المحلى بالآثار شرح المجلى بالإختصار

كتاب الجنائز
صلاة الجنائز و حكم الموتى
غسل المسلم الذكر و الأنثى و تكفينهما فرض و كذلك الصلاة عليه و دليل ذلك
...
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
صَلاَةُ الْجَنَائِزِ وَحُكْمُ الْمَوْتَى
558 - مَسْأَلَةٌ: غُسْلُ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَالآُنْثَى وَتَكْفِينُهُمَا: فَرْضٌ,
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ إلاَّ حَسَنًا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حدثنا مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ, فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ", وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَأَمَرَ عليه السلام بِغُسْلِهَا, وَأَمْرُهُ فَرْضٌ, مَا لَمْ يُخْرِجْهُ، عَنِ الْفَرْضِ نَصٌّ آخَرُ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَإِيجَابُ الْغُسْلِ: هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَدَاوُد.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضًا وَهُوَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُهُ, وَعَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مُذْ أَوَّلِهِ إلَى الآنَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ, فَقَالَ: "إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ".
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ, فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ: لاَ تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ, اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ نَقِيَّيْنِ.

(5/113)


قال أبو محمد: هَذَا تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ: وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُغَالاَةَ فَقَطْ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:، أَنَّهُ قَالَ لاَِنَسٍ, وَابْنِ عُمَرَ وَلِغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْمِلُونِي عَلَى قَطِيفَةٍ قَيْصُرَانِيَّةٍ, وَأَجْمِرُوا عَلَيَّ أُوقِيَّةَ مِجْمَرٍ وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي أُصَلِّي فِيهَا, وَفِي قُبْطِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا.
وَاَلَّذِي رُوِيَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فِي أَنْ يُغْسَلَ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفَّنَ فِيهِ وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ: تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ, وَحَتَّى لَوْ كَانَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(5/114)


و من لم يغسل و لا كفن حتى دفن وجب إخراجه حتى يغسل و يكفن
...
559 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلاَ كُفِّنَ حَتَّى دُفِنَ: وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ، وَلاَ بُدّ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ, فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ, فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ, وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ, وَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا".
قال أبو محمد: أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ وَالْكَفَنِ لَيْسَ مَحْدُودًا بِوَقْتٍ, فَهُوَ فَرْضٌ أَبَدًا, وَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَيِّتُ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْبِلَى وَبَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْجِرَاحِ, وَالْجُدَرِيِّ, لاَ يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ.

(5/114)


560 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلاً إلاَّ عَنْ ضَرُورَةٍ،
وَلاَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ, وَلاَ حِينَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ, وَلاَ حِينَ ابْتِدَاءِ أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ, وَيَتَّصِلُ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي, وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ كُلِّهَا.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ إنْسَانٌ لَيْلاً إلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ".
قال أبو محمد: كُلُّ مَنْ دُفِنَ لَيْلاً مِنْهُ عليه السلام, وَمِنْ أَزْوَاجِهِ, وَمِنْ أَصْحَابِهِ، رضي الله عنهم، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ, مِنْ خَوْفِ زِحَامٍ, أَوْ خَوْفِ الْحَرِّ عَلَى مَنْ

(5/114)


و الصلاة على موتى المسلمين فرض
...
561 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاَةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ: فَرْضٌ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ, فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ, فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ عُمُومًا. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْغَالِّ.

(5/115)


المقتول بأيدي المشركين خاصة في سبيل الله في المعركة لا يغسل و لا يكفن
...
562 - مَسْأَلَةٌ: حَاشَا الْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَعْرَكَةِ خَاصَّةً, فَإِنَّهُ لاَ يُغَسَّلُ، وَلاَ يُكَفَّنُ,
لَكِنْ يُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ, إلاَّ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلاَحُ فَقَطْ, وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ: فَحَسَنٌ, وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ: فَحَسَنٌ, فَإِنْ حُمِلَ، عَنِ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ: غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ ذَكَرَ قَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ, وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ".

(5/115)


إعماق حفير القبر و دفن المسلم فرض و جواز دفن الاثنين و الثلاثة في قبر واحد
...
563 - مَسْأَلَةٌ: وَإِعْمَاقُ حَفِيرِ الْقَبْرِ: فَرْضٌ, وَدَفْنُ الْمُسْلِمِ: فَرْضٌ وَجَائِزٌ دَفْنُ الاِثْنَيْنِ, وَالثَّلاَثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ,
وَيُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حدثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْت حُمَيْدًا، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, فَأَصَابَ النَّاسَ جِرَاحَاتٌ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا, وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ, وَالثَّلاَثَةَ فِي الْقَبْرِ, وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا".
وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إنْسَانٍ: شَدِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ

(5/116)


وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ عليه السلام فِي الإِعْمَاقِ فِي الْحَفْر".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ, ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ" فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ".

(5/117)


و دفن الكافر الحربي و غيره فرض
...
564- مَسْأَلَةٌ: وَدَفْنُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ: فَرْضٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ".
وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام، عَنِ الْمُثْلَةِ. وَتَرْكُ الإِنْسَانِ لاَ يُدْفَنُ: مُثْلَةٌ. وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ إذْ قَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ تُحْفَرَ خَنَادِقُ وَيُلْقَوْا فِيهَا.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ" وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ: رَجُلٌ فِينَا مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ ابْنَهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ وَيَدْفِنَهُ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يُحَدِّثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَاتَتْ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ, فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(5/117)


565 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ لِلْمُسْلِمِ: ثَلاَثَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ لِلرَّجُلِ,
يُلَفُّ فِيهَا,

(5/117)


من مات و عليه دين يستغرق كل ما ترك
...
566 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَا تَرَكَ:
فَكُلُّ مَا تَرَكَ لِلْغُرَمَاءِ, وَلاَ يَلْزَمُهُمْ كَفَنُهُ دُونَ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ مِيرَاثًا، وَلاَ وَصِيَّةً إلاَّ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ دَيْنِهِ.فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ, وَأَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِي مِقْدَارِ دَيْنِهِ مِمَّا يَتَخَلَّفُهُ, فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحَقُّ تَكْفِينِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ غَرِيمٍ, أَوْ غَيْرِ غَرِيمٍ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولي أخاه فليحسن كفنه" وقد ذكرناه قبل بإسناده, فكل من ولي فهو مأمور بإحسان كفنه, ولا يحل أن يخص بذلك الغرماء دون غيرهم وهو قول أبي سليمان وأصحابه.
فإن فَضَلَ، عَنِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَالْكَفَنُ مُقَدَّمٌ فِيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ: لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه فِي بُرْدَةٍ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَهَا, فَلَمْ يَجْعَلْهَا لِوَارِثِهِ.

(5/121)


و كل ما ذكرنا أنه فرض على الكفاية
...
567 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ، عَنْ سَائِرِ النَّاسِ, كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ, وَلاَِنَّ تَكْلِيفَ مَا عَدَا هَذَا دَاخِلٌ فِي الْحَرَجِ وَالْمُمْتَنِعِ, قَالَ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

(5/121)


568 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْغُسْلِ
أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَرَأْسَهُ بِمَاءٍ قَدْ رُمِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ، وَلاَ بُدَّ, إنْ وُجِدَ, فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ: ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ بُدَّ, يُبْتَدَأُ بِالْمَيَامِنِ, وَيُوَضَّأُ: فَإِنْ أَحَبُّوا الزِّيَادَةَ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا إمَّا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ, وَأَمَّا خَمْسُ مَرَّاتٍ, وَأَمَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَيَجْعَلُ فِي آخِرِ غَسَلاَتِهِ إنْ غُسِّلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، وَلاَ بُدَّ فَرْضًا, فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلاَ حَرَجَ, لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كُلِّهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا, أَوْ خَمْسًا, أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ,

(5/121)


569 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عُدِمَ الْمَاءُ يُمِّمَ الْمَيِّتُ،
وَلاَ بُدَّ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ".

(5/122)


570 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ لِبَاسُهُ,
مِنْ حَرِيرٍ, أَوْ مُذَهَّبٍ, أَوْ مُعَصْفَرٍ. وَجَائِزٌ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ, لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَرِيرِ, وَالذَّهَبِ :"إنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاِِنَاثِهَا".
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُعَصْفَرِ: إذْ نَهَى عليه السلام الرِّجَالَ عَنْهُ.

(5/122)


كفن المرأة و حفر قبرها من رأس مالها
...
571 - مَسْأَلَةٌ: وَكَفَنُ الْمَرْأَةِ وَحَفْرُ قَبْرِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهَا,
وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ زَوْجَهَا, لإِنَّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَةٌ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ

(5/122)


صفة الصلاة على الميت
...
572 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِمَامٍ يَقِفُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ, وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ صُفُوفٌ,
وَيَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ عِنْدَ رَأْسِهِ, وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وَسَطِهَا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي, أَوْ الثَّالِثِ".
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا صَلاَةُ قِيَامٍ, لاَ رُكُوعَ فِيهَا, وَلاَ سُجُودَ, وَلاَ قُعُودَ, وَلاَ تَشَهُّدَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ, مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهَا وَسَطَهَا".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُسَدَّدٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ, وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّيْتُ عَلَى جِنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ, وَصَلَّى عَلَيْهِ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ, فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ, لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ, ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ, الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ, فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا, فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ, ثُمَّ جَلَسَ, فَقَالَ لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ, هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلاَتِكَ, يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا, وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ, وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ".
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي غَالِبٍ, فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ

(5/123)


