الفقه على المذاهب الأربعة

مباحث الإجارة
تعريفها وأركانها وأقسامها
-الإجارة في اللغة بكسر الهموة وضمنها وفتحها والكسر أشهرها وهي مصدر سماعي لفعل أجر على وزان ضرب وقتل فمضارعها يأجر وأجر بكسر الجيم وضمها ومعناها الجزاء على العمل. وقال: بعضهم إنها ليست مصدراً سماعياً أيضاً لأن المصدر القياسي لفعل أجر كضرب الأجر بمعنى الثواب والجزاء الحسن ولم يسمع أن الإجاوة مصدر له بل هي اسم لما يعطي من الأجرة وأن الذي ينبغي تعريفه فيما ياتي هو الإيجار وهو مصدر آخر بالمد يؤجر وأصله أأجر على وزان أكرم واسم الفاعل منه كمكرم ولكن الصحيح أن الإجارة مصدر سماعي أيضاً لفعل أجر كما ذكر أولاً فكما أن الإيجار مصدر قياسي لآجر كأكرم فكذلك الإجارة مصدر سماعي لأجر كضرب كما أنها اسم للاجرة وهي ما يعطي من كراء الأجير وياتي آجر أن يستعمل في لإجارة الدار ونحوهما مما لا يتصور فيه ذذلك من أن تكون آجرت على وزان أفعل كأكرم ثم إنه في هذه الحالة يتعدى إلى مفعولين تقول آجرت محمداً الدار أما آجر على وزان فاعل فإنه لازم غير متعد ومنه مؤاجرة الأجير تقول آجرت مؤاجرة على أنه إذا قال آجرت الأجير ولم يقل مؤاجرة فإنه يصح أن يحمل الفعل على وزان كأكرم ويتّعين في هذه الحالة أن يكون مصدره الإيجار ويصح أن يحمل على وزان فاعل ويكون مصدره الفعال والمفاعلة فيقال أجره إيجاراً ومؤاجرة. وأما معناها في الشرع ففيه تفصيل في المذاهب (1) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الإجارة عقد يفيد تكليك منفعة معلومة مقصودة من العين المستأجرة بعوض.
فقولهم عقد معناه إيجاب وقبول ولا يلزم أن يكون لفظاً وذلك كما استأجر شخص داراً من آخر لمدة سنة فلما انقضت المدة طلب منه صاحب الدار إخلاءها وإن لم يفعل عليه اليوم بكذا فشرع في إخلاءها ولم يتمكن من الإخلاء إلا في مسافة فإن عليه أجر المثل في تلك المسافة فالإجارة منعقدة فيها بدون لفظ كما سياتي.
وقولهم يفيد تمليك منفعة خرج به البيع والهبة والصدقة لأن العقد تمليك الذات لا تمليك المنفعة.

(3/86)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما عقد النكاح فقد قال بعضهم إنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع بمعنى أنه يفيد ملك البضع الذي يستمتع به وقال بعضهم إنه يفيد بالبضع وبسائر أجزاء بدنها بمعنى أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكلا القولين قريب من الآخر لأن الذي قال إن الزوج يملك الذات لا يملك بذلك أنه يملك الذات ملكاً حقيقياً كملك الإماء وإنما أراد أن
الاستمتاع ويختص به دون غيره ولذا عرفوه بأنه عقد على ملك المتعة أي يفيد ملك المتعة ومعنى الملك الاختصاص ويلزم منه حل الاستمتاع طبعاً وعلى كل حال فعقد النكاح خارج أما على الأول فإنه تمليك للذات ظاهراً.
وأما عقد الإجارة فهو تمليك للمنفعة ظاهراً وباطناً وأما على الثاني فإن عقد النكاح ليس تمليكاً لمنفعة البضع ولإنما هو تمليك لالانتفاع وفرق بين الأمرين لأن الذي يملك المنفعة يملك كل ما يجيء منها وهنا ليس كذلك ألا ترى أن المرأة المتزوجة إذا نكحها آخر بشبهة كأن اعتقد أنها خالية من الأزواج فعقد عليها فإن النكاح يكون فاسداً وعليه مهر المثل.
أما الذي ينكح منكوحة الغير وهو يعلم أنه يعلم فإنه يحد وبلزمه مهر المثل أيضاً ولا يأخذه زوجها بل تملكه هي فلو كان الزوج يملك منافع البضع لاستحق مهرها. وهذا بخلاف ما لو عقد أحد على جارية الآخر فإن مهرها الذي يجب لها عنده يملكه سيدها لأنه يملك بضعها ملكاً حقيقياً كما يملك كل منافعه.
وقولهم (معلومة) خرج به الإجارة الفاسدة بسبب الإبهام الموجب للمنازعة كأن لم تتبين مدة الإجارة أو لم تحدد المنفعة التي تحتاج إلى التحديد فإن المعروف وإنما هو الإجارة الصحيحة التي يتعلق بها غرض الشرع. وقولهم (مقصودة من العين المستأجرة) معناه أن منفعة الإجارة
ينبغي أن تكون منفعة معتبرة في نظر الشرع والعقل خرج به ما إذا استأجر شيئاً لغرض غير صحيح في نظر الشرع والعقل كما استأجر فرساً بضعة أيام ليقال إنه راكبي الخيل أو استأجر ثوباً ليوهم الناس أنه من العظماء يلبسه أو استأجر داراً ولم يسكنها ليقال إنه ثري قادر على دفع الإجارة ونحو ذلك من الأمور الصبيانية التي لا تكون لها قيمة في نظر الرجال وإن كانت مقصودة لصغار العقول فالمراد بقولهم مقصودة إنما هو القصد المعتبر في نظر الشرع والعقل لا مجرد القصد فإذا وقع شيء من ذلك كانت الإجارة فاسد ولا يلوم المستأجر أجرتها وإن استعملها.
أما إذا كانت الإجارة فاسدة بسبب الإبهام وكان الغرض من الاستئجار صحيحاً فإن الأجرة تلزم المستأجر بالاستعمال.
وأما ركن الإجارة فهو الإيجاب والقبول لما عرفت كما تقدم أن المراد بالركن ما كان داخلاً في الماهية العقد هي الصفة التي يتحقق بها وما عدا مما تتوقف عليه كالعاقد والمعقود عليه فإنه شرط لتتحقق الماهية.

(3/87)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وتنعقد الإجارة بلفظ، وبغير لفظ، وهو المعاطاة، فأما الأول فإنه يشترط فيه أن يكون لفظاً ماضياً من العاقدين بأن يقول أحدهما أجرت هذه الدار أو أجرتها بالقصر والمد، كما تقدم فيقول الآخر قبلت أو استأجرت. هذه الدار فقال له الآخر أجرت وكما تنعقد بلفظ إجارة فإنها كذلك تنعقد بلفظ الهبة والصلح كأن يقول أحدهما وهبتك منافع هذه الدار سنة بكذا أو شهراً فيقول الآخر قبلت. وكذا قال له صالحتك على منفعة هذه الدار سنة بكذا وقال قبلت فإن ذلك يكون إجارة وتنعقد أيضاً بلفظ الإعارة لأن العارية بعوض إجارة فلو قال اعرتك منفعة هذه الدار شهراً بجنيهين فإنها تكون إجارة أما إذا قال له أجرتك منافع هذه الدار شهراً بلا عوض فإنها لا تكون إعارة بل إجارة فاسدة فإذا استعملها بعد ذلك يلزم باجرة مثلها. وأما الثاني وهو المعطاة فإن الإجارة تنعقد به في المدة القصيرة والأجور الصغيرة التي تحدث بين الناس عادة من غير كركوب السفينة ودخول الحمام والحلاقة ونحو ذلك فإنه يجوز أن بقع ذلك بدون عقد إجارة صحيحة وأما المدة الطويلة فإن الإجارة تنعقد فيها بالمعاطاة متى كانت الأجرة من سنة لأخرى فقد ترتفع وقد تنخفض وذلك موجب للنزاع.
ومن أمثلة الإجارة التي تنعقد بدون لفظ أن يسكن أحدهما في دار بأجرة معلومة مدة معينة حتى إذا لنتهت المدة استمر ساكناً وسكت صاحبها واستلم منه بعض الأجرة فإن تنعقد بذلك سنة أخرى ويجب الأجر بدون عقد ومنه المثال الذي تقدم في التعريف.
(وأما أقسامها) فإنها تنقسم إلى قسمين: قسم يرد على منافع الأعيان كاستئجار الأراضي والدواب والثياب وما أشبه ذلك فغن عقد الإجارة لهذه الأشياء وارد على منفعتها إذ الغرض من تأجير الأراضي الانتفاع بزرعها ومن تأجير الأواني والثياب الانتفاع باستعمالها فالعقد فيها متعلق بمنفعتها.
وقسم يرد على نفس العمل كاستئجار أرباب المهن على الأعمال التي يقومون به من الأعمال. أما المنافع المترتبة على أعمالهم آخر خارج التعاقد.
المالكية - قالوا: الإجارة والكراء معناها واحد إلا أنهم اصطلحوا على تسمية التعاقد على منفعة الأدمي وبعض المنقولات كالأثاث والثياب والأواني ونحو ذلك إجارة وعلى تسمية البعض الآخر وهي السفن والحيوان خاصة كراء مع كونهما من المنقولات. ومثل السفن والحيوان جميع الأشياء الثابتة كالدور والأراضي وغيرهما فإن العقد على منافعها يسمى كراء على أنهم قد يستعملون الكراء في معنى الإجارة وبالعكس في بعض الأحيان.
وعلى كل حال فهم قد عرفوا الإجارة بانها عقد يفيد تمليك منافع شيء معلومة بعوض غير ناشيء عن المنفعة.

(3/88)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومثلها الكراء فإنهم قد عرفوه بهذا التعريف أيضاً لما عرفت الإجارة والكراء واحد وإنما الاختلاف في التسمية.
فقولهم تمليك يشمل العقود التمليك من إجارة وبيع، وهبة وصدقة، ونكاح، وجعل، ومضاربة، ومساقاة، فإنها تفيد أيضاً تمليك الأمة المحللة وهي المستعارة التي يعقد عليها مستعيرها ليحلل نكاحها.
وقولهم منافع شيء خرج به البيع والهبة والصدقلة بالشيء ما يصح أن تستأجر منفعةته سواء كان آدمياً أو حيواناً أو ثياباً أو أواني أو غيرهما تقدم قريباً.
وكذلك يخرج به عقد النكاح لأنه لا يفيد منفعته البضع وإنما يفيد تمليك الانتفاع ولا يلزم من تمليك الانتفاع تمليك المنافع كما في المنكوحة بشبهة ولها زوج فإن المهر الذي يجب لها تأخذه هي لا الزوج، كما تقدم عند الحنفية.
وقولهم منفعة مباحة خرج به تمليك منفعة الأمة المحللة التي ذكرت فإن العقد عليها لا يسمى إجارة لأن منفعتها المقصودة من العقد - وهي الوطء - غير مباحة. وقولهم معلومة خرج به الجعل كما إذا جعل شخص قدراً من المال الآخر في نظير أن يحضر له خيله الضالة فغن المدة غير معلومة. وقولهم غير ناشيء عن المنفعة فغن العامل يدفع للمالك اجرة أو شجرة من الثمرة كما تقدم.
أما أركانها فهي ثلاثة: العاقد المؤجر والمستاجر، والمعقود عليه وهو الأجر والمنفعة، والصيغة وهي اللفظ الذي يدل على تمليك المنفعة بعوض أو ما يقوم في تلك الدلالة. وأما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط.
الشافعية - قالوا: الإجارة عقد منفعة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم. فقولهم عقد معناه الإيجاب والقبول وهو الصيغة والعقد لا بد من عاقد. وقولهم على منفعة هي المعقود عقد كمنفعة الدار التي يستأجرها للسكنى أو الأرض التي يستأجرها ينتفع بزرعها وهكذا.
وقولهم بعوض هو المعقود الذي يدفعه الطرف الثاني وهو بمنزلة الثمن في البيع فقد اشتمل هذا التعريف على اركان الإجارة وهي ثلاثة إجمالاً ستة تفصيلاً: عاقد وتحته أمران أيضاً أجرة ومنفعة وصيغة وتحتها أمر ان إيجاب وقبول. وخرج بقولهم معلومة الجعالة فإن العقد فيها على منفعة مجهولة كما مجققة بل مجهولة، وخرج بقولهم مقصودة المنفعة التافهة التي لا قيمة كاستئجار تفاحة لشمها ونحو ذلك مما ياتي.

(3/89)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وقولهم قابلة للبذل خرج العقد على منفعة غير قابلة للبذل هو عقد على منفعة البضع وهذه المنفعة لا يصح بذلها لغير العاقد على أن عقد النكاح ليس داخلاً في الحقيقة في قولهم عقد منغعة وذلك لأن الذي يستحقه الزوج هو الانتفاع بالبضع أما منفعته فلا يملكها بالعقد والدليلي على ذلك أن المراد إذا وطئت بشبهة وهي متزوجة فإنها تستحق المهر وتأخذه هي لا الزوج فمتة البضع في ذاتها ليست للزوج إنما له أن ينتفع.
وقولهم قابلة للغجارة خرج به غجارة الإماء للوطء فغن منفعتهن وهي الاستمتاع بهن لا تحل بالأجرة. وقولهم بعوض خرج به الإعارة لأن الذي يستعير شيئاً يأخذه عوض.
وقولهم معلوم خرج به المساقاة لأنها بعوض غير معلوم إذ لا يمكن معرفة مقدار ما ينتج وإن كان لا بد من معرفة قدره من الثلث ونحوه. واما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط وهي اثنان عين وإجارة ذمة.
الحنابلة - قالوا: الإجارة عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئاً فشيئاً مدة معلومة بعوض معلوم فالمعقود عليه هو المنفعة لا العين لأن المنفعة هي التي تستوفى والأجر في مقابلها ولهذا تضمن دون العين. وإنما يضاف العقد إلى العين باعتبار أنه محل المنفعة ومنشؤها.
ومما تقدم في المذاهب الأخرى تعرف العقود التي خرجت عن التعريف كالبيع والهبة والصدقة ونحو ذلك مما يكون العقد فيها العين لا على المنفعة، وكذلك العقود على ما لا يباح ونحو ذلك.
وأركانها كأركان البيع: عاقد ومعقود عليه وصيغة ثم إن العاقد يشمل المؤجر والمستأجر والمعقود عليه يشمل الأجر والمنفعة والصيغة تشمل الإيجاب القبول كما هو رأي الشافعية والمالكية في الأركان. وتقدم لك في البيع أن الحنفية يقولون إن الركن هو الصيغة وهو اصطلاح. فاما الصيغة فتنعقد بأي لفظ يعرف بما يوجب الريبة والنزاع لأن الشارع لم يعين ألفاظ العقود ولم يحدها بل جعلها مطلقة ليستعمل الناس منها ما يدل على غرضهم ويحدد المعنى الذي يقصدونه فتنعقد بلفظ الإجارة سواء أضافها إلى العين كما يقول آجرتك هذه الدار أوأضافها إلى المنفعة كما تقول أجرتك منفعة هذه الدار. وتنعقد بلفظ الملك مضافاً للمفعة أيضاً كأن يقول بعتك منفعة هذه الدار أو بعتك سكنى الدار وهي قسمان:
الأول: أن يكون العقد وارداً على منفعة عين معينة كأن يقول شخص لآخر أجرتك هذا البعير أو هذه الدار أو وارداً على منفعة عين موصوفة في الذمة كآجرتك بعيراً صفته كذا.
القسم الثاني: ان يكون العقد وارداً على معلوم كأن يقول سخص لآخر استأجرتك لتبني لي هذه الحائط أو لتعمل لي هذا الصندوق أو نحو ذلك من التعاقد مع أرباب المهن فغن العقد فيها

(3/90)


شروط الإجارة
-للإجارة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
__________
وارد على أعمالهم وإن كان المعقود عليه هو العمل والمنفعة تأتي تبعاً كما في عقد المساقاة فإنه يضاف إلى البستان بالثمرة تأتي كما تقدم) .

(1) (الحنفية - قالوا: تنقسم شروط الإجارة إلى أربعة أقسام كشروط البيع:
الأول: شروط الانعقاد فلا تنعقد الإجارة أصلاً إلا إذا تحققت هذه الشروط.
الثاني: شروط الصحة فلا تصح إلا بها وإن كانت تنعقد هذه بدونها.
الثالث: شروط اللزوم فلا تلزم إلا بها.
الرابع: شروط النفاذ فلا تنعقد إلا بها.
فأما شروط الانعقاد فهي أمور: منها العقل فلا تنعقد إجارة المجنون والصبي الذي لا يميز أما الصبي المميز فإن مأذوناً تنعقد موقوفة على إذن الوالي فلا اتنعقد إلا إذا أجازها، فإذا كان مأذوناً أجر الصبي المميز المحجور عليه نفسه وعمل عملاً وسلمه فإنه يستحق أجره لنفسه.
ومثل الصبي المميز في ذلك العبد إلا أن تكون أجرته لسيده وإذا أصاب الصبي ضرراً أثناء عمله الذي استؤجر له فإن المستأجر يكون مسؤولاً عنه وعليه الضمان فإذا قتل الصبي خطاً كأن وقعت عليه حائط يعمل فيها كانت ديته على عائلة المستأجر وعلى المستأجر الأجر الذي استحقه المقتول وإذا أصيب بشيء من الضرر كان على المستأجر التعويض.
وأما شرائط الصيغة فمنها رضا المتعاقدين فلا يصح إجارة المكره والمخطئ والناس وإن كانت تنعقد وتنفذ إلا أنها إجارة فاسدة حكمها أن فيها أجر المثل بعد الاستعمال وهذا الشرط وما قبله متعلق بالعاقد.
ومنها أن يكون الشيء المستأجر مقدوراً على تسليمه فلا يصح إجارة حيوان ضال غير مقدور عليه كما لا تصح إجارة شخص على عمل معصية لأنه كان مقدوراً عليه بالفعل ولكن في حكم غير المقدور عليه من جهة الشرع لأن الممنوع شرعاً في حكم الممتنع حقيقة.
ومها أن لا يكون العمل المستأجر له فرضاً ولا واجباً على الأجير قبل الإجارة فلا تصح الإجارة على الحج.
أما الأجرة على الطاعات الأخرى كالإمامة والأذان فبيننا عليها في مبحث ما يجوز اسئجاره وما لا يجوز.

(3/91)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها أن تكون المنفعة لها قيمة مقصودة عند العقلاء كما تقدم. ومنها أن تكون الأجرة معلومة وتنقسم الأجرة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: النقود كالجنيهات والقروش ونحوهما ويشترط في النقود بيان قدرها كعشرة حنيهات مثلاً وبيان صفتها كجيدة أو مخلوط فإذا لم يكن في البلد إلا نقد واحد لا يتعامل إلا به يتصرف التعاقد إليه وإن لم ينص عليه في العقد فإذا لم ينص عليه في العقد فإذا لم يبين القدر والرصف عند اختلاف النقد فسد العقد ولا يشترط في النقد بيان الأجل فيصح تأجيله وتعجيله إذا كان مؤجلاً يكون ديناً كالثمن.
الثاني: المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة في المقدار فإنها تصلح ثمناً في البيع وكل ما صلح أجراً ويشترط فيها أيضاً بيان والصفة والأجل فينص في العقد على أنه استأجر كذا بعشر أرادب من القمح أو السمن البلدي ونحو ذلك - تدفع حالاً ومؤجلاً - ثم كانت الأجرة تحتاج إلى نقل يستلزم نفقات كما إذا استأجر أرضاً زراعية مدة بعشرين إردَبّاً من الفول فإنه يشترط أن يبين الموضع الذي يستلزم فيه المؤجر أجرته وإلا فسدت الإجارة فإذا لم يكن نفقه فلا يشترط ذلك ولمؤجر أن يسلم كيف شاء وبعضهم يقول لا تفسد بعدم بيان الموضع.
الثالث: أن تكون الأجرة حيواناً، إذا استأجر شخص آخر ليخمه سنة بجمل أو بقرق ويشترط في ذلك أن يكون معيناً مشاراً إليه كهذا الجمل أو هذه البقرة فإذا لم يكن كذلك فسد العقد.
الرابع: أن تكون الأجرة عروض تجارة كالثياب من التان الجيد تدفع عاجلاً أو آجلاً فإذا لم يبين ذلك فسد العقد لأن عروض التجارة لا تكون ديناً في الذمة إلا سلماً فيشترط فيها ما يشترط في السلم والإشارة إلى عروض التجارة وإلى المكيلات وما معها تغني عن بيان ذلك.
ولا يشترط في الأجرة أن تدفع آجلاً عند الحنفية على أي حال سواء أكانت عيناً غير دين كهذا الحيوان الحاضر أم كانت ديناً موصوفاً في الذمة وذلك لأن العقد وقع على المنفعة وهي تحصبل شيئاً فشيئاً بدل عن المنفعة مقابلة لها وحيث لم يمكن استيفاء المنفعة حالاً فإن بدلها لم يلزم حالاً وإنما يلزم أذا استوفى المستأجر المنفعة.
نعم تملك بتعجيلها فعلاً فإذا وقع المستأجر عاجلاً (مقدمة) فإن المؤجر يملكها وليس للمستأجر استردادها.
وكذلك تملك بشرط التعجيل في الإجارة المنجزة فإذا استاجر شخص من آخر داراً للسكنى ابتداء من يوم العقد وشروط المؤجر أن تدفع الأجرة عاجلاً مقدماً كما هو الحاصل الآن في عقود الإجارة فإنه يصح وللمؤجر أن يمنعه أن يمنعه من السكنى إذا لم يدفع الأجرة وله أن يفسخ العقد
كذلك وقد يقال إن هذا الشرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة أحد العاقدين دون الآخر فكيف يصح والجواب أن الأجر بمنزلة الثمن والأصل فيه أن يكون والأصل فيه أن يكون معجلاً فإذا أسقط البائع حقه في التعجيل ورضي بتأجيله لزمه ذلك وكذلك

(3/92)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
حتى خيار العيب في المبيع ثابت فإذا لزمه فما من هذا القبيل فإن من حق المستأجر أن لا يدفع الأجرة إلا بعد أن يستوفي المنفعة فإذا أسقط هذا الحق لزمه.
أما الإجارة غير المنجزة كما إذا استأجر شخص من آخر زراعية أو داراً للسكنى يعد تاريخ العقد بيوم فأكثر فإن شرط تعجيل الجرة لا يستلزم ملكها وللمستأجر أن يمنع عن دفعها وليس للمؤجر أن يمنع عنه العين المؤجرة أو يفسخ العقد إذا حل موعده الإجارة.
أما قبل حلول موعد الإجارة بطل العقد وله فسخ كذلك وذلك لأن الإجارة غير المنجزة (ويعبر عنها بالمضافة للزمن المستقبل) غير لاومة على المفتى به. ومحصل ذلك أن الأجرة تملك بأربعة أمور:
أحدهما الحصول على المنفعة كاملة. ثانيهما دفع الجرة بالفعل. ثالثهما شرط التعجيل إذا كانت الإجارة منجزة لا مضافة. رايعها التمكن من الحصول على المنفعة وإن لم يحصل عليها فعلاً.
فإذا استأجر شخص داراً مدة معينة ولم يستعملها في تلك المدة مع تمكينه من الاستعمال فغن الأجرة تلزمه أما إذا منعه مانع من استعمالها كأن حال بينه وبين سكانها سخص وضع يده عليها غصباً فإنه لا يلزم بأجرتها.
ومثل ذلك ما إذا استأجر أرضاً ليزرعها فأغرقها الماء أو انقطع عنها الماء الذي تسقى به فإنه لا يلزم بأجرتها. وهل تفسخ الإجارة في هذه الحالة أو لا؟ قولان.
وإذا طالب الصانع أو المالك بأجرته قبل استفياء المنفعة بتمامها فإنه يجاب إلى طلبه فيعطي من الأجرة بنسبة ماقام به من العمل أو بنسبة الأيام التي سكنها بشرط أن يسلمه فإذا خاط له بنسبة خاط له بنسبة ما خاطه ومثل ذلك ما يقع من (المنجدين) الذي ينجدونه الفرش في البيوت فإنهم يأخذون بنسبة ما يعملون من أجرهم لأن لالأعيان التي يستعملونها فيها تحت يد مالكها فهي مسلمة له واما إذا كانت في محل الصناع ولم تسلم لأصحابها أنهم لا يستحقون أجراً إلا بعد إتمامها وبعضهم يقول لا يستحقون عليها أجراً مطلقاً بعد تمامها.
ومن شروط صحة الإجارة أن لا تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه فلا تصح إجارة سكنى الدار بسكنى دار أخرى ولا خدمة رجل بخدمة رجل آخر.
أما إذا اختلفت المنفعة فإنه يصح كمال استأجر السكنى في زريبة بركوب دابته أو استأجر داراً بخدمة جماله أو نحو ذلك. وذلك لأن اتحاد الجنس لا يصح فيه تأجيل القبض وقد عرفت أن المنفعة تحدث شيئاً فهي مؤجلة طبعاً.
اما اختلاف الجنس فإنه يصح معه تأجيل القبض أعطى لجاره بقرة يحرث عليها وأخذ منه جماره أو فرسه إذا اغطاه ثوره وأخذ منه ثوراً آخر فإنه لا يصح لاتحاد المنفعة فإذا وقع ذلك كان لكل منها أجر مثله بعد استعمال.

