الفقه على المذاهب الأربعة

كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
روي عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها "أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ ثم قالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فكلمه أسامة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "يا أسامة أتشفع في حد من حدود اللَّه! ثم قام فاختطب. فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطعت يدها".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما (1) .
ويتعلق بشرح هذا الحديث أمور:
-1 - بيان معناه.
-2 - بيان الحدود الشرعية، وما في معناها، وحكمة مشروعيتها.
-3 - إذا لم يوجد في الشريعة نص على حكم من الأحكام فماذا يكون العمل؟.
-
__________
(1) (هذه الرواية لمسلم وفيها زيادة "يا أسامة". وفي رواية للبخاري "فتلون" (أي تغير غيظاً) وجه رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟) فقال أسامة لما رأى إنكار الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وغضبه عليه مما أتاه: (استغفر لي يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي لتمحي تلك الخطيئة ويغفر لي ربي. (قَالَ: ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) . زاد البخاري في رواية عنده عن عائشة رضي اللَّه عنها (ثم تابت بعد وتزوجت) فكانت تأتي لعائشة فترفع حاجتها الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ. وأسم المرأة التي سرقت فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد. وكان هذا الحادث يوم فتح مكة.
والمراد بالذين هلكوا من قبلهم بنو إسرائيل، حيث صرح بذلك الإمام البخاري في روايته فقال: إن بني إسرائيل كانوا إذا سرف فيهم الشريف تركوه محاباة، ومراعاة لشرفه، فأهلكهم اللَّه للمداهنة

(5/5)


المعنى
-معنى هذا الحديث ظاهر، وهو أن امرأة من علية القوم اسمها فاطمة، غلبت عليها رزيلة خلقية، مرة واحدة في حياتها، وهي سرقة شيء يستوجب إقامة الحد عليها بقطع يدها، فعز على قريش أمرها، لما لها من علو المنزلة، ولكنهم كانوا يعلمون شدة استمساك الرسول صلوات اللَّه عليه بإقامة حدود اللَّه، وتنفيذها على العظيم والضعيف، والغني والفقير، بنسبة واحدة. فوقفوا بإذاء ذلك حائرين، ولكنهم ظنوا أن أسامة بن زيد يستطيع أن يشفع لها عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، لأنه كان محبوباً عند الرسول، كما كان أبوه زيد من قبل، ولذا كان يلقب بالحب بن الحب. فأجابهم أسامة إلى طلبهم، ومضى إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وسأله العفو عن السارقة. فأنكر عليه الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه هذه الشفاعة، وقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى! أي ما كان يليق بك أن تجرؤ على هذا العمل) .
__________
والنفاق، وترك لإقامة الحدود الشرعية (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الفقير الذي لا جاه له ولا مال معه، ولا حسب يحميه، ينفذون عليه الحكم (وأيم اللَّه) أقسم الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لتأكيد كلامه، حيث أن المقام يقتضي ذلك. وهو قسم بالنية لا مطلقاً، إذ لا يعرفه إلا الخواص (ولو أن فاطمة بنت محمد صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سرقت) أعذها اللَّه من ذلك.
قَالَ صاحب دليل الفالحين: ففي الحديث ثبوت قطع يد السارق، رجل كان أو امرأة. وفيه جواز الحلف من غير استحلف، وهو مستحب، إذا كان فيه تعظيم الأمر المطلوب كما في الحديث الذي معنا. وفيه المنع من الشفاعة في الحدود، وهو مجمع عليه بعد بلوغه للإمام، أما قبله فجائز عند أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه ذا شر، وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه. أما المعاصي التي لا حد فيها فتجوز الشفاعة فيها بشرطه السابق، وإن بلغت الإمام لأنها أهون. وفيه مساواة الشريف وغيره في أحكام اللَّه تعالى وحدوده وعدم مراعاة الأهل، والأقارب في مخالفة الدين، اه.
وذلك كما أمرنا اللَّه تعالى في كتابه العزيز فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن كان غنياً أو فقيراً فاللَّه أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فقد أمرنا اللَّه تعالى بالمبالغة في العدل في الأحكام وإقامة القسط في الحدود وفي جميع الأمور مجتهدين في ذلك حق الإجتهاد، ولو كان هذا الحد على غني أو فقير أو قريب أو غريب، فإن اللَّه تعالى أولى بجنس الغني والفقير. ونهانا عن اتباع الهوى والجور في الأحكام والعدول عن الحق لغرض في نفوسنا مجاملة للغني، أو محاباة للقريب. ثم خوفنا اللَّه تعالى من عقابه وعذابه في الدنيا بالهلاك وفي الأخرة بالعذاب الأليم فقال تعالى: {فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فيجازيكم لا محالة على الظلم وعدم العدل في إقامة الحدود وغيرها من الأعمال، فهو وعيد محض من اللَّه تعالى للظلمة الجائرين.