هَذَا, وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ الْعَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "احْفَظُوا".
فَدَلَّ هَذَا عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ مَنْ حَضَرَ لَهُ, وَهُمْ تَابِعُونَ كُلُّهُمْ.
وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ, وَأَحْمَدُ, وَدَاوُد, وَأَصْحَابُهُمْ, وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ.
وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ, بِخِلاَفِ هَذَا, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ دَعْوَى فَاسِدَةً, وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ; لإِنَّ أَنَسًا صَلَّى كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ فِي نَعْشٍ أَخْضَرَ.
وقال بعضهم: كَمَا يَقُومُ الإِمَامُ مُوَازٍ وَسَطَ الصَّفِّ خَلْفَهُ كَذَلِكَ يَقُومُ مُوَازٍ وَسَطَ الْجِنَازَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ, وَقِيَاسٌ فَاسِدٌ; لاَِنَّهُ إمَامُ الصَّفِّ, وَلَيْسَ إمَامًا لِلْجِنَازَةِ, وَلاَ مَأْمُومًا لَهَا, وَاَلَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ فِي وُقُوفِهِ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ هُوَ الَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ إزَاءَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ, وَإِزَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ, وَهُوَ النَّبِيُّ عليه السلام, الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُ حُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/124)


يكبر الإمام و المأمومون بتكبير الإمام على الجنازة خمس تكبيرات
...
573 - مَسْأَلَةٌ: وَيُكَبِّرُ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ بِتَكْبِيرِ الإِمَامِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ,
لاَ أَكْثَرَ, فَإِنْ كَبَّرُوا أَرْبَعًا فَحَسَنٌ, وَلاَ أَقَلَّ, وَلاَ تُرْفَعُ الأَيْدِي إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ, فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ الْمَذْكُورُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَسَلَّمُوا كَذَلِكَ, فَإِنْ كَبَّرَ سَبْعًا كَرِهْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا, فَإِنْ كَبَّرَ أَكْثَرَ لَمْ نَتَّبِعْهُ, وَإِنْ كَبَّرَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ لَمْ نُسَلِّمْ بِسَلاَمِهِ, بَلْ أَكْمَلْنَا التَّكْبِيرَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: "قَالَ كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا, وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا, فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُهَا".
وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَبَّرَ أَيْضًا أَرْبَعًا, كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ, فَقَالُوا: كَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعًا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا, فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ الصَّلاَةِ".

(5/124)


وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَذَكَرَهُ.
قَالُوا: فَهَذَا إجْمَاعٌ, فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, أَوَّلَ ذَلِكَ: أَنَّ الْخَبَرَ لاَ يَصِحُّ; لاَِنَّهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ شَقِيقٍ فَلاَ يُدْرَى فِي الْعَالَمِ مَنْ هُوَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَشِيرَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي إحْدَاثِ فَرِيضَةٍ بِخِلاَفِ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ مَا فَعَلَهُ عليه السلام, وَمَاتَ وَهُوَ مُبَاحٌ, فَيُحَرِّمُ بَعْدَهُ, لاَ يَظُنُّ هَذَا بِعُمَرَ إلاَّ جَاهِلٌ بِمَحَلِّ عُمَرَ مِنْ الدِّينِ وَالإِسْلاَمِ, طَاعِنٌ عَلَى السَّلَفِ، رضي الله عنهم.
وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ, أَرْبَعًا وَخَمْسًا, فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ, يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ.
وَبِهِ إلَى شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ, فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ, فَكَبَّرَ عَلَيْهَا خَمْسًا, فَضَحِكُوا مِنْهُ, فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ, قَدْ كُنَّا نُكَبِّرُ أَرْبَعًا, وَخَمْسًا, وَسِتًّا, وَسَبْعًا, فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ

(5/125)


الْخَطَّابِ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ: أَرْبَعٌ, وَخَمْسٌ يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَأَمَرَ عُمَرُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ.
قَالُوا: فَهَذَا إجْمَاعٌ.
قال أبو محمد: هَذَا الْكَذِبُ لإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَسَعِيدٌ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ عُمَرَ إلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ, فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ.
وَلَوْ صَحَّ, لَكَانَ مَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ مُكَذِّبًا لِدَعْوَاهُمْ فِي الإِجْمَاعِ; لإِنَّ صَاحِبَ مُعَاذٍ الْمَذْكُورَ كَبَّرَ خَمْسًا, وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ كَبَّرَ بَعْدَ عُمَرَ خَمْسًا.
حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا, ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: إنَّهُ بَدْرِيٌّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَقَدِمَ عَلْقَمَةُ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ إخْوَانَك بِالشَّامِ يُكَبِّرُونَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ خَمْسًا, فَلَوْ وَقَّتُّمْ لَنَا وَقْتًا نُتَابِعُكُمْ عَلَيْهِ فَأَطْرَقَ عَبْدُ اللَّهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا جَنَائِزَكُمْ, فَكَبِّرُوا عَلَيْهَا مَا كَبَّرَ أَئِمَّتُكُمْ, لاَ وَقْتَ، وَلاَ عَدَدَ.
قال أبو محمد: ابْنُ مَسْعُودٍ مَاتَ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما, فَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلْقَمَةُ مَا ذَكَرَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، الَّذِينَ بِالشَّامِ, وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ; لإِنَّ الشَّعْبِيَّ أَدْرَكَ عَلْقَمَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ.
َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ

(5/126)


زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَلْعَدَانَ فَخْذٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا.
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا.
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا مَعْبَدٍ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا. وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي شَيْبَةُ بْنُ أَيْمَنَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ ثَلاَثًا.
وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قِيلَ لاَِنَسٍ: إنَّ فُلاَنًا كَبَّرَ ثَلاَثًا, يَعْنِي عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَلْ التَّكْبِيرُ إلاَّ ثَلاَثًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إنَّمَا كَانَ التَّكْبِيرُ ثَلاَثًا فَزَادُوا وَاحِدَةً يَعْنِي عَلَى الْجِنَازَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَلاَلِ الْعَتَكِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَمَرَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا.
قال أبو محمد: أُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يُخْرَجُ عَنْهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَالصَّحَابَةُ بِالشَّامِ، رضي الله عنهم،, ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالشَّامِ, وَابْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ, وَيَدَّعِي الإِجْمَاعَ بِخِلاَفِ هَؤُلاَءِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ, فَمَنْ أَجْهَلُ مِمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ فَمَنْ أَخْسَرُ صَفْقَةً مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عَقْلِهِ أَنَّ

(5/127)


إجْمَاعًا عَرَفَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَخَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى: عَلِيٍّ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ, وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, حَتَّى خَالَفُوا الإِجْمَاعَ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا.
وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ أَرْبَعًا, وَعَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى ابْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا, وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَبَّرَ عَلَى أُمِّهِ أَرْبَعًا, وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَبَّرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَرْبَعًا, وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَبَّرَ أَرْبَعًا, وَأَنَسًا كَبَّرَ أَرْبَعًا: فَكُلُّ هَذَا حَقٌّ وَصَوَابٌ, وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ صَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ تَكْبِيرِ خَمْسٍ أَصْلاً, وَحَتَّى لَوْ وُجِدَ لَكَانَ مُعَارِضًا لَهُ قَوْلُ مَنْ أَجَازَهَا, وَوَجَبَ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ, مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ, وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ خَمْسًا وَأَرْبَعًا, فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ أَحَدِ عَمَلَيْهِ لِلآخَرِ.
وَلَمْ نَجِدْ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ تَكْبِيرًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ, وَلاَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ, فَمَنْ زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَبَلَغَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَمْ يَصِحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ, فَكَرِهْنَاهُ لِذَلِكَ, وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام عَنْهُ فَلَمْ نَقُلْ: بِتَحْرِيمِهِ لِذَلِكَ, وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ: فِيمَنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا.
وَأَمَّا مَا دُونَ الثَّلاَثِ وَفَوْقَ السَّبْعِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ بِهِ, فَهُوَ تَكَلُّفٌ, وَقَدْ نُهِينَا أَنْ نَكُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ, إلاَّ حَدِيثًا سَاقِطًا وَجَبَ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهِ, وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعِينَ صَلاَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا رَفْعُ الأَيْدِي فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَفَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ, فَلاَ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ, لاَِنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ, وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ, وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ، وَلاَ خَفْضٌ.
وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْعِهِ مِنْ رَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ, وَقَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا التَّسْلِيمَتَانِ فَهِيَ صَلاَةٌ, وَتَحْلِيلُ الصَّلاَةِ: التَّسْلِيمُ, وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ ذِكْرٌ وَفِعْلُ خَيْرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/128)


574 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا كَبَّرَ الآُولَى قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ،
وَلاَ بُدَّ, وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ, ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي بَاقِي الصَّلاَةِ.
أَمَّا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا صَلاَةً بِقَوْلِهِ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". وَقَالَ عليه السلام: " لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَعْدٍ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: "صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ, فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلاَهُمَا، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ, قَالَ الضَّحَّاكُ, وَأَبُو أُمَامَةَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرِ مُخَافَتَةً, ثُمَّ يُكَبِّرَ, وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الآخِرَةِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِ أُمِّ الْكِتَابِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: يَقْرَأُ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ الآُولَيَيْنِ: فَاتِحَةَ الْكِتَابِ.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً, رَفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ, فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لاَ أَجْهَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلاَةُ عَجْمَاءَ, وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً.

