الفقه
على المذاهب الأربعة مباحث الشركة
تعريفها وأقسامها
-الشركة (بكسر الشين وسكون الراء) وقد تفتح الشين وتكسر الراء، ولكن الأول
أفصح حتى قال بعضهم إنه لم يلبث فيها غيره، ومعناها لغة خلط أحد المالين
بالآخر بحيث لا يمتازان عن بعضهما. وأما معناها في الاصطلاح فهو يختلف
باختلاف أنواعها لأن الشركة تتنوع إلى شركة مفاوضة وعنان وأبدان، ووجوه ذلك
وفي ذلك تفصيل المذاهب (1)
__________
(1) الحنفية - قالوا: تنقسم الشركة أولاً إلى قسمين شركة ملك وشركة عقود
فأما شركة المالك فهي عبارة عن أن يتملك شخصان فأكثر عيناً من غير عقد
الشركة. وأما شركة العقود فهي عبارة عن العقد الواقع عن أن يتملك شخصان
فأكثر عيناً من غير عقد الشركة. وأما الشركاء لصاحبه شاركتك في كذا ويقول
الآخر: قبلت، وذلك هو المعنى العام الذي يتناول جميع أقسام شركة العقود
وسيأتي تعريف كل قسم على انفراده فيما يأتي.
ثم إن شركة الملك تنقسم إلى قسمين شركة جبر وشركة اختيار فشركة الجبر هي أن
يجتمع شخصان فأكثر في ملك عين قهراً كما ورثا مالاً أو اختلط مال أحدهما
بمال الآخر قهراً بحيث لا يمكن تمييزهما مطلقاً كاختلاط قمح أو يمكن بمشقة
وصعوبة كاختلاط شعير بقمح أو أرز بشعير.
وأما شركة الاختيار فهي أن يجتمعا في ملك عين باختيارهما كما إذا خلطا
مالهما باللاختيار أو اشتريا عيناً بالاشتراك أو أوصى لهما بمال فقبلاه فإن
ذلك كله ملك باختيار الشريكين وركز شركة الملك اجتماع النصيبين فمتى اجتمع
نصيب شخص مع نصيب آخر تحققت شركة الملك.
ويتعلق بشركة الملك مسائل (الأولى) إذا اشترك اثنان في ملك أرض زراعية وغاب
أحد الشريكين فإن للآخر أن يزرع الأرض كلها بقدر المدة التي انتفع فيها
شريكه على المفتى به لأن الشريك الغائب يرضى بما ينفع أرضه عقلاً وإن لم
يأذن في الزرع وله الحق في أن ينتفع كما انتفع شريكه.
أما إذا كان الزرع يضر الأرض أو كان تركها بدون زرع أنفع لها لكونه يزيد في
قوتها فليس للحاضر أن يزرع فيها زرعها شيئاً أصلاً في هذه الحالة يكون حكمه
حكم الغاصب فإذا حضر الغائب أأصلاً فإذا زرعها في هذه الحالة ولم يقر الزرع
بل أراد قلعه فإن له أن يقسم ويأخذ الأرض نصيبه منها ويقلع
(3/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الزرع الذي بها كما يجب وما وقع في نصيب الشريك الذي زرع الذي يترك لشريكه
قيمة ما نقصته الأرض بالزرع في نصيب شريكه تعويضاً له لأنه غاصب بالنسبة
لذلك النصيب، هذا إذا كان الزرع صغيراً يصح قلعه، أما إذا استوى أو قرب من
الاستواء فإنه لا يصح قلعه وعلى الزراع أن يدفع لشريكه قيمة ما نقصته في
نصيبه تعويضاً ويأخذ زرعه.
(الثانية) إذا اشترك اثنان في دار للسكنى وغاب أحدهما فإن لشريكه أن يستعمل
كل الدار في سكنه إذا كان ذلك الاستعمال ينفعها ولم يخربها الترك أما إذا
لم يكن كذلك فإن للحاضر أن يستعمل ما يخصه منها فقط بأن يقسم حجرها أو
شققها ويسكن فيما يخصه أو يسكن مدة ويتركها مدة أخرى بنسبة نصيب كل منهما.
وبالجملة فكل تصرف يقع من الشريك الحاضر في مصلحة نصيب الغائب فإنه ينفذ
وكل ترف يضر به لا ينفذ ويكون الحاضر أن لا يلاحظ ما ينتفع شريكه على أي
وجه من الوحوه ثم إذا سكن أحد الشريكين في دار بينهما وخربت بالسكن كان على
الساكن تعميرها.
(الثالثة) إذا خلط أحد الشريكين ماله بمال الآخر برضاه كما إذا كان لكل
منهما صبرة من القمحب فاتفقا على خلطها أو اختلط مال أحدهما بمال الآخر
بدون إرادتهما كما إذا وضع كل منهما قمحه في مخزن ملاصق للآخر فسقط الحاجز
فاختلطا فإنه في هذه الحالة لا يصح لكل مهما أن يبيع نصيبه بدون إذن الآخر
وذلك لأنه في هذه الحالة يكون منهما مالكاً لكل حبة من حبات قمحه كاملة فلا
يصح أن يبيع مشاعاً إلا بعد الفرز والقدرة على تسليمه بخلاف ما إذا ورث
اثنان قمحاً فإن كلاً منهما يملك نصيبه في الجميع شائعاً بدون إذن. أما إذا
خلط أحدهما قمحه بقمح الآخر بدون عمله فإن للذي خلط أن يبيع الجميع لأنه
بالخلط ملك نصيب الآخر وصار ضاكناً له بالمثل لأنه قد تعدى.
(الرابعة) أنه إذا اشترك اثنان في بناء دار مثلاً فلا يخلو إما أن تكون
الأرض ملكاً معاً، أو تكون ملكاً لأحدهم دون الآخر، أو تكون ملكاً لأجنبي.
فإن كانت ملكاً لهما فإنه لا يصح لأحدهما أن يبيع نصيبه في البناء لأجنبي
مطلقاً سواء أذن شريكه أو لم يأذن؛ وذلك لأن للبائع في هذه الحالة أن يطلب
من المشتري هدم البناء وإخلاء أرضه منه إذ ليس للمشتري سوى الأنقاض وذلك
الهدم يضر بالشريك الآخر، ومثل ذلك ما إذا كان البناء لشخص أن يبيع نصفه
لأن المشتري يطالب بالهدم ليأخذ الأنقاض التي اشتراها فيلحق الضرر بالبائع
فيكون البيع فاسداً وهل يصح للشريك أن يبيع نصف حصته في البناء لشريكه أو
لا خلاف؟ فقيل يجوز وقيل لا لأنه في هذه الحالة يصح للبائع أن يطلب من
لأحدهما دون الآخر فإنه لا يصح أحدهما أن يبيع نصيبه من الأجنبي لما في ذلك
الذي ذكر وهو أن المشتري هو الذي يملك الأرض أو الذي لا يملكها، وذلك لأن
الذي لا يملك ليس له حق البناء ولكن
(3/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الذي يملك أباحه إياه وما كان بطريق الإباحة فإنه يصح إزالته فإذا كان
البيع لصاحب الأرض فالأمر ظاهر وإذا كان لغيره فإنه يصح له أو للمالك
إزالته لأنه عرضة للإزالة.
أما إذا كانت الأرض ملكاً لغيرهما كأن مستعارة أو مستأجرة أو مغصوبة أو
موقوفة ثم اشترك اثنان في البناء عليها فإنه لا يجوز لأحدهما بيع بصيبه من
أجنبي لأن المشتري هدم البناء ليستولي على الأنقاض التي اشتراها وفي ذلك
ضرر بالشريك ويجوز لأحدهما أن يبيع نصيبه لشريكهإذا لم يترتب على ذلك ضرر
مثلاً إذا استعان شخصان أرضاً مدة معينة واشتركا في البناء عليها ثم مضت
المدة فإن لأحد الشريكين أن يبيع نصيبه للآخر لأنه لا يملك مطالبته بالهدم
لأنها ليست أرضه ولا علاقة له بها ومثل ذلك ما إذا كانت مستأجرة لمدة قد
انتهت تلك المدة بخلاف ما إذا كانت مدة الإيجارة لم تنته فإنه لا يجوز
البيع للشريك أيضاً لأنه يصح للبائع المستأجر أن يطالب بالهدم ليستلم الأرض
المؤجرة له إلا إذا أجره نصيبه قبل البيع. أما الأرض المغصوبة فإنه يصح بيع
كل واحد نصيبه لصاحبه وللأجنبي لأن البناء الذي عليها عرض للهدم في أي وقت.
وأما الأرض الموقوفة فإنه إذا اشترك اثنان عليها بعد تحريكها مدة طويلة على
رأي من يقول بجواز الحكر زمناً طويلاً فإنه يصح لكل منهما أن يبيع نصيبه
للأجنبي والشريك لأن المشتري يحل محل البائع في تحكير الأرض وفي نصيبه من
البناء فلا ضرر في ذلك على الشريك. وكذا إذا باع نصيبه قبل التحكير ثم حكرت
الأرض فإن البيع ينقلب صحيحاً لزوال علة الفساد وهي الضرر الذي يترتب على
الهدم.
(الخامسة) إذا اشترط اثنان في شيء لا يمكن قسمته كحمام وسفينة وبئر وآلة
لسقي الماء (ماكينة) أو آلة للطحن (وابور) أو غير ذلك مما تضيع منفعته
بالقسمة ثم احتاج لتعمير وأراد أحد الشريكين تعميره فامتنع الآخر فإنه لا
يصح له أن يعمره قبل أن يرفع الأمر للقضاء لأن يقضي في هذه الحالة يخبر
الممتنع عن العمارة فليس من المصلحة أن يتسرع ويستبد بالعمل بدون إذن
القاضي ما دام موقناً بأن القاضي سيلزم الشريك بالتعمير فإذا أمر القاضي
بالتعمير ولم ينفذ عجزاً أو نعتاً فإن القاضي يأذن من يريد التعمير بالعمل
ويمنع الرشيك من الانتفاع بالعين حتى يؤدي قسطه من التعمير على المفتى به
وهكذا في كل شيء لا يمكن قسمته فإن القاضي أن يجبر الممتنع مع شريكه فإذا
عمل أحدهما بدون إذن صاحبه أو أمر القاضي كان متطوعاً لا يرجع بشيء مما
أنفقه.
أما إذا اشتركا في شيء مضطراً في تعميره إلى الشريك الآخر كما إذا اشترك
اثنان في بناء على أن لأحدهما (الدور) الأعلى وللثاني الأسفل واحتاج الدور
الأعلى إلى ردم، فإنه وإن كان لكل منهما قسم من البناء مستقل به، ولكن
أحدهما بالآخر في التعمير.
