الفقه على المذاهب الأربعة

مباحث الوكالة
تعريفها
-هي بكسر الواو وفتحها، ومعناها في اللغة الحفظ والكفاية والضمان، يقال فلان وكيل فلان، بمعنى حافظة أو ضامنة أو كافية: وأما في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) (المالكية - قالوا: الوكالة هي أن ينبت (يقيم) سخص غيره في حق له يتصرف فيه كتصرفه بدون أن يقيد الإنانية بما بعد الموت فيخرج بذلك الوصية فإنها نيابة شخص لآخر بعد موته فلا تسمى الوصية وكالة. وهل تسمى إنابة إمام المسلمين غيره من الولاة والقضاء وأئمة الصلاة وكالة أو لا؟ خلاف، والمشهور أنها لا تسمى وكالة، وعلى هذا ينبغي أن يزاد في التعريف قيد يخرج هذه الإنانية فيقال: هي أن ينيب
شخص لا إمارة له سياسة أو دينية غيره في حق له الخ، أما من قال إنها تسمى وكالة فلا حاجة به إلى هذا القيد.
الحنفية - قالوا: الوكالة هي أن يقيم سخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم على أن يكون الموكل (بكسر الكاف) ممن يملك التصرف فقوله في تصرف جائز خرج به ما إذا وكل الصبي غيره في هبة ماله أو طلاق زوجه فإن تصرف الصبي في ذلك غير جائز لما علمت في باب الحجر أنه ممنوع من التصرفات الضارة به سواء كانت قولية أو فعلية، وقولهم: معلوم خرج به التصرف المجهول كما إذا قال له: وكلتك في مال أو أنت وكيلي في كل شيء فإنه لا يثبت له بهذه الصيغة التصرف فيما يملكه الموكل وإنما يثبت لح حق حفظه.
وقوله: على أن يكون الموكل ممن يملك التصرف خرج به ما إذا وكل شخص آخر في شيء لا يملك الموكل (بالكسر) التصرف فيه. ويرد على هذا أن أبا حنيفة يقول: إنه يصح أن يوكل المسلم ذمياً في بيع الخمر والخنزير وأن يوكل المحرم شخصاً غير محرم بالصيد مع أن المسلم ممنوع من الصيد وعلى هذا تكون زيادة قيد ممن يملك التصرف غير صحيحة. فإن التوكيل سصح من الشخص الذي لا يملك التصرف.
والجواب أن المراد ممن يملك التصرف في الأشياء في ذاتها بصرف النظر عن العوارض التي منعته والأصل في الأشياء الإباحة ولولا نهي الشارع عن بيع الخمر والخنزير لما منع شخص من التصرف فيهما.
الشافعية - قالوا: الوكالة هي عبارة عن تعويض شخص شيئاً إلى غيره ليفعله حال حياته إذا كان

(3/148)


- دليلها وأركانها
-الوكالة بالمعنى المتقدم جائزة بإجماع المسلمين فلم ينقل عن أحد القول بمنعها وقد يستدل على جوازها بقوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم} فإن ذلك توكيل لأحدهم وقد أقره الله تعالى ورسوله إذ لم يرد ناسخ له وشرع من قبلنا لنا ما لم يرد ناسخ ينسخه وقد استدل على جوازها بفعل النبي صلى اللله عليه وسلم فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم وكلَّ حكيم بن حزام بشراء أضحية ولكن في سنده مجعول وراه الترمزي عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم ولكن حبيباً لم يسمع من حكيم فإذا كان حبيب ثقة يكون الاحتجاج بالحديث صحيحاً وإلا فلا. وروي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وكلَّ أبا رافع في تزويج ميمونة. وكلَّ عمر بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة وسواء صح سند هذه الأحاديث أو لا. فإن إجماع المسلمين عليها من غير أن يحالف فيها أحد من أئمتهم دليل على جوازها من غير نزاع. أما أركانها فهي أربعة. موكل بكسر الكاف، وموكل بفتحها وموكل فيه، وصيغة (1) .
__________
للمفوض الحق في فعل ذلك الشيء وكان ذلك الشيء مما يقبل النيابة فقوله أن يفوض لشخص ... الخ معناه أن يرد الشخص الموكل (بكسر الكاف) أمر الشيء الذي له حق التصرف فيه إلى وكيله وذلك الشيء هو الموكل فيه لتصرف الوكيل فيه كتصرف الموكل مدة حياته. ولا بد أن يكون التوكيل بصيغة. وبذلك تعلم أن التعرف قد اشتمل على أركان الوكالة الأربعة وهي: موكل، وصيغة، وموكل فيه. وخرج بقوله حال حياته الوضية فإن الوكيل لا يتصرف فيها بعد موت الموكل فلا تسمى وكالة أما باقي محترزات قيود التعريف فإنها ستتضح فإنها لك في بيان الشروط.
الحنابلة - قالوا: الوكالة هي استنابة شخص جائز التصرف شخصاً مثله جائز التصرف فيما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين وسيأتي تفصيلها إن شاء الله) .

(1) (الحنفية - قالوا: الوكالة ركن واحد وهي الصيغة التي تتحقق بها كقوله: وكلتك ببيع هذا الجمل أو شراء هذه البقرة أو نحو ذلك ولا يشترط لتحقق الوكالة أن تكون الصيغة مشتملة على قبول الوكيل. ولكن إذا رد الوكيل الوكالة ترتد فإذا قال له شئت تبيع هذه الناقة بالنيابة عني، فسكت، ولكنه باعها فإنه يجوز.
أما إذا قال له: لا أقبل ثم باعها فإن بيعه لا يصح لأنه رد التوكيل وكذا إذا وكَّل شخصاً في أن يطلق امرأته فأبى ثم طبقها فإن طلاقه لا يقع لأنه رد الوكالة فلا شأن له ولكن إذا سكت ولم يرد ولم يقبل صريحاً فإن التوكيل يكون صحيحاً فإذا طلقها على ذلك يصح طلاقه وبذلك تعلم أن الحنفية يخصون الركن بما كان داخلاً في الماهية.
أما ما كان خارجاً فإنه لا يسمى ركناً عندهم ولو توقفت الماهية عليه.

(3/149)


- شروط الوكالة
-تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل. ومنها يرجع إلى الوكيل. ومنها ما يرجع إلى الموكل فيه. ومنها ما يرجع إلى الصيغة التي تتحقق بها الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) الحنفية - قالوا: شروط الوكالة التي ترجع إلى الموكل هو أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه فلا يصح التوكيل من المجنون جنوناً مطبقاً والصبي الذي لا يعقل أصلاً. لأن النجنون لا يملك التصرف في شيء بنفسه مطلقاً، ومثله الذي لا يعقل، أما الصبي الذي يعقل فقد عرفت في مباحث الحجر أن تصرفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتصرف تصرفاً ضاراً به لا محالة كالطلاق والهبة والصدقة ونحوها، وفي هذه الحالة لا يصح تصرفه مطلقاً فلا يصح أن يطلق زوجه أو أن يهب غيره من ماله أو أن يتصدق بشيء منه فإن فعل وقع ذلك التصرف باطلاً فهو لا يملك التصرف فلا يملك أن يوكل فيه غيره.
الثاني: أن يتصرف تصرفاً نافعاً له كقبول الهبة والصدقة فإن فيه منفعة محققة له، وفي هذه الحالة يقع تصرفه صحيحاً مطلقاً ولو لم يأذنه وليه فهو يملك ذلك التصرف فيصح له أن يوكل فيه غيره.
الثالث: أن يتصرف تصرفاً يحتمل النفع والضر كالبيع والشراء والإجارة وفي هذه الحالة إن كان وليه قد أذنه بذلك التصرف فإنه يقع صحيحاً فيصح له أن يوكل فيه غيره وإن لم يأذنه يقع موقوتاً على إذنه فإن أجازه إلا فلا ومثله التوكل.
أما المجنون جنوناً متقطعاً بحيث يجن تارة ويفيق أخرى فإنه يصح أن يوكل في حالة صحوه بشرط أن يكون لحوه وقت معلوم حتى تعرف لإفاقته من جنونه وإلا فلا يصح له أن يوكل. وأما المعتوه وهو الغالب عليه اختلاط الأمور فإنه لا يصح توكيله.
أما الإسلام فليس شرطاً في الموكل فيجوز أن يوكل الذمي غيره كالمسلم لأن حقوقههم مضمونة من الضياع كحقوقنا وإذا وكل الذمي المسلم بتقاضي ثمن الخمر فإنه يكوه للمسلم أن يفعل وإذا وكل الذمي المسلم أن يرهن له خمراً في نظير نقود أو يرهن له عيناً في نظير خمر يأخذه فإنه يصح إذا أخبر به على أنه رسول فيقول: أرهن لفلان خمراً. أما إذا أضافه لنفسه بأن قال: ارهن لي خمراً أو أقرضني نقوداً في نظير خمر فإنه لم يكن رهناً وهل النرتد كذلك أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إذا وكل المرتد شخصاً فإن ذلك التوكيل يقع موقوفاً، فإن أسلم المرتد نفذ ما صدر منه توكيله الغير وإن مات أو خرج من دار الإسلام إلى دار الإسلام إلأى دار الحرب بطل توكيله فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الإسلام فإن كان القاضي حكم بلحوقه بدار الحرب فإن التوكيل يبطل وإن لا فإنه ينفذ. وبعضهم يقول: إن للمرتد أن يوكل غيره ويقع توكيله صحيحاً نافذاً. هذا إذا كان المرتد رجلاً. أما المرأة المرتدة فإن توكيلها جائز في قولهم جميعاً لأن ردتها لا تعتبر في حكم ملكها فهي ملكها كالمسلمة في ذلك.

(3/150)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإذا وكلت قبل ردتها ثم ارتد فغن توكيلها لا يبطل إلا إذا وكلت بتزويجها وهي مرتدة فإنه يكون باطلاً فإن زوجها حال ردتها لا يصح، أما إذا عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح. أما إذا وكلته بأن يزوجها وهي مسلمة ثم اردت ثم عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح لأن ردتها أبطلت التوكيل في ذلك.
وأما الشروط التي ترجع إلى الوكيل فهي أمران:
أحدهما: أن يكون عاقلاً فلا يصح لشخص أن يوكل مجنوناً أو صبياً لا يعقل أما البلوغ والحرية فلا يشترطان في الوكيل فيصح أن يكون الوكيل صبياً عاقلاً يدرك ما يترتب على العقود من المتافع والمضار سواء أذنه وليه ومثله العبد في ذلك.
ثانيهما: أن يعلم الوكيل بالوكالة فعلم الوكيل شرط في صحة تصرفه بلا خلاف فإذا وكل شخصاً آخر في بيع متاعه ولم يعلم الوكيل فباع المتاع قبل العلم بكل تصرفه إلا إذا أجازه الموكل وعلم الوكيل بالتوكيل يثبت بالمشافهة أو الكتابة إليه أو بإخيار رجلين أو واحد عدل أو غير عدل وصدقه الوكيل.
أما الإسلام وعدم الردة فلا يشترطان في الوكيل باتفاق وإن كان عدم الردة مختافاً فيه في الموكل فيصح للمسلم أن يوكل الذمي حتى في بيع الخمر والخنزير عند أبي حنيفة الذي يقول إن الموكل إذا كان ذمياً بلا خلاف.
وإذا وكل المسلم حربياً في دار الحرب وكان المسلم في دار الإسلام فغن التوكيل باطلاً في هذه الحالة، وكذلك العكس، وهو ما إذا وكل الحربي مسلماً وهو في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام.
وأما الشروط التي ترجع إلى الموكل فيه فمنعها أن لا يكون من الأمور المياحة فلا يصح لشخص أن يوكل غيره في أن يحتطب له أو يسقي له الماء أو يستخرج له شيئاً من المعادن المباحة كالحديد والرصاص والجواهر ونحو ذلك فإذا حصل الوكيل على شيء من ذلك فهو له وليس للموكل منه شيء، ومثل ذلك ما إذا وكله ليشحذ له فإن التوكيل لا يصح وإذا شحذ الوكيل شيئاَ فهو له.
ومنها: أن لا يكون الموكل فيه استقراصاً (طلب قرض من الغير) فإذا وكل شخص آخر في أن يطلب من شخص أن يقرضه مالاً فقال الوكيل: أقرضني كذا كان الرقض للوكيل لا للموكل، فإذا هلك كان المسؤول عنه الوكيل، وللوكيل أن لا يعطيه للموكل، نعم إذا قال: فلان أرسلني إليك لتقرضه فأعطاه فإن القرض يكون للمرسل وهذا يسمى (رسولاً) لا وكيلاً والفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل يكون بألفاظ التوكيل الآتي بيانها في الصيغة بخلاف الرسول فإنه يكون بلفظ الرسالة كأن يقول

(3/151)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
له: كن رسولاً عني في كذا، أو أرسلتك لتأتي بكذا، فلا بد في الرسول أن يضيف العقد إلى المرسل. بخلاف الوكيل فإن له أن ينسب لنفسه وللمرسل إلا في أمور كانكاخ والهبة وسيأتي بيانها.
ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حداً من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب، فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل، لا في إيفائه ولا في استيفائه، والمراد قبضه.
أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني.
وأما الثاني: فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقاً.
وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافاً فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضراً أو غائباً أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضراً بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد، وأبو يوسف يقول: لا يصح فيه التوكيل كسابقه، إلا أنه يقول: إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد، أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمداً، ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى، وكذلك حد القذف وحد الشرب، ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها، فالظاهر أن أبا يوسف يقول: إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا.
وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين:
نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة، ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة.
مثال الأول: القصاص في القتل أو القود، وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس؛ وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضاً، ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه.
أما الأول: فظاهر، إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلاً عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضواً منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه.
ومثال الثاني: وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص، فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه، فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق.
ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون

(3/152)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
والرهن والارتهان وطلب الشفعة والرد بالغيب والقسمة والاستيهاب (أي طلب الهبة من الغير) إلا أن بعض هذه العقود لا يصح للوكيل فيها أن يسندها إلى نفسه بل من إسنادها إلى الموكل.
ومنها: النكاح فإن الوكيل لا بد أن يقول: قبلت زواج موكلي، أو زوجت فلانة موكلتي، فإذا قال: قبلت الزواج ولم يصفه، أو قال الزواج فإنه بنعقد له لا لموكله، بخلاف ما إذا كان وطيلاً في الطلاق فإنه إذا أضافه إلى نفسه أن يقول: امرأة فلان طالق. أما إذا قال: امرأتي طالق فإنها تطلق فليس الإضافة إلى نفسه أن يقول: لمراتي بل معناها أن يسند طلاق امرأة موكله إلى نفسه، ولا يشترط أن يقول: ففلان وكلني في أن أطلق امرأته.
ومنها: الهبة فإنه لا بد فيها من الإضافة إلى الموكل فإذا وكل إنسان آخر أن يهب مائة فقال: وهبت ولم يقل موكلي فإن الهبة لا تصح.
ومنها: الصلح عن دم العمد والصلح عن الإنكار فإذا ادعى شخص على آخر مائتين فأنكر المدعي عليه، ثم وكل عنه من يصالح على مائة فإنه لا بد في ذلك من الإضافة، فإذا قال المدعي على مائة صالحت وقبل وكيل المدعي عليه بأن قال: قبلت الصلح لفلان فإنه يصح. أما إذا قال: قبلت ولم يسند القبول لموكله فإنه لا يصح الصلح. وهذا بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى الوكيل والموكل.
ومنها: التصدق فإذا وكله أن يتصدق من ماله بكذا فإنه ينبغي أن يضيفها الوكيل إلى الموكل.
وأما الصيغة فإنها تنقسم إلى قسمين: (خاصة وعامة) :
فأما الخاصة فهي اللفظ الذي يدل على التوكل في أمر خاص كقوله: وكلتك في شراء هذا البيت مثلاً. وأما العامة فهي لفظ يدل على العموم كقوله: أنت وكيلي في كل شيء وقوله: ما صنعت من شيء فهو جائز، وجائز أمرك في كل شيء فليس لها لفظ خاص حتى لو قال: أردت أن تقوم مقامي، أو أحببت، أو رغبت فإنه يصح. وهل ينفذ تصرف الوكيل بعد ذلك في كل شيء أو يستثنى بعض الأمور؟
والجواب: أن ذلك يختلف باختلاف العبارات، فإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء يكون وكيلاً له في حفظ المال لا غير على الصحيح.
ومثل ذلك ما لو قال له: أنت وكيلي في كل شيء وقليل، وإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يكون وكيلاً في جميع التصرفات المالية كالبيبع، والشراء، والهبة، والصدقة.

(3/153)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
واختلف في الإعتاق، والطلاق، والوقف. فقال بعضهم: إنه لا يكون وكيلاً فيها إلا إذا دل دليل سابق في الكلام وبعضهم يقول: إنه يشملها.
وإذا قال: وكلتك في جميع أموري فقال له: طلقت امرأتك أو قفت جميع فإنه لا يجوز على الأصح.
وإذا قال له: وكلتك في جميع أموري ولأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة إلا إذا قال: في جميع أموري التي يجوز فيها التوكل فإنها في هذه الحالة تكون عامة تشمل البيع والشراء والأنكحة وغير ذلك.
وأما في الحالة الأولى وهي قوله: وكلتك في جميع أموري، وأقمتك مقام نفسي بدون أن يقول: في أموري التي يجوز فيها التوكيل فإنه ينظر إلى حال الموكل فإن كانت له صناعة خاصة فإنه يكون وكيلاً عنه فيها.
أما إذا لم تكن له صناعة خاصة وكانت له معاملات مختلفة فإن الوكالة تقع باطلة. والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والهبة والصدقة على المفتي به، وكذا لا يملك الإبراء والحط عن الديون لأنها تبرع وهو لا يملك التبرع.
وكذا لا يملك الإقراض والهبة بشرط العوض، ويملك ما وراء ذلك فيملك قبض الدين وإيفاءه والدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالوكالة الخاصة.
على أن هناك صيغاً لا ينعقد بها التوكل أصلاً منها أن يقول له: لا أنهاك عن طلاق زوجتي ومنها أن يقول له: أنت وصيتي.
ومنها: أن يقول لغيره: اشتر لي جملاً بعشرة جنيهات أو جارية بخمسين جنيهاً، فذلك لا يكون توكيلاً وإنما يكون مشورة. أما قال له: اشتر لي جملاً بعشرة جنيهات ولك على شرائك درهم فإنه يكون وكيلاً.
ومنها: أن يقول شخص لآخر مديون له اشتر بمالي عليك جملاً أو عبداً فإنه لا يصح التوكيل، وأما إذا قال له: اشتر لي جمل فلان أو هذه الجارية فإنه يصح.
ومنها: أن يقول لمديونه أسلم مالي عليك في قمح أو سمن مثلاً (يعني استلمه في السلم) فإنه لا يصح التوكيل.
أما إذا عين الشخص الذي يتعاقد معه عقد السلم بأن يقول: أسلم مالي عليك إلى فلان في كذا فإنه يصح.
أما الصيغ الخاصة فإن منهم بأن يقول شخص لآخر: إذا لم تبع جملي هذا تكون امرأتي طالقاً فإذا قال له ذلك وكله في بيع الجمل.

(3/154)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: أن يقول: سلطتك على بناء هذه الدار مثلاً بمنزلة قوله: وكلتك.
ومنها: أن يقول: فوضت إليك دوابي أو أمر مماليكي وبذلك يملك حفظها ورعيها وعلفها والإنفاق عليها.
ومنها: أن يقول: فوضت إليك امرأتي وبذلك يملك طلاقها في المجلس فقط، أما إذا قال له: ملكتك أمر امرأتي فإنه يملك طلاقها في المجلس وغيره.
الماكية - قالوا: الشروط المتعلقة بالوكيل ثلاثة:
الأول: الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين رقيقين، إلا إذا كان الرقيق مأذوناً له بالتجارة من سيده فإنه حينئذ يكون في حكم الحر.
الثاني: الرشد فلا تصح بين سفيهين ولا بين سفيه ورشيد. على أن هذا الشرط لهم فيه اختلاف فبعضهم يقول: يجوز في بعض الأمور، ولكن ظاهر المذهب يقتضي أن المحجور عليه لا يصح أن يوكل أحداً عنه في الخصومة في تخليص ماله وطلب حقوقه. ويجوز للغير أن يوكله عن نفسه إلا إذا كانت امرأة محجوراً عليها فإن لها أن توكل عنها غيرها فيما يتعلق بأمر عصمتها بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها.
والحاصل: أن في ذلك طريقين أحدهما: أنه لا يجوز توكيله ولا توكيله مطلقاً وعلى ذلك الشرط الرشد. ثانيهما: أنه يجوز أن يتوكل عن غيره ولا يوكل هو عنه. أما المرأة الذي يضارها زوجها فلا خلاف في صحة توكيل الغير عنها.
الثالث: البلوغ ولا يصح بين صبيين ولا بين صبي وبالغ أما إذا كانت صغيرة متزوجة وأرادت أن تخاصم زوجها أو وليها فإن توكيلها يكون مقبولاً بل لازماً كما عرفت.
فهذه الشروط هي التي تلزم الوكيل والموكل.
أما الإسلام فإنه ليس شرطاً في الموكل بلا نزاع فيجوز للذمي أن يوكل المسلم عنه ويقع توكيله صحيحاً. ولكن هل يصح للمسلم أن يوكل الذمي عنه؟.
والجواب: أنه لا يصح وإنما لم يذكر هذا الشرط في الشروط لأن الذمي أهل للتوكيل والتوكل ما دام حراً بالغاً رشيداً. ولكن المانع من جملة وكيلاً عن المسلم أمر عارض وهو ما عساه أنه يتصرف تصرفاً لا تقره الشريعة.
ولهذا قالوا في الشركة: إنه لا يصح للمسلم أن يشارك الذمي إذا كان بيع الذمي وشراؤه بحضرة المسلم خوفاً من أنه إذا انفرد بذلك يدخل في معاملته ربا أو يشتري خمراً أو خنزيراً وذلك لا تقره الشريعة فإذا تأكد من أنه يتعامل بما تحرمه الشريعة وجب عليه أن يتصدق بالربح الذي

(3/155)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أصابه من شركته فغن شك يستحب له التصدق. أما إذا تأكد من حسن معاملته ومطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا شيء عليه.
ومثل الذمي في ذلك المسلم الذي لا يحافظ على دينه فالمانع من توكيل الذمي هو الخوف من تصرفاً لا يطابق الشريعة الإسلامية وواجب على المسلم أن يحتفظ بدينه فلا يصح له أن يبيح لغيره التصرف باسمه فيما لا يقره الدين ولهذا اعتبر المسلم الذي لا يحافظ على دينه كالذمي.
وأما الشروط المتعلقة بالموكل فيه فإنها ترجع إلى شيء واحد وهو أن يكون من الأمور التي تقبل شرعاً ولا تتعين فيه شراء ولا تتعين فيه مباشرة له بنفسه فيجوز لشخص أن يوكل عنه غيره في عقد بيع وشراء وإجارة، ونكاح وصلح ومضاربة ومساقاة عقد يجوز فسخه كما في المزارعة قبل رمي البذر فإنه يصح لأحد العاقدين فسخه يصح له أن يوكل غيره في الفسخ.
ومثل ذلك البيع الفاسد كما إذا باع صبي مميز شيئاً فللولي أن يوكل من يفسخه ومن ذلك الطلاق حل لقيد النكاح فيجوز لشخص أن يوكل غيره في طلاق زوجه وفي الخلع كما يجوز له أن يوكل شخصاً في إقالة من اشترى منه شيئاً. وكذا له أن يوكل في قضاء دين عليه وقبض حق له على الغير. وكذا يجوز له أن يوكل - في حد أو قصاص أو تأديب - فللزوج أن يوكل عنه أباه مثلاً في تأديب زوجه إذا تركت الصلاة لأن للزوج عن حق عقوبة زوجه إذا تركت الصلاة فله أن يوكل غيره في ذلك.
ولولي الدم أن يوكل عنه على القتل وللشخص أن يوكل عنه في استيفاء الحدود والعقوبات.
وكذا له أن يوكل في الحوالة كأن يكون مديناً لشخص بكذا وله دين عند آخر فله أن يوكل شخصاً في أن يحيل الدائن الذي يطالبه بدينه على المدين الذي له دين. وكذا يصح التوكيل على أن يبرئ شخصاً من حق له عليه حتى ولو كان الحق مجهولاً عند الجميع لأن الإبراء من الحقوق لا يتوقف على علمها.
وليس له أن يوكل غيره في العبادات إلا في المالية منها كأداء الزكاة فإنه يصح التوكيل في أدائها وقد اختلف في الحج فقيل ويصح فيه التوكيل وقيل لا يصح كما تقدم.
وهل يصح لصاحب الوظيفة الدينية أن ينيب عنه كالمؤذنين والإمام والقارئ في مكان خاص؟
والجواب: انه يجوز التوكيل فيها حيث لم يشترط الواقف عدم النيابة فيها.
أما إذا لم يشترط عدم النيابة فيها فإن الأجرة تسقط ولا يستحقها ولا النائب.
أما إذا لم يشترط عدم النيابة فالأجرة تكون للأصل وهما على ما تراضيا عليه معاً كانت النيابة لضرورة أو لغير ضرورة. ويلتحق بالعبادات الشهادة والإيمان فليس له أن يوكل عنه من يؤدي الشهادة بدله ولا يحلف اليمين عنه. ومثل ذلك الإيلاء واللعان فإنه لا يصح له أن يوكل عنه من يولي من امرأته بأن يحلف أن لا يقربها مدة معلومة أو من يلاعن عنه مع امرأته التي يتهمها بالزنا كما هو مبين في محله لأن اللعان شهادات مؤكدة باليمين وذلك لا تصح فيه الوكالة.

(3/156)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولا تصح الوكالة في المعاصي كالسرقة والظهار كأن يقول له: وكلتك في أن تظاهر من امراتي فإن الظهار منكر من القول وزور فإذا قال زوجة موكلي عليه أمه لا يصح الظهار.
وبعضهم يقول: إن هذا كالطلاق إذ لا فرق بين ذلك وبين امرأته موكلي طالق فإن كلاً منهما إنشاء كالبيع والنكاح فيصح التوكيل فيهما. وهل التوكل في طلاق محرم كما إذا قال له: وكلتك في طلاق زوجي وهي حائض مثل الظهار فلو طلقها الوكيل لا يقع به الطلاق أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إنه لا يقع لأنه توكيل على معصية.
وبعضهم يقول: إنه يقع الطلاق في نفسه ليس بمعصبة وإنما حرمته عارضة بسبب الحيض وهذا الخلاف فيما إذا وكله في أن يطلقها حال الحيض. أما إذا وكله في أن يطلقها مطلقاً فطلقها الوكيل حال الحيض فغن طلاقه يقع على الموكل اتفاقاً لأن أصل التوكيل لم يكن على معصية. وحاصل ما تقدم أن الأفعال التي كلف الشارع بها الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما كان لمصلحة تتعلق بخصوص الفاعل بحيث لو باشر الفعل غيره فأتت المصلحة التي شرع من أجلها فهذا تمنع النيابة قطعاً وذلك كالإيمان بالله تعالى فإن الغرض من التصديق بالإله العبودية له وإجلاله وتعظيمه وذلك أمر خاص بالشخص نفسه ومصلحته ترجع إليه بخصوصه فلا يصح أن ينيب فيه غيره.
ومثل ذلك الصلاة والصيام فإنهما ما شرعا إلا لتعظيم الله وإجلاله وإظهار العبودية له تعالى وذلك لا يكون إلا من الشخص نفسه فلا يصح أن ينيب غيره فيه.
وكذا حلف اليمين فإنه ما شرع إلا للدلالة على صدق المدعي وذلك لا يحصل بحلف غيره فلا تصلح النيابة. وكذا النكاح بمعنى الوطء فإن الغرض منه إعفاف النفس عن الفاحشة والمحافظة على الأنساب وذلك لا يحصل بفعل الغير فلا يصح له أن ينيب غيره فيه بخلاف النكاح بمعنى العقد فغن الغرض منه تحقيق سبب إباحة الزوج وهذا السبب بتحقيق مباشرة الشخص بنفسه وبمباشرة وكيله بدون أن تفرت مصلحته الخاصة.
القسم الثاني: ما كانت المصلحة تتعلق بتحقيق الفعل بقطع النظر عن الأشخاص وذلك كرد المغضوب والعارية وقضاء الديون وتفريق الزكاة وإيصال الحقوق لأهلها فإن الشارع طلب من المكلف فعل هذه الأشياء لما فيها من المنافع فمتى وجد الفعل فقد تحققت المصلحة سواء كانت لفعل المكلف أو بفعل وكيله حتى ولو لم يشعر المكلف بفعلها.
القسم الثالث: ماكان مشروعاً لمصلحة تتردد بين الفعل من جهة وبين الفاعل من جهة كالحج فإنه شرع لأمرين:
أحدهما تعظيم الله تعالى وإجلاله والخضوع له وهذه المصلحة متعلقة بالفاعل لا تحصل من سواه.