(5/129)


قال أبو محمد: فَرَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ, وَالْمِسْوَرُ: الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الثَّلاَثِ فِي الْجِنَازَةِ, ثُمَّ يُكَبِّرُونَ وَيَنْصَرِفُونَ، وَلاَ يَقْرَءُونَ.
وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تُكَبِّرَ, ثُمَّ تَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ تُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ, وَلاَ تَقْرَأُ إلاَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى, ثُمَّ يُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ، عَنْ يَمِينِهِ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاءً.
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمَا.
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا بِأَنْ قَالُوا: رُوِيَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ".
قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ, مَا رُوِيَ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ يُشْتَغَلُ بِهَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ, لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي إخْلاَصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَهْيٌ، عَنِ الْقِرَاءَةِ, وَنَحْنُ نُخْلِصُ لَهُ الدُّعَاءَ وَنَقْرَأُ كَمَا أُمِرْنَا

(5/130)


وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَذَكَرَ دُعَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةً.
وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيَقْرَأُ فِي الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ: لاَ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا لَيْسَ، عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَنَعَمْ, نَحْنُ نَقُولُ: لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَ يَصِحُّ خِلاَفٌ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،, كَابْنِ عَبَّاسٍ, وَالْمِسْوَرِ, وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَأَنَسٍ, لاَ سِيَّمَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرًا، وَلاَ تَسْلِيمًا. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْجِنَازَةِ, فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ".
وَقَالُوا: لَعَلَّ هَؤُلاَءِ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ.
فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ; لأَنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الأَمْرُ بِقِرَاءَتِهَا, وَأَنَّهَا سُنَّتُهَا, فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: لَعَلَّهُمْ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ: كَذِبٌ بَحْتٌ.
ثُمَّ لاَ نَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَتِهَا حَتَّى يَتَقَحَّمُوا فِي الْكَذِبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ, وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا صَلاَةٌ, وَيُوجِبُونَ فِيهَا: التَّكْبِيرَ, وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ, وَالإِمَامَةَ لِلرِّجَالِ, وَالطَّهَارَةَ, وَالسَّلاَمَ, ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْقِرَاءَةَ؟
فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ: سَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ.
قلنا: وَمِنْ أَيْنَ يُوجَبُ هَذَا الْقِيَاسُ دُونَ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بَلْ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَسَدِ, وَلَكِنْ هَذَا عِلْمُهُمْ بِالْقِيَاسِ وَالسُّنَنِ.
وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ, وَهَهُنَا أَرَيْنَاهُمْ عَمَلَ الصَّحَابَةِ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَأَبِي أُمَامَةَ, وَالزُّهْرِيِّ, عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, وَخَالَفُوهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/131)


بيان أحب الدعاء إلينا على الجنازة و دليل ذلك
...
575 - مَسْأَلَةٌ: وَأَحَبُّ الدُّعَاءِ إلَيْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ
هُوَ مَا: حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،

(5/131)


حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ, وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ, وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ, وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ, وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ, وَثَلْجٍ, وَبَرَدٍ, وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ, وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ, وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ, وَعَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ".
وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الرَّقِّيُّ، حدثنا شُعَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا, وَمَيِّتِنَا, وَصَغِيرِنَا, وَكَبِيرِنَا, وَذَكَرِنَا, وَأُنْثَانَا, وَشَاهِدِنَا, وَغَائِبِنَا, اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ, وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ, وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ".
فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلْيَقُلْ "اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك" لِلأَثَرِ الَّذِي صَحَّ أَنَّ الصِّغَارَ مَعَ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. وَمَا دَعَا بِهِ فَحَسَنٌ.

(5/132)


و نستحب اللحد و هم أحب إلينا من الضريح
...
576 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ اللَّحْدَ,
وَهُوَ الشَّقُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْقَبْرِ, وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الضَّرِيحِ, وَهُوَ الشَّقُّ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ.
وَنَسْتَحِبُّ اللَّبِنَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ, وَنَكْرَهُ الْخَشَبَ, وَالْقَصَبَ, وَالْحِجَارَةَ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيُّ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ "أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا, وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا, كَمَا صُنِعَ

(5/132)


بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"

(5/133)


لا يحل أن يبنى القبر و لا أن يجصص و لا أن يزاد على ترابه شيء
...
577 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ, وَلاَ أَنْ يُجَصَّصَ, وَلاَ أَنْ يُزَادَ عَلَى تُرَابِهِ شَيْءٌ, وَيُهْدَمُ كُلُّ ذَلِكَ,
فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهِ بَيْتٌ أَوْ قَائِمٌ: لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَشَ اسْمَهُ فِي حَجَرٍ: لَمْ نَكْرَهْ ذَلِكَ رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ, فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا, فَأَمَرَ فُضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ, وَقَالَ: "سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ, وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ, وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا, وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا".
قال أبو محمد: قَدْ أَنْذَرَ عليه السلام بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِي بَيْتِهِ بِذَلِكَ. وَلَمْ يُنْكِرْ عليه السلام كَوْنَ الْقَبْرِ فِي بَيْتٍ, وَلاَ نَهَى، عَنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ, وَإِنَّمَا نَهَى، عَنْ بِنَاءٍ عَلَى الْقَبْرِ قُبَّةٍ فَقَطْ.
وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ تُطَيَّنَ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَفِيرِهَا.
وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: تَسْوِيَةُ الْقُبُورِ مِنْ السُّنَّةِ.
وَعَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ, وَأَنْ تُرْفَعَ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا.

(5/133)


وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَقَطَ الْحَائِطُ الَّذِي عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسُتِرَ, ثُمَّ بُنِيَ, فَقُلْت لِلَّذِي سَتَرَهُ: ارْفَعْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ, فَنَظَرْت إلَيْهِ, فَإِذَا عَلَيْهِ جَبُوبٌ وَرَمْلٌ, كَأَنَّهُ مِنْ رَمْلِ الْعَرْصَةِ.
حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت: يَا أُمَّهُ, اكْشِفِي لِي، عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي، عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ, لاَ لاَطِئَةٍ، وَلاَ مُشْرِفَةٍ, مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ, فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمًا, وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ, وَرِجْلاَهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْت عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما.

(5/134)


و لا يحل لأحد أن يجلس على القبر
...
578 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ,
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يَجْلِسُ فَلْيَقِفْ

(5/134)


حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ, وَلَوْ اسْتَوْفَزَ وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ يَبْنِ أَنَّهُ يُحْرَجُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ". وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ, كِلاَهُمَا: عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ، عَنِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلاَ تُصَلُّوا إلَيْهَا".
فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، رضي الله عنهم،, مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاََنْ أَطَأَ عَلَى رَضْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَعَمَّدَ وَطْءَ قَبْرٍ لِي عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ.

(5/135)


وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
فَقَالَ قَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ, وَحَمَلُوا الْجُلُوسَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَائِطِ خَاصَّةً.
وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ لِوُجُوهٍ.
أَوَّلُهَا أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَصَرْفٌ لِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ وَجْهِهِ, وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَثَانِيهَا أَنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا, بِقَوْلِهِ عليه السلام: "لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ". وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ الْقُعُودَ لِلْغَائِطِ لاَ يَكُونُ هَكَذَا أَلْبَتَّةَ, وَمَا عَهِدْنَا قَطُّ أَحَدًا يَقْعُدُ عَلَى ثِيَابِهِ لِلْغَائِطِ إلاَّ مَنْ لاَ صِحَّةَ لِدِمَاغِهِ.
وَثَالِثُهَا أَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْخَبَرِ لَمْ يَتَعَدَّوْا بِهِ وَجْهَهُ مِنْ الْجُلُوسِ الْمَعْهُودِ, وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي اللُّغَةِ جَلَسَ فُلاَنٌ بِمَعْنَى تَغَوَّطَ, فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْرِيمَ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحْمُودٌ.

(5/136)


و لا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين
...
579 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ سِبْتِيَّتَيْنِ؛
وَهُمَا اللَّتَانِ لاَ شَعْرَ فِيهِمَا, فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ: جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِشَعْرٍ, وَالآُخْرَى بِلاَ شَعْرٍ: جَازَ الْمَشْيُ فِيهِمَا.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَعْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

(5/136)


صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلاً يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ, فَقَالَ: "يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا".
وَحَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمٌ, فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشِيرًا قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَعَلَيَّ نَعْلاَنِ, إذْ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ, يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ, إذَا كُنْت فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ", قَالَ: فَخَلَعْتُهُمَا.
قال أبو محمد:فإن قيل فَهَلاَّ مَنَعْتُمْ مِنْ كُلِّ نَعْلٍ, لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام: "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ".
قلنا: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا دَعَا صَاحِبَ سِبْتِيَّتَيْنِ, بِنَصِّ كَلاَمِهِ, ثُمَّ أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ.
وَالثَّانِي مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قال أبو محمد: فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ عليه السلام بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ, وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَيَلْبَسُونَ النِّعَالَ فِي مَدَافِنِ الْمَوْتَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, عَلَى عُمُومِ إنْذَارِهِ عليه السلام بِذَلِكَ, وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ, وَالأَخْبَارُ لاَ تُنْسَخُ أَصْلاً. فَصَحَّ إبَاحَةُ لِبَاسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ, وَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ السِّبْتِيَّةِ مِنْهَا, لِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهَا.
قال أبو محمد: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فَقَالَ: لَعَلَّ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ.
قال أبو محمد: مَنْ قَطَعَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ, وَمَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ بِالظَّنِّ, وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَكِلاَهُمَا خُطَّتَا خَسْفٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا.

(5/137)


ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فَهَبْكَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَتَقُولُونَ: بِهَذَا أَنْتُمْ فَتَمْنَعُونَ مِنْ الْمَشْيِ, بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ فِيهِمَا قَذَرٌ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لاَ فَيُقَالُ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لِمَ تَقُولُوا بِهَا, وَلَبَقِيتُمْ مُخَالِفِينَ لِلْخَبَرِ بِكُلِّ حَالٍ.
وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: وَلَعَلَّ الْبِنَاءَ فِي الرُّعَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّمِ الأَسْوَدِ لِشَبَهِهِ بِدَمِ الْحَيْضِ, وَلَعَلَّ فَسَادَ صَلاَةِ الرَّجُلِ إلَى جَنْبِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ شَابَّةً خَوْفَ الْفِتْنَةِ, وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.

