المحلى بالآثار شرح المجلى بالإختصار

كتاب المحاربين
من كتاب المحاربين
اختلاف العلماء فيمن هو المحارب
...
كتاب المحاربين
2252 - مسألة: اختلاف العلماء فيمن هو المحارب:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية
قال أبو محمد: فاختلف الناس , من هو المحارب الذي يلزمه هذا الحكم ؟ فقالت طائفة : المحارب المذكور في هذه الآية : هم المشركون . روي عن ابن عباس وغيره - كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا يحيى , وخالد - هما القطان - وأبو الحارث , كلاهما عن أشعث عن الحسن البصري في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية , قال : نزلت في أهل الشرك . وبه - إلى إسماعيل نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال : كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق فنقضوا العهد , وقطعوا السبيل , وأفسدوا في الأرض , فخير الله تعالى نبيه - عليه السلام - فيهم إن شاء أن يقتل , وإن شاء أن يصلب , وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من

(11/300)


بيان قول من يقول يجب أن يعطى المحاربون الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم
...
2253 - مسألة: يجب أن يعطى المحاربون الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم , ورأوا ذلك في جميع الأموال لغير المحاربين.
قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: يجب أن يعطى المحاربون الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم , ورأوا ذلك في جميع الأموال لغير المحاربين.
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول - وبالله تعالى نتأيد : إنه لا يجوز أن يعطوا على هذا الوجه شيئا - قل أم كثر - سواء محاربا كان أو شيطانا . لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} .

(11/308)


بيان أن أخذ المال بالوجه المذكور لا يخلو من الظلم والغلبة بغير حق من أحد وجهين لا ثالث لهما
...
2254 - مسألة: فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم , والغلبة بغير حق من أحد وجهين , لا ثالث لهما:
قال أبو محمد رحمه الله: فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم , والغلبة بغير حق من أحد وجهين , لا ثالث لهما : إما أن يكون برا وتقوى - أو يكون إثما وعدوانا . ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه ليس برا ولا تقوى , ولكنه إثم وعدوان بلا خلاف , والتعاون على الإثم والعدوان : حرام لا يحل.
حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء نا خالد - يعني ابن مخلد - نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال:

(11/308)


بيان قول من يقول أن آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين
...
2255 - مسألة : قال علي : قال قوم : آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين:
ونهي له عن فعله بهم - واحتجوا في ذلك بما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك: "أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها , ففعلوا , فقتلوا راعيها واستاقوها , فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة , فأتي بهم , فقطع أيديهم , وأرجلهم , وسمل أعينهم , ولم يحسمهم , وتركهم حتى ماتوا" فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية . حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي الزناد قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه , وسمل أعينهم بالنار" , عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى نا عبد الصمد - هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري - نا هشام - هو الدستوائي - عن قتادة عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة , وينهى عن المثلة".
قال أبو محمد رحمه الله: كل هذا لا حجة لهم فيه , ولا يجوز أن يقال في شيء من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله إنه منسوخ إلا بيقين مقطوع على صحته , وأما بالظن , الذي هو أكذب الحديث فلا . فنقول - وبالله تعالى التوفيق : أما الحديث الذي صدرنا به من طريق أبي قلابة عن أنس , فليس فيه دليل على نسخ أصلا - لا بنص ولا بمعنى - وإنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أيدي العرنيين وأرجلهم , ولم يحسمهم , وسمل أعينهم , وتركهم حتى ماتوا , فأنزل الله تعالى آية المحاربة - وهذا ظاهر : أن نزول آية المحاربة ابتداء حكم , كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شيء , أو تصويبا لفعله عليه السلام بهم ; لأن الآية موافقة لفعله عليه السلام في قطع أيديهم وأرجلهم , وزائدة على ذلك تخييرا في القتل , أو الصلب , أو النفي - وكان ما زاده رسول الله صلى الله عليه وسلم على القطع من السمل , وتركهم لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء : كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية

(11/310)


نا أحمد بن شعيب أنا الفضل بن سهل الأعرج - مرزوقي ثقة - نا يحيى بن غيلان - ثقة مأمون - نا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك , قال : إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين أولئك العرنيين ; لأنهم سملوا أعين الرعاء . وقد ذكر في الحديث الذي أوردنا أنهم قتلوا الرعاء , فصح ما قلناه من أن أولئك العرنيين اجتمعت عليهم حقوق : منها المحاربة , ومنها سملهم أعين الرعاء , وقتلهم إياهم , ومنها الردة - فوجب عليهم إقامة كل ذلك , إذ ليس شيء من هذه الحدود أوجب بالإقامة عليهم من سائرها , ومن أسقط بعضها لبعض فقد أخطأ , وحكم بالباطل , وقال بلا برهان , وخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أمر الله تعالى بالقصاص في العدوان بما أمره به في المحاربة , فقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحاربة , وسملهم للقصاص , وتركهم كذلك حتى ماتوا , يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا ; لأنهم كذلك قتلوا هم - الرعاء - فارتفع الإشكال - والحمد لله كثيرا . وأما حديث أبي الزناد فمرسل , ولا حجة في مرسل , ولفظه منكر جدا ; لأن فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاتبه ربه في آية المحاربة , وما يسمع فيها عتاب أصلا ; لأن لفظ " العتاب " إنما هو مثل قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} . ومثل قوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} الآيات. ومثل قوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وأما حديث المحاربة , فليس فيها أثر للمعاتبة . وأما حديث قتادة عن أنس في الحث على الصدقة والنهي عن المثلة فحق , وليس هذا مما نحن فيه - في ورد ولا صدر - وإنما يحتج بمثل هذا من يستسهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مثل بالعرنيين , وحاش لله من هذا , بل هذا نصر لمذهبهم في أن من قتل بشيء ما لم يجز أن يقتل بمثله ; لأنه مثلة وهم يرون على من جدع أنف إنسان وفقأ عيني آخر , وقطع شفتي ثالث , وقلع أضراس رابع , وقطع أذني خامس : أن يفعل ذلك به كله , ويترك , فهل في المثلة أعظم من هذا لو عقلوا عن أصولهم الفاسدة ؟ وحاش لله أن يكون شيء أمر الله تعالى به , أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلة , إنما المثلة ما كان ابتداء فيما لا نص فيه , وأما ما كان قصاصا أو حدا كالرجم للمحصن , وكالقطع أو الصلب للمحارب , فليس مثلة - وبالله تعالى التوفيق . وقد روينا من طريق مسلم ما ناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا يحيى بن يحيى التميمي أرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب , وحميد , كلاهما عن أنس بن مالك: "أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ؟ ففعلوا , فصحوا , ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام , وساقوا ذود رسول الله

(11/311)


صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأتي بهم , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم , وتركهم في الحرة حتى ماتوا". حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر نا إسماعيل ابن علية نا حميد عن أنس قال: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ناس من عرينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم إلى ذودنا فكنتم فيها , فشربتم من ألبانها , وأبوالها ؟ ففعلوا , فلما صحوا قاموا إلى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه ورجعوا كفارا , واستاقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم , فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم"
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه كلها آثار في غاية الصحة - وبالله تعالى التوفيق .

(11/312)


هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا ودليل ذلك
...
2256 - مسألة : المحارب يقتل وهل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا:
قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : إن في كتاب لعمر بن الخطاب " والسلطان ولي من حارب الدين , وإن قتل أباه , أو أخاه , فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الأرض فسادا شيء " وقال ابن جريج : وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواء سواء حرفا حرفا . وبه - إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : عقوبة المحارب إلى السلطان , لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الإمام , قال : وهو قول أبي حنيفة ومالك , والشافعي , وأحمد , وأبي سليمان , وأصحابهم قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخبرين اللذين رويناهما من طريق ابن عباس ذكرناهما في " كتاب الحج " " وكتاب الصيام " " وباب وجوب قضاء الحج الواجب " . " وقضاء الصيام الواجب عن الميت " . "اقضوا الله فهو أحق بالوفاء , دين الله أحق أن يقضى". وبقوله عليه السلام في حديث بريدة "كتاب الله أحق وشرط الله أوثق".
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اجتمع حقان : أحدهما لله , والثاني لولي المقتول - كان حق الله تعالى أحق بالقضاء ودينه أولى بالأداء , وشرطه المقدم في الوفاء على حقوق الناس , فإن قتله الإمام , أو صلبه للمحاربة , كان للولي أخذ الدية في مال المقتول ; لأن حقه في القود قد سقط , فبقي حقه في الدية , أو العفو عنها , على ما بينا في " كتاب القصاص "

(11/312)


ولله الحمد . فإن اختار الإمام قطع يد المحارب , ورجله , أو نفيه : أنفذ ذلك , وكان حينئذ للولي الخيار في قتله , أو الدية , أو المفاداة , أو العفو ; لأن الإمام قد استوفى ما جعل الله تعالى له الخيار فيه - وليس هاهنا شيء يسقط حق الولي , إذ ممكن له أن يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله تعالى . ولقد تناقض هاهنا الحنفيون , والمالكيون , أسمج تناقض ; لأنهم لا يختلفون في الحج , والصيام , والزكاة , والكفارات , والنذور , بأن حقوق الناس أولى من حقوق الله تعالى - وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون الله تعالى , وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى - وقد تركوا هاهنا هذه الأقوال الفاسدة , وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس - وبالله تعالى التوفيق .

(11/313)


2257 - مسألة : مانع الزكاة:
قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا أبو جعفر - محمد بن جرير الطبري - نا الحارث أنا محمد بن سعد نا محمد بن عمر الواقدي ني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن بن الربيع الطفري وكانت له صحبة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته فجاءه الرسول فرده , فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب إليه , فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه" قال عبد الرحمن : فقلت لحكيم : ما أرى أبا بكر قاتل أهل الردة إلا على هذا الحديث ؟ فقال : أجل
قال أبو محمد رحمه الله: هذا حديث موضوع مملوء آفات من مجهولين , ومتهمين , وحكم مانع الزكاة إنما هو أن تؤخذ منه أحب أم كره , فإن مانع دونها فهو محارب , فإن كذب بها فهو مرتد , فإن غيبها ولم يمانع دونها فهو آت منكرا , فواجب تأديبه أو ضربه حتى يحضرها أو يموت قتيل الله تعالى , إلى لعنة الله . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع" وهذا منكر , ففرض على من استطاع أن يغيره كما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .

(11/313)


2258 - مسألة : هل يبادر اللص أم يناشد:
قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا محمد بن بشار , ومحمد بن المثنى , قالا جميعا : نا أبو عامر العقدي نا عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم بن المطلب عن أبيه - هو المطلب بن حنطب - بن فهيذ بن مطرف الغفاري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا علي عاد ؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرات , قال : فإن أبى علي ؟ فأمره بقتاله". وقال عليه السلام : "إن قتلك فأنت في الجنة , وإن قتلته فهو في النار".

(11/313)


2259 - مسألة : قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي سواء:
وذلك ; لأن الله تعالى إنما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سعى في الأرض فسادا ولم يخص بذلك مسلما من ذمي {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وليس هذا قتلا للمسلم بالذمي , ومعاذ الله من هذا , لكنه قتل له بالحرابة , ويمضي دم الذمي هدرا . وكذلك القطع على امرأة , أو صبي , أو مجنون , كل ذلك - محاربة صحيحة - يستحق بها ما ذكرنا من حكم المحاربة وأما الذمي - إن حارب فليس محاربا , لكنه ناقض للذمة ; لأنه قد فارق الصغار , فلا يجوز إلا قتله ولا بد , أو يسلم , فلا يجب عليه شيء أصلا في كل ما أصاب من دم , أو فرج , أو مال , إلا ما وجد في يده فقط ; لأنه حربي لا محارب - وبالله تعالى التوفيق . وأما المسلم يرتد , فيحارب - فعليه أحكام المحارب كلها على ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين الذين اقتص منهم قودا , وأقام عليهم حكم المحاربة وكانوا مرتدين محاربين متعدين - وبالله تعالى التوفيق