(3/157)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثانيهما: إنفاق المال الذي ينتفع به الناس ومصلحة الاتفاق تحقق بحصوله من أي شخص فمن نظر إلى الحالة الأولى ملحقاً بالقسم الأول فقال: إن الحج لا تصح فيه الإنابة وبذلك قال مالك: فمن حج عن شخص لا ينفعه في إسقاط الفريضة وإنما له ثواب الإنفاق والدعاء، وقد قطع النظر عن الإنفاق لأنه أمر عارض بدليل أن المكي يحج بلا مال.
وأما من نظر إلى المعنى الثاني وهو الإنفاق - كالإمام الشافعي - فإنه يقول بجواز الحج عن الغير وذلك لأن القربة المالية لا تنفك غالباً عن السفر فلا ينظر إلى المكي الذي يحج بلا نفقه لأن ذلك نادر.
وأما الصيغة فلها اعتبارات ثلاثة وذلك لأنه إما أن ينظر إليها بالنسبة إلى جانب الموكل. أو بانسبة إلى جانب الوكيل. أو بالنسبة إلى جانب الموكل فيه. فإن نظر إليها بالنسبة للموكل فإنه يشترط لها أن تدل على معنى الوكالة عرفاً أو لغة أو عادة فإذا خالفت اللغة العرف يعمل بالعرف ولا ينظر للغة.
ولا يشترط لها أن تكون بلفظ مخصوص فإذا قال له: وكلتك أو أنت وكيل عني فإنه يصح. وكذا إذا قال له: تصرف عني بالفظ تصح بإشارة الأخرس أو الممنوع عن الكلام بسبب من الأسباب. ومثل انعقاد باعادة أن يكون لأخوين دار مملوكة لهما وقد جرت أحدهما أن يؤجرها ويقبض أجرتها فإنه يعتبر وكيلاً عن أخيه ويصدق في دعواه أنه أعطاه من الأجرة ما لم يثبت أنه متعدّ.
أما إن نظر إلى الصيغة بالنسبة للوكيل فإنه يشترط أن يقترن بها من جانب الوكيل ما يدل على قبول التوكيل. وهل قبول الوكيل يجب أن يكون فوراً، أو يصح مع التراخي؟ خلاف. والتحقيق أنه ينظر في ذلك العرف والعادة فإن كانت الصيغة الصادرة من الموكل تستدعي الجواب فوراً في العرف فإنه يجب أن يكون قبول الوكيل فوراً وإلا فلا.
وأما إذا نظر إلى الصيغة بالنسبة للموكل فيه يجب أن يكون معلوماً سواء كانت الوكالة متعلقة بأمر عام كما إذا فوض له التصرف. أو كانت متعلقة بشيء خاص كما إذا وكله في بيع سلعة خاصة أو طلب حق خاص ونحو ذلك.
أما طريق علم الموكل فيه فإنه يكون بلفظ يدل عليه أو لغة وقد عرفت أن العرف مقدم على اللغة إذا خالفها ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس أو غير القادر بأي سبب فإذا قال له: أنت وكيلي أو كلتك ولم يبين الشيء الذي وكله فيه ولا قرينة تدل عليه ولا عرف بين الناس فيه فإنه لا يكفي في صحة الوكالة وإن كان لفظ وكلتك يدل على الوكالة لغة لأنه اعتبار للغة ما لم يؤيدها العرف فلا بد من بيان الموكل فيه بصيغة عامة أو خاصة.
مثال الأولى: أن يقول له: وكلتك وكالة مفوضة أو وكلتك في جميع أموري أو أقمتك مقامي في أموري أو نحو ذلك مما يدل على التوكيل العام.
ومثال الثانية: أن يقول له: وكلتك في شراء هذه الدار أو المطالبة لي بحقي الذي عند فلان أو

(3/158)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
نحو ذلك.
ويترتب على الوكالة العامة نفاذ تصرف الوكيل في كل ما لا يضر بالمال للموكل أن يرد تصرفه أو يضمنه (يلزمه) شيئاً أما ما يضر بالمال لا ينفذ فليس للوكيل أن يتصدق من مال موكله ولا يهبه ولا يفعله ما ينقصه. إلا إذا قال له: وكلتك وكالة مفوضة وكل ما يصدرعنك ينفذ ولو كان ضاراً فإن تصرف الوكيل في هذه الحالة ينفذ فيه ضرر بالمال وإن كان يحرم عليه أن يفعل ما يضر بموكله ولو أذنه لأنه أمينة والأمين يجب عليه ألا يضر بمن ائتمنه على أي حال غير أنه لا ينفذ تصرفه إذا كان فيه سفه ويبذير. أما إذا تصرف بمعصية فإن الوكالة تكون من أصلها لما عرفت من انها لا تصح في المعاصي.
ويستثني من الوكالة العامة أمور:
أحدها: طلاق زوجة الموكل فإنه لا يدخل في التوكيل حتى ولو قال له: كل تصرفك نافذ ولو فيه ضرر وذلك لأن طلاق الزوجة لا بد له عرفاً من توكيل خاص بأن يقول له: وكلتك على طلاق زوجتي فلانة أو يشير إليها لأن يقول: وكلتك على طلاق هذه.
ثانيها: تزويج البنت فليس للوكيل أن يزوج بنت موكله إلا بتوكيل خاص بأن يقول وكلتك على زواج بنتي فلانة أو هذه مشيراً إليها.
ثالثها: بيع داره التي يسكنها. فلا بد له من توكيل خاص أيضاً بأن يقول: وكلتك على بيع داري الفلانية أو هذه الدار.
رابعها: بيع عبده القائم بأمور فإنه لا يدخل في الوكالة العامة. فهذه الأمور الأربعة لا تدخل في الوكالة العامة بل لا بد فيها من التوكيل الخاص.
الشافعية - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلاً لمباشرة الشيء الذي يزيد أن يوكل فيه غيره بحيث يصح له أن يتصرف فيه بنفسه وبذلك يخرج الصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران المتعدي بسكره والفاسق في تزويج من له عليها الولاية لأن الفسق يسلب الولاية والمعتوه والمجور عليه لسفه في مال ونحوه. والمرأة في عقد نكاح فإنها غير أهل لمباشرته بنفسها بدون ولي فلا يصح أن تنوب عن غيرها فيه ومثلها المحرم في ذلك فإنه ليس له أن يباشر عقد النكاح بنفسه مادام محلاماً فلا يصح للغير أن يوكله فيه.
وضابط ذلك أن كل ما جاز للإنسان أن يتصرف بنفسه في شيء جاز له أن يوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز أن يتصرف الإنسان في شيء بنفسه بدون وليه فإنه لا يجوز له أن يوكل فيه غيره ولكن هذا الضابط مبني على الغالب لأنه يستثني من الشق الأول منه مسائل: منها ما إذا ظفر شخص بحق له في دار مغلقة ولا يمكنه الوصول إليه إلا بكسر الباب أو نقب الجدار فإن له أن يباشر ذلك بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره ولو عجز عن العمل ما لم يكن من ذوي الهيئات ولا يليق بحاله أن يباشر ذلك العمل بنفسه فإنه في هذه الحالة يصح أن يوكل غيره فهذا الرجل يجوز له التصرف بنفسه ولا يجوز له أن يوكل غيره.

(3/159)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: السفيه المجور عليه إذا أذنه بالنكاح فإن له أن يباشر بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره.
ومنها: الوكيل القادر على القيام بالعمل فيما وكل فيه فإن له أن يباشر العمل وليس بوكل عنه غيره إلا إذا كان غير لا ئق به.
وكذلك يستثنى من الشق الثاني مسائل: منها الأعمى فإنه لا يجوز له أن يتصرف في بعض الأعيان التي يتوقف التصرفات فيها على الرؤية ولكنه يجوز له أن يوكل فيها غيره فهذا لا يجوز له التصرف بنفسه ومع ذلك فإنه يجوز له أن يوكل فيه غيره.
ومنها: المحرم بحج أو عمرة فإنه لا يصح له أن يباشر عقد النكاح بنفسه كما تقدم ولكن يصح له أن يوكل عنه غيره ليعقد له عقد النكاح بعد التحلل من الإحرام وسواء نص في التوكل على أن العقد يكون بعد التحلل أو أطلق ولم ينص فإنه يحمل على أن يكون العقد بعد التحلل نعم يجوز لغير المحرم أن يوكل عنه شخصاً يباشر له عقد النكاح لأن المحرم في هذه الحالة يكون سفيراً لا يباشر عقداً.
وكما أن الموكل يشترط فيه أن يكون أهلاً للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه غيره كذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف فيما يريد أن يوكل فيه غيره. فكل ما جاز للإنسان أن يتصرف في شيء بنفسه جاز له أن يتوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز له أن يتصرف فيه بنفسه لا يجوز له أن يتوكل فيه عن غيره.
وهذا الضابط أيضاً مبني على الغالب تستثني من الشق منه مسائل:
منها: المرأة فإن لها أنتتوكل في طلاق غيرها. وليس لها أن تباشر طلافها بنفسها فهي لا يجوز لها التصرف في هذه المسألة مع أنه يجوز لها أن تتوكل.
ومنها: السفيه المحجور عليه والعبد فغن لهما أن يتوكلا في قبول النكاح بدون إذن السيد. أما في إيجاب النكاح فإنه لا يجوز منهما مع أنه لا يصح لهما أن يتصرفا في قبول النكاح لأنفسهما بدون إذن الولي والسيد.
ومنها الصبي المأمون الذي لم يجرب عليه الكذب مرة واحدة فإنه يجوز توكيله في إيصال الهدية والإذن في دخول الدار. وتفرقة الزكاة وذبح الأضحية. ومع ذلك فهو ممنوع من التصرف.
فهذه شروط الوكيل والموكل. ويزاد عليها في الوكيل معنياً فلو قال لاثنين: وكلت أحدكما في بيع كذا لم يصح. وأما الموكل فيه فإنه يشترط فيه أمور:
أحدها: ان يكون معلوماً ولو بوجه ما فإذا كان مجهولاً جهالة تامة فغن التوكيل لا يصح، فمثال المجهول أن يقول له: وكلتك في جميع أموري أو في كثير وقليل فهذا التوكيل لا يصح لما في الجهالة من الغرر المفضي للنزاع.

(3/160)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومثال المعلوم من بعض الوجوه أن يقول له: وكلتك في بيع أموالي أو دوابي أو نحو ذلك ولو لم تكن أمواله معلومة من جميع الوجوه لأنه يكتفي بتميزها عن غيرها من العقود الأخرى.
ثانيها: أن يكون قابلاً لنيابة والشيء الذي يقبل النيابة هو إبرام العقود وفسخها فله أن يوكل عنه في البيع والهبة والضمان والوصية والحوالة وغيرها من العقود. وصورة التوكيل في الضمان أن يقول: جعلت موكلي ضامناً لك كذا وفي الوصية أن يقول جعلت موصباً لك بكذا. وصورة التوكيل في الحوالة أن يقول الوكيل: أحلتك بمالك على موكلي من دين بنظيره مما له على فلان. وكذا فسخ العقود فله أن يوكل في إقالة شخص من شراء سلعة أو في رد سلعة اشتراها لظهور عيب فيها. أو في فسخ عقد له حق فسخه بخيار المجلس أو بشرط من الشروط. وكذلك له أن يوكل غيره في قبض دين أو عين أو يوكله في أن يعطي غيره ديناً عليه.
أما إذا كان عليه عين (كالقمح أو الدواب) فإنه لا يصح أن يوكل غيره في تسليمها بل لا بد من أن يسلمها بنفسه على المعتمد. وكذا يصح له أن يوكل غيره في خصومة من دعوى وفي جواب عن دعوى سواء أرضي الخصم أم لا.
وكذا له أن يوكل في تملك أمر مباح كاصطياد السمك أو الطير. وله أيضاً أن يوكل في استيفاء العقوبة وتوقيعها على الجاني فيجوز التوكيل في حضور توقيع في الحدود ولكن لا يصح التوكيل في إيفائها بمعنى أنه يوكله في أن يتحمل عنه العقوبة، فإن ذلك لاقبل النيابة (راجع مذهب الحنفية) .
ولا يصح التوكيل في العبادات البدنية التي لا بد لها أو لمتعلقها من نية كالصلاة والإمامة فإن الإمامة وإن كانت لا تحتاج إلى نية ولكنها تتعلق بالصلاة والصلاة لا بد من نية ويلحق بهذا اليمين والإيلاء والظهار والشهادة والنذر فإن كل هذا لا يقبل النيابة.
أما العبادات التي تتركب من بدنية ومالية فإنه يصح فيها التوكيل كالحج والعمرة وتجهيز الميت وبنذر في الحج توابعه كركعتي الطواف فإنها وإن كانت صلاة لا تنفع فيها النيابة ولكن تقبل النيابة في هذه الحالة تبعاً.
ومجمل القول أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام لا تقبل النيابة والعبادات المالية المحضة أو المركبة من بدنية ومالية فإنها تقبل الإنابة.
ثالثها: أن يكون الموكل فيه مملوكاً فإذا وكله في طلاق امرأة سيزوجها كانت الوكالة باطلة.
أما الصيغة فإنها لفظ يدل على التوكيل من أحدهما (الوكيل أو الموكل) وعدم رد من الآخر فإذا قال الموكل: وكلتك في كذا أو فوضت إليك كذا سواء كان مشافهة أو كتابة أو مراسلة فإنه يصح.
ولا يشترط أن يقول الوكيل: قبلت بل الشرط ألا يرفض التوكيل، وكذلك لا يشترط عمله بالتوكيل فإذا