(5/138)


و يصلى على ما وجد من الميت المسلم و يغسل و يكفن و يصلى على الغائب
...
580 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ, وَلَوْ أَنَّهُ ظُفْرٌ أَوْ شَعْرٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ, وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ,
إلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَهِيدٍ فَلاَ يُغَسَّلُ, لَكِنْ يُلَفُّ وَيُدْفَنُ.
وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لاَ يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ عُضْوٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُسِّلَ أَيْضًا, وَكُفِّنَ, وَدُفِنَ, وَلاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ثَانِيَةً, وَهَكَذَا أَبَدًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وُجُوبَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ.فَصَحَّ بِذَلِكَ غُسْلُ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَسَتْرُ جَمِيعِهَا بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ, فَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ عَمَلُهُ فِيمَا أَمْكَنَ عَمَلُهُ فِيهِ, بِالْوُجُودِ مَتَى وُجِدَ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ ذَلِكَ فِي الأَعْضَاءِ الْمُفَرَّقَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ.
وَيَنْوِي بِالصَّلاَةِ عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ الصَّلاَةُ عَلَى جَمِيعِهِ: جَسَدِهِ, وَرُوحِهِ.
وقال أبو حنيفة, وَأَصْحَابُهُ: إنْ وُجِدَ نِصْفُ الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ, أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرَّأْسُ: غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الرَّأْسُ, أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ: لَمْ يُغَسَّلْ, وَلاَ كُفِّنَ, وَلاَ صُلِّيَ عَلَيْهِ!
قال أبو محمد: وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ!!
وَقِيلَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَاجِبَةٌ, وَعَلَى نِصْفِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمْ الرُّبْعَ فِيمَا أَنْكَشَفَ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ وَشَعْرِهَا كَثِيرًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ, وَجَعَلْتُمْ الْعُشْرَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِكُمْ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ وَهُوَ مِنْ حَلْقِ عُشْرِ رَأْسِهِ, أَوْ عُشْرِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, فَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا.
وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا

(5/138)


صَلَّيَا عَلَى رِجْلِ, إنْسَانٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا.
وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ, أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَأْسٍ.
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ قَاطِعٌ, أَغْنَى، عَنِ النَّظَرِ, وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ تَجِبُ بِهِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ; لإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا, بَلْ فَرْضٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلاَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, لاَِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ, وَهِيَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ نَدْبٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا".
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ, فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ, فَصَفَفْنَا, فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ".
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: حدثنا مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ". قَالَ جَابِرٌ: فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ قَوِيَّةٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمَلُهُ وَعَمَلُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ, فَلاَ إجْمَاعَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا, وَآثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كَمَا أَوْرَدْنَا.
وَمَنَعَ مِنْ هَذَا: مَالِكٌ, وَأَبُو حَنِيفَةَ, وَادَّعَى أَصْحَابُهُمَا الْخُصُوصَ لِلنَّجَاشِيِّ, وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا: هَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قلنا لَهُمْ: وَهَلْ جَاءَ قَطُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ زَجَرَ، عَنْ هَذَا أَوْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

(5/139)


و الصلاة جائزة على القبر
...
581 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَبْرِ
وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ

(5/139)


وقال أبو حنيفة: إنْ دُفِنَ بِلاَ صَلاَةٍ: صُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ مَا بَيْنَ دَفْنِهِ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ, وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ, وَإِنْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ عَلَى قَبْرِهِ.
وقال مالك: لاَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ, وَرَوَى ذَلِكَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وقال الشافعي, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ, وَقَدْ رُوِيَ هَذَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ, وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُصَلِّي الْغَائِبُ عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ, وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْحَاضِرُ إلَى ثَلاَثٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا, فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ, فَقَالُوا: مَاتَ, فَقَالَ: أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ, فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ, فَدَلُّوهُ, فَصَلَّى عَلَيْهَا, ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا, وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ".
فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْهُ عليه السلام دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ.
قال أبو محمد: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا, وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْكَلاَمِ بَرَكَةُ صَلاَتِهِ عليه السلام وَفَضِيلَتُهَا عَلَى صَلاَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ, وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيُ غَيْرِهِ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَصْلاً, بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ دَعْوَى الْخُصُوصِ هَهُنَا مَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: "انْتَهَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ, فَصَلَّى عَلَيْهِ, وَصَفُّوا خَلْفَهُ, وَكَبَّرَ أَرْبَعًا", قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: مَنْ حَدَّثَك قَالَ: الثِّقَةُ

(5/140)


مَنْ شَهِدَهُ, ابْنُ عَبَّاسٍ. فَهَذَا أَبْطَلَ الْخُصُوصَ, لإِنَّ أَصْحَابَهُ عليه السلام, وَعَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ صَلَّوْا مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ, فَبَطَلَتْ دَعْوَى الْخُصُوصِ.
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ السَّامِيِّ، حدثنا غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَبْرٍ".
قال أبو محمد: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبْرِهِ.
قال أبو محمد: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، نَهَى، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ, وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام, فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ, وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ فِعْلُ خَيْرٍ, وَالدَّعْوَى بَاطِلٌ إلاَّ بِبُرْهَانٍ.
وقال بعضهم: نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَى الْقَبْرِ مَانِعٌ مِنْ هَذَا!
قال أبو محمد: وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا عَكَسَ الْحَقَّ عَكْسًا; لاَِنَّهُ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ, أَوْ إلَيْهِ. أَوْ فِي الْمَقْبَرَةِ, وَعَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ, فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: كُلُّ هَذَا مُبَاحٌ وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ, فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ، عَنِ الصَّلاَةِ مُطْلَقًا فِي مَنْعِهِ مِنْ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ, وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرَامَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَقْبَرَةِ, وَإِلَى الْقَبْرِ, وَعَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ..
وقال بعضهم: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ قلنا: نَعَمْ, كَانَ لاَ يُصَلِّي سَائِرَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْقَبْرِ, وَيُصَلِّي صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَبَدًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَدْ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ, وَهُوَ أَنَّهُ رضي الله عنه صَلَّى صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ, ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا عَنْهُ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا صَحَّ، عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ, فَكَيْفَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلاَ يَصِحُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ مَا ذَكَرْنَاهُ.

(5/141)


وَرُوِّينَا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ, فَحَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ مَكَّةَ فَدَفَنَّاهُ, فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدَلَلْنَاهَا عَلَيْهِ, فَوَضَعَتْ فِي هَوْدَجِهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَدِمَ وَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ عَاصِمٌ, فَقَالَ: أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدُلَّ عَلَيْهِ, فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ.
قال أبو محمد: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا صَلاَةُ الْجِنَازَةِ, لاَ الدُّعَاءُ فَقَطْ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِقَوْمٍ جَاءُوا بَعْدَمَا دُفِنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إبَاحَةُ ذَلِكَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا.
وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَيْهَا.
فَهَذِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ.
وَأَمَّا أَمْرُ تَحْدِيدِ الصَّلاَةِ بِشَهْرٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَخَطَأٌ لاَ يُشْكِلُ, لاَِنَّهُ تَحْدِيدٌ بِلاَ دَلِيلٍ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا, أَوْ مَنْ حَدَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

(5/142)


و من تزوج كافرة فحملت منه و هو مسلم
...
582 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ
وَمَاتَتْ حَامِلاً: فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ: دُفِنَتْ مَعَ أَهْلِ دِينِهَا, وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالرُّوحُ قَدْ نُفِخَ فِيهِ: دُفِنَتْ فِي طَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ; لإِنَّ عَمَلَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يُدْفَنَ مُسْلِمٌ مَعَ مُشْرِكٍ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى

(5/142)


قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ, فَقَالَ: "لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ شَرًّا كَثِيرًا", ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا".
فَصَحَّ بِهَذَا تَفْرِيقُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، عَنْ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ.
وَالْحَمْلُ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ جِسْمِ أُمِّهِ, وَمِنْ حَشْوَةِ بَطْنِهَا, وَهِيَ مَدْفُونَةٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ, فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ خَلْقٌ آخَرُ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ}, فَهُوَ حِينَئِذٍ إنْسَانٌ حَيٌّ غَيْرُ أُمِّهِ, بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، وَ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ فَلَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ, وَهِيَ كَافِرَةٌ, فَلاَ تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ, فَوَجَبَ أَنْ تُدْفَنَ بِنَاحِيَةٍ لاَِجْلِ ذَلِكَ.
رُوِّينَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ: فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةِ النَّصَارَى, وَلاَ بِمَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهَا تُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهَا.

(5/143)


و الصغير يسبى فيموت فإنه يدفن على مع المسلمين و يصلى عليه
...
583 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّغِيرُ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ دُونَهُمَا فَيَمُوتُ: فَإِنَّهُ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ,
قَالَ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ, إلاَّ مَنْ أَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ, وَلَيْسَ إلاَّ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ كَافِرَيْنِ, أَوْ حَرْبِيَّيْنِ كَافِرَيْنِ, وَلَمْ يُسْبَ حَتَّى بَلَغَ, وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَمُسْلِمٌ.

(5/143)


أحق الناس بالصلاة على الميت و الميتة الأولياء
...
584 - مَسْأَلَةٌ: وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ: الأَوْلِيَاءُ,
وَهُمْ الأَبُ وَآبَاؤُهُ, وَالاِبْنُ وَأَبْنَاؤُهُ, ثُمَّ الإِخْوَةُ الأَشِقَّاءُ, ثُمَّ الَّذِينَ لِلأَبِ, ثُمَّ بَنُوهُمْ, ثُمَّ الأَعْمَامُ لِلأَبِ وَالآُمِّ, ثُمَّ لِلأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ, ثُمَّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ, إلاَّ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ, فَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ الزَّوْجُ, ثُمَّ الأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي, فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا أَجْزَأَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وَهَذَا

(5/143)


585 - مَسْأَلَةٌ: وَأَحَقُّ النَّاسِ بِإِنْزَالِ الْمَرْأَةِ فِي قَبْرِهَا مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ,
وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا, حَضَرَ زَوْجُهَا أَوْ أَوْلِيَاؤُهَا أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا, وَأَحَقُّهُمْ بِإِنْزَالِ الرَّجُلِ أَوْلِيَاؤُهُ أَمَّا الرَّجُلُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وَهَذَا عُمُومٌ, لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلاَّ بِنَصٍّ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ: حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ،

(5/144)


حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ، حدثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ, فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ, فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ؟" فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا, قَالَ: "فَانْزِلْ" فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَلَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ ابْنَتُهُ، رضي الله عنها: "لاَ يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ", فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ.
قال أبو محمد: الْمُقَارَفَةُ الْوَطْءُ, لاَ مُقَارَفَةُ الذَّنْبِ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَزَكَّى أَبُو طَلْحَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأنهُ لَمْ يُقَارِفْ ذَنْبًا. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْلَى مِنْ الأَبِ وَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِمَا.