(5/6)


ويظهر من هذا أن أسامة بن زيد كان يعلم أنه لا يصح الشفاعة في حدود اللَّه تعالى بعد أن يصل أمر الجريمة إلى ولي الأمر، ولهذا أنكر عليه الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولو كان يجهل الحكم لعلمه إياه. ولعل اعتقاد أسامة في فاطمة المخزومية، من كون هذه الخلة ليست عادة لها، وأنها زلة، قد لا تعود إليها، هو الذي دفعه إلى الشفاعة فيها.
والواقع أن فطمة المخزومية هذه قد أصبحت بعد تنفيذ الحد عليها من الصالحات التائبات القانتات، فلو تؤثر عنها أية رزيلة خلقية بعد ذلك.
على أن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لم يقتصر على الإنكار على أسامة بن زيد، بل جمع الناس وخطب فيهم مبيناً لهم أن الإستهانة بمعاقبة الجناة إذا كانوا من العظماء، والتشدد في معاقبة الضعفاء، لا نتيجة له إلا هلاك الأمة وفنائها، وقد هلك بسببه بعض الأمم الذين خلوا من قبل.
وأقسم رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه لا يتأخر عن تنفيذ حدود اللَّه تعالى على بنته نفسها.
__________
ولقد كان المسلمون حديثي عهد بالإسلام فظنوا أن الشفاعة عند الحاكم تنفع وترفع العار عن هذه المرأة وأسرتها ومن ينتمي إليها من جراء قطع يدها. ولكن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه أهمه هذا الأمر وأراد أن يثبت لهم وللإنسانية كلها أن الإسلام لا يفرق في تنفيذ الحدود بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، بل الكل أمام القانون سواء، كلكم لآدم وآدم من تراب، {إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم} .
ولهذا قام فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم خطب فيه هذه الخطبة الجامعة التي وضعت قواعد العدل، وثبتت دعائم الإنصاف، وأقسم الرَسُول صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ للمسلمين بهذا القسم القوي حتى لاتشك النفوس بعد ذلك في أن هناك مانعاً يقف أمام تنفيذ حدود اللَّه تعالى، ولو على أعز الناس، وأشرفهم، وأقربهم إلى اللَّه عز وجل. فضرب المثل بابنته وأحب الناس إلى قلبه، وأشرف مخلوقة في الأمة المحمدية كلها، وهي السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر عليه الغضب الشديد حين سمع أسامة بن زيد يخاطبه في هذا الشأن، وهوالوساطة في تعطيل حد من حدود الله تعالى، نهره وقال له: (يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله تعالى!)
وأسامة من أحب الناس إلى قلب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بعد ابنته فاطمة رضي اللَّه عنها. عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (أحب الناس إلي أسامة ما خلا فاطمة، ولا غيرها) . وروي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي، أو من أحب الناس إلي، وأنا أرجوا أن يكون من صالحيهم فاستوصوا به خيراً) .
بل بلغ من حب الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لأسامة، وعلو منزلته في نفسه أنه أخر الإفاضة من عرفة في الحج من أجله. فقد روي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن

(5/7)


وذلك حق لا ريب فيه، إذ لا معنى لهذا إلا إبطال القانون السماوي، والقضاء على العدل والنظام فلو لم ينفذ القانون على القوي والضعيف بنسبة واحدة، لكان ذلك تحريضاً للقوي على انتهاك حرمات الضعيف، والعدوان عليه، وهو. أمن من العقاب. فإذا فرض وقوي الضغيف كان من حقه أن ينتقم لنفسه، ومن أمن من وقوع العقاب عليه ويعتدي على غيره وهو آمن أيضاً، وهلم جرا. وذها هو عين الفوضى المقوضى لدعائم العمران، الموجبة لهلاك الأمم وفنائها.