(3/161)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وكل شخص أخاه في أن يتصرف في شيء قبل أن بعلم بالتوكيل نفذ تصرفه ولا يشترط الفور فلو علم بالتوكيل ولم يشترط العمل فوراً أو لم يرده فوراً فإنه لا يضر على انه يشترط اللفظ من الجانبين في صورتين:
إحداهما: إذا كان لشخص عين مملوكة، ولكنها في يد غيره بإجارة أو إعارة أو نحو ذلك ثم وهبها لشخص آخر فوكل الموهوب له واضع اليد بقبضها فإن ابتوكيل في هذه الحالة لا يصح إلا إذا قبله واضع اليد لفظاً حتى تزول عنه يده، ولا يكتفي بإمساك الأرض، لأن معنى ذلك استدامة إجارتها أو إعارتها.
ثانيهما: الوكالة بجعل، فإذا وكل شخص آخر بأن يشتري له أرضاً معلومة وله على ذلك كذا فإنه لا بد في ذلك من القبول لفظاً لأن في هذه
الحالة تكون إجارة وشروطها أن يكون العمل الذي يقوم به الوكيل مضبوطاً.
الحنابلة - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلاً للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه، لأن من لا يصح أن يتصرف بنفسه فلا يصح أن يتصرف لنائبه بطريق الأولى إلا في أحوال ضرورية
منها: أن يكون الموكل أعمى فإنه ممنوع من التصرف فيما يحتاج لرؤية كعقد البيع وافجارة، ولكنه يجوز أن يوكل غيره عنه في ذلك لأن منعه عن التصرف لعجزه عن العلم بالمبيع لا لنقص فيه.
ومثل الأعمى الغائب فإن له أن يوكل غيره في عقد البيع أو الإجارة وإن كان ممنوعاً من التصرف لعدم الرؤية، فخرج بذلك الصبي والسفيه والمجنون ونحوهم كما تقدم في البيع على أنه يصح توكيل الصبي المميز بإذن وليه في كل تصرف لا يشترط فيه اليلوغ، فلا يصح توكيله في نحو إيجاب النكاح، ولكن يصح توكيله في قبوله. أما الطلاق فإنه يصح توكيله بدون إذن وليه إذا عقله.
وكذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف فيما يوكل فيه فلا يصح له أن يوكل في شيء ممنوع من التصرف بنفسه إلا في أمور:
أحدها: أن يتوكل الحر الغني القادر على النككاح في زواج أمه لمن يتاح له فإنه ممنوع من تزويجها ولكنه يباح ل له أن يتوكل في تزويجها لغيره.
ثانيها: أن يتوكل الغني عن فقير في قبض الزكاة، فإنه ممنوع عن أخذ الزكاة لنفسه، ولكنه يصح توكيله عن غيره، ومثل ذلك الزكاة والكفارة والنذر.
ثالثها: أن يتوكل في قبول زواج أخته أو عمته لأجنبي فإنه ممنوع من زواجها لنفسه مع جواز توكيله في قبول زواجها لغيره.
ومنها: توكيل المرأة في طلاق نفسها أو طلاق غيرها فإنه صحيح، مع أن المرأة لا تتصرف في الطلاق من غير توكيل. فهذه الصور جارية على الغالب.
وأما الموكل فيه فهو كل ما فيه حق الآدمي من العقود فيصح في البيع والشراء والإجارة

(3/162)


مبحث الوكالة بالبيع والشراء
-الوكالة بالبيع والشراء من الأمور التي يكثر وقوعها بين الناس فلذا أفردنا في مبحث خاص كما فعل بعض المؤلفين ولها أحكام مفصلة في المذاهب (1) .
__________
والمضاربة والقرض والإبراء والطلاق والرجعة والحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمساقاة والصلح والهبة والصدقة والوصية والقسمة وغير ذلك من العقود. وكذلك يصح في تملك المباحات من صيد واحتطاب وإحياء أرض ميتة.
ولا تصح الوكالة في العقود التي لا تقبل النيابة كالظهار واللعان والنذر والإيلاء والقسامة، والقسم بين الزوجين والشهادة والتقاط لقطة أو لقيط، كما لا تصح في المعاصي والرضاع وغير ذلك.
ويصح للرجل أن يوكل غيره في أن يقبل له النكاح بشرط أن يسند الوكيل إليه العقد فيقول ولي الزوجة. زوجت موكلك فلاناً أو زوجت فلاناً فلانة ويقول الوكيل: قبلت النكاح لفلان أو لموكلي فلان فإن لم يذكر ذلك فإن النكاح يفسد وإن نوى موكله.
أما حقوق الله تعالى فمنها لا يقبل النيابة وهي الأعمال البدنية المحضة والصيام والطهارة، فهذه لا يصح التوكل فيها. ومنها النيابة وهي الأعمال المالية المحضة أو المركبة من المالية والبدنية، والأولى كتفرقة الصدقة والزكاة والنذر والكفارة وهذه تصح فيها الوكالة مطلقاً والثانية أعمال الحج والعمرة فإنهما مركبان من أعمال مالية وبدنية ولكن لا تصح النيابة فيهما مطلقاً بل عند العجز عن أدائهما.
ويصح له التوكيل في إثبات الحدود وفي استيفائها ممن وجبت عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فاعترفت فأمر بها فرجمت" فقد وكله في إثبات الحد واستيفائه والأولى أن يكون استيفاء الحد الموكل في الحدود المتعلقة بحقوق العباد لجواز أن يرحمه ويعفو عنه فيسقط الحد.
وأما الصيغة فهي كل لفظ يدل على الإذن في التصرف: كوكلتك أو فوضت إليك في كذا أو نحو ذلك. وتنعقد الوكالة بقول بع هذا الجمل أو اعتق هذا العبد. وتنفذ أيضاً بقول: أفمتك مقامي أو جعلتك نائباً عني، ويصح قبول الوكالة لفظ أو فعل من الوكيل يدل على القبول، ولا يشترط علم الوكيل بالوكالة فلو وكل شخص آخر ولم يعلم ولكنه تصرف بعد التوكيل نفذ تصرفه. ولا يشترط الفور لقبول الوكالة بل يصح قبولها ولو بعد سنة فأكثر.

(1) المالكية - قالوا: يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
أولاً: إذا وكل شخص آخر على أن يبيع له سلعة معينة ولم يصرح في التوكيل بأنه وكله في قبض

(3/163)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثمن المبيع فإن كان العرف والعادة في مثل ذلك أن الوكيل لا يقبض الثمن فإنه لا يصح له قبضه وإذا قبضه وإذا دفعه له المشتري لا تبرأ وللموكل أن يطالب المشتري بالثمن.
أما إذا كانت العادة جارية على أن الوكيل الذي يتولى البيع قبض الثمن أيضاً فإنه يكفي أن يثبت أنه وكيل على بيع السلعة فقط وثبت ذلك فإن عليه أن يقبض الثمن ولو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه.
أما إذا لم تجر العادة بقبض الثمن ولا بعدمه فإن على الوكيل قبض الثمن أيضاً وإن لم ينص عليه في التوكيل ولكن قبض الثمن من توابع البيع.
وهذا كله إذا وكله على بيع سلعة معينة كما قلنا. أما إذا وكله على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به على أي حال.
وإذا وكله على أن يشتري له سلعة فاشتراها ولكن الوكيل اشترط على البائع أنه غير ملزم بدفع الثمن والذي يدفع هو الموكل فإن الوكيل في هذه الحالة لا يصح له قبض السلعة التي اشتراها لموكله. أما إذا اشترى السلعة ولم يشترط براءة ذمته دفع الثمن فإن عليه أن يقبض السلعة ويكون هو الملزم بدفع الثمن.
ثانياً: إذا وكل شخص آخر وكالة غير مقبوض على أن يشتري له سلعة غير معينة كأن قال: اشتر لي جملاً فاشتراه له ثم وجد بع عيباً لم يعلم به الوكيل حال شرائه فإنه يجب على الوكيل أن يرده لصاحبه بذلك العيب سواء كان من العيوب الخفية أو من العيوب الظاهرة.
أما إذا كان عالماً به حال الشراء فليس له رده ويكون ملزماً به دون الموكل إلا إذا رضي الموكل به فإذا عين الموكل السلعة كأن قال له: اشتر لي جمل فلان ثم وجد به عيباً فليس له رده وعليه أن يخبر موكله بذلك فإن شاء ده وإن شاء قبله الوكيل مفوضاً له رد السلعة ولو عينها الموكل فيجوز له الرد ويجوز له القبول.
وإذا كان العيب قليلاً يغتفر مثله عادة وكان في الشراء فائدة للموكل كما إذا اشترى له ناقة مقطوعة الذنب ولكن رخيصة فليس له الخيار.
ثالثاً: إذا وكله وكالة غير مفوضة على أن يبيع له سلعة فباعها لآخر ثم ظهر بها عيب فإن المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري بانه وكيل أو يحلف وكيل، وفي هذه الحالة يرجع المشتري على الموكل.
أما إذا كان وكيلاً مفوضاً فإن للمشتري أن يرجع عليه أو على الموكل سواء علم بانه وكيل مفوض أو وكيل فقط أو لم يعلم.
رابعاً: وإذا وكله على شراء سلعة فإنه يجب عليه أن يشتري له سلعة لائقة به، فإذا قال: اشتري لي جبة من الجوخ وجب عليه أن يشتريها من الصنف اللائق بحاله مالم يعين له الثمن كأن

(3/164)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يقول له: اشتر لي جبة يسعر كذا فإذا عين. فبعضهم يقول: يشتري له بالسعر وإن لم يكن لاثقاً به. وبعضهم يقول: لابد من شراء اللائق به.
خامساً: إذا وكله أن يبيع له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يبيع به أولا يعين فإذا عين له الثمن فباع بأقل منه فإن للموكل الخيار فب إمضاء هذا البيع ورده فإذا أمضى البيع أخذ الثمن الذي باع به وإذا رده أخذ سلعته إن كانت قائمة.
أما إذا فاتت فإن الوكيل يكون ملرماً بدفع نقص الثمن الذي سماه ولافرق في هذه الحالة بين أن يكون فرق الثمن يسيراً أو كثيراً.
أما إذا لم يعين له الثمن الذي يبيع به فباع بأقل من الثمن المثل فإن كان فرق الثمن يسيراً يمكن وقوعه عادة بأن كان يساوي نصف العشر فأقل فإن البيع ينفذ وليس للموكل الخيار.
أما إذا كان الفرق أكثر من نصف العشر فللموكل الخيار بين رد البيع وإمضائه على الوجه المتقدم.
سادساً: إذا وكله على أن يشتري له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يشترى به أو لا يعين.
فإذا لم يعين له الثمن كانت هذه الصورة كصورة ما إذا وكله بالبيع وهو أنه إذا اشترى له بزيادة عن ثمن المثل فإن كانت الزيادة يسيرة فلا خيار له وإي كانت كثيرة له الخيار.
أما إذا عين الثمن الذي يشتري به فإن له أن يشتري بزيادة يسيرة في هذه الحالة بخلاف حالة البيع فإذا وكله على أن يشتري له فرساً بعشرين جنيهاً مثلاً فاشتراها بزيادة جنيه فليس للموكل الخيار في قبولها أو ردها لأن الجنبه هو نصف عشر العشرين.
أما إذا اشتراها بزيادة جنيهين مثلاً فإن له الخيار في إمضاء الشراء ورده ومعنى رده في هذه الصورة أن الوكيل يكون ملزماً به ما لم يكن مشترطاً الخيار.
ويشترط في إمضاء الشراء ألا يكون قد اشترى سلماً فإن كان الوكيل قد دفع نقداً على أن يأخذ بها قمحاً يعد شهرين مثلاً فليس للموكل أن يرضى بذلك في حالة المخالفة بل عليه أن برفض.
وذلك لأنه بمجرد مخالفة الوكيل أصبح الثمن ديناً في ذمته، فإذا أجار الموكل هذا الشراء فقد برأه من الدين في مقابلة المسلم فيه الذي لم يقبضه وهو دين فيلزم من ذلك فسخ الدين وهو باطل على أنه يلزم في هذه الصورة بيع الطعام قبل قبضه أيضاً، وذلك لأن القمح يلزم الوكيل بمجرد المخالفة، فإذا رضي الموكل بذلك فيكون الوكيل قد باعه إياه قبل قبضه وهو باطل أيضاً.
سابعاً: إذا وكله على أن يشتري له من سوق معين وفي زمان معين فخالفه واشترى من غير ما عينه له فإن كانت أسعار السلع تتفاوت بالنسبة للأسواق أو الأزمنة كان للموكل الخيار في القبول والرد، وإن كانت لا تتفاوت فلا خيار له.

(3/165)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثامناً: إذا وكله أن يبيع له سلعة ربوية بمثلها، كما إذا قال له: بع هذا القمح بفول فخالف في ذلك وباعه بأرز مثلاً كان للموكل الخيار في إجازة البيع ورده بشرطين:
الأول أن يكون المشتري جاهلاً بمخالفة الوكيل بما أمره به موكله فإن كان عالماً بهذه المخالفة فسد العقد ابتداء وذلك لأنه يكون قد أقدم على شراء شيء وهو عالم بأنه يجوز أن يتم له أولا يتم وهذا مفسد للبيع في الأمور الربوية لأنه يكون داخلاً على الخيار في الأمور الربوية وهو مبطل وهذا يقال: إنكم أجزتم للموكل الخيار في اجازة البيع ورده إذا خالف الوكيل في بيع ربوي أو شرائه والجواب أن هذا الخيار ليس مشترطاً في الأصل بل هو خيار حكمي جر إليه الحكم وهو المخالفة أما الذي يبطل فهو الخيار الذي ثبت بالشرط من أول الأمر، كأن يشترط الخيار أو يكون عاماً به كما في الصورة الأولى.
هذا والأمور الربوية هي الأصناف التي يحرم فيها ربا الفضل المذكورة في مباحث الربا وهي كل ما كان طعاماً مدخراً مقتاتاً كالقمح والشعير والأرز ونحوها أو كان ذهباً أو فضة.
الشرط الثاني: الا يلتزم الوكيل أو المشتري ما نقص عن الثمن الذي سماه الموكل في حالة التوكيل بالبيع كما إذا قال له: بع هذه السلعة بعشرين فباعها بخمسة عشر، ثم التزم للموكل بنقص الثمن وهو خمسة، فإنه في هذه الحالة لا يكون للموكل خيار.
ومثل ذلك ما إذا التزم له الوكيل بالزيادة على الثمن في حالة التوكيل يالشراء كما إذا قال له: اشتر لي سلعة بعشرة فإشتراها بخمسة عشر ثم التزم الزيادة وهي الخمسة فإنه لا يكون للموكل خيار في هذه الحالة.
تاسعاً: لا يجوز للوكيل أن يشتري السلعة التي وكل على بيعها ولو عين له الموكل الثمن الذي يبيع به لأنه يحتمل أن يشتريها غيره بثمن أكثر من الذي عينه له، نعم يجوز له شراؤها إذا أذنه موكله بذلك أو انتهت رغبات الناس في هذه السلعة الى ثمن معين، كما إذا عرضها للمبيع في الأسواق التي تباع فيها وانصرف التاس عنها.
وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع لمن كان له عليه ولاية حجر لصغر أو لسفه أو لجنون أو رق فلا يجوز أن يبيع لإبنه الصغير أو الكبير والمجنون أو نحوهما وذلك لأنه هو الذي يتولى عنهما القبول فكأنه باع لنفسه أما زوجته وولده الرشيد فإنه يجوز أن يبيع لهما بشرط عدم المحاباة فإن حاباهما بأن باع لهما ما يساوي بذلك الثمن ثم ارتفع ثمنها وصار عشرة وعلم الموكل فليس مطالبته بالفرق.
الحنفية - قالوا: يتعلق بالوكالة على البيع والشراء أمور:
أولاً: أنه إذا وكله على شراء شيء أو بيعه، فلا بد أن يكون ذلك الشيء معلوماً ولو بوجه حتى يتمكن الوكيل من تنفيذ أمر الموكل، فإن كان مجهولاً جهالة تامة فإن التوكيل باطلاً إلا إذا كانت الوكالة عامة.

