المحلى بالآثار شرح المجلى بالإختصار

كتاب الاجارات والاجراء
الإجارة جائزة في كل شيء له منفعة فيؤاجر لينتفع به ولا يستهلك عينه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الإِجَارَاتِ وَالأُُجَرَاءِ
1285 - مَسْأَلَةٌ - الإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ مَنْفَعَةٌ فَيُؤَاجِرُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ،
وَلاَ يَسْتَهْلِكَ عَيْنَهُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ يَقُولُ: زَعَمَ ثَابِتٌ، هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهَا ".
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ مِنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الإِجَارَاتِ آثَارٌ، وَبِإِبَاحَتِهَا يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلاَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُلَيَّةَ قَالَ: لاَ تَجُوزُ لأََنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
قال علي: هذا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ أُرَْقِطٍ دَلِيلاً إلَى مَكَّةَ.

(8/182)


1286 - مَسْأَلَةٌ - وَالإِجَارَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا،
وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ كَالْحُرِّ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَتْ إجَارَةُ الْحُرِّ، وَالْقَائِلُونَ إنَّهَا بَيْعٌ يُجِيزُونَ إجَارَةَ الْحُرِّ فَتَنَاقَضُوا. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ الأَنْتِفَاعُ بِمَنَافِعِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ.

(8/183)


لا يجوز إجارة ما تلف عينه أصلا
...
1287 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ إجَارَةُ مَا تُتْلَفُ عَيْنُهُ أَصْلاً،
مِثْلَ الشَّمْعِ لِلْوَقِيدِ، وَالطَّعَامِ لِلأَكْلِ، وَالْمَاءِ لِلسَّقْيِ بِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لأََنَّ هَذَا بَيْعٌ لاَ إجَارَةٌ، وَالْبَيْعُ هُوَ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ، وَالإِجَارَةُ لاَ تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ.

(8/183)


من الإجارات مالا بد فيه من ذكر العمل الذي يستأجر عليه فقط ولا يذكر فيه مدة
...
1288 - مَسْأَلَةٌ - وَمِنْ الإِجَارَاتِ مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ فَقَطْ،
وَلاَ يُذْكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ كَالْخِيَاطَةِ وَالنَّسْجِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان مُسَمًّى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ الأَمْرَيْنِ مَعًا كَالْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، لأََنَّ الإِجَارَةَ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرْنَا مَجْهُولَةٌ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً فَهِيَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَالإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ جَائِزَةٌ، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤَاجَرَةِ.

(8/183)


1289 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ سَيِّدِهِ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ،
وليستعملهما فِيمَا يُحْسِنَانِهِ وَيُطِيقَانِهِ بِلاَ إضْرَارٍ بِهِمَا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: "اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ [كُفَّار]ِ قُرَيْشٍ وَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ".

(8/183)


1290 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الأُُجْرَةِ، وَلاَ تَعْجِيلِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلاَ اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِهَا إلَى أَجَلٍ، وَلاَ تَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا كَذَلِكَ.
وَلاَ يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلاَ تَأْخِيرِ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمِنْ هَذَا اسْتِئْجَارُ دَارٍ مُكْتَرَاةٍ، أَوْ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ دَابَّةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ عَمَلٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الإِجَارَةِ الَّتِي هُوَ مَشْغُولٌ فِيهَا، لأََنَّ فِي الْعَقْدِ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ قَبْضَةِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ. وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ النَّاسِ إجَارَةَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِالْيَوْمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَكْثَرُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَدَعْوَى بَاطِلٍ بِلاَ بُرْهَانٍ،

(8/183)


موت الأجير أو موت المستأجر أو عتق العبد المستأجر يبطل عقد الإجارة فيما بقي من المدة وينفذ العتق
...
1291 - مَسْأَلَةٌ - وَمَوْتُ الأَجِيرِ، أَوْ مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ هَلاَكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الدَّارِ، أَوْ الْعَبْدِ، أَوْ الدَّابَّةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ خُرُوجُهُ، عَنْ مِلْكِ مُؤَاجِرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَقْدَ الإِجَارَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ خَاصَّةً قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ، وَالإِخْرَاجُ، عَنِ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ وَالإِصْدَاقِ، وَالصَّدَقَةِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَاجِرُ فَقَدْ صَارَ مِلْكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمَنَافِعُ إنَّمَا تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الأَنْتِفَاعُ بِمَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ مَنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ جِهَارًا، وَلاَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَقْدُ مَيِّتٍ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ، عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَوْ أَنَّهُ آجَرَ مَنَافِعَ حَادِثَةً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلاً بِلاَ خِلاَفٍ وَهَذَا هُوَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ.
وَأَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ: فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ صَاحِبِ الشَّيْءِ مَعَهُ لاَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَلاَ حَقَّ لَهُ عِنْدَ الْوَرَثَةِ، وَلاَ عَقْدَ لَهُ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرِثُ الْوَرَثَةُ مَنَافِعَ لَهُمْ تُخْلَقُ بَعْدُ، وَلاَ مَلَكَهَا مُوَرِّثُهُمْ قَطُّ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ: تُنْتَقَضُ الإِجَارَةِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لاَ تُنْتَقَضُ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا: لاَ تُنْتَقَضُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِهِمَا، وَلاَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. وَأَقْصَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَنْ قَالُوا: عَقْدُ الإِجَارَةِ قَدْ صَحَّ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَضَ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ. قلنا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْبُرْهَانِ. وَقَالُوا: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الأَحْبَاسِ قلنا:

(8/184)


رَقَبَةُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ لاَ مَالَك لَهَا إِلاَّ اللَّهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمَنَافِعُ فَقَطْ، فَلاَ تُنْتَقَضُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ، وَلاَ بِوِلاَدَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ، لَكِنْ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ اُنْتُقِضَتْ الإِجَارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَهُ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ غَيْرُهُ، إذْ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ، وَمَلَّكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِلاَ شَكٍّ فَقَدْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْمٌ وَمِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ وَالْمُسَاقَاةُ بَاقِيَةٌ. قلنا: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ حَقٌّ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ:
أَوَّلُهَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ، بَلْ كَانَ مُجْمَلاً يُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا، وَيُقِرُّونَهُمْ مَا شَاءُوا، كَمَا نَذْكُرُهُ فِي "الْمُسَاقَاةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَتْ الإِجَارَةُ هَكَذَا.
وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا تَجْدِيدُ عَقْدِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَامِلِهِ النَّاظِرِ عَلَى تِلْكَ الأَمْوَالِ مَعَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْيَهُودِ، وَوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَأْتِ أَيْضًا، وَلاَ نُقِلَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْعَقْدِ الأَوَّلِ، عَنْ تَجْدِيدِ آخَرَ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلاَ لَنَا، بَلْ لاَ شَكَّ فِي صِحَّةِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرٍ لاَ يَقُولُونَ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا مَعْكُوسٌ.
وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي "الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ" وَكَلاَمُنَا هَهُنَا فِي الإِجَارَةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ بَيْنَهُمَا، فَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَلاَ يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ أَصْلاً، قِيَاسًا عَلَى الإِجَارَةِ، وَلاَ يَرَيَانِ لِلْمُسَاقَاةِ حُكْمَ الإِجَارَةِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لاَ يَقِيسُوا الإِجَارَةَ عَلَيْهِمَا وَهُمْ أَهْلُ الْقِيَاسِ ثُمَّ يُلْزَمُونَنَا أَنْ نَقِيسَهَا عَلَيْهِمَا وَنَحْنُ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْعِتْقُ، وَالإِصْدَاقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَيَقُولُ {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} . وَيَقُولُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . وَحَضَّ عَلَى الْعِتْقِ، فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَكُلُّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ، فَإِذَا نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ، إذْ لاَ حُكْمَ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنَافِعُ حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِ مُؤَاجِرِهِ، وَخِدْمَةُ حُرٍّ لَمْ يُعَاقِدْهُ قَطُّ، لأََنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، لأََنَّهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ مَالِكِهَا، وَبِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ الْحُرِّ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَهَذَا عَقْدٌ لاَزِمٌ حَقٌّ. قلنا: نَعَمْ، هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ فِي مَالِهِ لاَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالُوا: إخْرَاجُهُ لِلشَّيْءِ الَّذِي آجَرَ مِنْ مِلْكِهِ إبْطَالٌ لِلْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِهِ. قلنا: وَقَوْلُكُمْ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا أَصْلاً إمَّا أَنْ تَمْنَعُوهُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ

(8/185)


مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِسَبَبِ عَقْدِ الإِجَارَةِ. وَأَمَّا أَنْ تُبِيحُوا لَهُ إخْرَاجَهُ، عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا، عَنْ مِلْكِهِ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ إخْرَاجَهُ، عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا، عَنْ مِلْكِهِ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَرَّمْتُمْ مَا أَحَلَّ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ". فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرْطَهُمَا فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ لاَ يَمْنَعُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالإِصْدَاقِ، وَأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ أَحَقُّ مِنْ شَرْطِهِمَا فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ وَأَوْثَقُ، وَمُتَقَدِّمٌ لَهُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ عَقْدُهُمَا الإِجَارَةَ عَلَى جَوَازِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لاَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ نُجِيزُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَيَبْقَى عَقْدُ الإِجَارَةِ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ. قلنا: خَالَفْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَأَوْجَبْتُمْ أَنْ تَكْسِبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَخَالَفْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " فَأَبَحْتُمْ لِلْمُسْتَأْجَرِ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَبَحْتُمْ لَهُ مَالَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ قَطُّ فِيهِ عَقْدًا، وَمَنَعْتُمْ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ وَهَذَا حَرَامٌ، وَأَوْجَبْتُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ إجَارَةً عَلَى مَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مَالٍ غَيْرِهِ، وَعَنْ خِدْمَةِ حُرٍّ لاَ مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ ; وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَكْلُ إجَارَةِ مَالٍ حَرَامٍ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ دَفَعَ غُلاَمَهُ إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَرْطِهِ، قَالَ: يَرُدُّ عَلَى مُعَلِّمِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَجَّرَ غُلاَمَهُ سَنَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ حَمَّادٌ: لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ إِلاَّ مِنْ مَضَرَّةٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الْبَيْعُ يَقْطَعُ الإِجَارَةَ. قَالَ أَيُّوبُ لاَ يَقْطَعُهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ، عَنِ الْبَيْعِ أَيَقْطَعُ الإِجَارَةَ قَالَ نَعَمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَوْتُ وَالْبَيْعُ يَقْطَعَانِ الإِجَارَةَ.
قال أبو محمد: وقال مالك وَأَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالإِجَارَةِ فَالْبَيْع صَحِيحٌ وَلاَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ

(8/186)


نَافِذٌ وَالْهِبَةُ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ إبْقَاءُ الْخِدْمَةِ، وَتَكُونُ الأُُجْرَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُعْتِقِ وَالْوَاهِبِ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَتَكُونُ الإِجَارَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ رَدُّهُ، لأََنَّهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ الأَنْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَى وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وقال أبو حنيفة قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ نَقْضَ الْبَيْعِ. وَالآخَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَرْضَى بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَالصَّبْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الإِجَارَةِ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ.
قال أبو محمد: هَذَانِ قَوْلاَنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ، لاَ يَعْضُدُهُمَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا جَعَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، أَتَرَوْنَهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا فِي رَدِّ الْمُعْتَقِ أَوْ إمْضَائِهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ أَوَ يَتَنَاقَضُونَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجِرِ، عَنْ مِلْكِ الْمُؤَاجِرِ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُعْتَقِ، وَعَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْمِلْكُ: بَقَاءَ الإِجَارَةِ، لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ.