(3/93)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: خلو العقد عن الشروط لا يقتضيه ولا يلائمه كسائر العقود.
ومنها: أن تكون المنفعة معلومة علماً يمنع المنازعة والخصام وتعلم المنفعة بأمور:
أولاً: بيان المدة لأنها إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة معلوماً لأن من يؤجر منزلاً للسكنى فيه سنة كانت المنفعة محدودة بتلك السنة وكذلك من يستأجر أرضاً زراعية مدة معينة فغن منفعتها تكون معلومة بتحديد تلك المدة وليس للمدة حد في الملك فللمالك أن يؤجر أرضه مدة طويلة ولو كانا لا يعيشان لمثلهما على المعتمد.
أما في الوقف فلا تصح إجارة الأراضي أكثر من ثلاث سنين والمساكن والحوانيت (الدكاكين) ونحوهما أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة تقتضي بتأجير الوقف أكثر من ذلك فإن للقاضي في هذه الحالة أن يؤجرها أكثر من ذلك، وليس للناظر أن يفعل ذلك بدون إذن القاضي إلا إذا نص الواقف على جواز تأجيرها أكثر من هذه المدة إذا كان منفعة فإذا قال الواقف مثلاً لا يجوز تاجير هذا المنزل أكثر من سنة إلا إذا كان في تاجيره مصلحة للفقراء الموقوف عليهم فإن لللناظر أن يؤجر أكثر من سنة بناء على هذا الشرط.
ومحل عدم جواز تأجير الرقف أكثر من تلك المدة إذا كان المدة إذا كان المؤجر غير الواقف، أما الواقف فله أن يزيد على هذه المدة كما يحب.
وقد ذكروا لجواز تأجير الواقف أكثر منة هذه المدة حيلة - وهي أن تجعل عقوداً منعددة مترادفة كل عقد سنة في غير الأراضي وثلاث سنين في الأراضي، ثم ينص على أنه استأجر دارا كذا عشر سنين مثلاً لكل سنة عقد. أو أرض كذا تسع سنين من غير أن يكون بعضهما شرطاً في بعض.
والغرض من هذه الحيلة أن يكون العقد الأول هو الازم لأنه منجز.
أما العقد الثاني وما بعده فهي عقود لأنها وقعت قبل حلول موعدها بسنة أو ثلاث سنين، وقد عرفت أن العقد المضاف غير لازم فيصبح للناظر فسخه إذا رأى ما يضر بالوقف لأن الإجارة الطويلة منعت في الوقف خوفاً من ادعاء الملك فيه بوضع اليد فإذا كانت العقود متعددة وكان لكل عقد مدة خاصة كان الازم منها هو الأول والباقي غير لازم فلا خوف على الوقف حينئذ وقد يزيدون على هذا بان تجعل المدة الأولى باجرة مرتفعة ارتفاعاً كثيراً وباقيها بأجرة يسيرة حتى إذا فسخ المستأجر العقد لم يجحف بالوقف. ولكن الصحيح أن إجارة الوقف لا تصح من الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر وقعت فاسدة وتفسخ في كل المدة لأن العقد إذا فسد في بعضه فسد في كله على الصحيح.
وقد عرفت أنه إذا اقتضت المصلحة الزيادة في مدة إجارة الوقف فإن للقاضي أن يزيد فيها بحسب تلك المصلحة ولا بد من بيان المدة أيضاً في الآدمية المرضعة ويقال لها الظئر على أنه لا

(3/94)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يشترط بيان ما يعمل في المنازل من أوجه الاستعمال إنما يشترط ذلك في إجارة الأرض فلا بد من بيان العمل الذي يريد ان يعمله فيها.
الأمر الثاني: من الأمور التي تعلم بها المنفعة بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة ونحوها فلا بد أن يعين الثوب الذي يريد صبغه، ولون الصبغ وقدره إذا كان يختلف ثقلاً وخفة وردائه وجودة.
ومثل ذلك في البصياغة فلا بد من بيان الأسورة أو الخاتم وبيان الصناعة التي يريدها بحسب المتعارف في ذلك.
وبالجملة فإنه يجب أن يبين في العقد ما يرفع الجهالة حتى لا يوجد نزاع بين المتعاقدين ومن ذلك ما إذا استأجر دابة فإنه يشترط بيان الغرض الذي استؤجرت له من جمل لأمتة لأو ركوب وبيان المدة وابمكان. فإذا لم يبين ذلك كانت الإجارة فاسدة ويجب أجر المثل بحقيقة الانتفاع.
الأمر الثالث: الإشارة كنقل هذا القمح من مكان ذكا إلى مكان كذا لأنه إذا علم المنقول والمنقول إليه صارت المنفعة معلومة.
ومن شروط صحة الإجارة بيان محل المنفعة فلو كان لأحد داران فقال: أجرتك إحدى هاتين الدارين من غير تعيين للمحل الذي يعينه فإن الإجارة لا تصح.
واعلم أن العقد وإن المقصود منه إلا أن الراجح أنه ينبغي أن لا يضاف العقد إلى المنفعة فلا يقال أجرتك منلفع هذه الدار وهو يتضمن المنفعة لأنه لا معنى للاجرة إلا الانتفاع بالعين أما المنفعة فهي معدودة غير موجودة فالعقد عليها قبل وجودها عقد على معدوم.
نعم قد يقال إن إضافة المنفعة إلى الدار تاتي بهذا الغرض، ولكن الأرجح في العقود أن تكون بعيدة عن التأويل ثم إن المنفعة التي تصح إجارتها هي المنفعة التي لا يترتب عليها استهلاك نفس العين أو استهلاك شيء متولد منها فلا تصح استئجار النقود لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاكها كما لا يصح استئجار الشجرة للانتفاع بثمرتها أو البقر لشرب لأن اللبن والثمر أعيان ولا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها.
وأما شروط اللزوم فمنها أن يكون العقد صحيحاً فلا سيلزم العقد الفاسد وأن لا يكون بالشيء المستأجر عيب مرتباً للمستأجر وأن يكون سليماً عن حدوث عيب يخل بالانتفاع فإذا استأجر جملاً للحمل عليه مدة ثم حدث به فيه مرض يقلل الأنتفاع به فإن العقد لا يكون لازماً وللمستأجر فسخه.
ومنها أن لا يحدث عذر لأحد العاقدين فإذا حدث عذر شرعي فإن العقد لا يكون لازماً. ومنها عدم بلوغ الصبي المستأجر إذا أجره أبوه أو وصيّ أبيه أو جده أو القاضي أو أمين القاضي فإذا بلغ لا يكون العقد لازماً.

(3/95)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها أن يكون المستأجر الشيء الذي استؤجر له فإذا لم يسلمه لم يلزم الأجر. فهذا شرط للزوم العقد وقد عرفت ما يلزم به الآخر قريباً.
وأما شروط النفاذ فمنها الملك والولاية فلا تنعقد إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية ولكنها تنعقد موقوفة على أجازة المالك فإذا أجازها نفذت.
ومنها قيام المنفعة وبقاؤها فإذا أجر فضولي منزلاً يملكه شخص غيره مدة واستوفاها المسأجر وخرج من المنزل ثم علم المالك فأجاز الإجارة فإنها لاتنفذ طبعاً لأن المنفعة قد أنتهت إنما الإجارة تنفع إذا كانت المنفعة قائمة يمكن الحصول عليها.
المالكية - قالوا: يشنرط في العاقدين الشروط المتقدمة في البيع وهي قسمان شرط انعقاد وشرط صحة فأما شرط النعقاد فهو التميز فلا تنعقد الإجارة من صبي غير مميز (وغير المميز هو الذي لا يفهم مقاصد العقلاء من الكلام) كما تقدم
وأما شروط اللزوم فهو التكليف فالصبي المميز تنعقد إجارته ولكنها لا تلزم إلا بإذن وليه فإذا أجر نفسه أو شيئاً يملكه انعقدت موقوفة على إذن الوالي ومثله العبد وأما الرشد فإنه شرط للزوم العقد في بعض الصور.
فإذا كان المؤجر سفيهاً غير رشيد فلا بخلو إما أن يؤجر مفسه أو سلعته فإن أجر نفسه في إجارته تنعقد وتنفذ بدون إذن وليه إذا لم يكن مغبوناً أما إن كان مغبوناً فلا تلزم إلا بإجازة الولب أما إذا أجر السفيه سلعته فإن إجارته لاتلزم إلا بإجازة الولي مطلقاً.
ويشترط في الجر أن يكون ظاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه معلوماً. وقد تقدم تفصيل ذلك موضحاً في البيع فارجع إليه إن شئت على أنه يشترط في الأجر في مسائل بحيث لو أخر دفعه فيها لم يصح العقد.
المسألة الأولى: أن يكون الأجر شيئاً معيناً كما استأجر أحد شخصاً
لخدمة سنة في نظير جمل معين يعطيه إياه فإنه يجب أن يسلمه الجمل عاجلاً بحيث لا يجوز له أن يؤخره أكثر من ثلاثة أيام فإن أخره فسد العقد لأن في ذلك غرراً فغن الجمل قابل لتغير فيصح أن تكون قيمة الآن عشرة وأن خدمة الرجل تساويها فإذا قبضه فقد أخذ قيمة أجره كاملة اما إذا تأخر فإنه قد يهزل أو يعرض له عارض آخر تنفض به قيمة وفي ذلك ضرر باعامل أو تعرض له زيادة وفي ذلك ضرر بصاحبه فدفعاً لهذا الضرر يجب تقدم الأجر.
ومثل ذلك كل سلعة معينة كهذا الثوب فإنها قابلة للنقص والزيادة وفي ذلك عذر النزاع فمتى كان الأجر معيناً فإنه يجب تعجيله حتى ولو كان العرف جارياً على التأجيل في مثله فإذا كان العرف جارياً على التأجيل فإنه يجب اشتراط العجيل وإلا فسد العقد.
المسألة الثانية أن يكون الأجر غير معين كمال استأجره على أن يعطيه جملاً ما لا جملاً معيناً أو

(3/96)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثوباً ما. مثاله أن يقول شخص لاخر: استأجرتك لخدمتي سنة وأعطيك جملاً أجرة لك في نظير خدمتي وهذه الحالة تشتمل ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يشترطا دفع الأجرة مقدماً وحكمها أنه يجب الدفع عملاً بالشرط وإلا فسدت.
الصورة الثانية: لم يشترطا التعجيل ولكن العادة بين الناس في مثل ذلك العجيل فيجب التعجيل عملاً بالعادة.
الصورة الثالثة: لم يقع شرط ولم تكن عادة وهذه تشمل صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون عقد الإجارة على منفعة في الذمة لا على منفعة شيء معين كأن يقول له استأجرتك على أن تخيط لي هذا الثوب في ذمتك إن شئت فعلته بنفسك أو بغيرك فإنه في هذه الحالة استأجره على أن يؤدي له منفعة مضمونة في ذمته.
الصورة الثانية: أن يستأجر منفعة شيء كأن يستأجر شخصاً لخدمته أو داراً لسكناه ففي الصورة الأولى يجب تعجيل دفع الأجرة وإلا كان مقابلة دين بدين لأن العامل في هذه الحالة مدين بالمنفعة والمستأجر مدين بالأجر وهذا غير جائز، نعم إذا شرع العامل فغن تعجيل الأجر لا يجب لأن الذي يصنعه العامل يكون مقبوضاً إنما يجب أن يشرع بدون تأجير كأن يكون الليلة أو الغد وإلا فلا يصح فإذا لم يكن الأجر معيناً ولم يشترط تعجيله ولم يجر العرف بتعجيله ولم تكن المنافع المعقود عليها في الذمة فإنه لا يجب التعجيل.
وحكم هذه الحالة يختلف باختلاف حال عقد الإجارة وذلك لأنك قد عرفت أن العقد إما أن يكون على منفعة آدمي وهو ثلاثة أقسام أجير وصانع وخادم والفرق بين الأجير والصانع أن الأجير هو الذي يعمل بدون أن يكون شيء مما فيه في حيازته كالبناء فإنه يبني وينصرف وبترك عمله تحت يد المستأجر ومثله كل صانع يعمل فيما ليس في حياوته الذي يصلح الأبواب أو الشبابيك.
وأما الصانع فهو الذي يعمل فيما هو تحت كالخياط والحداد والصانع ثم الصانع إلى قسمين صانع فقط وصانع بائع فقط هو الذي لا يعمل شيئاً سوى الصنعة بدون زيادة عليها من عنده والصانع البائع هو الذي يزيد على الصنعة شيئاً فلإنه يزيد الصبغة.
وأما الخادم فهو الذي يستأجر لخدمة الغير.
وإما يكون الإجارة على منفعة دار أو عقار أو حيوان أو آنية فإن كان على منفعة آدمي صانع أو أجير فحكمه أنه ليس لهما المطالبة باخذ الأجر إلا بعد الفراغ من عملها ما لم يكن هناك عرف بيقضي بالتعجيل فإنهما يعاملان به فإذا عمل النجار جزءاً من عمله مثلاً وأراد أخذ أجرته وامتنع المستأجر فليس له جبره على الدفع إلا بعد تمام العمل إلا إذا كانت العادة تقديم الدفع فيعمل بها فإذا أراد أن ينفصل عن العمل ولا يتمه فإن له أن يحاسب على ذلك الجزء الذي عمله.

(3/97)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا كان العقد على منفعة دار أو عقار أو راحلة أو آدمي للخدمة أوآنية (كآنية الفراشين) فإنه يصح فيها الاتفاق على تقديم الأجرة وتأخيرها بشرط أن لا يتأخر الشروع في العمل أكثر من عشرة أيام وإلا فلا يصح تعجيل الدفع فإذا لم يحصل اتفاق تدفع الأجرة يوماً بيوم وبذلك تعرف أقسام الإجارة.
أما الركن الرابع وهو المنفعة فهي ما يقابل الذات فلا يمكن أن يشار إليها إشارة حسية استقلالاً وإنما يشار إليها كذلك تبعاً للذات المتعلقة بها على أن لاتكون متعلقة بجزء الذات وأن يكون الحصول عليها ممكناً مثال ذلك السكنى المتعلقة بالدار فإنها لا يمكن الإشارة إليها إشارة حسية استقلالاً بدون إضافة إلى الدار وهي متعلقة بكل الدار أما إذا تعلقت بجزء من عين لا يمكن قسمتها كمنفعة جزء شائع في دابة فإنها لا تكون منفعة معتتبرة كالصفات المعنوية القائمة بالحيوان والإنسان مثل الحياة والقدر فإنه لا يصح استئجاره من اجلها لأنها منافع خاصة به لا يمن أخذها منه.
وأما تاصيغة فيشترط فيها الشروط المتقدمة في البيع وقد ذكرت موضحة فارجع إليها إن شئت.
ويشترط شروط (أحدهما) أن تكون لها قيمة فلا تصح شيء له منفعتها تافهة لا قيمة لها كالإيقاد من النار ونحو ذلك مما سيأتي بيانه فيما يجوز إجازته وما لا يجوز. ثانيهما أن تكون المنفعة مقدوراً على تسليمها حساً أو شرعاً فمثال الأول إجازة أرض للزراعة ولم يصل إليها ماء أو كانت غير صالحة للزراعة فإن المنفعة فيها غير مقدور على تسلميها أما الأرض التي غمرها الماء فإنه يمكن أن ينكشف عنها ولو نادر فإنه يصح إجازتها من غير نقد فإذا انكشف عنها وإلا فلا أما الذي لا أمل في انكشاف الماء عنها فإن إجارتها ليتعدى على آخر بالضرب أو ليعصر الخمر فإن كل ذلك لا يجوز شرعاً. ثالثهما أن يمكن استيفاء المنفعة بدون استهلاك شيء من العين المستاجرة أو من عين أخرى متولدة قصداً.
مثال ذلك ان يستاجر بقرة ليشرب لبنها فإذا قال شخص لآخر استأجرت بقرتك مدة الشتاء بجنيهين لآخذ لبنها وقبل الآخر فإن العقد يفسد وكذا إذا قال له: اشتريت لبن البقرة مدة الشتاء بتكاليفها فغن هذا لا يصح، اما في الأجرة فلأن العقد تضمن استهلاك عين متولدة من العين المستاجرة وهي اللبن المتولد من البقرة فغن المنفعة لا تتحقق إلا باستهلاك اللبن، واما في الشراء فلأنه يلزم عليه شراء اللبن في الضرع وهو ممنوع على أن بيع اللبن في الضرع أواستأجار الحيوان المترتب عليه استهلاك اللبن
ليس بمننوع مطلقاً وإنما هو ممنوع إذا لم تتحقق فيه شروط الجواز وبيان ذلك أن شراء اللبن في الضرع إما ان يكون جزافاً من غير كيل وإنما أن يكون بكيل، فمثال الأول أن يقول سخص لآخر يملك أغناماً كثيرة: إنني اشتري منك لبن عشرة أغنام او خمسة مدة شهر بكذا.
ومثال الثاني: أن يقول له: إنني أشتري منك بمائة رطل من اللبن آخذ منها خمسة أرطال.

(3/98)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ويشترط لجواز الأول تسعة شروط:
أن تكون الغنم المشترى لبنها متععدة وأن تكون مملوكة للبائع. وان تكون متساوية في اللبن. وان يكون الشراء في زمن الحلاب المعتاد (كزمن البرسيم) لنه يختلف في غيره كثرة وقلة. وأن يكون المشترك عاؤفاً للقدر الذي تحلبه من اللبن وان يكون الشراء مقدراً بمدة لا ينقص اللبن قبلها. وأن يشرع في أخذ اللبن وان بدفع الثمن معجلاً (مقدماً) فإذا تححقت هذه الشروط فإنه يصح بيع اللبن جزافاً.
أما إذا كان الشراء بالكيل فيشترط له خمسة شروط:
الأول: أن يكون الشراء في زمن الحلاب.
الثاني: أن يكون في مدة لا ينقص اللبن قبلها فإذا كان مدة الحلاب أربعة أشهر فلا يصح أن يشتري خمسة أشهر لأنه ينقص اللبن في الشهر الخامس.
الثالث: أن يشرع المشتري في الأخذ منة يوم العقد أو بعده بأيام.
الرابع: أن يسلم لرب الشياه دون غسيره (أي يتعاقد عقد سلم) فلا يصح أن يتعاقد مع غير المالك.
الخامس: أن يعجل دفع الثمن لأنه عقد سلم كما عرفت لأن العين للمشتراة المعجلة فلا يصح تاجيل الثمن وإى كان مقابلة دين بدين.
الشافعية - قالوا: لكل ركن من أركان الإجارة شروط فاما الركن الأول فيشترط له الشروط المتفقدمة في البيع
ومنها أن تكون مشتملة على الإيجاب والقبول لفظاً وأن لا يفصل بينهما فاصل طويل عرفاً الخ ما تقدم على ان البيع يشترط فيه عدم التأقيت وقت بخلاف الإجارة فإنه بخلاف الإجارة فإنها على العكس منه فيشترط فيها التأقيت.
وتنقسم صيغة الإجارة إلى قسمين صريحة، وكناية.
فالصيغة الصريحة هي ما دلت على معنى الإجارة فلا تحتمل غيره. والكناية ما احتملت الإجارة وغيرها.
ومثال الأول: ان يقول المالك: أجرتك هذه الدار سنة بكذا فيقول المستأجر فوراً: قبلت.
وكذا إذا قال له: أكريتك هذه الدار أو منفعتها أو ملكتك شهراً بكذا فكل هذه صيغ صريحة تنعقد بها الإجارة سواء أضيفت إلى العين أو إلى المنفعة.
وبعضهم يقول: إن لفظ الإجارة وضع مضافاً للعين فلا يصح إضافته إلى المنفعة فإذا قال أجرتك منفعة هذه الدار بطل العقد وهذا ليس هذا بصحيح لأن لفظ الإجارة يقتضي ملك المنفعة فإضافتها للمنفعة تاكيد لا ضرر منه.

(3/99)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومثال الثانية: أن يقول له: جعلت لك منعفة هذه الدار سنة بكذا أو اسكن داري شهراً بكذا فإن ذلك كناية لأنه يحتمل أن يكون جعل المنفعة على طريق إجارة وغيرها.
وإذا وقع العاقدين على عقد مكتوب كالمتعارف في زماننا فإنه يصح ويقوم التوقيع على المكتوب مقام التلفظ بالصيغة ويكون من باب الكناية.
ومثل ذلك كل عقد مكتوب فالمتابة تقوم مقام الصيغى الفظية على انها من باب الكناية ولا تنعقد في الإجارة بلفظ البيع فإذا قال له:
بعتك داري سنة بكذا لا ينعقد مطلقاً لا إجارة ولا بيعاً وذلك لأن لفظ البيع يقتضي التأبيد ولفظ (سنة) يقتضي التأقيت فيتناقض أول لفظ مع آخرهفلا يكون صريحاً ولا كناية وكذلك لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة.
ثم إن الإجارة تنقسم إلى قسمين: إجارة عين، وإجارة ذمة.
وإجارة العين هي عبارة عن العقد الوارد على منفعة ةتعلقة بشيء معين نعلوم للمستأجر كالمبيع الحاضر المعلوم للمشتري في البيع وذلك كأن يستأجر شخص عقاراً معيناً كأرض زراعية معينة لينتفع بزرعها مدة مخصوصة باجرة معينة أو يستأجر كذلك لينتفع بسكناها او شخص معين ليخدمه سنة.
وأما إجارة الذمة فهي عبارة عن العقد علة منفعة متعلقة بشيء غير معين بل موصوف بالذمة، أو بعبارة أخرى هي كما كانت المنفعة ديناً في الذمة كما في السلم.
وذلك كأن يقول شخص لآخر آجرتك جملاً صفته كذا ليحملك إلى بلد كذا فإن المنفعة في هذا بحمل غير معين بل موصوف في ذمة المؤجر فالمراد بالعين (في قولهم إجارة عين) ما قابل الذمة لا ما قابل المنفعة لأن عقد الإجارة وارد على المنفعة أي على أي حال، لكن تارة تكون المنفعة متعلقة بشيء نعين، كمنفعة العين الوراعية النعلومة، وتارة لا تكون كمنفعة الجمل الموصوف كما بيناه.
وإذا قد عرفت ذلك فعلم انه يشترط في إجاة الذمة أن تكون بصيغة خاصة، فلا تنعقد بغيرها وهي الزمت ذمتك أو أسلمت إليك كذا، فإذا أراد شخص أن يستأجر جملاً غير معين من آخر، فلا بد أن يقول له ألزمت ذمتك كذا من القروش في جمل صفته كذا يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول له: أسلمت إليك كذا من القروش مثل ذلك.
كل عقد يراد به منفعة متعلقة بشيء غير معين كما إذا قال له ألزمت ذمتك بكذا منة الرقوش لخياطة هذا الثوب أو في بناء هذا الحائظ لأن يكون معنى ذلك أن الذي يتعلق به المنفعة غير معين سواء كان هو المخاطب أو غيره ومن هذا يعلم أن إجارة العين لا يجوز معها للأجير أن يأذن لغيره بالعمل، فلو قال له: استأجرتك لبناء هذا الحائط فلم يبنه بنفسه وإذن لغيره بالبناء فيه، فإن ذلك لا يصح. ثم إن العامل الثاني إذا كان يعلم أن التعاقد على أن الذي يباشر العمل هو الأول لا تكون له أجرة على عمله مطلقاً، وإذا كان لا يعلم الحقيقة كانت له أجرة المثل على من أذنه.

(3/100)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس كرأس مال السلم، فلا يجوز فيها التاجيل وإلا كان مقالبلة دين بدين، لأن المنفعة في الذمة والأجرة دين في الذمة، وذلك غير جائز وكما لا يجوز تأجيلها لا يجوز الحوالة بها ولا عليها ولا استبدالها ولا البراءة منها فإذا وقع شيء من ذلك بطل العقد عند شرط التأجيل فإذا اشترطا وتفرقا من المجلس قبل القبض فإنه يبطل أيضاً، أما إذا لم يتفرقا قبل العقد فإنه يصح.
وأما إجارة العين فإن كانت الأجرة فيها معينة كاستأجرتك لتخمني سنة بهذا الجمل فإنه لا يصح تأجيلها أيضاً.
أما إذا كانت ديناً في الذمة كاستأجرتك لتخمني سنة بمجمل صفته كذا، فإنه يجوز تأجيلها وتعجيلها. وإذا استأجر شخص من آخر شيئاً معيناً، ولم يشترط أو التأجيل، كما إذا قال له استأجرت منك هذا الجمل بكذا ولم يشترط شيئاً فإن الأجرة في هذه الحالة تكون معجلة.
وأما الركن الثاني وهو العاقد سواء كان مؤجراً أو مستأجراً فيشترط له الشروط التي تقدمت في البيع من كونه مطلقاً ولا مجنون ولا محجور عليه لسفه. كما لا يصح من المكروه بغير حق إلى آخر ما تقدم في البيع الإسلام في بعض الأمور فلا يصح كافر أن يشتري مصحفاً أو رقيقاً مسلماً. وهنا يصح للكافر أن يستأجر مسلماً لخدمته وإن كان يكره.
وكذلك لا يشترط إطلاق التصرف في الإجازة في جميع الصور. فإن السفيه يصح أن يؤجر نفسه في الأمور كلها التي لا يكسب بها عادة ككونه أجيراً في الحج بخلاف المهن التي يكتسب بها كالحدادة والنجارة، فإنه لا يصح أن يؤجر نفسه فيها.
وأما الركن الثالث: وهو المعقود عليه فإنه يشمل أمرين: الأجرة والمنفعة، كما تقدم قريباً.
فأما الأجرة فإنها تارة تكون غير معين، وتارة تكون حاضرة معينة. فيشترط في غير المعينة ما يشترط في الثمن من الشروط المتقدمة في مباحث البيع فلا بد أن تكون معلومة قدراً وجنساً ونوعاً وصفة.
مثال ذلك أن يقول: آجرتك هذه الدار بعشرة جنيهات مصؤية صحيحة. فذكر العشرة بيان للقدر والجنيهات بيان لجنس إذا يحتمل أن تكون عشرة قروش أو عشرة ريالات أو جنيه فلما ذكرت الجنيهات تبين جنس العشرة. ومصرية بيان للنوع لأن الجنيه أنواع متععدة كالإنكيزي والمصري وغيرهما وصحيحة بيان لصفة النقد إذ يحتمل دفعها أنصافاً من الجنيهات وقد لا تكون رائجة كالصحيح.
ومثل ذلك ما إذا استأجر حيواناً يشترط أن يبين جنسه من خيل أو إيل ونوعه كبختي أو روسي جمل أو هجين أو نحو ذلك وذكورته وأنوثته وصفته سيره كأن يذكر سريعة السير واسعة الخطا أو بطيئة السير ونحو ذلك.