(11/315)


2260 - مسألة : صفة الصلب للمحارب:
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في صفة الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب ؟ فقال أبو حنيفة , والشافعي : يضرب عنقه بالسيف ثم يصلب مقتولا - زاد الشافعي - : ويترك ثلاثة أيام ثم ينزل فيدفن . وقال الليث بن سعد , والأوزاعي , وأبو يوسف : يصلب حيا ثم يطعن بالحربة حتى يموت . وقال بعض أصحابنا الظاهرين : يصلب حيا ويترك حتى يموت , وييبس كله ويجف , فإذا يبس وجف أنزل , فغسل , وكفن , وصلي عليه , ودفن ؟
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى ومنه - فنظرنا في ذلك , فوجدنا

(11/315)


بيان أنه لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب انما هو ضرب العنق بالسيف فقط
...
2261 - مسألة: صفة القتل في المحارب:
قال أبو محمد رحمه الله: لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط , وأما قطعه فإن الله تعالى قال: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ}. فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معا ; لأنه لو كان ذلك لم يكن القطع من خلاف , وهذا أيضا إجماع لا شك فيه , فقال قوم : يقطع يمين يديه ويسرى رجليه ثم يحسم بالنار ولا بد.
قال أبو محمد:أما الحسم فواجب ; لأنه إن لم يحسم مات , وهذا قتل لم يأمر الله تعالى

(11/318)


به , وقد قلنا : إنه لا يحل أن يجمع عليه الأمران معا ; لأن الله تعالى إنما أمر بذلك بلفظ " أو " وهو يقتضي التخيير ولا بد . ولو أراد الله تعالى جمع ذلك لقال : أن يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . وهكذا قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . وقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . فإن قال قائل : فإن العرب قد قالت : جالس الحسن , أو ابن سيرين - وكل خبزا , أو تمرا - وقال تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} . قلنا : أما قول الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فهو على ظاهره , وهو عليه السلام منهي أن يطيع الآثم - وإن لم يكن كفورا - وكل كفور آثم , وليس كل آثم كفورا - فصح أن ذكره تعالى للكفور تأكيد أبدا , وإلا فالكفور داخل في الآثم . وأما قول العرب : جالس الحسن , أو ابن سيرين - وكل خبزا , أو تمرا , فنحن لا نمنع خروج اللفظ عن موضوعه في اللغة بدليل , وإنما نمنع من إخراجه بالظنون والدعوى الكاذبة . وإنما صرنا إلى أن قول القائل : جالس الحسن , أو ابن سيرين : إباحة لمجالستهما معا , ولكل واحد منهما بانفراده . وكذلك قولهم : كل خبزا , أو تمرا أيضا , ولا فرق - بدليل أوجب ذلك من حال المخاطب , ولولا ذلك الدليل لما جاز إخراج " أو " عن موضوعها في اللغة - أصلا وموضوعها , إنما هو التخيير أو الشك - والله تعالى لا يشك , فلم يبق إلا التخيير فقط ؟ قال أبو محمد:ولو قطع القاطع يسرى يديه , ويمنى رجليه , لم يمنع من ذلك , عمدا فعله أو غير عامد ; لأن الله تعالى لم ينص على قطع يمنى يديه دون يسرى , وإنما ذكر تعالى الأيدي والأرجل فقط {وما كان ربك نسيا}. ومن ادعى هاهنا إجماعا فقد كذب على جميع الأمة , ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلا , وما نعلمه عن أحد من التابعين - وبالله تعالى التوفيق.

(11/319)