(8/187)


تنفسخ الإجارة إذا اضطر المستأجر إلى الرحيل عن البلد أو اضطر المؤاجر إلى ذلك
...
1292 - مَسْأَلَةٌ - وَكَذَلِكَ إنْ اضْطَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى الرَّحِيلِ، عَنِ الْبَلَدِ، أَوْ اضْطَرَّ الْمُؤَاجِرُ إلَى ذَلِكَ،
فَإِنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ فِي بَقَائِهَا ضَرَرٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَمَرَضٍ مَانِعٍ أَوْ خَوْفٍ مَانِعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَقَضَى حَاجَتَهُ دُونَ ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَ: لَهُ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ. قَالَ قَتَادَةَ: إذَا حَدَثَ نَازِلَةٌ يُعْذَرُ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْكِرَاءُ.

(8/187)


وكذلك تنفسخ الاجارة بهلاك الشيء المستأجر
...
1293 - مَسْأَلَةٌ - وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ فَإِنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ
وَوَافَقَنَا عَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِهَذَا أَيْضًا، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ إلَى أَجَلِهَا، الأُُجْرَةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لِلْمُؤَاجِرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.

(8/187)


1294 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَى مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ،
إذَا كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ بَقَاءُ أَحَدِهِمْ إلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَكَانَ مَفْسُوخًا أَبَدًا.بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ وَاجِبٌ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لاَ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ مَا وَبَيْنَ مَا أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا; وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّهُ فَرَّقَ بِلاَ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلاً، وَلاَ قَوْلِ تَابِعٍ نَعْلَمُهُ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَالْمَخَاوِفُ لاَ تُؤْمَنُ فِي قَصِيرِ الْمُدَدِ كَمَا لاَ تُؤْمَنُ فِي طَوِيلِهَا. وَأَمَّا إنْ عُقِدَتْ الإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُخْتَرَمَ أَحَدُهُمَا دُونَهَا، أَوْ لاَ بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ دُونَهَا، فَهُوَ شَرْطٌ مُتَيَقَّنُ الْفَسَادِ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّهُ إمَّا عَقْدٌ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَأَمَّا عَقْدٌ فِي مَعْدُومٍ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى الإِجَارَةَ لاَ تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، أَوْ لاَ تُنْتَقَضُ بِهَلاَكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي ثَوْرٍ، أَنْ يُجِيزَ عَقْدَ الإِجَارَةِ فِي الأَرْضِ وَغَيْرِهَا إلَى أَلْفِ عَامٍ، وَإِلَى عَشَرَةِ آلاَفِ عَامٍ، وَأَكْثَرَ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالإِجَارَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ

(8/188)


بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ[رضي الله عنه] قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمِثْلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

(8/189)


يجوز استئجار المرأة ذات اللبن لارضاع الصغير مدة مسماة
...
1295 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لأَِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .

(8/189)


لا يجوز استئجار شاة أو بقرة أو غير ذلك للحلب أصلا
...
1296 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لاَ وَاحِدَةٍ، وَلاَ أَكْثَرَ لِلْحَلْبِ أَصْلاً;
لأََنَّ الإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً، لاَ فِي تَمَلُّكِ الأَعْيَانِ، وَهَذَا تَمَلُّكُ اللَّبَنِ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، فَهُوَ بَيْعٌ لاَ إجَارَةٌ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُرَ قَطُّ، وَلاَ تُعْرَفُ صِفَتُهُ بَاطِلٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ إجَارَةَ الشَّاةِ، وَلاَ الشَّاتَيْنِ لِلْحَلْبِ، وَأَجَازَ إجَارَةَ الْقَطِيعِ مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ لِلْحَلْبِ وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرَةِ لِلْحَرْثِ، وَاشْتِرَاطَ لَبَنِهَا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ وَتَنَاقُضٌ ; لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِحَدٍّ بَيْنَ مَا حُرِّمَ وَمَا حُلِّلَ، فَمَزَجَ الْحَرَامَ بِالْحَلاَلِ بِغَيْرِ بَيَانٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى
وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَّلَ وَحَرَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ إنْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَالسُّكُوتُ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ غَيْرُهُ. ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْبَقَرِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَكَذَلِكَ أَجَازَ كِرَاءً تَكُونُ فِيهَا الشَّجَرَةُ أَوْ النَّخْلَةُ وَاسْتِثْنَاءَ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا حِينَ الإِجَارَةِ ثَمَرَةٌ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا فَلاَ يَجُوزُ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَئِنْ كَانَ الْكَثِيرُ مِمَّا ذَكَرْنَا حَلاَلاً فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَلاَلِ حَلاَلٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى الْحَنِيفِيِّينَ إذَا أَبَاحُوا الْقَلِيلَ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ كِرَاءُ الطَّعَامِ لِيُؤْكَلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا أَبَاحُوهُ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ فِيهَا لِتُؤْكَلَ، وَبَيْنَ كِرَاءِ الْغَنَمِ لِتَحْلُبَ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ. قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلاً لأََنَّ أَصَحَّ الْقِيَاسِ هَهُنَا: أَنْ يُقَاسَ اسْتِئْجَارُ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْحَلْبِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ الْوَاحِدَةِ

(8/189)