(3/101)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وأما إذا كانت الأجرة معينة فإنه يشترط فيها رؤيتها فإذا قال له: أجرتك له: أجرتك هذه الدار بهذا الجمل فإنه يشترط رؤية الجمل.
والغرض من ذلك رفع اللبس والإبهام حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين ولهذا اشترطوا فيمن استأجر دابة أو راحلة ليركبها بيان قدر السير الذي في الليل والنهار إلا إذا كان للناس في مثل ذلك عرف متبع فإنه يعمل به إلا إذا اشترط أحدهما ما يخالف العرف فإنه يعمل بالشرط. ولا فرق في ذلك بين أن تكون معينة أو غير معينة.
وكذلك يشترطا بيان الشيء الذي يريد أن يحمله على الراحلة أو على الدابة إن كان غائباً ورؤيته أو جسه باليد إن كان حاضراً. وبيان جنسه إن كان مكيلاً.
ومن أجل ذلك قالوا: لاتصح من الجهالة دابة بعلفها ولا إجارة دار مدة معينة بالإنفاق لما في ذلك على عمارتها لما في ذلك من الجهالة. فينبغي في مثل ذلك أن تقدر العمالة أو قيمة الإنفاق على الدابة ويجعل المبلغ أجرة. ثم يأذن المالك لمستأجر في إنفاق هذا المبلغ في علف الدابة بشرط أن يكون هذا الإذن خارج العقد وهذه حيلة يصح العمل بها.
وكذلك قالوا: تأجير العامل بما يحصل من عمله. فلا يصح تأجير الجزار بجلد الشاة التي يسلخها لأن حال الجلد قبل السلخ مجهول. فيجوز أن يكون رقيقاً أو ثخيناً أو به عيب ينقص قيمته. وكذلك لا يصح تأجير الطحان ببعض ما يطحنه من الحبوب كربع أو قدح من الدقيق الناتج من لعد التحليل مجهول بالنسبة لما به من النخالة فيجوز أن تكون النخالة كثيرة ويجوز أن تكون يسيرة والباقي بعد التحليل مجهول أيضاً فإن الأجرة المعينة كالدقيق المأخوذ من هذا القمح يشترط فيه القدرة على التسليم حال العقد. وهنا ليس كذلك لأن القمح لا يمكن تسليمه دقيقاً قبل طحنه. هذا ينافي شرط القدرة على تسليمه. ومثله جلد الشاة فإنه مقدور على تسلينه. وقد يرد على هذا أنهم لأجازوا للشخص أن يستأجر من يحج عنه بالنفقة وهي مجهولة.
والجواب أن أمر الحج ليس من باب الإجارة وإنما هو من باب الجعالة فهو قد جعل له الانفاق عليه مقابل الحج عنه.
وأما المنفعة: فيشترط فيها شروط:
منها: أن تكون لها قيمة فلا تصح الإجارة على منفعة كأن يستأجر أشجاراً ليجفف الثياب أو آنية ليزن بها الدكان أو نحو ذلك كما تقدم.
ومن ذلك ما إذا استأجر شخصاً لنادي له بكلمة تروح سلعته كالدلال إلا إذا تكلم كثيراً وعمل أعمالاً يستحق عليها الأجرة كالانتقال من مكان إلى مكان وعروض السلعة في كل مكان وتكرار النداء على بيعها ونحو ذلك.
أما مجرد كلمة أو كلمتين فإنه لا يستحق عليها أجراً واو كانت الكلمة سبباً في بيع السلع. فما

(3/102)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يأخذه الشخص الذي يستحق عليه الأجر، وإنما يحل له الأجر بنسبة تعبه، وكثره تردده وكلامه، ومع ذلك فلا يستحق عليها إلا أجر المثل والمتعارف بين الناس.
ومنها أن لا تكون عيناً مقصودة بعقد الإجارة كما استأجر بقرة من أجل لبنها فغن العقد يتضمن أن المقصود إنما هو استفياء اللبن واللبن عين لا تملك بعقد الإجارة قصداً لأن الأعيان لا تملك بالإجارة إلا تبعاً.
ومثل ما إذا استأجرت بستاناً من أجل ثمره أو بركة ماء من أجل سمكها ونحو ذلك من كل ما تكون فيه المنفعة عيناً مقصودة من العقد بخلاف ما إذا كانت المنفعة عيناً تابعة كما إذا استأجر امرأة لإرضاع الخياط لأنهما لا يقصدان لذاتهما.
ومها: أن يكون العمل المتعلقة مقدوراً على تسليمه حساً وشرعاً فلا يصح استئجار الحائض على كنس المسجد ولا استئجار زوجة الغير بدون إذن زوجها.
ومنها: أن لا يكون العمل المتعلقة به المنفعة واجباً على الأجير فلا يصح الاستئجار على الصلاة ونحوها من كل العبادات التي لا نيابة فيها أما ما يرصده الواقفون على الأئمة والأذان ونحو ذلك فيؤخذ لا على أنه أجرة وإنما هو جعل أو يؤخذ الأجرة عن الحج عن الغير وغسل الميت وحفر القبر ودفن الموتى وحمل الموتى.
ومنها: أن يكون العمل والمنفعة معلومين فالخياط يعرف في الثوب والمعلم يعرف عمله بالزمن كما سيأتي. وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وهكذا. وسيأتي تكملة هذا في مبحث ما يجوز اسئجاره.
ومن هذا تعلم أقسام الإجارة اثنان وإجارة ذمة.
الحنابلة - قالوا: يشترط لصحة الإجارة ثلاثة شروط:
الأول: معرفة الأجرة لقوله عليه الصلاة السلام: "من استاجر أجيراً فليعلمه أجره" فلا تصح الإجارة إذا لم تبين الثمن المؤجل فما صح أن يكون ثمناً في الذمة صح أن يكون أجرة كذلك ويصح إجارة بجنس ما يخرج منها. كما أجر أرضاً لشخص يزرعها قمحاً بأردبين قمح. ولكن يشترط أن لا يكون في العقد أجرتها بأردبين مما يخرج مما يخرج منها فإن قال ذلك فإنه لا يصح. ويصح إجازة العامل والمرضعة يطعامهما وكستوهما وعند التنازع في صفة الطعام والكسوة يكون لهما الحق في طعام وكسوة مثل طعام الزوجة وكسوتها. وسيأتي (في مبحث ما تجوز إجازته) تكلمه لذلك.
وإذا أعطى شخص ثوباً لخياط ليخطه أو لصباغ أو نحوهما ولم يعقد إجارة فإنه

(3/103)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يصح ويكون لهما أجر المثل بشرط أن يكون الصابع مختصاً بالعمل أما إذا لم يكن كذلك فإنه يستحق أجر المثل إلا بشرط أو تعريض.
ومثل ذلك ما إذا حمل شخص لآخر متاعاً إلى مكان بدون عقد فإن للحمال (الشيال) أجر المثل
(ومثل ذلك ما جرت العادة باستعماله بدون عقد كدخول الحمام وركوب السفن (المعديه) وحلق الرأس وغسل الثياب وشرب الماء والقهوة وغير ذلك من أنواع المباحات فإنه يصح وفيه أجر المثل.
الشرط الثاني: معرفة المنفعة المعقود عليها فهي كالبيع ينبغي العلم بالمبيع وتعرف المنفعة بأمرين:
الأول: العرف (وهو ما يتعارفه الناس بينهم) فمتى كان الناس عرف فإنه يكتفى به عن تعيين عين المنفعة وصفتها في ذلك كسكنى الدار فإنها معروفه لا تحتاج إلى بيان. نعم لا يجوز للساكن أن يعمل فيها ما يضرها فإذا استأجر داراً للسكنى فلا يصح أن يعملها مصنعاً للحدادة أوللنجارة أو مخزناً للحبوب أو نحو ذلك مما يضر الدار والعرف لا يعتبر هذه الأشياء سكنى.
الأمر الثاني: الوصف فتعرف المنفعة بالوصف كما إذا استأجر حمالاً ليحمل له قطعة حديد فإنه ينبغي له أن يبين زيتها ويبين المكان الذي يريد أن يحملها إليه لأن المنفعة لا يمكن معرفتها إلآ بهذا الببيان وإذا استأجر شخص آخر على أن يحمل متاعاً إلى آخر فذهب فوجد المحمول إليه غائباً فرده ثانياً فإن له أجر حمله ذهاباً وإياباً أما إذا وجد ميتاً فليس له أجر حمله ذهاباً فقط؛ وذلك لأن الموت قهري لا يمكن معه احتياط بخلاف غيره فإنه يمن فيه الاحتياط فعلبيها تحديد الزمان والمكان والوقت قبل أن بذهب الحمال.
ويجوز أن ستأجر الأجنبي الأمة أو الحرة لخدمته ولكن عليه أن يصرف وجهه عن الحرة فلا بنظر إلى شيء منها.
أما الأمة فإنه يصح له أن ينظر ما عدا عورة الصلاة المتقدمة وعليه أن لا يخلو في بيت مع الأمة أو الحرة لأن الخلوة من داعي الفساد.
وتصح إجارة المنفعة بالمنفعة سواء اتحد جنسها كسكنى دار بسكنى دار أخرى أم اختلفت كسكنى الدار في نظير صيغته أو تزويجه لأن كل ما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز أن يكون في الإجارة.
الشرط الثالث: أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة وأن تكون مقصودة فلا تصح الإجارة على ضرب شخص أو فعل محرم كالنباحة كما لا تصح إجارة الدار لتكون محلاً للباعات أو لبيع الخمر أو للقمار أو نحو ذلك مما لا يحل.
وكذا لا يحل استئجار أواني الذهب والفضة أو الكلب لأنه لا يباح للضرورة وكذلك لا يحل اسئجار الأشياء التي منفعتها ليست مقصوردة كالأشياء التي يزين بها حانوته أو مائدته.

(3/104)


مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز
-في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب (1) .
__________
أما أركان الإجارة فهي خمسة: العاقدان، والعوضان، والصيغة) .

(1) الحنفية قالوا: الأشياء التي تستأجر:
(ا) منها ما يصح استئجاره باتفاق.
(ب) ومنها ما لا يصح استئجاره كذلك.
(ج) ومنها ما هو مختلف فيه. فأما الذي يصح استئجار فهو خمسة أمور:
الأول: الدكاكين والدور.
الثاني: الأراضي الزراعية والأراضي الفضاء للبناء أو لغرس الأشجار فيها.
والثالث: الحيوانات كاستئجار الجمال والخيل والبغال والحمير والبقر لركوبها أو للحمل عليها أو للحراثة أو نحو ذلك.
الرابع: استجار الآدمي للخدمة أولحمل المتاع أو لصنع شيء كالخياطة والصباغة والحدادة ونحو ذلك. ومن هذا استئجار المراضع لتقوم برضاع الأطفال وتسمى الظئر.
الخامس: إجارة الثياب والخيام والحلي ونحو ذلك.
ويعلق بكل قسم من هذه الأقسام أحكام سترد عليك مفصلة فيما يلي:
القسم الأول استئجار الدكاكين والدور ويتعلق بها أمور:
(أحدهما) : أنها تصح إجارتها بدون بيان ما يعمل فيها كما تقدم لأن المعروف من استئجارها إنما هو السكنى والسكنى لا تتفاوت فلا يلزم بيانها.
ثانيهما: أن للمستأجر أن يسكن بنفسه أو يسكن غيره باجرة ويغير أجرة حتى ولو شرط أن يسكن وحده فهذا الشرط لا يعمل به. ومثل الدكاكين والدور كل شيء لا يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالأرض الزراعية والآدمي المستأجر للخدمة فإن المستعمل بالنسبة لهما لا يختلف حاله أما ما يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالدواب والثياب والخيمة فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤخرها لغيره إذ قد يستأجر الدابة لركوبها شخص نحيف تقوى على حمله فربما يؤجرها لشخص ينصها في مكان بعيد عن الشمس والمطر فلا يضر بها فربما يؤجرها لشخص ينصبها في مكان فيه شمس ومطر فتتأثر به.
ثالثهما: لا يصح للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لصحابها الذي استأجرها منه فلو استأجر محمد داراً من خالد لمدة سنة فلا يصح لمحمد أن يؤجر تلك الدار لخالد سواء كانت تلك الدار ملكاً لخالد مستأجرها من شخص آخر حتى واو تخلل بينهما ثالث كأن أجر محمد تلك الدار لبكر

(3/105)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وأجرها بكر لخالد منه ابتداء فإنه لا يصح. فلو وقع وأجرت الدار لخالد ثانياً فهل يبطل العقد الأول أو لا يبطل؟ الصحيح أنه لا يبطل العقد الثاني الفاسد الصحيح. وهل يلزم المستأجر وهو محمد بالأجرة أو لا؟ والجواب أنه إذا استلمها فإنه يلوم بأجرتها.
أما إذا كانت في يد خالد ولم يستلمها محمد فلا يلزم بأجرتها.
رابعها: إذا استأجر شخص داراً أو دكاناً بمبلغ معين كجنيه في الشهر فلا يحل له أن يؤخرها لغيره بزيادة.
ومثل الدور والدكاكين في ذلك غيرهما من الأشياء المستأجرة كالأرض الزراعية فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤجر (من باطنه) بأجرة زائدة على ما استأجر به وإنما يصح له تأجيرها بالأجرة التي استأجر بها بدون زيادة فإذا فعل فإن عليه أن يتصدق بالزيادة. ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يضم إلى الدار المستأجرة ونحو هما شيئاً من ملكه يصلح للتأجير ويؤجره معها فإن فعل ذلك وأجرها بزيادة فإنه يصح.
الأمر الثاني: أن يحدث في العين المستأجرة إصلاحاً كأن يبيض حيطانها ويرم جدرانها إن كانت داراً أو يشق فيها ترعة إن كانت أرضاً. وبعضهم يقول إن شق الترعة لا يكفي وإنما الذي يكفي هو أن يحدث في هذه الحالة بناء على ما زاده من العمل ولا يخفى أن في شق الترعة إصلاحاً فقوله غير صحيح.
الأمر الثالث: أن يؤجرها بغير جنس ماستأجر به كما إذا استأجرها بنقود وأجرها بعرض تجارة قيمتها أكثر فإن الزيادة تحل له. هذا وإذا استأجر بيتين صفقة واحدة وزاده في أحدهما عن الآخر فإن له أن يؤجرها بأكثر.
أما إذا استأجرهما في صفقتين فإن الزبادة لا تحل له.
(خامسها) : للمستأجر الدور والدكاكين أن يعمل فيها كل مالا يضر ببنائها أو بسقوفها فله أن يبني التنور (الفرن) وإن احترق بها شيء لا يضمنه المستأجر إلا إذا بناها بدون احتياط كأن وضعها تحت سقف خشب يتأثر بما يتصاعد من نارها فإنه في هذه الحالة يكون مقصراً فيضمن ما احترق. وللمستأجر أيضاً أن يكسر خشب الوقود. ويستعمل المدق (المطحن) لطحن الملح ونحوه ويستعمل الرحى لطحن الحبوب بشرط أن لا يضر ذلك الاستعمال بالبناء فإنه لا يصح إلا برضا المالك أو باشتراطه في العقد وعلى هذا فلا يصح للمستأجر أن يسكن الدار حداداً أو نجاراً أو نحوهما من أرباب الحرف التي تحتاج إلى دق شديد يضر بالمنزل إلا إذا رضي المالك أو اشترطه المستأجر في العقد، وإذا قال المستأجر: إنني اشترطت عليك أن أفعل في المنزل ذلك الذي يضر وقال المالك لم تشترط فإن القول في هذه الحالة للمالك وإذا أقاما البينة فالذي تسمع بينته المستأجر لأنه يريد إثبات شيء زائد على أصل العقد. وإذا استأجره للنجارة فاستعمله للحدادة فإن له إن اتحد ضررهما.
وإذا استأجر

(3/106)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
داراً للسكنى فاستعملها للحدادة فأضر ببنائها كان ضامناً للضرر الذي حصل فعليه التعويض وسقط عنه الأجر في هذه الحالة لأن الأجرة لا تجتمع مع الضمان إذ الأصل في المستأجر أن لا يكون ضامناً أما إذا سلمت الدار ولم يضرها الاستعمال فإنه عليه الأجرة لأنه تبين في هذه الحالة أن الاستعمال غير ضار وهذا بخلاف الدابة والخيمة فعلاً والثوب ونحوها فإنه إذا استأجر دابة ليرطبها فأجرها لغيره فإنه يكون غاصباً في هذه الحالة فعليه ضمانها إذا حل لها عطب وتسقط عنه الأجرة مطلقاً سواء عطبت أو سلمت لأن منافع المغصوب غير مضمونة إلا في أمور ستأتي في بابها، وإنما المضمون هو المغصوب.
ومثل ذلك ما إذا استأجر خيمة فأجرها لغيره، أو ثوباً أو نحو ذلك، مما يختلف استعماله باستعمال الأشخاص فإنه لا يصح للمستأجر الأول أن يؤجره فإذا فعل كان غاصباً وعليه الضمان وذلك لأن أحوال الناس تتفاوت في مثل ذلك.
(سادسهما) : يجوز أن يزيد المستأجر في الأجرة أثناء المدة إذا كانت من غير جنس نا استأجر به فإذا استأجر شخص من آخر دكاناً مدة سنة شهرية (جنيهين) وعرض في خلال المدة ما يوجب الزيادة فزاد المستأجر متطوعاً في الأجرة فإنه لا يصح للمؤجر أن يأخذها إلا إذا كانت من غير جنس الجنيهات التي استأجر بها أما بعد انقضاء المدة فإن الزيادة من المستأجر مطلقاً وهل تعتبر الزيادة في أثناء المدة عن الأشهر الباقية، أو توزع على أشهر السنة كلها خلاف وليس للمالك أن يزيد الأجرة على المستأجر مدة عقد الإجارة مطلقاً سواء ارتفعت إجارة العين لعارض أو لا إلا في الوقت وملك اليتيم على التفصيل الآتي في الوجه السابع.
(سابعهما) : إذا أخرجت داراً موقوفة أو ملك فاحش فإن الإجارة تقع فاسدة ومثل الدار في هذا الحكم غيرها من دكان أو أرض زراعية أو غير ذلك مما يصح استئجاره. وقد اختلف في حكم المستأجر فقال بعضهم إنه غاصب، وقال بعضهم: إنه ليس بغاصب وعليه أجر المثل في المدة التي استعمل فيها الدار.
والمراد بالغين الفاحش مالا يدخل تحت تقويم المقومين بمعنى أن أهل الخبرة بعضهم يقوم الدار مثلاً بعشرة وبعضهم يقومها بتسعة وبعضهم يقومها بثمانية وهو يؤرجرها بسبعة فإن ذلك يكون غنبناً فاحشاً لأن السبعة لم بقومها بها أحد ومتى ثبت أنها أجرت بغبن فاحش فإن الناظر يؤجرها بأجر المثل لمن يرغب فيها سواء أكان المستأجر الأول. ولا تكفي مجرد دعوى الناظر أو الأجنبي بأن الأجرة بغبن فاحش لأن الناظر متهم بنزعها من يد المستأجر كي يؤجرها لغيره والأجنبي متهم بأنه يريد استئجارها لنفسه بل لا بد من أن يخير من أن يخبر القاضي رجل خبير بمثل هذه الأمور بأن كانت الأجرة وقت العقد بغبن فاحش. وإذا شهدت بينة بأن الأجرة أجرة المثل وقت العقد واتصل بها القضاء فإنه يعمل بها ولا تنقص بخبر الواحد الخبير إلا إذا كذبها الظاهر. أما إذا لم يتصل بها القضاء فإنها تنقص ويعمل بخبر الواحد ذي الخبرة.

(3/107)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
بقيت مسألة أخرى وهي ما إذا أجر الناظر بأجر المثل ثم زادت رغبات الناس فيها فزادت أجرة المثل عما كانت عليه فماذا يكون الحكم فماذا يكون الحكم؟ والجواب أن هذه المسألة على وجهين:
الوجه الأول: أن لا تكون العين المستأجرة مشغولة بملك المستأجر كالدار والدكان والأرض التي لا زرع بها فإن هذه الأشياء يمكن إخلاؤها من المنقولات التي بها. وحكم هذا أن الزيادة التي عرضت للعين تعرض على المستأجر بعد ثبوتها فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فالناظر يفسخ العقد ويحكم به القاضي ثم يؤجر بالزيادة وليس للمستأجر أن يتمسك بأنه أجرها بأجر المثل وليس للناظر أن يزيده في أثناء المدة على الأصح المفتى به. وبعضهم يقول إن المعتبر في ذلك هو وقت العقد فمتى كانت أجرة المثل وقت العقد فلا ينظر للزيادة التي عرضت بكثرة الرغبات وهذا القول وجيه في ذاته لمل يترتب عليه من احترام العقود وعدم نفرة الناس من تأجير الوقف فإنهم إذا عملوا بأنهم مهدون بفسخ العقد لعارض تقل رغبتهم في التأجير فليس من المصلحة نقضه ما دام مؤجراً بأجر المثل وقت العقد على أن بعضهم قال: إنه لا يفسخ في هذه الحالة إلا إذا بلغت الزيادة نصف الذي أجر به أولاً فإذا كان مؤجراُ بخمسة لا يفسخ إلا إذا زاد إلى عشرة وهذا القول يبرز الفسخ في الجملة لأن مصلحة الوقف في هذه الحالة تكون ظاهرة ولكن المعتمد عندهم أن الفسخ يكون بالزيادة التي لا يتغابن الناس فيها عادة سواء كانت نصفاً أو ربعاً أما الزيادة اليسيرة كالواحدة من العشرة فإنه لا يفسخ العقد من أجلها باتفاق.
الوجه الثاني: أن تكون العين المستأجرة مشغولة بملك بحيث لا يمكن إخلاؤها بدون إتلاف ذلك الملك ويشتمل ذلك الوجه على صورتين:
الصورة الأولى: أن تكون العين مشغولة بالزرع الذي له مدة ينتهي إليها حصاده كالقمح والذرة ونحو ذلك.
وحكم هذه الصورة أن تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها فإنها تحسب عليه من وقت الزيادة إلى أن يحصد ولو انتهت مدة العقد وإن لم يقبل الزيادة يؤمر بقلع الزرع إن لم يضر بالأرض فإن أضر بها يتملكه الناظر لجهة الوقف بقيمته جبراً على المستأجر.
الصورة الثانية: أن تكون الأرض مشغووولة بالبناء وغرس الأشجار ليس لها مدة يقلع فيها كانخيل والرمان ونحو ذلك وفي هذه الحالة تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها تحسب عليه من وقتها إلى انتاهء مدة العقد فقط لأن الشجر والبناء ليست لهما مدة معلومة. فإذا كانت مؤجرة مشاهرة فسخها وأجرها لغيره.
أما البناء أو الشجر إن كان قلعة يضر بالوقف فالناظر مخير إما أن يضمه للوقف بقيمته أو يتركه حتى يسقط وحده.
أما إذا لم يضر بالوقف فإنه المستأجر يكلف برفعه وأخذه ومحل هذا كله إذا كان الغرس والبناء بدون إذن الناظر لإغن كان بإذنه فإنه يضم للوقف ويرجع الغارس أو الباني على الناظر بقيمة ما أنفقه.