(5/145)


يصلى على الميت الموصى و لو كان غير ولي و لا زوج
...
586 بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ: الَّتِي قَبْلَ هَذِه.
قال أبو محمد: وَاسْتَدْرَكْنَا الْوَصِيَّةَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمُوصِي غَيْرُ الْوَلِيِّ وَغَيْرُ الزَّوْجِ, وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُحْتَضَرِ قَالَ: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ أَمِيرٍ، وَلاَ وَلِيٍّ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا، وَلاَ مِنْ قَوْمِهَا, وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم.
وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: أَنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ وَلَيْسَ مِنْ قَوْمِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ: أَنَّ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ.

(5/145)


587 - مَسْأَلَةٌ: وَتَقْبِيلُ الْمَيِّتِ جَائِزٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ

(5/145)


و يسجى الميت بثوب و يجعل على بطنه ما يمنع انتفاخه
...
588 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسَجَّى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مَا يَمْنَعُ انْتِفَاخَهُ.
أَمَّا التَّسْجِيَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُلُّ مَا فُعِلَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حَقٌّ, لقوله تعالى: {وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} وَهَذَا عُمُومٌ, لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلاَّ بِنَصٍّ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَكُلُّ مَا فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِ وَدَفْعٌ لِلْمَثُلَةِ عَنْهُ, فَهُوَ بِرٌّ وَتَقْوَى.

(5/146)


الصبر واجب و البكاء مباح ما لم يكن نوح
...
589 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ, وَالْبُكَاءُ مُبَاحٌ, مَا لَمْ يَكُنْ نَوْحٌ,
فَإِنَّ النَّوْحَ حَرَامٌ, وَالصِّيَاحَ, وَخَمْشَ الْوُجُوهِ وَضَرْبَهَا, وَضَرْبَ الصَّدْرِ, وَنَتْفَ الشَّعْرِ وَحَلْقَهُ لِلْمَيِّتِ: كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ, وَكَذَلِكَ الْكَلاَمُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي هُوَ تَسَخُّطٌ لاَِقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى, وَشَقُّ الثِّيَابِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ, فَقَالَ: "اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي".
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الآُولَى".
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنِي قُرَيْشٌ، هُوَ ابْنُ حَيَّانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ, فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ, فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ, إنَّهَا رَحْمَةٌ, الْعَيْنُ تَدْمَعُ, وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ, وَلاَ نَقُولُ إلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا, وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ".

(5/146)


إذا مات المحرم ما بين أن يحرم إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر إن كان حاجا أو أن يتم طوافه و سعيه إن كان معتمرا فالفرض أن يغسل
...
590 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ كَانَ حَاجًّا, أَوْ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ, إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا:
فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ فَقَطْ إنْ وُجِدَ السِّدْرُ. وَلاَ يُمَسُّ بِكَافُورٍ، وَلاَ بِطَيِّبٍ, وَلاَ يُغَطَّى وَجْهُهُ, وَلاَ رَأْسُهُ، وَلاَ يُكَفَّنُ إلاَّ فِي ثِيَابِ إحْرَامِهِ فَقَطْ, أَوْ فِي ثَوْبَيْنِ غَيْرَ ثِيَابِ إحْرَامِهِ. وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ, إلاَّ أَنَّ رَأْسَهَا تُغَطَّى وَيُكْشَفُ وَجْهُهَا, وَلَوْ أُسْدِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَلاَ بَأْسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَنَّعَ.
فَمَنْ مَاتَ مِنْ مُحْرِمٍ, أَوْ مُحْرِمَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَسَائِرِ الْمَوْتَى, رَمَى الْجِمَارَ أَوْ لَمْ يَرْمِهَا.

(5/148)


وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: هُمَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ ذَلِك.
بُرْهَانُ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ، عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ, خَارِجَ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ, فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ملبدا".
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثِيَابِهِ, وَلاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلاَ رَأْسَهُ, فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ, إذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ, وَلاَ تُحَنِّطُوهُ, وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ, فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ, فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ, وَلاَ تَمَسُّوهُ طِيبًا, وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ, فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْحَكَمِ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ, فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ، وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا, فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ".

(5/149)


فَهَذَا لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ, لاَِنَّهُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً, رَوَاهُ شُعْبَةُ, وَسُفْيَانُ, وَأَبُو عَوَانَةَ, وَمَنْصُورٌ, وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ قَبْلَهُمْ أَبُو بِشْرٍ, وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ, وَالْحَكَمُ, وَأَيُّوبُ, وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَهِدَ الْقِصَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, آخِرَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَّتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْخَبَرِ كُلُّهَا, فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا, وَأَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ فِي مُحْرِمٍ سُئِلَ عَنْهُ, وَالْمُحْرِمُ يَعُمُّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ, وَالْبَعْثُ وَالتَّلْبِيَةُ يَجْمَعُهُمَا, وَبِهِمَا جَاءَ الأَثَرُ, وَالسَّبَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ.
فإن قيل: إنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِلْمُحْرِمِ الْحَقَّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ, وَتَمْنَعُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ.
قلنا: نَعَمْ, لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ, وَلاَ يَحِلُّ الاِعْتِرَاضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأْمُرْ الْمُحْرِمَ الْحَيَّ بِكَشْفِ وَجْهِهِ, وَأَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ, فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ عليه السلام, {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.
وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ لاَ يُفَرِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ وَجَدُوا ذَلِكَ أَمْ فِي أَيِّ دَلِيلِ عَقْلٍ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ قَائِلِينَ بِهَذَا نَفْسِهِ, فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ, وَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم هَذَا: خُصُوصٌ لِذَلِكَ الْمُحْرِمِ.
فَقُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ مِنْكُمْ; لإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ إذْ سُئِلَ عَنْهُ, كَمَا أَفْتَى فِي الْمُسْتَحَاضَةِ, وَكَمَا أَفْتَى أُمَّ سَلَمَةَ فِي أَنْ لاَ تَحِلَّ ضَفْرَ رَأْسِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ

(5/150)


وَسَائِرِ مَا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ عليه السلام فَأَفْتَى فِيهِ فَكَانَ عُمُومًا.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا" "وَيُلَبِّي" "وَيُهِلُّ" فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ, وَأَوْقَفُوهُ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ, وَأَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ عليه السلام مِنْ الْبُرِّ, وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ, وَالْمِلْحِ, وَالذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ: فَتَعَدَّوْا بِحُكْمِهَا إلَى مَا لَمْ يَحْكُمْ عليه السلام قَطُّ بِهَذَا الْحُكْمِ فِيهِ فَإِنَّمَا أَوْلَعُوا بِمُخَالَفَةِ الأَوَامِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا.
وقال بعضهم: قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَابْنِ عُمَرَ: تَحْنِيطُ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ, وَتَطْيِيبُهُ, وَتَخْمِيرُ رَأْسِهِ.
قلنا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ, وَغَيْرِهِ خِلاَفُ ذَلِكَ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ, فَمَاتَ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ, فَلَمْ يُغَيِّبْ عُثْمَانُ رَأْسَهُ, وَلَمْ يُمْسِسْهُ طِيبًا, فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا أَبِي قَالَ: تُوُفِّيَ عُبَيْدُ بْنُ يَزِيدَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يُغَيِّبْ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ رَأْسَهُ فِي النَّعْشِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ, يُغْسَلُ رَأْسُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ, وَلاَ يُغَطَّى رَأْسُهُ, وَلاَ يَمَسُّ طِيبًا.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ, وَهُمْ يَدَّعُونَ الإِجْمَاعَ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كَدَعْوَاهُمْ فِي الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ, ثَمَانِينَ, وَغَيْرَ ذَلِكَ.
فإن قيل: قَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ, فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا.
قلنا: وَقَدْ خَالَفَ: عُثْمَانُ, وَعَلِيٌّ, وَالْحَسَنُ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: فِي حَدِّ الْخَمْرِ بَعْدَ عُمَرَ, فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا.
وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ فَالْفَرْضُ عَلَيْنَا رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُمَا.