ما يؤخذ من الحديث
-ويؤخذ من هذا الحديث، أنه لا يحل لحاكم أن يقبل الشفاعة في حد من حدود اللَّه تعالى (الآتي بيانها) كما لا يحل لأحد أن يشفع عن مجرم في حد وصل إلى الحاكم. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.
أما قبل وصول الأمر إلى الحاكم. فإن الشفاعة تصح كما يصح العفو، بشرط أن يكون مستحق العقوبة غير معروف بالجرائم، أما إذا كان من المعتادين على إذاء الناس، أو كان من الأشرار الذين لا يصلحهم العفو، فإنه يجب أن يرفع أمره إلى الحاكم ليوقع عليه الحد الذي يزجره عن ارتكاب الجريمة. فإن سرق شخص من آخر ولم تكن فيه عادة له من قبل، وظن الشفيع أن العفو عنه لا يغريه، فإن له أن يشفع فيه، وللمعتادى عليه أن يعفو عنه، وإلا فلا يحل له العفو عنه.
__________
زيد ينتظره. فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حسبنا من أجل هذا؟ قَالَ: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا. قَالَ يزيد بن هارون: (يعني ردتهم أيام أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه) .
ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة يعرفون مكانة أسامة بن زيد عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة خمسة آلاف، ولإبن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال: إن أسامة كان أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عليه وعلى آله، من أبيك) .
ومع هذه المكانة الرفيعة التي كانت لأسامة بن زيد في نفس الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه رد شفاعته، ولم يقبلها، بل غضب عليه، وظهر أثر الغضب على وجهه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، كعادته عند انتهاك حرمات اللَّه تعالى، حتى ظن سيدنا أسامة رضي اللَّه عنه أنه قد ارتكب ذنباً يعاقبه اللَّه عليه بسبب هذه الشفاعة، فتضرع إلى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أن يستغفر له مما وقع فيه من الإثم عسى أن يغفر اللَّه له ويرحمه، كما ورد في الرواية الثانية.
كل هذه الأدلة والبراهين التي وردت في الحديث تدل دلالة صريحة على مقدار حرص

(5/8)


وقد وردت أحاديث بهذا المعنى: منها ما رواه الدارقتني: عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا اللَّه عنه) هذا في الحدود.
وأما في القصاص فإن الشفاعة فيه تجوز، لأنه حق العبد وله أن يعفو على أي حال.
وأما التعذير، فقد قَالَ الفقهاء: إن الشفاعة تحل فيه ولكن الظاهر المعقول أن عقوبة التعذير إن توقف عليها تأديب الجناة، والمحافظة على النظام العام. لفإن الشفاعة لا تحل فيه.
كما لا يحل للحاكم أن يعفو، وإلا فإن العفو يصح والشفاعة تجوز. وذلك لأن الشريعة الإسلمية مبنية على جلب المصلحة، ودرء المفسدة، فعلى الحاكم أن ينظر في هذا إلى ما فيه المصلحة، ودفع المفسدة.
__________
الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ على تنفيذ حكم اللَّه تبارك وتعالى، وتوقيع الحد على من يستحق العقوبة، مهما كانت منزلته بين القوم. ولا توجد قوة تمنعه من إقامة حدود اللَّه عز وجل على الشريف والضعيف، والعظيم والحقير، من غير تمييز واستثناء، لأن في إقامة الحدود حماية للمجتمع من الفساد، وحفظاً للأمة من الدمار والهلاك، ودواماً لسعادتها وهنائها، وعزها وبقائها، وسبباً لاستتباب الأمن والنظام بين ربوعها، وتثبيتاً للعدالة بين أفرادها.
ويؤخذ من الحديث النهي عن الشفاعة في الحدود. وقد ترجم البخاري - بباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. ويؤيد هذا ما ورد في بعض روايات هذا الحديث فإنه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لأسامة لما تشفع: (لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليست بمتروكة) . وأخرج أبو داود حديث عمرو بن شعيب عَنْ أَبِيِهِ عن جده يرفعه (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) وصححه الحاكم.
وأخرج أبو داود والحاكم، وصححه من حديث ابن عمر، قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه، فقد ضاد اللَّه في أمره) .
وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قَالَ: (لقي الزبير سارقاً فشفع فيه فقيل: (حتى يبلغ الإمام) فقال: إذا بلغ الإمام فلعن اللَّه الشافع والمشفع) . فلا يجوز للإمام العفو عن الحد، ولا تجوز الشفاعة فيه إذا وصل الأمر إلى الحاكم.
ويؤيد هذا أيضاً ما أخرجه أحمد والأربعة، وصححه ابن الجارود، والحاكم، عن صفوان بن أمية رصي اللَّه تعالى عنه: أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: (هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به) ؟.
قالوا: وتسن الشفاعة الحسنة إلى ولاة الأمور من أصحاب الحقوق ما لم يكن في حد، أو أمر