(3/108)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإذا كانت زيادة الأجرة بسبب بناء الناظر أو غرسه فإنه لا يطالب بالزيادة باتفاق لأن الذي نشأت معه الزيادة إنما جاء من ملك المستأجر.
وبعضهم يقول: إذا غرس المستأجر في أرض الروقف أشجاراً أو بنى ومضت مدة الإجارة فله أن يبقيها فلا يقطع الأشجار ولا يهدم البناء ويدفع عليها بقائها في الأرض بمثل ما يستأجر به الأرض لذلك عادة. ولا يملك الناظر ولا المسستحقون جبره فلع الشجرة ورفع البناء ولا ضمنها إلأى جهة الوقف إلا إذا أذنه الناظر بأن يبني لجهة الوقف.
أما إذا أذنه بأن يبيني لنفسه وأشهد على ذلك فإنه لا يضم ولا يقلع جبراً وقد أفتى بذلك بعضهم ولكن الصحيح خلافه. وقد بالغ بعضهم في رد هذا القول لأنه يرى فيه إجحافاً بمصلحة الوقف وتضييعاً لأعمال البر على أن الكل فيه مجمعون على أن اللازم الفتوى فيه مصلحة الوقف لأنه عليه يقوم أعمال الخير فكل ما كان فيه مصلحة ينبغي العمل به فإذا كان في ترك الأشجار والبناء بأرض الوقف مصلحة فإنه ينبغي تركها وإلا فلا.
القسم الثاني: من أقسام ما يصلح للتأجير الأراضي ويتعلق بها مسائل: الأولى أنه لا بد في عقد إجارة الأراضي الزراعية من بيان ما يزرع فيها من قمح أو ذرة أو أرز أو قطن أو نحو ذلك حتى ترتفع الجهالة المفضية للنزاع بخلاف إجارة الدور والدكاكين لأن الغرض استعمال الأولى للسكنى والثانية للتجارة وهذا الاستعمال لا يتفاوت وكل ما يطلبه المالك أن لا يفعل المستأجر شيئاً يضر بالبناء أو السقوف وقد عرفت أن المستأجرر ممنوع من فعل كل ما يضر فيصح العقد فيها بدون بيان.
أما الأراضي الزراعية فقد زرع دون زرع بيان ما يراد زرعه أو يستأجرها على أن يزرع فيها فيها ما يشاء ويرضى المالك بذلك فإذا تعاقدا بدون العقد يكون فاسداً فإذا زرعها بعد العقد وعلم المالك وأقر زرعها فإن الإجارة تنقلب صحيحة ويجب دفع الأجرة المسماة.
الثانية: إذا استأجرها مدة تسع أن يزرعها مرتين فإن له أن يزرعها مرّتين.
الثالثة: أن للمستأجر الارتفاع بالمساقي الموجودة في الأرض وسقيها منها وله الانتفاع بالطريق الموصلة إليها المملوكة للمؤجر وإن لم ينص عليها في العقد.
الرابعة: لاتصح إجارة الأرض التي لا تصلح للزراعة كالأرض السبخة أو التي لا يصل إليها الماء كما لا تصح إجارتها في مدة لا يمكن زرعها فيها.
الخامسة: لاتصح إجارة الأرض المشغولة بالزراعة إلا إذا كانت تلك الزراعة بغير حق حتى يصح قلعها وتسليم الأرض لمستأجر. أما إذا كانت بحق كأن كانت مستأجرة لشخص فزرعها وللم تحصد زرعها فإنه لا يصح إجارتها لآخر حتى ولو كانت الإجازة فاسدة لأن الإجارة الفاسدة لا يكون صاحبها غاصباً بل يكون أجر المثل فلا يجبر على قلع زرعه فإذا استأجر أرضاً مشغولة

(3/109)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
بالزرع فحصد صاحب الزرع زرعه وسلمها اتقلبت صحيحة على أنه يجوز تأجير الأرض المشغولة بالزرع إذا أدرك الزرع وحل موعده حصاده لأن صاحبه يؤمر بحصاده وتسليم الأرض.
وكذلك يصح تأجيرها وهي مشغولة إذا كان العقد مؤجلاً إلى زمن يدرك فيه الزرع.
السادسة: تصح إجارة الأرض للبناء عليها ولغرس الشجر فيها فإذا استأجر شخص من آخر أرضاً فارغة مدة معينة ليني عليها دكاناً فإنه يصح، فإذا مضت المدة يهدم بناءه ويسلمها خالية، وإذا استأجرها لغرس فيها شجراً فأثمر الشجر وانتهت المدة وبقي الثمر، فإن الشجر يبقى على الأرض بأجر المثل، ويصح أن يأخذ المالك الشجر والبناء بقيمته بسبب البناء بمعنى البناء والشجر يدفعا المالك فإن كانت الأرض تنقص قيمتها بهدم البناء أو بقلع الشجر فإن المالك يتملكها بقيمتها جبراً على المستأجر وإلا فالمستأجر مخير في أن يقلع أو يعطيها للمالك بالقيمة المذكورة، ولهما أن بتفقا على أن يبقى الشجر أو البناء على المستأجر وتبقى الأرض على ملك صاحبها بدون إجارة بل تكون عارية وتمون منفعتها شركة بينها فلو أجراها لثالث تقسم الأجرة بينهما على تقدير الأرض بلا بناء وعلى تقدير البناء بلا أرض، فإذا كانت أجرة الأرض فارغة تساوي عشرة وكانت أجرة البناء خمسة أخذ كل منهما نصيبه على ذلك الغرض وقد عرفت حكم البناء والغرس غي أرض الوقف فيما تقدم.
القسم الثالث: مما يصح تأجيره، الحيرانت فبصح أن يستأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها متاعه ونحو ذلك من الأغراض المقصودة للعقلاء كالطحين والحرث، أما أسنئجارها لمجرد الزينة أو لإبهام الناس أنه فرساً أو نحو ذلك فإنه لا يصح كما تقدم.
وتعلق بها أمور، أحدها: أنه يلزم بيان من يركبها فإذا لم يبين فسدت وتنقلب صحيحه بركوبها فعلاً سراء ركبها المستلأجر أو أركبها غيره لأن الراكب تعين عند المؤجر بعد العقد وهذا هو المطلب إذا لا يلزم التعيين ابتداء. وإذا قبدها المستأجر براكب خاص بأن قال: أركبها أنا وفلان فركبها غبره فإنه يكون غاصباً وعليه ضمانها إذا عطبن ولا أجر عليه سواء سلمت أو عطبت كما تقدم لأن منافع المغصوب لاتضمن.
(ثانيها) : وإذا أستأجرها للحمل فسمى نوعاً كا القمح مثلاً فإن له أن يحمل عليها مثله أو أخف كا الذرة أو الشعير ولبس له أن يحمل أثقل كا الملح مثلاً.
(ثالثها) : إذا أردف خلفه شخصاً آخر وكانت الدابة تطبق حمل الاثنين عادة فإن كان كبيراً يمكنه أن يستمسك وحده بدون من يستند إليه وعطبت الدابة يضمن النصف سواء كان الذى أردفه خفيفاً في الوزن أو ثقيلاً إذا لاعبرة بالوزن.
أما إذا كانت الدابة لاتطيق حمل الاثنين فإنه يضمن الكل فإذا أردف صغيراً لا يستمسك بنفسه فإنه بضمن يقدر ثقله.

(3/110)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(رابعها) : إذا أستأجرها ليحمل عليها مقداراً معيناً فحمل عليه أكثر منه فعطبت كان عليه ضمان ما يقابل الثقل الذي زاده فإذا اتفقا على أن تحكل عشرة فحملها خمس عشرة فعطبت كان عليه قيمة ثلث عطبها وعليه الأجر فأما الضمان في مقابل ما زاد في الثقل الموجب لعطبها وأما الأجر فهو في مقابلة الحمل الذي بين مقداره. فلم يجتمع الضمان والأجر هذا إذا كانت الدابة تطيق الكل لأنه حملها ما لا تطيق. (خامسها) : إذا اتفقا على حمل شيء معين ثم حملها صاحبا بيده أكثر منه فعطبت فلا ضمان على المستأجر لأن صاحبا هو الذي باشر فعل ما به عطبها وحده.
أما إذا اشترك معه المستأجر في وضع الحمل عليها كأن على المستأجر ضمان ربع ما عطيت منها، وذلك لأنه مأذون في النصف الثاني فيه شاركه فيه صاحبه فيكون عليه الربع فإذا اتفقا على أن تحمل ثمان كيلات فحملها ست عشر كيلة فإن وضع الزيادة صاحبها فلا شيء على المستأجر وإن اشترك معه في وضع الزيادة كان علبه الربع وهو ما يقابل أربعة من الزيلدة وعلى صاحبها أربعة تهدر طبعاً.
وإذا كان المحمول كالقمح مثلاً موضوعاً في وعاءين (جوالين) فوضع المستأجر عليها واحداً ومالكها واحداً ثم عطبت فلا ضمان على المستأجر سواء وضع الحمل هو أولاً أو ثانياً لأنه يجعل ما وضعه هو ماكان مستحقاً بالعقد وبعضهم يقول: إذا وضع المستأجر الحمل الثاني يضمن الجميع.
سادساً: إذا وضع عليها شيئاً زائداً على ماسماه وسلمت الدابة فإنه لا يلزم المستأجر بدفع شيء سوى ما سماه وإن كان لا يحل له أن يضع عليها شيئاً زائداً على ما سماه وذلك لأنه في هذه الحالة يكون غاصباً ومنافع الغضب لا تضمن كما تقدم.
سابعاً: إذا ضرب المستأجر الدابة فعطبت بها فإن عليه الضمان إلا إذا استأذن صاحبها فأذنه فضربها في الموضع المعتاد فإنه لا ضمان عليه.
وبعضهم يقول: إنه لا ضمان لضرب الدابة أثناء السير لأنه مستفاد بالعقد وهذا الخلاف وقع في ضرب الولي للصبي والأب فبعض الحنفية يقول لا ضمان عليه.
وبعضهم يقول: يضمنان بالضرب مطلقاً إذا عطب الصبي لأن التأديب لا يتوقف على الضرب إذ يمكن زجره وعرك أذنيه ونحو ذلك وقد اتفقوا على عدم جواز ضرب الإنسان المستأجر للخدمة فإذا ضربه زجره وعطب كان عليه الضمان لأن الإنسان الكبير يؤمر وينهي ويفهم فلا معنى لضربه بخلاف الدابة والصبي والصحيح أن الضرب الخفيف الذي لا يترتب عليه ضرر للحيوان ويحمله على السير فإنه مأذون فيه بشرط سلامة الحيوان فإذا ترتب على الضرب عطب كان ضامناً.
ومثل دابة الغير دابة نفسه فإنه لا يحل ضربها ضرباً يترتب عليه عطبها فإنه فعل فإنه يخاصم

(3/111)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ويؤدب على ذلك ويملك مخاصمته كل أحد. وله أن بفعل ما يحتاج إلى التأديب والزجر فقط، ويمنع من ضرب الحيوان على وجهه على أي حال فإن فعل فإنه يخاصم لذلك.
ثامنها: إذا استأجره وعليه سرج فنزعه فعطب كان عليه الضمان وكذلك إذا استأجره بدون سرج فوضع عليه السرج فإن كان مثل هذا الحمار لا يحتمل هذا السرج عادة كان علي الضمان وإلا فلا.
تاسعها: إذا عين عين له المالك طريقاً فسلك غيرها واختلف الطريقان بعداً ووعورة كان عليه الضمان وإذا سلم الحمار فللمالك الأجر المسمى بقطع النظر عن اختلاف الطريق فلا يصح أن يقول له قد سلكت طريقاً شاقاً أو بعيداً لأن المقصود واحد وهو الوصول إلى جهة معينة فمتى سلم الحيوان لا يظهر تفاوت إنما يظهر التفاوت حال هلاكه.
القسم الرابع: إجارة الآدمي وهي نوعان:
الأول: استئجار الصناع وقد عرفت في الشروط أنه لا بد من بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة فلا بد أن يعين ويبين لونه الذي يريده ونحو ذلك فإذا استأجر صانعاً ليعمل له عملاً في داره كالمنجدين والنجارين والخياطين الذين يدعون إلى المنازل لأداء ما يطلب منهم عن صانعهم فعملوا عملاً وتركوه في يد المستأجر ففسد أو هلك فإن لهم أجورهم.
فإذا استأجر خياطاً ليخيط له ثياباً في داره فقطعها (فصلها) وأعد الخيط الذي يخيطها به ثم تركها في المنزل وانصرف فجاء لص فسرقها فإنه لا يستحق أجر على (التفصيل) لأنه مستأجر على الخياطة وقد سرقت الثياب فلا أجر له وإذا استأجر خبازاً ليخبز له فاحترفق الخبز فاحترق في (الفرن) قبل إخراجه فلا أجر له وإن سرق لص الخبز من الخباز فلا أجر له ولا ضمان وقيل عليه ضمانه.
وإذا استأجر عمالاً لحفر بئر وبائها بالطوف ففعلوا ثم انهارت فلهم أجرهم وإذا انهارت قبل بنائها بالطوف فلهم أجر نما عملوا.
النوع الثاني: استئجار الآدمي للخدمة وهو جائز يالنسبة للرجال بعضعم بعضاً بلا كراهية إنما لا يصح للإنسان أن يستأجر أبويه ولو كافرين وإذا عمل الأب فله أجره، ومثل الأبوين الجد والجدة. وإذا استأجر ابنة أو المرأة ابنها فإنه لا يصح وما عدا ذلك فإن استئجار جائز فتصح إجارة الإخوة وسائر الأقارب.
وبعضهم يقول: لا يصح استئجار العم والأخ الأكبر لما في ذلك من الإذلال الذي لا يليق ولهذا قالوا يكوه أن يؤجر المسلم نفسه لخدمة الكافر وإن كان جائز بخلاف العمل في السقي والزرع والتجارة ونحو ذلك فإنه يصح أن يؤجر له نفسه بلا كراهة لعدم المهانة في نحو ذلك.
ويجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة الرجل التأكل هي وعيالها بشرط أن لا تختلي معه فإن الخلوة الأجنبية حرام ويكره للرجل أن يخلو بها.
ولا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة بيت زوجها لأن ذلك مستحق عليها أما إذا أجرها فيما

(3/112)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ليس من جنس خدمة البيت كزرع حديقة أو رعي ماشية فإنه يجوز. وللمرأة أن تستأجر زوجها للخدمة أو لرعي الغنم وله أن بفسخ إجارتها ولا يخدمها.
النوع الثالث: إجارة المراضع والقياس عدم جوازها وإنما جازت استحساناً وذلك لأنك قد عرفت مما مضى أن الإجارة إنما ترد على استهلاك المنفعة لا على استهلاك العين والإجارة هنا ترد على استهلاك اللبن كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها وإنما استثنى المراضع لحاجة الناس إلى هذا ولمصلحة الصغير وتصح أجرتها بطعامها وكسوتها ولها عند النزاع كسوة وطعام الوسط. ولزوجها أن يطأها وهي مرضعة في بيته لا في بيت المستأجر إلا إذا رضي المستأجر بأن يخلو بها في بيته.
وللزوج أن يفسخ إجارتها مطلقاً سواء كان يتعير بتأجيرها أم لا.
وللمستأجر أم يفسخ الإجارة بحيل المرضعة ومرضها وفجورها ظاهراً لا يكفرها لأنه لا يضر بالصبي. وعليها أن تفعل مع الصبي ما جرت به العادة من غسل ودهن وتنظيف ثياب ونحو ذلك ولا يلزمها شيء من نفقات ذلك وأجرتها على الوالد الصبي إن لم يكن له مال وإلا ففي ماله.
القسم الخامس: استئجار الثياب والحلي والأمتعة والخيام ونحو ذلك فللإنسان أن يستأجر ثوباً ليلبسه أياماً معلومة فإن فعل فله أن يستعمله بما قضت به العادة والعرف بالنسبة لحالة الثوب فغن كان قيماً فلا يصح أن يلبسه بالليل ولا أن ينام بل يستعمله قياماً أعد له فإن نلم فيه فتخرق عليه ضمانه وإذا ألبسه لغيره فضاع أو تخرق كان ضامناً له.
أما إذا اشترط أن ينصبها في داره فنصبها في جهة أخرى في البد نفسها فلا ضمان عليه إذا كانت الدار مماثلة لداره. أما كانت مكشوفة تنزل فيها الشمس أو المطر فيضر القماش فإنه يضمن.
وإذا استأجرت المرأة حلياً معلوماً إلى الليل لتلبسه ثم حبسته أكثر من يوم وليلة تكون غاضبة عليها الضمان وهذا إذا طلب منها ولم تدفعه لأصحابه. أما إذا حفظه بأن وضعته في مكان لا يلبس فيه عادة فإنه لا ضمان عليها.
هذا ومما ينبغي التنبه له أن كل عين مستأجرة من حيوان أو متاع أو دار إذا فسدت بحيث لا يمكن الانتفاع بها سقط الأجر عن المستأجر من حين فسادها وعليه أجر مانتفع به مما مضى فإذا كان ساكناً بمنزل ثم تخرب في خلال الشهر فخرج منه عليه أن بدفع أجر الأيام التي قضاها من الشهر وإن اختلفا فيها فقال الساكن: إنها عشرة وقال المالك: إنها عشرون يحكم في ذلك حال المنزل والذي يشهد له من علامات الخراب يعمل بقوله.
وأما الأعيان التي لا يصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذكور من الحيوانات على إناثها فلا يحل

(3/113)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لأحد أن يؤجر ثوره ليحبل بقرة غيره ولا يؤجر حمارة الغير وهكذا لأن إحبال الحيوان غير مقدور عليه فلا يصح تأجيره.
ومنها: الاستئجار على المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي كاستئجار بعض الفارغين من الشبان لبقوموا بأناشيد سخيفة ويتبادلون في مجلس الخمور والمحرمات فإن استئجارهم كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهو الذين يسمونهم (كشكش) ومثل استئجار الأشخاص العاطلين لضرب الناس وإيذائهم بالسبب فإنه كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهي إجارة باطلة لا يستحقون عليها أجراً، وأما إجارة المغنين فإن كان الغناء مما يجوز فإنها تصح وإلا فلا وقد تقدم في باب الوليمة في الجزء الثاني من الكتاب.
أما الإجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقضي أنها غير صحيحة أيضاً لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها ولأن كل قرية تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره فلو لم يكن أهلاً لأدائها لا تنفع منه فلا يصح له أن يأخذ عليها أجراً من غيره ويستدلون بحديث روي عنه عليه السلام: "اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به" وقد عهد عمر إلى عمرو بن العاص: "وإن اتخذت مؤذناً فلا يأخذ على الأذان أجراً" هذا هو أصل مذهبهم وهو بظاهره عام يشمل كل الطاعات فكان من حقه أن لا بعض الطاعات للضرورة فاجازرا أخذ الأجرة على تعليم القرآن خوفاً من ضياعه ومثله تعليم العلم. والأذان والإمامة والوعظ خوفاً من تعطيلها.
أما قراءة القرآن خصوصاً على المقابر وفي الولائم والمآتم: إنه لا يصح الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها. فمن أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا أوقف له داراً أو أوصى بعتاقة أو نحو ذلك كانت وصيته باطلة لا قيمة لها لأن الأجرة على الطاعات بدعة محرمة كما ذكرنا.
وإنما تنفذ مثل هذه الوصايا أو الوقفيات إذا جعلت صدقات، وقد قال صاحب الطريقة المحمدية رضي الله عنه ما نصه:
الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس على ظن أنها قرب مقصودة.
ومنها الوصية من الميت بالطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطائه دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات
باطلة والمأخوذة منها حرام للآخذ وهو عاض بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اهـ.
ومحصل هذا كله أن أصل المذاهب منع الإجارة على الطاعات، ولهذا أجمعوا على أن الحج عن الغير من باب الإنابة لا من باب الاستئجار فمن حج عن غيره كان نائباً عنه في أداء هذه الفريضة ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي فإن زاده معه شيء من المال الذي أخذه وجب لصاحبه ولو كان إجارة لما رد منه شيئاً.

(3/114)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإما إقتاء المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفاً من تعطليها فأجازوا أخذها على التعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن إذ لا ضرورة في القراءة.
ويرد على هذا ما ثبت من جواز أخذ الأجرة على الرقية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "إن أحل ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" وأجيب بأن الرقية تلاوة فقط بل المقصود منها الطب وأخذ الأجرة على التداوي جائز.
وقد يقال في زماننا أن الناس يتصرفون عن تعليم القرآن إذا لم يجدوا فيه شيئاً يساعدهم على قوتهم فالعلة التي أباحوا من أجلها أخذ الأجرة على التعليم وهي خوف تقليل الحفاظ هي بعينها موجودة في الحفاظ الذين ينفقون الذين ينتفعون من قراءءتهم، وقد يكون للإفتاء بجواز أخذ الأجرة على القراءة من هذه الجهة وجه، ولكن الذي لا يمكن إقراره بحال إنما هو ما اعتاد بعض القراء من فعل ما ينافي التأديب مع كتاب الله تعالى كتلاوته على قارعة الطريق للتسول به وفي الأماكن التي نهىالشرع عنه الجلوس فيها وتلاوته على حالة تنافي الخشية والاتعاظ بآياته الكريمة كما يفعل بعض القراءة من التغني به في مجالس المآتم والولائم التي نهى الشارع عنها لما فيها من المنكرات وتأوه الناس في مجلسه كما يتأوهون في مجالس الغناء والإمعان في هذه الطريقة الممقوتة حتى أن بعض القراء يحرفون كلمه عن مواضعه تبعاً لما يقتضيه نغم وتمشياً مع أهواء الناس وشهواتهم فإن ذلك كله حرام باطل لا يمكن الإقرار عليه بأي حال.
ومن الأشياء التي لا تصح إجازتها الأياء التي تستأجر على خلاف شرائط الإجازة المتقدمة.
ومن ذلك استئجار الشخص بجزء من عمله كأن يستأجر جمالاً لينقل له جرنه ويأخذ باقية في نظير أجره أو يعطي طحاناً إردَبّاً من الحنطة ليطحنه ويأخذ منه كيلة في نظير أجره فإن كل ذلك ممنوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولأن القدرة على تسليم الأجرة شرط في صحة الإجارة وفي هذه الحالة أن يسلم الأجرة لأنه ناطقه بالشيء المعمول فالطحان مثلاً لا يمكنه أن يأخذ أجره إلا من الدقيق الذي ينتج من القمح المطحون وهو لم يوجد بعد فإذا وقعت مثل الإجازة وجب فيها أجر المثل بشرط أن لا تزيد على المسمى بينهما.
والحيلة في جواز مثل ذلك أن يفرز أولاً ويسلمه للمستأجر كأن يخرج الصوف أو القمح الذي يريد أن يدفعه أجراً ثم يسلمه للمستأجر وهذا جائز.
ومن ذلك إجارة ماء الشرب وحده فإنها لا تصح واقعة على استهلاك عين السمك وإجارة المرعى لتأكل غنمه حشيشها فإن كل ذلك فيه استهلاك للعين فلا تنفع إجارته ولكنه يصح أن يستأجر تبعاً لشيء

(3/115)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
آخر فيصح أن يستأجر القناة تجري فيها الماء فتقع الإجارة على الماء تبعاً ويصح أن يستأجر قطعة من أرض المرعى ليجعلها مأوى لمواشيه (حوش) ويبيح له مالكها الرعي من حشيشها.
وأما الأشياء المختلف في جواز استئجارها فمنها إجارة الحمام فإن بعضهم يقول: إن أخذ الحمامي أجرة مكروهة من الرجال والنساء. وبعضهم يقول: إنها مكروهة من النساء دون الرجال والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لحاجة الناس إليها وربما كانت حاجة النساء إليها أكثر من لنفاسهن وضعفهن إنما الذي ينبغي النهي عنه هو كشف العورة فيها سواء كان من فيها نساء أم رجال إذ لا يحل للنساء أن ينظرن إلى عورة بعضهن كما لا يحل للرجال على التفصيل المتقدم في مباحث ستر العورة فعلى من يدخل الحمام أن يحتاط في ستر عورته وأن يغض بصره عن النظر إلى عورة غيره وإلا فقد فعل ما لا يحل له فعله سواء أكان ذلك في الحمام أو غيره.
ومنها أجرة الحجام فقد قال بعضهم بكراهية لما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث" والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان مكروهاً لم يعطيه والحديث الأول منسوخ بما ورد أن رجلاً "وقال يا رسول الله إن لي عيالاً وغلاماً حجاماً أفاطعم عيالي من كسبه؟ قال: نعم" وأيضاً فإن حديث البخاري مروي عن ابن عباس وحديث النهي رواه في السن عن أبي رافع.
ومما لا شك فيه أن ابن عباس أعلم وأضبط وأفقه فيعمل بحديثه على أنه إذا اشترط الحجام أجراً معيناً كره ذلك فيمكن حمل الكراهة على ذلك.
ومن ذلك أجرة السمسار والدلال. فإن الأصل فيه عدم الجواز لكنهم أجازوا الناس إليه كدخول الحمام على أن الذي يجوز من ذلك إنما هو أجر المثل.
فإذا اتفق شخص مع دلال أو مع سمسار على أن يبيع له أرضاً بمائة جنيه على أن يكون له قرشين في كل جنيه مثلاً فإن ذلك لا ينفذ وإنما الذي ينفذ هو أن يأخذ ذلك الدلال لأجر مثله في هذه الحالة.
هذا وتصح إجارة الماشطة لتزيين العروس بشرط أن يذكر العمل أو مدته في العقد.
وإذا استأجر شخص عاملاً يمكن تعيين عمله كخياط ليخيط له هذا الثوب بكذا أو خباز ليخبز هذه الأرغفة بكذا أو هذا الإردَبّ فإنه لا يصح له أن يجمع مع هذا التعيين الوقت فيقول خطه اليوم أو غداً أو اخبزه اليوم أو بعد ساعتين فإذا تأخر عن هذا الموعد يكون بأجرة أقل وإنما لا يجوز ذلك لأنه يفضي إلى المنازعة بأن يقول العامل المنفعة المعقودة عليها إنما هي العمل وذكر الوقت للحث على العجيل وحيث قد تم العمل في اليوم أو بعده فإنني استحق عليه الأجر كاملاً ويقول المؤجر كلا بل المنفعة المعقود عليها مقدورة بالوقت فالمعقود عليه هو الوقت وحيث لم توجد قيمة المنفعة فلا تستحق الأجرة كاملة فلذا قبل بفساد العقد. نعم إذا قال على أت تفرغ منه أو تخيطه في اليوم فإن العقد

(3/116)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ألا يفسد ويعتبر العقد على العمل وذكر هذه الكلمة يكون الغرض منه إنجاز العمل والفرقأن قوله في اليوم معناه أن تعمل في اليوم ولا يلزم أن يعمله جميعه في اليوم. وقوله على أن تفرغ منه اليوم يفيد أن ذكر اليوم ليس مقصوداً كالعمل فيكون الغرض من التعاقد إنما هو العمل وأما كونه يفرغ منه اليوم فهو أمر ثانوي معناه اسعجال العمل على أن بعضهم يقول إن الإجارة لا تفسد بذلك مطلقاً ولو قال اليوم بدون في أو على ويقع العقد على العمل ويكون الغرض من ذكر الوقت الحث على التعجيل.
ويجوز أن يقول شخص لآخر إن خطت لي الثوب في هذا اليوم فتكون أجرته درهماً وإن خطته غداً تكون أجرته نصف درهم. وإن سكنت هذه الدار حداداً فبعشرة وإن سكنتها عطاراً فبخمسة. وهكذا في كل ما فيه ترديد الأجرة بالنسبة للزمان والمكان والمسافة.
المالكية - قالوا: الأشياء المستأجرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ممتنع فلا يصح استئجاره، وقسم جائز، وقسم مكروه.
فالقسم الأول: وهو الممتنع فهو ما خالف شرطاً من شروطها وقد تقدم بيان كثير منه وبقيت أمور: أولها كراء الشجر لأخذ ثمره لأن فيه استفياء عين وهو الثمر قصداً لا تبعاً وهو بيع عين قبل وجودها وذلك باطل. أما الشاة لأخذ لبنها فقد مر بيانه في الكلام على المنفعة فارجع إليه.
وإذا استأجر داراً فيها نخلة أو كرمة فإن كان ثمرها قليلاً واشترط المستأجر لأن تكون تابعة للدار في الإجلرة فإنه يغتفر تأجيرها وأخذ ثمرتها بشرط أن لا يزيد ثمن الثمر عن ثلث الأجرة. وذلك بأن تقوم الدار بغير الثمر فإن كانت عشرة وقيمة الثمر بعد إسقاط ما أنفق على الشجر من سقي ونحوه فإنه يصح في هذه الحالة أخذ الثمن لأن الخمسة إذا أضيفت إلى الأجرة وهي عشرة كان المجموع خمسة عشرة والخمسة ثلثها فيصح أخذه حينئذ أما إذا كانت قيمة أكثر من خمسة فإنه لا يصح لأن القاعدة من مذهب مالك أن كل شيء يمكن قليله من كثيره فثلثه والقليل يتسامح فيه ويستثنى من هذه القاعدة أمور ثلاثة:
(1) الآفات التي تصيب الثمرة المبيعة فغن ثلثها ليس من القليل.
(2) مساواة المرأة للرجل في دية الجراحة.
(3) ما تحمله العاقلة من الدبة.
ثانيها: الإجازة على التعليم الغناء فإنها لا تصح والغناء بالمد التطريب بالأهوية المعروفة في علم الموسيقى وقد عرفت في مباحث الوليمة أن المالكية لا يبحون سماع شيء من الغناء إلا إذا كان على وزان:
أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحيكم
إلى أخره....