لا يجوز إجارة الأرض أصلا لا للحرث فيها ولا للغرس
...
1297 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ إجَارَةُ الأَرْضِ أَصْلاً، لاَ لِلْحَرْثِ فِيهَا، وَلاَ لَلْغَرْسِ فِيهَا،
وَلاَ لِلْبِنَاءِ فِيهَا، وَلاَ لِشَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ أَصْلاً، لاَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ قَصِيرَةٍ، وَلاَ طَوِيلَةٍ، وَلاَ لِغَيْرٍ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، لاَ بِدَنَانِيرَ وَلاَ بِدَرَاهِمَ، وَلاَ بِشَيْءٍ أَصْلاً فَمَتَى وَقَعَ فَسْخٌ أَبَدًا. وَلاَ يَجُوزُ فِي الأَرْضِ إِلاَّ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ الْمُغَارَسَةُ كَذَلِكَ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا بِنَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَازَ اسْتِئْجَارُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَتَكُونُ الأَرْضُ تَبَعًا لِذَلِكَ الْبِنَاءِ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِي الإِجَارَةِ أَصْلاً.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي ثَنِيّ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ: سَمِعْت عَمِّي وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ [أَهْلَ الدَّارِ]: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ".
قال أبو محمد: أَهْلُ بَدْرٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِيكُمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خِيَارُنَا قَالَ: كَذَلِكَ هُمْ عِنْدَنَا ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ الْمَنْعَ مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَعِنْدَ ذِكْرِنَا "لِلْمُزَارَعَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَتَقَصَّى مَا شَغَبَ بِهِ مَنْ أَبَاحَ كِرَاءَ الأَرْضِ وَنَقَضَ كُلَّ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.

(8/190)


لا يجوز استئجار دار ولا عبد ولا دابة ولا شيء أصلا ليوم غير معين ولا شهر كذلك
...
1298 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ دَارٍ، وَلاَ عَبْدٍ، وَلاَ دَابَّةٍ، وَلاَ شَيْءٍ أَصْلاً لِيَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ،
وَلاَ لِشَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَغَلاَ لِعَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ; لأََنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَقَّهُ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/190)


1299 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَا عَمِلَ الأَجِيرُ شَيْئًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ
فَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ حَتَّى يُتِمَّ عَمَلَهُ أَوْ يُتِمَّ

(8/190)


1300 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ الأَسْتِئْجَارُ بِكُلِّ مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ
كَالْكَلْبِ، وَالْهِرِّ، وَالْمَاءِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَيْبَسْ فَيَسْتَأْجِرُ الدَّارَ بِكَلْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ كَلْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَبِثَمَرَةٍ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، وَبِمَاءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنٍ مُحَرَّزٍ، أَوْ بِهِرٍّ كَذَلِكَ; لأََنَّ الإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَإِنَّمَا نُهِيَ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ، عَنِ الْبَيْعِ وَقِيَاسُ الإِجَارَةِ عَلَى الْبَيْعِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، فَكَيْفَ وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لأََنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ، وَتَحْرِيمِهِمْ لِبَيْعِهِ، وَلأََنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لِلأَعْيَانِ بِالنَّقْلِ لَهَا، عَنْ مِلْكٍ آخَرَ، وَالإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

(8/191)


الاجارة الفاسدة إن أدركت فسخت كلها أو ما أدرك منها
...
1301 - مَسْأَلَةٌ - وَالإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إنْ أُدْرِكَتْ فُسِخَتْ، أَوْ مَا أُدْرِكَ مِنْهَا،
فَإِنْ فَاتَتْ أَوْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهَا قُضِيَ فِيهَا أَوْ فِيمَا فَاتَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} فَمَنْ اسْتَغَلَّ مَالَ غَيْرٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ حُرْمَةٌ انْتَهَكَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاصَّ بِمِثْلِهِ مِنْ مَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/191)


لا تجوز الاجارة على الصلاة والأذان
...
1302 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الصَّلاَةِ، وَلاَ عَلَى الأَذَانِ،
لَكِنْ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُمَا الإِمَامُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُمْ عِنْد حُلُولِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ فَقَطْ مُدَّةً مُسَمَّاةً، فَإِذَا حَضَرَ تَعَيَّنَ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهِمَا. وَكَذَلِكَ لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ وَاجِبٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ صَوْمٍ، أَوْ صَلاَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ فَتِيًّا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَصْلاً; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ; لأََنَّ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهَا، وَالْمَعْصِيَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا فَأَخْذُ الأُُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لاَ وَجْهَ لَهُ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ تَطَوُّعُ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ لاَ يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ أَخْذِ مَالٍ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا.

(8/191)


1303 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ الأُُجْرَةَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ
مِثْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ التَّطَوُّعَ، أَوْ يُصَلِّي عَنْهُ التَّطَوُّعَ أَوْ يُؤَذِّنَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ أَوْ يَصُومَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَلاَ عَلَيْهِمَا فَالْعَامِلُ يَعْمَلُهُ عَنْ غَيْرِهِ لاَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُطِعْ وَلاَ عَصَى وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ تَطَوُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَهُ أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ بِمَالِهِ.

(8/192)


1304 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ فِي أَدَاءِ فَرْضٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ، عَنْ عَاجِزٍ، أَوْ مَيِّتٍ.
لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " " وَكِتَابِ الصِّيَامِ " مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ وَجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ، عَنْ غَيْرِهِ فَالأَسْتِئْجَارُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤَاجَرَةِ. وَأَمَّا الصَّلاَةُ الْمَنْسِيَّةُ، وَالْمَنُومُ عَنْهَا; وَالْمَنْذُورَةُ فَهِيَ لاَزِمَةٌ لِلْمَرْءِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ فَهَذِهِ تُؤَدَّى، عَنِ الْمَيِّتِ، فَالإِجَارَةُ فِي أَدَائِهَا عَنْهُ جَائِزَةٌ ; وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ تَرْكَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا، إذْ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهَا، إذْ قَدْ فَاتَتْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مَا لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِأَدَائِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/192)


لا تجوز الاجارة على النوح ولا على الكهانة
...
1305- مَسْأَلَةٌ – ولاتجوز الاجارة على النوح ولاعلى الكهانة
لانهما معصيتان منهى عنهما لايحل فعلهما ولا العون عليهما فالاجارة على ذلك. أو العطاء عليه معصية. وتعاون على الاثم والعدوان.