وحكم هذا القاضي لا يجبر الشريك على التعمير فإذا عجز صاحب العلو من تلقاء
نفسه
(3/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وأنفق على الأسفل ما يحتاج إليه كان له حق الرجوع بما أنفقه على شريكه لأنه
مضطر للعمل معه ففي هذه الصورة لا يحتاج إلى القضاء ابتداء ولكن له الحق
فيما أنفقه في آخر الأمر.
ومثل ذلك كل ما يقبل القسمة ويكون أحد الرشكين مرتبطاً بالآخر في العمل معه
ارتباطاً قهرياً كحائط بين اثنين عليها سقف كا منهما فإذا انهدمت وكانت هذه
الحائط تقبل القسمة بأن كان أساسها عريضاً ويمكن قسمته بحيث يأخذ أحد
الشريكين نصفه ويترك النصف الآخر أو إذن القاضي فإن له حق الرجوع بما أنفقه
لأن الشريك الممتنع لا يجبر على البناء في هذه الحالة لأنه يمكن قسمة
الحائط.
ويجبر على القسمة إذا طلبها الشريك على المفتى به فإذا كانت الحائط ضيقة لا
تقبل القسمة فإنها تكون القسم الأول وهو ما يجبر فيه القاضي الشريك على
التمير فلا يصح له حينئذ أن يرفع الأمر للقاضي.
الوجه الثاني: أن لا يكون أحد الشريكين مضطراً في التعمير إلى الشريك الآخر
كما إذا اشتركا في دار يمكن قسمتها وتخربت فإن منهما حق قسمتها فإذا لنفرد
أحدهما بتعميرها من غير إذن الآخر كان متطوعاً وضاع عليه ما أنفقه في نصيب
شريكه.
واعلم أن القاضي لا يجبر الشريك على التعمير إلا في ثلاثة أمور:
الأول: أن يتعذر قسمة العين المشاركة بينهما كما تقدم.
الثاني: أن يكون الشريكان صغيرين ولكل واحد منهما رصي. فإذا اشترك صغيران
في حائط محمول عليها سقف كل منهما ثم اختلت فأراد أحد الوصيين بناءها
وامتنع الآخر فإن القاضي يجبر الممتنع عن التعميير سواء كانت الحائط تقبل
القسمة أو لا. بخلاف ما إذا كان الممتنع كبيراً كما تقدم فإن القاضي لا
يجبره إذا كانت تقبل القسمة لأن الكبير يعرف الضرر ورضي به. أما الصغير فلم
يعرفه وأراد الوصي إدخاله عليه فالقاضي يجبره في هذه الحالة. فإذا كانت
الشركة بين صغير وكبير وكان الضرر يلحق الكبير فإن وصي الصغير لا يجبر أما
إذا كان يلحق الصغير فإنه يجبر.
الثالث: أن يكون الشريكان ناظرين على العمل إما بالمال أو بالأبدان أو
بالوجوه وكل واحد من الثلاثة ينقسم إلى قسمين مفاوضة وعناناً فالأقسام ستة:
النوع الأول: الشركة بالمال وهي عبارة عن أن ينفق اثنان فأكثر على أن يدفع
كل واحد منهما مبلغاً من المال لاستثماره بالعمل فيه ولكل واحد من الشركاء
جزء معين من الربح وتنقسم شركة المال إلى القسمين المذكورين (مفاوضة
وعناناً) .
(3/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
القسم الأول: شركة المفاوضة في المال وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر
أن يشتركا في عمل بشرط أن يكونا متساويين في مالهما وملتهما ويكون كل واحد
منهما كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه فيما
له فلا تصح أن يكون مال أحد الشريكين شركة مفاوضة أقل من مال صاحبه ولكن
مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقداً فلا يصح أن يملك أقل
مال صاحبه ولكن ذلك مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقداً
فلا يصح أن يملك أحدهما ألف جنيه ويملك الآخر خمسمائة مثلاً فإذا تساويا في
ملك النقدين ولكن انفرد أحدهما بملك عقار، أو عروض تجارة، أو دور فإنه يصح
أن يكون تصرف أحدهما أقل من تصرف صاحبه فلا تصح بين صبي وبالغ ولا بين مسلم
وكافر ولا يخفى أن التساوي في التصرف يستلزم التساوي في الدين وإنما ذكر
لزيادة الإيضاح. وبعضهم يقول إنه تصح مع الاختلاف في الملة إلا أنها تكره.
ولا بد أن يتضمن العقد الكفالة والوكالة كما ذكرنا فلا تصح إن خلت من ذلك.
القسم الثاني: شركة العنان في المال وهي أن يشترك اثنان في نوع واحد من
أنواع التجارة كالقمح أو القطن، أو يشترك في جميه أنواع التجارة ولا تذكر
فيها فهي تتضمن الوكالة دون الكفالة فتجور بين المسلم والكافر. والصبي
والمأذون له في التجارة والبالغ الخ، ولا يشترط تساوي الشركاء في رأس المال
كما سيأتي.
فالفرق بين شركاء المفاوضة والعنان هو أن يكون كل واحد من الشريكين في
المفاوضة أهلاً للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين متفقين في الملة وأن
يكون رأس مالهما على السواء بخلاف شركة العنان فإنه لا يشترط فيها ذلك كما
عرفت.
النوع الثاني: شركة الأعمال وهي أن يتفق صانعان فأكثر كنجارين أو حدادين أو
أحدهما نجار والآخر حداد على أن يشتركا من غير مال أن يتقبلا الأعمال ويكون
الكسب بينهما على وحكم هذه الشركة أن يصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه
في تقبل الأعمال جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشر العمل أو لا.
وتنقسم شركة الأبدان إلى قسمين أيضاً وعناناً:
فالقسم الأول من شركة الأبدان مفاوضة هو أن يذكر فيها لفظ المفاوضة أو معنى
بأن يشترط الصانعان أن يتقبلا الأعمال على التساوي وأن يتساويا في الربح
والخسارة وأن يكون كل واحد كفيلاً عن صاحبه فيما يلحقه بسبب الشركة.
والقسم الثاني من شركة الأبدان عناناً: هي أن يشترطا التفاوت في العمل
والأجر بأن يقولا إن على أحدهما الثلثين من العمل وعلى الآخر الثلث مثلاً
والربح والخسارة بينهما على نسبة ذلك، وكذلك إذا ذكر لفظه عنان:
النوع الثالث: شركة الوجوه، وهي أن يشترك اثنان ليس لهما ولكن لهما وجاهة
عند الناس
(3/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
توجب الثقة بهما على أن يشتريا تجارة بثمن مؤجل وما يربحانه بينهما وتنقسم
شركة إلى قسمين أيضاً مفاوضة وعناناً.
فالقسم الأول: من شركة الوجوه مفاوضة هي أن يكونا من أهل الكفالة وأن يكون
بينهما نصفين وعلى كل واحد منها ثمنه وأن يتساويا في الربح ويتلقطا
بالمفاوضة ويذكرا معنى تقصيها فتتحقق وكالة كل واحد منها عن صاحبه فيما له
وكفالته فيما عليه.
القسم الثاني: من شركة الوجوه عناناً هي أن يفوت شيء من هذه القيود كأن لا
يكونا من أهل الكفالة أو يتفاضلا فيما يشتريانه كأن يشتري أحدهما ربع السلع
والآخر باقيها أو لم يذكر شيئاً يدل على المفاوضة.
فهذه هي أقسام الشركة، ولم يعد الحنيفية المضاربة قسماً من أقسام الشركة
لأنك قد عرفت أنها إنما تكون شركة إذا حصل ربح أما إذا لم يحصل ربح فتختلف
الأحوال التي عرفتها في بابها على المضاربة جاءت على غير القياس فلهذا
أفردت بباب وحدها بخلاف غيرها من أقسام الشركة فإنها على القياس وبعض
المذاهب عدها قسماً من أقسام الشركة نظراً لكونها شركة في الربح.
المالكية - قالوا: تنقسم الشركة إلى أقسام: شركة الإرث هي اجتماع الورثة في
ملك عين بطريق الميراث، وشركة الغنيمة وهي اجتماع الجيش في ملك الغنيمة
وشركة المبتاعين شيئاً بينهما، وهي أن يجتمع اثنان فأكثر في شراء دار ونحوه
وهذه الأقسام هي التي عبر عنها الحنفية بشركة الملك.
وحكمها عند المالكية لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف بغير إذن صاحبه فإذا
تصرف فقيل يكون كالغاصب وقيل لا فإذا زرع أحد الشركاء
في أرض مملوكة لهم أو بنى فيها فإن ورعه بقلع وبناءه يهدم على القول الأول
أما على الثاني فإن زرعه وبناءه يتركان وعليه كراء نصيب شريكه في الأرض وله
قيمة بنائه الذي بناه لشبهة الشركة.
ويتعلق بهذه الشركة فروع كثيرة:
منها: أنه إذا اشترك اثنان او اكثر في عقار لا يمكن قسمته كحمام وفرن وبرج،
ثم خرب ذلك العقار وأراد أحد الرشكاء تعميره فأبى الاخر فإنه يقضى على من
امتنع من التعمير بأن يعمر أو يبيع جميع حصته لشريكه الذي يريد التعمير ولو
كان يملك أكثر العقار أو يبيع لمن يعمر وقيل يقضى عليه بأن يبيع بعض حصته
التي تكفي التعمير ولكن أول أرجح لتقليل الشركاء.
ولا فرق أن يكون العقار الذي لا ينقسم بعضه ملك وبعضه وقف وأبى الموقوف
عليه أو ناظر الوقف التعمير فأنه يقضى بأن يعمره الشريك ويستوفي ما أنفقه
على عمارته من إراده ولمن قال أنه يباع منه بقدر الحاجة إلى التعمير لأن
الغرض تقليل الشركاء كما ذكر في بيع غير الموقوف نعم لا يقضى ببيع الوقف
إلا إذا لم يكن للوقف ريع يعمر منه ولم يوجد من يستأجره بأجرة معجلة سنين
تكفي لتعميره فإن وجد ذلك فإن لا يقضى ببيعه.
(3/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
هذا ولا يقضى بالبيع في الحالتين إلا بعد الأمر بالعمارة ويقضى بالبيع إذا
لم ينفذ الأمر بالتعمير ومنها:
أنه إذا اشترك اثنان مثلاً يملك أحدهما منها الطبقة السفلى (الدور الأسفل
ويملك الثاني الطبقة العلية (الدور الأعلى) ثم اختل الدور الأسفل أو ضعفت
جدرانه عن احتمال الدور الأعلى فإن الحاكم يأمر صاحب الدور الأسفل بأن يعمر
فإن لم يفعل يقضي عليه ببيعه لمن يعمر لا فرق بين أن يكون العقار ملكاً أو
وقفاً بالشروط المتقدمة.