(3/117)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وكل ما لا يباح لا يصح تأجيره أما غيره فلهم فيه تفصيل فما كان منه مباحاً فإنه يصح الأجرة على تعليمه عندهم. ومن ذلك أجرة آلات الطرب كالعود والمزمار فإن استعمالها وسماعها حرام فكذلك ثمنها وإجارتها.
ثالثهما: إجارة النائحة (المعددة) فإنه حرام بلا خلاف.
رابعهما: إجارة الدجالين الذين يزعمون أنهم يخبرون عن المسروق ويردون الضائع فإنها لا تحل ومثله الاستئجار على حل المربوط (العاجز عن إتيان امرأته) فغن اسئجاره لا يحل وقيل يحل إن تكرر نفعه.
خامسها: استئجار الحائض لكنس المسجد فإنه لا يحل.
سادسها: إجارة الدكان ليباع فيه الخمر والحشيش ونحوه مما يفسد العقل أو يضر بالبدن فإنها لا تصح وكذلك إجارة المنازل لتتخذ بيوتاً للدعارة أو محلاً للفسق أو نحو ذلك. وكما لا تصح إجارتها كذلك لا يصح بيعها على ثمنها المعتاد إن باعها بثمن زائد عنه.
سابعها: الإجارة على طاعة مطلوبة من الأجير (طلب عين لا طلب كفاية) إذا كانت لا تقبل النيابة كالصلاة والصيام سواء كان طلبها على سبيل الوجوب أو على الندب. فلا يصح الاستئجار على صلاة ركعتي الفجر والوتر.
أما ما يقبل النيابة كالحج، وقراءة القرآن وأذكار، والتهليل ونحوها ففيها خلاف مبنى على وصول ثوابها للميت. فبعضهم يقول: إنها تصل فالإجارة عليها صحيحة، وبعضهم يقول: إنها لا تصل فالإجارة عليها لا تصح والمنقول عن الإمام مالك أنها لا تصل وأن الإجارة عليها لا تصح، ولكن الظاهر من قول أصحابه الميل إلى الميل إلى أنها تصل عملاُ بحديث رواه النسائي: "من دخل مقبرة وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لهم كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها" فلو لم يكن ثواب القرآن ينفع الميت ويصل إليه لما حث النبي صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد للأموات.
أما الأعمال المطلوبة من المكلف على سبيل الكفاية كتكفين الميت وتغسيله ودفنه فيجوز الإجارة عليها بلا خلاف فما يأخذه (الحانوتية) على تغسيل الموتى وحملهم ودفنهم من الأجرة (جائز)
ثامنها: تأجير العامل الذي يجني الزيتون أو النبق ونحوهما أو يعصره زيتاً بجزء مما يخرج منه فلو قال له انقض لي هذه الشجرة يختلف في ذلك فمنه ما يسقط من ثمره بالهز كثيره ومنه ما يسقط قليل فيكون القدر الذي ينزل منه مجهول.
وكذا إذا قال له اعصر هذا الزيتون أو الرقطم ولك جزء مما يخرج منه فإنه لا يصح لأن القدر الذي يخرج من الزيت مجهول وصفة الزيت الخارج بالعصر مجهولة إذ يمكن أن يكون جيداً وأن يكون رديئاً ثخيناً أو رقيقاً نقياً أو مشوباً ينقصه.

(3/118)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وبعضهم يقول إذا قال له انفض الثمر الذي على هذا الشجر كله ولك سدسه مثلاً فإنه يجوز فإذا وقع شئ من هذا فإن للعامل أجر مثله وجميع الثمر أو الزيت لصاحبه فإن اقنسما كان ما يأخذه العامل حراماً أما ما يأخذه رب العمل فهو حلالاً لأنه كله ملكه.
ومثل ذلك ما إذا قال له أدريس (هذا الجرن) ولك ثمن ما يخرج من الحب فإنه إجارة فاسدة للجهل بقدر ما يخرج من الحب. أما إذا قال له احصد هذا الغيط ولك سبعه أو ثمنه فإنه يصح لأن الزرع ظاهر مرئي فيمكنه معرفة القدر الذي بخرج منه.
ثامنها: تأجير أرض صابحة للزراعة ليزرعها با الطهام فإنه لا يصح فإذا اسنأجر فداناً ليزرعه بخمسه (أرادب) من القمح أو الذرة أو الشعير أو نحو ذلك مما تنبته الأرض كالعدس والفول وجميع أنواع الطعام فإنه لا يصح أنه يمكنه أن يزرع الأرض من هذا النوع الذى أستأجر به فتؤل المسألة ألى بيع الطعاملأجل منع التفاضل والغرر لأنه يحتمل أن يخرج له من الزرع قدر الأجرة أو أقل أو أكثر.
وكذلك لا يجوز تأجيرها بالطعام الذى لا تنبته كالعسل والجبن واللبن والشاة المذبوحة والشاة التى بها لبن. أما الشاة الحية التى لا لبن بها يجرز أنها ليست بطعام في هذه الحالة ولا يتولد منها طعام كذلك لاتصح بالسمك وطير الماء زعلة ذلك أنه ربما يزرعها طعاماً كا القمح والذرة ونحو ذلك فيكون فيه بيع بطعام مخالف له وهو ممنوع.
كذلك لا يجوز تأجيرها بما ينبت منها من غير الطعام كالقطن والكتان والعصفر والزعفران ونحو ذلك لأنه قد يزرع فيها ذلك النوع الذي أجره بها فيكون فيه بيع الزرع بمثله لأجل فإذا وفع فيه شيء من ذلك كان فاسداً وله كراؤها بالنقود.
ويجوز كراء الأرض بالشجر الذي يمكث فيها زمناً طويلاً واختلف في جواز كرائها بما ينبت وحده لا بما ينبته الناس كالحلف والحشيش والصحيح لأنه يجوز.
وأما كراء الأرض لأجل بناء عليها دكان عليها جرن فيها جائز وكذلك كراء الدور والدكاكين بالطعام فإنه جائز بلا نزاع لانتفاع الشبه التي تقدمت.
تاسعها: يمنع استئجار صانع على عمل بحيث لو لأتمه في يوم يكون له عشرة وإن لأتمه يومبن يكون له ثمانية لأنه في هذه الحالة يكون قد أجر العامل نفسه بما لا يعرف.
فإذا استأجر خياطاً على هذه الحالة وخاط له الثوب فله أجر مثله خاطه في يوم أو يومين فإن اتفق معه على أجرة معينة ثن قال له بعد ذلك عجل وأزيدك كذا فإن كان على يقين من أنه يستطيع الفراغ منه في الموعد الذي حدده فإنه يجوز أما إن كان لا يدري فيكون مكروهاً.
عاشرها: أن يقول لآخر اعمل على دانتي كأن تحتطب عليها أو تحمل عليها الناس تحمل عليها الحبوب أو نحو ذلك أو يقول له اعمل على دابتي ولم يصرح بشيء مما يحمل عليها

(3/119)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولك نصف ما يتحصل من ثمن ما تحتطبه عليه وتبيعه أة نصف ما تكريها به. وتشتمل هذه الصورة على أربعة أوجه: الأول أن يقول اعمل على دابتي فيعمل بنفسه.
الثاني: أن بقول اعمل عليها فيؤجرها لغيره ليعمل عليها.
الثالث: أن يقول له خذ دابتي فاكرها فيأخذها ويعمل عليها بنفسه.
الرابع أن يقول له خذها فاكرها فيأخذها ويكريها لغيره. والإجلرة في جميع هذه الأوجه فاسدة. فإذا وقع ذلك فحكم الأوجه الثلاثة الأول للعامل جميع ما يتحصل وعليه أجرة المثل لمالكها لأنه في هذه الأوجه يكون قد استأجر الدابة إجارة فاسدة فإذا لم يجد عملاً يعمله عليها فبعضهم يقول تلزمه أجرتها مطلقاً وبعضهم يقول لا تلزمه الأجرة إذ عاقه عن العمل عائق معروف.
وحكم الوجه الرابع، وهو أن يقول له خذها فاكرها فيكريها، أن كل ما يتحصل من الكراء للمالك ويكون له أجر المثل فيما عمله فإذا تعاقد مع شخص ليحمله من بلد إلى آخر ومشى خلفه كان له أجر المثل على التعاقد وعلى المشي الذي مشاه وما يتحصل من الأجر للمالك لأن العامل في هذه الحالة يكون قد أجر نفسه إجارة فاسدة. هذا كله بعد الشروع في العمل أما قبله فتعين فسخ العقد، وإنما فسدت الإجارة في هذه الأوجه للجهالة بقدر الأجرة.
أما إذا قال له خذ دابتي الذي واحتطب عليها ولك نصف الذي تجيء به، فإنه يصح بشرطين:
الأول: أن يكون القدر الذي يجيء به من الخطب معروفاً في العرف كأن تجري العادة بأن هذه الدابة تنقل قنطارين في اليوم أو يسترطا ذلك كأن يقولا نقسم كل قنطارين مما تنقله.
الثاني: أن لا يحجر المالك على العامل كأن يقول لا تأخذ نصيبك إلا بعد أن يجتمع الحطب في مكان كذا، فيصح بهذين الشرطين لانتفاع جهالة هنا محققة فإنه لا يدري بكم يبيع الحطب الذي يجيء به فالثمن مجهول تماماً.
وهل السفينة والحمام والربع ونحو ذلك من الأشياء الثانية مثل الدابة في ذلك؟ والجواب أن بعضهم يقول إنها مثلها فإذا قال العمل في سفينتي أو في حمامي أو في داري أو لنا ولك نصف ما يتحصل من ريعها فإن ما يتحصل يكون لمالكها وللعامل أجر مثله.
وبعضهم يقول إن السفينة والدار والحمام ونحو ذلك من الأعيان الثابتة التي لا يتولى العامل مؤنتها يكون لمالكها وللعامل أجرة مثله سواء قال اعمل عليها أو اكرها وسواء عمل عليها بنفسه أو أجرها لغيره. والثاني أصح.
الحادي عشر: أن يبيع شخص لآخر نصف سلعة معين على أن يبيع المشتري النصف الثاني فلا يصح أن يقول شخص لآخر بعتك نصف داري هذه بمائة على أن تتولى بيع نصفها الثاني

(3/120)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإنما تمتنع هذه الصورة إن لم يعين محل البيع أو عين بلداً تبعد عن البلد الذي فيها العقد أكثر من ثلاثة أيام.
أما إذا قال له أن تبيع لي النصف الثاني في هذه البلدة التي حصل العقد أو في بلد قريب منها فإنه يصح وذلك لأنه في الحال الأولى يكون قد اشترى معيناً وهو نصف الدار ولم يتمكن من قبضة إلا بعد بيع النصف الثاني في بلد يبعد عن محل العقد أكثر أيام وذلك ممنوع.
أما في الحالة الثانية وهي إذا كان محل البيع في البلد أو في بلد يصح تأجير القبض إليها بأن كانت مسافتها ثلاثة أيام فأقل فإنه يصح ولكن يشترط في هذه الحالة أن يجعل العاقدان للبيع أجلاً معلوماً بأن يقول على أن تبيع لي النصف الثاني بعد شهر مثلاً حتى في المسألة بيع وإجارة.
أما البيع فلأنه قد باع نصف الدار بثمن معلوم.
وأما الإجارة فلأنه قد اجره على أن يبيع له الثاني في وقت كذا وذلك جائز لأنه يصح أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد.
أما إذا لم يؤجلا فيجتمع في المسألة بيع وجعالة فكأن قال بعتك النصف بمائة على أن يكون هذا البيع جعلاً لبيع النصف الثاني وهو ممتنع وذلك لأنك التأجيل بعين الإجارة إذ الجعالة يفسدها التأجيل.
وإذا باع شيئاً مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً كأن أعطاه عشرين إردَبّاً من القمح وباع له إردَبّين منها بجنيه وسمسرة على بيع باقيها في خمسة أيام فيكون له نصف أجرة السمسرة فيرد نصف الإردَبّ الذي جعل في مقابل السمسرة ويحتمل أن يبيعها في آخر يوم من العشرة أو بعد العشرة فلا يريد شيئاً فقد ترددت أجرة السمسرة وهي الإردَبّ بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفاً يرده غير جائز.
وإذا اشترط المشتري إنه باع النصف الثاني لا يرد شيئاً من الأجرة فإنه يصح. فتحصل من ذلك أنه لا يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين وأجرة سمسرة على بيع النصف الثاني إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يعين محل البيع بأن يكون في بلد لا تبعد عنه أكثر من ثلاثة أيام.
الثاني: أن يجعل لبيع النصف الثاني أجلاً.
الثالث: أن يكون المبيع مثلياً لا يعرف فإذا تحققت هذه الشروط صح لأنه يكون بيع وأجرة وهو جائز وإلا فلا.

(3/121)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وأما القسم الثاني وهو الجائز فهو أمور: منها الأجرة على الإملمة مع الأذان فإنها جائزة بخلاف الأجرة على الصلاة وحدها فإنها لا تجوز كما تقدم.
ومنها: الأجرة على تعليم القرآن والعلم والصنعة ونحو ذلك فإنها تجوز بشرط أن يعرف المعلم الشخص الذي يريد أن يتعلم.
ومنها إجارة المراضع: فيصح أن يستأجر شخص مرضعة لابنه وتسمى (ظئراً) بشرط أن يعين الولد الذي يريد إرضاعه فإن كان غائباً فينبغي أن يذكر سنة. أما إذا كان حاضراً فينبغي رؤيته، وإن جربته المرضع لترى قوة رضاعه يكون حسناً.
وإذا استؤجرت المرضع بإذن زوجها فإنه يمنع من وطئها سواء أضر بالصغير أو لم يضر.
وبعضهم يقول: إنه لا يمنع من وطئها إلا إذا أضر بالصغير فإن وطئها على القول الأول يكون لأب الصغير فسخ الإجارة.
وكذلك يمنع الزوج من السفر من بلد أهل الرضيع وإذا سافر الأبوان من بلد الظئر لزمهما دفع الأجرة كالملة وإلا تركا الصبي لترضعه في محل العقد.
أما إذا أجرت نفسها بغير إذن زوجها فله كل ذلك ويفسخ الإجارة.
وليس للمرضعة أن ترضع ولداً آخر بعد التعاقد على إرضاع معين ولو لم يضر بالأول فإن فعلت فسخت الإجارة. وليس عليها أن تحضن الصغير لأن الإرضاع لا يستلزم الحضانة وبالعكس.
وإذا استأجرها لإرضاع صغيرين فمات أحدهما فسخت الإجارة وكذلك تفسخ الإجارة بسبب ظهور حمل المرضع بأن كانت حاملاً وقت العقد ولكن لم يظهر حملها ثم ظهر في أثنائه. وهل تفسخ إن خيف الضرر على الرضيع أو تفسخ مطلقاً؟ خلاف فبعضهم يقول: مجرد ظهور الحمل كاف في جواز الفسخ وبعضهم يقزل: لا بل يفسخ إن خيف وهل يجب على أهل الصغير الفسخ إن خيف الضرر أولا يجب؟ إذا خافوا عليه الموت يجب عليهم الفسخ وإلا فلا يجب وكذلك تفسخ إجارة المرضع إن مرضت مرضاً لا تقدر على إرضاع الصغير وإذا فسخت الإجارة فللمرضع حساب ما أرضعت.
وإذا كان أب الصغير قد أعطاها الأجرة مقدماً فأكلتها فلا تطالب بدفعها. وإذا فسخت الإجارة فلا تلزم المرضع أن تحضر غيرها محلها في إرضاع الصغير.
ومنها: أنه يجوز للمالك أن يستأجر العين الذي أجرها من المستأجر فإذا استأجر محمد داراً من خالد فإنه يصح لخالد أن يستأجر تلك الدار من محمد بنفس القيمة التي أجر بها أو أكثر أو أقل بجنسها أو بغير جنسها فإذا استأجرها فإذا بجنيه ذهب فله أن يؤجر لمالكها بجنيه كذلك أو بجنيه ونصف كما أن له أن يؤجرها له بإردَبّ من القمح أو بثوب من القماش وهكذا، وإنما الممنوع ما يوجب التهمة.
وذلك كما أجر له داره بجنيهين شهرياً وأجل له الأجرة فلا يستلمها إلا بعد سنة، ثم

(3/122)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
استأجرها منه بجنيه واحد على أن يدفع له الأجرة فوراً فإن في هذا شبهة، وهو أنه فعل ذلك لبقرضه بفائدة.
ومثل ذلك ناظر الوقف فإنه لا يجوز له أن يستأجر ما أجره لغيره لأن فيه تهمة أنه فعل ذلك ليستولي على العين وينتفع بها فأجرها بأجرة زهيدة للغير ليأخذها منه بذلك.
ومها: لأنه يجوز أن يستأجر دابة، أو داراً إلى مدة معينة بأجرة معلومة بشرط أنه إن استغنى عنها أثناء هذه المدة سلمها لصاحبها وحاسبه لقدر المدة التي استعملها فيها إن كانت داراً، أو المسافة التي قطعتها بها إن كانت دابة.
هذا وإن كانت المنفعة التي باعها المالك مجهولة فيه لعدم بيان المدة إلا أن الجهالة فيها يسيرة فإن المعتاد أن الذي يستأجر شيئاً من ذلك إنما يعمل حسابه فلا يستغني عنه غالباً، وإن استغنى عنه فإنما يستغني عنه في أخريات المدة فيتغفر تسهيلاً للتعامل. ولكن يشترط أن لا يدفع المستأجر للمالك الأجرة لأنه إن دفعها له يحتمل أن يرجع بعضها إن لم يستوف المدة، ويحتمل أن لا يرجع إن استوفاها. فيكون تارة أجرة، وتارة سلفاً وهو ممنوع.
ومنها: أنه يجوز للمالك أن يؤجر الشيء الذي استأجره مدة تلي مدة الإجارة فإذا أجره داره سنة ولم تنته جاز له أن يؤجرها مدة أخرى تبتدئ بعد نهاية السنة لا فرق في ذلك بين أن يؤجرها للمستأجر الأول أو لغيره.
ومنها: أنه يجوز للمالك أن يبيع أرضاً على أن تبقى نتفعتها أو أكثر أو أقل ويسلمها للمشتري بعد نهاية تلك المدة. فللمشتري في هذه الحالة أن يؤجرها قبل أن يستلمها على أن تبتدي مدة الإجارة عند نهاية مدة المنفعة التي اشترطها البائع. ولكن يشترط لجواز تأجيرها أن يغلب على تأجيرها وما لا يصح تأجيره فلا يصح دفع أجرته مقدماً طبعاً.
أما ما يغلب الظن بقاؤه فإنه يصح دفع الأجرة مقدماً وإذا احتمل الأمران على السواء فقيل يجوز العقد لا النقد وقيل لا يجوز.
وللبائع أن يشترط الانتفاع بسلعته التي باعها عام فأقل إذا كانت داراً ونحوها والانتفاع بها مدة طويلة واو سنين إذا كانت أرضاً أما إذا كانت حيواناً فإنه لا يصح أن يشترط الانتفاع به أكثر من ثلاثة أيام.
ومنها: أنه يجوز أن يستأجر شخص أرضاً على أن يبنيها مسجداً مدة السنين فإذا انقضت المدة ردم البناء وأخذ الثاني انقاضه وتعود الأرض ملكاً لصاحبها ولا يجبر أحدهما على بقاء ما يخصه. ومنها: أنه يجوز الاستئجار على طرح ميتة ونحوها من النجاسات كالمواد البرازية وإن كان فيه مباشرة للنجاسة.

(3/123)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: أنه يجوز إجارة المبنية بناء جديدة وأرض مأمونة الري مدة طويلة إلى ثلاثين سنة. وأما الدار القديمة فإنه يصح تأجيرها مدة يظن معها بقاؤها سليمة.
وأما الأرض التي ريها غير مؤمون فإنه يجوز العقد دون دفع الأجرة كما تقدم هذا في الملك وأما في الوقف فإنه لا يصح تأجيره في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا كالفقراء. وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين.
أما إذا كانت موقوفة على غير معين كالفقراء، فإنه يصح تأجيرها إلى أربعة سنين دون زيادة. فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف يصح أن يؤجرها له زماً طويلاً كعشر سنين ونحوهما لأن الوقف يرجع إليه.
وإذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت، كما إذا تهدم الوقف. وليس له ريع يبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عاماً.
ومنها: أنه يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بمائة مع أنها تساوي مائة وخمسين على أن أن يتجر المشتري في ثمنها فيكون الثمن محموع أمرين: المائة والاتجار، ففيه إجارة وبيع إنما يشترط بصحة ذلك شروط:
أحدهما: أن يكون الثمن معلوماً.
ثانيهما: أن يحضر المشتري الثمن ويشهد عليه لينتقل من دين في ذمته إلى أمانة عنده وإلا كان سلفاً جر نفعاً يتهم بتأخيره ليزيده بربح التجارة.
ثالثها: أن تكون المدة التي يريد له فيها معلومة كسنة مثلاً.
رابعها: أن يعين النوع الذي يتجر فيه لأن التجارة تتفاوت بتفاوت السلع في الصعوبة والسهولة.
خامسها: أن يكون ذلك النوع موجوداً في زمن الأجل.
سادسها: أن يكون العامل مديراً يتصرف في السلع بأن يشتري ويبيع ولا يكون محتكراً بمعنى أنه يجمع السلع ولا يبيعها إلا إذا ارتفعت أثمانها لأن ذلك يؤدي إلى البيع في زمن مجهول فيدخل الجهل في الثمن لأن الثمن مجموع الأمرين كما عرفت: المائة والعمل.
سابعها: أن لا يتجر له في الربح لأن الربح مجهول.
ثامنها: أنه يلزم أن يشترط المشتري الذي يريد أن يتجر في الثمن على البائع أن الثمن إذا تلف منه شيء يدفع البائع غيره حتى لا يكون له وجه في ادعاء أن المشتري لم يتجر في كل الثمن بل اتجر في بعضه فلم يستلم الثمن كاملاً في هذه الحالة، فإذا اشترط ذلك وتلف بعض الثمن ولم ينشأ البائع تكتمله بل رضي أن يتجر له المشتري في الباقي فإنه يصح ولا يلزم بالتكلمة لأن الغرض من الشرط دفع النزاع من البائع ومتى رضي فقد انتهى الأشكال.