(3/166)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وبيان ذلك أن الوكالة على البيع والشراء إما أن تكون عامة أو خاصة، والموكل على شرائه أو بيعه إما أن يكون معلوماً أو يكون مجهولاً جهالة تامة، أو يكون مجهولاً جهالة يسيرة، فإذا كانت الوكالة عامة - كما قال له -: (وكلتك على أن تشتري لي ما رأيت) أو (أن تبيع من مالي ما رأدت) ، فإنه يصح أن يشتري له ما يشاء من ماله ما يشاء بدون تعيين.
أما إذا كانت الو كالة خاصة والجهالة فاحشة فإن الوكالة لا تصح، وذلك كما إذا قال له: اشتر لي ثوباً أو دابة، فالثوب والدابة مجهولان جهالة تامة، ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة الجنس، وهو أن يذكر شيئاً يشمل أجناساً ولم يبين واحداً منها (كالدابة والثوب) فإذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي دابة لا يصح، لأن الدابة في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض من حيوان وإنسان وقد خصها العرف بالخيل والبغال والحمير، وعلى كل حال فهي تشمل أجناساً كثيرة، فإذا حملت على المعنى العرفي كانت شاملة للخيل والبغال والحمير، فالجنس الذي يريد شراؤه مجهول، إذا يحتمل أنه يريد الخيل أو البغال أو الحمير، (وليس المراد الجنسي المنطقي، وهو المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة) بل المراد ما يكون تحته أصناف فالخيل مثلاً جنس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافاً كثيرة منها عربي ومنها مسكوفي ومنها مضمرة، إلى غير ذلك من أصناف الخيل، وكذا البغال والحمير فإنها أجناس لأنهما تشمل أصنافاً كثيرة.
ومثل الدابة الثوب، فإن فيه جهالة الجنس، لأن الثوب يشمل أجناساً مختلفة، كل جنس تحته أصناف كثيرة فهو يشمل: القماش والحرير والصوف والكتان، والقماش يشمل: (المدارسي والمقصورة والشاش الإسلامبولي والهندي) إلى غير ذلك، والحرير يشمل (القطني والألج والحرير الهندي) وغير ذلك، ومثل ذلك الصوف والكتان فكلها أجناس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافاً كثيرة، فإذا لم يبين الجنس الذي يريده الموكل كانت الوكالة باطلة حتى ولو ذكر الثمن.
أما إذا كانت الجهالة يسيرة فإن الوكالة الوكالة تصح، وذلك كما إذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي حماراً، أو بغلاً، أو فرساً) فإن الوكالة تكون صحيحة - لأنه وإن لم يكن فيه بيان شاف - ولكن جهالته غير فاحشة، ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة النوع، وهو أن يذكر عبارة تشمل أصنافاً كصيرة لم يبين واحداً منها، فالمراد بالنوع الصنف، فإذا قال له: وكلتك على شراء فرس فقد وكله شراء نصف مجهول لأن الفرس أصنافاً كثيرة كما ذكرنا آنفاً: فعدم تعيين واحد منها فيه جهالة للنوع (أي الصنف) ولكن هذه الجهالة يسيرة، وذلك لأن الوكيل قادر على تحصيل غرض الموكل وذلك بأن ينظر إلى حاله ويشتري ما يليق به.
وهناك قسك آخر وهو الجهالة المتوسطة وذلك كما إذا قال له: اشتر لي داراً بثمن كذا فإنه وإن لم يبين الجهة التي يشتري فيها ولا عدد حجرها مثلاً، ولكن الثمن يجعلها ملحقة بالمجهول جهالة يسيرة.

(3/167)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا لم يذكر ثمناً ولا صفة كانت ملحقة بجهالة الجنس وبعضهم يقول: إن ذكر الثمن لا يجعل جهالتها يسيرة، بل لابد من ذكر الجهة يترتب عليها اختلاف كثير في الثمن والرغبة.
والحاصل أن جهالة الشيء الموكل على بيعه أو شرائه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: جهالة الجنس، وجهالة النوع والجهالة المتوسطة.
وقد عرفت تعريف كل واحدة منها مع أمثلة. فإذا ذكر الموكل لفظاً بين به جنس الموكل وعليه ونوعه وصفته فإن الوكالة تصح بلا نزاع وذلك كأن يقول: وكلتك على شراء فرس أدهم مسكوفي أو نحو ذلك.
أما إذا لفظاً يدل على أجناس مختلفة فلم يبين جنسه فلا يصح التوكيل قطعاً وذلك كأن يقول: وكلتك على شراء ثوب حتى ولو ذكر الثمن.
أما إذا ذكر لفظاً يدل على انواع مختلفة ولم يبين النوع الذي يريده. وإذا ذكر لفظاً يدل على أنواع مختلفة باختلاف أحوال الناس فتارة مجهولة والمبنية يسيرة - كالدار - فإنها تدل على دور متعددة لأنها تشمل الدار الكبيرة والمبنية بالحجر باللبن المحروق وغيره. والموجودة في بلد كذا أو جهة كذا. أو شارع كذا. إلى غير ذلك فإذا كان في قربة ولا تختلف دورها كثيراً في بنائها واتساعها وموقعها فإن الجهالة تكون يسيرة وتلحق بجهالة النوع إلا أنه لا بد فيها من ذكر الثمن كأن يقول: وكلتك على دار بكذا.
أما إذا كان في مدينة يختلف حال الدور فيها باختلاف الموقع وتفاوت بنيانها اختلافاً كثيراً فإنه لا بد من ذكر الأوصاف المميزة لها وإلا كانت ملحقة بجهالة الجنس فلا تصح الوكالة.
ثانياً: إذا اشترى الوكيل لموكله سلعة ثم ظهر بها عيب ولم يردها الوكيل إلى صاحبها كان ملزماً بها إلا إذا قبلها الموكل على عيبها.
وإذا هلكت في يد الوكيل قبل أن يلزمه الموكل بها هلكت على الموكل، وهل للموكل أن يرد السلعة المعينة قبل أن يستلمها من الوكيل؟
الجواب: ليس له ذلك لأن ردها من حقوق الوكيل ما دامت في يده. فإذا مات ينتقل إلى وراثه فإذا لم يكن له وارث انتقل حق الرد إلى الموكل. أما إذا استلم الموكل السلعة فقد أصبح هو صاحب الحق في ردها بالعيب لأن الوكالة تنتهي السلعة وليس للوكيل حينئذ ردها إلا إذا أمره موكله بذلك فإنه يصح.
وإذا وكله على أن يبيع له سلعة وظهر للمشتري أن عيباً فإن للمشتري أن يردها على الوكيل إلا إذا سلبت عن الوكيل أهلية التصرف كأن جن أو حجر فإنها ترد في هذه الحالة على الموكل.
ثالثاً: إذا وكله على أن يشتري له سلعة ولم يعطيه ثمنها فاشتراها الوكيل له من ماله ودفع ثمنها فإن للوكيل حبس هذه السلعة وعدم تسليمها للموكل إلا إذا دفع ثمنها فإن له حبسها بطريق الأولى

(3/168)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وذلك لأنه في حالة دفع الثمن قد يتوهم أنه بالثمن لموكله فلا يصح له حبس عنه أما في حالة عدم الدفع فلا يتوهم التبرع.
وإذا هلكت السلعة في يد قبل أن يحبسها عن موكله فإنها تهلك من مال الموكل فعليه أن يدفع ثمنها.
ومثل ذلك ما إذا دفع الموكل له ثمن السلعة لشتريها فضاع منه الثمن فإنه يضيع على الموكل لا على الوكيل نعم إذا اشترى سلعة ثم أعطاه الموكل ثمنها ليدفعه إلى البائع فققد منه الثمن قبل يعطيه للبائع فإن الوكيل يكون ملزماً به وكذلك إذا هلكت السلعة في يد الوكيل بعد حبسها عن الموكل فإنها تهلك على الوكيل وليس له أن يطالب الموكل بثمنها سواء كانت قيمة السلعة متساوية مع ثمنها أو لا.
وبعضهم يقول: إن السلعة في هذه الحالة كالمرهون. فإن تهلك بالأقل من ثمنها وقيمتها بمعنى أنها تقوم وقت هلاكها فإن كانت قيمتها تساوي ثمنها بأن كان ثمنها عشرة ولم ينقص عن ذلك ولم يزد عند هلاكها فالأمر ظاهر.
أما إذا زادت قيمتها عن ثمنها خمسة كانت الخمسة حقاً للموكل فيطالب بها الوكيل وإن نقضت خمسة كانت حقاً للوكيل فيطالب بها الموكل. مثلاً إذا وكله بشراء جمل فاشتراه له بخمسة عشر ولم يدفع الموكل الثمن ولم يرض الوكيل بإعطائه الجمل قبل دفع الثمن ثم مات بعد ذلك في يد الوكيل. ففي هذه المسألة رأيان:
أحدهما: أن الجمل هلك بثمنه على الوكيل فلا يطالب الموكل بشيء سواء زادت الجمل أو نقصت.
ثانيهما: أنه ينظر إلى ثمن الجمل وقيمته عن ثمنه بحيث أصبح يساوي عشرة فإن الوكيل يحسب عليه عشرة فقط ويرجع على الموكل بالخمسة.
أما إذا كانت قيمته هلاكه قد ارتفعت إلى عشرين فإنه بخمسة عشر ويرجع الموكل على الوكيل بالخمسة التي زادت.
رابعاً: إذا اشترى الوكيل السلعة بثمن معجل ثم أجله له البائع بعد الشراء فإن للوكيل الحق في مطالبة الموكل بالثمن حالاً.
أما إذا اشتراها بثمن مؤجل من أول الأمر فليس له مطالبة الموكل بالثمن حالاً.
خامساً: إذا أراد شخص أن يتعاقد مع آخر في سلم فإنه يصح له أن يوكل عنه من يدفع للمسلم إليه (البائع) رأس مال السلم (الثمن) ، أما المسلم فإنه لا يجوز له أن يوكل عنه غيره في قبض رأس مال السلم وذلك لأنه مجرد أن يقبض الوكيل رأس المال (الثمن) فإنه يصير المسلم فيه (المبيع) في ذمته

(3/169)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
فيكون مسؤولاً عنه مع أن الثمن يعطي إليه ولا يجوز أن يبيع الإنسان ماله بشرط أن الثمن لغيره وبذلك يكون التوكيل باطلاً ويكون الوكيل هو المتعاقد (المسلم إليه) فيكون رأس المال مملوكاً له والمسلم فيه ديناً في ذمته فإذا أعطى رأس المال من وكله كان في ذمته.
وفي الصورة الأولى الجائزة وهي ما إذا وكل رب السلم (المشتري شخصاً ليدفع عنه رأس مال المسلم (الثمن) فإنه لا يصح للوكيل أن يفارق المسلم إليه البائع قبل أن يدفع له رأس المال فإذا فارقه بطل العقد. وإذا كان الموكل حاضراً وفارق المجلس قبل القبض. هل يبطل العقد أو لا؟ رأيان فبعضهم يقول: إن الوكيل نائب فإذا حضر الأصيل فلا يعتبر النائب. وبعضهم يقول: إن الوكيل وإن كان نائباً في أصل العقد ولكنه في التصرف في الحقوق فلا عبرة بحضور الموكل ولا بمفارقته ما دام الوكيل حاضراً.
ومثل السلم الصرف فإنه يجوز لكل من العاقدين أن يوكل عنه من يستلم العين التي يتبادلانها بشرط ألا يفارق الوكيل صاحبه قبل العقد.
سادساً: إذا وكله على أن يشتري له شيئاً بعينه كفرس فلان أو ثوره أو غير ذلك فإنه لا يجوز للوكيل أن يشتري ذلك الشيء عند غيبة موكله.
أما إذا كان موكله حاضراً فإن له أن يشتريه لنفسه لأن له أن يعزل نفسه عن التوكل رأساً بحضرة موكله ويكون حراً. أما في حالة غيبة موكله فإنه لا يجوز له عزل نفسه فلا يصح أن يشتري لنفسه ما أمره موكله بشرائه له وإلا كان مغرراً وذلك لا يجوز. نعم إذا قال له اشتر لي كذا بعشرين فاشتراه لنفسه بخمسة وعشرين أو قال له اشترلي بورق فاشتراه بذهب فإنه يجوز لأن في مخالفة لأن في مخالفة الموكل عزلاً ضمنياً للوكيل.
ومثل ذلك ما إذا وكله على أن يزوجه امرأة بعينها فإن للوكيل أن يزوجها لنفسه وذلك لأن النكاح لا بد من إضافته إلى الموكل فإذا أضافه الوكيل لنفسه فقد عزل نفسه لمخالفته مقتضي التوكيل.
وإذا وكله على أن يشتري شيئاً غير معين كأن قال له اشتر لي ما رأيت فهذه تحتمل ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن ينسب الثمن إلى مال أحدهما أحدهما وفي هذه الحالة تكون السلعة لصاحب المال سواء كان الوكيل أو الموكل.
الصورة الثالثة: أن لا ينسب الثمن إلى مال أحد كالصورة الثانية ولكن الوكيل لم ينو عند الشراء أن تكون السلعة له أو للموكل ووافقه الموكل على ذلك وفي هذه الحالة رأيان:

(3/170)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الرأي الأول: أن تكون السلعة لمشتري (الوكيل) مطلقاً سواء دفع ثمنها من ماله أو من مال الموكل.
الرأي الثاني: أن تكون للذي دفع الثمن من ماله.
سابعاً: إذا ادعى الوكيل أنه اشترى حيواناً كفرس فهذه المسألة تحتمل صوراً:
الصورة الأولى: أن يكون مأثوراً بشراء ذلك الحيوان بعينه والحيوان حي لم يحدث فيه عيب وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء أخذ ثمنه أو لا بعد أن يحلف وذلك لأنه أخبر عن شيء يملك فعله في أي وقت ما دام وكيلاً.
الصورة الثانية: أن يكون الحيوان قد هلك أو حدث به عيب. وهذه تحتمل وجهين:
الوجه الثاني: أن لا يكون قد فقد الثمن وفي هذه الحالة يكون القول للموكل.
الصورة الثالثة: أن يكون مأموراً بشراء حيوان غير معين والثمن مفقود وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء كان حياً أو ميتاً.
الصورة الرابعة: أن يكون الحيوان غير معين والثمن غير منقود وفي هذه الحالة يكون القول للموكل لما فيها من جهة التهمة للوكيل فإنه يحتمل أن يكون قد اشتراه لنفسه فلما رأى الصفقة خاسرة قال إنه اشتراه للموكل.
ثامناً: إذا قال شخص لآخر بعني هذا الثور لفلان فباعه إياه ثم أنكر المشتري أن فلاناً أمره بالشراء حقيقة.
تاسعاً: إذا وكله على أن يشتري له سلعتين معينتين ولم يسم ثمناً فاشترى له إحداهما بقدر قيمته أو بزيادة يسيرة يتعغابن فيها الناس فإنه يصح، أما إذا اشتراها بزيادة فاحشة فإنه لا يصح وذلك لأن الوكيل على شراء شيء لا يجوز له أن يشتري بغبن فاحش.
وإذا وكله على بيع شيء فخالفه فإن كانت المخالفة في خير فإنها تنفذ كما قال له بع هذا الفرس بعشرين جنيهاً فباعها بخمسة وعشرين بشرط أن يبيع بالنقد أي بحيث لو باعها بورق فإنه لا يصح ولو كانت مصلحة للموكل.
الحادي عشر: لا يجوز لوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها لنفسه أو لمن له عليه ولا ية بسبب الحجر لصغر أو جنون أو سفه أو لمن لا تقبل شهادته كابنه الكبير وأبيه فهؤلاء الأنواع الثلاثة

(3/171)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لهم كما أن يبيع سلعة موكله لهم كما لا يجوز ان يشتري له سلعة منهم لتهمة المحاباة فضلاً عن أن البيع والشراء من نفسه أو ممن له عليه ولاية يستلزم أن يكون البائع والمشتري واحداً والمعروف أن عقد البيع لا يكون إلا بين اثنين. فإذا أذنه الموكل أن يبيع لمن لا تقبل شهادته فإنه يصح أن يبيع لهم أو يشتري منهم بثمن المثل كما لا يجوز له أن يبيع لهم بأزيد ويشتري منهم بأنقص بلا خلاف فإن باع أو اشترى منهم بغبن فاحش فإنه لا يصح قولاً واحداً وفي الغبن اليسير خلاف (والغبن الفاحش هو الذي لا يتغابن الناس فيه عادة أي لا يخدع بعضهم فيه بعضاً. وقدره بعضهم في عروض التجارة بما زاد على نصف العشر وفي الحيوان بما زاد على العشر وفي العقار بما زاد على الخمس) فذلك هو الغبن الفاحش وما عداه فهو يسير.
أما إذا أذنه الموكل بأن يبيع لنفسه أو لابنه الصغير ففيه رأيان:
أحدهما: أنه لا يجوز لأن العاقد في هذه الحالة يكون واحداً.
ثانيهما: انه يجوز (ويظهر أن الذي يقول بعدم الجواز لعلة كون العقد واحداً لا يمنع أن يبيع الوكيل السلعة لأجنبي ثم يشتريها منه ثانباً لأنه في هذه الحالة يكون البائع غير المشتري)
الثاني عشر: يجوز للوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها بيعاً مطلقاً والكثير فلا يسأل عن الغبن سواء كان فاحشاً أو يسيراُ عند أبي حنيفة. اما صاحباه فيقولان انه يجوز أن يبيع بغير ثمن. المثل وقد رجح بعضهم قول الإمام وبعضهم رجح قول صاحبيه وعليه الفتوى.
أما إذا وكله على أن تشتري له سلعة فإنه لا يجوز لوكيل أن يشتريها بأكثر من ثمن المثل بحسب العرف والعادة بالإجماع فإذا أشترى على خلاف العادة والمعروف أو اشترى بغير النقود نفذ شراؤه على نفسه وكان ملزماً بالثمن الذي أخذه من مال موكله.
واعلم أنهم قسموا الذين ينصرفون في البيع والشراء إلى أقسام.
الأول: الأب والجد والوصي إذا باعوا أو اشتروا مال القاصر أو المحجور عليه وهؤلاء ليس لهم أن يبعوا أو يشتروا بحسب العرف والعادة ويغتفر لهم الغبن اليسير.
الثاني: الوكيل بالبيع المطلق والمضارب وشريكا العنان وهؤلاء يجوز لهم أن يبعوا كما يحبون ونفذ تصرفهم ولو غبنوا غبناً فاحشاً عند أبي حنيفة أما صاحباه فقد عرفت رأيهم في ذلك آنفاً وقد عرفت أن شراء هؤلاء لا ينفذ إذا كان بحسب العرف والعادة باتفاق.
الثالث: المريض مرض الموت إذا كان عليه دين يستغرق جميع ماله وهذا إذا باع منه شيئاً فإنه يجن أن يكون بحسب العرف والعادة ولا ينفذ تصرفه إذا غبن فيه سواء كان الغبن فاحشاء أو يسيراً، والمشتري بالخيارإما أن يرد السلعة لأو يكمل مانقص من ثمنها، فإن مات وترك وصياً وباع وصيه بالمال لسداد دينه فإنه يعفى في بيع الوصي عن الغبن اليسير في هذه الحالة.
أما إذا باع الوصي لمن لاتقبل له شهادته وحاباه ولو يسيراً فإنه لا يصح.

(3/172)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الرابع (الوصي) وهو لا يجوز له أن يبيع مال اليتيم، أو يشتريه لنفسه إلا إذا كان فيه خير لليتيم، وتقدر الخيرية بزيادة الثلث، فيجوز له إن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ويبيع له ما يساري خمسة عشر بعشر وإلا فلا.
الخامس: (الكاتب) و (العبد) المأذون بالتجارة؛ وهذان لهما أن يبيعا وأن يشتريا على خلاف العرف والعادة عند أبي حنيفة، فلو باعا ما يساوي عشرة بواحد فإنه يصح، أما صاحباه فيقولان أنه لا يجوز أن يبيعا على خلاف المعروف.
الثالث عشر: إذا وكله أن يبيع له سلعة يتجر فيها فباعها بثمن مؤجل فإنه يصح، أما إذا وكله على أن يبيع له إردَبّاً من القمح ليدفعه في الخراج المطلوب منه فوراً فإنه لا يصح أن يبيعه بثمن مؤجل، وكذا في كل سلعة قامت القرينة على الاحتياج إلى ثمنها على أنه يشترط في البيع بثمن مؤجل ألا تطول مدة الأجل طولاً يخالف العادة في مثل ذلك، وإلا لم ينفذ بيعه.
الشافعية - قالوا: ينعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
أولاً: إذا وكله على أن يشتري له شيئاً فعليه أن يبين صنفه. فإذا قال وكلتك على شراء دار فيجب أن يبين جهتها كأن يقول في بلد كذا في حارة كذا أو شارع كذا ما لم يكن الغرض من الشراء التجارة فإنه لا يشترط بيان النوع لأن المقصود للموكل أن يشتري له ما فيه ربح في أي جهة كان وعلى أي صفة وجد فيطفي أن يقول له اشتر ما فيه ربح.
ثانياً: إذا وكله على شراء معين فيجب على الوكيل أن يتبع ما أمره موكله فإذا قال له اشتر لي فلان ناقة بثمن كذا فإنه يتعين ولا يجوز للوكيل الخروج عنه وإذا وكله على أن يبيع له سلعة بثمن مؤجل إلى أجل معين كشهر أو شهرين فإنه يصح، وعلى الوكيل أن يتبع ما أمره به موكله فإن خالف ذلك بأن باع بثمن حال، أو بأجل انقض من الأجل الذي عينه له موكله فإنه يصح بشرطين:
الأول: ألا ينهاه الموكل عن البيع الحال، أو يكون فيه ضرر على الموكل كنقص في الثمن.
الثاني: ألا يعين له المشتري فإن عينه كأن قال له بع لفلان بثمن مؤجل فإنه لا يصح أن يخالفه أما إذا قال له بع بثمن مؤجل ولم يحدد الأجل فإنه على الأجل المتعارف في بيع هذه السلعة فإن لم يكن فيه عرف بين الناس فعلى الوكيل أن يتبع ما فيه مصلحة موكله.
خامساً: لا يصح لوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه أو لابنه الصغير أو السقيه أو المجنون وذلك لأن عقد البيع يجب أن يكون بين اصنين أحدهما موجب كأن يقول بعت كذا والآخر قابل وهو الذي يقول قبلت (وهنا الشخص واحد) لأنه إما أن يبيع لنفسه أو يبيع لمن هو ولي عنه، وهذا لا يصح. نعم إذا

(3/173)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
حدد الموكل الثمن، ووكل عن ابنه الصغير، أو المجنون أو السفيه من يقبل عنه البيع ورضي موكله الأصلي بذلك فإن البيع يصح.
أما البيع لولده الكبير (البالغ الرشيد) ولأبيه وإن علا فإنه يصح في الأصل، وبعضهم يقول: يصح لوجود التهمة، فإن صرح الموكل بالبيع لهما فإنه يصح بلا خلاف.
ثالثاً: إذا قال له وكلتك على أن تبيع هذه السلعة بما شئت أو بما تراه فإن له أن يبيعها بغير نقد البلد (بالعملة المستعملة في البلاد الجنبية) وليس له أن يبيع بغبن فاحش أو بثمن مؤجل.
وإذا قال له بعها بكم شئت فإن له أن يبيع بغبن فاحش وليس له أن يبيع بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد، وذلك لأن (كم) للعدد فيشمل القليل والكثير فهو أذنه في أن يبيع بأي ثمن، وليس فيه تصريح له بالبيع إلى أجل أو بغير البلد.
وإذا قال له بعها كيف شئت فله بيعتها بثمن مؤجل وليس له بيعها نغبن فاحش أو نقد البلد وذلك لأن (كيف) للحال فيشمل الثمن الحال والمؤجل فهو المصرح لا بالغبن ولا بمخالفة نقد البلد.
رابعاً: إذا وكله وكالة مطلقة فليس له أن يبيع أو يشتري إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: ألا يتعاقد إلا بثمن فيه مصلحة الموكل فلا يبيع السلعة إلا بثمن المثل أو أكثر ولا يشتري إلا بثمن المثل أو أقل، فإذا غبن في بيعه غبناً فاحشاً فإنه لا يصح.
والغبن الفاحش هو ما لا يغتفر بحسب العرف، أما الغبن اليسير وهو كثيراً بين الناس فإنه لا يضر، وإذا باع السلعة بثمن المثل ووجد لها راغب بثمن أزيد فإذا كان فرق الثمن كثيراً بحيث يقع الغبن الفاحش فإنه يجب أن يبيع السلعة للراغب إذا كان زمن الخيار فإن لم يفعل انفسخ العقد الأول.
الشرط الثاني: أن يبيع بثمن حال لا مؤجل، فإذا باع مؤجل فإن البيع لا يصح.
الشرط الثالث: أن يبيع بالنقود المستعملة في بلد البيع، فلا يصح البيع بالنقود المستعملة في الممالك الأجنبية عنها مالم يأذن به الموكل.
الحنابلة - قالوا: يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
أولاً: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه لأن العرف في البيع أن يبيع الشخص لغيره والوكالة على العرف، وكذا لا يصح أن يبيع لولده أو زوجه وكذا سائر من لا تقبل شهادته له لأن في ذلك تهمة كالتهمة التي تلحقه إذا باع لنفسه.
ثاباً: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله بعرض تجارة ولا بثمن مؤجل ولا بنقود غير مستعملة في بلد البيع إلا أذن له موكله، وإذا اختلفا في الإذن فالقول للوكيل، أما إذا اختلفا في التصرف كما إذا قال له أمرتني ببيع السلعة والموكل قال: بل امرتك برهنها فالول للموكل.
ثالثاً: إذا حدد ثمن السلعة لوكيله، فإن عليه أن يتبع أمره، فإذا باع مما عينه له صح

(3/174)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
البيع، ولكن الوكيل ملزماً بدفع الثمن الذي عينه له الموكل. وكذا إذا لم يحدد له ثمناً ولكنه باع بأقل من ثمن المثل فإنه يلزم بدفع ثمن المثل.
ومثل ذلك ما إذا اشترى بأزيد من الثمن الذي عينه له، أما بأزيد من ثمن المثل، فإن البيع والشراء يصح، ولكنه يكون ملزماً بدفع الثمن. فإذا باع بأكثر مما عينه له الموكل صح ويعفى في البيع والشراء عن الغبن اليسير.
أما الغبن الفاحش، وهو ما لا يقع مثله ويقدر بعشرين في المائة، فإنه لا يعفى عنه وبلزم به الوكيل.
رابعاً: إذ قال له الموكل اشتر لي سلعة بثمن حال فاشتراها بثمن مؤجل فإنه يصح، أو بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فإنه يصح إذا لم يترتب على ذلك ضرر للموكل لأنه في هذه الحالة قد فعل ما فيه زيادة خير لموكله.
أما إذا ترتب على ذلك ضرر، كما إذا قال له: بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فحجز عليه ظالم، أو لم يستطع حفظه في ذلك الوقت فعرضه للضياع فإن الوكيل لا ينفذ تصرفه، وبعضهم يقول: وعليه ضمان الضرر، ومثل ذلك ما إذا قال: اشتر لي سلعة بعشرة فاشتراها بأكثر من ذلك لأجل.
خامساً: إذا اشارى الوكيل سلعة بها عيب معلوم له فإن الشراء يلزم الوكيل فليس له رد السلعة وإذا رضي بها موكله مع عيبها فإنه يصح لأنه مقصود بالشراء.
أما إذا كان العيب غير معلوم للوكيل فإن رد السلعة ما لم يحضر الموكل قبل ردها فإن حضر فليس للوكيل الرد وذلك لأن حق السلعة المعيبة للموكل والوكيل قائم مقامه فقط، فإذا حضر الموكل كان صاحب الشأن وكذلك حق تسليم الثمن وقبض المبيع فإنه للموكل لا لوكيل فإذا حضر الموكل كان هو صاحبه.
سادساً: إذا وكله على أن يبيع له سلعة فإن عليه أن يسلمها لمن اشتراها وليس له قبض الثمن فإن لم يأذنه صريحاً ولكنه أذنه ضمناً بأن قامت قرينة على إذنه بقبض الثمن فإنه يصح، وذلك كما وكله أن يبيع جملاً في سوق عامة بعيدة عنه ولم يعين له المشتري فلا معنى لهذا إلا أنه قد أذنه بقبض الثمن فإن باع الوكيل السلعة وسلمها ولم يقبض ثمنها كان ملزماً به لأنه في هذه الحالة يكون مفرطاً.
سابعاً: إذا وكله على أن يشتري له سلعة فإن على الوكيل أن يسلم ثمن السلعة لو أخر تسليم الثمن بلا عذر ثم فقد كان الوكيل ضامناً له.
ثامناً: إذا وكله أن يشتري شيئاً فلا بد من بيان نوعه وثمنه، فإذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي ما تشاء أو تشتري لي عيناً بما تشاء فإنه لا يصح.