(8/192)


1306 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الْحِجَامَةِ وَلَكِنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ طِيبِ النَّفْسِ وَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ،
فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا قُدِّرَ عَمَلُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأُعْطِي مَا يُسَاوِي. وَكَذَلِكَ لاَ تَحِلُّ الإِجَارَةُ عَلَى إنْزَاءِ الْفَحْلِ أَصْلاً، لاَ نَزْوَةً، وَلاَ نَزَوَاتٍ مَعْلُومَةً، فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ إلَى أَنْ تَحْمِلَ الأُُنْثَى كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ وَأَكْلِ السُّحْتِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ ".
وَرُوِّينَا النَّهْيَ، عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ شَوْذَبٍ أَبِي مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ لِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: لاَ يَحِلُّ عَسْبُ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " أَرْبَعٌ مِنْ السُّحْتِ، ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغْيِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ". وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ تُعْطِهِ عَلَى طِرَاقِ الْفَحْلِ أَجْرًا

(8/192)


1307 - مَسْأَلَةٌ: وَالإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً،
وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَعَلَى الرَّقْيِ، وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ، وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي النَّهْيِ، عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ الإِبَاحَةُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ [هُوَ صَدُوقٌ] يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ

(8/193)


صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إنَّ فِي [الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا] فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا [حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ] فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ . وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ " أَيْ لِيُعَلِّمَهَا إيَّاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لاَ تَجُوزُ الأُُجْرَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، هُوَ ابْنُ وَرْقَاءَ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ الشَّامِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَاسٌ يُقْرِئُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدُهُمْ قَوْسًا يَتَسَلَّحُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَتُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا فِي عُنُقِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ [الرُّؤَاسِيِّ]، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ قَاضِي الأُُرْدُنِّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِصَّةُ الْقَوْسِ وَأَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ زَيْتُونٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْقَوْسِ مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ زِيَادَةٌ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ. قَالَ: " أَمَّا طَعَامٌ صُنِعَ لِغَيْرِكَ فَحَضَرْتَهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَهُ وَأَمَّا مَا صُنِعَ لَكَ فَإِنْ أَكَلْتَهُ فَإِنَّمَا تَأْكُلُهُ بِخِلاَفِكَ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرٍ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ غَدَّاهُ رَجُلٌ كَانَ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنْ كَانَ شَيْءٌ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَعَامِهِ وَطَعَامِ أَهْلِهِ فَلاَ بَأْسَ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِبْلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ

(8/194)


صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَلاَ تَعْلُوا عَنْهُ، وَلاَ تَجْفُوا فِيهِ، وَلاَ تَأْكُلُوا بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْبِرُوا بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ . وَرُوِّينَاهُ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ هَذَا، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْسٍ أَهْدَاهَا إنْسَانٌ إلَى مَنْ كَانَ يُقْرِئُهُ أَتُرِيدُ أَنْ تُعَلِّقَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ ". وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُ الأَمِيرُ مَالاً لِقِيَامِهِ بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ فَأَبَى وَقَالَ: إنَّا لاَ نَأْخُذُ لِلْقُرْآنِ أَجْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَتَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ بِالأَرْشِ وَيُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعَلِّمُ وَأَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ: إنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَعْطَى قَوْمًا قَرَءُوا الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَلْحَقْته عَلَى أَلْفَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ أَوَ يُعْطَى عَلَى كِتَابِ اللَّه ثَمَنًا. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَشُرَيْحٍ: لاَ تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ بِلاَلِ بْنِ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنٍ مُعَلِّمٍ كِتَابَ اللَّهِ: إنِّي لاََبْغَضُك فِي اللَّهِ لأََنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك وَتَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا. وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ الأُُجْرَةَ عَلَى كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنْ سَعْدٍ، وَعَمَّارٍ الآنَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ ثَلاَثَةُ مُعَلِّمِينَ يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ كُلَّ شَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ مُعَلِّمٌ عِنْدَهُ مِنْ أَبْنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْفِخَامِ فَكَانُوا يَعْرِفُونَ حَقَّهُ فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ.
قال أبو محمد: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، وَأَخَذَ عَنْهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو قَتَادَةَ فَمَنْ دُونَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ إبَاحَةَ أَجْرِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَأَجَازَ الْحَسَنُ، وَعَلْقَمَةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الأُُجْرَةَ عَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ.
قال أبو محمد: أَمَّا الأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي إدْرِيسَ الْفُلاَنِيِّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَمُنْقَطِعٌ، لاَ يُعْرَفُ لأََبِي إدْرِيسَ سَمَاعٌ مَعَ أُبَيٍّ. وَالآخَرُ

(8/195)


أَيْضًا مُنْقَطِعٌ; لأََنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَحَدُ طُرُقِهِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُ: وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ; ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ أَبُو رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ كُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ; لأََنَّهَا كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِيمَا أُعْطِيَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَلاَ مُشَارَطَةٍ، وَهُمْ يُجِيزُونَ هَذَا الْوَجْهَ فَمَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا مَنَعُوا وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهَا فَبَطَلَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم قَدْ اخْتَلَفُوا، فَبَقِيَ الأَثَرَانِ الصَّحِيحَانِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اللَّذَانِ أَوْرَدْنَا لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/196)


1308- مَسْأَلَةٌ - وَالإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى التِّجَارَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً فِي مَالٍ مُسَمًّى
أَوْ هَكَذَا جُمْلَةً كَالْخِدْمَةِ.وَالْوَكَالَةِ. وَعَلَى نَقْلِ جَوَابِ الْمُخَاصِمِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا وَعَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ وَحَمْلِهِمْ إلَى الْحَاكِمِ وَعَلَى تَقَاضِي الْيَمِينِ وَعَلَى طَلَبِ الْحُقُوقِ وَعَلَى الْمَجِيءِ بِمَنْ وَجَبَ إحْضَارُهُ، لأََنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَعْمَالٌ مَحْدُودَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤَاجَرَةِ.