(3/124)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: أنه يجوز استئجار طريق في دار أو غيرها للمرور فيها. ومنها: أنه يجوز استئجار مجراة تصب فيها مياه المرحاض.
وكذلك استئجار مجراة يصب فيها الماء الذي يسقي الزرع، أما شراء نفس الماء فإنه لا يجوز سواء كانت مدة شرائه قليلة أو طويلة على المعتمد.
ومنها: أنه يجوز إجارة المنقولات كالأواني والدلاء والفؤوس.
وأما القسم الثالث: وهو المكروه فأمور منها: إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهباً أو فضة وعلة الكراهة أن الله تعالى لم يجعل له زكاته في إعارته فيكره أن يأخذ عليه أجراً.
ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال، أما المحرم فإن الزكاة واجبة فيه فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حلياً فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالاً أو ممنوعاً.
ومنها: أنه يكره لمن استأجر دابة ليركبها أن يؤجرها لمثله في الخفة والإهانة ولا ضمان عليه إن ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما أجرها ليحمل عليها شيئاً فإنه لا يجوز له أن يؤجرها لغيره عليها مثل ذلك.
ويجوز كراء الدابة بعلقها أو طعام صاحبها أو بهما معاً سواء انضم لذلك نقد أو لا ليركبها أو ليطحن بها زمناً نحو شهر إذا كانت مسافة الركوب أو قدر الطحن معروفين في العادة بأن كان الركوب في البلد وما قاربها الطحن للقمح ونحوه لا الحبوب الصبغة كالترمس.
ومنها: الأجرة على تعليم الفقه والفرائض فإنها الغرض نشر العلم الديني وأخذ الأجرة عليه ومكروه في الجملة فلذا كانت مكروهة.
ومنها: استئجار من يقرأ القرآن بتطريب ونغم لا يخرجانه عن وضعه فإن استئجار مكروه والمراد من يقطع صوته بالأنغام لا من يجود القرآن
بالصوت الحسن أما ما يخرج بالقراءة عن وضعها فإنه يحرم استئجاره وحرم قراءة القرآن بالشاذ وهو ما زاد على العشرة على الرلجح وبعضهم يقول ما زاد على السبعة.
ومنها: أنه يكره للمسلم أن يكري نفسه أو ولده لكافر إلا إذا لم يكن مختصاً به كالخياط الذي يخيط للمسلم والكافر فإنه لا يكره. هذا ولا يحل للمسلم أن يضع نفسه تحت يد الكافر في الخدمة كخدم البيوت والمراضع فإنهم لا يحل لهم وإن فعلوا تفسخ الإجلرة ويكون لهم أجر المثل.
الشافعية - قالوا: الأمور التي يصح استئجارها والتي لا يصح تقدم معظمها في الشروط وبقيت أمور:
منها: أنه لا تصح الإجارة على الطاعات التي تجب لها كالصلاة فرضاً كانت أو نفلاً إلا أنه يصح

(3/125)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الإجارة على الإمامة على أن يكون الأجر في مقابل إتعاب مفسه بالحضور إلى كوضع معين والقيام بها في وقت معين لا على أداء الصلاة.
ومثل ذلك ما يتعلق بالصلاة كالخطبة فإنه لا تصح الإجارة على نفس أدائها وإن كانت تصح على القيود الخاصة التي يتقيد بها الخطيب من الحضور إلى المكان ونحوه وتصح الإجارة على الحج كما تقدم في بابه.
ومنها: أنه لا تصح الإجارة على التدريس إلا إذا عين المسائل التي يريد دراستها وكذا لا تصح الإجارة على زيارة القبور ولو قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء عنده.
ومنها: أنه تصح الإجارة على قراءة القرآن لحي أو ميت ويحصل له الثواب سواء قرأ بحضرته أو أهدى له ثواب القراءة كأن يقول: اللهم اجعل ثواب هذا لفلان وهل يحصل ثواب القراءة للقارئ أيضاً أو لا؟ خلاف: فبعضهم يقول: إنه يثاب يقول: إن كل عبادة كان الحامل عليها أمراً دنيوياً لا ثواب فيها للفاعل.
ومنها: أنه تصح الإجارة على كل مسنون كالأذان والإقامة. وعلى ذكر الله تعالى كالتهاليل (العتاقة) إذا كان فيها كلفة يستحق عليها الأجر ولا يصح الإجارة على أن يرفع صوته بها.
ومنها: أنه تصح الإجارة على تعليم القرآن على المعتمد ويقدر تعليم القرآن بالزمن وبتعيين محل العمل، مثال ذلك اسئجار الدواب مثلاً فإنه يمكن ضبط منافعها بيان محل عملها فأما عملها فهو سيرها أو ركوبها وأما محله فهو المسافة التي يقع فيها ذلك السير والركوب فلك أن تقدر المنفعة بمحل العمل وهو الركوب والسير كأن يستأجرها لتركبها إلى بلد سواء عملت يوماً أو أقل أوأكثر ولك أن تقدر المنفعة كأن تستأجرها يوماً فأكثر.
ومن ذلك ما يفعله الناس في زماننا من تأجير السيارات (الأتومبيلات) بالمسافة أو الساعة فإنه جائز في كل من الحالين.
أما إذا كان لا يمكن ضبط المنفعة بتعيين محل العمل فإنه يجب تقديرها بالزمن فقط كتعليم القرآن فإن عمل المعلم لا يمكن تقدير المسافاة التي يقع فيها فيقدر بالزمن خاصة كأن يستأجيره لعمله شهراً بكذا أو ليعمله سورة خاصة بكذا أما تعيين المنفعة ببيان محل العمل والزمن معاً فإنه لا يصح كما إذا قال له: خط لي هذا الثوب في هذا النهار فإن عمل الخياط غرز الإبرة ومحله نفس الخياطة الحاصلة وهي التي تقدر عليها الأجرة فلا يصح حينئذ تقديره بالزمان لأن الزمان قد لا يفي بالعمل فيوجد النزاع.
نعم إن كان الغرض من ذكر الزمن الإسراع فإنه يصح. واعلم أن الاستئجار لمجرد الخياطة

(3/126)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
باطل لأنها عمل مستقل على قطع لبثياب. أما الاستئجار على الخياطة وقطع القماش وقطع (التفصيل) فإنها صحيحة.
ومنها: أنها تصح الإجارة لإرضاع الصبي ةتقدر بالزمان كأن يستأجرها لترضع ولده مدة كذا بكذا من النقد أو غيره ويشترط تعيين الطفل الذي يريد إرضاعه بالرؤية أو الوصف على المعتمد كما يشترط تعيين مكان الإرضاع سواء كان بيت المستأجر أو المرضعة.
ويصح استئجار المسلمة والكافرة والحرة والأمة كما يصح أن تباشر التعاقد بنفسها أو بواسطة زوجها وعليها أن تعمل ما يزيد في اللبن وأن تمتنع عن كل ما يضر بالصبي فإن كان يضره أن يطأها زوجها فإنها تمنع منه وإلا فلا. فإذا لم تفعل وتغيلا لبنها أو قل ثبت الخيار للمستأجر فإن شاء فسخ العقد وإن شاء أقره.
ومنها: أنه يصح إجارة العين مدة تبقى فيها غالباً فيؤجر الدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين بحسب حاله وللمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه، وله أن يتنازل عنها لغيره فإذا استأجر داراً فله أن يؤجرها لغيره بشرط أن يكون مثله في الاستعمال، فلا يصح له أن يسكن حداداً أو نجاراً إذا لم يكن هو كذلك لما في إسكانها من الضرر ما لم يشترط أن يسكن من يشاء. وإذا اشترط المالك أنه لا يجوز للمستأجر إسكان غيره فسد العقد.
وأما المحل المستأجر فإن كان معيناً فإنه لا يصح اسبداله بغيره فإذا استأجر هذه الدار ليسكنها فإنه لا يجوز للمالك أن يسكنه داراً غيرها فإذا شرط استبدالها في العقد فإنه يصح.
هذا واعلم أن كل شيء يمكن الانتفاع به شرعاً مع بقاء عينه مدة الإجارة فإنه يصح تأجيرها فلا تصح إجارة الملاهي كالزمارة والدربكة أما بقية الطبول فيصح استئجارها.
الحنابلة - قالوا: تنقسم الأشياء التي يمكن عليها عقد إجارة إلى ثلاثة أقسام:
مالا يصح لمخالطة شرط من الشروط المتقدمة، وما يصح بدون كراهية وما يصح بكراهية.
القسم الأول: ما يصح بلا كراهة وهو أمور:
منها: أنه استئجار المرضعة بإذن زوجها وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغ ويصح إجارة الوالدة لإرضاع ولدها بأجرة معلومة ولو بطعامها وكسوتها وإن لم يعين الطعام والكسوة وإذا استؤجرت للرضاع فلا تلزمها الحضانة إلا إذا نص عليها. وبشرط لصحة الإجارة للرضاع شروط:
الأول: رؤية الطفل المرتضع ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره ونهمته وقناعته.
الثاني: معرفة مدة الرضاع لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بالزمن فإن العمل وهو السقي لا يمكن تعيينه.

(3/127)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الثالث: معروفة مكان الرضاع هل عند المرضعة أو في منزل المستأجر لأنه يختلف سهولة وصعوبة.
ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما بدر لبنها ويصلح لبنها ويصلح به، وللمستأجر أن يطالبها بذلك كما يجب عليها أن تجتنب كل ما يضر بالصبي.
ويجوز للمسلمة أن ترضع الطفل الكتابي بالأجرة، وهل لها أن ترضع المجوسي (الوثني) خلاف.
ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة بعلفها أو بأجر معين مع علفها بشرط صاحب الدابة ذلك، مع بيان نوع العلف أو فول أو نحوهما وكقدح وهكذا. وبعضهم يقول يصح مطلقاً من غير بيان.
ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة (المولودة) فيجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك. ولو من غير شرط.
ومنها: أنه يجوز الإجارة على حصد الزرع بجزء مشاع منه كربعه وخمسه وهكذا كما تجوز الإجارة على جني النخل بجزء من ثمره، أما نفض الزيتون (هزه) ببعض ما يتساقط منه فإنه لا يصح لجهل بالباقي وللعامل أجر مثله.
أما جني الزيتون كله بجزءمشاع كسدسسه مثلاً فإنه يصح.
ومنها إجارة الوقف فإنها تصح لأن منافع الوقف مملوكة للوقوف عليه، ثم إن كان المؤجر ناظراً بأصل الاستحقاق بمعنى أن الواقف لم يعين ناظراً بل وقف على شخص، وعلى هذا يكون ذلك الشخص الموقوف عليه نظراً للوقف إذا لم يشترط ناظراً يكون المستحق هو للناظر، فإن كان ذلك، فإن الأجرة تبطل بموته.
وإذا كان المستأجر قد دفع أجرة مقدماً فإنه يأخذها من تركه المؤجر، أما إذا كان المؤجر ناظراً بشرط الواقف، فإن الإجارة لا تفسخ بموته، ويشترط أن تكون مدة الإجارة معلومة في الوقف وفي الملك، كما يشترط أيضاً أن بغلب على الطن بقاء العين سليمة في مدة الإجارة وإن طالت، حتى ولو كان المتعاقدان أو أحدهما مرمان يظن موتهما قبل انقضاء مدة الإجارة ولا فرق في ذلك بين الملك والوقف.
ومنها: أنه يصح تأجير العين مضافة إلى الزمان المستقل، فإذا أجرت أرضاً في سنة أربع تبتدئ سنة خمس فإنه يصح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد برهن أو إجارة أو لم تكن مشغولة ما دام يمكن تسليمها وقت زمن الإجارة.
وإذا كانت الأرض مشغولة ببناء أو بغرس شجر للغير ونحو ذلك مما لا يمكن إخلاء الأرض منه فإنه لا يصح تأجيرها إلا بإذن صاحب البناء أو الشجر، فإن كانت مشغولة ببنات لا يدوم أو

(3/128)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
بمنقولات يمكن إخلاؤها منها كاجرن أو أثاث المنازل فإنه يصح تأجيرها مطلقاً. هذا والمنافع التي لحدثها المستأجر على العين تكون مملوكة له.
ومنها: أنه يص للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره لأن المنفعة أصبحت مملوكة له فيجوز أن يستوفيها بنفسه، أو بنائه، بشرط أن يكون مثله أو أقل منه في استعمال تلك العين. فإذا استأجر منزلاً ليسكن فيه فإنه لا يصح له أن يؤجره لحداد (أو صباغ) أو نحو ذلكويصح تأجير العين لمؤجرها بأجرة زائدة أو أقل أو مساوية.
فإذا استأجر زيد من عمرو داراً فلزيد أن يؤجرها لعمرو صاحبها بهذه العشرة أو بأزيد منها، أو بأقل. بشرط أن لا يكون الغرض التحابل على الربا كأن يؤجره منه بعشرة لأجل، ثم ستأجرها منه بخمسة مقبوضة كبيع العينة المتقدم في كتاب البيوع، فإن ذلك لا يصح هنا.
ومنها: أنه يجوز أخذ الأجرة على الحمام، كما تقدم في الشروط وما يأخذه الحمامي يكون أجرة السطل والمئزر والمكان ويدخل الماء تبعاً لأنه لا يصح إجارة الماء استقلالاً، ويحرم على من يدخل الحمام أن يستعمل ماء أكثر من العادة ولا يلزم تعيين الأجرة فيه كغيره من المباحات المتعارفة كركوب السفينة وحلق الرأس ونحو ذلك فإنه لا يلزم فيه تعيين الأجر كما تقدم.
ومنها: إجارة الحلي فإنها بأجرة من جنسه ومن غير جنسه.
القسم الثاني: مالا تصح إجارته وهو ماخالف الشروط المتقدمة، وبقيت أمور:
منها: أن يقول للخياط إن خطت الثوب فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصفه لأنه لا جزم بشيء فيوجد التنازع بخلاف ما إذا استأجر سيارة أو دابة على إن ردّه اليوم بخمسة وإن ردّه غداً فبعشرة، فإن ذلك يجوز لأنه عين لكل زمن عرضاً فلا جهالة فيه ولا نزاع.
ومنها: أنه لا يجوز إجارة عين إلا بخمسة شروط:
الأولى: أن يقع التعاقد على نفع العين الذي يمكن اسيفاؤه دون إجزاء تلك العين فلا تصح إجارة الطعام للأكل لأن الانتفاع إنما هو باستهلاك أجزاء الطعام لا بشيء آخر ومثله إجارة الشمع ليوقده لأنه يستهلك نفس العين. وكذا إجارة حيوان يأخذ لبنه أو صوفه أو يره فإنه لا يصح لأن المنفعة لا تقع إلا باستهلاك نفس العين المتولدة من الحيوان وإنما صح تأجير المرضعة لأنها يحصل منها عمل كوضع الثدي في فم المرضع وإمساكه بين يديها واحتمال ما يترتب على إرضاعه من ألم في بعض الأحيان ونحو ذلك فهي مستأجرة لهه المنافع واللبن غير معقود عليه مستقلاً وأيضاً فإنه أجير لحاجة الناس إليه ضرورة وكذا لا يصح استئجار شجرة لأخذ تمرها ونحو ذلك.
الشرط الثاني: معرفة العين المؤجرة بروؤية إن كانت لا تضبط بالصفات كالدار والحمام. فمن أراد أن يستأجر داراً فلا تصح إجارتها إلا بعد معلينتها، ومثلها الحمام.
أما إن كانت العين يمكن ضبطها بالصفات فإنه يصح تأجيرها بدون رؤية كالأراضي الزراعية فإنه

(3/129)


- مبحث ما يضمنه العامل إذا تلف وما لا يضمنه
-وإذا استأجر شخص عاملاً من العمال ليخيط له ثوباً أو يصبغه، أو يبيني له داراً أو يخبز لخ خبزاً أو نحو ذلك فأفسد العامل الثوب أو حرق الخبز أو أخل البناء فهل يلومه الضمان ويدفع تعويض ما أفسده أو لا ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
يكتفي فيها بوصفها وذكر حدودها ونحو ذلك. وهل يصح إجارة الحمام مطلقاً أو تصح مع الكراهة والجواب أن الكراهة فيه تنزيهية.
الشرط الثالث: القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الحمل الشارد كما لا يصح بيعه ولا إجارة مشاع لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه إلا أن يؤجر الشريكان معاً أو يؤجر أحدهما بإذن الآخر.
الشرط الرابع: اشتمالها على المنفعة المعقودة عليها، فلا تصح إجارة عين لغرض من الأرغاض وهو غير موجود فيها، فلا تصح إجارة الأخرس ليعلم العلم، وذلك ظاهر.
الشرط الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها كالبيع.
ومن الأشياء التي لا تصح إجارتها ذكور الحيوانات التي تستأجر لإحبال إناثها، فلا يحل استئجار ثور ليحبل بقرة، ولا حملاً ليحبل ناقة، وهكذا لأن المقصود من ذلك إنما هو منيه وهو محرم لا قيمة له فلا يصح الاستئجار عليه فإذا احتاج شخص إلى ذلك ولم يجد من يعطيه فإنه يصح له فإنه يصح له أن بدفع الأجرة ويكون الإثم على من أخذها ولكن لا بأس أن يدفع هدية بعد العمل بدون تعاقد ومنها لأنه لا تصح الإجارة على فعل قربة إلى الله تعالى كالحج والصلاة والآذان والإقامة وتعلين القرآن والفقه والحديث وإنما يصح الأخذ عليه على أنه جعالة لا أجراً كما يجوز أخذه بلا شرط على أنه يصح الوقف على الطاعات التي يتعدى نفعها للغير كالآذان وتعليم القرآن ونحوه والإمامة والقضاء والفتيا فيجوز لمن يقوم بهذه المصالح أن يأخذ الموقوف عليه من ذلك كما يجوز له أن يأخذ مرتباً عليها (رزقا) لا بعنوان كونه أجرا ولا يخرجه أخذ ذلك عن كونه قربة.
ولا يصح أن يصلي أحد عن آخر فرضاً ولا نافلة في حياته وبعد مماته وتصح الإجارة على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهة كما تصح الإجارة على خدمة المساجد.
وأما القسم الثالث المكروه فهو إجارة الحجام فإنها وإن كانت صحيحة إلا أنه يكره الأكل من كسبه.

(1) الحنفية - قالوا العامل الأجير ينقسم إلى قسمين: مشترك، وخاص. فالمشترك هو الذي لا يجب عليه أن يختص بواحد سواء عمل لغيره أو لا.
ومثال الأول: الخياط الذي يقبل الثياب لخياطها من أشخاص كثيرين والنجار والحداد الذين يعملون في دكاكينهم.

(3/130)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومثال الثاني: أن يعمل واحد من الصناع في منزل الآخر عملاً غير مؤقت كما استأجر شخص نجاراً ليعمل له شبابيك في داره بدون أن يجعل له أجرة يومية فإن النجار في هذه الحالة لا يجب عليه أن يختص به بل له عملاً لغيره وإن لم يعمل (ويسمى هذا العمل مقاولة)
وأما الخاص (ويسمى أجير وحده - بسكون الحاء وفتحها - مأخوذة من الوحد بمعنى الوحيد) فهو الذي يجب عليه أن لا يعمل لغيره من استأجره وذلك كالأجير اليومي الذي له أدرة يومية فإنه لا يصح أن يشغل وفته بشيء غير العمل المستأجرة فلو استأجر بجاراً شهراً على أن يعمل شبابيك وأبواب لا يصح للنجار أن يقبل عملاً آخر من غيره حلال هذا الشهر سواء شرط عليه أن لا يعمل لغيره أو لم يشترط ولكن الأولى أن ينص على ذلك في العقد فيقول لع اعمل لي خاصة ولا تعمل لغيري.
وحكم الأجير المشترك أن فيما هلك في يده تفصيلاً وذلك لأنه إما أن يهلك بفعله أو بفعل غيره فإن هلك بفعله فإنه يضمنه سواء كان معتدياً أو لا فإذا أعطى شخص ثياباً لخياط كي يخيطها له فاستعملها الخياط لنفسه فاتلفها عمداً أو فصلها فأخطأها في تفصيلها فأفسدها فإنه يلزم بها اتفاقاً ومثل ذلك ما إذا دق الثوب حال الصباغة فأتلفه فالصانع الذي يتلف المصنوع فيه عليه ضمانه لأنه مسؤول عن اتقان صنعته عذراً له.
وإذا هلك بفعل غيره فإن كان يمكن العامل أن يتحرز عن الهلاك ثم قصر فإنه يضمنه كذلك كما إذا كان يمكنه أن يضع الثياب في صندوق فأهملها ووضعها في مكان غير مكان حصين فأصابها زيت فأفسدها أو عبث الصبيان أو سرقت. أما إذا لم يمكنه الاحتراز كما إذا وضعتها في مكان حصين ثم حرقت بالقضاء والقدر أو سرقت فإن ذلك خلافاً. وبعضهم يقول: يضمن مطلقاً سواء كان معروفاً بالصلاح أو لا. وبعضهم يقول: لا يضمن مطلقاً. وبعضهم يقول: إن كلن معروفاً بالصلاح لا يضمن وإن اكن معروفاً بضده ضمن فإن كان مستور الحال فعليه نصف القيمة صلحاً. وبعضهم أفتى بالصلح على نصف القيمة لا فرق بين المعروف بالصلاح وغيره.
هذا ولا يضمن الآدمي فلو استأجر شخص دابة وركبها وأمر صاحبه تسوقها فسقط من عليها أثناء سيرها فأصابه كسر أو رضوض أو غيره فإنه لا شيء على صاحب الدابة وذلك لأنة الآدمي إنما يضمن بالجناية عليه ولا جناية هنا لأنه أذن صاحب الدابة ومثل ذلك ما إذا ركب ركب في سفينة فغرق.
وكذا إذا مات من عمل الطبيب بشرط أن لا يتجاوز المرضع المعتاد وأن يكون قد احتاط لعمله كل الاحتياط المعروف عادة فإن ترك شيئاً من ذلك فأتلف عضواً للمريض أو أماته بسبب ذلك فإن على الاحتياط المقصر الضمان فيلزمه أن يدفع دية العضو الذي أفسده كاملة إذا برئ المريض. ويدفع نصفها إذا هلك وسبب ذلك أنه في الحالة الأولى قد أفسد عضواً كاملاً فعليه ديته كاملة وفي الحالة الثانية أتلف نفساً بسببين:
أحدهما: مأذون فيه وهو إجراء العملية للمريض.

(3/131)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
والثاني: غير مأذون فيه وهو تجاوز المحل المعتاد وعدم الحيطة فلهذا كان عليه النصف.
أما حكم الأجير الخاص (وهو ما أجره شخص واحد ليعمل له ولا يعمل لغيره) فإنه لا يضمن هلك في يده بغير صنعته بلا خلاف إلا إذا تعمد الفساد.
وأما ما هلك بعمله هو فإن كان مأذوناً فيه ضمنه فإذا أمر النجار أن يعمل في هذا الشباك فتركه وعمل في باب فأفسده كان عليه ضمانه لأنه غير مأذون فيه وقد يكون الأجير الخاص مستأجراً لاثنين أو أكثر كما استأجر جماعة راعياً ليرعى لهم أغنامهم مدة شهر بحيث لا يعمل لغيرهم فإنه في هذه الحالة يكون أجيراً خاصاً لا أجير (وحده) وهو في هذه الحالة يضمن ما فسد بعمله فإذا ساق الغنم فنطح بعضها بعضاً أو وطئ كبيرها صغيرها فكسره أو قتله كان ضامناً.
ومن هذا تعلم أن لاضمان على المرضعة إذا ضاع الولد من يدها أو سرق ما عليه من الحلي إذا كانت ترضعه في بيت أهله لأنها تكون في هذه الحالة أجير وحد. أما إذا أخذته في بيتها كانت ضامنة له مسؤولة عنه.
ومثلها حارس السوق وحافظ (العمارة) فإنه يضمن ولكن يشترط في عدم ضمانه أن لا يكون مفرطاً فإذا كسر القفل وهو نائم أو ترك الباب مفتوحاً ونام بعيداً منه كان مفرطاً عليه ضمان ما فقد بخلاف ما إذا تسلق اللص الجدار أو نقبه أو نحو ذلك فإن الحارس لا يكون ضامناً في هذه الحالة وإذا بنى المستأجر (كانوناً أو فرناً) في الدار المستأجرة بسببها الجيران
أو المنزل فإنه لا ضمان عليه إلا إذا ثبت أنه تجاوز الحد في إشغال النار أو قد ناراً لا يوقد مثلها عادة.
وإذا انقلبت شاة من راعي الغنم، وخاف أنه إذا تبعها يضيع الباقي فإنه لا يتبعها ولا ضمان عليه في ضياعها.
وها هنا أمور:
أحدهما: إذا تلف المؤجر والمستأجر، كان القول لمن يشهد له الظاهر فلو باع شجراً به ثمر واختلفا في الثمر فالقول قول من يده الثمر مع يمينه.
ومثل ذلك ما إذا استأجر خادماً شهراً، ثم ادعى أنه مرض مدة في أثنائه فلم يؤد الخدمة المطلوبة منه، فإنه إذا وجدت أمارات تدل على ذلك فيصدق وإلا فلا.
ثانيهما: إذا استأجر أرضاً للزراعة، فغرقت قبل أن يزرعها، أو لم يصبها الماء فلا أجر عليه، أما إذا زرعها فأصابت الزرع آفة فأهلكته، فقيل يجب عليه الأجر، وقيل لا، والمعتمد أنه إذا لم يتمكن من زرعها مرة أخرى في مدته، ولو كانت من نوع أقل فإنه يجب عليه الأجر، وإلا فإنه يرفع عنه الأجر من وقت ما أضيب الزرع ويدفع المدة التي قبله.