(3/175)


مبحث التوكيل بالخصومة
-إذا وكل عنه من يقوم مقامه في الخصومة بأن يدعي عنه دعوى صحيحة أو يجب عن دعوى فإن ذلك جائز ولا يملك هذا الوكيل قبض هذا الدين ولا الصلح بل لا بد من التوكيل على ذلك في عقد الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
تاسعاً: إذا وكله على بيع ماله أو بيع ما شاء منه فإنه يصح على أنه إذا قال: بع من مالي ما شئت فله بيع ماله كله.

(1) (المالكية - قالوا: التوكيل في الخصومة جائز بشروط:
أحدهما: أن يمون وكيل الخصومة واحداً لا أكثر فلا يصح له أن يوكل أكثر من واحد إلا برضا الخصم.
ثانيهما: ألا يكون الوكيل عدو للخصم فإن ثبتت عدواته فإنه يصح ضده، أما إذا لم تثبت عدواته له فإنه توكيله بدونة رضا الخصم.
ثالثهما: لا بد من تعيين في الخصومة فلا يصح أن يقول: وكلتك كل من يخاصم عني حتى لو كان شخصان شريكين في حق عند واحد وقالا: من يحضر منا يخاصم ضده فإنه لا ينتفع لأنه يكون بمنزلة توكيل متعددة بدون تعيين الوكيل فلا بد تعيين من يخاصم منهما.
رابعها: ألا يباشر الموكل نفسه الخصومة أمام الحاكم فإذا باشرها بنفسه وحضر ثلاث جلسات إنه لا يصح له أن يوكل بعد ذلك لما في ذلك من تفاقم الشر واتساع الخصومة وذلك منهي عنه في نظر الشريعة السمحة، نعم يصح له أن يوكل عنه لعذر من مرض أو سفر أو اعتكاف وفي هذه الحالة عليه أن يحلف بأنه ما وكل عنه إلا لسبب من هذه الأسباب فإن امانتع عن الحلف فلا يصح له أن يوكل إلا برضا خصمه. ومن العذر أن يتشاتما أو يضيق الخصم عن احتمال خصمه فيحلف بالله ألا يقف إلى جانبه في الخصومة.
أما إذا حلف لغير سب فإنه لا ينفع حلفه وليس لوكيل الخصومة نفسه بعد أن يحضر ثلاث جلسات إلا لعذر بعد أن يحلف اليمين أنه ما عزل نفسه إلا لهذا العذر وكذلك للموكل عزله. أما قبل حضوره ثلاث جلسات فإن عزل نفسه وللموكل عزل موكله قبل ذلك فلخصمه أن يوكله إلا إذا أصبح عدواً للموكل الأول فإنه لا يصح.
وإذا خاصم الوكيل في قضية، ثم انتهت وأراد الدخول في قضية أخرى فإنه يصح بشرط أن يكون الوكالة غير معينة، ولم تطل مدة انقطاع الخصومة بين القضيتين، فإذا طالت إلى ستة أشهر فإنه لا يصح.
أما إذا كانت متصلة، ولم تنقطع فللوكيل أن يتكلم عن موكله وإن طال المدى كثيراً.

(3/176)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولا يملك وكيل الخصومة الخاصة الإقرار عن موكله إلا إذا نص عليه في عقد التوكيل فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ويكون الوكيل في هذه الحالة كشاهد.
أما الوكيل وكالة مفوضة فإنه يملك الإقرار ويشترط لنفاذ الإقرار على الموكل في الحالتين شروط بحيث لا ينفذ من وكيل الخصومة الخاصة المنصوص فيها عن أن له الإقرار ولا من الوكيل المفوض إلا إذا تحققت هذه الشروط:
الأول: أن يقر بشيء معقول يناسب الدعوى فلا يقر بشيء زائد عن المناسب.
الثاني: أن يقر بما هو من نوع الخصومة كأن يوكله في دين فيقر بأنه قبض بعض أو أبرأه عن بعضه. أما إذا وكله بدين له عند خصمه فأقر له اتلف له وديعة عنده ونحو ذلك فإن الإقرار لا ينفذ.
الثالث: ألا يقرلشخص بينه وبينه ما يوجب التهمة كصديقة أو قريبة أو نحو ذلك.
وإذا قال الموكل لوكيله: أقر عني بألف يكون ذلك إقرار من الموكل، فلا يحتاج لإنشاء الوكيل إقرار وليس للموكل الرجوع بعد، ولا عزل الوكيل عن الإقرار ويكون شاهداً عليه بها.
الحنفية - قالوا: الوكالة في الخصومة جائزة لا فرق بين أن يوكل واحداً أو أكثر ولكن هل تصح بدون رضا الخصم أو لا؟ فبعضهم رجح قول الإمام وهو أن التوكيل في الخصومة لا يجوز إلا برضا الخصم وبعضهم رجح قول صاحبيه وهو أنه يجوز رضا الخصم سواء كان المدعي أو مدعى عليه.
وبعضهم فوض الأمر للقاضي وهو أنه إذا علم من الموكل التعنت والإضرار بالخصم بدون حق فلا يقبل التوكل وإذا علم من أحد الخصمين التعنت في عدم قبول التوكيل الذي يقصد منه بيان الحقيقة لا يصغي له. وهذا حسن في وماننا لأن كثيراً من الناس يعلم حق العلم أنه مبطل وأن قضيته خاسرة ولكن يحمله العناد والإغراق في الخصومة على توكيل محام لا عمل له الإضرار بالخصم بأن يحاول تأخير حقه على نفقات ضائعة نكاية به أو غير ذلك فلو أن الموكل الذي يظهر منه ذلك للقاضي لا يقبل منه لإلا برضا خصومة يكون حسناً.
ومحل ذلك كله ما إذا كان القاضي غير محل التهمة وإلا فالعمل برأي الصالحين أولى وأنفع, وعلى أن الإمام أجاز التوكيل بالخصومة وإن لم يرض الخصم للضرورة كما كان الموكل مريضاً لا يمكنه حضور مجلس القضاء بقدميه فإذا أمكنه الحضور على ظهور دابة فإنه يلزمه الحضور إن لم يترتب على ذلك زيادة مرضه وإلا فلا.
وكذا إذا عزم على سفر مدة بحيث تقوم القرينة على أنه مسافر حقاً خصمه يحلفه القاضي بالله وكذا المحذرة التي تخالط الرجال عادة فإن لها أن توكل بدون رضا الخصم وكذلك إذا كان لا يحسن الدعوى فإن له أن يوكل عنه رضي الخصم أو لم يرض. وهذه الطريقة قد تجعل لمعظم العامة الحق في التوكيل. ولوكيل الخصومة أن يعزل نفسه متى شاء إذا كان متبرعاً ومثله وكيل

(3/177)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
القبض ووكيل البيع والشراء وغير ذلك إلا في أمور ثلاثة: فليس للوكيل نفسه أو يعزله موكله.
الأمر الأول: إذا وكله في أن يسلم عيناً لشخص كأن قال له: أعط هذه الثياب أو الكتب أو الحيوانات لفلان، ثم غاب الموكل عن البلدة فإنه يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يسلمها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
الأمر الثاني: أن يوكله على بيع الرهن كما إذا رهن عيناً في نطير دين ووكل شخصاً على أن يبيع هذه العين لسداد الدين فإنه يجبر على بيعها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
الأمر الثالث: أن يوكل شخصاً بالخصومة وهو غائب ليجيب الدعوى بناء الدعوى على طلب المدعي فإنه يجب على الوكيل أن يباشر عمله حيث لا يجد أمامه من يقاضيه.
أما إذا كان المدعي عليه حاضراً فللموكل عزله لأنه يمكنه أن يطلب منه حقه وهو حاضر وكذا 'ذا لم يكن التوكيل بطلب المدعي لأنه لا حق له في الوكالة وسيأتي لذلك مزيد في عزل الوكيل.
والوكيل بالخصومة والمطالبة بالحقوق والمطالبة لا يملك القبض على المفتي به بل لا بد لقبض الدين ونحوه من الحقوق المالية من نص عليه في التوكيل فإذا وكله على قبض الدين ولم يوكله على الخصومة فإن له أن يخاصم عنه الخصومة طريق لأخذ ضد الصلح الموكل عليه ووكيل الخصومة يملك الإقرار بخلاف غيره من الوكلاء فلا يملك الإقرار لا فرق بين وكيل القبض أو وكيل الصلح أو غيرهما وإنما يملك وكيل الخصومة الإقرار بشروط:
الشرط الأول: أن يقر مجلس القضاء فلو أقر خارجه الموكل.
الشرط الثالث: ألا ينص في توكيل الخصومة على ألا يكون للوكيل حق فإذا نص على ذلك الوكيل لا يملك الإقرار. وحاصل هذه المسألة أنه إذا قال له: وكلتك بالخصومة على ألا يكون لك حق الإقرار عني فإنه يصح فلو أقر عليه في مجلس القضاء بعد ذلك فإنه يخرج من الوكالة فلا تسمع خصومته ويكون للوكيل في هذه الحالة حق الإنكار فقط فإذا استثني الإنكار كان له حق الإقرار فإذا وكله بالخصومة على ألا يكون له حق الإقرار ولا حق الإنكار ففي صحة هذا التوكيل خلاف.
الحنابلة - قالوا: التوكيل يالخصومة جائز، وليس الخصومة أن يقبض الحقوق المالية إلا

(3/178)


مبحث هل للوكيل أن يوكل غيره؟
-إذا أذن الموكل وكيله يتوكيل الغير فإنه يصح له أن يوكل، وأما إذا لم يأذنه فإن فيه اختلاف المذاهب (1) .
__________
إذا نص عليها في عهد التوكيل. أما إذا لم ينص فغن الخصومة لا تشمل القبض لا لغة ولا عرفاً لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض. أما الوكيل في القبض فإن له الخصومة لأنه قد لا يتوصل إليه إلا بها ففي التوكيل بالقبض إذن بالخصومة.
الشافعية - قالوا: الوكالة بالخصومة تصح ولكن الخصومة لا يملك الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء من الدين. على أن الوكالة بالإقرار لا تصح حتى ولو صرح بها الموكل في توكيله على الأصح فإذا قال شخص لآخر: وكلتك على أن تقر لفلان فقال بكذا فقال الوكيل: أقررت لفلان بكذا فإنه لا يصح لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وهل الموكل يكون مقراً بذلك أو لا؟
والجواب أن هذا يختلف لاختلاف العبارة. فإذا قال له: وكلتك لتقر عني لفلان بألف له علي، فإنه بذلك يكون مقراً قطعاً. وإذا قال له: وكلتك لتقر عني ولم يقبل علي فقبل يكون مقراً وقيل: لا والأصح أنه يكون مقراً.
أما إذا قال: وكلتك لتقر لفلان بألف علي ولم يذكر عني فإنه لا يكون مقراً على الأصح لأنه لم يصرح بأن الأقرار عنه. أما إذا قال: وكلتك لفلان بألف ولم يقل عني ولا علي فإنه لا يكون مقراُ قطعاً) .