وعلى صاحب الدور الأسفل حفظ الدور الأعلى من السقوط حال بناء الدور الأسفل
بتعليقه أو عمل دعائم تحفظه من السقوط ونحو ذلك.
وعليه أيضاً السقف لأنه متعلق به عند التنازع وليس على صاحب الأسفل أن يبني
سلماً يرقى عليه صاحب الدور العلى وكذلك ليس عليه البلاط الذي يوضع على سقف
الدور الأسفل فيقضى عند التنازع بالسقف
لصاحب الأسفل وبالبلاط لصاحب العلى أما (كسح) المرحاض الموجود في الدور
الأسفل المشترك بينه وبين الأعلى فيعمل فيه بالعرف فإن لم يوجد عرف فإنه
يقوم باشتراك بقدر الاستعمال على الظاهر وكذلك المراحيض الموجودة في البيوت
المستأجرة فإنه يعمل في كسحها وتنظيفها بالعرف فإن لم يوجد عرف فقيل على
المالك وقيل على المستأجر. واما طين المطر الذي ينزل في الأسواق فليس على
أصحاب (الدكاكين) رفعه إلا إذا جمعوه في وسط الطريق فأضر بالمارة فإن عليهم
في هذه الحالة كنسه.
ومنها: انه إذا اشترك اثنان في دار على أن يكون لأحدهما الدور الأسفل
وللآخر الأعلى ثم أراد صاحب الأعلى أن يبني (دوراً ثالثاً فإنه لا يمكن في
ذلك ويقضى عليه بعدم فعله إلا إذا كان البناء لا يضر بالدور الأسفل لا
حالاً ولا مآلاً ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والمعرفة بمثله. ومنها:
أنه إذا اشترك ثلاثة مثلاً في دار ثم تهدم وأراد أحدهم تعميره وامتنع
الآخران فإن له أن يعمرها ويستولي على إرادها جميعه حتى يخلص بما أنفقه ثم
يقتيمون الإراد بعد ذلك إلا إذا أعطوه ما أنفقه فإنه يصح له الاستيلاء على
الإيراد وحده بعد ذلك.
وله الاستلاء على الإيراد في أربه صور:
الأولى: أن يستأذن شريكاه بالعمارة فيمتنعا.
الثانية: أن يستأذنهما فيسكنا ثم يمتنعا أثناء العمارة.
الثالثة: أن يستأذنهما فيمتنعا ثم يسكتا عن رؤية العمارة.
الرابعة: أن يأذنوا له في العمارة ثم يمنعاه من قبل شراء المؤن التي يعمر
بها ثم عمر بعد منعهما وفيما عدا ذلك يكون ما أنفقه ديناً في ذمتهم.
ومنها: أنه إذا كان لأحد الجيران حائط متصلة ببيت جاره ويتوقف إصلاحها على
دخول عمل جاره فليس لجاره أن يمنعه من الدخول في داره لترميمها وإصلاحها،
فإذا امتنع يقطى عليه بتمكينه من غرز خشب ونحوها وبتمكينه من اخذ ثوب سقط
عنده أو دابة دخلت أو نحو ذلك.
(3/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وكذا إذا كان خزان مرحاطه في دار جاره فإنه يقضى له بإدخال العمال لكسحه
وللجار منعه من إدخال الطين والجص في داره وعليه أن يفتح نافذة في حائط
داره لإدخال ما يلزمه من ذلك حتى لا يقذر دار جاره.
ومنها: أنه إذا كان بين جارين حائط يستر أحدهما فأزالها صاحبها وانكشف بسبب
ذلك جاره فإنه يقضى على من أزالها لإعادة بنائها إلا إذا كان هدمها لخلل
فيها يخشى منها الضرر أو هدمت وحدها فإنه في هذه الحالة لا يقضى على صاحبها
بإعادتها ويقال للجار افعل ما يسترك إن شئت.
ومنها: إذا بنى أحد في طريق مشتركة بين الناس فإنه يقضى عليه بهدم ما بناه
ولم يضر بالمارة سواء كانت تلك الطريق نافذة أم لا فإن كانت لأحد الناس دار
يملكها فهدمت وصارت طريقاً فإن ملكه لا يزول عنها بذلك لا يمنع من البناء
فيها إلا إذا مضى زمن طويل (وقدره بعضهم بعشر سنين) فإنه لا يكون له حق
فيها حين إذن
ومنها: ألا يمنع الباعة من الجلوس بأفنية الدور ويقضى به وهي ما زاد على
مرور الناس في طريق واسعة نافذة إذا كان في جزء من اليوم أما إذا كان في كل
النهار فإنه يمنع ولا يقضى به على الرجح ومثله فناء الحانوت (الدكان)
ويمتنع الجلوس في أفنية الدور ونحوها لحديث لأن فيها ضياع للوقت وضرر
بالمارة.
وإن تنازع اثنان من الباعة في الجلوس بمكان فإنه يقضى للسابق منها ومثل ذلك
الجلوس في المسجد إلا إذا كان غير السابق يجلس فيه لتعليم العلم أو الإفتاء
فإنه يقدم على غيره استحساناً يعني أن الأفضل للسابق أن يترك ذلك المكان
للمدرس.
ومنها: أنه إذا فتح جار نافذة في حائط بيته بينه وبين جاره وكانت تلك
النافذة تكشف جاره بان يرى وجوه سكانها فإنه يقضى عليه بسدها وإزالة
معالمها بحيث لا يبقى لها أثر يمكن الاحتجاج به.
أما إذا كانت النافذة لا تلرى منها الوجوه أو على المزارع والحيوانات فإنه
لا يأمر بسها إذ لا ضرر منها وليس ببجار أن يطلب سد نافذة مضى عليها عشر
سنوات وهو ساكت.
ومنها: أن للجيران منع إحاث ما يتصاعد منه دخان يضر بهم وبمساكنهم كبناء
حمام بجوارهم أو مطبخ أو فرن أو نحو ذلك وكذلك لهم منع إحداث ما تتصاعد منه
رائحة كرية كمدبغة ومسمت ونحوهما.
ومحل ذلك ما إذا حدث شيء من ذلك بعدهم. أما إذا كان موجوداً من قبل ودخلوا
عليه فليس لهم منعه.
ومنها: أن للإنسان أن يمنع من إيجاد الجرين (الجرن) عند منزله لأنه يتضرر
بالتين الحاصل من التذرية ومثل البيت في ذلك الحانوت (الدكان)
(3/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وكذلك يقضى بمنع إحداث ما يضر بجدار البيوت كرحا ومدق وبئر حاض واصطبل وأما
الحداد والنحاس والنجار فإنهم لا يمنعون به، ومثل هؤلاء الصباغ الذي يدق
القماش.
وكذلك يمنع إحاث مصطبة في مقابل باب المنزل (دكان) للبيع والشراء إذا كان
يضر بالسكان ويكشفهم. ولا يمنع مالك من فتح باب طريق نافذ إلى القضاء ولو
كان في مقابل باب جاره.
وكذلك لا يمنع من بناء ما يحجب الضوء أو الشمس عن داره وله أن يمنع من
إحداث ما يمنع الضوء والشمس المحتاج خشبة فيه لأن ذلك من مكارم الأخلاق.
وأما أقسام الشركة المشهورة غير ما ذكر فهي سنة:
مفاوضة، وعنان، وجبر، وعمل، ومضاربة، ولكل منها تعريف خاص.
وقد عرفها بعضهم تعريفاً تاماً فقال:
هي تقرر ملك متمول بين مالكين فأكثر. فقوله تقرر متمول معناه استقرار ملك
شيء له قيمة مالية بين مالكين فأكثر فلكل واحد أن يتصرف فيه تصرف المالك
خرج به تقرر شيء غير مالي كتقرر النسب والولاية فإن النسب الثابت بين اثنين
ليس شيء مالي فلا يتصرفان في النسب تصرفات الشركات.
وكذلك تقرر الولاية بين اثنين على مملوك فإنه لا يكون شركة وقوله بين
مالكين خرج به تقرر شيء مالي بين وصيين أو وكيلين فإن القاصر الموجود في يد
تصرفات الشركاء لأن ماله بينهما ليس مملوكاً لهما.
ويدخل في التعريف جميع لأنواع الشركة سواء كانت شركة إرث أو غنيمة أو شركة
مال ستعرفه في التعريف، وكذلك يدخل في التعريف شركة الأبدان باعتبار
الفائدة المالية التي تترتب لأنها تكون مملوكة بينهما.
وقد عرف بعضهم الشركة المالية التجارية بأنواعها بأنها عبارة عن إذن كل
واحد من الشريكين أو الشرطاء للآخر في أن يتصرف في مال يملكه على أن كلاً
منهما يتصرف لنفسه وللآخر فكل من الشريكين يعمل في مال الآخر لصاحبه ولنفسه
بخلاف الوكيل فإنه يعمل في مال الموكل خاصة. وأما تعريف كل قسم من أقسام
الشركة على حدة فإليك
بيانه:
فأما شركة المفاوضة فهي اشتراك اثنين فأكثر في الاتجار بماليين على أن يكون
منهما نصيب
(3/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
في الربح بقدر رأس المال بدون رأس ماله بدون تفاوت وأن يطلق كل من الشركاء
حرية التصرف للآخر في البيع والشراء ولاكتراء وأن يشتري في غيبته وحضوره
سواء اتفقا على أن يتجرا في نوع واحد كالقمح أو الشعير أو في جميع الأنواع.
وبعضهم يقول إنها إذا كانت في نوع واحد تكون عناناً لا مفاوضة لأن شركة
المفاوضة يجب أن تكون عامة في كل الأنواع ولا تفسد شركة العنان عندهم
بانفراد أحد الشريكين بمال غير مال الشركة فيصح أن تكون الشركة على ألف كل
منها خمسمائة وعلى أحدهما زيادة على الخمسمائة.
وأما شركة العنان فهي أن يشتركا على أن لا يتصرف أحدهما إلا بإذن صاحبه فإن
كل واحد مهما آخذ صاحبه يمنعه إذا أراد حتى لو تصرف أحدهما بدون إذن الآخر
كان له رده. وإذا اشترطا أن يكون لأحدهما التصرف المطلق دون الآخر فقيل
إنها تكون عناناً في المقيد ومفاوضة في المطبق. وقيل تفسد وهو الظاهر.