(3/132)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثالثهما: عمل الأجير يضاف إلى أستاذه، فإذا تلف صبي النجار شيئاً كان المسؤول عنه النجار إلا إذا تعمد الأجير إفساده، فإنه يكون مسؤولاً عنه هو.
المالكية - قالوا: الأصل فيمن استولى على شيء بإجارة أو كراء أن يكون أميناً ولا ضمان على الأمين فيما يتلف أو يضيع منه بشرط أن لا يتعدى على ما بيده أو يهمل في صيانته ويصدق في دعوى التلف أو الضياع سواء كان بيده من الأشياء التي إخفاؤها بسهولة كالجمال والبقر ونحوها. ويعبرون عنها بما لا يعاب عليه أو كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالنقود والثياب ونحوهما ويعبرون عنها بما عليه يغاب ويستثنى من هذه القاعدة أمران:
أحدهما: الأكرياء على حمل الطعام والشراب بخصوصه.
ثانيهما: الصناع فأما الأرباء كالحمالين (اليالين والعربجية ونحوهم) فإنهم يضمنون ما تلف منهم أو ضاع من الطعام خاصة كالقمح والأرز والعسل والسمن والفواكه الرطبة والجافة. وغير ذلك من كل ما يؤكل. وكذلك ما يشرب كزجاج (الشربات) ونحوها وذلك لأن الطمع في مثل هذه الأشياء كثير والأيدي تكتد إليها فمن المصلحة أن يضمنها الحمالون صيانة الأموال الناس، إنما يضمنون بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون التلف أو الهلاك حاصلاً بسببهم. كما إذا فعل أحدهم في حفظها بأن ربطها بحبل واهن فانقطع الحبل فانكسرت، أو طرحها بعنف فسقطت فانكسرت أو نحو ذلك.
أما إذا حصل ذلك لأسباب قهرية رجله أو رجل دابته فانكسر الإناء وتلف ما فيه من سمن أو عسل أو غيرهما فإنه لا يضمن إلا إذا ساق دابته بشدة غير معتادة أو سار سيراً غير معتاد فإنه في هذه الحالة يكون متسبباً فعليه الضمان.
الشرط الثاني: أن لا يكون صاحب الطعام المحمول معه أجر حمالاً ليحمل له فاكهة وصاحبه في سيره إلى منزله فتلفت الفاكهة فإنه لا يكون مسؤولاً عنها في هذه الحالة لأنه لم يسلمها للحمال ويتركه وشأنه بل لازمه في سيرها وحفظها. فلا ضمان على الحمال سواء كان حاملاً على سفينة أو دابة أو عربة أو كان حاملاً بنفسه.
وأما الصناع فإنهم يضمنون ما يتعلق بهم فالخياط مثلاً يضمن الثياب التي يخيطها ولا يضمن ما توضع فيه (كالبقجة) . فإذا ضاعت أو تلفت البقجة (وتسمى - بخشة - بضم الباء وسكون الخاء) فإنه لا يضمنها. والحداد يضمن السكين التي يصلحها ولا يضمن قرابها التي توضع فيه. وبعضهم يقول: إنه يضمن هذه الأشياء إذا كانت تلزم للأشياء المصنوعة. مثال ذلك: إذا كان مستأجر لينسخ كتاب فإنه يضمن هذه النسخة التي ينقل منها لأنها لازمة لا بد منها. فإذا كان قراب السيف لازماً للصنعة فإنه يضمنه وهو أحسن من الأول. والنساج يضمن الغزل الذي ينسجه. والنحاس يضمن المحاس الذي يصنعه. والطحان يضمن الحب الذي يطحنه. وصاحب المعصرة يضمن السمسم أو

(3/133)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
بذر الخس أو الزيتون الذي يعصره، وهلم جرا. وقد عرفت أن الصناع أجراء وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجراء. ولكن العلماء استثنوا الصناع فحكموا بضمانهما اجتهاد لضرورة الناس وفقد العمال. فلو لم يضمنوا لسها عليهم التصرف فيما تحت أيديهم بدعوى أنهم هلك منهم. وفي ذلك ضرر عظبم يعود عليهم وعلى الناس، لأن تبديد سلع الناس يوجب الثقة بهم وانصرف الناس عنهم. فتتعطل مطالع الناس العاطلون من الصياغ. وفي ذلك ضرر عظيم على الأمم. فمصالح الناس وضيانة أموالهم تقضي بتضمين العمال وكثيراً ما يبني مالك مذهبه على المصالح العامة في مثل هذه الأحوال للضرورة.
أما ما نقله بعضهم من أن مالكاً ينظر إلى المصلحة مهما ترتب عليها من ارتكاب المحظور حتى أجلز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين فهو مكذوب على المالك رضي اله عنه. فإن الشريعة قد جعلت للناس حدوداً يقفون عندها، وجعلت للجناية عقوبات خاصة. فمن سببت عليه جناية ينال جزاءها. وبذلك ينصلح الناس، وتستقيم أحوالهم. أما ذلك القول الهراء، فإنه يفتح باب الشر على مصراعيه، ويجعل للظلمة سبيل على الأبرياء فيسفكون الدماء بحجة أن فيه إصلاح للناس وأي مجتهد يجرئ على تقرير تلك القاعدة الفاسدة، ولذا قال بعض أئمة المالكية لا يصح أن يسطر هذا في الكتب فإنه لا يوافق شيئاً من القواعد الشرعية. ومن ذلك ما قاله من أن الناس إذا كانوا في مركب وسقلت بهم فإنهم يقترعون على من يلقي منهم في البحر بنجات الباقين فإن ذلك ليس بصحيح فإنه لا معنى لإزهاق روح إنسان من أجل حياة مثله فلا يصح أن يرمي آدمي في البحر لنجات الباقين ولو ذمياً.
وإنما يضمن الصانع ما تحت يده بشروط:
الشرط الأول: أن ينصب نفسه للصنعة لعموم الناس، كأن يجعل له محل خاصاً يتقبل فيه مصنوعات الناس - لافرق في ذلك بين أن يعمل في دكان بالسوق أو يعمل في داره - فإن لم ينصب نفسه للصنعة ولم يجعلها سبب معاشه كنجار ترك صنع النجارة واشتغل بالزراعة ثم عمل لشخص بخصوصه أو عمل لجماعة بخصوصهم فإنه لا ضمان عليه فيما تلف أو هلك من صنعته سواء استلم المتاع ليعمل في داره أو عمله بمنزل صاحبه.
الشرط الثاني: أن يستلم المتاع ليعمل في دكانه فإن أفسده أو أضاعه ليكون عليه ضمانه حتى لو كان صاحبه حاضرا معه أما إذا لم يستلم
بل عمله في منزل صاحبه فإنه لا يضمنه.
الشرط الثالث: أن لا تقوم البينة على أن المتاع قد ضاع منه قهراً بدون تفريط ولا تضييع، فإذا قامت البينة على ذلك فإنهم لا يضمنون وقيل عليهم الضمان مطلقاً حتى ولو قامت البينة على أنه ما أضاعوه هم بل ضاع قهراً والأول أصح.
ومثال ذلك الأعمال التي فيها خطورة طبيعية كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف

(3/134)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر الصباغ وما أشبه ذلك فإن الصابع لا يضمنها إلا إذا تعدى أو عمل ما لا يلائم الصنعة غالياً فيضمن حينئذ ومن ذلك البيطار الذي يضع حدوة الدابة أو الفرس أو الخاتن الذي يختن الصبيان فيموتون بسبب ذلك، فإنه لا يضمن إلا إذا أهمل أو عمل خلاف الصنعة. كذلك الطبيب الذي يقوم بعملية الجراحة أو يضف دواء لا يلائم المريض فيترتب على عمله موته فإنه لا يضمن مادام قام بواجبه ولم يخطئ العلاج.
أما إذا أخطأ العلاج فوصف للمريض دواء لا يوصف لهذا المريض فقتله فإن كان من أهل المعرفة فإن دية المقتول تكون على عاقلة ذلك الطبيب وإن لم يكن من اهل المعرفة فإنه يعاقب.
وإذا شرط الصانع نفى الضمان فقال لصاحبه المتاع إنه لاضمان عليه إذا تلف او ضاع فلا ينفعه ذلك وقيل ينفعه ويعامل بذلك الشرط.
الشافعية - قالوا: المستولى على شيء بإجارة إما ان يكون مستاجراً او اجيراً (صانعاً) فأما المستأجر فإن حكمه حكم الأمين على الأصح فلا يضمن الشيء الذي استأجره إذا تلف أو ضاع فمن استأجر دابة فهلكت أو ثوباً فتلف فإنه لا يطالب بتعويض إلا إذا تعدى بأن استعملها استعمالاً غير عادي فلو ضرب الدابة فوق العادة أو كبح لجامها بعنف غير معتاد فترتب على ذلك هلاكها صار ضامناً لها وكذلك إذا أركبها أثقل منه وكذا إذا خملها زيادة على المتفق عليه إلا إذا كان صاحبها معه فإنه يضمن بقدر الزيادة التي زادها في هذه الحالة، وهل يضمن ما تلف من المنافع أولاً؟ الأصح أنه لا يضمن فمن استأجر دكاناً شهر مثلاً فلما انتهى الشهر تركها مفتوحة حتى مضى شهر آخر بدون أن ينتفع بها مالكها لا يطالب المستأجر بأجرة ذلك الشهر إلا إذا أغلقها ولم يخبر صاحبها.
وأما الأجير وهو الصابع فإنه لا يضمن ما هلك في يده بدون تعد إذا لم ينفرد بالمتاع بأن قعد معه صاحبه حتى عمله أو أحضره منزله ليعمل لأن المال غير مسلم إليه في الحقيقة وإنما المالك استعان به في عمله كما يستعين بالوكيل بلا خلاف. أما إذا انفرد بالعمل ففيه أقوال ثلاثة أظهرها أنه لا ضمان عليه أيضاً. وبعضهم يقول: إنه يضمن مطلقاً وبعضهم يقول: إنه يضمن إذا كان أجيراً مشتركاً وهو الذي يلتزم العمل في ذمته. أما الأجير الخاص وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل فإنه يضمن.
وإذا تلف المتاع أو ضاع بتعدي الأجير فإنه يضمنه مطلقاً قطعاً بلا خلاف ومن التعدي أن يزيد الخباز مثلاً في نار الفرن فيحترق الخبز فإنه يكون متعدياً بذلك.
أما إذا أوقدها بحسب المعتاد ولكن احترق الخبز بطبيعة العجين فإنه لا يضمن. ومن التعدي أيضاً أن يضرب المعلم تلميذه ضرباً يفضي به إلى الموت فإنه في هذه الحالة يضمن ومن التعدي أن يؤجر العامل لعمل فيعطيه لغيره ليعمله فيفسده فإنه يكون متعدياً بذلك فيضمن ويصدق يمبنه أنه ما تعدى إذا شهد خبيران بتعديه. ومن هذا يتضح أن الأجير لحفظ حانوت لا يضمن متاعها إذا سرق ومثله الخفراء والحراس.
الحنابلة - قالوا: الأجير ينقسم إلى قسمبن:
خاص ومشترك. فالأجير الخاص هو الذي تقدر

(3/135)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
منفعته بالزمن كأن يستأجره ليبني له حائطاً كل يوم بكذا أو يخيط له أثواباً وله في الشهر كذا وهو الذي يعرف الآن بالأجير (باليومية) أو (بالشهرية) .
والاجير المشترك هو الذى تقدر منفعته بالعمل كان يستاجره على ان يبنى له هذا المنزل وشبابيكه بكذا وهو المعروف فى زمننا بالاجير (بالمقاولة) ولا يختص بواحد بل يتقبل العمال من كثيرين.
وحكم الاجير الخاص انه لا يضمن ما أتلفه من الاشياء التى يعمل فيها إلا إذا تعمد الإتلاف او فرط فإنه يضمن حينئذ. وعليه ان يعمل للمستاجر فى كل الوقت الذى استاجرهفيه سوى زمن فعل الصلوات الخمس فى اوقاتها وصلاة الجمعة والعيدين فإنها لاتدخل فى العقد وإن لم ينص عليها وللمستاجر منعه من صلاة الجماعة إلا إذا اشترط انه لا يمنعه منها وليس للعامل ان ينيب عنه غيره لان الإجارة متعلقة بعينه ويستحق الاجير الخاص الاجرة بمجرد تسليم نفسه للعمل سواء عمل ام لم يعمل فى بيت المستاجر أو في بيت نفسه.
وإذا عمل الاجير الخاص عملاً لغير مستاجره فأضر به فإنه يلزم بقية ما أضاعه عليه من ذلك وإما حكم الاجير المشترك فإنه يضمن ما تلف من عمله ولو خطأ فلو خرق الصباغ الثوب من دقة أو مده او عصره فإن عليه قيمته كما إذا اخطا الخياط ففصل ثوب زيد على عمرو فإنه يضمنه. وكذا إذا عثر حماره فسقط ماعليه فانكسر فإنه يضمنه.
ومثل ذلك من إذا كان مستاجراً لحمل شيء على رأسه فعثرت رجله فأتلفه فإنه يضمنه وكذا إذا اتلف شيئاً بسبب سوق الدابة او إنقطاع الحبل الذى يشد به وغير ذلك.
لا يضمن الأجير المشترك مافقد بغير فعله إذا وضعه فى حرز مثله (فى محل حصين يوضع فيه مثله) فلو وضع الخياط الثياب فى (دولاب أو صندوق) ثم سرقة أو حرقت فلا شيء عليه. ولا اجرة للاجير المشترك فيما عمله وتلف قبل تسليمه سواء عمله فى بيت المستاجر أو فى بيته.
وكذا لا يضمن الطبيب المعروف بالحذق إذا لم يخطئ فى عمله بحسب المتبع عادة فلو عمل الطبيب للمريض عملية جراحية وقام بواجبه من الاحتياط الذى يجب ان يعمل فى مثله ولكن عرض ما ليس فى حسابه فقضى على حياة المريض فإنه لا شيء على الطبيب. ومثله الختان (الذي يطاهر الأولاد) والحجام والبيطري (الذى يعالج الحيوان أو يعمل له حدوة) فإنهم لا يضمنون شيئاً إذا عملوا الاحتياط التام الذى يجب أن يعمل فى مثل هذه الاحوال. فإن الطبيب ونحوه غير معروف بالحذق فى الصناعة مالناس الذين يدعون المعرفة بقطع (الباسور) أو (قطع العرق) أو (إزالة غشاوة العيون) أو نحو ذلك مع أنهم لم يدرسوا شيئاً من قواعد الطب فإنهم يضمنون كل ما بترتب من اعمالهم من الضرر. وإذا عمل الطبيب الحاذق عملية لصغير بدون إذن وليه فاصابه ضرر فإنه يضمن ولو يخطئ فإذا اذنه وليه فاخطا كان الطبيب ضامناً.

(3/136)


مبحث ما يفسخ به عقد الإجارة وما لا يفسخ
-عقد الإجارة اللازمة ولكنه يفسخ بأمور مفصلة في المذاهب (1) .
__________
وكذا لا يضمن الراعي ما يتلف من الماشية إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها فإنه يضمن في هذه الحالة فإذا نام عنها فأكلها الذئب أو ضربها مفرطاً فهلكت أوز ضربها من غير حاجة أو عرضها للهلاك في موضع لا يصح أن يمشي بها فيه يضمن في ذلك.
وكذا لا يضمن المستأجر العين التي تلفت في يده بغير تعد ولا تفريط فمن استأجر حمارة فهلكت في يده بدون أن يضربها ضرباً مبرحاً أو يفرط في حفظها فلا ضمان عليه. والقول قوله، في عدم التعدي بيمينه.
وإذا أحرق المستأجر حطباً أو نحوه فاحتملها الريح إلى أرض الغير فأحرقت منها شيئاً فلا ضمان عليه وكذلك المالك.
أما إذا سقى أرضه فأثر ذلك الماء في أرض الغير فأفسده منها شيئاً فإنه يضمن لأنه في هذه الحالة يكون مباشراً لا متسبباً فعليه الضمان.
وإذا اغتصب شخص من آخر داره فقال له: اخل لي داري وإلا فعليك بعشرين جنيهاً في كل شهر أو أكثر أو أقل فإن لم يخلها لزمته بالأجرة المذكورة إلا إذا أنكر الغاصب الملكية فإنه في هذه الحالة لا يكون راضياً بالإجارة فإذا ثبتت الملكية لغير فإنه يلزم بأجر المثل.

(1) (الحنفية - قالوا: يفسخ عند الإجارة بأمور:
أحدهما: أن يكون للمتعاقدين أو لأحدهما خيار الشرط كما تقدم في البيع لأن الإجارة بيع المنافع فهي قسم من أقسام البيع فإذا أستأجر شخص داراً من الأخر على أن له الخيار ثلاثة أيام وهى مدة الخيار فله أن يفسخ العقد قبل مضي هذه المدة بشرط أن يعلم المالك بذلك على الأصح فإن كان الملك غائباً ولم يعلم بالفسخ فإنه لا ينفذ.
ثانيها: خيار الرؤية فلو أستأجر أراضي زراعية مي جهات متعددة ثم رأى بعضها فله أن يفسخ الإجارو في الكل ولا يتوقف الفسخ على رضاء المالك وعلى القضاء في خيار الشرط وخيار الرؤية فمتى فسخ المستأجر العقد وأعلن المالك با لفسخ فإنه ينفذ وليس للمالك الخيار إلا ذا اشترطه.
أما في حال عدم الرؤية فإن العقد يكون لازماً فب حق المالك وإن لم يكن لازماً في حق المستأجر.
ثالثها: خيار العيب فإذا أستأجر شخص داراً أو أرضاً زراعية أو دابة أو غير ذلك وكان بها عيب فإن للمستأجر أن يفسخ العقد ولا ينفسخ العقد بنفسه بل لابد من أن يفسخه الستأجر سواء كان له خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب فإذا علم بالعيب قبل العقد فإنه لا خيار له لرضائه به.

(3/137)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثم أن العيب يكون على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يحدث في العين المستأجرة بدون أن يكون له تأثير في المنفعة مطلقاً مما إذا استاجر داراً فسقطت منها حائط لاتضر بالسكنى ولا تقتل الانتفاع أو أستأجرجملاً ليحمل عليه فذهبت إحدى عينه وحكم هذا العيب أنه لا يثبت به الخيار للمستأجر لأن العقد في الحقيقة وارد على المنفعة دون العين وهي في هذه الحالة لم ينقص منها شيء.
الوجه الثاني: أن يكون له تأثير في المنفعة كلها بحيث لا يمكن لمستأجر أن ينتفع بهذه العين في الرغض الذي ايتأجرها من أجله كما استأجرها من أجله كما إذا استأجر داراً فانهدمت. وحكم هذا أن الأجرة تسقط من سقوط الدار ولكن لا يفسخ العقد إلا إذا فسخه المستأجر لأنه أن ينتفع بالأرض ولا يشترط في الفسخ حضور المالك ولا رضاه.
ومثل ذلك ما استأجر أرضاً زراعية فانقطع الماء الذي تروي به حتو لو كانت تروى بالمطر فانقطع فإنه في هذه الحالة لا أجرة على المستأجر وله فسخ العقد بدون حضور المالك، وإذا وجد ماء يكفي لري بعضها فقط فإنه لا يسقط خيار المستأجر، بل هو مخير في أن يفسخ العقد جميعه أو يأخذ ما روي بحسابه، وإذا انقطع الماء ولكن كان يرجى عودته فإنه لا خيار للمستأجر وكذا إذا قل الماء.
الوجه الثالث: أن يكون للعيب تأثير في بعض المنفعة بحيث يقلل الانتفاع ولا يفوته كما إذا استأجر رجلاً للخدمة فمرض مرضاً ينقص من عمله فالمستأجر بالخيار، إن شاء أمضى العقد، وإن شاء فسخه، فإن لم يفسخ العقد ومضت المدة فإن عليه الأجرة كلها.
فإذا استأجر شيئاً حدث به عيب يمكن إزالته كسد بالوعة دورة المياه ونحوها، وأزاله المالك فلا خيار للمستأجر، فإن أزاله بلا إذن المالك كان متبرعاً ليس له حق في مطالبة المالك به.
فإن انتهت مدة الإجارة كان له قلعه إذا كان بعد القلع ينتفع به، كما إذا بنى حائطاً باللبن المحروق أو الحجارة فإن له نقضها وأخذها لينتفع بها.
وأما إذا كان بعد الهمد لا ينتفع به فليس له قلعة في هذه الحالة سفه غير مفيد وخير للمستأجر أن يترطه للمالك ينتفع به.
هذا ولا يجبر المالك على إصلاح الخلل الذي يحدث في ملكه فإن أبى الإصلاح فالمستأجر بالخيار، إما أن يبقى أو يخرج من الدار إلا إذا كان عالماً بذلك الخلل قبل العقد فإنه ليس له أن يخرج في هذه الحالة لأن علمه به قبل العقد يسقط خياره كما تقدم.

(3/138)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا كانت الدار وقفاً فإن الناظر يجبر على إزالة الخلل لأن ترك الخلل ضار بملحة الوقف والناظر ملزم بمراعاة مصلحة الوقف.
ومن هذا يتضح أن على المالك إصلاح المنازل المملوكة كإصلاح بالوعة الماء (والخزانات الخاصة بدورات المياه) وعليه تفريغها (كمسحها) حتى لو امتلأت من المستأجر لأن ما يوجد بهذه الأشياء يكون منه قبل تسليمها إلا إذا اقتضى العرف أن يكون تفريغها على المستأجر إخراج الرماد والتراب مطلقاً، سواء في الحمام أو غيره إلا إذا كان التراب موجوداً من قبل، فليس على المستأجر إخراجه وإن اختلفا فيه فالقول للمستأجر.
رابعها: أن يستأجر شخص آخر على عمل قد يترتب على تنفيذ العقد ضرر بسببه في نفس المستأجر، أو ماله. ولذلك أمثلة:
منها: أنة يستأجر طبيباً لبتر عضو من أعضائه لوجود آلام به. ثم عدل عن هذا فإن له العدول سواء سكن الألم أو لم يسكن لأن إزالة العضو في ظاهر الأمر ضرر والشخص أمين على نفسه فربما سكن الألم وسلم العضو فيكون إزالته ضرراً حقيقياً.
ومنها: أن يستأجر طباخاً ليطبخ له وليمة عرسه ثم عدل فليس للطباخ أن يطالبه بتنفيذ عقد الإجارة لأنه قد يترتب على تنفيذ العقد خسارة المواد التي يعمل فيها من اللحم والسمن ونحو ذلك فليس للطباخ أن يطالب بتنفيذ عقد الإجارة، ولا يشترط أن يوجد سبب ظاهر للعدول سوى ذلك كطلاق العروس أو موتها كما لا يشترط زوال الألم في مثال الأول بل مجرد احتمال الخسارة كاف في عدم لزوم عقد الإجارة.
ومنها: أن يستأجر عمالاً لهدم منزل ليجدد بدله ثم عدل عن ذلك فليس لهم المطالبة بتنفيذ العقد لأن الهدم يترتب عليه ضياع مال.
ومنها: أن يستأجر خياطاً ليخيط له أثواباً ثم عدل لأنه قد يترتب على تمزيقها (تفصيلها) وخياطتها خسارة إذ ربما يكون قد استغنى عن لبسها أو لا حاجة له إليها فليس للخياط أن يطالب بتنفيذ العقد.
ومثل ذلك: ما إذا ترتب على تنفيذ العقد استهلاك عين، كما إذا استأجر شخص آخر ليكتب له كتاباً على ورق اشتراه أو يطبعه له فإن له أن يعدل لأن تنفيذ العقد يترتب عليه ضياع الورق.
وذلك نظير ما مر في في المزارعة من أن لصاحب البذر الحق في الفسخ العامل لما يترتب على تنفيذ العقد من خسارة بذره. وإذا ترتب على فسخ العقد ضرر العامل أو صاحب الأرض فإنه يرجع فيه للعرف.
خامسها: أن يوجد للمالك يضطره إلى بيع العين المستأجرة ولذلك أمثلة:

(3/139)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومنها: أن يكون المالك مديناً ولا مال يسد منه دينه سوى هذه العين فإن له أن يبيعها، ويفسخ الإجارة وثبت الدين بإقرار المالك، كما إذا أقر لشخص بأن عليه ديناً، وحل موعده فإن له أن يفسخ عقد الإجارة أو بعده؟
والجواب: أنه لا يلزم ذلك بل لو أقر لشخص بدين العقد يلزمه وتفسخ به الإجارة، ولا يقال إن الإقرار يتعلق بذمة المقر وحده وليس للغير حق فيه فيعامل به.
وللدائن ملك المدين فتعديه للمستأجر غير مقصود على أنه يشترط أن يكون فسخ العقد بالقضاء، فلا يصح للمالك أن يبيع داره المستأجرة ليسدد دينه المقر به إلا إذا فسخ العقد القاضي على الصحيح ومتى كان الفسخ بالقضاء فإن الإقرار بالدين يكون عذراً واضحاً لا خفاء فيه.
ومن هذا تعلم أن كل عذر خفي لا يصح أن يكون سبباً لفسخ عقد الإجارة إلا إذا فسخ به القاضي.
وأما الأعذار الواضحة فإنه لا يشترط فيها القضاء على الصحيح، وذلك كما إذا كان على المالك دين ثابت بطريق رسمي كالديوان المسجلة المعروفة بين الناس فإن له في هذه الحالة الفسخ بدون قضاء، وإنما يكون لح حق بيع العين لسداد الدين إذا لم يكن قبض أجرة معجلة تستغرق كل ثمنها ولا يزيد منها شيء يسد الدين، فإن كانت الأجرة المعجلة تستغرق كل ثمنها، فلا تفسخ الإجارة، ولا تباع العين.
أما إذا كان ثمنها يزيد على قبضه معجلاً من المستأجر فإن له أن يبيعها وعليه أن يبدأ بسداد دين المستأجر وما فضل فلغيره من الدائنين. بقي ما إذا إذا أجر داراً لرجل ثم أقر هذه الدار ملك للغير فإنه في هذه الحالة لا يفسخ عقد الإجارة بل يقضي بالدار لمن أقر بها انقضاء مدة الإجارة.
ومن الأعذار الصحيحة لفسخ عقد الإجارة عدم القدرة على النفقة على نفسه أو أهله، فمن كانت داراً مستأجراً للغير، ثم أعسر ولم يجد ما ينفقه فإن له أن يفسخ الإجارة ويبيعها وهل القضاء شرطاً أو لا؟ المختار أن القاضي يحتم بنفاذ هذا البيع ويحصل بذلك فسخ عقد المستأجر فإذا باعها بغير إذنه فإن البيع يكون صحيحاً ولكنه لا ينفذ إلا بعد انقضاء مدة الإجارة بيعاً صحيحاً موقوفاً وليس للمستأجر أن يفسخه.
أما المشتري فقيل يملك الفسخ إذا علم مستأجر وقيل لا يملك ويالثاني أخذ المشايخ.
ومثل المؤجر المرهون فإنه لا يصح بيعه فإن بيعه بدون إذن الراهن يقع صحيحاً موقوفاً لا ينفذ حتى يسد الرهن.