(8/196)


أجرة الأمير من يقضي بين الناس مشاهرة جائزة
...
1309 - مَسْأَلَةٌ - وَإِجَارَةُ الأَمِيرِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ مُشَاهَرَةً جَائِزَةٌ
لِمَا ذَكَرْنَا.

(8/196)


لا تجوز مشارطة على البرء أصلا
...
1310 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ أَصْلاً
لأََنَّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ بِيَدِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا الطَّبِيبُ مُعَالِجٌ وَمُقَوٍّ لِلطَّبِيعَةِ بِمَا يُقَابِلُ الدَّاءَ، وَلاَ يَعْرِفُ كَمِّيَّةَ قُوَّةِ الدَّوَاءِ مِنْ كَمِّيَّةِ قُوَّةِ الدَّاءِ، فَالْبُرْءُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.

(8/196)


يجوز أن يستأجر الطبيب لخدمة أيام معلومة
...
1311 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الطَّبِيبُ لِخِدْمَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ،
لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا عِنْدَ الْبُرْءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَحَلاَلٌ، لأََمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَخْذِ مَا أُعْطِي الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ.

(8/196)


1312 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَلْبَتَّةَ،
سَوَاءٌ كَانَتْ الأَرْضُ مَعْرُوفَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ; لأََنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ فِيهَا الصَّفَاةُ الصَّلْدَةُ، وَالأَرْضُ الْمُنْحَلَّةُ الرَّخْوَةُ وَالصَّلِيبَةُ، وَهَذَا عَمَلٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ يَبْعُدُ الْمَاءُ فِي مَوْضِعٍ وَيَقْرُبُ فِيمَا هُوَ إلَى جَانِبِهِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ مُيَاوَمَةٍ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ; لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ مَعْلُومٌ يَتَوَلَّى مِنْهُ حَسَبَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/196)


1313 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِيَاطَةِ إحْضَارَ الْخُيُوطِ، وَلاَ عَلَى الْوَرَّاقِ الْقِيَامَ بِالْحِبْرِ،
وَلاَ عَلَى الْبَنَّاءِ الْقِيَامَ بِالطِّينِ أَوْ الصَّخْرِ، أَوْ الْجَيَّارِ، وَهَكَذَا

(8/196)


من استأجر دارا أو عبدا أو دابة ثم أجره بأكثر مما استأجره به أو بأقل فهو حلال جائز
...
1314 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً، أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ حَلاَلٌ جَائِزٌ.
وَكَذَلِكَ الصَّائِغُ الْمُسْتَأْجَرُ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَيَسْتَأْجِرُ هُوَ غَيْرَهُ لِيَعْمَلَهُ لَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ، وَالْفَضْلُ جَائِزٌ لَهُمَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمُعَاقَدَةُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ، فَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الإِجَارَةُ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَاجَرَةٌ وَقَدْ أَمَرَ عليه السلام بِالْمُؤَاجَرَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/197)


1315 - مَسْأَلَةٌ - وَالإِجَارَةُ بِالإِجَارَةِ جَائِزَةٌ:
كَمَنْ أَجَّرَ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ بِخِيَاطَةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالنَّهْيِ، عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة: لاَ يَجُوزُ كِرَاءُ دَارٍ بِكِرَاءِ دَارٍ وَيَجُوزُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ.

(8/197)


بَقِيَّةُ الْكَلاَمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ
قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْفَضْلُ لِلأَوَّلِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ قَالَ: يُرَدُّ الْفَضْلُ هُوَ رِبًا وَلَمْ يُجِزْهُ مُجَاهِدٌ وَلاَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَلاَ عِكْرِمَةُ، وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُبِيحُهُ. وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ

(8/197)


1316 - مَسْأَلَةٌ - وَتَنْقِيَةُ الْمِرْحَاضِ عَلَى الَّذِي مَلاََهُ لاَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ،
وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ; لأََنَّ عَلَى مَنْ وَضَعَ كُنَاسَةً أَوْ زِبْلاً أَوْ مَتَاعًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ الَّتِي هِيَ مَالُ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَهُ، عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/198)


على صاحب الخان احضار مكان فارغ للخلاء لمن ينزل عنده ويرحل
...
1317 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ كَانَ خَانًا يَبِيتُونَ فِيهِ لَيْلَةً ثُمَّ يَرْحَلُونَ، فَعَلَى صَاحِبِ الْخَانِ إحْضَارُ مَكَان فَارِغٍ لِلْخَلاَءِ
إنْ شَاءَ، وَإِلَّا يَتَبَرَّزُوا فِي الصُّعُدَاتِ إنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ.

(8/198)


1318 - مَسْأَلَةٌ - وَالأُُجْرَةُ عَلَى كَنْسِ الْكُنُفِ جَائِزَةٌ
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، لِعُمُومِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤَاجَرَةِ. عَلَى أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ كَنَّاسٍ لِلْعَذِرَةِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْهُ تَزَوَّجَ وَمِنْهُ كَسَبَ وَمِنْهُ حَجَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ خَبِيثٌ، وَمَا كَسَبْت خَبِيثٌ; وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلْت فِيهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي كُنْت رَجُلاً كَنَّاسًا أَكْسَحُ هَذِهِ الْحُشُوشَ فَأَصَبْت مَالاً فَتَزَوَّجْت مِنْهُ، وَوُلِدَ لِي فِيهِ، وَحَجَجْت فِيهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْتَ وَمَالُك خَبِيثٌ وَوَلَدُك خَبِيثٌ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَأَيْنَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، عَنْ هَذَا إنْ طَرَدُوا أَقْوَالَهُمْ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