وأما شركة العمل (وهي المعروفة شركة الأبدان في بعض المذاهب) فهي أن يشترك
صانعان فأكثر على أن يعملا معاً ويقتسمان أجرة عملها بنسبة العمل بشرط أن
تكون الصنعة متحدة كحدادين. أو نجارين أو خياطين أو نساجين فلا يصح اشتراك
حداد ونجار ولا اشتراك صانع ونساج نعم يصح اشتراك صانعين تتوقف صنعة أحدهما
على صنعة الآخر كأن يشترك الذي يغوص في البحر لاستخراج اللؤلؤ مع صاحب
الزورق الذي يحمله ويمسك له. وأن يتساويا في العمل بأن يأخذ كل واحد بقدر
عمله من الغلة ويصح أن يزيد أحدهما على الآخر شيئاً يتعارفه الماس ويحصل
التعاون بينهما ولو كانا بمجلين مختلفين (كدكاكين) وإذا كان لكل منهما آلة
للبرادة أو الحدادة أو النجارة فإنه لا يجوز أن يعمل بها قبل أن يشتري كل
منهما نصف ألته بنصف الأخرى حتى يكون لكل منهما نصف إحداهما ملكاً أصلياً
والنصف الآخر بالشراء. وقيل يجوز والأول هو المعتمد.
وأما شركة الذمم فهي عبارة على أن يتعاقد اثنان على أن يشتريا شيئاً غير
معين بثمن مؤجل في ذمتها بالتضامن بمعنى أن كلاً منهما كفيل لصاحبه ثم
يبيعانه وما خرج من الربح فهو بينهما.
وأما شركة الوجوه عند المالكية فهي عبارة عن أن يتفق رجل ذو وجاهة مع رجل
خمل لا وجاهة عنده على أن يبيع الوجيه تجارة الخمر لأن وجاهته تحمل الناس
على الثقة به والشراء منه وله في نظير ذلك جزء من الربح وهي ممنوعة عندهم
أيضاً لأن فيها تغريراً بالناس فإذا وقع ذلك فعلاً كان للوجيه أجر المثل
أما المثل من اشترى من الوجيه فله رد السلعة وإمساكها بثمنها وإن كانت نفذت
فإنها بالأقل من القيمة.
وأما إذا وقع عقد شركة الذمم فإنه يعمل مع الشريكين بحسب ما اتفقا عليه من
الربح.
(3/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وأما شركة الجبر فهي عبارة عن أن يشتري شخص سلعة بحضرة تاجر اعتاد الاتجار
في هذه السلعة ولم يخطر بأنه بشتريها لنفسه خاصة ولم يتكلم ذلك التاجر فإنه
له الحق في أن يشترك فيها مع من اشتراها ويجبر من اشتراها على الشركة مع
ذلك التاجر.
والماكية: يقولون إن عمر رضي الله عنه قضى بهذا بالعرف في ذلك ويشترط فيها
ستة شروط ثلاثة في السلعة وثلاثة في الشخص الذي يريد الاشتراك فاما الشروط
الخاصة بالسلعة فهي أن تشتري بالسوق الذي تباع فيه عادة، وأن يكون شراؤها
للتجارة فإذا اشتراها للاقتناء أو ليجعلها أثاث منزله فإنه لا حق للغير في
أن يشاركه فيها وأن يكون الاتجار فيها بها في البلد الذي اشتريت به فإذا
اشتراها للسفر بها فإنه لا يجبر على الشركة فيها.
وأما الشركة المتعلقة بالشخص الذي يطلب فهي أن يكون حاضراً في السوق وقت
شراء السلعة.
وأن يكون من تجار تلك السلعة التي يبعث بحضرته وأن لا يتكلم وقت الشراء
وهناك شرط آخر يتعلق بالمشتري وهو أن لا يقول لهم إنني أشتري ولا أريد أن
أشارك أحداً فمن شاء أن يزيد فليفعل فإن قال ذلك فإنه لا يجبر الحاضر على
مشاركة المشتري إلا إذا طلب ذلك فقبل.
وأما شركة المضاربة فقد تقدم معناها وأحكامها في بابها فارجع إليها إن شئت.
الحنابلة - قالوا: تقسم الشركة إلى قسمين: شركة في المال. وشركة في العقود
فشركة المال هي اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق عين بإرث أو شراء أو هبة أو
نحو ذلك ولا فرق بين أن يملكا العين بمنافعها أو يملكا رقبتها دون منفعتها
أو منفعتها بدون رقبتها. وأما شركة العقود وهي المرادة هنا فهي اجتماع
اثنين فأكثر في التصرف وتنقسم شركة العقود إلى خمسة أقسام:
شركة العنان. وشركة الوجوه. وشركة الأبدان. وشركة المفاوضة وشركة المضاربة.
فأما شركة العنان فهي أن يشترك اثنان فأكثر بمالين على أن بعملا معاً في
تنميتها والربح بينهما على ماشترطا أو يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن
يعمل أحدهما فقط بشرط أن يكون للعامل جزء من الربح أكثر من ربح ماله ليكون
ماله الجزء نظير عمله فإن شرط له ربحاً قدر ماله فقط إيضاع لا يصح لأنه عمل
في مال الغير بدون أجر.
وأما شركة الوجوه فهي أن يشترك اثنان فأكثر في شراء تجارة بثمن في ذمتهما
اعتماداً على وجاهتهما التي توجب الثقة بهما ثم يبيعانه والربح بينهما
نصفين أو ثلاثاً أو نحو ذلك وهي في جائزة مطلقاً سواء عينا جنس ما يشتريانه
أو قدره أو قيمته أو لم يعنيا شيئاً فلو قال أحدهما لللآخر ما اشتريت من
شيء فهو بيننا صح.
وأما شركة الأبدان فهي أن يشترك صانعان فأكثر على أن يعملا بأبدانهما وما
يروقانه من الأجر فهو
(3/70)
مبحث أركان الشركة
-للشركة العامة أركان: العاقدان، والصيغة، والمحل - وهو شيئان: المال
والأعمال (1) .
__________
بينهما على ما اشترطا وهي جائزة مطلقاً سواء اتخذت الصفة أو اختلفت فيجوز
اشتراك نجار مع حداد ولكل واحد منهما أن يأخذ وللمستأجر أن يعطيها لأيهما
أراد.
ومن شركة الأبدان الاشتراك في تملك المباحثات كالاصطياد ولاحتطاب ونحو ذلك.
وأما شركة المفاوضة فهي الاشتراك في استثمار المال مع تعويض كل واحد لصاحبه
في الشراء والبيع والمضاربة والتوكيل والبيع والسعر بالمال والرهن
والارتهان والضمان وغير ذلك إلا إنه لا يصح أن يدخلا فيها الكسب النادر
كوجدان بقطة أو نحو ذلك.
وأما المضاربة فقد تقدم معناها.
الشافعية - قالوا: الشركة الجائزة نوع واحد وهي شركة العنان (بكسر العين)
وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك في مال للاتجار فيه ويكون
الربح بينهم على نسبة أموالهم بشرائط مخصوصة سيأتي بيانها.
أما أنواع الشركة المذكورة في المذاهب الأخرى فهي باطلة وهي ثلاثة أقسام:
الأول: شركة الأبدان وهي أن يشترك اثنان فأكثر يحترف واحد منهم حرفة ليعمل
كل منهما ببدنه وما يرزقهم الله من أجر يقسمونه وهذه ممنوعة سواء اتحدت
الحرفة كحدادين ونجارين أو اختلفت كحداد ونجار، فإذا وقع عقد شركة كهذه فإن
حكمه أن كل ما يحصله أحدهم من أجرة عمله وحده يختص به ولا يعطي منه شيئاً
لشريكه وما يعملانه معاً يوزع عليهما بنسبة مثل أجرة عمل كل منهما. مثلاً
إذا عملا معاً في بناء حائط يأخذ كل مهما أجرة مثل عمله التي يستحقها في
اليوم فلو كان أحدهما يستحق في اليوم عشرة قروش وزعت الأجرة عليها بهذه
النسبة.
الثاني: من أقسام الشركة الباطلة شركة المفاوضة وهي أن يتعاقد اثنان فأكثر
على الاشتراك بأموالهم من غير خلط المالين ببعضها قبل العقد أما إذا خلط
المالين ببعضهما قبل العقد فإنها لاتكون شركة مفاوضة بل تكون من شركة
العنان الجائز حتى ولو صرحا بالمفاوضة ونويا بها العنان فإنها تصح بعد
الخلط قبل العقد وكما تكون المفاوضة بالأموال تكون بالأبدان فقط أو
بالأموال والأبدان.
الثالث: شركة الوجوه وهي أن يشترك زجيهان فأكثر في شراء تجارة بثمن مؤجل
لوجاهتهما ليبيعونه والربح بينهما أو يشترك وجيه وخمل على أن يشتري الخمل
بماله ويبيع الوجيه بوجاهته ويبيع الخمل وكل هذه الأقسام باطلة.
(1) (الحنفية - قالوا: للشركة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأنه هو الذي
يتحقق به العقد وأما غيره من العاقدين والمال فهو عن ماهية العقد كما تقدم
في البيع وصفة الإيجاب أن يقول
(3/71)
شرط الشركة وأحكامها
-لشركة العقود شروط: بعضها يتعلق بالعاقدين. وبعضها يتعلق بالصيغة ويعضها
يتعلق برأس المال. وبعضها يتعلق بالربح، ولكل نوع من أنواع الشركة شروط
تتعلق به من ذلك بخصوصه وكلها مفصلة في المذاهب في أسفل الصحيفة (1) .
__________
أحدهما شاركتك في كذا وكذا ويقول الآخر قبلت ولا فرق في ذلك بين أن يذكر
نوعاً خاصاً كأن يقول له شاركتك في القمح أو القطن أو يذكر شيئاً عاماً كأن
يقول أنواع التجارة وإذا لم يذكر لفظ الشركة بأن قال أحدهما ما اشتريت
اليوم من أصناف التجارة فهو بيني وبينك، فقبل صاحبه فإنه يكون شركة.
ولكن ليس لأحدهما أن يبيع بدون صاحبه لأنهما قد اشتركا في الشراء ولم
يشتركا في البيع فلا يصح لأحدهما أن يتصرف بدون إذن الآخر.
ومثل ذلك ما إذا أقته بوقت كأن قال له ما اشتريت اليوم أو هذا الشهر فهو
بيني وبينك.