(3/140)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومن الأعذار السفر فمن أراد أن يسافر من جهة إلى أخرى فإن له أن بفسخ الإجارة ومن ذلك ما إذا استأجر القروي داراً في المصر ثم أراد أن ينتقل إلى قريته فإن له فسخ العقد.
ومن الأعذار إفلاس المستأجر فإذا استأجر شخص من آخر دكاناً ليتجر فيه ثم أفلس له أن يفسخ عقد الإجارة. وأما إذا كسدت الدكان فليس له أن يفسخ بذلك.
وإذا أراد أن يترك التجارة في النوع الموجود في الدكان ويتجر في نوع آخر كما إذا كان يتجر في القماش فأراد أن يتجر في الطعام فإن له أن ينتقل من هذه الدكان إلى غيرها ويفسخ العقد بشرط أن لا تكون صالحة للعمل الذي يريد أن يعمله وإلا فلا.
ومنا أن يستأجر دابة ليسافر بها إلى جهة ثم بدا له أن لا يسلفر إلى هذه الجهة فإن له أن يفسخ العقد في هذه الحالة ولو في نصف الطريق ولصاحب الدابة الأجرة بنسبة المسافة التي قطعتها. وإذا اشترى دابة بعد استئجار دابة الغير فإن له أن يفسخ العقد أيضاً.
أما إذا استأجر داراً مدة ثم اشترى داراً فليس له أن يفسخ العقد لأنه يمكنه أن ينتفع بتأجير داره التي اشتراها بخلاف الدابة فإنه وإن كان يمكنه تأجيرها إلا أن استعمال الدابة يختلف باختلاف راكبها فقد لا يرغب
صاحبها في أن يركبها غيره أو قد يؤجرها لمن يركبها فيضرها كما تقدم.
وإذا استأجر شخص آخر ليسافر في خدمته يوجب فسخ عقد الإجارة بشرط أن يعقد الإجارة لنفسه لا لغيره. أما إذا عقدها لغيره فإن عقد لا ينفسخ بموته كما إذا وكل المالك شخصاً في تأجير داره التي يملكها ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ لأن الوكيل وإن كان مباشراً للعقد لم يكن له بل لموكله الذي ينتفع بالأجرة فلا تنفسخ الإجارة إلا إذا مات المالك وكذا إذا وكل شخص آخر في أن يستأجر له منزلاً يسكنه ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ. والحاصل أن عقد الإجارة لا يبطل بموت الوكيل سواء كان من طرف المؤجر أو المستأجر على الصحيح، وبعضهم
يقول إن موت وكيل المستأجر يوجب فسخ العقد لأن للموكل فهو بمنزلة المالك بمعنى أن الملك يثبت للوكيل بشراء أولاً ثم للمالك ثانياً وسواء صح أو لا فإن ملك الوكيل غير مستقر على أي حال فلا يصح أن يكون مالكاً بموته تبطل بموته الإجارة.
ومثل الوكيل الوصي ومتولي الوقف فإذا استأجر شخص من وصي القاصر أو وليه كالأب والجد أو من القاضي ثم مات القاشي المؤجر فإن الإجارة لا تفسخ مستحق الأجرة وهو القاصر باق موجود والمستحق عليه وهو المستأجر باق فلا تفسخ بموت مباشر العقد حتى ولو كان ناظر الوقف هو المستحق الوحيد الذي يملك كل الغلة فإنه إذا مات لا تفسخ الإجارة لأنه لا يملك العين الموقوفة على الصحيح.

(3/141)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإذا مات العاقدين الذي عقد لنفسه فإنها تنفسخ بدون حاجة إلى فسخ إلا لضرورة كأن مات المؤجر في موضع ليس به حاكم ولا قاض يرفع إليه. كما إذا استأجر شخص جملاً من آخر ليسافر به في الصحراء ثم مات المؤجر أثناء السير فإن الإجارة في هذه الحالة في هذه الحالة تبقى إلى أن ينتهي السير إلى مكان به قاض أو حاكم يرفع إليه الأمر للمستأجر نفسه أو لغيره حسب المصلحة.
أما إذا مات المستأجر أثناء الطريق فإنه يحسب عليه الأجر بنسبة المسافة التي قطعتها.
وإذا استأجر شخص من آخر داراً ثم مات المؤجر وبقي المستأجر في الدار فإن طالبه الورثة بالأجرة ثم سكن بعد المطالبة فإنه يلزم بها وإن طالبوه بها فإن كان المنزل معداً للاستغلال بأن بناه لذلك أو اشتراه لذلك أو بناه لسكناه م أخبر الناس بأنه أعداه للاستغلال فأنه يلزم بالأجرة وإلا فلا وبعضهم يقول إنه يقول إنه يكون معداً للاستغلال بتأجيره ثلاث سنين متوالية.
ومن هذا تعلم أن الموت لا يبطل الاعداد للاستغلال خلافاً لمن يقول ذلك ولا يفسخ عقد الإجارة بحنون أحد المتعاقدين ولو مطبقاً كما لا تفسخ بما يظهره المستأجر فيها من الفسق كشرب الخمر والزنا واللواط فإن ذلك ليس عذراً يجعل للمالك أو الجيران الحق في الفسخ وإنما لهم نهيه عن الخمر ورفع أمره للحاكم ليغروه حتى يكف عن الشر والفساد وإذا رأى الحاكم أنت يخرجه فإن له ذلك كما يفعله الناس في زماننا من الفساد في بيوتهم المسكونة لهم وسط جيران صالحين فإن لهؤلاء الجيران أن يخرجه أو يؤدبه.
المالكية - قالوا: ينفسخ عقد الإجارة بأمور: أحدها أن تتلف العين المتعلقة بها المنفعة المطلوبة بحيث لا يمكن للمستأجر أن يستوفيها كما إذا استأجر شخص من آخر داراً فانهدم أو اكترى فماتت فإن العقد في هذه الحالة ينفسخ لأن المستأجر لا يمكنه أن يستوفي المنفعة التي عقد أجلها:
ثانيها: أن يستأجر شخص آخر على قلع ضرس فيسكن ألم الضرس قبل أو على عملية جراحية فيزول عملها فإنه هذه الحالة ينفسخ العقد.
أما إذا لم يسكن الألم فإن المستأجر يلزمه دفع الأجرة وإن لم يعمل من غير أن يجبر على قلع ضرسه أو شق دمله مثلاً.
ثالثها: أن تغتصب الدار المستأجرة مثلاً أو تغتصب منفعتها ولا يمكن تخليصها من الغاصب بالحاكم أو بشيء آخر.
رابعها: أن يأمر الحاكم بإغلاق الدكاكين أو هدمها مثلاً فإن الإجارة تنفسخ بذلك.
خامسها: تنفسخ إجارة المرضع بظهور حملها أو حصول مرض لها لا تقدر معه على إرضاع الطفل كما تقدم.
سادسها: تنفسخ بمرض خادم عجز عن فعل ما استؤجر عليه فإن عوفي بعد ذلك قبل انقضاء

(3/142)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
المدة فإن الإجارة تعود ويكمل باقي العمل. إذا استأجر دابة فمرضت ثم صحت أثناء المدة فإن الإجارة لا ترجع لما يلحق المستأجر من الضرر في السفر بالانتظار.
سابعها: تنفسخ الإجارة ببلوغ الصبي وهو رشيد وهذه المسألة على وجهين:
أحدهما: أن يؤجر الوصي نفسه للخدمة.
ثانيهما: أن يؤجر الوصي دار الصبي أو دابته أو نحوهما من الأشياء المملوكة له، فأما في المسألة الأولى فإن القاصر إذا بلغ وهو رشيد غير سفيه فإنه يصح له أن يفسخ الإجارة بشرط أن يؤجر الولي وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئاً وفي هذه الحالة له أن بفسخ العقد متى بلغ رشيداً بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو قليل.
أما إذا ظن عدم بلوغه في المدة فبلغ فيها فلا يخلو إما أن يكون الباقي منها بعد بلوفه أكثر من شهر أو شهر فأقل فإن كان الباقي منها أكثر من شهر فإن القاصر يخير في هذه الحالة وإن كان الباقي شهر فأقل فليس له الإجارة بل يازم بإتمام المدة لكونها قليلة لا يترتب عليها شيء من الضرر.
أما المسألة الثانية فإن له أن بفسخ العقد بالشرط الذي يذكر في المسألة الأولى وهو أن يؤجره داراه أو سلعته وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئاً فإذا أجرها وهو يظن عدم بلوغه في تلك المدة فليس للقاصر فسخ العقد بعد بلوغه راشداً بقي من المدة زمن قليل على المعتمد وذلك هو الفرق بين المسألتين. وبعضهم يقول إنه لا فرق بينهما فإن له الفسخ إذا كانت المدة الباقية كثيرة لا يسيرة وقد علمت أن المعتمد الأول لأن الوصي له حق الخيار عند البلوغ. أما إذا ظن بلوغه أثناء المدة ثم أجرها زيادة عن المدة التي يظن بلوغه عندها كان للقاصر الخيار لأن الوصي قد تصرف قيما لا يصح لح أن يتصرف فيه.
أما إذا بلغ الصبي سفيهاً فلا خيار مطلقاً سواء بقي من الإجارة زمن كثير أو قليل.
ولا ينفسخ عقد الإجارة بإقرار المالك للغير بالعين المستأجرة فمن أجر داراً لشخص ثم أقر لآخر بأنه باعها له أو أجرها له قبل عقد الإجارة مع الثاني ولم يوافقه المستأجر الثاني ولا بينة له فإن الإجارة تستمر وليس له فسخها ويعمل لمن أقر بيعها قبل عقد الإجارة لزيد كان المشتري مخيراً بين فسخ البيع الذي أقر به المؤجر فيأخذ الثمن الذي أقر المالك أنه باع وإن كان أكثر من قيمة الدار أو يأخذ منه القيمة يوم البيع إن كانت أكثر من الثمن وإنما كان الخيار لأن المستأجر قد حال بين المبيع "وهي الدار وبين المقر له إذ بأخذ الأجرة التي أجر بها المالك قبل الاقرار أو يأخذ المثل فإذا انقضت مدة الإجارة استلم العين المؤجرة ما لم تتلف فإن أخذ قيمتها من المقر فإن أقر أنه باعها قبل عقد الإجارة وكان ذلك الإقرار بعد انقضاء مدة اٌجارة كان للمقر الحق في أخذ أجرتها التي أجرها المقر أو أخذ أجر المثل ثم يضع يده على العين إن كانت قائمة وإلا فله قيمتها.

(3/143)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإذا أقر بأنه وهبها فلمن أقر مما أجرها به أو أجرها المثل ثم يضع عليها بعد انقضاء مدة الإجارة وإن تلفت فله قيمتها.
وإذا أقر بأنه أجرها لشخص قبل أن يؤجرها للآخر فللمقر له أن يأخذ الأكثر مما أجرت به وأجر المثل.
ولا تنفسخ بظهور فسق مستأجر كزنا وشرب خمر وينهى عن المنكر فإن انتثل وإلا رفع أمره للحاكم إن حصل لفسقه ضرر للدار أو للجار والحاكم يؤجر الدار لغيره على حسابه في مدة الإجارة إن أمكن فإذا لم يوجد لها ساكن أخرج منها وعليه أجرتها مادامت خالية.
فإذا رشد السفيه فلا يخلو إما أن يكون الولي قد دوره وأرضه ونحوهما أو يكون قد أجرها لنفسه.
فإذا كان الأول للسفيه فسخ هقد الإجارة بعد الرشد مطلقاً سواء بقي كثير لأن الولي قد يتصرف فيما يجوز له التصرف فيه ولا يعتبر ظن رشده في مدة الإجارة ولا عدمه.
وإن كان الثاني وهو ما إذا أجره نفسه فإنه لا يخلو إما أن يكون قد أجرها ليعمل في صناعة أو نحوها ليعيش منها وفي هذه الحالة لا يصح له فسخ الإجارة أيضاً أو يكون قد أجره في عمل لا يترتب عليه معيشته فإن له أن بفسخ الإجارة لأن الولي لا تسلط على نفس السفيه وإنما هو متسلط على ماله فقط ولهذا لو أجر السفيه فلا كلام لوليه إلا في حالة
غبنه.
وكذلك ليس للسفيه أن بفسخ العقد عند رشده إذا أجره نفسه لأن تصرف كتصرف الرشيد.
ثامنها: ينفسخ عقد إجارة الوقف إذا مات مستحقة الذي أجره قبل موته انقضاء تلك المدة.
أما إذا مات المؤجر المالك أو المستأجر فإن العقد لا ينفسخ بموتها أحدهما ويحل الوارث محلها في اسيفاء المنفعة والفرق بين الأمرين أن له التصرف في نقل المنفعة وإنما حال حياته وبعد مماته فلمالك الدار ونحوها أن يملك منفعتها لغيره بعد وفاته. أما الموقوف عليه فليس له أن يتصرف إلا حال حياته، أما بعد وفاته فلا، فإذا مات فسخت الإجارة سواء انتقل الاستحقاق لولده أو لمن في طبقته أو لمن يليه وسواء بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو يسير وسواء كان المستحق المؤجر ناظراً
أو غير ناظر فإذا مات الناظر غير المستحق في الوقف فلا تنفسخ الإجارة بموته.
ومثل المستأجر المالك إذا كان فسقه يضر بالجيران فإن الحاكم يبيع الدار قهراً عنه أو يؤجرها بغيره ويخرجه منها، ومن اكترى داراً أو اشتراها وبها سوء كان ذلك عيباً ترد به.
الشافعية - قالوا: ينفسخ عقد الإجارة بأمور.

(3/144)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(أحدها) تلف العين المستأجرة فإذا استأجر شخص داراً فهدمت تلك الدار أثناء مدة الإجارة فإن العقد ينفسخ في المدة الباقية.
أما المدة التي مضت فإن على المستأجر أن يدفع قسطها من الأجرة باعتبار أجرة مثل هذه الدار بقطع النظر عن الأجرة المسماة. فإذا استأجر دكاناً بثلاثين جنيهاً في السنة وكان يؤجر مثله بتسعين جنيهاً ثم هدم مضى ستة أشهر وكانت أجرة الدكان في المدة الباقية تتضاعف لكثرة المترددين عليها بحيث تساوي ستين جنيهاً وتساوي الستة الأولى ثلاثين جنيهاً فإن عليه أن بدفع ثلث الأجرة كلها وزهو ثلاثون جنيهاً وإن كانت تساوي الأجرة المسماة بتمامها للسنة وإنما يجب عليه دفع الأجرة للماضي إذا قبض العين المستأجرة وهلك المحمول على ظهرها فلا أجرة أجرة لمالكها ومثل هذا ما إذا استأجر سفيه غلافت حمولتها وسلمت هي.
ويشترط للفسخ شروط ثلاثة:
الأول: أن تتلف كما ذكر في أول الكلام. أما إذا حدث بها عيب كما أصاب الدابة عرج يقلل منفعتها فإن للمستأجر في هذه الحالة خيار العيب ولا تنفسخ الإجارة.
الثاني: أن يكون التلف تماماً بحيث لا يمكن الانتفاع بها. أما إذا اتلف بعضها مع إمكان الانتفاع بما بقي منها كما إذا نهدم بعض الدار وبقي منها شيء صالح للسكنى فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ويكون للمستأجر الخيار في هذه الحالة بين أن يسكن أو يخرج.
الثالث: أن تكون الإجارة ذمة فإذا استأجر منه جملاً معين لينقل به جرنه فأحضر له جملاً فأصابه عرج أو مرض قلل منفعته أو هلك الجمل فإن على المالك أن يستحضر جملاً غيره لأنه أجر جملاً في ذمته بدون تعيين فكل جمل يحضره يكون معقوداً على منفعته بخلاف إجارة العين فإن العقد وارد على منفعته بخصوصه فإذا هلك فسخ العقد وإذا أصابه عيب يثبت الخيار للمستأجر وقد عرفت مما مضى أن العقار كادور لا يصح تأجيرها إجارة ذمة بل لا بد من تعيينها.
(ثانيها) حبس العين المؤجرة عن المستأجر فإذا لم يتمكن المستأجر من منفعتها انفسخ عقد الإجارة سواء حبسها المالك ولو لقبض الأجرة بدون عقد جديد لأن المقصود هو المنفعة وهي باقية في جانب المستقبل لم تمس بسوء.
(ثالثها) أن يحدث عيب في العين المستأجرة وفي هذه الحالة يكون للمستأجر الخيار ولا تنفسخ الإجارة بالعذر الطارئ فإذا استأجر حماماً وتعذر عليه الحصول على وقوده أو استأجر داراً ثم أراد السفر لى بلدة أخرى أو اكترى دابة ليسافر ثم عدل عن السفر فإن كل هذا لا ينفسخ به عقد الإجارة ولا يثبت لصاحبه الخيار. ومثل ذلك ما إذا أجر داره ثم حضر أهله المسافرون ودعت الحاجة إلى أن يسكنوا فيها فإن ذلك ولا تنفسخ به الإجارة.
وإذا استأجر أرضاً زراعية فزرعها ثم هلك الزرع بجائحة من شدة حر أو برد أو كثرة مرض أو أكله

(3/145)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الجراد أو الدود فليس له فسخ العقد ولا حط شيء من الأجرة لأن الجائحة لم تؤثر في المنفعة وإنما أثرت في المزاروع وهذا لصاحب فيه بخلاف ما إذا غرقت الأرض فإن منفعتها تتعطل في هذه الحالة فيفسخ به العقد.
وكذا لا تفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما بل تبقى إلى انقضاء المدة ويحل الوارث محل العاقد.
وكذا لا تفسخ الإجارة بموت متولي إدارة الوقف، فإذا أجر ناظر الوقف عيناً لمدة ثم مات أثنائها لا تفسخ الإجارة إلا إذا أجر المستحق الذي له النظر حصته ثم مات وانتقل الوقف إلى مستحق
له النظر بعده فإنه في هذه الحالة تنفسخ على الأصح بشرط أن يكون له النظر مدة حياته. أما إذا كان له النظر على كل الوقف، أو كان الناظر غير المستحق فإن الإجارة لا تنفسخ، وكذا لا تنفسخ ببلوغ الصبي الذي أجره وليه إذا أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام على الأصح أما إذا أجره مدة يبلغ فيها بالسن فإن الإجارة تنفسخ فيما زاده على خمس
عشرة سنة وصحت فيما دونه، وبعضهم يقول إنها فيما قبل البلوغ وبعده حتى لا تتفرق الصفقة والأول أصح.
وكذا لا تنفسخ باتقطاع ماء الأرض الزراعية إلا إذا تعذر سوق الماء فإذا تعذر فإن الإجارة تنفسخ.
وإذا استأجر أرضاً غريقة بالماء، ثم زال بعضه وانكشف جزء من الأرض انفسخت الإجارة فيما لم يزل عنه الماء وثبت الخيار فوراً في الذي زال عنه.
الحنابلة - قالوا: الإجارة عقد لا ينفسخ إلا بأمور منها خيار المجلس أو خيار الشرط على ما تقدم في مباحث الخيار.
ومنها: أن يجد المستأجر عيباً في العين التي استأجرها لم يعلم به من قبل أو حدث بها عيب بشرط أن يطون ذلك العيب سبباً في نقصان المنفعة التي استأجرها نقصاناً يظهر به التفاوت في الأجرة فإن له في هذه الحالة فسخ العقد إلا إذا كان ذلك العيب خفيفاً بحيث يمكن زواله من غير لحوق ضرر بالمستأجر كعرج الدابة المؤقت.
مثال العيب الذي تنقص بها المنفعة أن تكون الدابة جمرحاً أو بها عرج يتأخر به عن القافلة أو يتعب معه راكبها ونحو ذلك، أو تكون الدار مختلة البناء يخشى من سقوطها، أو بها حائط مهدومة، أو انقطع لومته الأجرة بتمامها، وإذا اختلفا في العيب فقال المستأجر إنه عيب يفسخ به، وقال المؤجر لا، فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة وما يقررونه به، ويكفي خبيران في ذلك.
ومنها: أن يتصرف المالك في العين المؤجرة قبل تسليمها أو امتنع من التسليم حتى مضت مدة الإجارة فإن العقد في هذه الحالة.

(3/146)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا تصرف فيها بعد التسليم، كأن أجر داراً فسكنها زيد، ثم أجرها مرة أخرى لعمرو، فإن هذا التصرف لا يفسخ العقد، وعلى المستأجر جميع الأجرة، فإذا سكن المالك في جزء منها يعد تأجيرها كلها كان عليه أجرة المثل فيما سكن فيه.
وإذا أجر المالك عيباً مدة معينة ثم امتنع من تسليمها للمستأجر في نصف المدة وسلمها بعد ذلك فإن العقد ينفسخ في المدة التي لم يسلمها فيها فقط وعلى المستأجر أن يدفع أجرة المدة الباقية على حساب الأجرة المسماة بينهما أما إذا سكن المستأجر في الدار بعد المدة ثم منعه المالك من السكن الباقي لا يكون له الحق في الأجرة الماضية تنفسخ سواء كانت قبل القبض أو بعده ولا أجرة عليها فإن تلف في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة أما الماضية فإنه يدفع عنها بحساب الأجرة المسماة. فإذا استأجر داراً فانهدمت في أثناء المدة فإن العقد ينفسخ فيما بقي، وكذا إذا استأجر أرضاً للزرع فانقطع ماؤها مع الحاجة إليه فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة أما إذا استأجر أرضاً زراعية ثم زرعها فغرق الزرع أو اجتاحه آفة أو لم ينبت رأساً فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ولا يلزم المالك بحط شيء من الأجرة.
ولا تنفسخ الإجلرة بموت أحد العاقدين أو موتهما إلا إذا كان المؤجر موقوفاً عليه فأجرها لكون الوقف عليه ولا ناظر له بشرط الواقف فإن الإجارة تنفسخ بموته.
وكذلك لا تفسخ الأعذار كما استأجر دكاناً يبيع فيه بضاعة فاحترقت فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك.
ويبث الخيار للمستأجر بغضب العين المؤجرة فإذا استأجر فداناً ليزرعه فاغتصبه شخص فإن كان الفدان غير معين يلزم المالك تسليمه غيره كان مخيراً بين فسخ الإجارة أو الانتظار حتى يرد المغضوب فإن كان لمدة فسخ العقد نهاية المدة أما إذا كان غير معين لمدة فإن للمستأجر الخيار بين فسخ العقد والانتظار حتى ترد العين المغصوبة وإذا فسخ العقد كان الغاصب ملزماً بالإجارة وله حق الفسخ ولو بعد فراغ المدة وعليه أجرة ما مضى قبل الفسخ من المسمى) .

(3/147)