(5/151)


وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَمِّرُوا وُجُوهَهُمْ, وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ".
وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ لَوْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحْرِمِ أَصْلاً, بَلْ كَانَ يَكُونُ فِي سَائِرِ الْمَوْتَى.
وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ عليه السلام أَصْلاً; لاَِنَّهُ عليه السلام لاَ يَقُولُ إلاَّ الْحَقَّ, وَالْيَهُودُ لاَ تَكْشِفُ وُجُوهَ مَوْتَاهَا. فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ, سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ وَهَمَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا فِي الْمُحْرِمِينَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ; لإِنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الآخَرُ بِلاَ شَكٍّ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ عليه السلام فِي أَمْرٍ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ, وَجَائِزٌ أَنْ يَنْهَى، عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ, ثُمَّ يَأْمُرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ, لاَ تَشَبُّهًا بِهِمْ كَمَا قَالَ عليه السلام فِي قَوْلِ الْيَهُودِيَّةِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ, ثُمَّ أَتَاهُ الْوَحْيُ بِصِحَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ: "إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ, وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ, وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ".
وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً; لاَِنَّهُ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ, وَهَكَذَا نَقُولُ, وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَمَلُ غَيْرِهِ فِيهِ, بَلْ غَيْرُهُ مَأْمُورٌ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مُفْتَرَضَةٍ, مِنْ غُسْلٍ, وَصَلاَةٍ, وَدَفْنٍ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَهَذَا الْعَمَلُ لَيْسَ هُوَ عَمَلُ الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ, إنَّمَا هُوَ عَمَلُ الأَحْيَاءِ فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}.
وَهَذِهِ إحَالَةٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ, وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّ هَذَا مِنْ سَعْيِ الْمَيِّتِ, وَلَكِنَّهُ مِنْ سَعْيِ الأَحْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا أُمِرْنَا بِأَنْ لاَ نُغَسِّلَ الشَّهِيدَ، وَلاَ نُكَفِّنَهُ, وَأَنْ نَدْفِنَهُ فِي ثِيَابِهِ, وَلَيْسَ هُوَ عَمَلُ الشَّهِيدِ، وَلاَ سَعْيُهُ, لَكِنَّهُ عَمَلُنَا فِيهِ وَسَعْيُنَا لاَِنْفُسِنَا الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ.
وَالْقَوْلُ مُتَحَكِّمُونَ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ، وَلاَ مَزِيدَ إلاَّ إنْ كَانُوا يَحُومُونَ حَوْلَ أَنْ يَعْتَرِضُوا

(5/152)


بِهَذَا كُلِّهِ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدً ا" "يُلَبِّي" وَ "يُهِلُّ" فَهَذَا رِدَّةٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام: "إنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي" وَ "يُهِلُّ" وَ "مُلَبِّدًا" وَبَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام: "إنَّ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَثْعَبُ دَمًا, اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ, وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ". وَكُلُّ هَذِهِ فَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ، وَلاَ تُرَدُّ, وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ, فَهَلاَّ قَالُوا: الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَالْمَيِّتُ مُحْرِمًا: كِلاَهُمَا مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى, وَحُكْمُ أَحَدِهِمَا خِلاَفُ حُكْمِ الْمَوْتَى, فَكَذَلِكَ الآخَرُ وَلَكِنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ, وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الشَّبَهَ بَيْنَ الْجِهَادِ, وَالْحَجِّ أَقْرَبُ مِنْ الشَّبَهِ بَيْنَ السَّرِقَةِ, وَالنِّكَاحِ.

(5/153)


و نستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء و إن كانت جنازة كافر
...
591 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ إذَا رَآهَا الْمَرْءُ وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ
حَتَّى تُوضَعَ أَوْ تَخْلُفَهُ, فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَلاَ حَرَجَ.
لمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يَخْلُفَهَا أَوْ تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُفَهُ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ, وَابْنِ جُرَيْجٍ, وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ, كُلِّهِمْ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُسْلِمٌ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا, فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَرَّ بِنَا جِنَازَةٌ, فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُمْنَا بِهِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ: " فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا".
وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو سَعِيدٍ وَيَرَاهُ وَاجِبًا، وَابْنُ عُمَرَ, وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ, وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ

(5/153)


وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ, وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ, وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ, وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ, وَقَتَادَةُ, وَابْنُ سِيرِينَ, وَالنَّخَعِيُّ, وَالشَّعْبِيُّ, وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَعَدَ" يَعْنِي لِلْجِنَازَةِ.
فَكَانَ قُعُودُهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ, وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَسْخًا; لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُ سُنَّةٍ مُتَيَقَّنَةٍ إلاَّ بِيَقِينِ نَسْخٍ, وَالنَّسْخُ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالنَّهْيِ, أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ.
فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: قُمْت إلَى جَنْبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي جِنَازَةٍ, فَقَالَ لِي: حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِيَامِ. ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ" فَهَلاَّ قَطَعْتُمْ بِالنَّسْخِ بِهَذَا الْخَبَرِ.
قلنا: كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ, لَوْلاَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالاَ جَمِيعًا: "مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ". فَهَذَا عَمَلُهُ عليه السلام الْمُدَاوِمُ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ مَا فَارَقَاهُ عليه السلام حَتَّى مَاتَ.فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْجُلُوسِ إبَاحَةٌ وَتَخْفِيفٌ, وَأَمْرَهُ بِالْقِيَامِ وَقِيَامَهُ نَدْبٌ.
وَمِمَّنْ كَانَ يَجْلِسُ: ابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ, وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ.

(5/154)


592 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ الإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ,
وَنَسْتَحِبُّ أَنْ لاَ يَزُولَ عَنْهَا مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ, فَإِنْ انْصَرَفَ قَبْلَ الدَّفْنِ فَلاَ حَرَجَ, وَلاَ مَعْنَى لاِنْتِظَارِ إذْنِ وَلِيِّ الْجِنَازَةِ.
أَمَّا وُجُوبُ الإِسْرَاعِ, فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ, فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ,

(5/154)


وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ، عَنْ رِقَابِكُمْ".
وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَهُشَيْمٍ كِلاَهُمَا، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا لَنَكَادُ نَرْمُلُ بِالْجِنَازَةِ رَمَلاً".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ, فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا صَحِيحًا.
قال أبو محمد: الإِسْرَاعُ بِهَا أَمْرٌ, وَهَذَا الآخَرُ نَدْبٌ, وَفِي إبَاحَتِهِ عليه السلام لِمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ لاَ يَشْهَدَ دَفْنَهَا وَجُعِلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ قِيرَاطُ أَجْرٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ: بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لاِِذْنِ صَاحِبِ الْجِنَازَةِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا صَلَّيْت عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَضَيْت الَّذِي عَلَيْك, فَخَلِّهَا وَأَهْلَهَا, وَكَانَ يَنْصَرِفُ، وَلاَ يَسْتَأْذِنُهُمْ وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ، وَلاَ يَنْتَظِرُ إذْنَهُمْ, يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مَعْمَرٌ. قَالَ مَعْمَرٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ, وَقَتَادَةَ. وَصَحَّ، عَنِ الْقَاسِمِ, وَسَالِمٍ, وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

(5/155)


و يقف الإمام إذا صلى على الجنازة من الرجل قبالة رأسه و من المرأة قبالة و سطها
...
593 - مَسْأَلَةٌ: وَيَقِفُ الإِمَامُ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ قُبَالَةَ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ قُبَالَةَ وَسَطِهَا
قَالَ مَالِكٌ, وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ قُبَالَةَ وَسَطِهِ, وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبِهَا. وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا: يَقِفُ قُبَالَةَ الصَّدْرِ مِنْ كِلَيْهِمَا.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ نَافِعٍ قَالَ: "شَهِدْت جِنَازَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ, فَصَلَّى عَلَيْهَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ, فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ, ثُمَّ قَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ, الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ

(5/155)


فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ, فَقَامَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَجِيزَتِهَا, فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ, هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلاَتِكَ, يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا, وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ: نَعَمْ".
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا, وَفِي آخِرِهِ: فَأَقْبَلَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: احْفَظُوا.
قال أبو محمد: هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ أُصُولَهُمْ; لأَنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ, وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ, وَقَدْ خَالَفُوهُ.
وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ.
وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: يَقِفُ فِي كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْوَسَطِ: حُجَّةً, إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى وُقُوفِ الإِمَامِ مُقَابِلَ وَسَطِ الصَّفِّ خَلْفَهُ, وَهَذَا أَسْخَفُ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ; لإِنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مَأْمُومًا لِلإِمَامِ فَيَقِفُ وَسَطَهُ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَ الصَّدْرِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اتِّخَاذِ النُّعُوشِ, فَيَسْتُرُ الْمَرْأَةَ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا بَاطِلٌ, وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ, وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. ثُمَّ مَعَ كَذِبِهِ بَارِدٌ بَاطِلٌ, لاَِنَّهُ وَإِنْ سَتَرَ عَجِيزَتَهَا، عَنِ النَّاسِ لَمْ يَسْتُرْهَا، عَنْ نَفْسِهِ, وَهُوَ وَالنَّاسُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ.

(5/156)


و لا يحل سب الأموات على القصد بالأذى
...
594 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ سَبُّ الأَمْوَاتِ عَلَى الْقَصْدِ بِالأَذَى,
وَأَمَّا تَحْذِيرٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ مِنْ عَمَلٍ فَاسِدٍ: فَمُبَاحٌ, وَلَعْنُ الْكُفَّارِ مُبَاحٌ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حدثنا آدَم، حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا".
وَقَدْ سَبَّ اللَّهُ تَعَالَى أَبَا لَهَبٍ, وَفِرْعَوْنَ, تَحْذِيرًا مِنْ كُفْرِهِمَا وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وَأَخْبَرَ عليه السلام

(5/156)


أَنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي غَلَّهَا مِدْعَمٌ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا, وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ.

(5/157)


يجب تلقين الميت الذي يموت في ذهنه شهادة الإسلام
...
595 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الَّذِي يَمُوتُ فِي ذِهْنِهِ وَلِسَانُهُ مُنْطَلِقٌ أَوْ غَيْرُ مُنْطَلِقٍ شَهَادَةَ الإِسْلاَمِ,
وَهِيَ "لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ". وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَقِّنُونِي لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَسْرِعُوا بِي إلَى حُفْرَتِي.
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي ذِهْنِهِ فَلاَ يُمْكِنُ تَلْقِينُهُ, لاَِنَّهُ لاَ يَتَلَقَّنُ.
وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ الْكَلاَمَ فَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ, نَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَقَامِ.

(5/157)


596 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ إذَا قَضَى.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ". وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَغْمِيضِ أَعْيُنِ الْمَوْتَى.