(5/9)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر يتيم، أو وقف في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه شفاعة محرمة شرعاً.
الشافعية - قالوا: إن الشفاعة الحسنة قيل أن يصل الأمر إلى الحاكم جائزة بقوله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} وبما في الصحيحين عن أبي موسى أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ "كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، وقال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما شاء") .
-

(5/10)


بيان الحدود الشرعية وما في معناها (1)
-معنى الحد في اللغة: المنع، ويطلق على العقوبة التي وضعها الشارع لمرتكب الجريمة، وذلك لأنها سبب في منع مرتكب الجريمة من العودة إليها، وسبب في منع من له ميل إلى الجريمة عن ارتكابها.
وكذلك يطلق على المعاصي. ومنه قوله تعالى: {تلك حدود اللَّه فلا تقربوها} أي تلك المعاصي التي نهى اللَّه عنها، فلا يحل لكم قربانها.
ويطلق أيضاً على ماحده اللَّه وقدره من أحكام، ومنه قوله تعالى: {ومن يتعدى حدود اللَّه فقد ظلم نفسه} .
-
__________
(1) (معنى الحدود: الحد في اللغة المنع، ومنه الحداد للبواب، لمنع الناس من الدخول، وحدود العقاب موانع من وقوع الإشتراك، وأحدت المعتدة، إذا ما نعت نفسها من الملاذ والتنعم على ما عرف. وسمي اللفظ الجامع المانع حداً، لأنه يجمع معاني الشيء، وبمنع دخول غيره عليه.
وحدود الشرع موانع، وزواجر عن ارتكاب أسبابها. والحد في اصطلاح الفقهاء: عقوبة مقدرة وجبت حقاً للَّه تبارك وتعالى، وفيها المعنى اللغوي كما بيناه.
والحدود في الإسلام ثابتة بآيات القرآن الكريم مثل آية الزنا، وآية السرقة، وآية قذف المحصنات، وآية المحاربة، وآية تحريم الخمر، وغير ذلك.
كمل أنا ثابتة بالأحاديث النبوية الواردة في الحدود، وفعل رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مثل حديث ماعز، وحديث الغامدية، وحديث العسيف، وحديث نعيمان، وغيرها من الأحاديث الثابتة. وثايتة بفعل الصحابة رضي اللَّه عنهم، وعليه إجماع الأمة. كما أن العقل السليم يقرها ويؤيدها، لأن الطباع البشرية، والشهوة النفسانية، مائلة إلى قضاء الشهوة، واقتناص الملاذ، وتحصيل مطلوبها ومحبوبها، من الشرب، والزنا، والتشفي بالقتل، وقطع الأطراف، وأخذ مال الغير، والاستطالة على الناس بالسب والشتم، خصوصاً من القوي على الضغيف، ومن الكبير على الصغير. فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حسماً لهذا الفساد أن يستشري، وزجراً عن ارتكابها، حتى يبقى العالم على طريق الاستقامة والأمان. فإن عدم وجود الزواجر في العالم يؤدي إلى انحرافه، وفيه من الفساد ما لا يخفى) .
-

(5/11)


العقوبات الشرعية
-ونحن الآن بصدد بيان الحدود الشرعية بمعنى العقوبات وما في معنى الحدود من قصاص، وتعذير.
وإليك البيان.
إن الشريعة الإسلامية قسمت العقوبات إلى ثلاث أقسام.