(1) (المالكية - قالوا: إذا لم يأذن الموكل الأصلي وكيله بتوكبل الغير فإنه لا يصح له أن يوكل إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون وكيلاً على أمر لا يليق به أن يتولاه بنفسه كما إذا وكله على بيع دابة بسوق عامة وهو عظيم لا يناسبه أن يباشر بنفسه وذلك البيع فله في هذه الحالة فإذا لم يتحقق هذا الشرط ووكل عنه غيره بدون إذن الموكل الأصلي وضاع المال كان مسؤولاً عنه.
الحالة الثانية: ان يوكل على عمل كثير لا يستطيع أن يتولاه وحده فله في هذه الحالة أن يوكل عنه غير ليساعده في العمل وليس له أن يوكل من يستقل بالعمل وحده.
وإذا وكل الوكيل الوكيل عنه ثم عزل الموكل الأصلي الوكيل الأول فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بمعزل الأول فإذا أراد الموكل الأصلي عول الثاني فله عزله استقلالاً وللوكيل الأول عزل الوكيل الثاني، وإذا مات الموكل الأصلي انعزل الوكيلان وأما الوكيل وكالة مفوضة فله الغير توكيل الغير مطلقاً.
الحنفية - قالوا: لا يجوز للوكيل أن يوكل عنه في دفع ما عليه بدون إذن موكله إلا في أمور:
أحدها: أن يوكل شخص آخر في دفع ما عليه من زكاة فللموكل في هذه الحالة أن يوكل عنه غيره

(3/179)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
بدون إذن موكله ويجوز تصؤفه بدون إذن الموكل الأصلي ما إذا وكل شخص آخر على أن يشتري له أضحية فوكل الوكيل غيره فاشترها فالشراء في هذه الحالة يقع موقوفاً على إجازة الموكل الأصلي فإن أجازه صح وإلا فلا.
ثانيهما: أن يوكل شخص آخر في أن يقبض ديناً فللوكبيل أن يوكل عنه شخصاً ممن يعولهم (أي من ضمن عياله) فإذا وكل عنه من كان في عياله ودفع المديون له الدين فإنه يبرأ لأن يد من كان من ضمن العيال كيد الوكيل. أما إذا وكل شخصاً أجنبياً ليس من ضمن عياله ودفع المديون له الدين ثم وصل ليد صاحبه (الموكل الأصلي) فإن المديون يبرأ من الدين. أما إذا لم يصل الدين إليه وهلك في يد الوكيل الثاني لم يبرأ المدين وعلى الوكيل الثاني ضمان الدين وله الرجوع على الوكيل الأول الذي وكله.
ثالثها: إذا وكل شخصاً على أن يبيع له سلعة ثم طلبه ليقدر له ثمنها الذي يبيعها به فوكل الوكيل عنه من يذهب إلى الموكل ليسمع منه تقدير الثمن فإن التوكيل يصح بدون إذن الموكل الأصلي لأن مقصودة وهو تقدير الثمن حصل بدون ضرر.
ويقوم التفويض إلى رأي الوكيل مقام الإذن بالتوكيل فإذا قال الموكل له: اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فله أن يوكل عنه وإذا قال الوكيل الأول للوكيل الثاني: اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فليس أن يوكل عنه وكيلا ثالثاً بذلك ويستثنى من ذلك الطلاق والعتاق كما مر فلا يصح أن يوكل عنه غيره.
وإذا وكل الوكيل الول عنه وكيلاً آخر بدون إذن أو تفويض فتصرف الوكيل الثاني فإن تصرفه لا يصح إلا إذا أجازه الوكيل الأول سواء كان حاضراً أو غائباً لأن الغرض هو حصول رأي الوكيل وقد حصل بإجازته للفعل ويسمى الثاني وكيلاً وإن كانت وكالته بدون إذن أو تفويض غير صحيحة لأن إجازة تصرفه وكيلاً حالاً ألا ترى أن الفضولي بعد عمله يصير وكيلاً فالإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.
وإذا وكل الوكيل الأول بأمر الموكل أو بالتفويض يكون الثاني تابعاً للموكل الأصلي فلا ينعزل الوكيل الأول الذي وكله ولا بموته وينعزلان معاً بموت الموكل الأصلي.
الحنابلة - قالوا: لا يجوز للموكل أن يوكل غيره فيما يمكنه أن يباشر عمله بنفسه فإذا كان وكيلاً على شيء لا يصح لمثله أن يتولاه فإنه يصح له أن يوكل غيره فيه وكذا كان وكيلاً على شيء يعجز عن مباشرة عمله بنفسه فإنه يصح له أن يوكل في عمله غيره وإذا أذنه الموكل الأصلي توكيل الغير عنه فإنه يصح وكذا إذا وكله ومالة مفوضة بان يقول له: اصنع ما شئت فإنه في هذه الحالة يصح له أن يوكل عنه غيره.

(3/180)


مبحث عزل الوكيل
-الوكالة من العقود الجائزة لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل بذل نفع وكلاهما غير لازم فكل واحد من الموكل فسخ عقد التوكيل فيصح للوكيل كما يصح للموكل أن يعزله على تفصيل في المذاهب (1) .
__________
الشافعية - قالوا: يصح للوكيل أن يوكل عنه فيما يعجز عنه أو لا يليق به مباشرته بدون إذن فلا بد من إذن موكله الأصلي صراحة أو ضمناً) .

(1) (الحنفية - قالوا: الوكالة من العقود الجائزة إلا في ثلاثة مواضع فإنها تكون لازمة بحيث لا يصح عزل الوكيل فيها وذلك لأنها لا تكون مقصودة على الوكيل والموكل بل يتعلق بها حق لغير في هذه المواضع وقد تقدمت في مبحث الوكالة بالخصومة وهي:
(أ) الوكالة بيع الرهن فإذا رهن شخص عند آخر عيناً في نظير دين ثم وكل شخصاً على أن يبيع هذه العين لسداد ذلك الدين فإن الوكالة تصبح لازمة فليس للوكيل عزل نفسه كما أنه ليس للموكل عزله لتعلق حق صاحب بهذه الوكالة لأنه يريد أخذ حقه ببيع العين. ومن ذلك ما إذا وكل آخر بأن يقبض دينه من فلان المديون فإنه لا يجوز له عزله إلا إذا علم المديون لتعلق حق بذلك.
(ب) الوكالة بالخصومة بالتماس الطالب عند غيبة المطلوب مثلاً إذا علم لشخص عند آخر دين ثم أراد المدين السفر إلى بلاد نائبة فطلب صاحب الدين من المدين أن يوكل عنه شخصاً ليخاصمه في طلب الدين حال غيابه فوكل عنه بناء على هذا الطلب فعند ذلك الوكيل غير قابل للعزل لأنه قام مقام المدين الغائب وليس لصاحب الدين من يطالبه بدينه سواه فلو عزل الوكيل ضاع عليه حقه أما إذا كان المدين حاضراً لا غائباً فإن الوكالة تكون جائزة لا لازمة لأنه يمكن أن يخاصم المدين. وكذلك إذا لم يكن تعيين الوكيل بناء على طلبه لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق فيه.
(ج) الوكالة على تسليم عين لشخص مع غياب الموكل فإنه يجب على الوكيل أن يسلم هذه العين لصاحبها ولا يجوز له عزل نفسه كما تقدم في مبحث الخصومة فهذه الأمور تصبح فيها الوكالة لازمة وما عداها فإن الوكالة فيها لكل منهما فسخها ولكن يشترط علم كل منهما بالعزل، فإذا عزل الوكيل نفسه فعليه أن يكون بكتاب يصل إليه أو إرسال رسوله إليه بشرط مميزاً سواء كان عدلاً أو غيره أو كبيراً وسواء صدقه أو كذبه أو بمشافهته بالعزل أو نحو ذلك، ومحل ذلك إذا كان الوكيل متبرعاً أما إذاى كان بأجر فإنه يعامل بشرطه ولا يشترط علمه بالعزل في أمور:
أحدهما: إذا وكل شخص آخر ولم يعلم الوكيل بالوكالة فإن للموكل عزله بدون علمه بالعزل.
ثانيهما: الوكالة بالنكاح، والطلاق، والعتق، فإن للموكل عزل نفسه بدون علم موكله.
ثالثها: الوكالة بيع مال الموكل جميعه فإن عزل نفسه بدون علم موكله.

(3/181)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
رابعها: الوكالة بشراء شيء بغير عينه لوكيل أن يعزل نفسه بدون علم موكله. وعلة ذلك كله أن الموكل لا يلحقه ضرر بعزل الوكيل بدون علمه.
مثلاً إذا وكله على أن يبييع ماله وكان سوق البيع رائجاً فإذا عزل نفسه عن البيع بدون علم الموكل وفاته سوق البيع اعتماداً على وكيل في هذه الحالة لا يجوز له عزل نفسه بدون علم موكله، وينعزل الوكيل بلا عزل: أحدهما: نهاية الشيء الموكل فيه كما إذا وكلع على قبض دين قبضه فإن الوكالة تنتهي بالقبض.
ثانيها: موت أحدهما وجنونه جنوناً مطبقاً مدة شهر على المفتى به.
ثالثهما: إذا وكل المرتد شخصاً، ثمو لحق بدار الحرب أو قتل، فإن الوكيل ينعزل بمجرد الحكم بلحاق المرتد بدار الحرب أو قتله. أما إذا أسلم فإن التوكيل ينفذ وتبطل الوكالة اللازمة بالموت وبالجنون في أمرين: الوكالة بالخصومة بناء على طلب الخصم، والوكالة بتسليم عين مع غياب الموكل، أما الوكالة ببيع الرهن فإنها بهذه العوارض.
المالكية - قالوا: الوكالة من العقود فلكل من الوكيل فسخ عقدها كما يشاء في ثلاثة أحوال.
الحالة الأولى: الوكالة بالخصومة، فإنه لا يصح للموكل أن يعزله بعد نفسه كما لا يصح لموكل أن يعزله بعد أن يحضر مع الخصم ثلاث جلسات كما تقدم في منحث الوكالة، ولا فرق في هذه الحالة بالخصومة، ولا فرق في هذه الحالة بين أن يوكله في مقابلة عوض على الإجارة أولا، وهذه الحالة لا خلاف فيها.
الحالة الثانية: أن تقع الوكالة في مقابلة عوض على وجه الإجارة وذلك بأن يوكله على عمل معين بأجرة معلومة أو على غير معين في زمن معين ومثال الأول أن يوكله على أن يبيع له جماله المعروفة وله بعد بيعها خمسة جنيهات بدون أن يحدد له زمناً ومثال الثاني أن يوكله على أن يعرض هذه الجمال في السوق للبيع خمسة أيام وله جنيهات بعد هذه المدة سواء باع هذه الجمال بالفعل أو لا، ولا يصح أن يعين له العمل والعمل والزمان، كأن يقول له: بع هذه السلعة في خمسة أيام بأجر كذا، فإن لم يبيعها لا يستحق شيئاً، لأن تعيين العمل يفسد الإجارة.
الحالة الثالثة: أن تقع الإجارة في مقابلة عوض على وجه الجعالة، وذلك كما إذا وكله على أن يستخلص له ديناً في نظير جعل ياخذه بشرط أن يبين له قدر الدين أو الشخص الذي عنده الدين، ولا يشترط في الجعالة أن يبين له المدين قدر الدين والشخص المدين كانت إجارة لا جعالة. وهاتان الحالتين مختلف فيهما: فبعضهم يقول: إن الوكالة لا تلزم على كل حال، سواء كانت

(3/182)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
في مقابلة عوض على وجه الإجارة أو على وجه الجعالة، أو لم تكن، وبعضهم يقول: إنها تلزم ثم إنها إنها كانت على وجه الإجارة تلزم الوكيل والموكل بمجرد العقد.
وإذا كانت على وجه الجغالة تلزم الجاعل (الموكل) بشروع الوكيل في العمل أما المجمول له (الوكيل) فلا تلزمه بل له الفسخ.
وينعزل الوكيل بموت موكله لأن الوكيل نائب عن الموكل في ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله إلى ورثته فلا يملك شيئاً يتصرف فيه نائبه حينئذ وهل ينعزل الوكيل بمجرد موت الموكل وإن لم يعلم به أو لابد من العلم؟ خلاف والراجح أنه لا ينعزل إلا إذا علمه فإذا تصرف قبل العلم ينفذ تصرفه.
وإذا عزل الموكل وكيله فقيل ينعزل بمجرد العزل وقيل لا ينعزل ألا إذا علم فإذا تصرف قبل العزل لا ينفذ تصرفه على الأول وينفذ على الثاني.
الشافعية - قالوا: الوكالة لاتلتزم ولو كانت بجعل إلافي حالتين:
الحالة الأولى: أن يترتب على خروج الوكيل من الوكالة ضياع مال الموكل أو فساده فإن الوكالة في هذه الحالة يكون لازمة ولا يقبل الوكيل العزل.
الحالة الثانية: أن تكون الوكالة بلفظ الإجارة واستكملت شرائطها فإنها تلزم في هذه الحالة، وفيهما عدا ذلك يكون لكل من (الوكيل والموكل) فسخها متى شاء، ولو بعد التصرف. وفسخها بكون بالقرل، كأن يقول: فسختها أو أيطلتها، أو يقول الموكل: عزلت نفسب، أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الفسخ، كقوله: رددت وكالتك أو رفعتها.
وهل ينعزل الوكيل بمجرد العزل أو لا ينعزل إلا بعد أن يبلغه خبر عزله؟ والجواب: أنه لا ينعزل إلا بعد غلمه بالعزل فلو تصرف قبل عبمه ينفذ تصرفه.
وتنفسخ الوكالة بموت الوكيل أو الموكل أو بجنون أحدهما أو إغمائه.
وكذا تنفسخ بطروء فسق على الوكيل بالنكاح، فإذا وكل شخص آخر في عقد تكاح ففسق الوكيل كأن زنى أو سوق أو ارتكب جريمة توجب فسقة فإن وكالته تسقط لأنه يشترط في الوكيل بلنكاح ان يكون عدلاً، وكذا تنفسخ الوكالة بزوال ملك الموكل عن المحل الذي وكله بالتصرف فيه، فإذا وكله على بيع دار أو حيوان أو طعام، ثم باعه الموكل أو وقفه فإن الوكالة تنفسخ. وكذا تنفسخ إذا وكله على بيع دار ثم أجرها الموكل للغير.
الحنابلة - قالوا: الوكالة من العقود الجائزة فلكل من العقدة فسخها متى شاء ويبطل الوكالة في ذاتها بموت أحد العاقدين أو جنونه جنوناً مطبقاً ويالحجر عليه لسفه لأن الشخص في هذه الأحوال لا يكون أهلاً للتصرف فلا يصح أن يتوكل عن غيره.
وكذا تبطل بطروء فسق على أحدهما فيما يشترط فيه العدالة فإذا وكل شخص آخر على

(3/183)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
إيجاب النكاح كأن قال له وكلتك على أن تزوج بنتي من فلان بأن تقول له زوجتك فلانة ثم ارتكب الموكل بعد ما يجوز فسقه فإن الوكيل ينعزل.
أما إذا وكله على أن يقبل له النكاح كأن يقول له وكلتك على أن تقبل نكاح فلانة فلانة لابني أو لي الوكالة لا تبطل بفسق الموكل.
وكذا تبطل الوكالة بردة الموكل لأنه ممنوع عن الصرف في ماله، ولا تبطل بردة الوكيل إلا فيما ينافي الوكالة.
وإذا وكل شخص آخر على أن يطلق له زوجه ثم ذهب الزوج ووطئها بطلب الوكالة بذلك لأن وطأها دليل على الرغبة فيها.
ويعزل الوكيل بموت موكله وبعزله إياه ولو لم يعلم بالعزل ويكون ما بيده لا يضمن ما تلف منه تصرفه أما ما يتصرف فيه فإنه يضمنه) .

(3/184)