ولا يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا بالفظ فإذا دفع له ألفاً وقال له
أخرج مثلها واشترى تجارة والربح سيكون بيننا فأخذها وفعل بدون أن يتكلم
انعقدت الشركة وكيفية كتابة الشركة أن يقال:
هذا ما اشترك عليه فلان أو فلان، اشتركا على تقوى الله تعالى وأداء
الأمانة، وعلى رأس مال قدره كذا يدفعه فلان ورأس مال قدره كذا يدفعه
صاحبه وذلك كله في أيديهما يشتريان ويبيعان مجتمعين ومنفردين ويعمل كل
منهما برأيه ويبيع بالنقد وبالتأجيل فما كان من ربح فهو بينهما على قدر
رؤوس أموالهما وما كان من خسر أو تبعة فهو كذلك ثم يكتب التاريخ.
هذا هو النص الكامل لكتابة عقد الشركة، وإن كان بعضه غير لاوم مثل التنصيص
على أن كلاً منهما يبيع بالنقد وإلى أجل لأن ذلك يملكه بمجرد العقد نعم
بعضهم يقول إنه محتاج إلى إذن ولكنه ضعيف ثم إن اشترط الربح متفاوتاً وصحيح
فلا يلزم أن يقول وما كان من ربح فهو بينهما على رأس مالهما إلا صادف ذلك
اتفقا ولهما أن يفقا على أن يأخذ أحدهما من الربح أقل من رأس ماله فإن كان
ذلك فلينص عليه.
أما الخسارة فإنه يجب أن تكون بنسبة رأس المال فإذا اشترط أن يكون على
أحدهما أكبر من نسبة رأس ماله فسد العقد) .
(1) الحنفية - قالوا: الشروط المتعلقة بالشركة تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: يتعلق بجميع أنواع الشركة سواء كانت بالمال أو بغيره.
القسم الثاني: يتعلق بشركة المال سواء كانت معاوضة أو عناناً.
القسم الثالث: يختص بشركة المفاوضة بأنواعها.
القسم الرابع: يختص بشركة العنان كذلك.
(3/72)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
فأما الأول: فيشترط للشركة بجميع أنواعها أمران: الأول وهو متعلق بالمعقود
عليه أن يكون النعقود عليه قابلاً للوكالة فيه فإذا تعاهد اثنان على أن
يشتركا في الاصطياد أو الاحتطاب أو في جميع الحشائش المباحة وبيعها فإن
العقد لا يصح لأن هذه الأشياء مباحة فلا ينعقد فيها التوكيل لأن الحصول
يثبت لمن يباشرها فمن حطباً أو صاد سمكاً أو غزالاً أو غير ذلك فإنه يملكه
بمجرد الحصول عليه لغيره ملك يتصور أن يوكله في التصرف فيما يملكه منه.
ثانيهما: وهو متعلق بالربح أن يكون الربح جزءاً شائعاً معلوماً كالنصف أو
الثلث أو نحوهما فإن كان الربح مجهولاً أو معيناً بعدد يفسد فإذا قال
أحدهما شاركتك ولك جزء من الربح ولم يعين أو قال ولك عشرون جنيهاً من الربح
فإنه لا يصح أما الأول فلأن الجهالة في الربح توجب النزاع وأما الثاني فلأن
تعيين عدد من الربح يقطع الشركة إذ ربما لا يربح سوى هذا المبلغ فيأخذه أحد
الشريكين المشروط ولا يكون الثاني شريكاً فنتقطع الشركة حينئذ.
أما القسم الثاني: وهو متعلق بشركة المال سواء كانت عناناً أو معاوضة فهو
أمور:
أحدهما: أن يكون رأس المال من النقدين كالجنيه والريال فلا يصح العقد في
شركة المعاوضة ولا في شركة العنان إذا كان رأس المال تجارة أو حيوان أو من
المكيلات كالقمح والعدس أو الموزات كالسمن والعسل فإذا اختلط ما يملكه
اثنان من القمح ببعضهما فإن ذلك سيكون شركة ملك كما تقدم والربح بينهما
بنسبة ما يملكان والخسارة تكون عليهما بتلك النسبة أما إذا كانا من جنسين
مختلفين وشعير فالثمن يكون بينهما على قدر قيمة ما يخصه يوم بيعه ومثل عروض
التجارة قطع الذهب والفضة التي لم تضرب (تختم بختم الحاكم) إلا إذا جرت
معادة بالتعامل بها فإنه يجوز أن يجعل رأس مال الشركة المالية على الصحيح.
أما المصنوغ من الذهب والفضة كحلي النساء وخلاخلهن فإنه كالنحاس والبرنز
فإنه يصح جعلها رأس مال الشركة إذا كان يتعامل بها كما تقدم في المضاربة.
على أنه يصح أن يجعل عروض التجارة رأس مال الشركة بحيلة وهي أن يبيع كل
واحد منهما نصف ما يملكه الآخر ثم يخلطان ما يملكانه ببعضهما فيكون شركة
ملك بحيث لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الاخر إلا بإذنه ثم تعاقدان على
شركة المفاوضة فيقوض كل منهما لصاحبه أن يتصرف.
ثانيهما: أن يكون رأس المال حاضراً عند العقد أو عند الشراء فلو دفع
دفع مائة جنيه لشخص وقال له ادفع مثلها واشتر بها وبع صح فإن العقد لا يصح.
ثالثها: أن يكون رأس مال الشركة ديناً فإذا كان لشخص دين على آخر وقال
شاركني على أن
(3/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
رأس المال الذي أدفعه هو الدين الذي لي عند أو عندك فإنه لا يصح لأن الدين
مال غائب وقد عرفت أن الشرط حضور المال.
وأما الشروط المختصة بشركة المفاوضة فهي أمور:
منها: أن يكون رأس مال الشريكين أو الشركاء على السواء بأن يكون قدر ما
يدفعه كل واحد مساوياً لما يدفعه الآخر فلا يصح في المفاوضة أن يدفع أحدهما
مائة جنيه والآخر خمسين جنيهاً فإن كان رأس مال أحدهما مخالف لرأس مال
صاحبه بأن دفع أحدهما ذهباً والآخر فضة وجب أن يكون كل منهما مساوياً للآخر
في القيمة فإنه يجب أن يكون كل منهما مساوياً للآخر في القيمة فإذا دفع
أحدهما عشرة جنيهات مصرية مثلاً وجب أن يدفع الآخر خمسين ريالاً من الفضة
أو مائة قطعة من ذات العشرة قروش وهكذا.
ومنها: أن لا يكون لأحدهما من المال الذي تنعقد به شركة المفاوضة شيء مدخر
بل ينبغي له أن يخرج كل ماله. فإذا كان معه ألف جنيه فلا يصح أن يعقد شركة
مفاوضة مع غيره بخمسمائة بل ينبغي أن يعقدها بالألف فإذا عقدها بأقل مما
يملك من المال كانت شركة عنان لا مفاوضة ويجوز أن يملك أحدهما عقاراً أو
دوراً فسدت وصار عناناً ولو كان لأحدهما وديعة من النقدين عند شخص زائد على
رأس مال المفاوضة فسدت المفاوضة وهذا الشرط يتعلق الشرط برأس المال.
ومنها: أن يكون كل من الشريكين أهلاً للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين
متفقين في الملة كما تقدم وهذا الشرط متعلق بالعاقدين.
ومنها: أن تكون الشركة عامة في جميع أنواع التجارة فلا يصح تخصيصها بنوع
واحد كالقطن أو القمح أو نحو ذلك وهذا الشرط متعلق بالمعقود عليه.
أما الأحكام شركة المفاوضة فهي أن كل شيء يشتريه أحد الشريكين كان على
الشركة كإطعام أهله وإدامه وكسوته. وكذلك المتعة والنفقة والاسئجار للسكنى
والركوب للحاجة كالحج وغيره فإن كل ما يشتريه أحدهما مما يتعلق بذلك خاصاً
به ومع ذلك فإن الآخر يكون كفيلاً عنه حتى أن لصاحب الكسوة والطعام ونحو
ذلك ما ذكر أن يطالب الشريك الآخر الذي لم يشتر وعليه أن يؤدي ويرجع على
شريكه بما يستحقه فيما دفعه من مال الشركة.
ولا يشرك أحدهما الآخر فيما ورث من ميراث ولا حصل عليه من جائزة سلطانية
ولا هبة ولا صدقة ولا هدية.
وإذا كان لأحد الشريكين شيء مملوك قبل عقد الشركة فليس للآخر شيء إذا اشترى
أحدهما جملاً بشرط الخيار ثم تعاقد مع صاحبه على شركة المفاوضة ثم أسقط
خياره فإن الجمل يكون له وحده وليس لشريكه فيه نصيب.
(3/74)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وإذا أودع أحدهما وديعة كانت عند الآخر وإذا كان يعمل أحدهما في مال مضاربة
ما يخصه من الربح بينه وبين شريكه شركة مفاوضة.
وإذا ثبت في ذمة أحدهما دين بتجارة وشبهها كان الآخر متضامناً فيه ويشبه
التجارة الغصب والاستهلاك والوديعة الموجودة أو المستهلكة والعارية لأنه
إذا غصب أحدهما شيئاً كان ضامناً له والضمان يفيد له تملك الأصل المغصوب
فيكون الشريكان مفاوضة متضامنين في أدائه ومثل الغصب الوديعة فإذا أودع شخص
عند أحد أحد الشريكين وأنكره أو استهلكه كان ضامناً كالتجارة ومثل ذلك
العارية وكذلك إذا كفل أحدهما شخصاً على مال بإذن صاحبه فإن شريكه يكون
ضامناً معه في دفع ذلك المال.
اما إذا كفل أحدهما شخصاً بنفسه بأمر صاحبه أو كفله بدون إذنه فغن الشريك
الآخر لا يلزم بذلك.
وخرج ما لزم أحدهما مما لا يشبه التجارة كالدين المهر والخلع والجنابة
والصلح عن دم العمد والنفقة فإن كل ذلك لا يضمن فيه الآخر.
هذا ولا تبطل الشركة بالشرط الفاسد عند الحنفية وإنما يبطل الشرط فلو
اشتركا في شراء حيوان أو عروض تجارة على أن يبيعه أحدهما دون الآخر لم تفسد
الشركة ولا يعمل بالشرط. وكذلك إذا اشتركا على أن يدفع أحدهما المال وحده
فإن الشرط يكون فاسداً والعقد صحيح وهكذا كل شرط فاسد فإنه لا يفسد العقد
ولا يعمل به.
