الفقه على المذاهب الأربعة

مبحث دقة التشريع الإسلامي.
-وفي هذا من دقة التشريع الإسلامي وجماله، ما يدل على أنه من لدن عليم خبير، فإن مما لا ريب فيه أن أحوال الناس تختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، فالعقوبة التي تناسب جماعة لهم حالة خاصة، لا تناسب جماعة أخرى تخالفها في عاداتها وأطوارها، فلا يمكن
__________
في المضاجع، واضربوهن} آية 34 من النساء وهل له ضربها على ترك الصلاة وعمل الصالحات الظاهر أن له ذلك إن لم يكف الزجر والتأنيب، لأنه من باب إنكار المنكر، والزوج من جملة من يكلف بنهي زوجته عن فعل القبيح، وقد ينتفي التعزير مع انتفاء الحدود والكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه، وقد يجتمع التعزير مع الحد، كما في تكرر الردة، وقد يجتمع مع الكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه، وقد يجتمع العزير مع الحد، كما في تكرر الردة، وقد يجتمع مع الكفارة كما في الظهار، واليمين الغموس، وإفساد الصائم يوماً من رمضان بجماع حليلته، وغير ذلك.
واتفق الأئمة على حد الزنا، والسرق' وشرب المسكر، والحرابة، والقذف بالزنا والقتل، والقصاص في النفس والأطراف، والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الخيرين حداً. واختلف في أشياء كثيرة، يستحق مرتكبها العقوبة، هل تسمى عقوبته حداً أم لا؟ ومنها جحد العارية، واللواط، وإتيان البهيمة، وتحميل المرأة الفحل من البهائم عليها، والسحاق، وأكل الدم، وأكل الميتة في حال الاختيار، وأكل لحم الخنزير، والاشتغال بالسحر، والقذف بشرب الخمر، وترك الصلاة كسلاً، والفطر متعمداً في شهر رمضان، والتعريض بالزنا، ومنع الزكاة، والخلوة بالمرأة الأجنبية، والاستمتاع بها من غير زنا، والاستمتاع بالأمرد من غير لواط به، ونحو ذلك اهـ.
كيفية إقامة الحد
الحنفية، والشافعية قالوا: إنه يضرب في حد التعزير قائماً، لأنه أبلغ في الزجر، وآلم للجاني.
الحنفية، والشافعية قالوا: إنه لا يجر من ثيابه في حد القذف خاصة، ويجرد فيما عداه.

(5/353)


وضع عقوبة منضبطة يمكن تطبيقها على سائر الناس، فالله العليم بأحوال عباده، الخبير بما تقبضيه طبائعهم ناط أم تقدير العقوبات بأولي الأمر، ثم كلفهم السهر على مصالح رعاياهم، والاستمساك بكل الوسائل المفضية إلى تربيتهم تربية صالحة، والقيام بتأديب المجرمين، بالعقوبات المناسبة، كي يعيش الناس في أمن، ودعة، وراحة، واطمئنان.

سؤال وجوابه.
-وها هنا سؤال ظاهر - وهو أن عقوبة التعزير لم ينص عليها في الشريعة الإسلامية، بخصوصها، فهل عمل الحاكم في هذا الباب يقال له: حكم شرعي، أو وضعي؟
وهذا هو السؤال الأخير، فإليك الجواب.
والجواب: أنه لا يخرج حكم من الأحكام عن نصوص الشريعة الإسلامية. ما دامت السموات والأرض، وليس معنى هذا أن كل حادثة منصوص عليها بخصوصها، فإن هذا مما لا معنى له، لأن الحوادث تتجدد بتجدد الزمان والمكان، ولكن الغرض أن كل حادثة من الحوادث المتجددة لا بد أن تدخل تحت قاعدة كلية من قواعد الشريعة الإسلامية (1) .
__________
المالكية قالوا: يجب تجريده من ثيابه في الحدود كلها إلا ما يستر عورة زيادة في زجره.
الحنابلة قالوا: لا يجرد من ثيابه في الحدود كلها، بل يجرد من الجلد، والفرو، والحشو خاصة. ويضرب فيما لا يمنع ألم الضرب كالقميص والقميصين، ونحو ذلك، لأن الألم يحصل مع وجوده.
الحنفية، والحناللة قالوا: إنه يجب أن يفرق الضرب على جميع البدن إلا الوجه، والفرج، والرأس.
الشافعية - قالوا: لا يضرب الفرج، والوجه، والخاصرة، وسائر المواضع المخوفة حتى لا يفضي إلى الموت.
المالكية قالوا: يجوز ضرب الظهر وما قاربه، ولا يجب أن يفرق الضرب على جميع الأعضاء زيادة في الألم اهـ) .
-

(1) (فما من حادثة تحدث في المجتمع إلا ويجد الحاكم لها حكماً في الشرع تحت قادعة من قواعد الشريعة الإسلامية، خصوصاً حد التعزير الذي أعطى للحاكم سلطة سن العقاب الزاجر الذي يراه مناسباً للمجرم المنحرف. فقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى في طرقات المجينة رجلاً يتبختر في مشيته ولمه فيه مظاهر العبث والاستهتار التي لا تليق بالرجال الكمل فزجره وأمره بترك مسلكه هذا، فتعلل بالرجل بأن هذا في طبيعته ولا يطيق تركه، فأمر سيدنا عمر

(5/354)