(8/198)


يجوز اعطاء الغزل للنسيج بجزء مسمى منه
...
1319 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ إعْطَاءُ الْغَزْلِ لِلنَّسْجِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ
كَرُبُعٍ . أَوْ ثُلُثٍ . أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ النَّسَّاجُ مَعًا وَيَكُونَا مَعًا شَرِيكَيْنِ فِيهِ: جَازَ ذَلِكَ

(8/198)


جائز اكراء السفن بجزء مسمى مما يحمل فيها مشاع أو متميز
...
1320 - مَسْأَلَةٌ - وَجَائِزٌ كِرَاءُ السُّفُنِ كِبَارِهَا وَصِغَارِهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يُحْمَلُ فِيهَا مُشَاعٌ فِي الْجَمِيعِ أَوْ مُتَمَيِّزٌ.
وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ، وَالْعِجْلُ، وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُ السَّفِينَةِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ عَطِبَ أَوْ سَلِمَ ; لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ. وقال مالك: لاَ كِرَاءَ لَهُ إِلاَّ إنْ بَلَغَ.
قال علي: وهذا خَطَأٌ وَاسْتِحْلاَلُ تَسْخِيرِ السَّفِينَةِ بِلاَ أُجْرَةٍ، وَبِلاَ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهَا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا قَوْلٌ لاَ يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ وَلاَ سُنَّةٌ

(8/199)


وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ خِدْمَةِ الْمَرْكَبِ جَائِزٌ وَلَهُمْ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلُوا عَطِبَ الْمَرْكَبُ أَوْ سَلِمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/200)


حكم ما إذا هال البحر وخيف العطب فليخفف الأثقل فالأثقل ولا ضمان فيه على أهل المركب
...
1321- مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ هَالَ الْبَحْرُ وَخَافُوا الْعَطَبَ فَلْيُخَفِّفُوا الأَثْقَلَ فَالأَثْقَلَ، وَلاَ ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْمَرْكَبِ
لأََنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِتَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} . فَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} .
وقال مالك: يَضْمَنُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يَضْمَنُ مَا سِيقَ لِلأَكْلِ، وَالْقُنْيَةِ، وَلاَ يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ فِي الْمَرْكَبِ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لاَ يَعْضُدُهُ دَلِيلٌ أَصْلاً، وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ كَانَ دُونَ الأَثْقَلِ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي رَمْيِ الأَثْقَلِ كُلْفَةٌ يَطُولُ أَمْرُهَا، وَيُخَافُ غَرَقُ السَّفِينَةِ فِيهَا، وَيُرْجَى الْخَلاَصُ، بِرَمْيِ الأَخَفِّ رُمِيَ الأَخَفُّ حِينَئِذٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ رَمَى الأَخَفَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَمْيِ الأَثْقَلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا رَمَى مِنْ ذَلِكَ لاَ يَضْمَنُهُ مَعَهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". وَلاَ يُرْمَى حَيَوَانٌ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ يُوقِنُ مَعَهَا بِالنَّجَاةِ بِرَمْيِهِ، وَلاَ يُلْقَى إنْسَانٌ أَصْلاً لاَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ كَافِرٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ دَفْعُ ظُلْمٍ، عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْهُ، وَالْمَانِعُ مِنْ إلْقَاءِ مَالِهِ الْمُثْقِلِ لِلسَّفِينَةِ ظَالِمٌ لِمَنْ فِيهَا، فَدَفْعُ الْهَلاَكِ، عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَنْعِهِ مِنْ ظُلْمِهِمْ فَرْضٌ.

(8/200)


استئجار الحمام جائز ويكون البئر والساقية تبعا ولا يجوز عقد اجارة مع الداخل فيه ولكن يعطى مكارمة
...
1322 - مَسْأَلَةٌ - وَاسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ جَائِزٌ وَيَكُونُ الْبِئْرُ وَالسَّاقِيَةُ تَبَعًا وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ إجَارَةٍ مَعَ الدَّاخِلِ فِيهِ،
لَكِنْ يُعْطَى مُكَارَمَةً، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ بِمَا أُعْطِي أُلْزِمَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مَا يُسَاوِي بَقَاؤُهُ فِيهِ فَقَطْ لأََنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مَجْهُولَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى مَجْهُولٍ; لأََنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لِجَهْلِهِمَا، بِمَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/200)


من استأجر دار وكان فيها دالية أو شجرة لم يجز دخولها في الكراء أصلا
...
1323 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا دَالِيَةٌ، أَوْ شَجَرَةٌ، لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا فِي الْكِرَاءِ أَصْلاً
قَلَّ خَطَرُهَا أَمْ كَثُرَ، ظَهَرَ حَمْلُهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ طَابَ أَوْ لَمْ يَطِبْ: لأََنَّهَا قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الثَّمَرَةُ، وَقَبْلَ أَنْ تَطِيبَ لاَ يَحِلُّ فِيهَا عَقْدٌ أَصْلاً إِلاَّ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ وَبَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِلاَّ الْبَيْعُ، لاَ الإِجَارَةُ ; لأََنَّ الإِجَارَةَ لاَ تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ، وَلاَ تُسْتَهْلَكُ أَصْلاً، وَالْبَيْعُ تُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ وَالرَّقَبَةُ، فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

(8/200)


اجارة المشاريع جائزة فيما ينقسم وما لا ينقسم من الشريك وغيره
...
1324 - مَسْأَلَةٌ - وَإِجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ، وَمَعَ الشَّرِيكِ وَدُونَهُ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ،

(8/200)