المالكية - قالوا: الشروط التي تتعلق بالعاقدين ثلاثة وهي: الحرية فلا تصح
بين رقيق وحر ولا بين عبدين إلا إذا كان مأذوناً له بالتجارة من سيده فإنه
يكون في حكم الحر. والرشد فلا يصح بين سفهين أو سفيه ورشيد. والبلوغ فلا
تصح من صبيين ولا من صبي وبالغ فإذا اشترك صبي مع بالغ فلا ضمان على الصبي
ومثل ذلك ما إذا اشترك سفيه مع عاقل فإنه لا ضمان على السفيه ومثلها العبد
مع الحر. وهذه الشروط هي شروط صحة التوكيل والتوكل فلا يصح لشخص أن يوكل
غيره أو يتوكل عن غيره إلا إذا كان حراً بالغاً رشيداً.
وأما الصيغة فشرطها أن تكون بما يدل على الشركة عرفاً سواء كان بالقول أو
الفعل ومثال الأول أن يقول كل منهما اشتركنا على كذا أو يقول أحدهما ويسكت
الآخر راضياً أو يقول أحدهما شاركني ويرضى الاخر ومثال الثاني أن يخلط كل
منهما ماله صاحبه ويتجرا ومتى تحققت الصيغة بالقول أو الفعل لزم عقد
الشركة. وإذا أراد أحدهما أن ينفصل عن صاحبه قبل خلط المالين وامتنع الآخر
فليس للأول حق الانفصال إلا إذا بيعت السلع التي اشترياها وظهر رأس المال.
(3/75)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وأما رأس المال فإنه يصح بأمور ثلاثة، أحدهما النقدان من الذهب والفضة وهذا
يشترط فيه ثلاثة أمور:
الأول أن يتحد ما يدفعه أحدهما بما يدفعه الآخر في الجنس بأن يخرج أحدهما
ذهباً فقط والآخر فضة فإن فعلا ذلك فلكل منها رأس ماله ويقسمان الربح لكل
عشرة واحد.
الثاني: أن يتحد المالان في الصرف والوزن والجودة والرداءة فلا يصح أن
يختلف في التصرف كأن يصرف جنيه أحدهما مثلاً بخمسة وتسعين جنيه والآخر
بتسعين مع اتحادهما في الوزن لأنهما إن اتفقا على إلغاء الزيادة فقد تفاوتا
في رأس المال أحدهما في هذه يدفع أكثر من صاحبه ولم يحسب له ما دفعه
والتفاوت مفسد للشركة وإن اتفقا على حساب الزيادة ترتب على عدم اعتبار
الوزن في صرف الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة وهو ممنوع.
وكذلك لا يصح أن يختلفا في الوزن لما عرفت. اما اختلافهما في الجودة
والرداءة بأن كان أحدهما جيداً والاخر رديئاً فإنه لا يصح لأن قيمة الجيد
أزيد من قيمة الرديء طبعاً على إلغاء الوزن وإلغاء الوزن في عيار الذهب
والفضة ممنوع.
الأمر الثالث: أن يكون رأس مال الشركة من النقدين حاضراً فإذا اشتركا على
مال غائب فإنه. لا يصح اما إذا كان مال أحدهما حاضراً ومال الآخر غائباً
فإن كانت غيبته بعيدة بحيث لا يمكن إحضاره في مسافة يوميين فإن الشركة لا
تصح.
وإذا كان بعض مال أحدهما غائباً ويعضه حاضراً كأن كان معه ألف منها خمسمائة
بيده والباقي مودع في مكان ثم اشتركا على الأفين فإنه ينبغي تأجيل العمل
حتى تحضر الخمسمائة في مسافة قريبة فإن عملا قبل ذلك كان لصاحب الخمسمائة
نصيبه من الربح ذلك وهو الثلث فقط.
ثانيهما: أن يكون رأس المال عيناً من أحدهما وعروض تجارة من الآخر كأن يدفع
أحدهما نقداً من ذهب أو فضة ويدفع الآخر يلعة من قماش أو قطن أو قمح.
ثالثها: أن يكون رأس المال عرض تجارة من الشركين كأن يدفع أحدهما قطناً
والآخر ثياباً أو شعيراً أو أرزاً أو يدفع أحدهما قطناً والآخر قطناً كذلك
إذ فرق أن يكون رأس المال من العرض متحد الجنس أو مختلفة إلا أنه لا يصح أن
يكون رأس المال من كل منهما طعاماً فلا يصح أن يدفع كل واحد قمحاً أو
شعيراً وإنما جازت في صورة ما إذا كان أحدهما طعاماً فلا يصح أن يدفع كل
واحد قمحاً أو شعيراً وإنما جازت في صورة ما إذا كان مال أحدهما طعاماً
والآخر عرض تجارة تغلباً لجانب النقد وعرض التجارة على الطعام.
وعلى كل حال فيشترط في جعل رأس المال عرض تجارة أن يقوم رأس المال وتعتبر
الشركة فيه بالقيمة ثم إن كان عروض التجارة معدوداً أو مكيلاً فتعتبر قيمته
بعد وقبضه لأنه إنما يدخل
(3/76)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
في ضمان المشتري بالقبض فتعتبر قيمته ومثل ذلك العرض الغائب غيبته قريبة
فإن قيمته تعتبر يوم قبضة واما غير ذلك فتعتبر يوم عقد الشركة.
وأما الربح والخسارة فإنه يشترط فيه أن يكون بحسب نسبة المال فلا يصح
لأحدهما أن يأخذ أكثر من نسبة رأس ماله الذي دفعه.
ومثل الربح العمل فعلى كل منهما أن يعمل بنسبة رأس ماله فإن اشترطا التفاوت
في الربح أو العمل بطلت الشركة فإذا لم يشرعا في العمل وظهر لهم بطلان
الشركة بذلك فسخ العقد فإذا عملا في المال واتضح البطلان بعد العمل قسم
الربح بينهما على قدر رأس المال الذي دفعه كل منهما.
فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان واشتريا على أن يكون لصاحب ثلث
المال نصف الربح ولصاحب الثلثين النصف الاخر فإن لصاحب الثلث بالسدس الزائد
على مقدار رأس ماله ولصاحبه الثلث الرجوع على صاحب الثلثين بأجر عمله الذي
يقابل سدس الربح الذي زيد له وهو سدس أجرة العمل كله.
هذا محصل الشروط المعتبرة في شركة العقود عامة. وقد تقدمت الشروط الخاصة
بكل نوع على حده عند تعريفه قريباً.
الشافعية - قالوا: قد عرفت مما تقدم أن القسم الصحيح من أقسام الشركة عند
الشافعية هو شركة العنان وأما غيرها فهو باطل وقد عرفت حكمته فيما تقدم.
وكذلك أن أركانها أربعة: صيغة وشريكان ومال. ويتعلق بكل ركن منها شروط:
فيشترط في الصيغة أن تشتمل على ما يفيد الإذن بالتصرف لمن يتصرف بالبيع
والشراء ونحوهما فإن كان التصرف من أحدهما يلوم أن تكون الصيغة مشتملة على
إذن الآخر إياه كل منهما لصاحبه جعلنا هذا المال شركة وأذنتك بالتصرف فيه
على سبيل التجارة بيعاً وشراء فيقول الاخر قبلت ولا يكفي اشتركنا فقط بل
لابد من التصريح بما يدل على الإذن المذكور.
وأما الشريكان فيشترط في كل منهما الرشد والبلوغ والحرية فلا يصح عقد
الشركة من سفيه أو مجنون أو صبي أو رقيق غير مأذون له وكذلك لا يصح من مكره
أو فضولي. ويصح من أعمى على أن يكون المتصرف ويوكل عنه في القبض بشرط أن
يكون أهلاً لأن يكون عنه غيره بان يكون رشيداً بالغاً.
وأما رأس المال فيشترط له أمور (أولاً) أن يكون مثلياً والمراد بالمثل ما
يحصره كيل أو وزن ويجوز فيه السلم كالنقدين من الذهب والفضة فإنها يحصران
بالوزن وكالحنطة والشعير والأرز ونحوها فإنها تحصر بالكيل أما غير ذلك مما
لا يكال ولا يوزن من عرض التجارة فإنه لا يصح أن يجعل رأس مال إلا إذا باع
أحدهما بعض تجارة صاحبه بطريق الشيوع ثم يأذن كل واحد منهما
(3/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
صاحبه بالتصرف على سبيل التجارة وبذلك يصح جعل عرض التجارة رأس مال سواء
اتحد جنسه أم اختلف.
(ثانياً) اختلاط المالين قبل العقد بحيث لا يتميز أحدهما من الاخر. أما
خلطهما بعد وقوع العقد فقيل يصح وقيل يمتنع وعلى الثاني فإنه يلزم إعادة
الصيغة.
(ثالثاً) يشترط اتحاد ما يخرجه من المال ببعضه فلا يصح أن يخرج أحدهما
ذهباً والاخر فضة وبالعكس. وكذلك لا يصح أن يخرج أحدهما فضة من ذات العشرة
وقروش ويخرج الاخر من ذلت الخمسة ونحو ذلك إلا إذا ملكا مختلفاً بطريق
الهبة أو طريق الميراث فإنه لا يشترط اتحاده وإنما الشرط أن يأذن كل واحد
منهما صاحبه في التصرف بطريق التجارة.
ولا يشترط التساوي في رأس المال ولا في العمل على المعتمد فيصح أن يكون رأس
مال صاحبه ويكون عمله الذي يقابل زيادة من المال تبرعاً منه لا يستحق عليه
شيئاً، نعم يشترط أن بقسم الربح والخسارة على قدر المالين سواء تساوى
الشريكان في العمل أو تفاوتا فإذا دفع أحدهما مائة ودفع الآخر خمسين لزم أن
يأخذ الثاني ثلث الربح فإن اشترط أقل من ذلك أو أكثر فسد العقد ويرجع كل
واحد منهما بأجرة عمل مثله في ماله فإذا كانا متساوين في مال صاحبه مقابل
عمل الآخر في ماله ويكون ذلك مفاوضة.
الحنابلة - قالوا: تنقسم الشروط في الشركة إلى ثلاثة أقسام:
الأول - شروط صحيحة لا يترتب عليها ضرر ولا يتوقف العقد عليها كما إذا
اشترطا أن لا يبيعا إلا بكذا وأن يتجرا في مكان كذا أو أن لا يسافر بالمال
ونحو ذلك فهذا كله صحيح لا ضرر فيه.
الثاني - شروط فاسدة لا يقتضيها العقد كاشتراط عدم فسخ الشركة مدة سنة
مثلاً أو أن يبيع بها.
القسم الثالث: الشروط التي يتوقف عليها صحة العقد وهي أمور: منها أن يكون
المالان معلومين للشريكين. ومنها حضور المالين بمال غائب أو في ذمة
كالمضاربة. ومنها أن يشترطا لكل واحد جزءاً من الربح معلوماً مشاعاً كالنصف
والثلث ونحوهما. ومنها غير ذلك الشروط التي تقدمت في المضاربة فارجع إليها.