(5/157)


يستحب أن يقال المصاب "إنا لله و إنا إليه راجعون اللهم أجرني من مصيبتي و أخلف لي خيرا منها"
...
597 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَابُ "إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا".
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ,

(5/157)


598 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الصَّلاَةَ عَلَى الْمَوْلُودِ يُولَدُ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ
اسْتَهَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَيْسَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَرْضًا مَا لَمْ يَبْلُغْ.
أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا فِعْلُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ.
أَمَّا تَرْكُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَلِما رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَ، هُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا, فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ إنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الصَّلاَةِ, وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهَا, وَقَدْ جَاءَ أَثَرَانِ مُرْسَلاَنِ بِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِ, وَالْمُرْسَلُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا, وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ".
وَبِهَذَا يَأْخُذُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: أَحَقُّ مَنْ صَلَّيْنَا عَلَيْهِ أَطْفَالُنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ إنْ عَمِلَ خَطِيئَةً قَطُّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا

(5/158)


و لا نكره اتباع النساء الجنازة و لا نمنعهن من ذلك
...
599 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ نَكْرَهُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ, وَلاَ نَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ.
جَاءَتْ فِي النَّهْيِ، عَنْ ذَلِكَ آثَارٌ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ, لاَِنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةً, وَأَمَّا، عَنْ مَجْهُولٍ, وَأَمَّا عَمَّنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَأَشْبَهَ مَا فِيهِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "نُهِينَا، عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ, وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا".
وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ; لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَنْ هَذَا النَّاهِي وَلَعَلَّهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ, بَلْ كَانَ يَكُونُ كَرَاهَةً فَقَطْ.
بَلْ قَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً, فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ, وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ, وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ".
وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ.

(5/160)


نستحب زيارة القبور و هو فرض و لو مرة
...
600 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ, وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً،
وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَزُورَ الْمُسْلِمُ قَبْرَ حَمِيمِهِ الْمُشْرِكِ, وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ هُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ, عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

(5/160)


ما يستحب أن يقال عند زيارة القبور
...
601 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِمَنْ حَضَرَ عَلَى الْقُبُورِ أَنْ يَقُولَ:
مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ, فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ, وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ".

(5/161)


نستحب أن يصلى على الميت مائة فصاعدا
...
602 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَصَاعِدًا.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، حدثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ: إلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ". قَالَ: فَحَدَّثْت بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: "يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ" , رَوَاهُ شُرَيْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ, وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قال أبو محمد: الشَّفِيعُ يَكُونُ بَعْدَ الْعِقَابِ, إلاَّ أَنَّهُ مُخَفِّفٌ مَا قَدْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلاَ الشَّفَاعَةُ

(5/161)


إدخال الموتى في المساجد و الصلاة عليهم فيها حسن كله
...
603 - مَسْأَلَةٌ: وَإِدْخَالُ الْمَوْتَى فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ حَسَنٌ كُلُّهُ,
وَأَفْضَلُ مَكَان صُلِّيَ فِيهِ عَلَى الْمَوْتَى فِي دَاخِلَ الْمَسَاجِدِ.وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثنا بَهْزُ، هُوَ ابْنُ أَسَدٍ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، هُوَ ابْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ, فَفَعَلُوا, فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ, وَقَالُوا: مَا كَانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِالْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ, وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إلاَّ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ!؟"
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِم: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ, وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, كِلاَهُمَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ, فَقَالَ: "مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إلاَّ فِي الْمَسْجِدِ".
وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ.

(5/162)


604 - مَسْأَلَةٌ، وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبْسَطَ فِي الْقَبْرِ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "بُسِطَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ".
وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكِيعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, كُلُّهُمْ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُكْسَاهُ الْمَيِّتُ فِي كَفَنِهِ, وَقَدْ تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعَمَلَ فِي دَفْنِ رَسُولِهِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ. وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ, وَفَعَلَهُ خِيَرَةُ أَهْلِ الأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ, لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ, وَهُمْ يَدَعُونَ فِي أَقَلِّ مِنْ هَذَا عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَرَكُوا عَمَلَهُمْ هُنَا, وَفِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ, وَفِي حَدِيثِ صَخْرٍ أَنَّهُ عَمَلُهُمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

(5/164)


حكم تشييع الجنازة أن يكون الركبان خلفها و الماشي حيث شاء
...
605 - مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا, وَأَنْ يَكُونَ الْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ,
عَنْ يَمِينِهَا أَوْ شِمَالِهَا أَوْ أَمَامِهَا أَوْ خَلْفِهَا, وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا خَلْفُهَا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَا آنِفًا فِي بَابِ الصَّلاَةِ عَلَى الطِّفْلِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ, وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا".
وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ".
قال أبو محمد: فَلَفْظُ الاِتِّبَاعِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى التَّالِي, وَلاَ يُسَمَّى الْمُتَقَدِّمُ تَابِعًا, بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ, فَلَوْلاَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا, وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حدثنا أَبِي، حدثنا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حدثنا سُفْيَانُ وَمَنْصُورٌ

(5/164)


من بلع درهما أم دينارا أو لؤلؤة شق بطنه عنها
...
606 – مَسْأَلَةٌ- وَمَنْ بَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً: شُقَّ بَطْنُهُ عَنْهَا,
لِصِحَّةِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ عَيْنِ مَالِهِ, مَا دَامَ عَيْنُ مَالِهِ مُمْكِنًا, لإِنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ". فَلَوْ بَلَعَهُ وَهُوَ حَيٌّ حُبِسَ حَتَّى يَرْمِيَهُ, فَإِنْ رَمَاهُ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ, فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ: ضَمِنَ مَا بَلَعَ، وَلاَ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْحَيِّ, لإِنَّ فِيهِ قَتْلَهُ, وَلاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلاَ يَحِلُّ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ بِلاَ مَعْنًى; لاَِنَّهُ تَعَدٍّ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْتَدُوا}.
فإن قيل: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا".
قلنا: نَعَمْ, وَلَمْ نَكْسِرْ لَهُ عَظْمًا, وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ، عَنْ غَيْرِ كَسْرِ الْعَظْمِ فَلاَ يَذْكُرُ ذَلِكَ وَيَذْكُرُ كَسْرَ الْعَظْمِ, وَلَوْ أَنَّ امْرَأً شَهِدَ عَلَى مَنْ شَقَّ بَطْنَ آخَرَ بِأَنَّهُ كَسَرَ عَظْمَهُ لَكَانَ شَاهِدَ زُورٍ, وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الاِحْتِجَاجِ, وَلِهَذَا الْقِيَاسِ, فَلاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ, وَلاَ الأَرْشَ عَلَى كَاسِرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ فِي عَظْمِ الْحَيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/166)


لو ماتت امرأة حامل و الولد حي يتحرك قد تجاوز ستة أشهر فإنه يشق بطنها طولا و يخرج الولد
...
607 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَالْوَلَدُ حَيٌّ يَتَحَرَّكُ قَدْ تَجَاوَزَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُشَقُّ بَطْنُهَا طُولاً وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ,
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ. وَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِ أَحْمَدَ رحمه الله: تُدْخِلُ

(5/166)


608 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَخَبَّابٍ.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى، عَنْ يُوسُفَ عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} فَلَيْسَ هَذَا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَوْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ, لَكِنْ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنْ لاَ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَوَفَّاهُ إلاَّ مُسْلِمًا, وَهَذَا ظَاهِرُ الآيَةِ الَّذِي لاَ تَزَيُّدَ فِيهِ.

(5/167)


609 - مَسْأَلَةٌ: وَيُحْمَلُ النَّعْشُ كَمَا يَشَاءُ الْحَامِلُ,
إنْ شَاءَ مِنْ أَحَدِ قَوَائِمِهِ, وَإِنْ شَاءَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة: يَحْمِلُهُ مِنْ قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ.
وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الأَرْبَعِ, ثُمَّ تَنَحَّى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَة: حدثنا حُمَيْدٍ، عَنْ مِنْدَلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْت فَابْدَأْ بِالْقَائِمَةِ الَّتِي تَلِي يَدَهُ الْيَمِينَ, ثُمَّ أَطِفْ بِالسَّرِيرِ, وَإِلاَّ فَكُنْ قَرِيبًا مِنْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي أَبَاهُ: مَنْ تَبِعَ

(5/167)


يصلى على الميت الغائب بإمام و جماعة
...
610 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ بِإِمَامٍ وَجَمَاعَةٍ.
قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّجَاشِيِّ رضي الله عنه وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَصَلَّى مَعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ صُفُوفًا, وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ.

(5/169)


و يصلى على كل مسلم بر أو فاجر
...
611 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ, بَرٍّ, أَوْ فَاجِرٍ, مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ, أَوْ فِي حِرَابَةٍ, أَوْ فِي بَغْيٍ,
وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ الإِمَامُ, وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَنَّهُ شَرُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ, إذَا مَاتَ مُسْلِمًا لِعُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" وَالْمُسْلِمُ صَاحِبٌ لَنَا. قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. فَمَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ قَالَ قَوْلاً عَظِيمًا, وَإِنَّ الْفَاسِقَ لاََحْوَجُ إلَى دُعَاءِ إخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْفَاضِلِ الْمَرْحُومِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ عَلَى "مَاعِزٍ".
قلنا: نَعَمْ, وَلَمْ نَقُلْ إنَّ فَرْضًا عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ رُجِمَ, إنَّمَا قلنا: لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَوْتَى, وَلَهُ أَنْ يُتْرَكَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى, وَلاَ فَرْقَ وَقَدْ أَمَرَهُمْ عليه السلام بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَرْجُمْهُ مِمَّنْ رَجَمَهُ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ-

(5/169)


612 - مَسْأَلَةٌ: وَعِيَادَةُ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ
وَلَوْ مَرَّةً عَلَى الْجَارِ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ عِيَادَتُهُ, وَلاَ نَخُصُّ مَرَضًا مِنْ مَرَضٍ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حدثنا مُحَمَّدُ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي, سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ, وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ, وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ, وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ, وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: "عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي".
وَقَدْ "عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ

(5/172)


عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ غُلاَمًا مِنْ الْيَهُودِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ, فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ!", فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ! فَأَسْلَمَ, فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ".
فَعِيَادَةُ الْكَافِرِ فِعْلٌ حَسَنٌ.