لا ضمان على أجير مشترك وغير مشترك ولا على صانع إلا ما ثبت أنه تعدى فيه وأضاعه
...
1325 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ، وَلاَ عَلَى صَانِعٍ أَصْلاً،
وَلاَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ أَوْ أَضَاعَهُ وَالْقَوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالتَّعَدِّي، أَوْ الإِضَاعَةِ ضَمِنَ، وَلَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الأُُجْرَةُ فِيمَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمِلَ مَا يَدَّعِي أَنَّهُ عَمِلَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} فَمَالُ الصَّانِعِ وَالأَجِيرِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اعْتَدَى أَوْ أَضَاعَ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى، وَالإِضَاعَةُ لِمَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ تَعَدٍّ وَهُوَ مُلْزَمٌ حِفْظَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَحُكْمِهِ عليه السلام بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا أَنْكَرَ، وَمَنْ طُلِبَ بِغَرَامَةِ مَالٍ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ غَرَامَةً فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقًّا فِي مَالِ غَيْرِهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا قلنا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ يَضْمَنُ الصَّائِغُ، وَلاَ الْقَصَّارُ، أَوْ قَالَ الْخَيَّاطُ وَأَشْبَاهُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ فِي حَمَّالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ قُلَّةِ عَسَلٍ فَانْكَسَرَتْ قَالَ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَضْمَنُ الأَجِيرُ إِلاَّ مِنْ تَضْيِيعٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَجِيرِ الْمُشَاهَرَةِ

(8/201)


ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لاَ يَضْمَنُ الْقَصَّارُ إِلاَّ مَا جَنَتْ يَدُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ، وَلاَ يَضْمَنُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَضْمَنُ الْمَلَّاحُ غَرَقًا وَلاَ حَرَقًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا أَفْسَدَ الْقَصَّارُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَانَ لاَ يُضَمِّنُهُ غَرَقًا، وَلاَ حَرَقًا، وَلاَ عَدُوًّا مُكَابِرًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا: وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْ الْقَصَّارَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ يَضْمَنُ الصَّانِعُ إِلاَّ مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ: يَضْمَنُ إذَا ضَيَّعَ.
وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ كَانَ لاَ يُضَمِّنُ أَحَدًا مِنْ الصُّنَّاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الصُّنَّاعُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ مَا جَنَوْا وَمَا لَمْ يَجْنُوا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ يَعْنِي: مَنْ عَمِلَ بِيَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُضَمِّنُ الأَجِيرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ، وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ: لاَ يُصْلِحُ النَّاسَ إِلاَّ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَمَّنَ نَجَّارًا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ تَضْمِينُ الأَجِيرِ وَالْقَصَّارِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا تَضْمِينُ الصُّنَّاعِ وَكَذَلِكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ كُلَّ أَجِيرٍ حَتَّى صَاحِبَ الْفُنْدُقِ الَّذِي يَحْبِسُ لِلنَّاسِ دَوَابَّهُمْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى إنَّهُ يُضَمِّنُ صَاحِبَ السَّفِينَةِ إذَا عَطِبَتْ الأَمْتِعَةُ الَّتِي تَلِفَتْ فِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ كُلُّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا وَرُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ الْعَامُّ وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الأَعْمَالِ وَلاَ يَضْمَنُ الْخَاصُّ، وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَّةٍ مَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رُوِيَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ يَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ لاَ يَضْمَنُ الْخَاصُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا غَابَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَلِفَ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلاَ يَضْمَنُ، وَلاَ يَضْمَنُ مَا ظَهَرَ أَصْلاً، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَعَدَّى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.

(8/202)


قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ وَجْهَ لَهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ.فَقُلْنَا لَهُمْ: فَضَمَّنُوا الْوَدَائِعَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَمَّنَهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَأَيْضًا فَمَنْ جَعَلَ الْمُسْتَصْنِعِينَ أَوْلَى بِالأَحْتِيَاطِ لَهُمْ مِنْ الصُّنَّاعِ وَالْكُلُّ مُسْلِمُونَ، وَلَوْ عَكَسَ عَاكِسٌ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ لَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَضْلٌ كَمَنْ قَالَ: بَلْ أَضْمَنُ مَا ظَهَرَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَتَعَدِّيهِ، وَلاَ أَضْمَنُ مَا بَطَنَ إِلاَّ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ بِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ تَعَدِّيهِ، بَلْ لَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحْوَطُ فِي النَّظَرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ رضي الله عنهم، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ: وَجَدْنَا مَا يَدْفَعُهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلاَثَةً لاَ رَابِعَ لَهَا: فَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَحْدَهُ لاَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْوَدِيعَةِ، فَوَجَبَ رَدُّ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا إلَيْهَا. وَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْقِرَاضِ، فَوَجَبَ رَدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرَّهْنُ وَمَا دُفِعَ إلَى الصُّنَّاعِ. وَقِسْمٌ ثَالِثٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَحْدَهُ فَقَدْ اتَّفَقْنَا فِي بَعْضِهِ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَالْقَرْضِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ مِثْلَهُ.
قال أبو محمد: لَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا وَلَكِنَّهُمْ لاَ الآثَارَ اتَّبَعُوا وَلاَ الْقِيَاسَ عَرَفُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/203)


1326 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ إِلاَّ بِمَضْمُونٍ مُسَمًّى مَحْدُودٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مَعْرُوفَةِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: وقال مالك: يَجُوزُ كِرَاءُ الأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنْت أَجِيرًا لأَبْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي، وَعُقْبَةِ رِجْلِي.
قال أبو محمد: قَدْ يَكُونُ هَذَا تَكَارُمًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ لاَزِمٍ وَأَمَّا الْعُقُودُ الْمَقْضِيُّ بِهَا فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بِمَعْلُومٍ، وَالطَّعَامُ يَخْتَلِفُ: فَمِنْهُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ الْخَشِنُ وَمِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ وَيَخْتَلِفُ الأُُدْمُ، وَتَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الأَكْلِ اخْتِلاَفًا مُتَفَاوِتًا فَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
تَمَّتْ "الإِجَارَةُ" بِحَمْدِ اللَّهِ

(8/203)