(3/78)
مبحث في تصرفات
الشركاء في المال وغيره
-لكل واحد من الشركاء أن يتصرف باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في شركة؟؟
المذاهب (1)
__________
(1) الحنفية - قالوا حكم تصرف الشركاء باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في
شركة المفاوضة فهو على قسمين:
الأول: أن يتصرف كل منهم في مال الشركة.
الثاني: أن يتصرف كل منهم فيما وقع من شريكه من التعاقد مع الغير فأما
الأول فهو على وجوه:
أن يكون لكل واحد الحق في أن يبيع بكثير الثمن وقليله إلا إذا كان في بيعه
غبن كثير لا يقع بين الناس عادة فإنه لا يجوز أن يشتري إلا بما هو معروف
عند الناس عادة وهل يصح له أن يبيع بعرض التجارة أو لابد من البيع بقيمة
العرض والنفوذ خلاف.
ومنها: أن لكل منهم أن يبيع لمن لا تقبل شهادته عليه كولد ما دام بغير غبن
كثير.
ومنها: أن لكل منهم أن يودع مال الشركة.
ومنها: أن لكل منهم أن يبيع ويشتري بثمن مقبوض ومؤجل منهم أن يتعاقد عقد
سلم بأن يشتري سلعة بثمن حال على أن يقبضها بعد مدة معينة أو بيع سلعة
كذلك.
ومنها: لكل منهم أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن أقل حالاً لينتفع
بالمال الذي يقبضه. ومنها: لكل منهم أن يرهن مال الشركة مقابل
دين عليه خاصة إلا أنه يضمن لشريكه القدر الذي يستحقه في المال المرهون وإن
كانت قيمة المرهون أكثر من الدين الذي عليه فلا يضمن شيئاً وإذا رهن مالاً
خاصاً به في مقابل دين على الشركة فإن شريكه يكون ضامناً لنصيبه من الدين
فيرجع عليه به.
ومنها أن لكل واحد منهم أن يهدي بالمأكول كالحم والخبز والقاكهة وله أن
يولم بشرط أن لا يخرج عن العرف في ذلك أما الإهداء بغير المأكول كالذهب
والفضة فإنه لا يجوز.
ومنها: أن لكل منهم أن يسافر بالمال بدون إذن شريكه على الصحيح. ثم إن كان
السفر بإذن شريكه كان له الحق في الإنفاق على نفسه في طعامه وإدامه وكرائه
من رأس المال إن لم يربح فإن ربحت النفقة من الربح.
ومنها: أن لكل منهم أن يدفع المال مضاربة كأن يعطي شخصاً مائة ليعمل فيها
بجزء الربح وما بقي من الربح يكون بين الشركاء وله أن يأخذ مالاً مضاربة
ليعمل فيه ولكن ربحه يكون خاصاً به.
(3/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: أن لكل منهم أن يشارك الغير شركة عنان ببعض مال الشركة ويجوز عليه
وعلى شركائه سواء كان ذلك بإذنه شريكه أو لا. وليس له أن يشارك الغير
مفاوضة إلا بإذن شريكه ولا فرق فس ذلك بين أن يشارك قريباً كأبيه وابنه أو
بعيداً.
ومنها: أن لكل منهم أن يوكل وكيلاً ويدفع إليه بعض المال ويأمره أن ينفق
على تجارة من مال الشركة فإذا عزل الشريك الآخر ذلك الوكيل فإنه ينعزل إذا
كان وكيلاً في بيع أو شراء أو إجارة. اما إذا كان وكيلاً في تخليص دين باع
به الشريك الموكل سلعة من تجارة الشركة فليس للشريك الآخر عزل الوكيل لأنه
ليس لأحد الشركاء أن يقبض ما باع به واحد منهم أو يخاصم فيه بل الذي يفعل
ذلك هو المباشر فقط ليس لغير المباشر أن يعزل الوكيل.
ومنها: أن لكل منهم أن يعير من مال الشركة ولكل واحد من الشركاء أن يمنع
صاحبه من عمل شيء من الأوجه التي تقدمت كلها فإذا نهاه عن فعل واحد في نصيب
شريكه الذي نهاه عن السفر.
وليس لواحد من الشركاء أن يقرض من مال الشركة بدون إذن صاحبه فإذا فعل ضمن
نصيب شريكه ولا بفسد الشركة.
القسم الثاني: تصرف أحد الشركاء فيما يقع من التعاقد مع الغير وهو وجوه
أيضاً: منها أنه قال أحدهما في بيع باعه الآخر نفذت إقالته على الشركاء،
مثلاً إذا باع أحدهم سلعة بمائة فطلب المشتري إقالته الشريك الذي لم يباشر
بيعها نفذت إقالته ومثل السلم.
ومنها أنه إذا باع أحد الشركاء سلعة بثمن مؤجل ثم مات فليس للشريك
أن يطالب بغير ما يخصه فإذا كان له النصف ودفع المدين يرئت ذمته والورثة هم
يطالبون بنصيب الميت.
ومنها: أنه إذا باع أحدهم شيئاً ثم ذهب ثمن المشتري أو لأبرأه فإنه يجوز
وعليه الضمان. ومنها أنه يجوز لأحد الشركاء أن يؤخر ديناً لهم
عند الغير حل موعده وينفذ تأخيره على الجميع سواء كان المباشر لعقد منهم أن
يطالب البائع بثمنها.
ومنها: أنه أقر أحدهم نفذ إقراره على نفسه وعلى شركائه إلا إذا كان متهماً
بالنسبة لمن أقر له بأن كان ممن لا تقبل عليه كأبيه وابنه.
وأما الثاني: وهو التصرف في شركة العنان فهو على وجوه أيضاً. منها أن لكل
واحد من الشريكين شركة عنان أن يوكل بالبيع والشراء والاستئجار وللآخر أن
يعزل الوكيل من ذلك.
(3/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا وكله بتقاضي دين فليس للآخر إخراجه كما تقدم في شركة المفاوضة
وبعضهم يقول إن ذلك خاص بالمفاوضة. وما عدا ذلك فإن كل التصرفات الثابتة
لشريك المفاوضة تثبت لشريك العنان وكل ما يمنع منه شريك العنان إلا أمور،
منها أن شريك العنان لا يملك أن يشارك الغير بدون إذن شريكه فإذا اشترك
اثنان شركة عنان فاشترك احدهما مع ثالث بدون شريكه الذي لم يشارك شيئاً كان
ربحه خاصاً به.
ومنها: أنه ليس لشريك العنان الذي لم يباشر البيع أن يرهن عيناً من مال
الشركة رهن بدين على الشركة لم يجز وضمن العين المرهونة.
وإذا ارتهن عيناً بدين لهما على الغير لم يجز لهما على شريكه فإن هلك الرهن
في يده وكانت قيمته مساوية للدين فإن حصته تضيع ويرجع عليه ويرجع شريكه
بحصته على المدين صاحب العين الموهونة على المرتهن بنصف قيمة الرهن ولشريكه
أن يرجع بما يخصه مباشرة.
أما الشريك المباشر للبيع فإنه يجوز له أن يرهن ويرتهن فإذا اشترى أحدهما
عيناً بثمن مؤجل ورهن في مقابل الثمن من مال الشركة فإن له ذلك وينفذ على
الشريكين.
المالكية - قالوا: لأحد الشريكين (شركة مفاوضة) أن يتصرف فيما يأتي:
أولاً: له أن يتبرع بشيء من مال الشركة ليؤلف الذين يروجون تجارته
ويشبه ذلك ما ينفق على الإعلانلت في زماننا وكذا له أن يتصدق باليسير
المعتادة بين الناس كإعارة آلة ونحو ذلك.
ثانياً: له أن يعطي شخصاً مالاً من الشركة ليشتري له به بضاعة من بلد كذا
وذلك يسمى إيضاعاً وهذان من حقوق الشريكين شركة عنان أيضاً على الإيضاع لا
يصح إلا إذا كان مال الشركة واسعاً وإلا فلا يصح الإيضاع بدون إذن شريكه.
ثالثاً: لأحد المتفاوضين أن يودع مال الشركة عند من يراه أميناً لعذر يقتضي
الإيداع فإن أودع لغير عذر ضمن.
رابعاً: له أن يشارك في جزء معين من مال شركة مفاوضة أو شركة عنان بحيث لا
يكون للشريك الجديد إلا العمل في الخير الذي عينه فلو عمل في كل مال الشركة
بدون إذن الشريك الأول فإنه لا يصح.
خامساً: له أن يعطي بعض المال لشخص مضاربة إذا كان المال متسعاً يحتمل ذلك
وإلا فلا يصح بدون إذن شريكه أيضاً.
سادساً: له أن يقبل من سلعة باعها هو أو شريكه إن كان في ذلك فائدة للتجار
وإلا فائدة للتجار وإلا لزمه للشريك قدر حصته.
(3/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
سابعاً: له أن يقبل السلعة التي يترتب سواء اشتراه هو أو شريكه بغير إذن
شريكه. هكذا وإن لأحد الشريكين أن يفعل كل هذه الأمور من الأول إلى السابع
وإن نهى شريكه عنها وامتنع من قبولها.
ثامناً: له أن يقر بدين على الشركة ويؤخذ من مال الشركة ويلزم شريكه أن
يدفع ما يخصه ولكن بشروط ثلاثة:
أحدهما: أن يصدقه المقر له على ذلك فإذا كذبه فلا يلزم شريكه شيء.
ثانيهما: أن يكون المقر له ليست بينه وبين المقر علاقة توجب اتهامه في
إقراره كأبويه وابنه فإذا أقر فإنه لا يلزم شريكه ويكون مسؤولاً عنه المقر
فقط.
ثالثهما: أن يكون الإقرار لمن لا يتهم بالنسبة له حال قيام الشركة فإن أقر
بعد فض الشركة وصدقه المقر له لزمه أن يدفع له نصيب الذي يخصه، ثم يعتبر
شاهداً بالنسبة لنصيب شريكه ويحلف هو وصاحب الدين الذي أقر له وبعد ذلك
يلزم الشريك أن يدفع ما يخصه.
تاسعاً: له أن يبيع بالدين بغير إذن شريكه وليس له أن يشتري بالدين
بغير إذنه فإن فعل خير شريكه بين القبول والرد وفي حالة الرد يكون الثمن
على المشتري خاصة ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة التي اشترها بالدين
معينة بينهما بأن قالوا له اشتر السلعة الفلانية أو لم تكن معينة كأن قال
له سلعة أعجبتك فاشتراها فإذا أذنه شريكه في شراء سلعة معينة بالدين فإنه
يصح، أما يصح، أما أذنه فس شراء أي سلعة بالدين فإنه لا يصح لأنها تكون من
باب شركة الذمم وهي ممنوعة عندهم كما تقدم.