(5/173)


613 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَهْرُبَ أَحَدٌ، عَنِ الطَّاعُونِ إذَا وَقَعَ فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهِ
وَمُبَاحٌ لَهُ الْخُرُوجُ لِسَفَرِهِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّاعُونُ، وَلاَ يَحِلُّ الدُّخُولُ إلَى بِلاَدٍ فِيهِ الطَّاعُونُ لِمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ حَتَّى يَزُولَ.
وَالطَّاعُونُ هُوَ الْمَوْتُ الَّذِي كَثُرَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ كَثْرَةً خَارِجَةً، عَنِ الْمَعْهُودِ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ, وَإِذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ".
قال أبو محمد: فَلَمْ يَنْهَ عليه السلام، عَنِ الْخُرُوجِ إلاَّ بِنِيَّةِ الْفِرَارِ مِنْهُ فَقَطْ.
وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، إبَاحَةَ الْفِرَارِ عَنْهُ, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(5/173)


نستحب تأخير الدفن و لو يوما و ليلة ما لم يخف على الميت التغيير
...
614 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الدَّفْنِ وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً, مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغْيِيرُ،
لاَ سِيَّمَا مَنْ تَوَقَّعَ أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاِثْنَيْنِ ضَحْوَةً, وَدُفِنَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الأَرْبِعَاءِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: يُنْتَظَرُ بِالْمَصْعُوقِ ثَلاَثًا.

(5/173)


615 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْيَمِينِ,
وَوَجْهُهُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ, وَرَأْسُهُ وَرِجْلاَهُ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ, وَيَسَارِهَا, عَلَى هَذَا جَرَى عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا, وَهَكَذَا كُلُّ مَقْبَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ.

(5/173)


616 - مَسْأَلَةٌ: وَتَوْجِيهُ الْمَيِّتِ إلَى الْقِبْلَةِ حَسَنٌ,
فَإِنْ لَمْ يُوَجَّهْ فَلاَ حَرَجَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

(5/173)


جائز أن تغسل المرأة زوجها و أم الولد سيدها
...
617 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ تُغَسِّلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا, وَأُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا,
وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلاَدَةِ, مَا لَمْ تُنْكَحَا, فَإِنْ نُكِحَتَا لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا غُسْلُهُ إلاَّ كَالأَجْنَبِيَّاتِ.
وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ, وَأُمَّ وَلَدِهِ, وَأَمَتَهُ, مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ حَرِيمَتَهَا, أَوْ يَسْتَحِلَّ حَرِيمَتَهَا بِالْمِلْكِ, فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ غَسْلُهَا.
وَلَيْسَ لِلأَمَةِ أَنْ تُغَسِّلَ سَيِّدَهَا أَصْلاً, لإِنَّ مِلْكَهَا بِمَوْتِهِ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}: فَسَمَّاهَا زَوْجَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَهِيَ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ امْرَأَتُهُ فِي الْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ, وَأَمَتُهُ, وَكَانَ حَلاَلاً لَهُ رُؤْيَةُ أَبْدَانِهِنَّ فِي الْحَيَاةِ وَتَقْبِيلُهُنَّ وَمَسُّهُنَّ, فَكُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى التَّحْلِيلِ فَمَنْ ادَّعَى تَحْرِيمَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَقَوْلٌ بَاطِلٍ إلاَّ بِنَصٍّ, وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ.
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَ حَرِيمَتَهَا, أَوْ تَمَلَّكَهَا, أَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ: فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الاِطِّلاَعُ عَلَى بَدَنَيْهِمَا مَعًا, لاَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّلَذُّذُ بِرُؤْيَةِ بَدَنِ رَجُلَيْنِ مَعًا.
وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة: تُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا; لاَِنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ, وَلاَ يُغَسِّلُهَا هُوَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيِّ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِغُسْلِ امْرَأَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: إنِّي لاَُغَسِّلُ نِسَائِي, وَأَحُولُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِنَّ وَبَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ.

(5/174)


لو مات رجل بين نساء لا رجل معهن أو مات امرأة بين رجال لا نساء معهن غسل النساء الرجل و الرجال المرأة على ثوب كثيف
...
618 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ, أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ لاَ نِسَاءَ مَعَهُمْ: غَسَّلَ النِّسَاءُ الرَّجُلَ وَغَسَّلَ الرِّجَالُ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ كَثِيفٍ,
يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ دُونَ مُبَاشَرَةِ الْيَدِ, لإِنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا, وَهُوَ مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ مُبَاشَرَةٍ, فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ, وَلاَ كَرَاهَةَ فِي صَبِّ الْمَاءِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْغُسْلِ إلاَّ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ..
وَرُوِّينَا أَثَرًا فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُيَمَّمَانِ" وَهَذَا مُرْسَلٌ, وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ, فَهُوَ سَاقِطٌ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, وَقَتَادَةَ قَالاَ جَمِيعًا: تُغَسَّلُ وَعَلَيْهَا الثِّيَابُ, يَعْنِيَانِ فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ لاَ امْرَأَةَ مَعَهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ, وَزِيَادٍ الأَعْلَمِ, وَالْحَجَّاجِ: قَالَ حُمَيْدٍ, وَزِيَادٌ: عَنِ الْحَسَنِ, وَقَالَ الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ: أَنَّهَا يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا تُيَمَّمُ: فَرُّوا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ خَلْفَ ثَوْبٍ وَأَبَاحُوهَا عَلَى الْبَشَرَةِ وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/176)


619 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تُرْفَعُ الْيَدَانِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ;
لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِيمَا عَدَا ذَلِكَ نَصٌّ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا هَذَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ, وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفْعُ الأَيْدِي لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ, وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَرْفَعَهَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ قِيَاسًا عَلَى التَّكْبِيرَةِ الآُولَى

(5/176)


إن كانت أظفار الميت وافرة أو شاربه وافية أو عانته أخذ كل ذلك
...
620 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ أَظْفَارُ الْمَيِّتِ وَافِرَةً, أَوْ شَارِبُهُ وَافِيًا, أَوْ عَانَتُهُ: أَخَذَ كُلَّ ذَلِكَ;
لإِنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ وَصَحَّ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْفِطْرَةِ, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجَهَّزَ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَلَقَ عَانَةَ مَيِّتٍ.
وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،, وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: فِي شَعْرِ عَانَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ وَافِرًا, قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فَإِنْ كَانَ أَقْلَفَ أَيُخْتَنُ؟
قلنا: نَعَمْ, فَكَانَ مَاذَا وَالْخِتَانُ مِنْ الْفِطْرَةِ.
فإن قيل: فَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ أَنْ يُطَهَّرَ لِلْجَنَابَةِ إنْ مَاتَ مُجْنِبًا, وَلاَ لِلْحَيْضِ إنْ مَاتَتْ حَائِضًا, وَلاَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, فَمَا الْفَرْقُ؟
قلنا: الْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الأَغْسَالَ مَأْمُورٌ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ, وَلاَ تَلْزَمُ مَنْ لاَ يُخَاطَبُ: كَالْمَجْنُونِ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ, وَالصَّغِيرِ. وَقَدْ سَقَطَ الْخِطَابُ، عَنِ الْمَيِّتِ.
وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ, وَحَلْقُ الْعَانَةِ, وَالإِبْطِ, وَالْخِتَانِ: فَالنَّصُّ جَاءَنَا بِأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ, وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهَا الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ, بَلْ الْكُلُّ مَأْمُورُونَ بِهَا, فَيَعْمَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمَجْنُونِ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ, وَالصَّغِيرِ.

(5/177)


621 - مَسْأَلَةٌ: وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ كَيْفَ أَمْكَنَ,
إمَّا مِنْ الْقِبْلَةِ, أَوْ مِنْ دُبُرِ الْقِبْلَةِ

(5/177)


أَوْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ, إذْ لاَ نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَزِيدَ بْنَ الْمُكَفَّفِ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ.
وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ.
وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَارِثَ الْخَارِفِيَّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ.
وَرَوَى قَوْمٌ مُرْسَلاَتٍ لاَ تَصِحُّ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, وَأَبِي الزِّنَادِ, وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ.
وَكُلُّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ تَقُمْ بِهِ حُجَّةٌ فِي الْوُجُوبِ, فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِمَّا سِوَاهُ.

(5/178)


622 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّزَاحُمُ عَلَى النَّعْشِ,
لاَِنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ, وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّفْقِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ".
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّحَامَ عَلَى السَّرِيرِ, وَكَانَ إذَا رَآهُمْ يَزْدَحِمُونَ قَالَ: أُولَئِكَ الشَّيَاطِينُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ:، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْت جِنَازَةً فِيهَا أَبُو السِّوَارِ هُوَ حُرَيْثُ بْنُ حَسَّانَ الْعَدَوِيُّ فَازْدَحَمُوا عَلَى السَّرِيرِ, فَقَالَ أَبُو السِّوَارِ: أَتَرَوْنَ هَؤُلاَءِ أَفْضَلَ أَوْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا رَأَى مَحْمَلاً حَمَلَ, وَإِلاَّ اعْتَزَلَ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا.

(5/178)


623 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَبَّرَ سَاعَةَ يَأْتِي,
وَلاَ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الإِمَامِ, فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَتَمَّ هُوَ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ, يَدْعُو بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ الإِمَامِ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ أَتَى إلَى الصَّلاَةِ "أَنْ يُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ وَيُتِمَّ مَا فَاتَهُ", وَهَذِهِ صَلاَةٌ, وَمَا عَدَا هَذَا فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ, لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(5/179)