع وقبل أن يصبح رأس المال (ناضاً) أي يتحول عن عروض
تجارة إلى نقد ملك الربح لا يستقر فلو حصل بعد القسمة خسارة في رأس المال
جبرت بالربح فيرد الجزء الذي أخذه العامل منه وبحسب الجزء الذي أخذه رب
المال من رأس المال وهل العامل يملك حصة من الربح بمجرد أنه يملكها بمجرد
ظهور الربح على أنك عرفت أن الماك لا يستقر إلا بعد أن تباع السلع ويتحول
رأس المال إلى نقد، ولم تقع خسارة فيه، ولا جبرت الخسارة من الربح فيرد من
العامل في هذه الحالة.
وإذا استرد المالك شيئاً من ماله ظهور والخسارة فإنه لا يضر ويبقى رأس
المال ما بقي بعد ذلك. أو لو استرد شيئاً بعد ظهور الربح فالمردود يحسب من
رأس المال ومن الربح بنسبة ماله فإذا كان المال مائة والربح خمسون له نصفها
فاسترد خمسة وسبعين مثلاً وتحسب من رأس المال وخمسة وعشرون نصف الربح الذي
يستحقه.
المالكية - قالوا: القاعدة في رأس المال إذا خسر منه شيء بالعمل فيه
أو تلف بآفة سماوية أو سرقة لص فإن الخسارة تجبر من الربح بمعنى أن الباقي
بعد التلف أو الخسارة يكمل بالربح ثم إن زاد شيء بعد ذلك يقسم بين المالك
والمضارب بحسب الشرط الذي دخلا عليه، فإذا قسم
الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي دخلا عليه،
فإذا قسم الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي
أخذ من الربح، ويكمل به رأس المال في حال الخسارة. أما إذا قبض المالك رأس
المال من العامل بعد الخسارة أو التلف ثم أعاده له
ثانياً ليعمل فيه مضاربة فإنه لا يجبر بالربح بعد ذلك لأنه مضاربة جديدة
وكذلك إذا تلف المال جميعه فأعطاه المالك مالاً جديداً فربح فإن ربحه
الجديد لا يجبر المال التالف لأنه مضاربة أيضاً.
وإذا تلف بعض المال وأراد المالك أن يسد ذلك العجز الذي وقع بإعطاء العامل
مبلغاً قدر الذي تلف فإن كان التلف قد وقع بعد العمل فإن العامل يلزمه
بقبوله كما يلزم قبول بدل المال إذا تلف كله، أما المالك فلا يجبر سد العجز
على أي حال.
الحنابلة - قالوا: لا يستحق المضارب شيئاً من الربح حتى يستلوم رأس المال
إلى صاحبه
(3/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
والخسارة تجبر من الربح فإذا اشترى متاعاً ربح فيه ثم اشترى صفقة أخرى فخسر
فيها حل الربح محل الخسارة ولا يحسب شيء من الخسارة على رأس المال فإذا قبض
رأس المال ثم رده للعامل مرة أخرى ليعمل فيه مضاربة فربح فيه فإن ذلك لا
يجبر خسران ما قبله، لأن هذه مضاربة جديدة ويقوم مقام القبض بالفعل أنة
تباع كل السلع ويصير رأس المال نقداً أو فضة وهذا معروف في زماننا (بتصفية
التجارة) ويعبر عنه الفقهاء بأن رأس المال صار ناضاً (ومعنى ناضاً في
اللغة) تحول المتاع إلى نقد فإذا تحاسبا بعد ذلك واقتسما الربح ولم يقبض رب
المال ماله واتفق معه على أن يعمل فيه مضاربة فربح فإن ذلك الربح لا يجبر
الخسران السابق) .
(3/59)
|