عاشراً: لأحد المتفاوضين أن يأخذ مالاً من شخص آخر غير شريكه ليتجر فيه
مضاربة ويكون ربحه خاصاً به لا شيء منه لشريكه بشرط أن لا يشغله العمل فيه
عن العمل للشركة الأولى وعليه خسارتها بلا دخل لشريكه إلا إذا علم شريكه
بذلك ولم يمنعه فإنه يكون متضامناً معه في ربحها وخسارتها.
الشافعية - قالوا: لكل سلعة بشرط الخيار ثم وجد من يرغب فيها بثمن زائد قبل
انقضاء مدة الخيار فإنه يتعين عليه فسخ العقد وبيعها لازائد للمصلحة وليس
لأحدهم أن يبيع بالدين ولا بنقد غير متداول ببلده أو ينقد أقل سعراً من
نقده بلده لأن في ذلك ضراراً لمصلحة شركائه بغير ضرورة مالم يأذن له في ذلك
كله شركاؤه فإذا أذنوا فعل ولا ضمان عليه وإلا فعليه الضمان، ثم إن كان قد
باع بالدين أو بغير نقد البلد الذي
(3/82)
مبحث إذا ادعى أحد
الشركاء تلف المال ونحو ذلك
-الأصل أن الشريك أمين بالمال والأمين ينبغي أن يصدق فيما يدعيه وذلك هو
الأساس الأول الذي تحث شريعتنا المطهرة على إعتباره في عقد الشركة فمتى
اختل ذلك الأساس فقد انهارت الشركة وفشل الشركاء
في كل ما يقومون به من الأعمال صغيراً كان أو كبيراً ومن أجل ذلك قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما
صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما". رواه أبو داود والحاكم صحيح الإسناد.
ومعنى ذلك أن الله سبحانه لا يزال عوناً للشريكين ما دام كل مهما أميناً
على صاحبه لا يخونه في كثير منه ولا قليل فإذا سولت له شهوته الفاسدة أن
يخون صاحبه رفع الله تلك المعونة. ومن يكن الإله عوناً له لا بد أن ينجح في
عمله ويفوز بأحسن ثمراته إن كان عاجلاً وإن آجلاً أما الذي لا يعينه خالفه
فهو خاسر لا محالة ومعرض للهلاك في الدنيا والآخرة فالأمانة هي أس نجاح
الشركاء والخيانة أس فشلهم وخسارتهم جميعاً وذلك مشاهد محس لا يحتاج إلى
دليل فإنك ترى كثيراً من الشركات لا تلبث أن تنمحي آثارها رغماً من مساعدة
الظروف إياها بينما الشركات التي أقل منها مالاً وأتعس حالاً تستمر وتنمو
وما ذلك لحرص الشركاء على تفيذ شروطهم كاملة وتمسكهم بالمانة في كل شأن من
شؤونهم وبعدهم عن الخيانة في جميع الأحوال.
__________
يتعامل به فيها أو بغبن كثير لا يصح البيع شريكه ويضمنه بالتسليم، أما
نصيبه هو فقيل يصح البيع فيه بناء على القول بجواز تجزأة العقد بأن يكون
صحيحاً ببعض العين المبيعة وفاسداً في البعض الآخر ويسمى ذلك (تفريق
الصفقة) وقيل لا يصح أيداً وكما لا يصح في نصيب الشريك بنلء على القول بعدم
جواز ذلك وعلى الأول أن يكون المشتري شريكاً لأنه يملك نصيب الشريك الذي
باع له، أما على الثاني فالبيع كله باطل وليس لأحد الشركاء أن يعطي شيئاً
من مال الشركة ليشتري به بضاعة بدون أجر (ويسمى ذلك إبضاعاً) إلا بإذن
شركائه.
هذا وعقد الشركة جائز لكل من الشريكين فسخه متى شاء فلو فسخه الشريكان
جميعاً انعزلا عن العمل.
أما إذا عزل أحدهما صاحبه فإن عزله ينفذ ويبقى هو في العمل حتى يعزله صاحبه
أيضاً وتفسخ الشركة بموت أحدهما وجنونه دائماً
الحنابلة - قالوا: يجوز لأحد الشركاء أن يفعل الأمور التي تقدمت في
المضاربة ويمتنع عليه ما يمتنع فيها فارجع إليها إن شئت.
(3/83)
وإن ادعى كان كذلك فكل ما يدعيه أحد
الشركاء من خسارة وربح ونحو ذلك يصدق فيه على تفصيل في المذاهب (1)
__________
(1) (الحنفية - قالوا: كل ما يدعيه أحد الشركاء في مقدار الربح والخسران
وفقد المال والدفع لشريكه فإنه يصدق في قوله بعد أن يحلف اليمين حتى ولو
ادعى أنه دفع ما يخص شريكه بعد موته فإن القول بيمينه ألا ترى أن من وكل
شخصاً في أن يقبض وديعة له عند آخر ثم مات الموكل فادعى الوكيل أنه قبضها
قبل أن يموت الموكل وهلكت في يده قبل أن يعطيها له وهو أمين لا ضمان عليه
فإنه يصدق ولو أنكرت الورثة وكذلك إذا قال دفعها إليه فإنه يصدق أما إذا
وكله في قبض دين ثم مات الموكل وادعى الوكيل تلك الدعوى فإنه لا يصدق ولا
تبرأ ذمة المديون بذلك.
وذلك لأن شاغل الدين لذمة المدين فإذا دفعه لصاحبه فقد شغل ذمته به فثبت
للمديون الدائن مثل ما ثبت للدائن في ذمته فتقابل كل مهما بالآخر قصاصاً
وهذا هو معنى قولهم إن الديون تقتضي بامثالها. وهي ذلك تضمين للميت وإيجاب
الضمان على الغير لا يصدق فيه الوكيل وإنما يصدق في نفي الضمان عن نفسه.
ولهذا لا يضمن الوكيل الدين ولا يرجع عليه المديون بشيء وبالجملة فالوكيل
إذا ادعى أمراً فيه نفي الضمان عن نفسه صدق أما إذا ادعى ما فيه إيجاب
الضمان على الغير فإنه لا يصدق.
ويضمن الشريك بالتعدي لأن الأمين إذا تعدى ضمن كما يضمن بموته من غير أن
يبين نصيب شريكه فإذا اشترك اثنان وباع أحدهما تجارة بالدين ولم يبين نصيب
شريكه قبل موته فإن على الورثة دفع نصيبه ولو ضاع عند المدين أما إذا بينه
فلا ضمان. وإذا نهى أحد الشركاء شريكه عن البيع بالدين فباع نصيب البائع
ووقع موقوفاً في حصة شريكه فإن أجاره فالربح بينهما وإن لم يجزه فالبيع في
حصته باطل وحكم ما إذا نهاه عن السفر فلم يمتثل حكم المضارب الذي يفعل ذلك
وقد تقدم.
الشافعية - قالوا: الشريك أمين مال الشركة فكل ما يدعيه أحد الشريكين
في الربح والخسران ورد بعض المال فإنه يصدق فيه. وأما إذا ادعى
المال ففيه تفصيل وذلك لأنه إذا ادعى تلفه بدون أن يعرف له سبباً
أو بسبب خفي كالسرقة فإنه يصدق بلا يمين.
أما إذا ادعى تلفه بسبب ظاهر كالحريق فإنه لا يصدق إلا أقام البينة على
حصول الحريق وأن مال التجارة حرق به.
وأما إذا عرف أحد الشريكين بأنه اشترى هذه الشلعة للشركة وادعى الآخر بأنه
اشتراها لنفسه لما فيها من زيادة في الثمن أو العكس صدقمن كان المال في
يده. وإذا ادعى من في يده المال انهما اقتسماه وما في يده خاص به وأنكر
شريكه فالقول في هذه الحالة للمنكر لأن الأصل عدم القسمة
المالكية - قالوا: إذا ادعى أحد الشركاء التلف لمال الشركة بآفة سماوية أو
خسر بالعمل فيه
(3/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
تجارة وأنكر شريكه عليه ذلك وادعى عليه أنه أخفاه ولم يحصل تلف ولا خسارة
فلا يخلو إما أن تقوم القرائن على كذبة على كذبة في دعواه التلف والخسر كأن
يكون مع جماعة لا يخفى عليهم التلف ولم يسمعوا عنه. أو تكون السلعة رابحة
لا يمكن أن تخسر أو لا تقوم القرائن على ذلك.
وعلى كل حال فالقول للمنكر. ثم إن قامت القرائن على كذب المدعي ضمن المال،
وإن لم تقم القرائن حيث لا بينه ولا دليل فإنه يحلف على أنه حصل الخسار
والتلف.
وإذا ادعى أحدهما أن له ثلثي المال وادعى الآخر أن لكل واحد نصفه فالقول
لمن ادعى النصف فيقسم بينهما نصفين بعد حلفهما وبعضهم يقول إنه يعطي لمدعى
الثلثين النصف ولمدعي النصف الثلث ويقسم السدس التنازع بين أكثر من اثنين
قسم المال بحسب الرؤوس.
وإذا ادعى أحد الشريكين على شيء رآه بيد شريكه أنه مال الشركة فأنكر الآخر
ذلك وقال إنه خاص بي فإن ذلك يحتمل أمرين: الأول أن تقوم بينه على أنهما
يتصرفان تصرف شركاء المفاوضة أو لأنهما أقرا بالمفاوضة أو أن الشركة قد
وقعت يدهما ولا بينه للمنكر.
الثاني: أن ياتي المنكر بينه تشهد بأن هذا المال قد ورثة المنكر أو وهب له
أو نحو ذلك وفي هذه الحالة يكون المال للمنكر خاصة سواء شهدت بانه جاءهه
قبل ولم يدخل فيها أو قالت إنها لا تعلم إن كانت المفاوضة قبله أو هو
قبلها.
أما إذا قالت إن الشركة قبل المال ولم تشهد بعدم دخوله فيها فإنه يكون
للشركة.
الحنابلة - قالوا: الشريك بالنسبة أمين لأنه كالوكيل فالقول في رأس المال
وفي قدر الربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك إلا إذا كان للآخر بينة تشهد
خلاف ذلك وإن ادعى التلف بسبب ظاهر كتلف بينة تشهد به ثم حلف أنه تلف به
والقول فيما اشتراه لنفسه أو للشركة ونحو ذلك) .
(3/85)
|